كاتب الموضوع :
..مــايــا..
المنتدى :
روايات عبير المكتوبة
2- قمر و ليل
كل شيء يبدو لها فخما علي نحو لا يصدق . بالرغم من تعودها رغد العيش كانت ثروة عائلة ميدوبوليس الواسعة فوق كل تصور و اكبر من اية ثروة عرفها ابوها نفسه ، و كانو يتغمسون في كل ترف تحققه لهم تلك الثروة . اعدو للطفلين جناحا خاصا ، ولا شك ان حياتهما الجديدة بما فيها من اثارة و غرابة انستهما وجودهما في مكان غريب ، فلم يتأثرو كما توقعت كاترين بل بدا كل منهما كأنه في محيط مألوف لديه .
ثم قابلتها خادمة سمراء ابتسمت لها و قادتها الي غرفتها ، حيث امضت كاترين وقتا سعيدا تنظر حولها وهي تستحم وترتدي ملابسها ، و بالرغم من ان ستيفان افهمها بشكل او بأخر ان تسرع ، الا انها امضت وقتا لتلمس بإعجاب رخام الحمام الجميل و اقمشة الحرير و القطيفة مما اضفي علي الغرفة لمسة الثراء الشرقي الذي اعتبرته قمة الفخامة و الذوق السليم .
منتديات ليلاس
و اكتشفت ان حقائبها سبقتها الي الغرفة ، وان ملابسها رتبت في الخزائن الواسعة فبدت هزيلة قليلة في تلك الخزائن المعدة لما يفوق ملابسها اناقة .
واختارت كاترين ثوبا اصفر باكمام واسعة و فتحة عريضة تكشف عنقها المرمري و كتفيها العاجتين فبدت حسناء جميلة .
ولما غادرت غرفتها واستعدت لنزول شعرت بحرج شديد مرة اخري . لم تكن تدري عدد افراد الاسرة و اذا كانو يستضفون احدا . وتمنت لو وجدت من يصطحبها و يأخد بيدها ولو شكليا الي مضيفها و عائلته .
وكان السلم واسعا فخما من المرمر المطعم بالذهب ، فخيل اليها انها تدخل الي مسرح ، ام البهو فبدا كالمعبد خاليا و ساكنا . لكنها سمعت همهمة فشعرت بالارتباك . ولم تقو علي اكمال النزول اذ لم تدر ما تفعل عندما تصل الي النهاية السلم واين تذهب فالابواب كلها موصدة امامها
وكان شعر كاترين الاحمر يلمع كالنحاس تحت الانوار التي تضيء البهو ، وعيناها الخضروان فيها نظرة شاردة تنساب بين اهدابها الكثيفة . لكنها شعرت كأنها سبب لها النزول عن ذلك السلم الفخم ،وسألت نفسها لماذا ينتابها هذا الشعور .
ثم سمعت كلمة ترحيب ترن في اذنها و كان الصوت ناعما و عميقا قطع عليها تيار افكارها . فتلتفتت بسرعة و ارتباك . لم تدر مين اين جاء ... كان شابا صغير السن لا يكبرها الا بسنة او سنتين ودلت قسماته علي انه احد افراد ميدوبوليس ، لعله الاخ الثالث ، كانت له قامة نفسها . طويل معتدل مثل غريغوري ، وستيفان ، و العينان السوداوان . وابتسم لها ابتسامة كشفت اسنانه البيضاء المتساوية التي تضيء وجهه الاسمر الوسيم ، ابتسامة تدل علي شقواة كامنة و اعجاب ظاهر بها .
وتقدم بسرعة و قابلها عند نهاية السلم و اخذ يدها ليلثمها و كلمها بصوت خفيض فيه بعض النبرات مغرية . ثم قال وهو يحاول التأثير عليها .
انا نيكولاس ميدوبوليس وانت كاترين غرانجر ، اليس كذلك ؟
فردت عليه قائلة وقد تأكدت ظنها بأنه اصغر الاشقاء .
- نعم انا كاترين ..
وفجاة زال عنها الخوف و شعرت انه اخذ بيدها كما تمنت فعلا و تأكدت ايضا انه لا يتأثر بسلطة اخيه الاكبر فارتحت له و قالت وهي تبتسم بارتياح :
- يسعدني لقاوئك يا سيد ميدويوليس .
ثم نظر اليها باعجاب من خلال عينيه السوادوين ، وطافت نظراته بكل قسماتها وتسلطت علي فمها وهو مازال ممسكا بيدها ثم قال برقة :
- ستجدين نفسك في تخبط اذا ناديت كل واحد منا ، يا سيد ميدوبوليس لذلك يجب ان تناديني نيكولاس ، ايهما تختارين .
قال ذلك وهو يدعي الجدية التي لم تبد علي نظراته
فارتحت كاترين له وشعرت ان عبئا ثقيلا انزاح عن قلبها اذ وجدت الشخص الذي يمكنه التحدث اليه وتفتح قلبها له :
- اشكرك يا سيد نيكولاس .
ثم لثم اصابعها ثانية قائلا :-
كم كنت اود ان احضر لمقابلتلك و اقلك بالطائرة الي جزيرتنا .
بدا كأنه لا يتعجل لانضمام الي باقي العائلة ثم اكمل حديثه قائلا :-
ولكن ستيفان رفض ومنعني من ان احظي بذلك الشرف .
وشعرت كاترين ان لا حق لها في الوقوف في البهو و التحدث الي نيكولاس ، لاسيما ان ستيفان اكد عليها سرعة النزول للعشاء مع الاسرة . لكنها ارتاحت الي نيكولاس بعفويتها اذ كان شهما لطيفا يبشر بلقاؤه بقضاء وقت سعيد معا ينعمان بصحبة طيبة ، ومن ناحية اخري لم تكن في عجلة للقاء اخيه البكر مرة اخري .
ثم استطرد يقول وهو يتصنع الجدية و عينياه تنمنان عن عكس ذلك :- انا نقمة علي كل من في الارض ومن في السماء ، هذا ما يقوله ستيفان دائما . وقد نهاني عن قيادة الطائرة حتي اتعلم المزيد من ضبط النفس .
قال ذلك وهو يشير بيديهما بما يدل عليه كلامه .
فابتسمت كاترين مؤاسية له ، كانت تستطيع ان تتخيل السبب الرئيسي لهذه المحاضرة التي القاها عليه اخوه ، لكنها تساءلت اذا كان يخضع نيكولاس لأخيه الاكبر مثل غريغوري ؟ ان ستيفان ميدوبوليس لن يتردد فقط في القبض علي مقبض السوط بل لن يترددايضا في استعمالهو الضرب به اذا لزم الامر .
وسألته كاترين تلقائيا :-
هل تطيع الاوامر دائما ؟
لكنها عجبت كيف تجرأت و القت هذا السؤال الشخصي عليه وهو شخص غريب لم تره من قبل ولم تقابلع الا في هذه الليلة .
اما نيكولاس فلم يهتم لذلك بل هز كتفيه العرضيت بلا اكتراث وقال :- من الاوفق اطاعة اوامر ستيفان كما ستتعلمين في المستقبل .
فقطبت حاجبيها واجابت :- ليس لدي النية ان اتعلم مثل ذلك .
قالتها بحدة ، فاقتراحه هذا فاجأها وكان صدمة قاسية لها جعلتها تتساءل ، لماذا يتصرف الجميع كأنها جاءت الي هذه الجزيرة للبقاء ؟
ونظر الي شعرها النحاسي اللامع وضحك ضحكة هادئة وقال برقة :-
انت شعلة نار وربما امكنك السيطرة علي ستيفان ولكن ليس هذا سهلا فهو رأس العائلة وسيد الجزيرة ، ولن يجرؤ احد ان يتحداه حتي انت ايتها المتمردة الحسناء .
ثم افاقا الي نفسيهما عند سماع صوت الباب يفتح و يخرج منه ستيفان الذي وقف برهة عابسا عندما رآهما معا ، مما جعل نبض كاترين يسرع خوفا ، الأمر الذي اعتبرته شيئا بالغ الغرابة ثم قال غاضبا :-
اننا ننتظركما للعشاء . وانت تعرف هذا جيدا يا نيكولاس .
فرد نيكولاس بلهجة التحدي قائلا و عيناه تبرقان بخبث الي كاترينا :- نقوم باجراء التعارف ولم نقصد تأجيل العشاء .
ورد عليه ستيفان :- اذا تم هذا التعارف فالحقا بنا اود ان اقدم الانسة غرانجر الي باقي العائلة قبل الطعام .
اجابت كاترين معتذرة قائلة :-
اسفة لأنني جعلتكم تنتظرون .
ولكن ساءها ان تعتذر له بلهجة الخضوع ، ذلك لأن هذا الرجل يملي علي غيره طاعته فيطاع . وعندما التقي نظرها بنظر نيكولاس تذكرت انها تعهدت الا تخضع لأوامر هذا الرجل كالآخرين .
- هيا ..
قال ستيفان و تقدمهماالي القاعة كانت هذه الكلمة كافية لأن تجعل كاترين تتبعه وخلفهما نيكولاس وحين تفتح الباب لمحت كاترين السيدات الثلاث في ملابس سهرة الطويلة ، يتحلين بأغلي المجوهرات وهن في قمة الاناقة .
وادهشها منظر الغرفة كما دهشت لمنظر البهو من قبل ، فالغرفة مستطيله و شقفها عال و تنيرها مصابيح كبيرة مشغولة من الذهب المتموج . مما يضفي عليها تلك اللمسة الشرقية التي وجدتها في غرفة نومها من قبل و حازت اعجابها .
شعرت كاترين كأنها لا تنتمي الي كل هذه الفخامة ، فالاثاث الثمين وملابس النساء الرسمية جعلتها تبدو بثوبها الاصفر البسيط كأنها عصفور كنار في مكان مليء بالطواويس .
نظرت السيدات اليا باهتمام وهي تتبع ستفيان فودت من كل قلبها لو انها ارتدت ثوبا رسميا مناسب ، وبدا ستيفان نفسه مهيبا بملابس السهرة السوداء و القميص الابيض المزكرش و كان بنطلونه الاسود انيقا اظهر عضلات ساقيه الطويلتين بقوة و تناسق .
ووقف ستيفان يقدم كاترين الي والدته .
كانت كاترين قد سمعت من ماريا ان السيدة ميدوبوليس تركية الاصل ولاحظت انها سمراء يفوق لونها سمرة اولادها ما عدا ستيفان الذي ورث عن والدته تلك السمات الشرقية ولاحظت كاترين ان شيئا ما في السيدة ميدوبوليس يذكرها بماريا . وان عينيها السوداوين النفاذتين تكسر فيهما نظرة عطف هادئة ارتاحت كاترين كثيرا . وكانت تتمتع بهدوء البال و لطمأنينة بخلاف بية افراد اسرتها الذين يتصفون بالعصبية وحدة الطباع .
احنت السيدة رأسها لكاترين مرحبة وامسكت بيدها لفترة بينما راحت تتفحصها ثم قالت :- اشكر لك اصطحاب حفيديي .
قالت ذلك بصوت حاد ولكنة اجنبية واضحة.
وعضت كاترين شفتيها فالاول مرة تصدمها حقيقة قلدها بول و اليكس و سالت نفسها هل يمكنها في التفكير في تركهما بدون ان تذرف الدموع وردت قائلة :- اتمني ان يكونا سعيدين هنا كما كانا معي يا سيدة ميدوبوليس .
ومدت السيدة يديها فجأة بيديها و قبضت علي يدي كاترين بجنان و قالت :- لا داعي للشعور بالحزن لمجرد تغيير وطنك يا طفلتي الصغيرة .انا متأكدة انك سوف تشعرين بالسعادة هنا .
واعقب ذلك صمت كاد يكون ملموسا نظرت كاترين بعده الي ستيفان فلمحته يهز رأسه لوالدته وقد بدت عليه الاسي لا الغضب ثم عادت تنظر الي الوالدة فوجدتها غضت نظرها وقالت كاترين :- سيدتي لا اظن انك ...
ولكن ستيفان قال لها لكي يغير مجري الحديث .
- تفضلي
وامسك بذراعها يقودها بعيدا عن امه لكن كاترينا قاومته للحظة ونظرت اليه عاسة ثم قالت :- لا افهم ذلك ...
لكنه قاطعها قائلا ببرود :- لقد اخبرتك من قبل ان هناك اشياء يجب مناقشتها معك . والآن تعالي لأعرفك بباقي افراد الاسرة و لنترك المناقشة لحينها .
ولم يكن بوسعها عمل اي شيء امام هذا الاصرار ، فهي لا تريد ان تسب اشكالا . وفجأة رأت نفسها تواجه امراة جميلة طويلة القامة سمراء لها عينيان سوداوين حزينتان بالرغم من الابتسامة التي تداعب شفتيها و سمعت ستيفان يقول :- هيلين ! انها الانسة كاترين غرانجر ، وهيلين زوجة اخي غريغوري ، كانت تعرف والدك .
شعرت كاترين ان هناك معني وراء تلك العبارة الاخيرة ، فردت عليه كاترين وهي ترثي لحال هيلين :- ظنتت اكم جميعا كنتم تعرفون والدي .
وشعرت بالعطف علي تلك المراة لسبب لا تعرفه ، فهي جميلة و غنية و متزوجة بذلك الشاب الشهم اللطيف ، غريغوري . ولم يكن هناك ما يدعوها لأن تعطف عليها الا انها زوجة اخ ستيفان ميدوبوليس الذي قال :-
نعم كنا نعرفه جميعا .
وابعدها عم زوجة اخيه بالقوة التي ابعدها بها عن امه . يد ستيفان التي كانت تقود كاترين الي افراد العائلة للتعرف عليهم اقلقتها وودت لو ابعدتها عنها ووضعت صاحبها عند حده لكن القول و الشيء و الفعل شيء اخر عند التعامل مع شخص مثل ستيفان .
وجاء دور غريغوري فابتسمت له ثم واجهت المرأة التي كانت تجاوره فوجدتها تحمل كأسا نصفها ممتليء بالمشروب الوطني و تبرق عيناها كلما نظرت الي ستيفان وبدت لكاتين متوترة تعسة الي حد ما و تنم قسماتها عن معاناة جعلت كاترين ترثي لحالها .
وقدمها ستيفان بصوت بارد ورنة رسمية قائلا :- ابنة عمنا .. الينا اندرياس
ورجعت ذاكرة كاترين الي الوراء عند سماعها ذلك الاسم فتذكرت ان ماريا اخبرتها مرة بأن احد ابناء عمومتهم كان يطمع ان يري ابنته زوجة لستيفان ، وذلك بالرغم من ان ماريا كانت لا تطلع احدا علي اخبار اسرتها لكن يبدو ان تلطعات والد الينا لم تتحقق, فلم تجد في اصبعها خاتم الزواج ولاحظت الينا افرطت في الشراب الشيء الذي دهشها . فهي تدرك صرامة تقاليد بالنسبة الي العائلات اليونانية نحو نسائها . ولاحظت كاترين ان نظراتها كانت تتجه دائما الي ستيفان و ان اليد التي اخدت يد كاترين كانت ترتعش
كان علي كاترين ان تهي هذا التعارف بسرعو و مرة ثانية كانت يد ستيفان توجهها نحو الباب وهي تتبع بقية افراد الاسرة و عندما جاء دور نيكولاس استوقفه ستيفان قائلا :- نيكولاس اصطحب كاترين معك وارجو ان تتذكر انها ضيفة علينا .
فرد نيكولاس وقد بدا وميض ضحكة في عينيه :- بكل تأكيد .
وابتسم نيكولاس لها ثم غمز ومد ذراعه فتأبطته وهو يقول هامسا :- هل ندخل الي العشاء ؟
ولولا وجود نيكولاس بجانبها لما امنكنها احتمال فترة الطعام فقد ارهقها كل ما كان يحيط بها من فخامة و ترف حتي انها تنفست الصعداء عند انتهاء الطعام بالفاكهة الطازجة اللذيذة .
وبينما كانت تبتلع ثمرة الفاكهة الاخيرة شعرت كاترين بيد نيكولاس السمراء تضغط علي يدها ووجهه يقترب من وجهها و يبتسم لها ابتسامة غامضة تنم عن شقاوة كامنة ورح محببة الي النفس وهو يقول لها هامسا في اذنها :- هل تتنزهين معي في الحديقة بعد العشاء ؟
وبحركة لا شعورية نظرت الي اخيه البكر الذي سبق ان حذره اانها ضيفة عندهم .
ولكن نيكولاس لم يكن متحفظا مثل ستيفان ولم يحاول اخفاء المعاني الكامنة وراء اقواله فدعوته لها تفصح عما يكنه لها من اعجاب فقال لها :- ضوء القمر جميل جدا في الخارج .
لكنها ردت عليه قائلة :- بكل تأكيد ولكني لن اذهب لمجرد النزهة ، ستيفان قلا ان هناك اشياء يود مناقشتها معي بعد العشاء .
هز نيكولاس كتفيه بحركة تدل علي عدم الاهتمام باخيه الصارم وقال :- لا تهتمي بستيفان فهو يعرف اين يجدك عندما يريد ذلك ؟
غادر الجميع المائدة ووقفو يتحدثون بلغتهم اليونانية تاركين كاترين لينكولاس فابتسمت له قائلة :- ربما امكنني الخروج معك قليلا الي الحديقة و التنزه بضوء القمر .
كانت ابتسامته دليلا علي انه كان يتوقع منها ذلك اذ تعود ان يملي ارادته علي الجنس الاخر فيطاع .
تأبط ذراعها وقرب وجهه الاسمر من وجهها ، كلما مال عليها ليكلمها برقة . ولم تر كاترين جمالا مثل جمال تلك الليلة . توسط السماء قمر اصفر كبير يطل علي بحر لونه بنفسجي غامق وبدت الاشجار الداكنة وكأنها دانتيل تشف السماء المضيئة من ورائها وكان عبير الياسمين وغيره من الزهور يعبق في الجو الساكن كل ذلك جعل الجو مشحونا بالخطورة في صحبة ذلك الشاب الساحر نيكولاس ميدوبوليس . وسارا خلال الاشجار الكثيفة حيث سادت الظلمة . وكان القمر يطل عليهما من كل ثغرة بين الاغصان المتشابكة . البحر يحيط بها و تتنهد امواجه الهادئة عند لمسها الشاطيء الذي كان يصل الي حافة الاشجار .
وكان جمال الحديقة رائعا جعل كاترين ترغب في البكاء لكن لم يكن وحده السبب اذ كانت تشعر بالتعب و بالعواطف المتابينة بعد كل ما مرت به من خلال ذلك اليوم الطويل المشحون بالتغير الشامل .
وكانت فرصو وجودها في هذا المكان الجميل وبصحبة ذلك الشاب الجذاب شيئا تمتن له ، لكن في الوقت نفسه كان تسيم اخويها اليكس و بول الي ولي مرهما الجديد شيئا لن تقوي علي احتماله :- هل انت حزينة ؟ .
سألها نيكولاس هامسا فهزت رأسها نافية مع انه كان يعلم مدي تألمها للافتراق عن اخويها ثم قالت وهي تبتسم :- كيف اكون حزينة و انا محاطة بكل هذا الجمال الذي لم احلم بمثله .
فابتسم ولمعت اسنانه البيضاء وقال يطمئنها :- ستطيب لك الحياة هنا .
عبست كاترين لسماعها لهجة التاكيد هذه ، كأنه اعتبر بقاءها معهم مثل الطفلين قضية مسلما بها فقالت :- لا افهم لماذا تفكر انت و السيدة ميدوبوليس انني سوف ابقي هنا ؟
ونطرت الي و شعرت بتوتر ذراعه التي كانت تسندها
- نيكولاس .
وسمعت كاترين صوتا معروفا جعل قلبها يخفق خوفا لوصول صاحبه فجأة فالتفت نيكولاس و قد بدا منزعجا لأنه ادرك ان احتكاره لها وصل الي النهاية ثم قال وهو يضحك ! :- ارايت سبق ان قلت لك انه سوف يجدك عندما يريد ذلك .
- اغرب في محادثة الانسة غرانجر علي انفراد .
قال ستيفان من غير ان يري مبررا لمشاورة كاترين في الامر ، فضغط نيكولاس علي ذراعها و ابتسم و قال لها :- سوف اراك ثانية يا كاترين .
نظرت كاترين اليه وهو يأخذ طريقه عائدا الي المنزل ، وشعرت بالاسف ليس فقط لأنها حرمت من صحبته اللطيفة ولكن لأنها ايضا كانت تخاف ستيفان و البقاء معه بمفردها ، ولم تفكر لحظة انه قد يتقرب منها كما كان يفعل نيكولاس لكنه كان يشعرها بالضالة وعدم الارتياح معه و كانت عواطفها هذه تقلقها و سمعته يسألها بهدوء :- هل تفضلين الرجوع الي المنزل للتحدث هناك ؟ .
و استغربت كاترين ان يشاورها في الامر فردت عليه وقدبست انفاسها وهي لا تصدق اذنيها !
- لا لا هذا شي لا يهم اطلاقا.
وظل لحظة ينظر اليها بعينه السوداوين اللامعتين في الضوء الاصفر ثم سألها في صوت هادئ :- هل تعدي اخي حدود اللياقة معك ؟
فهزت كاترين رأسها نفي قائلة :- طبعا لا ، لا .ارتسمت علي فمه الواسع المستقيم وكأنه وجد ردها السريع مضحكا ثم قال :- لأنك لا تعرفين نيكولاس جيدا والا ما نفيت هذا الاتهام بشدة .
ونظرت كاترين الي الجهة الاخري و بدا شعرها في ضوء القمر غامقا كشعره و قالت برقة :-
نيكولاس يروق لي ، فهو رقيق معي دائما .
ورد بهدوء :- نعم ... لأنك امرأة شابة وجميلة جدا والآن لتبدأ في مناقشة الماسئل التي يجب البث فيها ! .
و استدرات كاترين ونظرت اليه مرة اخري وهي تأمل لو تماسكت ولم تبك لبقاء الطفلين في كنف ذلك الرجل ثم قالت :- ليس هناك ما تناقشه يا سيد ميدوبوليس
- بل اظن العكس .
ثم ادارها حتي تواجه البحر الذي راح يهمس الي الشاطيء بأمواجه المتدفقة بهدوء علي الرمال . وغشتها لحظة شعرت فيها بسحر المكان الذي هدأ من نفسها ولكنه اثارها في الوقت نفسه ثم قالت له :- اذن نبقي هنا . اذا كان هذا لا يضايقك و اذا شعرت ...
الواقع ان التعب الذي نالها وفكرة تسليم الولدين لهذا الغريب القاسي كان اقوي مما تتحمله . فعضت علي شفتيها و غطت نظرها سحابة من الدموع فسألها ستيفان :- بماذا شعرت انسة غرانجر ؟
ولم يبد في صوته نفاذ الصبر الذي كانت تتوقعه فمسحت كاترين عينيها و رافعت رأسها . كانت قد اقسمت الا تبدي اي تأثير عندما يحين الوقت لتسليم الصبيين . وكان في وسعها ان تحفظ ذلك القسم لولا اصرار ستيفان علي مناقشة الموضوع باسهاب وبكل تفاصيله .
- هل تبكين انسة غرانجر ؟ .
سألها ستيفان هذا السؤال بصوت هامس و نظر في عينيها و رأي الدموع تملأهما و شعرت بأنفاسه الحارة تلهب خديها و فقالت له :- اقسمت الا ابكي ابدا . ويحسن ان احزم حقائبي و ارحل دون ان انظر خلفي .
فرد عليها بهدوء قائلا :- كل هذا لا ضرورة له .
نظرت اليه كاترين بسرعة ووجدت قسماته اكثر قسوة في ضوء القمر الاصفر الكبير و عينيه السوداوين العمقيتين بلا قاع كالليل نفسه فهو رجل لن يفهم عواطفها . وحتما سوف يحتقرها اذا ضعفت و بكت و اظهرت اي نوع من العواطف .
ثم قالت له بصوت ضعيف ينم عن مدي تأثرها وفرط انفعالها :- اني احب اليكس و بول و ليس كأخوين فقط بل لأنني ربيتهما خلال السنوات الاخيرة و اشعر انهما طفلاي . انهما قطعة من نفسي ولا يمكنني الانفصال عنهما .
- اذن لماذا تفكرين في تركهما ؟
وطرقت عينا كاترين لحظة و تساءلت .. تري هل تحلم او انها لم تسمع كلماته جيدا فهو حتما لا يعني ما قاله لها ! و قالت بصوت مختلج :- لا افهم شيئا .
- اظن ان عائلتي اوضحت لك ذلك بما فيه الكفاية .
وشعرت ان صبره ينفذ ، ثم ابتعد عنها و استند علي احدي اشجار السرو النحيلة التي بدت داكنة تحت سماء الليل . وقال : قررت ان تبقي ايضا معهما هنا حتي - حتي يتعودا علي الحياة .
وكانت كاترين تعلم في قرارة نفسها انه يعني شيئا اخر ولكنها لم تجرؤ علي الجهر به . فخفق قلبها ولم تدر تفسير لذلك . هل هو امل ام توتر او مخاوف من اشياء اخري و سمعته يقول بططريقة واقعيه هادئة :- اعلم انك وحيدة في الحياة لا اهل لك ، وانت صغيرة لا يليق بك ان تعيشي بمفردك في العالم ولذلك سوف تعيشين هنا مع اخويك .
وهزت كاترين راسها ولمعت عيناها الخضروان الوسعتان وهي تنظر اليه وتقول في صوت هامس :- ولكن هل تقصد ان تكون ولي امري ايضا ! هذا لا معني له .
و بعد لحظة وافق قائلا :- طبعا هذا لا معني له . ولكنك تحاتجين الي منزل يؤويك وعلي حد قولك انك مثل الام لأخويك . فان ابسط حل هو ان تبقي معهما وسوف تعني بك مما يجعل الطفلين يسعدان ، رتبت الامر لأحضار باقي امتعتك ، وسوف تجدين الحياة هنا طبية كحياتك في لندن وربما اسعد منها .
فنظرت اليه كاترين وهي لا تقوي عي تصور مدي التغير الذي سيطرأ علي حياتها اذا عاشت بين افراد عائلة ميدوبوليس ، ولماذا فكر ستيفان اانها بحاجة الي من يعتني ها كأنها طفلة صغيرة مثل الصبين ، ثم هزت رأسها وقالت :- لست متأكدة من قبول هذا الوضع .
فقطب حاجبيه و قال :- لا اري اية مشكلة في ذلك
وسارت قليلا علي الشاطيء و تسرب الرمل الناعم الي حذائها المفتوح نعم سوف تواجه مشاكل كثيرة اولها نيكولاس اذ سبق ان حذره ستيفان و نصحه بالاحترام في معاملتها ، وكان واضحا انه لن يسمح بأي تطور في علاقتهما . الامر الذي يكاد يكون مستحيلا اذا بقيت معهم .
ثم التفتت اليه مرة اخري وهو ما زال مرتكزا علي شجرة السرو و بقامته الطويلة النحيلة ، فبدا متزنا متنبها مثيرا هناك في ضوء القمر كتمثال اسمر عملاق . مما جعلها تظن انه هو التخر سوف يكون سببا يمنعها من البقاء معهم و العيش في كنفهم ثم قالت وهي تتنهد وترفع يديها الي وجهها :- يسعدني ان ابقي هنا مع الصبين .
ولاحظت ابتسامة خاطفة علي وجهه كشفت عن اسنانه البيضاء عند اعترافها بهذا التسليم و قال لها :- اذن ليس هناك ما نناقشه بعد ذلك .
ثم ترك الشجرة ووقف منتصبا و قد بدا اطول بكثير في الظلال المتحركة ، و عيناه تبرقان كالفحم في ضوء القمر ، وكانت تفترض ان ينتظرها لترافقه الي المنزل ، ولكنها شعرت فجأة في تلك اللحظة بذلك الاحساس الغريب بأنها قد سبق لها رؤيته من قبل فسألته :- اين رأيتك قبل اليوم ؟ .
قالت ذلك بصوت هامس حائر وهي مترقبة رده فلم يرد لتوه بل وضع يده في جيبه واخرج سيكارخ اخذ يشعلها بتمهل ثم رد عليها قائلا :- لم اتوقع انك سوف تتذكرينني ، ففي العام الفائت كنت في صحبة بعض الزائرين لمتحف الاثار الاغريقية في برمنغهام . اليس كذلك ؟
- نعم بكل تأكيد .
وفجأة انجلت لها الحقيقة ولكن عجبت كيف ظل يذكرها الي الآن .ذهبت مع صديقة لي الي المتحف تاركة اخوي في رعاية والدتهما .
- كنت قد اعرت المتحغ بعضا من قطعي الفنية و اذكر ان قدمك زلت و كدت تسقطين علي السلم .
واومات كاترين براسها و تذكرت تلك السواعد القوية التي اسرعت و منعتها من السقوط علي سلم المتحف الرخامي و تلك السمات السمراء القوية للرجل الذي يمسك بها الي ان استعادت توازنها و تذكرت مداعبة صديقيتها لها بأنها لم تستغل تلك الفرصة و نظرت كاترين اليه و تضاربت مئات الاحاسيس المختلفة في رأسها ثم قالت :- لم اكن اعرفك وقتئذ .
وقال برقة :- ولا انا .
وخفق قلب كاترين وهي تتذكر نظرة التردد و التساؤل التي استقبلها بها في اول لقاء لهما في بهو منزله ثم جازفت بسؤاله :- هل تذكرتني عند وصولي ؟ .
وأومأ ققائلا :- لي ذاكرة قوية لكل الوجوه التي رااها . كما ان لون شعرك شيء يميزك ذائما .
فابتسمت و قالت :- انكلترا مليئة باعداد هائلة من ذوات الشعر الاحمر .
- ربما كان ذلك صحيحا .
ثم امسك بذراعها ليصطحبها الي المنزل مخترقا الاشجار الكثيفة وشعرت بأطراف اصابعه تلمس جلدها برقة و استطرد :- ولكن ليس شعرك الاحمر فقط هو الذي يميزك يا انسة غرانجر .
لكن كاترين لم تحاول الوصول الي ما يعنيه فلمسة اصابعه علي ذراعها كانت اكث اثارة من ضغط نيكولاس ، ولذلك سألت نفسها مرة اخري هل من الحكمة البقاء معهم دائما .
|