بسم الله الرحمن الرحيم
الفصل الرابع عشر
(رغد )
في منتصف الليل ونحن نيام طرقت أحداهن على قضبان الزنزانة بطريقة همجية مما تسبب بثوران براكين غضبنا أنا و فهده , نهضت من على سريري وأنا أعض على شفتاي غضباً , عاقدة العزم على أن أسدد لكمة قوية لوجه هذه الحقيرة التي تفتقر للذوق حتى تتعلم السلوك المهذب ولا تعيد الكرة مرة أخرى , عندما نهضت واقفة أمام القضبان و شاهدت الطارقة فغرت فاهي لشدة دهشتي وذعري , اتسعت عيني ونفر عرقاً في جبيني واتسعت فتحات أنفي واضطربت أمعائي بدوت للولهة الأولى مصدومة وعاجزة كليا عن الكلام , ما أن رأت فهده تقاسيم وجهي المذعورة وشدة الذهول في بريق عيوني حتى هبطت من سريرها مسرعة قائله بصوت منخفض أقرب للهمس : ماذا بك ؟؟؟
مازلت لا أتحرك ساكنا متسمرة في مكاني وأثار الدهشة تعلو ملامحي .
التفت فهده لتشاهد الفتاة التي تقف خلف القضبان لترى السجانة وهي تبتسم وعينها تنذر ببدء مشهد درامي حزين .
التفتت فهده نحوي قائله بسخرية : ما الذي أذهلك , هل هي جميلة لهذا الحد أنها تمتلك حظاً طيباً من الجمال ولكنها لا تصيبني بالذهول أنها سجانة جديدة لقد تم توظيفها هنا منذ قرابة الشهر هل تنوين أن تكوني من إحدى صفوف المعجبات بها كما فعلت سمر سابقاً معها.
نظرت لي فهده بنظرة تحكي أسطراً وصفحات من خيبات الأمل قائله : ألم تقولي بأنك طاهرة .
ابتسمت الفتاة من خلف القضبان عند سماع حديث فهده لي فرغم أن صوت فهده كان منخفضاً يبدوا بأن أذنين السجانة عبارة عن رادارات , أخرجت السجانة مفاتيحها لتفتح البوابة .
دهشت فهده لتصرفها فقالت : ماذا تريدين؟؟؟
لم تجبها السجانة ووضعت المفتاح بالقفل وأدارته حتى فتح الباب .
حدثتها فهده بصوت رقيق وهي تتمايل : على ماذا تنوين يا قطعة السكر ؟؟؟
***
أم إبراهيم وغالية ينحبن قائلين : حسبي الله ونعم الوكيل .
تصيح أم إبراهيم قائله : هل عاد من شهر العسل الحقير ؟؟؟ اللهم اجعله شهر بئس وعذاب عليهم .
أجبتها غالية بصوت حزين : لم يعد بعد النذل , ولكن ناصر وعدني بالذهاب إليه ليتفاهم معه من أجل إجراءات الطلاق .
بنبرة حادة قالت أم إبراهيم : هل تنوين أن تسلمينه لها هكذا بكل برود على طبق من ذهب .
رفعت غالية أنفها للأعلى باعتزاز قائله : دعيها تشبع به فقد طابت نفسي منه .
لم ترد خلود بدء حديث معهن فقررت قراءة الجرائد عوضاً عن سماع أحاديثهن المقرفة , عندما فتحت الصفحة الأولى وجدت خبراً بعنوان
انتحار فتاة مجهولة من على الجسر المعلق .
أخذت خلود بقراءة الخبر كاملا كان بمفاده (أن فتاة انتحرت منذ مدة زمنية بعيدة وتم العثور على جثتها ولكن السباع قد نهشت لحمها فلم يتبقى ألا عظامها فبقيت الفتاة مجهولة الهوية يطلب كاتب الخبر من جميع القراء اللذين فقدوا أحد من عائلته بالاتصال على الرقم التالي ******* فقد تكون الفتاة هي الشخص المجهول الذي ينشدونه ) .
دخل علي وهو مكفهر الوجه قائلا بصوت حزين : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
رد الجميع السلام وأعينهم يملئوها التساؤل فوجه علي ينبأ عن أخبار سيئة .
أم إبراهيم : بشرني يا ولدي عن من أنباء عن رغد .
هز علي رأسه نافيا .
أطلقت خلود تنهيدة خيبة أمل طويلة فقد كانت تأمل بأن يأتي علي بنبأ عنها .
تحدث علي بنبرة حزينة : لقد طلقت نجلاء .
توقف الجميع عن الحراك وأعينهم متسمرة نحو علي تطالب بتبرير لفعلته .
أخذت أم إبراهيم تنحب من جديد قائله : لا حول ولا قوة إلا بالله ماذا أصابنا أنه الحسد بالتأكيد , التفتت أم إبراهيم نحو خلود قائله : خلود بخري المنزل هيا أحضري المبخرة بسرعة .
غالية : ما الذي حدث يا ولدي .
وضع علي يديه على جبينه قائلا : لقد كانت تكذب علي نجلاء لم تكن بحامل .
في تلك اللحظة دهشت الأختان وسرت الدماء في عروقهن بسرعة لهول ما سمعن .
أم إبراهيم : كيف ذلك ؟؟
علي : لقد طلبت منها أن تذهب لطبيب لتأخذ أشعة لجنين لمعرفة جنسه ولكنها ارتبكت وبدت مرعوبة فقررت أخذها وعندما قام الطبيب بفحصها تبين لي كذبها لم يوجد أية جنين في بطنها وعندما واجهتها مطالباً بالحقيقة تحججت بأنه ربما كان حمل كاذب أنه منافقة ومخادعة تباً لها ضرب علي الجدار بقوة وأخذ بطحن أسنانه غضباً .
أم إبراهيم : الخسيسة .
تحدث علي والغصة تخنقه : لقد قمت ببعض التحاليل والفحوصات . توقف لبرهة ثم أستطرد قائلا : تبين بأأني من الرجال الصفر أنا ... أنا ... أنا عقيم .
أم إبراهيم : خسئت لا يوجد رجل عقيم في هذه الدنيا النساء وحدهن من يصبن بالعقم .
ذهب علي تاركاً والدته غريقة في حزنها خلفه , يجر خيبة الأمل والهم يأكله قطعة قطعة ويتلذذ في سرقة بريق عينيه وصفاء بشرته و إنزال وزنه في مدة زمنية قصيرة جداً.
***
يحدثها ناصر بكل لطف مداعباً خصل شعرها الأسود المسترسل قائلا : ماذا تشتهين أن تأكلين اليوم يا حلوتي .
بنظرة خجولة تجبه بثينة : الذي تشتهيه أنت يا قلبي .
يمسح ناصر على رأس بثينة بحنان قائلا : أحبك .
فتطرق رأسها بثينة خجلا قائله : أنا أيضاً أحبك .
ناصر : لدي لك مفاجأة .
ابتسمت بثينة قائله : وما هي ؟
ناصر : سأصطحبك برحلة لشرم الشيخ .
دهشت بثينة وأخذت بالضحك بشكل هستيري لشدة فرحها قائله : هل أنت جاد ؟؟؟
ناصر : يا ليتني اصطحبتك لشهر عسلنا لشرم الشيخ ولكنني أنوي تعويضك عما سبق سامحين....
قاطعته بثينة قائله : ما يهمني الآن أنك الآن أصبحت رجلا جديداً الماضي أنقضي دعنا نهتم لأمر المستقبل .
اقتربا من بعضها البعض ليعانقا بعضها معلنين لبعضهم البعض نهاية حكاية البئس التي كانت يسطر حروفها ناصر وبداية رواية جديدة عنوانها عاشق ومولع بحب زوجتي بثينة .
***
فتحت السجانة الباب وهرعت نحو مها وعانقتها بكل قوة
قالت فهده باشمئزاز وقرف : مها ما هذا الانحطاط السريع .
رفعت مها يدها الناعمتان نحو وجه السجانة لتعتصر وجهها قائله : رغد وأخيراً لقد جئتِ لزيارتي .
مسكت رغد مها من كتفيها بقوة وهي تبكي من شدة الفرح قائله :
أيتها الغبية أنا أعمل الآن هنا لن أفارق بعد الآن مطلقاً .
تحدثت مها وكلمتها غير مفهومة فقد كانت في حالة من الهذيان لشدة الصدمة : رغد لا أصدق ذلك هذا يعني بأنك لن تفارقني بعد الآن .
فجأة أجهشتا الفتاتان بالبكاء وفهد تنظر إليهم وهي تضحك قائله : أجمل مشهد درامي رأيته بحياتي تستحقون جائز إيمي , أخذت فهده بالتصفيق لهما أعجاباً بما رأته .
تجاهلتا وجودها وأخذتا بالاستفسار عن أحولهما وكل واحدتن منهن تمحص وجه الأخر غير مصدقة ما تراه .
بصوت خفيض قالت مها : منذ متى وأنتٍ تعملين هنا .
نظرة رغد لفهده قائله : كما أخبرتك فهده منذ شهر تقريباً .
رفعت مها يديها للسماء قائله : يا إلهي , الحمد لله وأخيرا لم شملنا .
رغد : كنت أعتزم ذلك منذ لحظة دخولك للسجن فقد رأيت إعلان بالصحيفة يطلب ممن تجد بنفسها الكفاءة بأن تكون سجانة بأن ترسل سيرتها الذاتية لهم عن طريق الفاكس ولكنني جبانة ولم أقوى على فعل ذلك في تلك اللحظة ولكن بعد ما فعله علي شعرت بأن الله سهل الطريق أمامي وقمت بهذه الخطوة وها أنا هنا بجانبك الآن مها أنا آسفة .
تعانقتا الأختان من جديد وهن يبكين حسرة على حالهن
مها : حمد لله .
رغد : حزنت جداً عندما علمت بما فعلته العلقة أردت زيارتك بالمستشفي ولكن لم أخبر السجانات بعد بأنك أختي وأعتزم عدم أخبارهن والتكم بالأمر .
التفتت رغد لفهده قائله بنبرة حاسمة : فهده عليك أنتِ أيضا بكتمان هذا السر معنا .
رفعت فهده حاجبها قائله : من أنتِ ولم أنتِ هنا ؟؟
هل أعرفك ؟؟؟
ضحكنا سوياً على براعة المشهد التمثيلي لفهده فقد كانت بارعة بكل شيء ليس فقط بالتمثيل , أخذنا بتجاذب أطراف الحديث من ثم قالت رغد : علي بالذهاب الآن مها .
مسكتها من قميصها وجذبتها نحوي قائله : ألم تقولي بأنك لن تفارقيني .
عانقتني رغد هامسة بأذني قائله : لن أفارقك أبداً يا أختي الغالية .
تدخلت فهده بيننا قائله : مها عليها بالذهاب الآن حتى لا يشكون بأمرها لا تريدينهم مشاهدتها داخل الزنزانة .
مها : حسنا أذهبي .
رغد : ستأتي مريم بعد قليل لأخذك للعلقة , مها ثقي بأأنا سوف ننتقم شر انتقام من هذه الحقيرة .
بتلك اللحظة شعرت بحرقة بظهري أججت من الحقد الذي أكنه بداخلي لهذه العلقة تباً لها فجرحي لم يتألم بعد فكيف لعيني ملاقاة عيناها .
***
أثناء تقليبي لصفحات كتابي منتظراً قدوم البروفسور ليلقى المحاضرة جلست بجانبي غسق ويملؤها النشاط والفرح .
أطلقت تنهيدة بصوت عالي لتشعر بعد ترحابي بها وحتى لتكرر تصرفها هذا من جديد .
ألتفتت غسق إلي ويرتسم على وجهها ابتسامة مشرقة .
أشحت نظري عنها وأنا أستعيذ بالله من الشيطان الرجيم يا لجمال هذه الفتاة ما أن أرها حتى أفقد صوابي كل شيء بها جذاب ابتسامتها صوتها حركاتها العفوية غفرانك يا ربي .
أطلق هاتفي الخلوي رنين تنبيه فأدخل يدي بجيبي لأرى لماذا أطلق جهازي صوت تنبيه عندما فتحت غطاء هاتفي الخلوي وشاهدت الشاشة وجدت رسالة مبعوثة من شخص مجهول من البلوتوث تردد في قبول الرسالة ولكنني قبلتها في نهاية المطاف عندما فتحت الرسالة وجدت التالي :
((ألن تلقي علي التحية أيها المغرور )).
ألتفت نحو غسق فوجدت هاتفها المحمول بين يديها وهي تضحك , فتحت فمي وأنا اعتزم شتمها بوابل من الكلمات النابية ولكنني أشفقت عليها تبدوا لي فتاة بريئة ولكنها شقية اقتربت منها قائلا : غسق أنا رجل ولا يجوز لك محادثة الرجال الأجانب هل تعلمين ذلك .
اقتربت مني هي بدورها فابتعدت عنها وأنا مشمئز من جرأتها مقطباً جبيني .
عادت أدراجها و ألصقت ظهرها بمحاذاة كرسيها وهي تطلق تنهيدة قائله : لم أقل بأأني أنوي مصاحبتك أنما أريد مساعدتك في الأمور الدراسية وأعرفك على أماكن التجمع العربية ومن أين تبتاع الأطعمة الحلال .
قلت لها بنبرة حادة : أبحثي عن فتاة لتساعديها ولا تبحثي عن الرجال .
قالت لي وهي تجعل من صوتها رفيعاً استفزازا : ما مشكلتك مع النساء .
فهد : لا أعاني من أية مشاكل يهيئ لك ذلك .
بعينين نصف مغمضتين قالت : هل أقمت محادثة مع فتاة من قبل فأنت تبدوا لي شاب أخرق لا أعتقد بأنه يوجد على هذه الكرة الأرضية فتاة قد تقبل بمحادثتك .
أجبتها بتعالي : لعلمك هذا الأخرق الذي لم يحز على إعجابك متزوج بفتاة تفوقك جملاً وأخلاقا و زوجته لا تتحدث مع الرجال الأجانب فهي شريفة .
نهضت غسق من مقعدها وهي تضحك قائله : صبي مثلك متزوج . أخذت بالضحك فثار فهد غضباً فهو لم يتوقع منها السخرية أراد مضايقتها ولكنها خالفت جميع توقعاته ولم تصدق ما قاله .
فهد : لو أنك رجلا لأعلمتك من هو الصبي .
أجابته بسخرية : صبي رغم أنفك .
ذهبت غسق نحو فتى له ملامح الشاب خليجي وقفا يتحادثا مع بعضهما البعض لفترة من ثم جلسا بجانب بعضهم في مقاعد بعيدة عن كل الطلبة أنها فتاة اللعوب ولسانها سليط ما الذي جعلني أتعلق بها ولدي أفضل منها .
***
دخلت لزنزانة الحيزبون وأنا متمالكة نفسي فصدري يطوف به الحقد والغل منها .
عند دخولي أغلقت العلقة أنفها قائله : ما هذه الرائحة .
أجبتها بنبرة حادة : أنها رائحتك العفنة .
وقفت العلقة أمام وجهي ورفعت يدها من ثم أنزلتها قائله : لدينا عمل هنا سأنهيه من بعدها نسوي خلفتنا , أجلسي أيتها الحمقاء .
أجبتها بحزم : أنا لا أعمل مع أمثالك .
الملكة دودو : لا تدعي الطهارة يا ساذجة , ألقت بالهاتف الخلوي فالتقطته قائله بتعجب : لديك هاتف خلوي خاص بك ... قاطعتني قائله : تحدثي هيا ولا تستفسرين عن أشياء لا تخصك .
وضعت الهاتف على أذني قائله : ألو .
فهد : ألو مها السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
رددت عليه السلام وأنا أوشك البكاء من شدة الفرح .
فهد : كيف حالك يا عسل ؟؟؟
مها : بخير وأنت كيف حالك هل أنت سعيد هل أنت مرتاح ؟؟
فهد : مها أنا أحبك .
تلك اللحظة لم أعد أرى ولا أسمع شيئا حدقت بالعدم واغرورقت عيني بالدموع أنها أول مرة يقولها ليا مباشرة اللهم رحمتك ما هذه المفاجآت السعيدة التي توالت علي .
فهد : مها , مها هل ما زلتي على الخط .
مها : نعم مازلت على الخط .
فهد : هل تبكين ؟؟؟
مها : لا تقلق أنها دموع الفرح .
أخذت العلقة الهاتف مني قائله انتهى العمل الذي لم ترغبين به هيا عودي لزانتك يا وقحة .
***
دخلت فهده لعيادة طبيب الأسنان وهي مبتهجة تستبشر خيراً
أستقبلها الطبيب بأجمل عبارات الترحيب الموحية باستلطافه لها ,
ما أن تلتقي عيناها بعينا معشوقها حتى تنسى ماضيها المرير وتنسى أثار القطب التي تحتل نصف وجهها الأيمن لترسم تشوها على لوحة جمالها الفاني للأبد لتجعل لوحة جمالها الفني تصبح ببخس الثمن, حتى المشرد لا يرغب باقتناء تلك اللوحة , جلست فهده على كرسي العلاج وقلبها يخفق بقوة وتصبب عرقاً من التوتر شاده على قبضتها بقوة , أزالت نقابها فاحمرت وجنتيها خجلا لرؤية محبوبها لملامحها , باشر سارق عقلها عمله وأقترب منها قائلا : كيف حالك أسنانك التي قمت بعلاجها سابقاً ؟؟؟
أجابت فهده بسرعة الضوء : ممتازة لم أعد أشعر بالأم كالسابق .
بعد أن أنهى الطبيب من علاج سنها , أدخل يده في جيبه ليخرج ثلاث ياسمينات وقدمها إليها قائلا : لقد زرع تلك الياسمينات جدي كان كل سنة يقطف جميع الياسمينات المزهرات ويقدمها لجدتي ولكن هذه السنة ماتت جدتي فلم يقطف أية ياسمينة حتى أن بعضها ذبل وجف ووقع أرضاً قبل أن يقطفه أحد .
قلت له بصوت حزين : رحم الله جدتك وأسكنها فسيح جناته , كرم منك أن تقدم لي هذه الزهور .
الطبيب : لا تنسبي هذا التصرف الكريم لي فزوجتي هي من قطفتها وأمرتني بأن أعطيكِ إياها .
في تلك اللحظة تعكر صفو مزاجي وأصفر وجهي وتبدلت ملامح فرحي للعبوس وارتخت قبضتي , لم يكن يبادلني شعور الحب بل أنه يشفق علي حتى أنه حكى لزوجته عني يخبر الجميع عن مدى أشفاقه علي يا لبؤسي .
***
أخذت بثينة بطي الملابس ووضعها بخزائن كانت تنبعث من الغرفة رائحة زهور الأوركيد فالفندق الذي ينزلون به بمستوى أربعة نجوم الغرفة صغيرة ولكنها نظيفة وأثاثها بسيط .
أمرها ناصر بأن تجهز بالساعة الخامسة عصراً ليذهبان لحديقة الحيوان من ثمة يذهبان للشاطئ . أعدت بثينة كل شيء ورتبت الغرفة دخل ناصر عليها حاملا بين يديه طعاما تنبعث منه رائحة زكية , ابتسمت بثينة له قائله : الرائحة زكية جداً .
أخذت من بين يديه الطعام وحضرت المائدة من ثمة صاحت به ليحضر ليتناولا الطعام سوياً . جلسا ككناري الحب حول المائدة يتناولون الطعام ويتبادلون أحاديث الحب انتهيا من تناول الطعام فنهضت بثينة لأعداد الشاي أثناء أعدادها لشاي شعرت بالدوار فصاحت مستنجدة بناصر , أسرع بالقدوم فمسكت ذراعه قائله : دعني أستلقي بالسرير .
حملها واضعاً إياها بالسرير قائلا : ما بكِ ؟؟ هل أنتِ بخير ؟؟
رددت عليه وجبينها يتصبب عرقاً : لا أعلم ولكنني أشعر بالإعياء والتعب .
ذهب ناصر وعاد إليها وبيده عباءتها وأمرها أن ترتديها ليذهب بها للمستشفي على الفور .
وهم يسيرون في رواق الفندق متجهين للمصعد قالت بثينة : آسفة ناصر لقد أفسدت عليك الرحلة .
ناصر : لا تتأسفين ليس بخطئك ما كان علي أن أحضر السمك من ذاك المطعم يبدوا بأنك تسممت من هذا السمك الفاسد .
بثينة : لا أعلم ولكنني أشعر بالإعياء و غثيان شديد .
أوقف ناصر سيارة الأجرة بعد أن أطلق صوت تصفير عالي صعدت سيارة الأجرة و أخبر ناصر السائق بأنه لو ضاعف سرعته سوف يعطيه ضعف أجره فانطلق السائق بأقصى سرعته للمستشفى موشكاً أن يصطدم بكل سيارة يمر بمحاذاتها ما أن وصلوا للمستشفي حتى أسرعن الممرضات بحمل بثينة ووضعها على كرسي مدولب وأخذوا بأجراء الفحوصات والتحاليل , قرر الطبيب دخول بثينة لغرفة العمليات بسرعة فائقة للخضوع لغسيل المعدة , أقررت بثينة بالموافقة ووقعت على الأوراق اللازمة .
كان ناصر متوتراً ويدعى الله بـأن لا يصيبها مكروه شعرت بثينة بتلك اللحظة بأنها محسودة ما أن ابتسمت الدنيا لها حتى تسممت بذلك السمك الفاسد أخذنها الممرضات لغرفة العمليات وودعها ناصر وعيناه مرقرقه بالدمع.
***
مجتمعين حول مائدة الطعام نلتهم الطعام بشراهة وأنا أتناول طعامي شاهدت مجموعة من السجانات يتجهون لطاولة في زاوية في أقصى شمال صالة الطعام تجلس عليها الفتاة التي تعجبت لكونها أما لصبي في الثانية من عمره , تقدمن نحوها السجانات فجن جنونها وأخذت بالصراخ لم أعلم سبب كل هذه الجلبة ما بها أخذت بالولوله والبكاء والنحيب ولطم خدودها والاستنجاد بالسجينات من حولها كن السجانات ملتفين حولها.
ماذا يريدن منها ؟؟ بعد عدة دقائق من أصوات الصراخ و والبكاء والعراك وتطاير أطباق الطعام والملاعق والسكاكين على السجانات تفرقن وشاهدت الصبي بين يدي السجانة مريم.
أطلقت الأم تنهيدة حسرة وألم عصرت قلبي وحطمت فؤادي اغرورقت عيني بالدموع فلم استطع حبس دموعي فانهمرت وجنتاي بالدموع تلتني السجينات بالبكاء , جثت ألام على ركبتيها تنعي أبنها الذي خسرته منذ دقائق .
تلعن نفسها وتسحب خصلات شعرها حتى تتقطعت كأنها بهذا العذاب تريح ضميرها , اقتربن منها السجانات وطلبن منها الاستغفار والدعوة لبنها ولكنها اقتربت من حذاء السجانة مريم وقلبته راجية منها أن تعيد صغيرها لحضنها الدافئ ولكنها أبت وقالت لها : لو كان بمقدوري أن أعيده لك لفعلت ولكن القانون يفيد بأن أي طفل يتعدى العامان عليه بالخروج منها وأعادته لعائلته لقد تغاضينا عنك كثيراً لقد بلغ الثالثة من العمر وهو لا يزال هنا .
حدثتها الأم بصوت مهزوز متوجع : ليس لدي عائله رجاءاً أعيديه إلي .
السجانة مريم : لا تقلقين سوف يرحل لدار الأيتام .
في تلك اللحظة أطلقت الأم صيحات الحسرة وسلخت دموعها جلد خديها تفجر الحليب من صدرها متدفقاً بغزارة , هكذا أراد أن يعبر جسدها عن حزنه الحنان يخرج من صدرها لينسكب بين ثنيات جسدها حتى تبللت ملابسها بالكامل , عادت الأم اليائسة للاستنجاد من جديد بالسجينات من حولها ولكننا وقفنا صامتين والخزي ينهش بأجسادنا لم نستطع التحدث والدفاع عنها خرجن السجانات والأم تهذي وهي أشبه بالمجنونة أكاد اجزم بأنه دقائق معدودة وستفقد عقلها , خرجن السجانات وتاركين تلك الأم المعذبة ورائهم وهن قد ذرفن القليل من الدمع فقد كان شكلها حزينا .
تلك الليلة عزفت الأم لحن فراق بنحيبها سيمفونية خاصة بابنها , تأثرت جميع السجينات تأثراً عميقاً فقد بدت الشفقة على وجههم بجلاء , بسط الحزن هيبته على المكان فحلت السكينة وترك الجميع طعامه حداداً على هذا الصغير .
عدت لزنزانتي أنا وفهده ويعترينا الأسى والهم متهادين الخطى عيوننا كسيرة , يالا جبني وقفت هكذا جامدة كأنني صخرة لما لم أمد يد العون لها .
سألت فهده عن سبب حزنها فأخبرتني بما حدث مع الطبيب فعاد السكين ليغرس في صدري من جديد ويذكرني بتلك العلقة .
نظرت لفهده بعينان خبيثتان قائله : لو أخبرتك بأنني وجدت خطة للهرب ولكن الطبيب سيكون الضحية ماذا ستقولين ؟؟؟
أطلقت فهده ضحكة شريرة قائله : هذا ما أتمناه حالياً .
حسناً لدينا موعد معه غداً المحاولة ستكون غداً نعلم عائشة والعلقة الحقيرة لتكونا على أتم استعداد .
فهده : لقد تمت قلب الموازين .
نظرت لها باستغراب قائله : ماذا تقصدين ؟؟؟
فهده : لم تدفع العلقة بعض ديونها فقلبت الموازين رأسا على عقب فسمر تنوي أن تسحب البساط من تحت أرجل الحيزبون أنها تعتزم اعتلاء كرسي العرش.
ابتسمت ابتسامة خبيثة وهززت برأسي فرحاً .
فهده : لا تفرحي كثيراً أيتها الجميلة أن العلقة قذرة ولكن سمر أشد قذارة أن العلقة عبارة عن بالوعة أما سمر فهي أشبه بصرف صحي .
مها : فهده أشعر أحيانا بأنك تساندين العلقة وتحبينها .
فهده : لا أكن أية ضغينة نحوها كما أنني سامحتها .
بعينان جاحظتان قلت : سامحتها .
فهده : الدنية قصيرة ولا أملك سوى عملي الصالح سامحتها لوجه الله .
مها : هل جننتِ ؟؟؟
فهده : ما سأقوله الآن أكثر جنوناً , علينا بالوقوف إلا جانب الملكة دودو لن نسمح لسمر بأن تأخذ كرسي العرش منها .
مها : حلت علينا النعمة وأنتِ تريدين رفسها .
فهده : أن أخذت سمر سلطة العلقة فلن نفر من هنا .
مها : ما المطلوب مني إذن ؟؟؟
أخرجت فهده من جيبها قنينة وناولتني إياها قائله : أشربيها .
مها : ما هذا المحلول ؟؟؟
فهده : سيتسبب لكِ بوعكة , أشربيه دفعة واحدة فطعمه مر , عليك بالتردد لدورات المياه كثيراً حتى تستطيعين معرفة المكان الذي تخبأ سمر به الممنوعات أبحثي جيداّ هذه بداية الطريق للخلاص من سمر علينا معرفة مخبئها السري داخل دورات المياه .
مها : ليس من الصعب المعرفة أتوقع بأنه في خزان مياه المراحيض .
ضحكت فهده قائله : هذه الأماكن يتم تفتيشها يومياً .
مها : أكره العلقة أتمنى أن تموت .
فهده : عليك بمساحتها .
مها : أنت حرة باتخاذ قراراتك ومنح غفرانك لمن تشائين ولكنني لن أسامحها سأوهمها لآخر لحظة بأنها ستهرب معنا ولكن ما أن تحين لحظة الهروب سأحرمها من الهروب سأجعلها تندم لما فعلته بنا .
فتحت القارورة وتناولها دفعة واحدة كان طعمها مراً ولكن في سبيل الوفاء في وعدي سألعق السم والعلقم , استلقيت على ظهري وبعد هنيهة شعرت باضطراب أمعائي تعجبت في داخلي لسرعة مفعول هذا الشراب , نهضت مسرعة اطرق باب الزنزانة على عجل , حضرت السجانة فوزية على الفور قائله : ما بك تطرقين القضبان بهمجية ؟؟؟
أجبتها وأنا ماسكة بطني ألما : أسرعي أريد دورات المياه .
ضحكت السجانة فوزية : تبدين لي في حالة مزرية .
فتحة السجانة فوزية بوابة الزنزانة مصطحبة إياي لدورات المياه دخلت دورة المياه بسرعة , وقفت السجانة فوزية لدى باب دورة المياه تنتظرني ولكنني كنت أطلق أصوات وروائح كريهة , أطلت المكوث في الداخل فغادرت السجانة فوزية قائله : سأعود لأصطحبك بعد ربع ساعة وخرجت من دورات المياه قافلة الباب ورائها بالمفتاح لتضمن عدم تجولي في الأروقة لدى خروجي فهذا الأمر يثير جنون السجانات عندما يشاهدنا نجول في أرجاء السجن , بعد قضاء حاجتي أخذت بالبحث في أرجاء دورات المياه بأريحية فلا أحد سواي هنا والباب مغلق بحثت في أحواض غسيل اليدين وصنابيرها والقمامة والزوايا والمراحيض ولكن بلا جدوى , بعد فترة تمكن اليأس مني وفشلت أمام أول تحد في سبيل نجاح خطة فهده , حضرت السجانة فوزية وأعادتني لزنزانتي عند عودتي استفسرت مني فهده مستبشرة أن كنت وجدت شيئا ولكن كانت إجابتي من وقعها أن جعلت فهده تصبح شاحبة الوجه قائله : سمر أن أمكنتها السرية يعجز الجن الأزرق على العثور عليها .
***
بعد انتهاء المحاضرة قرر فهد الذهاب لمقهى المعهد لشراء كوباً من القهوة فقد أمضى ليله بالأمس يستذكر دروسه لاختبار اليوم عندما ذهب ليبتاع القهوة وجد المقهى مزدحم بالزبائن وغسق تقف بعيداً تنتظر أن يخلو المقهى من الرجال تعجب فهد لأمرها تارة تكون جريئة وتتعدى الخطوط الحمراء وتارة تكون خجولة ولا تخالط الرجال وتدعى الطهر .
قرر فهد أن يقوم بتصرفه الرجولي وأن يبتاع لها كوب قهوة وقطعة من معجنات من لفائف الدراسين , فاجأها فهد بنبله فشكرته غسق وابتسمت له بابتسامه كان من وقعها أن تجعل قلب فهد يدق بسرعة وتدق مسامير صورتها في ذاكرته صورة تلك الفتاة الحسناء الجذابة ودعته غسق شاكرة له ملوحة لها بيدها كأنها طفلة بريئة تودع والديها في أول يوم دراسي لها . أثناء سيرها مبتعدة عن فهد طوقها من ذرعها الشاب صاحب الملامح الخليجية الذي شاهدها معه في القاعة مسبقاً , شعر فهد بسكين يغرز في صدره فتسائل في نفسه ما دخله هو في شؤونها تصاحب من تصاحب ولكنه تندم في قرارة نفسه لشرائه لكوب القهوة ولفافة الدراسين .
***
استيقظت بثينة لتجد غرفتها مليئة بالأزهار الحمراء وشذا رائحة الطبيعة تكتنف المكان , التفتت من حولها باحثة عن ناصر فوجدته غارق في النوم على كرسي بجوارها ابتهجت لرؤيته ودمعت عينها لسعادتها , استيقظ ناصر بسبب الضجيج الذي أصدرته بثينة لدى نهوضها , أقترب منها وقبل جبينها قائلا : طهوراً إن شاء الله .
قلت بحياء : أنا خجلة منك لقد قمت بالكثير من أجلي .
مسد ناصر شعرها قائلا : حمد لله على سلامتك .
وخزها شيئا في خاصرتها فوضعت يديها على خاصرتها فوضع ناصر يديه على يديها قائلا : هل تشعرين بألم هنا لقد أجروا عملية غسيل كلي لك .
أومأت بثينة برأسها فصاح ناصر بالممرضة لتحضر لها مسكنناً , عندما رفعت الممرضة ردائها شاهدت بثينة ضمادة ملتفة على خاصرتها بالكامل ممتلئة بالدم فأشاحت نظرها بعيداً , أعطتها الممرضة الحقنة على عجل فغططت في سبات عميق , عندما استيقظت أخبرها ناصر بأنه يتوجب عليهم العودة وقضاء فترة نقاهتها لدى والدتها فهو لن يستطيع خدمتها بسبب دوام عمله الطويل وافقته بثينة وهي تشعر بحرقة في صدرها فهي لا ترغب بالعودة لجحيم والدتها , عادوا ولله الحمد واستقبلت أم إبراهيم أبنتها بترحاب وهي تنظر لحقائبها آملة بوجد العديد من الهدايا لها أبنتها مريضة وهي تنتظر الهدايا ونعم الأم , أحضرت خلود أصناف شتى من الأطعمة ترحيباً بقدوم أختها , عندما جعلت طبق الدجاج المقلي على مقربة من بثينة لتطعمها شعرت بالغثيان فأسرعت لدوارة المياه لأخرج ما في بطنها عند عودتها لغرفة المعيشة ألقت أم إبراهيم بسؤلها الذي كان كالقنبلة الموقوتة : هل أنتِ حامل ؟؟
شعرت بثينة بالارتباك ولم تستطيع الإجابة .
أم إبراهيم : دعينا نذهب للمستوصف لتأكد من ذلك .
علت تقاسيم وجه بثينة الفرحة فهي ترغب بأن تكون أما فناصر أصبح رجلا جديد وحان وقت تكوين أسرة لها لتعوض حرمان السنين , ذهبوا للمستوصف وقماموا بتحاليل الدم وتأكدن من الحمل كادت بثينة أن تطير فرحاً بهذا الخبر ولكنهم يجهلون عمر الجنين فأشاروا عليها بأخذ أشعة له , وافقت وأخذت الأشعة على عجل , عندما كانت الطبيبة تأخذ لها الأشعة .
أثناء التقاط صوراً لجنينها قطبت الطبيبة جبينها قائله : هل قمتي بعملية مؤخراً ؟؟
أجبتها مستنكرة سؤالها : نعم غسيل كلي .
سألتها وهي مازالت مقطبة جبينها : ولكن هذا ليس ما يتبين لي , لم تقومين باستئصال إحدى كليتيك .
فجأة راجعت بثينة الأحداث التي حدثت مؤخراً
تغير معاملة ناصر لها ورغبة ببدء علاقتنا من جديد واختياره لمصر دولة سرقة الأعضاء الكبرى وتسممها المفاجئ من السمك المشوي والضمادة التي تلف خاصرتي .
نزلت دمعة حارقة على خدها و أنهت روايتها التي كانت للتو بادئة في كتابة حروفها , قاطعت لحظة انهيارها الطبيبة قائله : لديك نزيف داخلي في منطقة كليتك المستأصلة عليك بمراجعة المستشفي حالا لا يمكن تطبيبك هنا فالمستوصف لا يمتلك المعدات اللازمة .
دخلت أم إبراهيم ورأت على سحنة أبنتها هيئة الموت فقالت باستهجان : ما بك يا بنتي ؟؟؟
أخبرتها بالقصة فوضعت يدها على رأسها وأخذت تولول وتدعو الله على ناصر متحسبة , هاتفت أم إبراهيم علي ليصطحبهم للمستشفي وشرحت له جميع الأحداث التي حصلت لهم .
***
أخذت بالتردد لدورات المياه كثيراً حتى أن السجانة فوزية لم تعد تقوم بإحصاء عدد مرات دخولي لدورات المياه , لقد قلب هذا الشراب حالتي وأصبت بوعكة صحية وأصبح وجهي شاحباً وبطني مقعراً وحول عيني هالة من السواد وظهري يؤلمني , سولت لي نفسي بـأن أخبرهم بما شربت ليذهبوا بي للمستشفي ليجدوا لي حلا فقد كنت على شك بأني سوف أموت ولكنني عدت لصوابي وقررت تمضية يومي كله في دورت المياه ومما زاد هلاكي أبواب المراحيض كانت ثقيلة فكنت أجد صعوبة في دفعها ألا الباب الثاني والأخير فاستقريت في أخر دورة المياه الثالثة , عند جلوسي على المرحاض أصدرت تأوهات الألم كان تأملي للسقف يخفف إحساسي بالأوجاع لكن هذه الخطة لم تعد ناجحة بعد مدة زمنية , انتهيت من عذابي فخرجت لأغسل يدي ولكن عاود الألم لي فعدت من جديد للعذاب عند دفعي للباب لدخول المرحاض لاحظت شيئا دورات المياه مكونة من ثلاث أبواب جميعها أعاني في دفعها عند دخول للمرحاض ألا الباب الأول توجهت للباب الأول وطرقت عليه فظهر صوتاً عالياً يدل على وجود فراغ من ثم طرقت الباب الثاني ولم يصدر صوتاً واضحاً عند طرقي للباب الثالث لم يصدر صوتاً واضحاً أيضاً , قهقهت بداخلي قائله : لقد غلبت الجن الأزرق .
صعدت فوق المرحاض لأشاهد الباب الأول من فوق , شاهدت ما كنت أتمنى رأيته وجدت غطاء من الألمنيوم مثبتاً بأربعة مسامير لولبية كبيرة جداً حاولت انتزاعها بيدي والحمد لله نجحت بذلك فوجدت أكياساً من المخدرات اجتاحت خلايا جسدي السعادة واتسعت عيوني غير مصدقة لعثوري على مكان مخبئ سمر , أخذت بتخيل وجه فهده وأنا أخبرها بالخبر السار يا لذكاء هذه الفتاة الباب مكون من أربعة صفائح معدنية محشوة بالداخل بالفلين أفرغت الفلين واستبدلته ببضائعها , أعدت كل شيء لمكانه عندما سمعت السجانة فوزية تفتح الباب عدت مع السجانة فوزية لزنزانتي بخطى واسعة أشبه بالهرولة لدى دخولي للزنزانة انتظرت مغادرة السجانة فوزية عندما رحلت السجانة أسرعت نحو فهده قائله بفخر : استحق جائزة نوبل للأعمال الشريرة .
نظرت لي فهده قائله : وماذا فعلتِ .
أجبتها بسرور: عثرت على ما لم يستطع الجن الأزرق إيجاده .
قهقهت فهده قائله : أرجوكِ أخبرني بأنكِ لا تمزحين .
أخبرتها بالمكان وملاحظتي لأوزان الأبواب أخذنا نقهقه فرحاً لنجاح أول خطوة لنا سوية .
فهده : الآن علينا بابتزاز سمر .
مها : حسناً , ولكن متى تنوين البدء بابتزازها .
فهده : معرفتنا بمخبئها السري سيكون الضربة القاضية لها ولن تكون بعد الآن في حالة قوية تخيلها لإنزال العلقة من عرشها سقطت ولله الحمد من عداد المنافسات .
مها : مع أأني أتمنى وقوع الحيزبون اليوم قبل غد .
فهده : ما أن يرن الجرس سأذهب لسمر لأصعقها من ثم أخذنا بالقهقهة .
***
أقبلت فهده نحوي شاحبة الوجه خافضة الكتفين عينها ذابلة بشدة , سألتها عن سبب حزنها .
فأجابت بصوت خفيض : نواجه مشكلة كبيرة أن العلقة غارقة بالديون كما أنها تأخرت في دفع مستحقات السجانات وهن ثائرات بسبب مماطلتها أنها في أزمة مالية لقد أنقلب عزيز وفاطمة ضدها بشكل مفاجئ متعاونين مع سمر أي أن كل خططنا باءت بالفشل .
مها : ولما تمر العلقة بأزمة كهذه .
فهده : يقال بأن المروجين الذين يمولونها ألقي القبض عليهم .
مها : وسمر من أين تتدبر شؤونها .
فهده : سمر تتعامل مع عصابة خطيرة لن تستطيع الدولة القبض على مجموعة أفرادها جميعاً كما أن رئيس العصابة عصام يعشقها ويفضلها وقد خصص مكانة لها لم تطلها فتاة مروجة من قبل .
مها : يا إلهي وما العمل الآن .
فهده : علينا بالتقرب من سمر وإشراكها في خطة الهروب بدلا من العلقة .
مها : الآن بتِ تتكلمين بعقلانية .
فهده : كوني على أتم الاستعداد لصدمة العمر فربما تهرب هي ونبقى نحن هنا قابعين في هذا الوحل القذر .
مها : حاليا لدي خطة لا تتوجب أشراك أحد بها .
فهده : وما هي ؟؟
مها : لدينا موعد لدى طبيب الأسنان والتجربة سأقوم بها اليوم .
***
عند ذهابنا لطبيب الأسنان استغليت فترة انشغاله في علاج فهده
فانسليت من الكرسي متقدمة نحو أحد قوابس الكهرباء منحنية أمامه مدخلة به أداة من أدوات تنظيف الأسنان التي سرقتها عند دخولي للعيادة من ثمة سكبت ماءاً كنت قد أحضرته معي في زجاجة خبأتها بحمالة صدري , أخرج القابس الكهربائي شرراً وفجأة توقف الشرر عن التطاير تعجب للأمر فأخذ بحشر الأداة أكثر فأكثر ولكن ذهبت محاولاتي عبثاً فقد تعطل القابس بالكامل , انتبه الطبيب لمحاولتي لافتعال الحريق صاح الطبيب على السجانات فحضرن بلمح البصر . كبلوني من ثم أخذن بركلي وشتمي بأفظع الكلمات , ألقوني جانباً وأخذوا باستجواب الطبيب فأخبرهم بما حدث بالضبط , ضحكت أحدى السجانات قائله للطبيب : الحمقاء لا تعلم بأن جميع القوابس مزودة بسلك تأريض .
صعقت لدى سماعي ما قالت كيف لي بنسيان تلك المعلومة ولكن كانت تلك مشيئة الله أن يشجب هذا الأمر عن بالي .
كبلوا فهده أيضا واتهموها بمحاولة افتعال الحريق معي وأنها المحرضة الأولى لي , مسكتانا السجانتان وجرتنا كالكلاب وأخذن بضربنا بعصيهم بلا رحمة بكل ما أوتين من قوة وشتمنا أخبرتنا السجانتان أن نلزم الصمت وألا سوف يبرحناً ضرباً وكأنهم حاليا لا يقوم بأية عملية ضرب .
جرتنا الساجنتان من شعرنا ونحن نصيح ألما ونتخبط بالأرض , تجاهلن صرخاتنا ولم تبد على أوجهم أية رحمة لنا بل كانت القسوة والجفاف بادية على وجههم بجلاء , أخذن بضربنا وشدنا من شعرنا جارينا إلى رواق لم نشاهده من قبل وصلنا لباب حديدي متآكل من الصدأ فتحته السجانة مريم فانهلت علينا أعداد كبيرة من الفئران فأخذت بالصراخ والولولة من شدة الهلع والذعر فأنا لا أطيق هذا الكائن , ألقتني السجانة مريم بالأرض وأخذت بركلي وصفعي عدة صفعات وضربتي بطرف عصاها على رأسي ففقدت الوعي .
استيقظت فوجدت نفسي ممدة على أرضية موحلة بسائل لزج ورائحة المجارير تفوح في المكان بأسره جلت بنظري في الزنزانة فشاهدت سيل يجري من سائل عكر اللون من ثقب في أسفل الحائط مشكلا سيلا يمتد بين الزنزانات السجن الانفرادي , يدي مكبلة بقيود تشد على رسغي بقوة مما جعلني أشعر برغبة بالحكة ولكنني لا أستطيع الحراك فأنا اشعر بأنني قد وقعت من الطابق العاشر , عنقي مطوق بأغلال صدئة رذاذه صداه منتشر على كامل جسدي , حاولت الصراخ لمنداة السجانات لأنني أرغب بالذهاب لدورة المياه ولكن حلقي كان جافاً وأشعر بغثيان شديد وبطني يؤلمني بشدة , فتح باب السجانة فشاهدت رغد حمد الله بأن رغد هنا اقتربت نحوي رغد وأخرجت من صدرها لوح شوكلاتة وسارعت في فتحته جاعلتن إياه على مقربة من فمي فقضمته بسرعة , عضضت على لساني لسرعة مضغي من الجوع فأخذت بالبكاء فحالتي مزرية همست رغد بأذني قائله : علي بالذهاب مها تجلدي كان الله في عونك , أخرجت من جيبها قارورة الماء وسقتني الماء من ثم خرجت رغد مسرعة مغلقة الباب ورائها . بعد بضعة دقائق أنطفئ النور فذعرت وأخذت بالصياح على السجانات ولكن لم تستجيب أية سجانة لندائي , خطرت على بالي فكرة ما أن كنت أنا وفهده قد سجنا سوياً فهي بالتأكيد معي في هذه العنابر لسجن الانفرادي صحت باسم فهده ولكنها هي أيضا لم تجيب أخذت بالبكاء من شدة الرعب والظلام الدامس الذي يكتنف المكان , لم استطع النوم وأخذت الوقت يمر بشكل بطيء جداً ولكن بعد مدة زمنية طويلة وبعد أن جف دموعي وجف حلقي و تيبست شفتاي فتح باب الزنزانة فشاهدت السجانة مريم تلقي بطعام الإفطار مغادرة صحت بها قائله : أريد أن أصلي الفجر .
التفتت نحوي قائله : الآن تذكرتي الله .
مها : أنتِ صاحبة خلق ذميم .
عادت نحوي ولكمتني على وجهي فسال الدم من أنفي وأخذت بالبكاء فخرجت مغلقة الباب ورائها وهي تقول: قبل أن تحاولين افتعال أي حريق مرة أخرى أعدي خطة محكمة وذكية .
صحت بها قائله : أريد الذهاب لدورة المياه حدثتني من فتحه في الباب بالحديدي الصدئ قائله : أترين هذا السيل الجاري من القاذورات أقضي حاجتك هنا .
لم اصدق ما تفوهت به هل يعقل بأن اقضي حاجتني هنا عندما دققت النظر كان ما قد قالته صحيحاً فالسائل مليء بالقاذورات ثار القرف بداخلي فسارعت بالتقيؤ وتفريغ ما بي جوفي لم أستطع التحمل زيادة فتبولت في بنطالي شعرت براحة ولكنني بت الآن مبللة بالنجاسة حالي يرثى لها .
أمضيت أيام في العتمة واشتمام الروائح الكريهة والقيء المستمر كان الطعام سيء جداً حتى أأني حاولت ابتلاعه مرة ولكنني وجدته فاسداً ورائحة الزخم تنبعث منه فأخرجت اللقمة من فمي وتقيأت بعدها ما يقارب 15 مرة فيبدوا بأنها قد سممتني أو شيء من هذا القبيل وكأن السجن يصب غصبه علي فيدي قد تقرحت بسبب الحديد الصدئ الذي يلف معصمي.
الفصل انتهى
والقادم سيكون الفصل الخامس عشر + الفصل السادس عشر
الفصلين الأخيرين
غداً بأذن الله ستتم الرواية
أنتظروني