10-لغة القلب
بدا المنزل ساكنا علي غير العادة فارتجفت كاترين رغم دفء الجو وحرارة الشمس التي بدأت طريقها إلي الغروب قامت من مقعدها في غرفة الاستقبال واتجهن إلي النافذة العريضة ,ووقفت تتطلع إلي المنظر الطبيعي الذي ألفته ,فالحديقة تزخر بالزهور المتنوعة ,ممراتها المتعرجة وأشجارها الوراقة تحجب عن العيون إسطبل خيول ستيفان ومهري الولدين.
وكانت تشعر أن السيدة ميدوبوليس ترقبها بنظراتها وفجأة تمنت لو وجدت من بعينها علي تحمل هذا الحزن الذي لا يحتمل فهي بحاجة إلي البكاء ولكنها لم تكن واثقة أن السيدة ميدوبوليس بوجهها الجاد الذي يخفي حزنها مستقر هذا البكاء.
واستدارت عن النافذة ثم نظرت إلي السيدة العجوز الجالسة علي أحد المقاعد المزينة ذات الظهر المستقيم هادئة سكنة في حزنها حتي إن كاترين تبكي ولكن السيدة نادتها قائلة:
" كاترينا."
ومدت إليها بدأ نحيلة صغيرة فأسرعت إليها وأمسكت بتلك اليد ورأت لأول مرة الحزن العميق في عينيها السوداوين اللتين تشبهان كل الشبه عيني ستيفان .
و ركعت كاترين بجانب السيدة العجوز ووضعت رأسها علي ركبتيها ثم وضعت السيدة ميدوبوليس بيدها علي شعر كاترين الأحمر النحاسي وأزاحت خصلاته البراقة عن جبينها في لمسات رقيقة وفاح عطرها الغريب الذي تستعمله دائما ثم انهمرت بعد ذلك دموعها.
"هل تودين البكاء يا صغيرتي ؟أبكي إذا تردت ذلك."
"أنا جبانة ي مثل هذه المواقف واسعة لأنه تنقصني شجاعتك ."
أجابتها السيدة ميدوبوليس قائلة بحنان:
"لست شجاعة لكني أكبر منك سنا فأنا أيضا أبكي حزنا علي صوفيا وملينا وكذلك علي ألكسندر أبكي بدموع صامتة ,أما أنت فما زلت حديثة السن وبحاجة إلي البكاء"
وامتدت اليد الرقيقة علي جبهتها فرفعت رأسها وبدت الملامح الداكنة مفعمة بالعاطفة حتي أن كاترين أجهشت بالبكاء ,فأغمضت عينيها وتشبثت بثوب المرآة العجوز الحريري وراحت في محاولة يائسة تبعد عنها طيف أليكس الصغير وهو غارق في البحر خائف مذعور يكاد من صغره لا يري في رحاب الخضم الواسع ثم قالت باكية :
"أنني لا أحتمل فكرة – أن يكون أليكس ..."
"بل تحملي يا صغيرتي ."
وأخذت تجفف دموع كاترين بمنديلها الأبيض وتقول:
"سبق لك تحمل المآسي يا صغيرتي ,ويمكنك تحملها الآن إذا لزم الأمر ,ولكنني أطلب من الله أن يمنع الشر."
"استيفان طلب مني الصلاة من أجله."
قالت ذلك وهي تتخيل رأس ستيفان منحنيا علي يديه وهي يصلي :
"إذن يجب أن تصلي يا كاترينا."
وطرأ علي ذهن كاترين فجأة عند المآسي التي تعرضت لها السيدة ميدوبوليس في حياتها, فزوجها توفي في ريعان شبابه وتركها تنشئ وحدها لخمسة أطفال صغار ,ثم فقدت بعد ذلك ابنتيها الشابتين ,الآن مجرد التفكير في فقد ثلاثة من أحفادها الأعزاء يعتبر شيئا لا يحتمل ,ولكنها وجدت نفسها قادرة علي مؤاساة كاترين التي قالت لها بصوت هادئ:
"كنت أحب ماريا كما أحببت أمي ."
وأومأت السيدة ميدوبوليس قائلة:
"نعم كانت ماريا ابنة جميلة وقد افتقدتها كثيرا."
"وأنا كذلك ."
وشعرت كاترين بغصة في حلقها عندما تذكرت أن أليكس قد يفقد حياته هو الآخر وهو بعد صغير السن ,ثم رجعت تقول:
"أليكس يشبهها كثيرا مما جعل المأساة شديدة"
"كاترينا"
وراحت المرآة تدلك وجهها وجبهتها مما جعل كاترين تبكي طويلا ورأسها في حضن المرآة العجوز.
وكانت الشمس قد غرقت وحل المساء عندما رن الهاتف فقفزت كاترين بسرعة وبدا في عينيها المحمرتين شبه أمل ,لكنها وقفت لفترة طويلة تتأمل الهاتف أما السيدة ميدوبوليس فجلست في مقعدها بدون حراك كتمثال حجر , وأشارت بيدها الصغيرة النحيلة إلي الذي كان يرن باستمرار وقالت لكاترين بصوت حزين:
"أرجوك ليس لدي الشجاعة أن أرد يا كاترين"
ونبه هذا التصريح كاترين فأسرعت والتقطت السماعة ويدها ترتعش وهي تضعها علي آذنها ,وقالت :
"هاللو"
وشعرت كاترين بالراحة وهي تسمع صوت ستيفان في الجهة الأخرى من الخط متفائلا سعيدا ,يسر إليها بأخبار السارة ,وانسابت دموعها ثانية ,وكانت دموع الفرح هذه المرة ...اذ تأكدت من نبرة صوته أنه يحمل أخبارا طيبة .
"كاترينا!"
"ستيفان!" وتحشرج صوتها ,لكنها التفتت إلي السيدة ميدوبوليس بسرعة وابتسمت ثم قالت له:
"ماما هنا ونحن ...ونحن."
"لك أن تكفكفي دموعك يا حبيبتي فقد نجا الصغار الثلاثة وهم بالطبع في حالة ذهول ورعب وبهم بعض الرضوض ولكنهم نجوا."
فتخيلت وجهه وقد كسته ابتسامته النادرة تضيء قسماته القوية السمراء
"لا أقوي علي كبح دموعي "
وكانت تضحك وتبكي في آن واحد وردت لو كان معها الآن لعانقته فرحا بدون تردد ,وفي الحقيقة كانت تود أن تفعل من غير أن تسأل نفسها عن السبب ذلك ,وتقدمت السيدة ميدوبوليس نحوها فلاحظت كاترين أنها هرمت فجأة وبدت صغيرة الحجم وضعيفة المظهر عما كانت عليه منذ بضع ساعات ’وناولتها كاترين السماعة فكلمت ابنها في هدوء باللغة اليونانية ثم استدارت وابتسمت لكاترين واستمعت أليه ثانية وابتسمت ثانية لكاترين ثم وضعت السماعة بعناية.
"ستحضر هيلين ومعها بول بصحبة ستيفان ,هذه أخبار سارة كاترين "
وتألقت عيناها فرحا ثم أضافت :
"بل رائعة وإني لا أصدق أن الغمة انقشعت يا ماما".
فآخذت السيدة ميدوبوليس يدي كاترين بين يديها ونظرت إليها بنظراتها القوية الطيبة وابتسمت ابتسامة صغيرة وقالت لها :
"بدأت الآن يا صغيرتي تناديني "ماما"وأعتقد أن هذت أفضل."
ولمعت عينا السيدة ميدوبوليس السوداوان بخبث عندما تنبهت كاترين لذلك ,ولم تسأل كاترين السيدة ميدوبوليس عن معني قولها ,لكنها سمعت أزيز الطائرة التي تحمل ستيفان إلي الجزيرة ,ونسيت لحظة أن نيكولاس و هيلين و حتي بول كانوا معه!"
ومر يومان قبل أن يسمح لغريغوري بمغادرة المستشفي ,لكن في اليوم التالي للحادث اصطحب ستيفان كاترين معه في الطائرة وأحضرا معهما أليكس والبنتين ,وكان أليكس يلزم الصمت في البداية ويميل إلي التعلق بكاترين ولا يفارقها لكن خاله ستيفان نجح في المسألة بجعله يهتم بمهره ثانية عاد الطفل إلي حالته الطبيعية .
أما بول بمرحه الطبيعي فقد بدا له هذا الحادث كنزهة بحرية وأخذ يتحدث عنها بلا انقطاع مما أدهش نيكولاس وأغضبه ,فبالرغم من أنه شارك في البحث عن أبن أخته والبنتين ,لم يتعلق بهم أكثر من قبل ,وكان حب كاترين الطبيعي للأطفال يجعلها لا تفهم شعور نيكولاس أبدا.
لم يبذل نيكولاس أي مجهود لرؤية كاترين بمفردها طوال اليومين الماضيين ,ولم تعرف إذا كان ذلك بتأثير من استيفان أم لا؟ وانتابها الفضول وودت لو عرفت السبب وراء هذا التغيير المفاجئ ,فهي تشك في استبفان ولكنها لم تتمكن من السؤال أي منهما.
أما علاقة كاترين باستيفان فاعترها تغيير عميق ,أنه الآن أكثر رقة واقل عبوسا من قبل ,وشعرت أنها أصبحت أكثر قربا منه ,وذكرها هذا بالشعور الذي انتابها في السيارة يوم وقوع الحادث عند عودتها من الشاطئ ,كان من العسير عليها إدراك أنها اضطرت إلي الاعتقاد بأن شعوره نحوها لم يصبح أعمق كما حدث لشعورها نحوه والواقع أن الرقة التي أظهرها نحوها عندما اخبرها بفقد أليكس جعلتها تفهم شخصيته علي نحو أعمق وأفضل .وغطت هذه الرقة علي استيائها الذي كانت تستعمله درعا أمام سحره الكبير.
منتديات ليلاس
ورأت نفسها تلجأ إلي طرف يجعلها دائما في صحبته متي ولو كان الأطفال معهما ,وكانت غرفة نومها الهادئة المكان الوحيد الذي تسمح لنفسها فيه بالتصريح بحبها له ,وكانت تعلم أنه حب بلا أمل فهي تعرف أنها ليس فتاة أحلام ستيفان.
أما الشيء الذي أسعد كاترين حقا فهو التحسن في علاقة هيلين وغريغوري فمنذ الحادث تقاربا وارتبطا ,ولعل ذلك يرجع لتلك الساعات الحالك التي يقضيها في إنقاذ بنتهما وكانت هيلين تهر يوميا لزيارة غريغوري في المستشفي ثم رحبت بعودته إلي المنزل في سعادة ومحبة.
وسعدت كاترين بهذا التغيير,إذ كان ينتابها شعور بالذنب لدور أبيها في تعاسة هيلين التي أصبحت الآن تقدر زوجها وتحترمه.
ولم يكن نيكولاس بل ستيفان هو الذي تبع كاترينا إلي الحديقة ذاك المساء, وذلك بعد رجوع غريغوري إلي المنزل ,ولم تنتبه كاترين لوجوده إلا بعد أن ناداها باسمها بصوت خفيض واستدارت ووضعت يدها علي عنقها وبان في عينيها الخوف فسألها ستيفان قائلا:
"هل أفزعتك ؟"
تبعها ستيفان وهي سائرة نحو الأشجار ,وذكرها ذلك بليلتها الأول في الجزيرة ,مال ستيفان علي أحد أشجار السرو يرتكز عليها كما فعل من قبل ثم أخرج سيكارة من جيبه وأشعلها.
وتذكرت كاترين أن مظهره في تلك الليلة أثارها وحول الدم في عروقها,أما هذه الليلة فلم تشعر بالخوف منه, وبدلا من أن تنظر إليه بشك ابتسمت له وتذكرت أيضا انه كانت ترتدي ثوبا قصيرا لونه أصفر ,أما ثوبها اليوم فمصنوع من قماش ناعم يلتصق بجسمها الغض فيظهر مفاتنه ثم ينساب في اتساع عند قدميها.
وبدت ضئيلة الحجم دقيقة القد في ثوبها المصنوع من الشيفون الليموني , واقفة عند حافة مجموعة من الأشجار ,وأخذ ستيفان ينظر إليها صامتا إن ضوء الهلال الوليد لم يتوغل في الأشجار الكثيفة فلم تتمكن من رؤية وجهه وتعبيراته فيما عدا بريق عينيه العميقتين .
وخفق قلبها بين ضلوعها يحذرها منه لو تخلف ستيفان من الحضور وضغطت علي يديها بشدة حتي تكفا عن الارتجاف, ثم مشت تحت ظلال الأشجار قبل أن تستدير وتواجهه,وسمعته يقول برقة:
"هل كنت في انتظار نيكولاس ؟"
نظرت إليه عاتبة وهي تحاول أن تهدئ من صوتها :
"لا, لابد أنك قد حذرته ثانية فأطاع هذه المرة."
وافق استيفان علي كلامها قائلا :
"أعتقد ذلك."
ثم استدارت ومشت بين الأشجار المزهرة التي لم تتبين ألوان زهورها في الضوء الخافت, لكن رائحتها كانت قوية نفاذة ثم خرجت إلي ضوء القمر ونظرت إلي الهلال الوليد فوجدته اليوم ظلا باهتا إذا قورن بضوء البدر عند اكتماله.
وتبعها استيفان كما توقعت ,ولم تجرؤ علي النظر إليه لأنه يثير في نفسها كل المشاعر التي تود أن تخفيها عن نفسها ,فرأسه المتغطرس بشعره الأسود وتلك القسمات التي تشبه الصقر وأنفه الأشم وفمه النادر الابتسام ,الذي إذا ابتسم تجعل نبضها يتسارع ,كلها أصبحت حبيبة إلي نفسها خلال الأيام القليلة الماضية ,وكانت تود من كل قلبها أن تجعله يشعر بأحاسيسها .
ولفت نظرها شئ يلمع في الرمال تحت قدميها مباشرة فانحنت والتقطته وقلبته في يدها لتتعرف عليه,ثم قالت لستيفان :
"إنها حلية من ثوب هيلين الأزرق ,أضاعتها عندما كانت تتنزه مع غريغوري عنا الليلة الماضية."
"إذن أعطيها لها."
وكان كلامه طبيعيا هادئا لكن قلب كاترين أنبأها بعكس ذلك ,فارتجفت أصابعها وهي تقبض علي تلك الحلية البراقة وضحكت ضحكة فيها شيء من العصبية وقالت:
"لم أر هيلين و غريغوري قبل ذلك يخرجان للنزهة في ضوء القمر."
وتساءلت هل يغضبه أن تناقش أمور عائلته بهذه الصراحة ؟؟ وكان سائرا وراءها تماما تشعر به ,وارتجفت لقربه منها وأحست بحرارة جسمه علي ظهرها وكتفيها العاريتين ,وبقوة ذراعيه كلما لمستها ,وكان هذا الشعور يسبب لها الرجفة ثم سألها:
"وهل يدهشك هذا؟"
فهزت رأسها بسرعة وقالت وهي تتذكر هيلين و غريغوري:
"لا ,ولكن هناك أني لم أرهما يخرجان معا منذ أن أتيت إلي هنا."
فاستطرد قائلا:
"أنهما عاشقان ."
وشعرت كاترين بالسرور لمجرد سماع هذه العبارة البسيطة ثم أدارت رأسها إليه وهي تبتسم وتقول:
"إنك تتكلم بلهجة الواثق مما يقول."
فهز رأسه وقال بجدية:
"صحيح."
وكما حدث في المرات السابقة وع يده علي ذراعها ,وكان كفه دافئا وناعما وأصابعه قوية, فخفق قلب كاترين بشدة بين ضلوعها وهي تجوب الشاطئ الرملي وتنظر إلي ذلك القمر الفضي وسمعته يقول برقة:
"أرأيت كيف تنجح دائما مساعي للتوفيق في زواج الناس."
فنظرت إليه غير مصدقة ,كانت غارقة في أحاسيسها نحوه ونسيت سعيها لإيجاد زوج لها ,وفجأة شعرت بالبرودة تسري في جسمها والدهشة تعقد لسانها .
"هل مازلت تنوي البحث لي عن زوج؟"
قالت ذلك بصوت هامس وعيناها تدرسان وجهه الذي لم يظهر لها واضحا في ضوء القمر الخافت ,ولكن عينيه كانتا تبرقان ولم تتمكن كاترين من قراءة ما فيهما من معان وسألها بهدوء :
"ألا تريدين الزواج؟" "ليس...بـــ.."
"حتي ولو كان رجلا تحبينه؟"
فصاحت كاترين تقول وهي ساخطة :
"بودي لو رأيت وجهك ,فلست متأكدة إذا كنت جادا أم مازحا ,لا أستطيع أن أصدق أنك جاد."
فأكد لها ذلك قائلا:
"إنني جاد جدا,"
"إذن فأنت جبار لا قلب لك ,عديم الإنسانية ."
فرد عليها ذلك قائلا:
"لا أحب أن أنعت بهذه الصفات ,وأحب أن أذكرك إنني يا حبيبتي قد برهنت عن خطأك من قبل ."
ثم أوقفها وظلت يداه تمسكان بها وإبهامه يتحسس جلدها الأملس وقال:
"ألا تريدين حتي أن تعرفي من هو الذي اخترته لك يا صغيرتي ؟"
فنظرت إليه كاترين محملقة في صمت ,وأردف يقول:
"حتي لو كان رجل تحبيه ؟"
فقالت بصوت منخفض :
"إني لا أحب نيكولاس ."
وظهرت علي وجهه ابتسامة خاطفة وقال لها :
"ولكني لم أذكر نيكولاس يا كاترينا."
"إذن من هو؟"
وحبست أنفاسها انتظارا لرده .وكان وجهه قريبا منها .فرأت في عينيه السوداوين ما جعل نبضها يسرع بجنون ,ونظرت إليه بعينين متسائلتين وقالت:
"ستيفان!"
فامتدت ذراعاه القويتان اللتان لا تقاومان وضمها إليه ,وشعرت بحرارته , ووضعت كفيها علي صدره لتتحسس دقات قلبه الرتيبة القوية.
وكان بريق عينيه كافيا لأن يحرك دماءها ويسكرها ,فرفعت ذراعيها وطوقت عنقه. ولم تحس بالضغط أو التحفظ يل شعرت بشعور قوي لأنه قدرها وأحبها.
وكان عناقه يحوي كل معاني الامتلاك , فراحت مقاومتها له تقتر وهي تتجاوب مع شعورها القوي الذي كان يقلقها في الأيام الماضية ,وكانت يداه القويتان اللتان تتحسسانها والكلمات التي يهمس بها في أذنيها بلغته اليونانية أشبه بالسحر الذي خضعت لتأثيره بدون إي تفكير وسمعته يقول :
"هل تتزوجينني؟ "
وبرقت عيناه في الضوء الخافت وهزت كاترين رأسها موافقة ولكنها أدركت أته لن يراها.
ونظرت إليه وعيناه تبرقان كالجوهرة ووضعت إصبعها علي فمه وشعرت براحة وسكون في قلبها حتي خيل إليها أنه كف عن الخفقان ,ثم قالت له برقة:
"وهل تسألني ؟"
ضمها إليه بقوة وعانقها طويلا مما جعلها تعجز عن التنفس ثم قال لها:
"لا تعبثي بي يا حبيبتي ,أريد ردك الآن."
وكانت كاترين تغامر بهذا السؤال وتعرف ذلك ,لكنه ضمها إليه بشدة وقال لها بصراحة :
"لأني أحبك ,ولابد أن أجعلك تندمين علي طريقة معاملتك لي أليس لديك رحمة لتتركيني في حيرة هكذا!"
فوضعت كاترين يدها علي وجهه ولمست خديه وقالت:
"ستيفان, أردت أن أسمع هذه الكلمة منك فقد قال نيكولاس ..."
"لاشك أن نيكولاس قال لك كلاما كثيرا وكان من الحكمة ألا يفعل ."
واحتوي وجهها الصغير بين يديه ونظر إلي ملامحها وعينيها الخضراوين الكبيرتين وابتسم تلك الابتسامة النادرة وقال لها:
"ولكني أعرف ما يقلقك , فهل تصدقي يل صغيرتي إذا قلت لك إنني لم أنظر إلي امرأة أخري منذ حضورك إلي هنا- هل تصدقينني؟"
فردت هامسة :
"أصدقك وأحبك كثيرا ولن أجعل شيئا من الماضي يثنيني عنك."
"كان في عزمي أن أطلب منك الزواج ليلة وجدتك مع نيكولاس هنا ,ولكنك كنت غاضبة مني ,وكان من العسير أن تصدقي نيتي حينئذ يا حبيبتي ."
فتنهدت كاترين وأسفت علي ذلك الوقت الذي أضاعاه ,وقالت له:
"ليتك فعلت ذلك إذ كان من السهل عليك إقناعي تلك الليلة ."
ثم طوقها بذراعيه ثانية وقربها منه وأحني رأسه وشعرت بأنفاسه, وقال لها:
"سوف أتذكر عندما تبدين لي العناد في المستقبل ,والآن اعطني جوابك فورا,هل تتزوجينني ؟أم يتعين علي أقنعك حتي أحظي بردك؟"
فردت هامسة :
"أتمني أن تفعل ."
وضحكت ضحكة ناعمة أسكتها بعدها بعناق طويل .