4-الأسهــــم.
مضي الآن نحو ثلاثة أسابيع علي وصول كاترين إلي الجزيرة ,وقد اعتادت رؤية أخويها أقل مما كانت تفعل ولم يكن ذلك لإنصرافهما عنها كليا ,إذ كانا يقصان عليها دائما أحداث يومهما كما تعودا , ولكن كان هناك الكثير من الطرائف الجديدة المثيرة التي تشغلهما وتجعلهما ينسيان أنهما أهملاها.
وفكرت كاترين أنها الطريقة المثلي التي تمكنها من الانفصال عنهما بسهولة ,لكنها كانت تشعر بمرارة أحيانا عندما تراهما مقبلين علي الذهاب مع كاسيا وابنتي خالهما إلي الشاطئ ,أو السير في الجزيرة لاستكشاف دربهما أخذت كاسيا الأطفال الأربعة في زيارة ثانية إلي الشاطئ قريب وبقيت كاترين وحدها في صحبة هيلين ميدوبوليس التي لم تكن ترتاح إليها كثيرا.
منتديات ليلاس
ولم يكن هناك أي سبب لتكره هيلين كاترين لكن بعدما قدم ستيفان كاترين إلي هيلين ليلة وصولها شعرت كاترين أن العلاقة بينهما يشوبها شئ من الجفاء ,ولكن هذا الشعور كان بعيدا كل البعد عن الغيرة بسبب إعجاب غريغوري الظاهر بها.
كان يبدو علي هيلين جو من التعاسة يصعب تفسيره وقد يرجع إلي معاملة غريغوري الفاترة لها ,فلم يكن يبدو عليه أنه متيم بزوجته أبدا ,ولكنهما يعيشان في سلام معا لا تقلقهما بالطبع المشاكل المالية .وبسبب عدم شعورها بالارتياح في صحبة هيلين اختارت كاترين عن عمد موضوعا للحديث شعرت أنه لا يمكن أن يثير جدلا من أي نوع فتحدثت عن الجزيرة واختلافها عن البيئة الأولي التي نشأت فيها ,و لكن حتي هذا الحديث العابر لم يكن يثير أي اهتمام أو حماس لدي هيلين وعندما بدأت كاترين تقارن بين المناخين قالت هيلين بصوتها العميق :
"لم أذهب إلي انكلتر أبدا ولذلك لا يمكنني المقارنة "
فسألتها كاترين وهي تحاول أن ترسم علامة الحسد علي وجهها :
"وهل عشت هنا طول حياتك؟ أنا أحسدك علي ذلك .إنك محظوظة!"
ولوت هيلين فمها الواسع بمرارة ,وعندما ضحكت أطلقت صوتا قصيرا جافا لا يبدو فيه المرح ثم قالت :
"كنت أود أن أجوب أقطار الدنيا وأري بلادا أخري ..."
وهزت كتفيها ,ومرة أخري لوت فمها بمرارة وقالت :
"وهل تظنين أن هذه الجزيرة هي الجنة بعينها يا كاترين ! إنك لا تعرفين القضبان الخفية التي تحيط بهذه الجنة , كاديموليس هي الجزيرة التي جئت منها وتشبه هذه تماما وتشكل مثلها سجنا لي."
"آسفة."
كان صعب الرد علي هذه المرارة وهذا الاستياء ,وشعرت كاترين بالعطف علي هيلين لتعاستها الظاهرة ,لكن في الوقت نفسه تساءلت كيف تمضي هيلين حياتها بدون أن تفعل شيئا بالرغم من وجود كل هذه الإمكانيات النادرة حولت هيلين حياتها إلي جحيم مقيم وكان في استطاعتها أن تسعد بها .
ثم نظرت إلي كاترين بعينيها السوداوين اللتين يكمن فيهما الكره وقالت ردا علي اعتذارها :
"لماذا تأسفين فأنت لست والدك "
كان الشك واضحا في صوتها وردت كاترين بسرعة :
"والدي!"
ونظرت إليها كاترين باستغراب وريبة ,فذكر والدها آخر ما فكرت فيه كاترين مما أفقدها اتزانها برهة ولكنها تذكرت كلمات ستيفان ليلة وصولها عندما قال عن هيلين :
"كانت تعرف والدك."
و يومها كان هناك شعور بأن هذه العبارة تخص هيلين شخصيا, وترمي إلي معني خاص بهيلين ,ولكن لا صلة لها بكاترين علي الإطلاق .
وقبل أن تتمكن من سؤال هيلين عما تقصده رأت نيكولاس مقبلا فأشارت إليه بيدها مجيبة ,ولم تغب هذه الإشارة عن نظر هيلين التي ضحكت ضحكة قصيرة وهي تري شقيق زوجها قادما وقالت بصراحة :
"لا تأملي الكثير من وراء نيكولاس ابنة ,فمصير مرسوم كمصير غريغوري ومصيري ,ولن يجرؤ أحد علي مخالفة ما رسمه ستيفان تزوجني غريغوري وسوف يتزوج نيكولاس ابنة يودوبوليس عندما يحين الوقت المناسب أما ستيفان فمن يدري ماذا أعد لنفسه إذا أختار ألينا اندرياس فستكون بلا شك بلهاء إذا فكرت أنها سوف تحتفظ به,"
قالت ذلك وهي تضحك ضحكة جافة , ولاحظت كاترين أن نيكولاس سمع جملتها الأخيرة المريرة ولذلك قطب جبينه ,ولم يناقش هيلين في ذلك ,وسرعان ما انحني علي يد كاترين يلثمها بينما تجاهل هيلين تماما وقالت لكاترين :
"وجدتك أخيرا."
فابتسمت كاترين وارتاحت لقدومه وقالت له :
"لم أكن أعرف أنك تبحث عني ."
وكان الفضول قد تمكن من كاترين لكنها كانت تخشي أن تصارحها هيلين بشئ يخص والدها فيشكل لها بعض الارتباك برغم أنها لم تستطع أن تجد لذلك سببا.
وبدا نيكولاس وسيما بوجهه الأسمر وعينيه اللامعتين ,وقال لها وهو يهز كتفيه أسفا ومعتذرا لأنه لابد أن يرضخ لرغبات أخيه :
"أنا رسول أخي إليك ,وددت أن تخرجي معي في السيارة إلي الجانب الشمالي من الجزيرة لنسبح في البحر ولكن ستيفان يرغب في رؤيتك حالا في مكتبه ."
"وهل تطيعه دائما؟"
لم تقو كاترين علي منع نفسها من توجيه هذا السؤال ولذا رأت في عينيه نذير الاحتجاج .وقال:
"لن يكسب أحد شيئا من مخالفة ستيفان ,وسوف ترين بنفسك هذا يا كاترين "
قال هذا وهو يأخذ يدها ويضغط علي أصابعها بقوة وكأنه يؤنبها ,وشعرت بالندم فورا وحاولت الاعتذار فضغط علي أصابعها مرة أخري ولكن برقة هذه المرة .ثم اعتذرت له هامسة وقالت :
"آسفة يا نيكولاس "
ولكنها لاحظت أن هيلين تراقبهما بشئ من الازدراء ,وتسألت كاترين لماذا تتعمد هيلين الابتعاد عنها وعدم التقرب إليها .وقال نيكولاس وهو يلثم يدها:
"أسامحك .والآن اذهبي إلي ستيفان قبل أن يظن أنني أهملت تبليغ الرسالة "
وأومأت كاترين وخفق قلبها ونظرت إلي نيكولاس وقد بدا القلق في عينيها وسألته :
"هل لديك أي علم عن سبب رغبته في مقابلتي؟"
فهز كتفيه وابتسم قائلا:
"إنه لا يصرح لي أي شيء ,ولكن يجب ألا يبدو عليك الخوف وكأنك سوف تواجهين قاضيا يحكم عليك ,فهو لا يحيي أو يميت ,اذهبي إليه باطمئنان يا عزيزتي ."
وطمأنته كاترين بسرعة قائلة :
"أشعر بالفضول فقط "
وابتسم نيكولاس لها مرة أخري وأعطاها ذراعه فتأبطتها ودخلا المنزل معا بعدما حيت هيلين بابتسامة قصيرة من فوق كتفيها .كان نيكولاس يضغط برقة علي ذراعها وأثارت لمساته مشاعرها .كان في استطاعته أن يطير عقلها إذا أراد ذلك!
"من غير شك سوف يتحدث إليك ستيفان في أمور عقيمة تختص بالعمل ."
ولمعت عيناه ثم قال :
"ستيفان وحده لا يدرك ضياع الوقت في مثل هذه الأمور ."
ثم وعدها برقة قائلا:
"سأنتظرك إلي أن تخرجي من عنده ."
وصاحت كاترين :
"نيكولاس ...."
ولكنها غيرت رأيها وذهبت للبحث عن مكتب ستيفان ,وضاعت الفرصة للسؤال عن علاقة والدها بهيلين. ربما أمكنها بعد ذلك سؤال نيكولاس عن سر تعاسة إذا واتتها الفرصة,ولماذا ترتبط هذه التعاسة بوالدها .
ولكن مكتب ستيفان يقع في الجانب الخلفي من المنزل .تفتح نوافذه علي مناظر الأشجار الأخاذة التي تكاد تشغل من في المكتب عن عمله ,ومن عنده يبدأ الطريق الذي سلكته كاترين والطفلان يوم ذهبوا لاستكشاف الجزيرة أول مرة وضل الطفلان طريقهما .وكان منظر أشجار النخيل والليمون والبرتقال من خلال النوافذ المرتفعة يسلب اللب .....وتسألت كاترين كيف يستطيع أي إنسان العمل في مثل هذه المناظر الخلابة .وكان جو الغرفة يوحي بأنها تخص رجلا,بمقاعدها الجلدية الداكنة اللون ومكتبها العريض ,ولكنها لا تعطي أي علامة لوطن هذا الرجل .فقد تكون هذه الغرفة في أي مكان من العالم ,أما جدرانها فكانت بيضاء وسجادتها حمراء منقوشة برسوم ذهبية رجحت كاترين أنها تركية الصنع كمعظم تحف المنزل .وكانت أشعة الشمس تدخل متخللة خشب النوافذ الأخضر ,ماعدا ذلك كان يمكن أن تدخل متخللة خشب النوافذ الأخضر ,ماعدا ذلك كان يمكن أن تجد هذه الغرفة في منزل أو مكتب أي رجل أعمال إنكليزي .
وعند دخولها إلي المكتب وجدت ستيفان واقفا بجانب أحد النوافذ وظهره إلي الغرفة يعقد يديه وراء ظهره ويرتدي بنطلونا رماديا وقميصا أبيض .
ووقفت كاترين في الباب تشعر بضآلة حجمها في ذلك الثوب الأبيض القصير الذي يكشف عن امتلاء جسمها الفتي والذي ينساب عليها برشاقة ,وصندلها الذي كان بلا كعب وودت لو كانت علي علم بهذه المقابلة حتي يمكنها أن ترتدي زيا مناسبا لا يظهرها كالتلميذة التي تقابل ناظر مدرستها في مكتبه واستدار ستيفان فجأة وارتسمت علي وجهه الأسمر ابتسامة خفيفة أضاءت تقاطيع وجهه الذي يشبه الصقر,ثم قال لها مشجعا ومشيرا إلي أحد المقاعد أمام مكتبه مباشرة .
"أجلسي يا كاترين ."
جلست ثم جلس وأخذ يتفحصها من خلال عينيه السوداوين حتي أنها ارتبكت وقطعت الصمت الذي ساد بينهما وقالت بدون أن تدري :
"نيكولاس أخبرني أنك تريد مقابلتي .لا اعرف لذلك سببا سوي أن ....."
"سوي أن ماذا!"
وهزت رأسها متسائلة :
"لماذا أردت مقابلتي يا سيد ميدوبوليس ؟"
وشعرت كاترين بارتباك لم تشعر به من قبل في حضوره .
"وماهو في نظرك سبب استدعائي لك!"
سألها ذلك وهو مصمم علي أن تجيبه بنفسها .
وحاولت أن تحتفظ برباطة جأشها وقالت :
"ربما عقدت العزم أن تجعلني أغادر الجزيرة وارجع ثانية إلي إنكلترا ."
لكنها كانت في قرارة نفسها تظن أن هذا ليس السبب في استدعائها فرد عليها قائلا:
"أفهمتك من قبل بوضوح أن رغبتي في بقاؤك كفرد من أفراد عائلتي ,لماذا تظنين أنني قد أغير رأيي فجأة وبهذه السهولة !"
وهزت كاترين كتفيها وحركت يديها بيأس وقالت :
"لا أدري شيئا في الواقع ليس في أمكاني تخمين السبب الذي طلبتني من أجله "
ودهشت لأنها شعرت بالارتياح عندنا عرفت أن السبب ليس طردها من الجزيرة وعادت لتقول :
"لا أري أي سبب أخر يدعوك إلي رؤيتي ."
وتصورت أنه ابتسم ولكنها لم تجازف وترفع رأسها لتتحقق من ذلك .
"في الحقيقة طلبتك لأناقش معك ميراث والدك في شركة ميدوبوليس للملاحة ."
كان صوته هادئا رقيقا وهو يقول ذلك وسألته :
"شركتك للملاحة!"
ونظرت إليه كاترين بتعجب وفضول ودهشت أن يستثيرها هذا الأمر,لقد دخل والدها بنصيب في شركة ميدوبوليس للملاحة عند زواجه من ماريا فكان من المنطق أن تعود الأسهم التي كان يملكها إلي أليكس وبول ,ولم تفهم سر استشارته لها علما بأنه أصبح الآن الوصي علي الولدين .
لاحت ابتسامة فاترة علي الفم الواسع وهز رأسه وصححها بهدوء قائلا:
"خط الملاحة لا يخصني وحدي بل تملكه الأسرة كلها يا كاترين ."
ونظرت كاترين إليه من بين أهدابها الكثيفة ,وكانت تشك في أن الأسرة تشترك في تسيير خد الملاحة فمهما كان عدد الأسهم التي يمتلكها أفراد الأسرة فهي متأكدة أن ستيفان وحده هو الحاكم بأسرة له الحق في إصدار كل القرارات .فقالت بشيء من السخرية :
"ولكنك أنت الحاكم بأمرك ."
فأطبق فمه بشدة وكأنه استاء من هذه النبرة الماكرة وقال لها في هدوء :
"أمتلك معظم الأسهم ولذلك يكون لي الحق الأخير لاتخاذ القرارات الهامة ولكن الشركة تخص العائلة برغم ذلك."
وأطال النظر إليها وأخيرا قال بصوت خفيض :
"تعتقدين أنني جبار متسلط أليس كذلك يا كاترين ؟"
ولم تشعر كاترين بحرج مثلما شعرت الآن ,وتسارعت دقات قلبها وشعرت برجولته ,فهاتان اليدان الداكنتان وعنقه التي لفحتها الشمس تطل من قميصه الأبيض وكل ما فيه أثار كاترين وجعلها تعتقد انه أكثر نضجا وخطورة من أخيه نيكولاس , قد يكون جبارا كما قال وقد يكون هذا صحيحا ولكنه كان رجلا جذابا جدا يؤثر وجوده فيها تأثيرا كبيرا وكان هذا هو الأمر الأهم بالنسبة إليها في تلك اللحظة.
وعادت تقول في تحد:
"ألست جبارا حقا؟"
وحاولت كاترين هذه المرة ألا تتأثر بقوة شخصيته أو بقوة جاذبيته, وظل لفترة طويلة لا يتكلم لكنه هز كتفيه العريضتين بخفة وبدأت لمحة من المرح في عينيه السوداوين وقال :
"كلمة جبار معناها باليونانية السيد ,وأظن أنني سيد هذه الجزيرة علي الأقل ."
وذكرته قائلة:
"مملكتك!"
وهز رأسه موافقا وقال:
"نعم مملكتي إذا كنت تشاركين أفكار نيكولاس ."
ووجدت كاترين في هدوئه إثارة وجاذبية أكثر فحاولت أن تستعيد حالتها الطبيعية وتعود إلي الموضوع الذي جاءت لأجله فسألته:
"لا أفهم لماذا تريد أن تناقش معي موضوع نصيب والدي في الأسهم إنها تخص الولدين الآن بالتأكيد وأنت الوصي عليهما."
واعتدل ستيفان في جلسته ومال إليها ولم يعد يفصله عنها سوي مكتبه, فأمكنها رؤية التجاعيد الرفيعة التي تشع من جانبي عينيه و الشعيرات البيضاء القليلة التي بدت في صدغيه بين سواد شعره الحالك. ثم قال وهو يتفحصها بنظراته الثابتة القوية :
"أبوك ترك الأسهم كلها لك وليس للولدين يا كاترين."
لي أنا؟"
ونظرت إليه عدة لحظات وهي لا تصدق ذلك. ففي السنوات الأخيرة كانت كل أعمال والدها في يد محام عائلة ميدوبوليس ومن الطبيعي أن يعرف ستيفان كل شيء عنها, وقد يكون كذلك أحد المنفذين إذا كان مثل هذا الشيء قائما في اليونان إذ كانت كاترين تجهله كل الجهل حتى في إنكلترا.
وسألها ستيفان :
"ألم تعلمي أنه كان ينوي ترك الأسهم لك؟"
وهزت كاترين رأسها ببطء وقالت بصوت مبحوح وهي لا تكاد تصدق ما سمعته:
"لم أر والدي لمدة ثلاث سنوات ونصف قبل أن يموت ولم نتراسل كثيرا أثناءها."
أومأ ستيفان وهو واثق أن ما قالته صحيح وذلك لأن ستيفان وعائلته كانوا يرون جورج غرانجر كثيرا في السنوات الأخيرة من عمره بعكس زوجته وأولاده رد ستيفان عليها يقول بهدوء محاولا أن يعبر عن شعوره بالعطف بلا كلام :
"أنا واثق من ذلك ."
وتأثرت كاترين بعطفه سواء كان ذلك بكلمات أو بدون كلمات ,وقالت بسرعة وهي تواجه الحقيقة لأول مرة:
"لا اعرف حتى مدي ثروة والدي ."
والواقع أن كاترين لم تكن تعرف شيئا عن الثروة التي تركها لهم والدها وما يخصها هي بالذات ,وخاصة إن الوالدين أصبحا تحت رعاية ستيفان الآن .
وسادت لحظة صمت ونظر إليها ستيفان وهو جالس أمام مكتبه ثم قال لها ببطء وهو يتفرس في وجهها:
"لم يكن والدك رجلا غنيا ولكنه كان في سعة من العيش يضاف إلي ذلك امتلاكه الأسهم ."
وكان واضحا أنه يحاول أن ينتقي كلماته بحرص ,وبدأت كاترين تدرك معني ذلك فسألته :
"هل تجعلني هذه الأسهم مساهمة في شركة ملاحة ميدوبوليس؟"
فهز لها ستيفان برأسه موافقا ,ولكنها تأكدت من العبوس الذي غطي وجهه فهذا الأمر لا يروق له ,ثم قال لها:
"أبوك دخل مجلس إدارة الشركة بصفته زوج شقيقتي ماريا ,أما ماريا نفسها فلم تملك سهما."
وأخيرا تبينت كاترين السبب الذي من أجله دعاها ستيفان لمقابلته ,و طابت نفسها لامكانها التفوق علي ستيفان ولن تضيع هذه الفرصة .ونظرت إليه من ظل أهدابها الطويلة بعينيها الخضراوين اللتين تلمعان كالجوهرة الثمينة ,وبدت علي فمها ابتسامة صغيرة ولكن راضية ثم قالت له :
"ماريا كانت امرأة بالطبع .وليس في دنياكم يا سيد ميدوبوليس من النساء من تملك أسهما."
ورأي في عيني كاترين نظرة انتصاره فهذا ستيفان رافضا في حركة سريعة ومرنة جعلت كاترين تعتدل في جلستها ,ومرة أخري توجه إلي النافذة ووقف وظهره إلي الغرفة ,ويداه معقوفتان وراء ظهره تماما كما رأته عند دخولها وشعرت كأنه يتحداها بمظهره .
"يبدو انك تأخذين الأمر ببساطة."
قال ذلك من غير أن يدير رأسه نحوها .وكانت لهجته باردة جافة وكأنه يحاول أن يكبح غضبه بصعوبة ومض يقول :
"أحاول أن أعالج مسألة أسهم والدك بما يرضي كل الأطراف المعنية ولكن يبدو انك تأخذين الأمر كوسيلة لكسب انتصار أنثوي مضحك."
ولم تصدق كاترين أنها في موقع يمكنها أن تسيطر علي رجل مثل ستيفان,ويعطيها شعورا بالقوة ولو إلي حين ,وكان يبدو أنه يرغب في الاستيلاء علي هذه الأسهم ويعرف جيدا أنها سوف تتمسك بها ولو أنها لم تسرح له بذلك ,و تسألت تري لماذا يفعل إذا تمسكت بها ولم تفرط فيها وسألته وهي تتظاهر بالخضوع له وينم صوتها علي الامتثال:
"كيف تتهمني بذلك وأنت لم تصرح لي بعد بمقترحاتك!"
فهزت رأسها موافقة وقالت :
"طبعا.يا سيد ميدوبوليس ."
"أنك تناديني باسمي كاملا فها تستعملين هذه الطريقة الرسمية مع أخوتي كذلك!"
وكان خروج ستيفان عن موضوع المناقشة فجأة قد أدهش كاترين ,وجعلها تعجب من اهتمامه بهذا الأمر التافه خصوصا في ذلك الوقت وأدركت فجأة أنه يعترض علي أنها تخاطبه باسمه الكامل ولقبه وأخيرا قالت:
"لا أدري كيف أناديك."
"تعرفين اسمي."
وهزت رأسها موافقة وخفضت عينيها ووسوس شيطانها أن تداعبه كما داعبته من قبل عندما أظهرت رغبتها في تعلم ركوب الخيل ولم تقاوم رغبيها فقالت:
" نيكولاس والآخرون يسمونك ستيفان والطفلان يدعوانك بخالي سيفان ولست أدري لأي فريق منهم أنتمي ."
كان صوتها رقيقا .وهي تنظر إليه بعينيها الخضراوين ,فتمتم ستيفان باليونانية كلاما لابد أن يكون قولا قاسيا وغضت نظرها مرة أخري ,وخلق قلبها بالخوف فجأة وبدلا من صفعها كما كانت كاترين تتوقع أغلق يديه القويتين بشدة ,فتكورتا وراح يغالب بصعوبة الغضب الذي اعتراه ثم رد عليها بقسوة وبرود جعلها تشعر برعشة في ظهرها وأطرافها:
"لك أن تختاري ما تريدين ,ولكن بما أنك تتصرفين كالأطفال فالأرفق أن تناديني يا خالي مثل أخويك."
قال ذلك بصوت بارد أجش ,ولكن كاترين لم يكن في نيتها إطلاقا أن تفعل ذلك ,رفضت هذا الاقتراح ونظرت إليه بسرعة وهمت بالكلام ولكن نظرته القاسية أسكتتها ,فشعرت بضآلتها وجلست وقد وضعت يديها في حضنها وأخيرا قالت متلعثمة:
"إني –إني آسفة."
وردت كاترين لو تدخل أحد وأزاح ذلك الصمت الرهيب الذي خيم عليهما ,وسادا الغرفة ولكن يبدو أن ستيفان لم يكن في نيته عمل شيء سوي الوقوف أمامها صامتا ولذلك اضطرت أن تكون هي البادئة بالكلام.
بدت يداه الآن أقل توترا ,واسترخت أصابعه الطويلة لكنها بدت وكأنها ستمتد وتصفع كاترين في أي لحظة , و
لاحظت أيضا أن توتر خف من جسمه الطويل النحيل ,فتشجعت ونظرت إلي وجهه الذي لان قليلا برغم أن فمه صلبا صارما تحت ذلك الأنف التركي المتغطرس ,وأخيرا جازفت وقالت:
"آسفة يا سيد ميدوبوليس."
"ستيفان!"
"يا ستيفان."
رددت كاترين اسمه بطاعة فرات قسماته الصارمة تلين وامتدت يده ولامست أصابعه عنقها برقة ,ثم قبضت بشدة علي خصلة شعرها الأحمر النحاسي مما أثار الخوف في نفسها وقال:
"أظن أن هذا الشعر الوهاج يجعلك متمردة تصعب السيطرة عليك."
قال هذا هامسا وبصوت عميق جعل قلبها يخفق بين ضلوعها حتي خيل إليها أنه يسمعه ولكنها قالت بصوت ناعم كادت لا تعرف أنه صوتها :
"لم أتعود أن يسيطر علي أحد لأنها طريقة عقيمة لا تفيد في كسب ثقة الناس كما أعرف."
"وهل تعلمينني طرق السلوك في الحياة وكسب ثقة الناس ؟"
وضغط بإبهامه علي شفتيها مارا بخديها ,ثم استدار وجلس علي مقعد مكتبه وقال بهدوء وكأنه يحدث نفسه سوف تتعلمين وبعد لحظة صمت استطرد قائلا بهدوء :
"الآن هل تناقش مسألة الأسهم الخاصة بك؟"
"نعم بكل تأكيد."
سبب هذا الانتقال المفاجئ إلي العمل الجاد لكاترين شيئا من خيبة الأمل ,بالرغم من أن مناقشة مسألة الأسهم كان السبب الرئيسي في دعوته لها بالحضور ولابد من الانتهاء منه عاجلا أم أجلا.
اتكأ ستيفان ونظر إليها بعينين متفرستين , أخيرا قال في صوت يتسم بالبرود والواقعية :
"أرغب في شراء هذه الأسهم منك."
فكرت كاترين مليا وأصبح واضحا بالطبع أنه دعاها إلي البقاء في الجزيرة لهذا السبب أساسا ,ولم تصدق اهتمامه بوحدتها في الحياة بل كان ما كان يشغله في بساطة أنها تمتلك أسهما في شركة الملاحة الخاصة بهم ,وهو يريد السيطرة علي الأسهم .
من يدري لعله كان ينتظر أن تشكر له كاترين أنه اعتبرها عضوا في عائلته ,وتسلمه الأسهم مقابل ذلك بدون تفكير ولا اعتراض ,وساءها في كل ذلك خيبة الأمل المريرة التي شعرت بها ،ومن هنا قررت التمسك أكثر بالأسهم ,فلن تسلمها إلي أي مخلوق حتي ولو كان مدوبوليس نفسه وردت عليه قائلة:
"لا أريد بيع الأسهم."
قالت ذلك بهدوء وسرعان ما رأت وجهه يكسوه الغضب وقطب حاجبيه ثم أضاف :
"لماذا ؟إنك لا تفهمين المسائل المالية ,وبجانب ذلك أنت لست عضوا في عائلة ميدوبوليس "([هو مش قال من قبل انو تعتبر نفسها فرد من أفراد العيلة ولا عشان مصاري بطلت هلاء من العيلة)قال ستيفان ذلك بصوت صارم بارد ,و تسألت ما إذا كانت قد تمادت أكثر مما يجب فردت عليه قائلة:
"ولم يكن والدي عضوا في العائلة أيضا."
وللمرة الثانية هب واقفا بجانبها ,واقترب منها فجأة ,وكأن مجرد حضوره سوف يؤثر عليها ويجعلها تغير من رأيها ’وقال لها مذكرا إياها :
"كان والدك يعتبر واحدا منا بزواجه من شقيقتي."
فأجابت:
"وكان رجلا طيبا ."
وشعرت أن مقاومتها لهجومه عليها كادت تنهار :
فغضب واظهر غضبه بتلك الكلمات اليونانية التي أطلقها ,ولابد أنها كانت تدين عنادها وأقترب منها أكثر فشعرت بقوته وشخصيته تنساب إليها مما جعلها ترتجف وقال لها :
"إنك عنيدة ,ولكن سوف تأسفين إذا تماديت في هذا العناد يا كاترين وسوف ترين أنا أعدك بذلك ."
كانت كلماته قصيرة عنيفة وودت كاترين لو أمكنها القيام من مقعدها ,لكن قربه لها لم يمكنها من ذلك ,فبقيت جالسة وشعرت بعجزها وضآلتها أمام غضبه وجبروته وهو يقف بقامته الطويلة إلي جوارها وجازفت قائلة:
"ليس لك الحق في تهديدي....."
ولم تكمل حديثها إذ امتدت يده تحت ذقنها فجأة وأجبرتها علي النظر إليه ليقول لها برقة:
"لي الحق في عمل كل شيء أريده هنا ,فهذه مملكتي ألا تتذكرين !"
اعتري كاترين الخوف عندما تقلصت شفتاه وضغطت يداه علي ذقنها بشدة وقالت :
"إذن دعني أغادر الجزيرة ."
وقال برقة :
"وتتركين أخويك تحت رحمتي؟ لاأظنك فاعلة هذا ياكاترين."
ورأت كاترين أمامها الطريق مسدودا ,ولكنها لم تكن تريد الخضوع له بعد عنادها وتمسكها بحقها ,وكانت تحس بشعور غامض أنها إذا خضعت له سوف يشعر بخيبة أمل فيها.
"طبعا أفضل البقاء معهما هنا ولكن إذا طلبت مني إن ابقي معهما لمجرد إرغامي علي التخلي عن تلك الأسهم فأنك تكون مخطئا يا ستيفان."
كانت في العينين السوداوين نظرة عتيقة براقة ولكنها لمحت ابتسامة علي فمه الواسع لم تستطيع فهم مغزاها وقال لها في هدوء:
"هل تعتقدين ذلك؟"
أشاحت كاترين بوجهها بسرعة واعترفت قائلة :
"لست أدري"
"أنك تظلمينني إذا اعتقدت ذلك."
ورفعت عينيها ثانية وبدت فيهما نظرة رقيقة وهي تقبل ما قاله شاكرة ,بل اعتذرت بالصوت الهادي ء نفسه وقالت:
"آسفة إذا كنت أخطأت في الحكم عليك ,ولكن لن يغير هذا من الأمر شيئا يا ستيفان فلن أبيع لك الأسهم ."
وكان قلبها يخفق بشدة لدرجة أنها كانت تسمع دقاته بوضوح وخشيت أن يسمعها هو أيضا.
وترك ذقنها بعد ذلك في عينيه بريقا عميقا لم تر مثله من قبل وقال بنعومة:
"حسنا,سوف نري."
"ستيفان -"
أقلقتها كلماته ورضاه الهادي ء فنظرت إليه بعينين واسعتين لكن ابتسامته المفاجئة التي كشفت عن أسنانه البيضاء المتساوية أضفت عليه تعبيرا مختلفا ,لم تعرفه من قبل وجعلت نبضها يسرع مرة أخري بطريقة لا تستطيع السيطرة عليه وأحاطت يداه الكبيرتان بوجهها برفق ,وأحست كاترين بدفء راحتيه وهو يرفع وجهها وقال برقة :
"القدر له طريقة في تطوير مثل هذه الأمور ,وأنت لن تغادري هذه الجزيرة ....وأنا اعرف هذا."
وبسرعة وعلي نحو لا يصدق انحني رأس الأسود وعانقها وقال مرة أخري بالصوت الناعم نفسه:
"سوف نري ..."