لمشاكل التسجيل ودخول المنتدى يرجى مراسلتنا على الايميل liilasvb3@gmail.com






العودة   منتديات ليلاس > القصص والروايات > روايات عبير > روايات عبير المكتوبة
التسجيل

بحث بشبكة ليلاس الثقافية

روايات عبير المكتوبة روايات عبير المكتوبة


إضافة رد
نسخ الرابط
نسخ للمنتديات
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 23-04-10, 09:39 PM   المشاركة رقم: 6
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: Oct 2007
العضوية: 45499
المشاركات: 173
الجنس أنثى
معدل التقييم: ..مــايــا.. عضو له عدد لاباس به من النقاط..مــايــا.. عضو له عدد لاباس به من النقاط
نقاط التقييم: 116

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
..مــايــا.. غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : ..مــايــا.. المنتدى : روايات عبير المكتوبة
افتراضي

 

تسلميــن يالجبل الأخضر

أتمنى تستمتعي بالروايه

 
 

 

عرض البوم صور ..مــايــا..   رد مع اقتباس
قديم 23-04-10, 09:46 PM   المشاركة رقم: 7
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: Oct 2007
العضوية: 45499
المشاركات: 173
الجنس أنثى
معدل التقييم: ..مــايــا.. عضو له عدد لاباس به من النقاط..مــايــا.. عضو له عدد لاباس به من النقاط
نقاط التقييم: 116

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
..مــايــا.. غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : ..مــايــا.. المنتدى : روايات عبير المكتوبة
افتراضي

 

3- الجواد العربي



وجدت كاترين ان الحياة في منزل عائلة ميدوبوليس مثيرة للغاية بالرغم من بعض المتاعب المترقبة التي لم تحسب لها اي حساب ومن الواضح ان يطرأ علي حياتها تغير شاكل في كل ما اعتادت عليه من قبل ، كانت مثل الولدين منطلقة شغوفة بحياتها الجديدة و شعرت كأنها تمضي عطلة تروح فيها عن نفسها و تشارك الطفلين سعادتهما و فرحهما و كانا الصغيران يضحكان و يثرثران بلا انقطاع وهما سعدين بمنزلهما الجديد و حياتهما الجديدة .
وشعرت كاترين ان كاسيا ظنت ان مساعدة لها في العناية بالطفلين قد يكون فيها بعض الحرج . لكنها لم تتخل عن واجبها المعتااد نحوهما . فهما يحتاجان اليها الان اكثر من اي وقت حتي يشعرا انهما في بيتهما وانها لا تنوي التخلي عنهما ابدا .
- ستقابلان جدتكما هذا الصباح .
اخبرت كاترين الولدين بذلك وهي تمشك شعر ول الذي التفت اليها وقد بدا القلق في عينيه الكبرتين السوداوين و قال وهو يقطب حاجبيه :- هل هي لطيفة ! .
قال ذلك بجرأة و صراحة و القت كاترين نظرة سريعة الي المرأة اليونانية كاسيا لتري اذا فهمت السؤال ، لكن لم تظهر اي اشارة من كاسيا تدل علي انها تعرف الانكليزية . بل كل ما سمعته كان بضع كلمات باليونانية ، لكنها كانت دائمة الابتسام سعيدة بمسؤوليتها الجديدة فخورة بالطفلين . مما جعلها يطمئنان اليها بعدما كانا ينفران و يبتعدان عنها و يصران علي التعلق بكاترين و رأن كاترين ان هذه علاقة طيبه اتاحت لها .
فردت كاترين عليه قائلة وهي تحاول ان تطمئن بول :- انها لطيفة جدا ، فقد قابلتها ليلة امس ووجدتها سيدة رائعو وسوف تحبانها .
منتديات ليلاس
- وهل هي الطف من جدتنا سيمونز ؟
ولم تستطيع كاترين ان تخفي تقطيبه الاسف التي بدت علي وجهها ، اذ كانت الجدة سيمونز جدتها لوالدتها وهي الوحيدة التي عرفها الطفلان . وكانت ساخطة علي والد كاترين لزواجه الثاني حتي انها كرهت طفليه ايضا لذلك السبب فردت كترين وهي تبتسم و تطمن الطفلين الصغيرين :- انها الطف بكثير من الجدة سيمونز .
فسألها اليكس بينما كانت كاسيا تمشط شعره بشدة :- وهل ستحبنا ؟
هذه المرة ردت كاسيا بصوت رقيق فيه لكنه قوية ذكرت كاترين بلكنة السيدة ميدوبوليس التي كانوا بتحدثون عنها ,وقالت تبتسم وتعد الطفلين بمحبة جدتهما:
"جدتكما ستحبكما كثير"
ثم أضافت كاسيا قائلة :
"عاشت سنوات طويلة تتمني حفيدا لها ...."
فابتسمت كاترين وهي تشعر ببعض التقارب تجاه هذه المراة ثم قالت : - والآن جاء لها حفيدان مرة واحدة ، و عليكما ان تكونا مؤدبين جدا عند مقابلة جدتكما .
فأشارا برأسيهما لم يرتاحا ، و خاصة اليكس ، لمقابلة اليكس عدد من الاشخاص الجدد دفعة واحدة و تمنت كاترين الا ترهق الطفلين بذلك كما فكرت لن يوافق علي بقائها قربها دائما و اخفاء واجهيهما في ثوبها مرة ثانية ، ثم شعرت كاترين بالتفاؤل وهي تنظر طويلا اليهما و تتفحصهما لتري ثمرة عنايتها و عناية كاسيا بهما و ثم اخذت كاترين يديهما في يديها و قالت :- هل ننزل الآن لتناول الافطار .
وللمرة الثانية اشارا بالا طاعة ووقفت تراقبهما وهي فخورة بهما ، وكانت تتمتم ببعض العبارات بلغتها اليونانية . فودت كاترين لو كسبت كاسيا الي جانبها لتسهل لها الامور و تمهد لها الطريق اذ كانت واثقة ان هذه المراة لها مكانة عند ستيفان . وفي وسعها مساعدة الطفلين كثيرا في العبور الي حياتهما الجديدة بسهولة . فقد اقلقتها فكرة ، وعندما أوت الي فراشها السابح في ضوء القمر كانت تفكر وهي لا تصدق في اقتراح ستيفان ان تبقي في الجزيرة ، اذ لم تعتبره اقتراحا بل تكلم عن الموضوع وكانه رسم خطة و نفذها .. ، و قال ان امتعتها في طريقها من انكلترا ذهلت عندئذ فلم تقو علي الاحتجاج !
وهناك الكثير يجب البث فيه عندما تتمالك شعورها و تستطيع ان تعي معني وجودها تحت سقف و حماية ستيفان و العيش في كنفه . في أي حال يمكنها ان تعتبر بقاءها معهم فترة ترويح عن النفس تقضيها ثم تذهب لحالها ، مهما تعارض ذلك مع ما يدور في خلد ستيفان .
وكان الطعام الافطار معدا علي مائدة تظللها اغصان محملة بزهور بنفسجية اللون . وجدت اربعة من افراد الاسرة سبقوها للجلوس هناك مما جعلها تتنفس صعداء و ترتاح لعدو وجوده ,
تصادف دخولها و اخويها مع دخول احد الخدم يحمل صينية خبز ساخن و زبد و قهوة فاحت رائحتها الشهية فتنبهت كاترين لمدى جوعها .
وهب غريجوري و نيكولاس واقفين ثم اسرع نيكولاس يضع مقعدا لها بجانبهوهو ينظر بعينه السوداوين الي ثوبها الاصفر الفاتح و يقول باعجاب :- صباح الخير يا كاتين ، انك تبدين هذا الصباح جميلة
ومن العجب انه لم يهتم باليكس او بول فهو لم ينظر اليهما و لم يتحدث معهما . ولاحظت كاترين ان نيكولاس يهتم فقط بالذين يهمه امرهم . فهما مجرد صغيرين لا يهمانه في شيء و لذلم اهمل وجودهمما و تجاهل حضورهما .
و يبدو ان غريغري راقه منظرها برغم ان اعجابه كان اكثر تحفظا من اعجاب اخيه ، انا هيلين زوجته فحيتها بايماءة صامتة من رأسها و نظرت اليها بفضول ولكن سرعان ما اشاحت بصرها .
ولم تابه كاترين بدعوة نيكولاس للجلوس الي جانبه و قادت الولدين الي حيث جلست جدتهما في طرف المائدة و تفحصت الجدة الولدين لكنها وجهت اولا الحديث الي كاترين كما يحتم الادب ذلك قائلة :- هل كان نومك هنيئا يا انسة غرانجر ؟ .
قالت كاترين وهي تبتسم :- نعم و اشكرك يا سيدة ميدوبوليس ، فان غرفتي جميلة و مريحة .
انا سعيدة بذلك .
و اعربت السيدة العجوز عن سرورها و قالت مؤكدة مرة اخري :- يسرني انك تجدينها مريحة .
ثم التفتت الي الولدين فقدمتهما كاترين قائلة وهي تحثها علي الاقتراب من جدتهما .
هذا هو الكساندر يا سيدتي . اليكس ... جدتك السيدة ميدوبوليس .
تمتم اليكس بالتحية ووضع يده في اليد التي امتدت االيه لكنه قاوم رغبتها في جذبه الي جانبها و بسرعة قدمت كاترين بول الي جدته و كان بول اكثر جراة عند مقابلة الغرباء فأخذت يده تهزها محببه ثم جذبته بقربها فأحاطته بذراعيها . وكانت لحظة مؤثرة بالنسبة الي جدتهم ، لاحظت كاترين ان الدموع تملأ عينيها السودواين بينما وقف الولدان بجانبها ، لأول مرة يسمعانها تهمس بكلمات في لغتها الاصلية . وبعد برهة احاط بول جدته بذراه و راح ينصت الي تلك الغة الغريبة باهتمام ، بينما تنهدت كاترين ارتياحا ، واذا كان بول مستعدا لتقبل عائلته الجديدة فسرعان ما يحذو اليكس حذوه كعادته دائما .
وكان نيكولاس يتوقع ان يستمتع بصحبة كاترين باقي النهار لكنه صدم عندما ابلغته انها تنوي التجول في الجزيرة مع الولدين لاستكشافها ، فخاب امله و صمم علي البحث عن تسلية اخري بدلا من مرافقتهم ، مما اثار حزن كاترين ، فهي تراه شابا جذابا جذا ، و كانت تتمني ان تكمل ما بداه الليلة الماضية من صحبة مرحة ووقت جميل ,
اخذت كاترين و الصبيان الطريق الذي يبدأ من خلف الفيلا ميدوبوليس ثم يتعرج بعد ذلك . و كان ثوبها الاصفر القصير يعد ثقيلا في اشعة الشمس الحارة ، وودت لو احضرت معها قبعة ، اما الصبيان فكانا سعيدين يجريان و يمرحان وهما يشعران انهما في بيتهما وكان من الواضح انهما تأقلما بسهولة لم تتوقعها .
كانت جزيرة داكوليس مطوقة بالمياه طبعا لكن هناك بعض المواقع تخيل ان فيها البخر يبعد مسافة اميال و قد تأكدت لكاترين ذلك .
ووصلو فجاة الي مكان مشكوف بين الاحراش و الاشجار الكثيفة كانت الاشجار بزهورها الجميلة و رائحتها الذكية منها النخيل و البرتقال و الليمون ، كالاشجار المزرعة علي جانبي طريق المطار و كان المكان بزهوره و الوانه و رائحته المختلفة يوحي اليها انها في الجنة غريبة تنسيها المان و المكان .
ثم افاقت كاترين و نظرت الي ساتعا بتعجب انه يمكن لأي انسان ان يتوه في جزيرة صغيرة كهذه بسهولة .
لم تكن داكوليس جزيرة صغيرة كما تخيلت , مما جعلها تفكر في حجم ثروة ال ميدوبوليس الخيالية , فهم يملكون جزيرة اخري غير هذه الجزيرة الجميلة و نادت علي الصبين ، وكانت مصممة علي الرجوع قبل ان تتوغل في الجزيرة فتضل الطريق ، ولكنها الحا في البقاء لاستكشاف الاشجار التي تحيط بتلك الرقعة المكشوفة . وكعادتها لم ترفض لهم ذلك الطلب و جلست علي الارض الناعمة الدافئة تنتظرهما .
لم تحضر كاترين نظارة كما لم تحضر قبعة تقيها اشعة الشمس و لذلك اغمضت عينيها لتتلاف االضوء الشديد و استندت علي يديها و القت برأسها الي الوراء فانساب شعرها الاحمر النحاسي علي كتفيها . وكان المكان هادئا يتخلله حفيف الاشجار و اصوات مبهمة من النباتات المحيطة بها .
كان المكان رائع الجمال ولا مشاكل تقلقها هنا ، كما ان الطفلين سعيدان في مكانهما الجديد ولول مرة ودت البقاء الدائم هنا .
ثم فتحت عينيها فجاة و تنبهت الي ان اصوات الوليدن لم تعد جزءا من الاصوات المحيطة بها فهبت واقفة و نظرت حولها و قلبها يخفق بلا سبب لا تظن ان هناك أي خطر عليهما في هذه الجنة الهادئة مع ذلك نادت :- اليكس ... ! بوول !! .
كان صوتهها ضعيفا في ذلك الوقت ، و خفت نهائيا عند حافة الاشجار فاذا كان الصبيان ابتعدا مسافة كبيرة لن يمكنها تملكها الخوف لحظة فالبحر قريب و الاطفال عادة يتهورةن عند تركهم علي سجيتهم .
لم تغفل كاترين سوى برهة لكنها كانت كافية ليخترقا الاشجار الي الطريق و من هناك الي البحر باغرائه

جاذبيته و رأتهما كاترين قبل ان تغمض عيتيها يجريان و يختفيان بين الاشجار الموجودة علي الجانب الاخر من االرقعة المكشوفة التي تجلس علي رمالها , ةبدون تردد هرعت غبر الارض الناعمة و قد بدا القلق في عينيها و اخذ قلبها يخفق بين ضلوعها .
و زادت ضربات قلبها عندما كادت تصدم بجسم ظهر من ظلال الاشجار ، فاطلقت صيحة لا شعورية و غطت فمها بيدها و تراجعت وهي لا تقوي علي حفظ توازنها ،

وكان ستيفان مهيبا بقامته الطويلة فكيف وهو يمتطي جواده الاسود العربي ، فنطرت االيه كاترين بعنين بدا فيهما شيء اقرب الي الخوف وهو يمسك اللجام بقوة ، كانت قسماته وجهه البدائية تبدو في ضوء النهار اكثر صرامة و صلابة ، وخفق قلبها اكثر لو عرف انها سمحت للطفلين بالتوغل وحدهما في الجزيرة .
-كاترين !
ناداها ستيفان و تساءلت كاترين عن السبب الذي جعله يناديها باسمها مجردا ، هل هو مافقتها علي البقاء معهم ام ان المفاجأة ادت الي هذه الالفة !
وكان قوامه الطويل المستقيم وهو جالس علي الجواد الجميل رائعا، فبدا كأنه فارس مغوار نسيت كاترين خوفها علي اخويها لحظة و حل محل الخوف شعور اقلقها فجعل نبضها يسرع في عروقها و الدم يصعد الي وجنتيها .
و كان ستيفان يرتدي بنطلونا عاجي اللون ضيقا و جزمة بنية ، اما قميصه قكان عاجي اللون ايضا شفافا يطبق علي جسمه و يظهر كل حكرة من حركاته عضلاته وكان ينظر الي كاترين و قد ظهرت تقطيبة طفيفة بين حاجبيه الداكنتين فتذكرت بسرعة اختفاء اخويها و قالت له :-
- يدو انني فقدت الولدين ؟
- ماذا ! هل فقدت الولدين ! .
وأومات كاترين و قد بدا عليها الحزن فازداد وجهه عبوسا و استطرد قائلا :- لابد ان نجدهما في الحال ، كانت حماقة منك ان تتركيهما يبتعدان عنك .
و ترجل برشاقة عن الجواد ونظر اليها بصرامة , فقد كاان عليها مرااقبة الولدين خصوصا في ذلك المكان الغريب ، وهي تلام اشد اللوم اذا اصيبا بأي مكروه لكنها لم تستسغ ذلك الاسلوب الذي اتخذه للومها و ظهر الامتعاض علي وجهها .
- الا تعرفين ان الشاطيء علي هذا الجانب من الجزيرة صخري خطير لا يقوي عليه اي سباح ماهر ولا فرصة لنجاة طفلين صغيرين اذا فكرا في الذهاب قريبا من البحر ! .
اعترفت كاترين :- لم اكن اتصور اننا قرب البحر ، خيل الي اننا نبعد عنه بضعة اميال .
قال ستيفان و قد بدا انه يحتقر قلة معلوماتها :-
المرء يكون دائما قريبا من البحر في جزيرة بهذه الحجم ، تعالي نبحث عنهما في الجانب الجنوبي اولا .
- اذهب انت في ناحية و انا اتخذ الناحية الاخري .
اقترحت عليه كاترين ذلك حتي لا تكون في صحبة رجل كان واضحا انه يعتبرها بلهاء مهملة . ومرة اخري ادانت العينان السوداوان قلة معرفتها و قال ستيفان :- لا فائدة من ذلك اتيت توا من الجهة الشمالية مارا بكل الشاطيء فلم ار لهما اثرا . تعالي فاننا نضيع الوقت .
واعترضت كاترين قائلة :-
انا متأكدة انهما لم يبتعدا كثيرا فقد اغمضت عيني لبرهة قصيرة فقط .
نظر اليها ستيفان بينهما شق طريقهما داخل الاشجار و قال :- هكذا ! هل كنت تنامين في الشمس و تتركين اخويك بدون مراقبة ؟ .
وزم فمه الواسع المستقيم و استطرد قائلا :- من الطبيعي الا اسمح لك بالخروج معهما بعد اليوم لأنك لم تتعهديهما بعنايتك .
فلمعت عيناها غضبا وهي تحث خطاها لتلحق به و تتنفس بصعوبة و اعترضت بحدة :- ليس لك الحق ان تتهمني بالاهمال ، اعتنيت بهما اكثر من ثلاث سنوات و لن يمكنك منعي من اخذهما معي اذا اردت ذلك .
واترفع حاجب الاسود و ادار رأسه لينظر اليها و قد زم فمه بصرامة و قال سترين انه يمكنني منعك ، فانا الوصي الشرعي عليهما . واذا قلت انك لن تخرجي معهما بعد اليوم فهذا ما سيحصل -هل تفهمين ؟
وردت كاترين بسرعة و قد بدا الغضب في عينيها الخضراوين :- لكنك لست الوصي علي انا ، ز اذا اردت ان اتحداك لن تستطيع ان تفعل شيئا .
توقف عن السير فجأة و التفت اليها ينظر بغضب مما جعلها تشعر برجفة في ظهرها ورعشة غريبة في اطرافها و قال بهدوء خطر :-
استطيع ان افعل الكثير يا كاترين كما سوف ترين وذلك اذا نفذ صبري ، ليس هناك من يتحداني و يهرب من عقابي ، وانا احذرك حتي تسير الامور بسهولة و يسر .
لن تجبرني علي البقاء علي جزيرتك الملعونة .
زبدا تحديهما صبيانيا حتي في نظرها وشعرت بالخجل عندما لاحظت ابتسامة خفيفة ظهرت علي ركن فمه عندما شعر انها تتحداه .
ثم قال لها بهدوء وهو يخطو بين الاشجار :- انت غير مجبرة علي البقاء هنا بالطبع ، يمكنك العودة الي انكلترا متي شئت لكنني اعتقد انه يصعب عليك تفسير سفرك المفاجيء الي اخويك ، فهما لن يجدا لذلك سببا ، ولا انت ايضا .
لم تجب كاترين ولو انها كانت تود ان تقول الكثير لكنها لزمت الصمت الذي كان يدل علي تحديها له و استيائه من اسلوبه ، وكانت تحاول ان تلحق به وهو في طريقه بين الاشجار ليخرج الي الطريق ، فلم يكن الزمان ولا المكان مناسبين للدخول في امور شخصية .
وكان المكان جميلا فالوان الزهور ور ائحتها الزكية و التفاف الاشجار جعلت عراكهما اشبه بجريمة لا تغتفر ، كل هذا الجمال يملكه هذا الرجل الذي يمشي امامها بقامته الطويلة القوية ، وجسمه القوي يبدو بدائيامنطلقا كالنباتات حولهما .
و فجأة ظهر الطريق امامها ومن ورائه مياه البحر الازرق البراقة ولم يكن البحر في تلك البقعة ينساب بهدوء مثل انسيابه بجانب المنزل ، بل كان يهدر متلألئا عند اصطدامه بالصخور الرمادية التي تكون الشاطئ في هذا المكان . وتجمد الدم في عروق كاترين عندما رأت الخطورة المكان علي الاطفال امثال اليكس و بول الذي لم يتعودا هذه الجهات و ادركت ان ستيفاان كان علي حق عندما روعه اهمالها في ترك الطفلين يبعدان عن نظرها .
وصاح ستيفان يقول :- اراهما !!
وكانت كلماته قليلة و مختصرة لكنها جعلت كاترين تتنفس صعداء عندما سمعت اصواتهما وودت ولو هرعت اليهما وهمت تناديهما لولا يده التي امتدت و امسكت بذراعها بعنف فأسكتت صيحتها وشلت حركتها نظرت اليه متسائلة فرد عليها قائلا بلهجة صامتة :- انتظري هنا ، سأذهب لاحضارهما .
- ولكن ...
- انتظري هنا .
وكان هذا لامر كافيا لامتثالها ، لكنها كانت تميل الي تحديه او علي الاقل الي ان تتبعه وهو يمشي مرعا نحو الشاطيء الصخري الي حيث يوجد الطفلان وكانا يتسلقان الصخور الخطرة التي تبعد عن كاترين و ستيفان بنحو خمسين قدما بدون ان يلاحظا قدوم كاترين او ستيفان .
وبعد برهة رأي الطفلان ستيفان و عرفاه فتسمرا في مكانهما عندما لاحظا غضبه و شعرا ان هذا الغضب منصب عليهما .ولم يكونا قد عرفا بعد مدي سلطته عليهما ، ولكن كاترين اعتقدت انها سرعان ما سيعرفان ذلك .
ولم تسمع كاترين ما قاله ستيفان لهما لبعد المسافة لكنها رأتهما يتسلقان الصخور و يهبطان من القمة الي حيث وقف ستيفان ليساعدهما .
ورأته ينحني و يكلم كل طفل علي حدة و رأت الطفلين يحثان راسهما طاعة له ، ثم امتد نظرهما فرقع علي كاترين .
واسرع بول اليها ووجه ينبء بأن لديه ما يريد اخبارها به ، فتحت ذراعيها و ابتسمت له ، لكنه كف فجأة عن الجري عندما سمع الصوت العميق الامر الذي يتوقفه .
توقف بول فجأة و التفت الي ستيفان بتعجب و خوف من ذلك الامر القاسي ، و فهمت كاترين نظرته المتسائلة و التعجب الذي طرأ عليه وهو يلقيها من عينيه السوداوين علي الرجل الذي انهاه عن الركض اليها ، لم يتعودا بول منذ حداثته ان يكلمه احد بهذه اللخجة الحادة، وعضت كاترين شفتها وهي تراقبهما . واعترفت بأنها لا تعرف شيئا عن افكار وصيهما حول الطاعة و حسن السلوط ، و اعتراها الخوف عندما تصورته قاسيا جافا كما تتم قسماته ، وصممت علي الدفاع عنهما مهما كلفها لامر ، وبصرف النظر عن اوامره اليها بعدم التحرك اسرعت كاترين نحوهما وهما يتقدمان نحوها من جهة الشاطيء الصخري .
وبالرغم من تلم المسافة استطاعت كاترين رؤية نظرة الاسي التي بدت علي وجهيهما الصغرين وهما يسيران بجانب ولي امرهما الصارم فتسألت كارين كيف يمكنها الرجوع الي وطنها و تركهما تحت رحمته و قسوته التي لم يتعودا مثلها من قبل .
و كان بول هو الذي ابتسم لها اولا ابستامة حذرة و عينناه الواسعتان تناجيانها ، ووجدت كاترين صعوبة في ضبط شعورها و قال لها :- جرينا بعيدا ونحن اسفان .
ثم نظر الي الرجلالطويل الصارم بجواره وردداليكس الاعتذار نفسه و كأنه يردد درسا :- نحن اسفان .
واستنتجت كاترين انهما تلقيا تعليمات كي يعتذرا لها ، ويبدو انه كان لكل واحد نصيب من اللوم ، فقد القي ستيفان محاضرة عن الاخطاء للثلاثة معا .
- يا احبائي ...
بدأت كاترين كلامها وهمت بأن تأخذهما بين ذراعيها فشعورهابالحمد لرؤيتهما سالمين كان قويا ، لكنها رأت يدين تقبضان علي ايديهما و تبعدانه عنها و تتحكمان في قيادهما , و سار الجميع في الطريق الي المنزل بصمت و اسف لكن كاترين لاحظت ان الطفلين كانا يشعران بالفضول و التعاسة معا ،فيد الرجل القوية المتحكمة كانت تجربة جديدة عليهما ولم يكن شعورهما واضح تجاهها لكنهما لم يقابلا ذلم بالاعتراض التام .
ثم قال ستيفان وهو في طريقه عبر الاحراش متجها الي الرقعة المشكوفة :- لن تذهبا لاستكشاف الجزيرة مرة ثانية الا اذا كان معكما من يقدر علي مراقبتكما مراقبة دقيقة و مستمرة . هل تفهماني ؟ .
- نعم يا سيد مد .. موب ..
وفشلت كل محاولات اليكس في نظق الاسم صحيحا . اما بول فلم يحاول ذلك .
- انا خالكما .
قال لهما ستيفان ذلك وهو ممسك بهما و ينحني عليهما حتي يمكنهما فهمه .
- ويجب ان تنادياني خالي ىستيفان . هل يمكنكما ذلك ؟ .
واستغربت كاترين لهجته و سلوكه نحوهما ، اذ شعرت بأن هناك بعض الانسجام بينه و بين الطفلين جعلها تحس بعيدة عنهما . وسبب ذلك لها شعورا بالوحدة و حاولت اخفاء هذا الشعور بتناولها زهرة حمراء كبيرة قطفتها من غصنها وباتت تنقلها حول اصابعها .
وكان الجواد العربي المهيب يدق الارض بحافره قلقا ، واثار مظهره كثيرا من الاثارة و الاعجاب . وكانت كاترين تشعر بالعبد عنهم برغم محاولة بول ضمها اليهم ، فابتسمت ولم تجرؤ علي لمس الجواد الاسود الحريري خشية رجوعه الي الوراء لأقل حركة و صاحت قائلة بصورة تلقائية :- لا تقتربا من الجواد .
عذرت كاترين الولدين فالتفت اليها سيتفان و عبس في وجهها و قال :- ليس هناك ما يخشي من الجياد اذا كانت محكمة القيادة .
قال لها ذلك وقد نفذ صبره .
- لكنها لم يعتادا الخيل .
وكانت كاترين ننخذ لهجة الدفاع دائما الامر الذي لم يرق لستيفان :- كنت اخشي ذلك ، فهل افهم ان احدا منهما لا يمكنه الركوب .
وكان سؤاله هذا صيغة التأيب فبرقت عيناها غضبا و ازاحت خصل شعرها الاحمر عن جبهتها و قالت وهي تنظر ليه بغضب .
- مازالا صغيرين !!
ورد عليها باقتضاب :- بل هما اكبر مني سنا عندما بدأت تعلم الركوب و سوف اعمل علي تقليهما ركوب الخيل فورا ، ثم راح يتفحصها بعينيه الداكنتين العمقتين من رأسها الي قدميها و سألها :- هل تركبين الخيل ؟ .
فهزت رأسها نافية ذلك و كان قلبها يخفق بشدة و راعها كل ما احاط بها من اشياء اثارت اهتمامها و ردت قائلة :-
لم اتعلم ركوب الخيل ابدا .
- حسنا
ادهشها رده هذا و نظرت اليه برهة متسائلة فقال لها :- اكره النساء اللواتي يركبن الخيل انها رياضة لا تمت بصلة الي الانوثة ، فكرت كاترين انها لم تقابل رجلا قبل ليوم اكثر منه صلابة و مما لا شك فيه انه يعتقد ان كل ارائه صائبة و قال الولدان :-
هل يمكننا تعلم ركوب الخيل حقا يا خالي - يا خالي ستيفان .
و الغريب ان اليكس هو الذي سأل هذا السؤال فنظر اليه ستيفان وهو يبتسم ابتسامة خفيفة :- طبعا سوف تتعلمان ، فالامر يختلف مع الصبية .
ولم تدر كاترين اي شيطان دفعها ان تخالفه و تتحداه فرفعت راسها و نظرت اليه من خلال اهدابها الكثيفة و قالت :- اود ان اتعلم انا ايضا .
فاستدار ستيفان و نظر اليها فرأت قسماته و قد كستها نظرة قاسية و ظل ينظر اليها برهة رأت كاترين خلالها عرقا ينبض في الجانب الايمن من جبهته و قال بهدوء :-
هل تقولين ذلك لمجرد التحدي ؟
وشعرت كاترين ان وجهها كسته الاحمرار لأنه كشف حقيقة نواياها بدقة ثم استطرد قائلا قبل ان تستطيع الرد بالنفي او بالايجاب :-
لن تتعلمي الركوب وانت علي هذه الجزيرة .
- تقصد مملكتك ! .
وكان ردها تلقائيا و كانت تعلم جيدا انه سوف لا يقلبه ولكن لدهشتها رأت فمه الواسع ينفرج عن بسمة تألقت ايضا من عينيه ووافق علي قولها برقة :-
مملكتي ! هكذا يصفها نيكولاس ، ولذلك استنتج انك قررت رؤيتي من خلال عينيه .
ولكن كاترين هوت رأسها بسرعة تنفي هذا الاتهام برغم انها واثقة من تأثرها برأي نيكولاس عاجلا ام اجلا اذا بقيت معهم في جزيرة داكوليس .
- انا دائما اكون رأيي بنفسي .
قالت ذلك بقوة وهي مصممة الا تهزم .
فضحك ستيفان ساخرا و قال :- عندما اتخذت القرار لضمك الي عائلتي لم اكون عنك اية فكرة طيبة او سيئة ، فارجو ان تفعلي مثلي بدلا من تكوين راي خاطيئ مبني علي فكرة نيكولاس عني .
- ولكني لست متاثرة رأي اخيك فيك .
قالت ذلك احتجاجا فهز كتفيه العرضين و استدار ناحية لاخري قائلا ببرود :- النساء في بلادي لا يناقشن الامور ولا يتدخلن في جدال .
ثم قاد الجواد الاسود الي مسافة قريبة و امتطاه برشاقة و يسر و نظر اليها من فوقه من خلال عينيه السوداوين و بقامته الطويلة و جشده الاسمر يظهر من خلال قميصه الشفاف و قال لها :-
هناك اشياء كثيرة كان يجب ان تتعليمنها يا كاترين ولكنك مازلت صغيرة و امامنا الوقت الكافي لذلك .
ولم ينطق بكلمة اخري لها او للصبيبن.
ووقف التلاتة ينظرون اليه وهو يبتعد عنهم بجوداه وكان نبض كاترين يتلاحق بسرعة وهي تري ظهره المستقيم وقامته الطويلة و ساقيه و يديه السمراوين اللتين تقودان الجواد بمهارة . ولذلك لم تكن واثقة من ان يكون الغضب وحده هو كل سبب هذا القلق . وكان كل من الرجل و الجواد مستبدا قويا بطريقته ، يشعر بثقته في قوته وفي اثارة الاعجاب به و يكونان معا ثنائيا رائعا .
الحياة في جزيرة داكوليس لن تسير في هدوء هذا ما شعرت به كاترين ، لكنها فجأة شعرت بأنها مستعدة لقبول اي تحد يسببه لها ستيفاناو جزيرته ، بدا لها في تلك اللحظة انه علي حق عندما قال ان هناك اشياء كثيرة لابد ان تتعلمها واول هذا الاشياء الا تتأثر بطغيان رجولة مضيفها .






 
 

 

عرض البوم صور ..مــايــا..   رد مع اقتباس
قديم 23-04-10, 09:52 PM   المشاركة رقم: 8
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: Oct 2007
العضوية: 45499
المشاركات: 173
الجنس أنثى
معدل التقييم: ..مــايــا.. عضو له عدد لاباس به من النقاط..مــايــا.. عضو له عدد لاباس به من النقاط
نقاط التقييم: 116

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
..مــايــا.. غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : ..مــايــا.. المنتدى : روايات عبير المكتوبة
افتراضي

 

4-الأسهــــم.



مضي الآن نحو ثلاثة أسابيع علي وصول كاترين إلي الجزيرة ,وقد اعتادت رؤية أخويها أقل مما كانت تفعل ولم يكن ذلك لإنصرافهما عنها كليا ,إذ كانا يقصان عليها دائما أحداث يومهما كما تعودا , ولكن كان هناك الكثير من الطرائف الجديدة المثيرة التي تشغلهما وتجعلهما ينسيان أنهما أهملاها.
وفكرت كاترين أنها الطريقة المثلي التي تمكنها من الانفصال عنهما بسهولة ,لكنها كانت تشعر بمرارة أحيانا عندما تراهما مقبلين علي الذهاب مع كاسيا وابنتي خالهما إلي الشاطئ ,أو السير في الجزيرة لاستكشاف دربهما أخذت كاسيا الأطفال الأربعة في زيارة ثانية إلي الشاطئ قريب وبقيت كاترين وحدها في صحبة هيلين ميدوبوليس التي لم تكن ترتاح إليها كثيرا.
منتديات ليلاس
ولم يكن هناك أي سبب لتكره هيلين كاترين لكن بعدما قدم ستيفان كاترين إلي هيلين ليلة وصولها شعرت كاترين أن العلاقة بينهما يشوبها شئ من الجفاء ,ولكن هذا الشعور كان بعيدا كل البعد عن الغيرة بسبب إعجاب غريغوري الظاهر بها.
كان يبدو علي هيلين جو من التعاسة يصعب تفسيره وقد يرجع إلي معاملة غريغوري الفاترة لها ,فلم يكن يبدو عليه أنه متيم بزوجته أبدا ,ولكنهما يعيشان في سلام معا لا تقلقهما بالطبع المشاكل المالية .وبسبب عدم شعورها بالارتياح في صحبة هيلين اختارت كاترين عن عمد موضوعا للحديث شعرت أنه لا يمكن أن يثير جدلا من أي نوع فتحدثت عن الجزيرة واختلافها عن البيئة الأولي التي نشأت فيها ,و لكن حتي هذا الحديث العابر لم يكن يثير أي اهتمام أو حماس لدي هيلين وعندما بدأت كاترين تقارن بين المناخين قالت هيلين بصوتها العميق :
"لم أذهب إلي انكلتر أبدا ولذلك لا يمكنني المقارنة "
فسألتها كاترين وهي تحاول أن ترسم علامة الحسد علي وجهها :
"وهل عشت هنا طول حياتك؟ أنا أحسدك علي ذلك .إنك محظوظة!"
ولوت هيلين فمها الواسع بمرارة ,وعندما ضحكت أطلقت صوتا قصيرا جافا لا يبدو فيه المرح ثم قالت :
"كنت أود أن أجوب أقطار الدنيا وأري بلادا أخري ..."
وهزت كتفيها ,ومرة أخري لوت فمها بمرارة وقالت :
"وهل تظنين أن هذه الجزيرة هي الجنة بعينها يا كاترين ! إنك لا تعرفين القضبان الخفية التي تحيط بهذه الجنة , كاديموليس هي الجزيرة التي جئت منها وتشبه هذه تماما وتشكل مثلها سجنا لي."
"آسفة."
كان صعب الرد علي هذه المرارة وهذا الاستياء ,وشعرت كاترين بالعطف علي هيلين لتعاستها الظاهرة ,لكن في الوقت نفسه تساءلت كيف تمضي هيلين حياتها بدون أن تفعل شيئا بالرغم من وجود كل هذه الإمكانيات النادرة حولت هيلين حياتها إلي جحيم مقيم وكان في استطاعتها أن تسعد بها .
ثم نظرت إلي كاترين بعينيها السوداوين اللتين يكمن فيهما الكره وقالت ردا علي اعتذارها :
"لماذا تأسفين فأنت لست والدك "
كان الشك واضحا في صوتها وردت كاترين بسرعة :
"والدي!"
ونظرت إليها كاترين باستغراب وريبة ,فذكر والدها آخر ما فكرت فيه كاترين مما أفقدها اتزانها برهة ولكنها تذكرت كلمات ستيفان ليلة وصولها عندما قال عن هيلين :
"كانت تعرف والدك."
و يومها كان هناك شعور بأن هذه العبارة تخص هيلين شخصيا, وترمي إلي معني خاص بهيلين ,ولكن لا صلة لها بكاترين علي الإطلاق .
وقبل أن تتمكن من سؤال هيلين عما تقصده رأت نيكولاس مقبلا فأشارت إليه بيدها مجيبة ,ولم تغب هذه الإشارة عن نظر هيلين التي ضحكت ضحكة قصيرة وهي تري شقيق زوجها قادما وقالت بصراحة :
"لا تأملي الكثير من وراء نيكولاس ابنة ,فمصير مرسوم كمصير غريغوري ومصيري ,ولن يجرؤ أحد علي مخالفة ما رسمه ستيفان تزوجني غريغوري وسوف يتزوج نيكولاس ابنة يودوبوليس عندما يحين الوقت المناسب أما ستيفان فمن يدري ماذا أعد لنفسه إذا أختار ألينا اندرياس فستكون بلا شك بلهاء إذا فكرت أنها سوف تحتفظ به,"
قالت ذلك وهي تضحك ضحكة جافة , ولاحظت كاترين أن نيكولاس سمع جملتها الأخيرة المريرة ولذلك قطب جبينه ,ولم يناقش هيلين في ذلك ,وسرعان ما انحني علي يد كاترين يلثمها بينما تجاهل هيلين تماما وقالت لكاترين :
"وجدتك أخيرا."
فابتسمت كاترين وارتاحت لقدومه وقالت له :
"لم أكن أعرف أنك تبحث عني ."
وكان الفضول قد تمكن من كاترين لكنها كانت تخشي أن تصارحها هيلين بشئ يخص والدها فيشكل لها بعض الارتباك برغم أنها لم تستطع أن تجد لذلك سببا.
وبدا نيكولاس وسيما بوجهه الأسمر وعينيه اللامعتين ,وقال لها وهو يهز كتفيه أسفا ومعتذرا لأنه لابد أن يرضخ لرغبات أخيه :
"أنا رسول أخي إليك ,وددت أن تخرجي معي في السيارة إلي الجانب الشمالي من الجزيرة لنسبح في البحر ولكن ستيفان يرغب في رؤيتك حالا في مكتبه ."
"وهل تطيعه دائما؟"
لم تقو كاترين علي منع نفسها من توجيه هذا السؤال ولذا رأت في عينيه نذير الاحتجاج .وقال:
"لن يكسب أحد شيئا من مخالفة ستيفان ,وسوف ترين بنفسك هذا يا كاترين "
قال هذا وهو يأخذ يدها ويضغط علي أصابعها بقوة وكأنه يؤنبها ,وشعرت بالندم فورا وحاولت الاعتذار فضغط علي أصابعها مرة أخري ولكن برقة هذه المرة .ثم اعتذرت له هامسة وقالت :
"آسفة يا نيكولاس "
ولكنها لاحظت أن هيلين تراقبهما بشئ من الازدراء ,وتسألت كاترين لماذا تتعمد هيلين الابتعاد عنها وعدم التقرب إليها .وقال نيكولاس وهو يلثم يدها:
"أسامحك .والآن اذهبي إلي ستيفان قبل أن يظن أنني أهملت تبليغ الرسالة "
وأومأت كاترين وخفق قلبها ونظرت إلي نيكولاس وقد بدا القلق في عينيها وسألته :
"هل لديك أي علم عن سبب رغبته في مقابلتي؟"
فهز كتفيه وابتسم قائلا:
"إنه لا يصرح لي أي شيء ,ولكن يجب ألا يبدو عليك الخوف وكأنك سوف تواجهين قاضيا يحكم عليك ,فهو لا يحيي أو يميت ,اذهبي إليه باطمئنان يا عزيزتي ."
وطمأنته كاترين بسرعة قائلة :
"أشعر بالفضول فقط "
وابتسم نيكولاس لها مرة أخري وأعطاها ذراعه فتأبطتها ودخلا المنزل معا بعدما حيت هيلين بابتسامة قصيرة من فوق كتفيها .كان نيكولاس يضغط برقة علي ذراعها وأثارت لمساته مشاعرها .كان في استطاعته أن يطير عقلها إذا أراد ذلك!
"من غير شك سوف يتحدث إليك ستيفان في أمور عقيمة تختص بالعمل ."
ولمعت عيناه ثم قال :
"ستيفان وحده لا يدرك ضياع الوقت في مثل هذه الأمور ."
ثم وعدها برقة قائلا:
"سأنتظرك إلي أن تخرجي من عنده ."
وصاحت كاترين :
"نيكولاس ...."
ولكنها غيرت رأيها وذهبت للبحث عن مكتب ستيفان ,وضاعت الفرصة للسؤال عن علاقة والدها بهيلين. ربما أمكنها بعد ذلك سؤال نيكولاس عن سر تعاسة إذا واتتها الفرصة,ولماذا ترتبط هذه التعاسة بوالدها .
ولكن مكتب ستيفان يقع في الجانب الخلفي من المنزل .تفتح نوافذه علي مناظر الأشجار الأخاذة التي تكاد تشغل من في المكتب عن عمله ,ومن عنده يبدأ الطريق الذي سلكته كاترين والطفلان يوم ذهبوا لاستكشاف الجزيرة أول مرة وضل الطفلان طريقهما .وكان منظر أشجار النخيل والليمون والبرتقال من خلال النوافذ المرتفعة يسلب اللب .....وتسألت كاترين كيف يستطيع أي إنسان العمل في مثل هذه المناظر الخلابة .وكان جو الغرفة يوحي بأنها تخص رجلا,بمقاعدها الجلدية الداكنة اللون ومكتبها العريض ,ولكنها لا تعطي أي علامة لوطن هذا الرجل .فقد تكون هذه الغرفة في أي مكان من العالم ,أما جدرانها فكانت بيضاء وسجادتها حمراء منقوشة برسوم ذهبية رجحت كاترين أنها تركية الصنع كمعظم تحف المنزل .وكانت أشعة الشمس تدخل متخللة خشب النوافذ الأخضر ,ماعدا ذلك كان يمكن أن تدخل متخللة خشب النوافذ الأخضر ,ماعدا ذلك كان يمكن أن تجد هذه الغرفة في منزل أو مكتب أي رجل أعمال إنكليزي .
وعند دخولها إلي المكتب وجدت ستيفان واقفا بجانب أحد النوافذ وظهره إلي الغرفة يعقد يديه وراء ظهره ويرتدي بنطلونا رماديا وقميصا أبيض .
ووقفت كاترين في الباب تشعر بضآلة حجمها في ذلك الثوب الأبيض القصير الذي يكشف عن امتلاء جسمها الفتي والذي ينساب عليها برشاقة ,وصندلها الذي كان بلا كعب وودت لو كانت علي علم بهذه المقابلة حتي يمكنها أن ترتدي زيا مناسبا لا يظهرها كالتلميذة التي تقابل ناظر مدرستها في مكتبه واستدار ستيفان فجأة وارتسمت علي وجهه الأسمر ابتسامة خفيفة أضاءت تقاطيع وجهه الذي يشبه الصقر,ثم قال لها مشجعا ومشيرا إلي أحد المقاعد أمام مكتبه مباشرة .
"أجلسي يا كاترين ."
جلست ثم جلس وأخذ يتفحصها من خلال عينيه السوداوين حتي أنها ارتبكت وقطعت الصمت الذي ساد بينهما وقالت بدون أن تدري :
"نيكولاس أخبرني أنك تريد مقابلتي .لا اعرف لذلك سببا سوي أن ....."
"سوي أن ماذا!"
وهزت رأسها متسائلة :
"لماذا أردت مقابلتي يا سيد ميدوبوليس ؟"
وشعرت كاترين بارتباك لم تشعر به من قبل في حضوره .
"وماهو في نظرك سبب استدعائي لك!"
سألها ذلك وهو مصمم علي أن تجيبه بنفسها .
وحاولت أن تحتفظ برباطة جأشها وقالت :
"ربما عقدت العزم أن تجعلني أغادر الجزيرة وارجع ثانية إلي إنكلترا ."
لكنها كانت في قرارة نفسها تظن أن هذا ليس السبب في استدعائها فرد عليها قائلا:
"أفهمتك من قبل بوضوح أن رغبتي في بقاؤك كفرد من أفراد عائلتي ,لماذا تظنين أنني قد أغير رأيي فجأة وبهذه السهولة !"
وهزت كاترين كتفيها وحركت يديها بيأس وقالت :
"لا أدري شيئا في الواقع ليس في أمكاني تخمين السبب الذي طلبتني من أجله "
ودهشت لأنها شعرت بالارتياح عندنا عرفت أن السبب ليس طردها من الجزيرة وعادت لتقول :
"لا أري أي سبب أخر يدعوك إلي رؤيتي ."
وتصورت أنه ابتسم ولكنها لم تجازف وترفع رأسها لتتحقق من ذلك .
"في الحقيقة طلبتك لأناقش معك ميراث والدك في شركة ميدوبوليس للملاحة ."
كان صوته هادئا رقيقا وهو يقول ذلك وسألته :
"شركتك للملاحة!"

ونظرت إليه كاترين بتعجب وفضول ودهشت أن يستثيرها هذا الأمر,لقد دخل والدها بنصيب في شركة ميدوبوليس للملاحة عند زواجه من ماريا فكان من المنطق أن تعود الأسهم التي كان يملكها إلي أليكس وبول ,ولم تفهم سر استشارته لها علما بأنه أصبح الآن الوصي علي الولدين .
لاحت ابتسامة فاترة علي الفم الواسع وهز رأسه وصححها بهدوء قائلا:
"خط الملاحة لا يخصني وحدي بل تملكه الأسرة كلها يا كاترين ."
ونظرت كاترين إليه من بين أهدابها الكثيفة ,وكانت تشك في أن الأسرة تشترك في تسيير خد الملاحة فمهما كان عدد الأسهم التي يمتلكها أفراد الأسرة فهي متأكدة أن ستيفان وحده هو الحاكم بأسرة له الحق في إصدار كل القرارات .فقالت بشيء من السخرية :
"ولكنك أنت الحاكم بأمرك ."
فأطبق فمه بشدة وكأنه استاء من هذه النبرة الماكرة وقال لها في هدوء :
"أمتلك معظم الأسهم ولذلك يكون لي الحق الأخير لاتخاذ القرارات الهامة ولكن الشركة تخص العائلة برغم ذلك."
وأطال النظر إليها وأخيرا قال بصوت خفيض :
"تعتقدين أنني جبار متسلط أليس كذلك يا كاترين ؟"
ولم تشعر كاترين بحرج مثلما شعرت الآن ,وتسارعت دقات قلبها وشعرت برجولته ,فهاتان اليدان الداكنتان وعنقه التي لفحتها الشمس تطل من قميصه الأبيض وكل ما فيه أثار كاترين وجعلها تعتقد انه أكثر نضجا وخطورة من أخيه نيكولاس , قد يكون جبارا كما قال وقد يكون هذا صحيحا ولكنه كان رجلا جذابا جدا يؤثر وجوده فيها تأثيرا كبيرا وكان هذا هو الأمر الأهم بالنسبة إليها في تلك اللحظة.
وعادت تقول في تحد:
"ألست جبارا حقا؟"
وحاولت كاترين هذه المرة ألا تتأثر بقوة شخصيته أو بقوة جاذبيته, وظل لفترة طويلة لا يتكلم لكنه هز كتفيه العريضتين بخفة وبدأت لمحة من المرح في عينيه السوداوين وقال :
"كلمة جبار معناها باليونانية السيد ,وأظن أنني سيد هذه الجزيرة علي الأقل ."
وذكرته قائلة:
"مملكتك!"
وهز رأسه موافقا وقال:
"نعم مملكتي إذا كنت تشاركين أفكار نيكولاس ."
ووجدت كاترين في هدوئه إثارة وجاذبية أكثر فحاولت أن تستعيد حالتها الطبيعية وتعود إلي الموضوع الذي جاءت لأجله فسألته:
"لا أفهم لماذا تريد أن تناقش معي موضوع نصيب والدي في الأسهم إنها تخص الولدين الآن بالتأكيد وأنت الوصي عليهما."
واعتدل ستيفان في جلسته ومال إليها ولم يعد يفصله عنها سوي مكتبه, فأمكنها رؤية التجاعيد الرفيعة التي تشع من جانبي عينيه و الشعيرات البيضاء القليلة التي بدت في صدغيه بين سواد شعره الحالك. ثم قال وهو يتفحصها بنظراته الثابتة القوية :
"أبوك ترك الأسهم كلها لك وليس للولدين يا كاترين."
لي أنا؟"
ونظرت إليه عدة لحظات وهي لا تصدق ذلك. ففي السنوات الأخيرة كانت كل أعمال والدها في يد محام عائلة ميدوبوليس ومن الطبيعي أن يعرف ستيفان كل شيء عنها, وقد يكون كذلك أحد المنفذين إذا كان مثل هذا الشيء قائما في اليونان إذ كانت كاترين تجهله كل الجهل حتى في إنكلترا.
وسألها ستيفان :
"ألم تعلمي أنه كان ينوي ترك الأسهم لك؟"
وهزت كاترين رأسها ببطء وقالت بصوت مبحوح وهي لا تكاد تصدق ما سمعته:
"لم أر والدي لمدة ثلاث سنوات ونصف قبل أن يموت ولم نتراسل كثيرا أثناءها."
أومأ ستيفان وهو واثق أن ما قالته صحيح وذلك لأن ستيفان وعائلته كانوا يرون جورج غرانجر كثيرا في السنوات الأخيرة من عمره بعكس زوجته وأولاده رد ستيفان عليها يقول بهدوء محاولا أن يعبر عن شعوره بالعطف بلا كلام :
"أنا واثق من ذلك ."
وتأثرت كاترين بعطفه سواء كان ذلك بكلمات أو بدون كلمات ,وقالت بسرعة وهي تواجه الحقيقة لأول مرة:
"لا اعرف حتى مدي ثروة والدي ."
والواقع أن كاترين لم تكن تعرف شيئا عن الثروة التي تركها لهم والدها وما يخصها هي بالذات ,وخاصة إن الوالدين أصبحا تحت رعاية ستيفان الآن .
وسادت لحظة صمت ونظر إليها ستيفان وهو جالس أمام مكتبه ثم قال لها ببطء وهو يتفرس في وجهها:
"لم يكن والدك رجلا غنيا ولكنه كان في سعة من العيش يضاف إلي ذلك امتلاكه الأسهم ."
وكان واضحا أنه يحاول أن ينتقي كلماته بحرص ,وبدأت كاترين تدرك معني ذلك فسألته :
"هل تجعلني هذه الأسهم مساهمة في شركة ملاحة ميدوبوليس؟"
فهز لها ستيفان برأسه موافقا ,ولكنها تأكدت من العبوس الذي غطي وجهه فهذا الأمر لا يروق له ,ثم قال لها:
"أبوك دخل مجلس إدارة الشركة بصفته زوج شقيقتي ماريا ,أما ماريا نفسها فلم تملك سهما."
وأخيرا تبينت كاترين السبب الذي من أجله دعاها ستيفان لمقابلته ,و طابت نفسها لامكانها التفوق علي ستيفان ولن تضيع هذه الفرصة .ونظرت إليه من ظل أهدابها الطويلة بعينيها الخضراوين اللتين تلمعان كالجوهرة الثمينة ,وبدت علي فمها ابتسامة صغيرة ولكن راضية ثم قالت له :
"ماريا كانت امرأة بالطبع .وليس في دنياكم يا سيد ميدوبوليس من النساء من تملك أسهما."
ورأي في عيني كاترين نظرة انتصاره فهذا ستيفان رافضا في حركة سريعة ومرنة جعلت كاترين تعتدل في جلستها ,ومرة أخري توجه إلي النافذة ووقف وظهره إلي الغرفة ,ويداه معقوفتان وراء ظهره تماما كما رأته عند دخولها وشعرت كأنه يتحداها بمظهره .
"يبدو انك تأخذين الأمر ببساطة."
قال ذلك من غير أن يدير رأسه نحوها .وكانت لهجته باردة جافة وكأنه يحاول أن يكبح غضبه بصعوبة ومض يقول :
"أحاول أن أعالج مسألة أسهم والدك بما يرضي كل الأطراف المعنية ولكن يبدو انك تأخذين الأمر كوسيلة لكسب انتصار أنثوي مضحك."
ولم تصدق كاترين أنها في موقع يمكنها أن تسيطر علي رجل مثل ستيفان,ويعطيها شعورا بالقوة ولو إلي حين ,وكان يبدو أنه يرغب في الاستيلاء علي هذه الأسهم ويعرف جيدا أنها سوف تتمسك بها ولو أنها لم تسرح له بذلك ,و تسألت تري لماذا يفعل إذا تمسكت بها ولم تفرط فيها وسألته وهي تتظاهر بالخضوع له وينم صوتها علي الامتثال:
"كيف تتهمني بذلك وأنت لم تصرح لي بعد بمقترحاتك!"
فهزت رأسها موافقة وقالت :
"طبعا.يا سيد ميدوبوليس ."
"أنك تناديني باسمي كاملا فها تستعملين هذه الطريقة الرسمية مع أخوتي كذلك!"
وكان خروج ستيفان عن موضوع المناقشة فجأة قد أدهش كاترين ,وجعلها تعجب من اهتمامه بهذا الأمر التافه خصوصا في ذلك الوقت وأدركت فجأة أنه يعترض علي أنها تخاطبه باسمه الكامل ولقبه وأخيرا قالت:
"لا أدري كيف أناديك."
"تعرفين اسمي."
وهزت رأسها موافقة وخفضت عينيها ووسوس شيطانها أن تداعبه كما داعبته من قبل عندما أظهرت رغبتها في تعلم ركوب الخيل ولم تقاوم رغبيها فقالت:
" نيكولاس والآخرون يسمونك ستيفان والطفلان يدعوانك بخالي سيفان ولست أدري لأي فريق منهم أنتمي ."
كان صوتها رقيقا .وهي تنظر إليه بعينيها الخضراوين ,فتمتم ستيفان باليونانية كلاما لابد أن يكون قولا قاسيا وغضت نظرها مرة أخري ,وخلق قلبها بالخوف فجأة وبدلا من صفعها كما كانت كاترين تتوقع أغلق يديه القويتين بشدة ,فتكورتا وراح يغالب بصعوبة الغضب الذي اعتراه ثم رد عليها بقسوة وبرود جعلها تشعر برعشة في ظهرها وأطرافها:
"لك أن تختاري ما تريدين ,ولكن بما أنك تتصرفين كالأطفال فالأرفق أن تناديني يا خالي مثل أخويك."
قال ذلك بصوت بارد أجش ,ولكن كاترين لم يكن في نيتها إطلاقا أن تفعل ذلك ,رفضت هذا الاقتراح ونظرت إليه بسرعة وهمت بالكلام ولكن نظرته القاسية أسكتتها ,فشعرت بضآلتها وجلست وقد وضعت يديها في حضنها وأخيرا قالت متلعثمة:
"إني –إني آسفة."
وردت كاترين لو تدخل أحد وأزاح ذلك الصمت الرهيب الذي خيم عليهما ,وسادا الغرفة ولكن يبدو أن ستيفان لم يكن في نيته عمل شيء سوي الوقوف أمامها صامتا ولذلك اضطرت أن تكون هي البادئة بالكلام.
بدت يداه الآن أقل توترا ,واسترخت أصابعه الطويلة لكنها بدت وكأنها ستمتد وتصفع كاترين في أي لحظة , و
لاحظت أيضا أن توتر خف من جسمه الطويل النحيل ,فتشجعت ونظرت إلي وجهه الذي لان قليلا برغم أن فمه صلبا صارما تحت ذلك الأنف التركي المتغطرس ,وأخيرا جازفت وقالت:
"آسفة يا سيد ميدوبوليس."
"ستيفان!"
"يا ستيفان."
رددت كاترين اسمه بطاعة فرات قسماته الصارمة تلين وامتدت يده ولامست أصابعه عنقها برقة ,ثم قبضت بشدة علي خصلة شعرها الأحمر النحاسي مما أثار الخوف في نفسها وقال:
"أظن أن هذا الشعر الوهاج يجعلك متمردة تصعب السيطرة عليك."
قال هذا هامسا وبصوت عميق جعل قلبها يخفق بين ضلوعها حتي خيل إليها أنه يسمعه ولكنها قالت بصوت ناعم كادت لا تعرف أنه صوتها :
"لم أتعود أن يسيطر علي أحد لأنها طريقة عقيمة لا تفيد في كسب ثقة الناس كما أعرف."
"وهل تعلمينني طرق السلوك في الحياة وكسب ثقة الناس ؟"
وضغط بإبهامه علي شفتيها مارا بخديها ,ثم استدار وجلس علي مقعد مكتبه وقال بهدوء وكأنه يحدث نفسه سوف تتعلمين وبعد لحظة صمت استطرد قائلا بهدوء :
"الآن هل تناقش مسألة الأسهم الخاصة بك؟"
"نعم بكل تأكيد."
سبب هذا الانتقال المفاجئ إلي العمل الجاد لكاترين شيئا من خيبة الأمل ,بالرغم من أن مناقشة مسألة الأسهم كان السبب الرئيسي في دعوته لها بالحضور ولابد من الانتهاء منه عاجلا أم أجلا.
اتكأ ستيفان ونظر إليها بعينين متفرستين , أخيرا قال في صوت يتسم بالبرود والواقعية :
"أرغب في شراء هذه الأسهم منك."
فكرت كاترين مليا وأصبح واضحا بالطبع أنه دعاها إلي البقاء في الجزيرة لهذا السبب أساسا ,ولم تصدق اهتمامه بوحدتها في الحياة بل كان ما كان يشغله في بساطة أنها تمتلك أسهما في شركة الملاحة الخاصة بهم ,وهو يريد السيطرة علي الأسهم .
من يدري لعله كان ينتظر أن تشكر له كاترين أنه اعتبرها عضوا في عائلته ,وتسلمه الأسهم مقابل ذلك بدون تفكير ولا اعتراض ,وساءها في كل ذلك خيبة الأمل المريرة التي شعرت بها ،ومن هنا قررت التمسك أكثر بالأسهم ,فلن تسلمها إلي أي مخلوق حتي ولو كان مدوبوليس نفسه وردت عليه قائلة:
"لا أريد بيع الأسهم."
قالت ذلك بهدوء وسرعان ما رأت وجهه يكسوه الغضب وقطب حاجبيه ثم أضاف :
"لماذا ؟إنك لا تفهمين المسائل المالية ,وبجانب ذلك أنت لست عضوا في عائلة ميدوبوليس "([هو مش قال من قبل انو تعتبر نفسها فرد من أفراد العيلة ولا عشان مصاري بطلت هلاء من العيلة)قال ستيفان ذلك بصوت صارم بارد ,و تسألت ما إذا كانت قد تمادت أكثر مما يجب فردت عليه قائلة:
"ولم يكن والدي عضوا في العائلة أيضا."
وللمرة الثانية هب واقفا بجانبها ,واقترب منها فجأة ,وكأن مجرد حضوره سوف يؤثر عليها ويجعلها تغير من رأيها ’وقال لها مذكرا إياها :
"كان والدك يعتبر واحدا منا بزواجه من شقيقتي."
فأجابت:
"وكان رجلا طيبا ."
وشعرت أن مقاومتها لهجومه عليها كادت تنهار :
فغضب واظهر غضبه بتلك الكلمات اليونانية التي أطلقها ,ولابد أنها كانت تدين عنادها وأقترب منها أكثر فشعرت بقوته وشخصيته تنساب إليها مما جعلها ترتجف وقال لها :
"إنك عنيدة ,ولكن سوف تأسفين إذا تماديت في هذا العناد يا كاترين وسوف ترين أنا أعدك بذلك ."
كانت كلماته قصيرة عنيفة وودت كاترين لو أمكنها القيام من مقعدها ,لكن قربه لها لم يمكنها من ذلك ,فبقيت جالسة وشعرت بعجزها وضآلتها أمام غضبه وجبروته وهو يقف بقامته الطويلة إلي جوارها وجازفت قائلة:
"ليس لك الحق في تهديدي....."
ولم تكمل حديثها إذ امتدت يده تحت ذقنها فجأة وأجبرتها علي النظر إليه ليقول لها برقة:
"لي الحق في عمل كل شيء أريده هنا ,فهذه مملكتي ألا تتذكرين !"
اعتري كاترين الخوف عندما تقلصت شفتاه وضغطت يداه علي ذقنها بشدة وقالت :
"إذن دعني أغادر الجزيرة ."
وقال برقة :
"وتتركين أخويك تحت رحمتي؟ لاأظنك فاعلة هذا ياكاترين."
ورأت كاترين أمامها الطريق مسدودا ,ولكنها لم تكن تريد الخضوع له بعد عنادها وتمسكها بحقها ,وكانت تحس بشعور غامض أنها إذا خضعت له سوف يشعر بخيبة أمل فيها.
"طبعا أفضل البقاء معهما هنا ولكن إذا طلبت مني إن ابقي معهما لمجرد إرغامي علي التخلي عن تلك الأسهم فأنك تكون مخطئا يا ستيفان."
كانت في العينين السوداوين نظرة عتيقة براقة ولكنها لمحت ابتسامة علي فمه الواسع لم تستطيع فهم مغزاها وقال لها في هدوء:
"هل تعتقدين ذلك؟"
أشاحت كاترين بوجهها بسرعة واعترفت قائلة :
"لست أدري"
"أنك تظلمينني إذا اعتقدت ذلك."
ورفعت عينيها ثانية وبدت فيهما نظرة رقيقة وهي تقبل ما قاله شاكرة ,بل اعتذرت بالصوت الهادي ء نفسه وقالت:
"آسفة إذا كنت أخطأت في الحكم عليك ,ولكن لن يغير هذا من الأمر شيئا يا ستيفان فلن أبيع لك الأسهم ."
وكان قلبها يخفق بشدة لدرجة أنها كانت تسمع دقاته بوضوح وخشيت أن يسمعها هو أيضا.
وترك ذقنها بعد ذلك في عينيه بريقا عميقا لم تر مثله من قبل وقال بنعومة:
"حسنا,سوف نري."
"ستيفان -"
أقلقتها كلماته ورضاه الهادي ء فنظرت إليه بعينين واسعتين لكن ابتسامته المفاجئة التي كشفت عن أسنانه البيضاء المتساوية أضفت عليه تعبيرا مختلفا ,لم تعرفه من قبل وجعلت نبضها يسرع مرة أخري بطريقة لا تستطيع السيطرة عليه وأحاطت يداه الكبيرتان بوجهها برفق ,وأحست كاترين بدفء راحتيه وهو يرفع وجهها وقال برقة :
"القدر له طريقة في تطوير مثل هذه الأمور ,وأنت لن تغادري هذه الجزيرة ....وأنا اعرف هذا."
وبسرعة وعلي نحو لا يصدق انحني رأس الأسود وعانقها وقال مرة أخري بالصوت الناعم نفسه:
"سوف نري ..."

 
 

 

عرض البوم صور ..مــايــا..   رد مع اقتباس
قديم 23-04-10, 10:02 PM   المشاركة رقم: 9
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: Oct 2007
العضوية: 45499
المشاركات: 173
الجنس أنثى
معدل التقييم: ..مــايــا.. عضو له عدد لاباس به من النقاط..مــايــا.. عضو له عدد لاباس به من النقاط
نقاط التقييم: 116

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
..مــايــا.. غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : ..مــايــا.. المنتدى : روايات عبير المكتوبة
افتراضي

 

5- عناق ، عناقان ، ثلاثة ...


اخذ نيكولاس ينظر إلي كاترين بفضول و كانت كاترين تلوم نفسها لأنها صرحت له بكل شيء ، فمنذ أيام فكرت إن تخربه لماذا دعاها ستيفان إلي مكتبه و ساومها لتبيع الأسهم ،و اليوم أفضت بالخبر كله إلي نيكولاس و قصت عليه ما حدث .
ولم تعرف علي وجه الدقة ا كان غريغوري أو سيدة ميدوبوليس علما إنها رفضت بيع أسهمها الخاصة في الشركة ، لكنها لم تلاحظ أن أحدا منها أشار بذلك أو أبدى أي احتجاج ، بل كانو لطفاء و مؤدبين معها يعاملونها بكل ما تقتضيه آداب الضيافة من اهتمام و احترام .
أما ستيفان فكان مؤدبا بقدر ما يقتضيه الأدب و الأخلاق ، لكنه لم يتقرب إليها و لم يبذل أي محاولة ليكون اكتر ودا بل عاملها معظم الوقت بشيء من البرود و كان هذا واضحا ، أما سلوكه مع الطفلين فقد لان قليلا و هذا ما كان منتظرا من أي شخص حتى من ستيفان نفسه .
كان نيكولاس فضوليا يود معرفة ما دار قي مقابلتها مع ستيفان لكنه لم يسألها حتى بعد أن قابلها لدى خروجها من عند ستيفان .
ولكن بما أن نيكولاس فضوليا لا تهمه المائل الكئيبة لزم الصمت و لم يفاتحها في الموضوع ثانية ، وكان من الصعب علي كاترين الرجوع عن قرارها بعدما صممت علي التمسك برأيها و الاحتفاظ بالأسهم التي تركها والدها مع ذلك لامت نفسها أحيانا و تمنت لو غيرت رأيها و صارت اقل عنادا و تركت ستيفان يشتري أسهمها كما كان يريد سألها نيكولاس :- الم تشعري أن ستيفان كان يتوقع منك أن تدعيه يسترد الأسهم التي تملكينها .
كان نيكولاس متمددا في تراخ تحت شمس الشاطئ و كأنما لا يجب اثارة ذلك الموضوع مطلقا و كان واضحا انه يعتبرها مخطئة أو متفائلة أكثر مما يجب علي الأقل إذا توقعت أن يتصرف أخوه بأي طريقة غير التي اتبعها معها .
- لم يكن لي العلم بوجود هذه الأسهم باسمي ، إلي أن اخبرني ستيفان بذلك ، ولم افهم سبب ترك والدي هذه الأسهم باسمي ، لكنني لم أتوقع من ستيفان أن يطلب شرائها .
كان يبدو علي كاترين إنها غير مرتاحة لموافقته الواضحة علي اقتراح ستيفان باسترداد الأسهم و نظرت إليه في عتاب و قالت :- كنت أتمني إن ينبهني احد لما يدور في خلد ستيفان قبل أن يقابله في مكتبه .
وضحك نيكولاس بهدوء و مد يده و لمس ذراعها مداعبا و قال :-
إذا كنت تقصدينني يا جميلتي فلم أكن اعرف سبب استدعاء ستيفان لك . قلت لك ذلك في حينه لو عرفت ..
وهز كتفيه ففهمت كاترين أن هذا ما كانت تنتظر من عدم الاهتمام بأمورها ، فلم يكن ليخطر علي بال نيكولاس أن هناك أي شيء غير معقول بالنسبة إلي رغبة ستيفان في ضم اسهمتها إلي أسهم العائلة ، فالبرغم من لطفه و استعداده لعمل كل ما وسعه ليسعدها لكنه يتفق مع ستيفان في رأيه و سلكوه نحو الجنس الأخر ولا شك انه كان يعتقد أن تمسكها بالأسهم ليس فق غير منطقي بل غير لائق أيضا ، لكنه لم يكن سيغضب كما غضب أخوه ، وكان عليها أن تعرف تماما انه لن يقدم إليها أي مساعدة لكنها كانت في حاجة إلي شخص تثق به لتبوح له بأسرارها ، وبما أنها كانت تقضي مع نيكولاس معظم وقتها اعتبرته جديرا بذلك و سألها :- الم تعرفي أن والدك يمتلك أسهما في شركة ملاحة ميدوبوليس !
وأومأت كاترين و قالت :-
بكل تأكيد لكن بما أن الولدين هما ولدا ماري كنت انتظر أن يرثا الأسهم و لذلك فوجئت عندما علمت من ستيفان أن والدي ترك الأسهم لي .
فقهقه نيكولاس عميقا و قد بدا في عينيه السودوين انه سعيد بموقف أخيه الحرج م قال :-
ولا شك أن ستيفان فوجئ أكثر عندما اخبره المحامي بذلك ، فمركزه كوصي علي الطفلين كان يمكنه من وضع يده علي الأسهم بطريقة آلية .
وأدارت كاترين رأسها و نظرت إليه برهة وهي تقلب الأمر في ذهنها قالت :-
هل كان سبب غضبه عندما رفضت بيع الأسهم له ! وهل هو في حاجة إلي امتلاك مزيد من الأسهم ؟ .
فهز نيكولاس رأسه بالنفي و ضحك ضحكة صفراء و رد قائلا :-
لا لا لا انه صاحب النصيب الأكبر من الأسهم فهو في غير حاجة إلي المزيد و لا يريد مساعدة الآخرين ، لا يا جميلتي ما اغضب ستيفان هو انه اضطر إلي التعامل معك أيتها الكرة النارية الصغيرة الحلوة .
و ضحك مرة أخري و تمطي مثل قط ماكر خطير .
وددت لو رأيت وجهه عندما رفضت طلبه ، فالنساء لا يرفضن لأخي البكر شيئا بل يحنين رؤوسهن طاعة و يعترفن بأنه علي حق دائما
- ولكنني لست منهم . قالت كاترين هذا و رفعت ذقنها و احمر وجهها وهي تتخيل مدى الغضب ستيفان عندما رفضت طلبه .
ثم أردفت تقول بحسم :-
أنا جادة فيما أقول يا نيكولاس ، هذا أمر لا يستهان به ولا يثير الضحك !
و نظرت كاترين إلي الجسم البرونزي المتمدد بجانيها علي الرمال ، وكانت عينا نيكولاس مغمضتين و يداه معقودتين وراء رأسه الأسود و يرتدي سروالا قصيرا ابيض اللون .
كان الشاطئ مكانا مثاليا للسباحة ، يبعد عدة أميال عن المنزل و يقع في طرف الجزيرة ، ومن يستلقي هناك يتصور انه وحده علي الجزيرة ، وعلي شاطئها الرمل الناعم الذي يحيط به الأحراش و أنواع الأشجار التي تغطي معظم ارض الجزيرة .
وكانت مياه البحر زرقا و النسيم يلطف حرارة الشمس و يجعلها محتملة و الواقع إن كاترين كانت حمقاء بمناقشة أمور مثل بيع الأسهم و خلافها مع ستيفان في ذلك المكان الهادئ الجميل الذي يوجد فيه كل ما يمكن أن تتمتع به ، كما يوجد فيه نيكولاس لتتمتع معه ، كان بالتأكيد واد من أكثر الشبان الذين عرفتهم في حياتها جاذبية و ظرفا . وكانت واثقة تماما انه لن يمر وقت طويل قبل أن تتصور إنها غارقة في حبه مهما أوحي إليها عقلها بان هذا الشيء ابعد ما يكون عن الحكمة .
وكان نيكولاس كان يقرأ أفكارها فتح عينيه و أابتسم لها و مد يده و جذبت إليه بينما راحت عيناه الداكنتان تداعبانها عبوسها و جديتها و قال لها هامسا :-
لا تكوني جادة عابسة ، لماذا لا تبتسمين لي يا جميلتي ؟ .
فنهرته كاترين قائلة :- نيكولاس ..
وعضت علي شفتيها فمنذ أخبرتها هيلين أن نيكولاس ينتظر أن يتزوج فتاة من عائلة بيدوبولوس عندما يحين الوقت المناسب و كاترين لا تشعر بالارتياح عندنا يغازلها نيكولاس . وكانت تتذكر جيدا أن نيكولاس لا يتورع عن اللهو و العبث و خيانة خطيبته و كان عليها أن تتذكر إن هذا الزواج بمعرفة ستيفان الذي يكره أن تفشل مشاريعه و خصوصا إذا تسبب أي غريب في ذلك .
ثم شعرت بيده تلمس فمها بخفة لتسكتها عن الاحتجاج بينما أمسكت يده الاخري بها و جذبتها إليه ، وكانت يده قوية لا تقاوم و عينياه نصف مغلقتين تنظران بفتور إلي جسمها المنسق في رداء البحر الداكن .
وقال هامسا وهو يجذبها بشدة حتى قربت منه و شعرت بأنفاسه :-
انك جميلة جدا ، وليس لك أن تكوني جادة .
فردت عليه تقول :- بل لا بد أن أكون جادة يا نيكولاس في هذا الموضوع .

- ليس معي .
وبدأت تضعف كان لينكولاس تأثير عليها ، ولكنها تذكرت تلك الفتاة المخطوبة له فوضعت يديها علي صدره لتقعد بعيدا عنها و تقاوم جذبه لها و لكنه همس في صوت رقيق :
- كاترينا ... انسي الأسهم و انسي ستيفان يا جميلتي .
ثم عانقها بخفة و قال :- من اجلي ... أرجوك .
- نيكولاس .
فتمتم ببضع كلمات يونانية جعلت كاترين ترتجف تأثيرا ثم اقتربوا كان انه طعم وقع كلماته اليونانية عليها .
وكانت كاترين أول من رأي ظلا يقع عليهما و يحول بين جسميهما و بين أشعة الشمس اللافحة . فعرفت توا صاحب هذا الظل حتى قبل أن تفيق و تفتح عينيها لتراه أو تسمع صوته البارد المعروف الذي يخاطب نيكولاس بلهجة جافة :-
جاءك ضيوف يا نيكولاس .
ارتبك نيكولاس لظهور أخيه فجأة و لكنه حاول إخفاء ذلك بشجاعة طبيعية تساعده في مثل هده المواقف و استدار و نظر إلي ستيفان من خلال عينين مثقلتين بالسرور و تظاهر بعدم المبالاة و قال :
- حقا ؟ و من ؟ .
فرد عليه ستيفان باقتضاب قائلا :-
ليون بيدوبولوس و أثينا .
- أوه ...
امتعضي نيكولاس و قام وهو يساعد كاترين علي القيام و يزيل عن جسمه ثم أضاف قائلا :
- المفروض مني في تلك الحالة أن استقبلهما وأرحب بهما .
فرد عليه ستيفان بسرعة و قال :- بالطبع .
ثم قال مشيرا لوجود هما معا :- أحسنت بالمجيء إليك بنفسي و لم أرسل ديمتري لك .
ولكن نيكولاس تجاهل الإشارة و ابتسم لكاثرين و يسخط علي زائريه قائلا :-
أسرعي و ارتدي ملابسك يا كاترين لنذهب إلي المنزل ، أنا أسف لأنني أفسدت عليكي يومنا هذا يا جميلتي .
رد عليه ستيفان قائلا بالصوت البارد نفسه الذي يعبر عن الاستياء !
- بل تذهب وحدك فهما لا يعرفان انك مع كاترين و أنا حريص ألا يعرفا لذلك جئت بنفسي لإبلاغك بوجودهما . ارتد ملابسك و اذهب وحدك لمقابلة آل بيدوبولوس و سأحضر كاترين بالسيارة بعد دقائق .
حاولا نيكولاس أن يحتج لكنه عندما رأي بريق الصلب في عيني أخيه غير رأيه ولم يتعرض علي شيء بل هز كتفيه في استسلام و ارتدى ملابسه ولم يستغرق ارتداء الملابس فترة طويلة ، ولم تتحرك كاترين لكنها وقفت بجوار ستيفان راحت تزيل الرمل عن جسمها و تحاول أن تخفي رعشة يديها ، و أدهشها هذا السلوك المستبد لكنها لم تشعر بالغضب بقدر ما أحست بالسعادة لإصراره علي مرافقتها .
منتديات ليلاس
وارتدي نيكولاس قميصا و بنطلونا لبيض اللون و لبس حذائه و مشط شعره بيديه و استدار قائلا :-
سأراك ثانية يا جميلتي ! .
وبدا في عينيه انه يضيق بسيطرة أخيه عليه .
ورد ستيفان حاسما قبل أن ترد عليه كاترين بابتسامة :
- بل تستضيف خطيبتك و إياها ، وسوف اعمل علي أن تعود كاترين إلي المنزل بخير .
وكانت عيناه السوداوان تقيسانها و تنظران إلي قوامها الرشيق وهي ترتدي ملابس البحر ثم قال :
- سوف اعمل علي ألا تشعر كاترين بالملل بعد أن تحرم من صحبتك .
ول يرد نيكولاس علي أخيه بل وضع نظارتيه و استدار و ذهب لي حيث وقفت سيارته ثم ركب نيكولاس السيارة بسرعة فائقة أو هكذا اعتقدت كاترين بالرغم من تعرج الطريق و ضيقه ، وكان واضحا انه بالرغم من غضبه و تبرمه يطيع ستيفان طاعة عمياء ، ومرة أخرى دهشت كاترين علي الاستبداد التام الذي يطبقه ستيفان علي أسرته .
وبعدما غابت السيارة نيكولاس خلف أول منحني من الطريق نظرت إليه كاترين ، بعنين براقتين يملأهما التحدي لتثبت أن سلطانه و جبروته لا يسريان عليها . كان رأسها يرتفع عاليا وهي تنظر الي ستيفان و تتفرس في قسماته السمراء القاسية و مرت لحظة بدون ان تتكلم ثم انحنت و التقطت صندلها و ارتدته قائلة :
- يمكنني العودة سيرا علي الأقدام وحدي قلا تهتم بانتظاري ، أشكرك .
واتي الرد :- لن تفعلي هذا .
كان صوته هادئا باردا و لكنه كان مسيطرا أمرا ، و رفعت كاترين ذقنها و قالت بلهجة حاسمة واضحة :
- لست خائفة منك مثل نيكولاس يا ستيفان ولن افعل ما تأمرني به و سأعود إلي المنزل سيرا علي الأقدام وحدي .
كانت القوة واضحة في هاتين الكتفين العرضين و بدت صلابة جسمه ساطعة في قوتها حتى شعرت كاترين برجفة خوف عندما واجهت الغضب المتوهج في عينيه السوداويين و قال لها بحسم :
- بل ستعودين في السيارة معي ،كان في وسعي أن أرسل احد الخدم للعثور عليك أنت و نيكولاس ولكني لا أريد إطلاع الخدم علي أسرارنا ،لم أتعود أن أجوب الجزيرة لعثر علي المكان الذي أخذك نيكولاس إليه ، فعندما وصل بيدوبولوسو ابنته فجأة استقبلهما غريغوري بينما جئت للبحث عن نيكولاس و قال غريغوري لهما إن نيكولاس يسبح وحده بينما تتنزهين أنت معي في السيارة .
- وبدا كل شيء واضحا أمام كاترين الآن و تأكدت أن ستيفان لا يريد فشل مشروع زواج نيكولاس وقد بذل ما في وسعه ليمنع أثينا من اكتشاف وجود خطيبها مع امرأة أخري .
ولم تكن الشهامة وحدها التي جعلته يصر علي مرافقتها إلي المنزل ، بل كان بود أن يؤكد قصته لآل بيدوبولوس و تمتمت كاترين قائلة :- فهمت .
ورد ستيفان ببرود :- لا اعتقد انك فهمت علي الإطلاق ، أثينا بيدوبولوس فتاة عادية و ليس لها جملك بالتأكيد لكنها مغرمة جدا بنكولاس و لذلك لم أشأ أن اتركها تغضب عندما تراه راجعا مع فتاة مثلك .
- مثلي أنا !!
قالتها كاترين بحدة فقد ظنتها إهانة مستترة لها ولكن الدهشة بدت علي وجه ستيفان لسؤالها هذا و رفع حاجبيه الداكنين وقال بهدوء :- إذا كنت فتاة اقل جمالا هل كنت تحبين رؤية خطيبك بصحبة فتاة جميلة لها شعر احمر ؟ .
ومن العجب إن هذه المجاملة برغم انه قدمها في برود وهدوء لكنها أثارت كاترين و اخذ قلبها يخفق أسرع من المعتاد و نبضها يسرع في عروقها بينما وقفت كاترين بجواره هناك علي الرمل الأبيض ثم تلفتت تبحث عن ملابسها و قالت وهي تكاد تلهث تأثيرا :- يجب أن ارتدي ملابسي
ولكنه قال :- لا داعي للعجلة فالوقت أمامنا واسع .
ومرة أخري سمعت قلبها يخفق بسرعة عندما سمعته يقول أمامنا بلا كلفة فنظرت إليه و الفضول في عينيها و الحمرة تكسو وجهها وعندما واجهت الوهج العميق من هاتين العينين السوداويين قالت متسائلة :
- انك تود أن تحكم اللعبة إلي أخر أبعادها ، وبكل تفاصيلها فالمفروض أن أكون معك و لذلك يجب أن ارجع إلي المنزل معك .


- هذا يبدو شيئا معقولا في رأيي ...
فهزت كاترين رأسها و كان الفضول لا يزال في عينيها و قالت :
- ألا تتعب أبدا من التدخل في حياة الغير و إدارة شؤونهم بدلا منهم ؟ .
- ولعجبها لم يفقد ستيفان أعصابه كما توقعت بل ضم شفتيه قليلا و رفع حاجبه متسائلا :
- هل هذا ما تعتقدين ؟
فنظرت إليه كاترين برهة ثم قالت :- تعرف جيدا انك تفعل ذلك .
واعترف بهدوء قائلا :- علي مسؤوليات معينة ويجب أن أبت القرارات التي أراها مناسبة لعائلتي .
- حني القرارات الخاصة بالزواج ؟ ومن يجب أن يتزوجوا .. سواء وافقوا او لم يوافقوا .
وودت كاترين لو قطعت لسانها و لم تقول تلك العبارات فقد طغي الغضب علي وجهه و اكفهرت قسماته رأت كاترين ستيفان غاضبا عندما رفضت بيع أسهمها له في شركة ميدوبوليس لكنها الآن وهي تنتقد سلوكه مع عائلته شعرت إنها تجاوزت كل حدود اللياقة ، فوقف صامتا لا يتحرك لمدة طويلة . تمنت كاترين فيها أن تغرب عن وجهه ، لكنها كانت لا تزال بملابس البحر ثم أين تفر فالجزيرة كلها ملكه وهي مملكته و أخيرا أدركت معني كلمات هيلين عندما أشارت إلي إن للجزيرة قضبان خفية تطبق علي من فيها و تجعلها سجنا .
توهجت عيناه الداكنتان البرقتان وكأنهما قطعتان من العقيق الثمين وها تحدقان فيها .. كان فمه مستقيما مزموما تبدو عليه القسوة كما تبدو في اليدين الكبيرتين اللتين تكورتا في قبضتين قويتين و تركهما إلي جانبه ، وقال في صوت صارم بارد :
- احمدي الله انك لست من أفراد عائلتي . فتدخلك في الأمور التي لا تعنيك أمر لا يغتفر ولن احتمله . مع ذلك ...
هز كتفيه العريضين ثم أردف قائلا :
- بما انك لست من عشيرتنا ولا تفهمين أسلوبنا في الحياة فيجب أن اغفر لك بعض أخطائك ولن افعل شيئا هذه المرة .
وشعرت كاترين بارتجاف أطرافها و جسمها كله وهي تواجهه و تساءلت هل يمكن أن يكون هذا المشهد حقيقا أم إنها تحلم ، ولكن هذا المارد الكريه الواقف أمامها حقيقي و غضبه حقيقي ، وشعرا فجأة ألا حول لها ولا قوة برغم تصميمها أن تبقي خارج سيطرته .
وبدأت تقول :- لن تقدر ...
لكنه انحني و التقط ثوبها االاخضر و قدمه إليها قائلا :- ارتدي ملابسك .
وبعد برهة ترجج تناولت الثوب فلم يكن بوسعها إلا طاعته فارتدت الثوب لكنها لم تتمكن من قفله إذ كانت فتحته من الخلف ولك يكن في وسعها الوصول إليها ، ولم يكن في نيتها اللجوء إليه ليساعدها فقد شعرت بضيق شديد من معاملته .
ولم تستعمل كاترين صباغا لوجهها ولم تهتم بتمشيط شعرها ، ثم استدارت و سارت نحو الطريق المنحدر و سمعته يناديها فالتفتت إليه و كان وجهها باردا لا يبشر بالود
- كاترين ، أظن انك لا تقصدين الرجوع إلي المنزل هكذا .
وشار إلي الثوب فهزت كاترين كتفيها وهي تتعمد عدم الاكتراث و قالت :- لا حيلة في ذلك فليس في وسعي إقفاله .
وسألها :- ماذا كنت ستفعلين لو كان نيكولاس معك ؟
وشعرت كاترين إن الدم صعد إلي وجهها و نظرت إلي الجهة الاخري وبدون أن ينطق كلمة أخري أدار ستيفان كاترين فارتجفت وتلاحقت خفقان قلبها وهو يقفل ثوبها و كان قلبها يخفق بشدة عندما شعرت بأصابعه و سالت نفسها هل مهارته ترجع إلي تمرسه في هذه الأمور وهو شيء لم يخطر في بالها أبدا ، ولكنها أبعدت هذا الخاطر من ذهنها بسرعة لأنها شعرت انه سبب لها قلقا لا مبرر له ، فمن المحتمل أن يكون تصرف ستيفان كتصرف أي رجل أخر في موقفه ، خاصة إنها سمعت قصصا كثيرة عن مغامرات الرجال ففي الجزر اليونانية ، فالتفكير بهذه الصورة كان يثير قلقها وودت لو فكرت في ستيفان كمجرد وصي علي الطفلين و مضيفها
وعندما رفع ستيفان شعرها عن عنقها كي يكمل إقفال الثوب لامست أصابعه جلدها الناعم برقة مما جعلها ترتجف وتعض شفتها بشدة .
ثم قالت في صوت ينم علي مدى تأثرها به و شعورها بقربه :- شكرا لك .
ولكنه ظل صامتا فترة و يداه علي كتفيها و ظلت ترتجف و تتطلع إلي ما سوف يحدث و شعرت بيديه علي كتفيها و دفء كفيه و قوتهما وهما تتقلصان في قبضة ارتاحت لها ولم تؤلمها ثم قال برقة :
- لن تقولي انك كنت مع نيكولاس .
ولم يكن هذا السؤال بقدر ما كان أمرا ، وكان صوته عميقا و ملهما كصوت نيكولاس ولكنها استجابت له بصورة اقوي و أعمق .
وشعرت كاترين بضعف و تحثها رغبة عارمة بأن تغمض عينيها و تستند إليه ثم قالت له : - لن ..
لم تكن تعرف ما تقول و قد منعتها يداه القويتان من القيام بأي حركة كانت أصابعه لا تتظاهر بالرقة الآن عندما ضغط بشدة علي كتفيها و قال بصوت هامس يحذرها :
- لا تتسببي في غضبي يا كاترين مرة أخري و أطيعي أوامري من فضلك .
وعندما لم ترد أدارها ببطء لتواجهه و بدون أن تشعر استندت كاترين إليه و ألقت شعرها الأحمر إلي الخلف فكشف عن عنقها العاجي الناعم و لمعت عينياه لحظة ثم انحني و عانقها قائلا :- كاترين ...
وكان صوته عمقا و قبضت أصابعه علي ذراعيها بشدة وهو يجذبها إليه و شعرت بتوتر عضلاته كأنه يحاول المقاومة ، ثم ألقت ذراعيها حول عنقه و أغمضت عينيها و ضمها إليه ولكنه سرعان ما أطلقها فجأة و راح ينظر إليها بنظرات براقة مما جعلها ترتجف ثم تساءلت قائلة :- ستيفان .
وظنت لحظة انه سيتركها و يغادر المكان عندا أدرا لها ظهره ولكنه تقدم ببضع خطاة ثم استدار ثانية و راح ينظر إليها بثبات إلي أن غضت بنظرها قم قال لها بهدوء :- أسف
وطرفت عينا كاترين لأنها لم توقع ذلك و قالت بسرعة :- ولماذا تأسف ؟
أدهشها هدا الاعتذار فلم تكن تتوقعه ، كان أخر شيء تود أن تسمعه منه ثم قال بصوت هادئ بارد النبرات :
- يجب علي أن اعتذر فلم يكن من الصواب أن انتهز الفرص هكذا
- ولكنك لم تفعل ذلك .
هكذا تفت كاترين بسرعة و تهوره و نظرت إلي وجهه الأسمر المتعجرف ذي القسمات القوية بشيء من التحدي و شعرت كأنه يعاملها كفتاة صغيرة لم يقبلها احد من قبل ، ولم تكن هذه الحقيقة فحياتها لم تخل من المغامرات و القبلات لكنها لم تصادف هذه الطريقة المثيرة من قبل و لذلك قالت :
- نيكولاس لا يعتذر إذا عانقني .
قالت ذلك وهي تنظر إليه من خلال أهدابها الكثيفة وتتساءل لماذا تندفع و تتهور هكذا ؟
فقطب ستيفان جبينه و تحول بريق عينيه إلي غضب لكنها لم تقصد الإساءة إليه فرد بحدة قائلا :
- لا شك انك تتكلمين من صميم تجاربك وواقع مغامراتك وأنا لست نيكولاس و لا أمارس ألعاب الأطفال يا كاترين .
- وهل تعتقد إنني أمارسها ؟ .
هناك شيء لا تستطيع مقاومته يدفعها إلي الكلام وكانت تعرف إنها تنتقم منه بطريقة صبيانية وكان يبدو علي ستيفان انه يعلم ذلك أيضا و قال :
- لا ادري أي نوع من ألعاب هذا و ليس من حقي إن اعلم .
ثم قال برقة غير متوقعه ومد أحدى يديه و لمس خدها بخفة مؤثرة .
- ولكن يا ستيفان إنني ...
وكانت كاترين تريد أن تخبره أنها لا تعترض و انه لا حاجة إلي الاعتذار ولكنه لم يكف كن ليستمع إليها بل وضع إصبعه غي شفتيها و هز رأسه و قال برقة متوسلا :
- انسي الأمر كله يا كاترين ، انك لا تدرين مدى تأثيرك علي وبالرغم من رأيك في فأنني لا اخذ ما أريده عندما أريد ولا انتهز الفرص أبدا .
وجذبها من يدها وهو يقول ... هيا ... سنعود الآن إلي المنزل .

 
 

 

عرض البوم صور ..مــايــا..   رد مع اقتباس
قديم 23-04-10, 10:12 PM   المشاركة رقم: 10
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: Oct 2007
العضوية: 45499
المشاركات: 173
الجنس أنثى
معدل التقييم: ..مــايــا.. عضو له عدد لاباس به من النقاط..مــايــا.. عضو له عدد لاباس به من النقاط
نقاط التقييم: 116

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
..مــايــا.. غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : ..مــايــا.. المنتدى : روايات عبير المكتوبة
افتراضي

 

6 - دقائق الامور .



اخبر نيكولاس كاترين ان زيارات اثينا بيدوبولوس ووالدها المتكررة الي الجزيرة شيء غير عادي و شعرت كاترين بالارتياح و تساءلت اذا كان السبب وجودها في المنزل .
وكان ستيفان يبارك هذا الزواج بقلبه وليون بيدوبولوس يتمني ان يري ابنته زوجة لأحد افراد عائلة ميدوبوليس الواسعة الثراء ، ولذلك حرص الجميع علي ان يتم هذا الزواج و ان يتلافوا فشله بكل الطرق .
ومن يدري رما كان السبب تعدد هذه الزيارات اقتراح ستيفان نفسه . الذي كان يود الا ينسي اخوه الاصغر نيكولاس واجباته حيال خطيبته ، وايا كان المسؤول عن ذلك فإن نيكولاس لم يكن يستيغ هذا الامر اطلاقا ، فمنذ فاجأ ستيفان نيكولاس وكاترين علي الشاطيء زارت اثينا ووالدها الجزيرة مرتين في مدة تزيد قليلا علي الاسبوع ، و هذا ليس كثيرا علي شخص يحب خطيبته و يسعد لرؤيتها ولكن نيكولاس لم يكن كذلك .
منتديات ليلاس
و اشتاقت كاترين الي صحبة نيكولاس الذي كانت تقضي معه معظم وقتها ، ومن دونه شعرت بالضياع خصوصا ان الولدين اصبحت في رعاية كاسيا معظم الوقت و لم تلق كاترين اي تشجيع من هيلين لتكون قريبة منها .
اما غريغوري فكان يمضي وقته مثل ستيفان طائرا من جزيرة الي اخري مشرفا علي مكاتبهم العديدة .
لمحت كاترين في طريقها الي غرفتها بعد الظهر السيدة ميدوبوليس ،
فالتفتت اليها بابتسامة و كانت كاترين قد احبت هذه السيدة العجوز لطيبتها و رقتها ، لكنها دهشت عندما وجدتها تشير اليها بالاقتراب و سمعت وقع خطوتها علي ارضية البهو الكبير عندما استدارت و اتجهت نحوها حتي بعد مضي خمس اسابيع قضتها في الجزيرة ، كان البهو يوحي بانه متحف يوناني وكان بيث في نفسها شعورا بالرهبة و تقدمت الي السيدة العجوز قائلة :-سيدتي .
قالت كاترين هذه الكلمة وهي تنظر اليسدة متسائلة فتفرست فيها السيدة ميدوبوليس و ابتسمت قائلة :
- هل تسمحين لي ان اخذ من وقتك قليلا يا كاترينا ! ؟
وكانت مدام ميدوبوليسكأبنها نيكولاس ينطقان اسمها باللغة اليونانية و تساءلت كاتين اذا كان هذا اسهل لها ام لأنها لا تتكلم الانكليزية بطلاقة عكس اولادها فردت كاترين قائلة :
- بكل تأكيد يا سيدتي .
ودشت كاترين لكنها تبعت السيدة الي غرفة جلوسها الخاصة التي كان دخولها وقفا علي الصفوة من افراد العائلة كما اخبرها نيكولاس مرة و شعرت بالارتباك و خفق قلبها ريعا بلا سبب واضح .
كانت الغرفة اصغر من اي غرفة رأتها كاترين في المنزل ، لها طابع تركي صرف ، وكانت ارضية الغرفة مغطاة بأفخر السجاد و المساند مصنوعة من الاقمشة الفاخرة و رائحة الزهور تملأها و نكهة القهوة التركية تعطيهاطابعا غريبا .
وتدل النجف البرونزي الفخم من السقف ولم يكن يتسرب الي الغرفة شوى قليل من اشعة الشمس من خلال نوافذ الخشبية المغلقة و كان الجو ساخنا خانقا لكنه رائع ، و راحت كاترين تنظر الي محتويات الغرفة بعينين بدا فيهما الفضول .
- هل راقت لك غفتي ؟
سألتها السيدة ميدوبوليس برقة وهي تبتسم كأنها تعرف الجواب مقدما فأومأت كاترين و عادت السيدة العجور تسألها :- هل تشربين القهوة معي ؟ .
فهزت كاترين رأسها بسرعة نافية لأنها لم تستيغ طعم القهوة التركية ابدا بل ما اردات ان تشعر السيدة ميدوبوليس بذلك فقالت بسرعة :
- لا شكرا يا سيدة ، ولكني اجد غرفتك رائعة و اشعر بفخر لدعوتك .
ظهر شبح ابستامة في عيني السيدة السوداوين و قالت لها :
- اولاديلا يتعبرون وجودهم فخرا فيها يا ابنتي ! كانو يأتون اليها لينالو حظهم من التأنيب ! .
وكانت الغرفة تحتوي علي عددا من المقاعد لكن كاترين خحذت حذو مضيفتها فتربعت علي المساند المتنفخة و ثنت قدميها تحثها وقالت وهي تبتسم :
- اتمني الا انال انا ايضا حظا من التأنيب .
في الغرفة المعتمة اكتسي وجه المرأة بشيء من الجديةرغم ابتسامتها العذبة فشعرت كاترين بالخوف و التقلص في معدتها ، كانت تتصور انها اختطفت ووضعت مع الحريم برغم ان هذه الفكرة بدت مضحكة ، فردت السيدة ميدوبوليس بصوت خفيض و لكننها الاجنبية القوية :
- ربما لا تنالين عقابا بالرغم منك انك فتاة بلهاء يا صغيرتي ، الست كذلك ؟
فنظرت اليها كاترين بقلق فوجودها في الجزيرة منذ اكثر من شهر علمها ان تتقبل كل ما تتوقعه ومالا تتوقعه ، لكنها شعرت في تلك اللحظة بالقلق لجهلها سبب استدعاء من قبل السيدة ميدوبوليس ثم قالت :-
لا افهم ما تقولين يا سيدتي .
فنظرت اليها مدام ميدوبوليس و كانت نظرتها ثابتة ذكرتها بنظرات ستيفان ثم قالت برقة :- اظن انك تفهمين كل شيء يا كاترينا .
و تضاربت الافكار في رأس كاترين هل هو نيكولاس و اهتمامه بها ؟ هل لاحظت السيدة العجوز ذلك وكان يجب الا تشجعه ابدا اذا ارادت ان تبرئ نفسها و تؤكد للسيدة انها لا تنوي ايقاعه .. فبادرت بالقول :
- اذا كنت تقصدين نيكولاس .يا سيدتي .. في وسعي ان ...
قاطعتها السيدة العجز وهي تهز رأسها بهدوء قائلة :- لا اتكلم عن نيكولاس بل عن ستيفان .
- ستيفان ؟
لم يكن احد غيرها هي و ستيفان يعرف شيئا عما دار بينهما علي الشاطيء منذ اسبوع ومع ذلك احمر وجه كاترين عندما تذكرت ما حدث يومها مما جعل السيدة ميدوبوليس تدقق النظر فيها و تتعجب لذلك فسألتها مدام ميدوبوليس بهدوء : الا تعرفين ماذا اعني ؟
فأشاحت كاترين عينيها و لم تقو علي النظر الي السيدة و قالت :- لا يا سيدتي .
ومرت لحظة صمت سادت الغرفة الساخنة الخانقة و تمنت كاترين من كل قلبها لو انها تذرعت بأي سبب ولم تطع المرأة و تحضر معها الي هذه الحجرة ، لكن مدام ميدوبوليس ، كانت عازمة علي معرفة سبب اضطراب كاترين مما جعل الدم يصعد الي وجنتيها كالتلميذه الغيرة عندما تذكرت هذا ، و اخيرا قالت لها برقة :
الخجل يبدو عليك يا كاترينا و يضفي عليك جاذبية ، انا لا ادري لذلك سببا عندما اذكر اسم ولدي امامك .
اعترضت كاترين قائلة :
- سيدتي انك تبالغين في الامر ، لا اشعر بالخجل بل اجد ان جو الغرفة حارا جدا هذا كل مافي الامر .
- فهمت الآن .
وراحت يداها تنسقان زهور الميمورا في انية الفخار الكبيرة الي جانبها ثم استطردت تقول :
- لابد ان نيكولاس هو الذي يجذبك اليس كذلك ؟ .
وقالت كاترين بحذر :- اني اعجب بنيكولاس و لكنه مرتبط بالآنسة ميدوبوليس فهو خطيبها بالطبع .
و كررت السيدة العجوز كلمتها الاخيرة و قالت :- طبعا و اثينا فتاة لطيفة مع ان نيكولاس لم يقتنع بعد بهذه الحقيقة .
- اذا كان ...
و عضت كاترين شفتها بسرعة و لم تكمل كلامها فلن تجرؤ علي انتقاد اسلوب زواجهم اما السيدة ميدوبوليس فهي لا بد ان تؤيد ستيفان و كفاها ما بدر عنه عندما انتقدت ذلك الاسلوب و سألتها السيدة ميدوبوليس برقة و عيناها الداكنتان تبرقان عندما رأت ما خمنتخ صحيح .
- الا تؤمنين بتقالدينا في الزواج ؟ ولكني اري انها الطريقة الافضل يا كاترينا .
واجابت كاترين :- ربما كانت الطريقة المثلي للذين اعتادوها .
و طمأنتها السيدة العجوز برقة قائلة :- انا متأكدة شخصيا انها تجلب السعادة الي الجميع .
و دخلت الريبة قلب كاترينا فجأة تقلقها و نظرت الي السيدة العجوز بخوف و حذر و قالت لها :- اتمني الا يحاول ستيفان التدخل في تدبير امر زواجي انا ايضا .
و مرة اخرة ظهرت في عيني المرأة نظرة فاحصة فأرادت ان تطمئنها فقالت لها :- لا اظن انه سيفعل ذلك برغم انه قد يؤثر علي اختيارك .
و اجابت كاترين بحسم : مستحيل .
ثم نظرت الي السيدة العجوز بقلق فابتسمت السيدة كاترين كلامها : ولكن ليس هذا ما اردت التحدث معي عنه اليس كذلك سيدة ميدوبوليس ؟ .
فجأة خفق قلبها وصممت ان تهرب من الجزيرة بأي طريقة اذا اصر ستيفان علي يختار لها زوجا بنفسه .
- لا يا صغيرتي ، هذا بيس ما اردت التحدث معك عنه .
فسألتها كاترين : لماذا اذن يا سيدتي ؟ .
وبتعلي سمات المرأة صرامة ذكرتها بستيفان فنظرت بقلق و اكنت قسماتها داكنة التي تشبه الصقر تجعلها تشعر بضالة وهو الاحساس الذي اعتادته وهي مع ستيفان ثم قالت السيدة بتمهل :
- انك تملكين بعض الاسهم في شركة ميدوبوليس .
فشعرت كاترين بالدم يصعد وجهها وكانت تشعر بالغضب هذه المرة و قالت موافقا : نعم .
وباتت في عينيها الخضراوين نظرة تحد لاحظتها السيدة علي الفور .
لا تعتزمين بيعها الي ستيفان .
و اقرت كاترين بعناد :- لن ابيعها .
وفكرت كاترين ان تدوس علي كرامتها و تبيع الاسهم الي ستيفان و لكنه سأل والدته المساعدة و حاول السيطرة عليها بطرق ملتوية لذلك لن تلين او تطاوعه .
ومدت المرأة يديها و اخذت يدي كاترين بينهما . كانت اليدين صغيرتين جافتين برغم ذلك حاسمتان في قبضتيهما . وقالت لها وجهها المجعد بقسماته التركية تقترب من كاترين في محاولة لأقناعها و التأثير عليها .
الاسهم لن تفيدك بشيء فلن يمكنك حضور اجتماعات مجلس الادارة كما كان يفعل والدك .
وقالت كاترين تجادلها :- لا اري ما يمنعني من ذلك .
فهزت السيدة رأسها و ارتسمت ابتسامة صغيرة ساخرة علي شفتيها و قالت :- انك لا تتكلمين اليونانية او تفهمينها يا صغيرتي ، فكيف يمكنك متابعة ما يدور في المجلس ؟ .
وضغطت باصابعها النحيلة علي يديها في محاولة لاقناعها و استطردت قائلة :- وافقي يا صغيرتي و دعي ستيفان يتولي هذه الامور بنفسه .
- تقصدين بدلا مني ؟
ولم تخطر هذه الفكرة لها من قبل ووجدت كاترين الطريقة مثلي للخروج من هذا المأزق فهي تحفظ كرامتها و كرماة سيتفان في الوقت نفسه .
وقالت السيدة : هل ستوافقين اذا كان هذا هو الحل الوحيد ؟ .
نظرت كاترين اليها بثبات و سألت نفسها في دهشة كيف يقبل سيتفان هذا الحل الوسط و سألت السيدة :- وهل يقبل ستيفان هذا الحل و يوافق علي الشروط .
ابتسمت السيدة ميدوبوليس فبدت علي وجهها الاف التجاعيد و برقت عيناها السوداوان و قالت :- انها خطوة علي الطريق السوي .
ومرة اخري جاءت اثينا بيدوبولوس ووالدها اتناول العشاء مع الاسرو و مرة اخري اتيحت لكاترين فرصة لرؤية الفتاة التي سوف يتخذها نيكولاس زوجة له و التي اختارها ستيفان له .
كانت اينا فتاة عادية كما قال سايفان مع ان كلمة عادية وصف ظالم لها اذ كانت تتمتع بلطف يجعلها محببة الي النفس و كانت متوسطة الطول يميل قوامها الي الامتلاء ، عينيها سودواين جميلتين .
كان ستيفان علي حق عندما قال انها تحب نيكولاس بل كانت في الواقعتعشقه و شعرت كاترين بالعطف عليها لأنها تعرف نيكولاس جيدا و فهمت لماذا قال ستيفان ذلك اليوم علي الشاطيء انه لا يريدها ان تعود الي المنزل مع نيكولاس حتي لا ترهما اثينا معا فينتابها القلق ، ولكن اذا تزوجت اثينا فلا بد ان تعرف ان يتجذب الي الجنس الاخر و لن يكون امامها الا ان تستسلم لهذه الحقيقة .
و كان من العادة اذا جاء ضيوف لتناولالعشاء اان يتغير مظام جلوسهم حول المائدة فلم تجلس كاترين بجانب نيكولاس كالمعتاد لكنها وجدت نفسها جالسة بين غريغوري و السيد بيدوبولوس ، اما نيكولاس فجلس في مواجهتها بجانب اثينا الامر الذي لم يكن يرتاح له .
وكان من العادة اذا جائهم ضيف ان يرتدي الجميع ملابس رسمية فبدا ستيفان ببدلته السوداء و قميصه الابيض قوي البنيان لم تر له كاثرين مثيلا ولا حتي في نيكولاس نفسه . وكانت ملابسه تضفي عليه مسحة من الرومانسية برغم غطرسته او ربما بسبب غطرسته ، وبدا كعملاق شرقي مهيب فـاثرت كاترين بهيته كثيرا .
وكان السيد بيدوبولوس لا يكلمها الا قليلا في المرات السابقة عندما تلاقيا . وذلك بسبب انشغاله في الحديث مع مضيفه الذي جاوره علي رأس المائدة . ومع ذلك انتبه نيكولساس اكثر من مرة يحاول لفت نظر كاترين اليه . الامر الذي اعتبرته كاترين متهورا . بينما كانت هي تعمل كل ما في وسعها لتتصرف بحكمة ولا تشجعه علي التحديق بها .
جو غرفة المائدة ازداد فخامة في وجود الضيوف ، فقماش المائدة ناصعة البياض و الاواني الفضية تعكس الضوء و الزهريات تملأها الزهور ذات الريحة الزكية .
وحتي بعد هذه الاسابيع العديدة التي قضتها في الجزيرة كانت تشعر انها في جو خيالي حالم . الطعام خليط من المآكل اليونانية و التركية قدم بكميات وافرة و تخلله مشهيات مثل الفيتا وهي جبن قريش لها طعم يميل الي الحموضة قليلا و محشو ورق عنب و الضولما وهي مجموعة من الخضروات المحشوة بالارز و اللحم و المسقعة و الكفته و كرات اللحم المتبل التي احبتها كاترين كثيرا .
و اعقب ذلك كله الحلوي من الفطائر و الملبن التركي و الفاكهة الطازجة بجميع انواعها ، انا القهوة التركية القوية فرفضتها كاترين عندما قدمت لها لأنها لا تستيغ طعهما .
وعلي عكس اليوم الاول من وصولها الي الجزيرة حين كانت ترتدي ثوبا بسيطا شعرت بالحرج لأرتدائه و كانت كاترين ترتدي الليلة ثوبا طويلا ذا اكمام واسعة اخضر اللون كلون الزمرد مظرزا بأسلاك ذهبية ناسب بشرتها و شعرها الاحمر .
ذلك الثوب اهداء نيكولاس لها بعد حادى زياراته الي قبرص لأشرافه علي مكاتبهم هناك ، وترددت في قبول الهدية لكن اغراء الثوب كان اقوي من ترددها و ارتدت كاترين الثوب لأول مرة وهي تشعر انه لم يكن من الحكمة انها ارتدته فنيكولاس لم يكف عن النظر اليها طوال السهرة و من الظاهر انه استشف معني خاصا من وراء ارتدائها الثوب الذي اهداه لها .
كذلك لم تفت كاترين نظرة ستيفان .. كانت نظرة خاطفة تدل علي اعجاب واضح لا يمكن ان تخطئها ، وذلك عندما نزلت لتنضم الي بقية افراد الاسرة لتناول المشروبات قبل العشاء و الواقع ان النظرات الفاحصة المتيمة من هاتين العينين السوداوين جعلت نبضها يسرع علي نحو اثارها و اخافها في الوقت نفسه ربما كان ذلك راجعا الي تأثير الثوب الجميل
الجديد ، ولكن لابد ان تعترف بانها احست بالارتباك و السعادة عندما وجدت ستيفان يحملق مرة او مرتين اثناء لعشاء . ومن المؤكد ان نظراته التي كانت تتم عن الفضول من ناحية وعن عدم التشجيع من ناحية اخري بعثت في نفسها شعورا عميقا بالفرح وسمعت ليون بيدوبولوس يقول لها فجأة :- هل تروق لك بلادنا يا انسة غرانجر ؟ .
فظلت برهة تحدق فيه بغموض قبل ان تجيبه وهي تبتسم قائلة :- لم ار شيء في اليونان نفسها بعد يا سيد بيدوبولوس . كل ما هناك اني هبطت من الطائرة في نيقوسيا و من يومها لم اغادر داكوليس ابدا .
وخيل اليها ان ستيفان لم يبد مرتاحا الي قولها هذا وكأنهاعتبره انتقادا موجها لكرمه و ضيافته . اما هيلين فنظرت اليها و كأنها تقول لها حذرتك سابقا من القضبان الخفية التي تحيط بالجزيرة و تجعلها سجنا ، لكنها لم تكن نقصد وجيه اي انتقاد و نظرت الي ستيفان و تساءلت اذا كانت تستطيع اقناعه بذلك .وقال ستيفان بصوت البارد الهادئ :- لم ادري انك تودين السفر خارج الجزيرة . و اذا اردت الذهاب الينيقوسيا لمجرد التغير و الترويح عن النفس فليس هناك ما يمنعك من ذلك .
ابتسمت كاترين له و الامل يملأها و لمت عينيها الخضراوان لحماسها و خفق قلبها مرة اخري عندما طالت نظرته اليها و التقت عيناهما و لم يؤثر علي ذلك اي احساس يكون قد انتابها بالسخرية من نفسها و ربما كانت مجرد فتاة حمقاء ...
لكن تأثير هاتين العينين السوداويين عليهها كان يثير ارتباكها ، ولم يخطر في بالها لحظة واحدة انها شخص حر يستطيع مغادرة الجزيرة في اي وقت وقالت له :
- اووه ... كم اود الذهاب يا ستيفان اذا امكن ترتيب ذلك .
وبدأ نيكولاس يقول :- يمكنني ان ...

ولك يكمل حديثه بلاسكتته نظرة خاطفة ماهرة من اخيه الذي قال لكاترين :- لدي بعض الاوراق تحتاج الي توقيعك ، فاذا استطعت الاستعداد لسفر غدا وقت ذهابي الي قبرص يمكنك ان تأتي معي و هكذا ...
هز كتفيه العريضتين وهو يتذكر المثل القائل :- تضرب عصفورين بحجر واحد .
و نظرت كاترين اليه بتعجب و قالت :- اي اوراق ؟ .
ورفع ستيفان حاجبيه و رد عليها بهدوء :- بعض التنازلات بخصوص الاسهم .. علي ما اعتقد .
- اوه - نعم بكل تأكيد .
وكانت قد نسيت تماما مقابلتها مع مدام ميدوبوليس منذ يومين و النتيجة التي توصلنا اليها ، لكن يبدو ان ستيفان يريد اعطاء الاتفاق صيغة رسمية نهائية بأسرع وقت و سألها و عيناه السوداوان تتحديانها ان تغير رأيها :- لم تغيري رأيك ؟ .
وبسرعة هزت كاترين رأسها بالنفي و نظرت الي السيدة ميدوبوليس فرأت نظرات العجوز هادئة مسالمة ، لكن كاترين اضطربت بلا سبب واضح .
وكان ليون بيدوبولوس يتابع المناقشة بفضول و اهتمام قم التقت الي كاترين وعلي وجهه ابتسامة خاطفة مهذبة و سألها :-
- هل تملكين اسهما في شركة ميدوبوليس للملاحة يا انسة غرانجر ؟ .
ولاحظت كاترين ان هذا السؤال قد ساء ستيفان الذي قطب حاجبيه بسرعة فردت كاترين قائلة وهي تتعلثم :- نعم ترك والدي بعض الاسهم .
- نعم - طبعا والدك تركها لك و هذا يخالف العرف فالنساء هنا لا تهتم بتلك المائل يا مس غرانجر .
قال ذلك بهدوء وهو ينظر الي ستيفان نظرة متسائلة .
ضحكت السيدة ميدوبوليس برقة وهي تلمس كاترين بيدها النحيلة و تقول بلكنها الاجنبية القوية :
- كل شيء يتغير في هذه الدنيا يا ليون و كاترين فتاة عاقلة .
- يبدو ذلك .
قالها ستيفان مستندا رأي والدته غامضة و مرة اخري التقت نظراتها فشعرت كاترين برجفة ثم اردف يقول :- ارجو ان تكوني مستعدة صباح غد .. يا كاترين ..
و اكدت كاترين بسرعة :- نعم سوف اكون مستعدة . متي ننطلق ؟ .
ثم لتقت نظراتهما ثانية وقال :- بعد العاشرة بقليل و انصحك ان ترتدي ثوبا خفيفا فالجو يكون عادة حار في المدنية هذا الوقت من لسنة .
- نعم بالطبع .
كانت فرحتها كبيرة لمجرد فكرة ذهابهت الي قبرص مع ستيفان و عبثا حاولت تقنع نفسها ان سبب فرحتها هو مجرد التطلع الي رؤية مكان جديد بل كان يسعدها فعلا ان تمضي ولو بضع ساعات في صحبة ستيفان ، ولم تحاول اخفاء هذه الحقيقة عن نفسها .
لك نيكولاس لم يخف غضبه لعدم تمكنه من اصطحابها في تلك الرحلة و عندما غادر بدوبولوس و ابنته الجزيرة بعد العشاء خرج ليبحث عنها في الحدائق وهي تسير بين اشجار السرو الرابضة علي جوانب البحر قبض علي ذراعها بشدة و قرب وجهه الاسود من رأسها كانت انفاسة الدافئة تلفح اذنها عندما تحدث و تمنت كاترين الا يقترب منها علي هذا النحو ولم يمض علي مغادرة خطيبته الجزيرة سوي بضع دقائق فقط .. شعرت بالذنب عندما تذكرت اثينا ومدي حبها العميق لخطيبها .
- قولي لي يا كاترينا انك تفضلين الذهاب معي الي قبرص .

قال ذلك و عيناه تبرقان في ضوء القمر فردت عليه كاترين قائلة :
- ولكن لا يضايقني الذهاب مع ستيفان وهي في اية حال رحلة عمل يا نيكولاس ، رغم انني سوف اروح عن نفسي كذلك .
وضحكت برقة عندما قرأت في عينيه نظرة عتاب وود و قد بدا العبوس واضحا علي وجهه :- مع ستيفان ! لا بد ان احذرك من اخي البكر فهو يختلف عني كثيرا يا كاترينا .
- ولكنه اكثر منك جدية بالتأكيد .
ولكن كاترين لم تفهم المعني المستتر وراء قوله فحذرها مرة اخري قائلا :- هو ايضا لا يهتم بالفتيات الصغيرات مثلك .
ولمعت عينياه في ضوء القمر و شعرت كاترين انه يريد مصارحتها بشيء وتمنت الا تشعر بأي ذرة من القلق لذلك و سألته :- لست صريحا معي ؟ وكلامك لا يعني لي شيئا .
ثم خرجت من ظلال الاشجار الي ضوء القمر الكبير الذي كان يسبح في سماء بنفسجية اللون . وتقلصت اصابع نيكولاس علي ذراع كاترين و قبضت عليها بشدة ثم قال لها برقة :
- اتظنين انني لم الاحظ تلك النظرات التي كنت تلقينها الي ستيفان عندما ظنت ان احدا لا يراك يا جميلتي ؟ .
كان قريبا منها و احست كاترين بالدم يتدفق الي وجنتيها وهي تبتعد عنه بسعة و تخلص ذراعها من قبضته و قالت له بصوت خافت لاهثة :
- لابد ان لك خيال واسع يا نيكولاس ، فلم انظرالي ستيفان نظرات ذات معني خاص ، لماذا تعتقد انني كنت افعل ذلك ؟ .
فهز نيكولاس كتفيه العرضاين و قال :-النساء تجدنه جذبا انا اعرف هذا . وكلن ليس نوعك من النساء يا كاترين فأنت لست من دنياه .
وهل تعني اني من دنياك ؟ هل هذا ما تقصد !.
وكان في صوتها رنة عدم التأكد عندما ادركت ان ما قاله كان صحيحا ثم قال لها :
وكان في صوتها رنة عدم التأكيد عندما أدركت إن ما اله كان صحيحا ثم قال لها :- بكل تأكيد يا جميلتي .
و سألته وهي تعرف إنها تقسو عليه و لكنها كانت تشعر بذلك في تلك اللحظة حتى لو تألمت خطيبتك من النظرات التي كنت تصوبها إلي ، فأنت لست عادلا في معاملتك لأثينا يا نيكولاس ، لست عادلا علي الإطلاق .
ومرة أخري بدت علي وجه نيكولاس الوسيم إمارات الغضب و ضغط تكرارا علي ذراعها قوة وهما يسيران علي ذلك الشاطئ الجميل و قال لها :- إنها من اختيار ستيفان دعي ستيفان يتزوجها .
أثار رده السريع القاسي الشكوك في ذهن كاترين فلم تلتفت إلي المناظر الخلابة المحيطة بهما ، بل راحت تركل الرمال البيضاء بقدمها و قالت بهدوء :- ظننت انه سيتزوج إلينا اندرياس ، هكذا أخبرتني ماريا بعد كل شيء ايلينا موجودة هنا .
فرد عليها باقتضاب قائلا :
ولكن أيا منهما لا تجرؤ علي التفوه بكلمة واحدة في وجوده ، فستيفان ينظم حياة غيره ولا يسمح لأحد بالتدخل في خططه الخاصة .
لم تجد كاترين أي سبب منطقي لما شعرت به في تلك اللحظة ، لكن قلبها بدأ يخفق بشدة و نظرت فجأة إلي القمر الاصفرالكبير في السماء و شعرت بالفرحة تغمرها ثم قالت له :
وهل يعني هذا إن ستيفان لن يتزوج الآنسة اندرياس ؟ .
فقال نيكولاس وهو يهز كتفيه و الكآبة علي وجهه :
- من يدري ما الذي يدور في خلد ستيفان أحيانا أتمني أن يتزوج حتى لا يجد الوقت الكافي للتدخل في حياة الغير و أحالتها إلي الجحيم .
وتذكرت كاترين ثانيا هيلين و المرارة التي تشعر بها نحو ستيفان و كان واضحا إنها لم تكن ترغب في الزواج من غريغوري الذي كان في نظر كاترين أكثر الأشقاء طيبة و نبلا بين الثلاثة ثم سألت نيكولاس :
هل تعتقد إن هيلين سعيدة ؟ أنا لا أجدها سعيدة دائما .
قالت ذلك بلهجة حذرة فقط كانت كاترين غير متأكدة من ردة فعل نيكولاس اتخاذها حياة هيلين و غريغوري كمثل فنظر إليها نيكولاس بعينين داكنتين ولم يقل شيئا ، وتساءلت فعلا إذا تضايق من هذه الإشارة . ثم وضع ذراعا حول كتفيها و ضمها هامسا .
الم تعرفي شيئا عن هيلين .
ومرة أخرى تذكرت كاترين ليلة وصولها إلي الجزيرة و تلميح ستيفان عن شيء بين والدها و ستيفان وسلوك هيلين بعد ذلك معها و جازفت بقولها :
- اعتقد إن هناك شيئا لدي هيلين يجعلها تبدو تعيسة ولا ادري ماهو لكني اعتقدت انه يتعلق بوالدي .
وأخيرا باحت كاترين بما أرادت وفي وسع نيكولاس أن يبخرها بكل شيء الآن أو يقول لها إنها مخطئة و ينتهي الشك الذي يساورها . وبدا علي نيكولاس التفكير العميق برهة علي نحو لم تعهده من قبل ثم ظل صامتا و خافت كاترين أن تبدد ذلك الصمت إلي أن قال أخيرا بهدوء :
- لا ادري كيف علمت ولا أظن أن هيلين أخبرتك بشيء و أنا متأكد أن ستيفان لم يبح لك كذلك بالسر .
فقالت له بصوت هامس :

لاحظت أشياء كثيرة .
فابتسم و أسنانه البيضاء تضيء وجهه الأسمر الوسيم مهننا كاترين علي فطنتها قائلا :
إذن فأنت علي حق يا جميلتي فقد كانت هيلين علي علاقة بوالدك .
ولم تكن تصدق أو تتوقع رد نيكولاس الذي لم يراع شعرها فنظرت إليه و سألته بعد لحظة :
علاقة بينهما ؟
هالك هذا الخبر يا كاترينا ، لكنك لم تعرفي والدك جيدا .
اعترفت كاترين بذلك قائلة :- أكاد لا اعرفه بالمرة إلا قليلا .
ولكن لابد انك تعلمين انه كان يمضي معظم أوقاته في اليونان ؟ .
وارمات كاترين قائلة : - نعم اعلم ذلك إذا كان يحب البلد و أهله .
ثم حكي نيكولاس لهل هذه القصة :
قابل غريغوري والدك في منزل احد الأصدقاء ، وفي أحدى الأمسيات دعاه غريغوري لتناول العشاء في الجزيرة ، وكانت هيلين باعتبارها خطيبة لغريغوري وقتئذ ، ومن أول لحظة وقعت في حبه مما جعله يتيه بهذا الحب .
و ابتسم نيكولاس ابتسامة تدل علي الأسف وهو يشير إلي نقائص والدها :
- كانت هيلين جميلة ولم تتجاوز الثانية و لعشرين من عمرها بعد ، ولكنها كانت جادة في حبها أكثر من والدك .
فقالت كاترين بصوت خافت :- كان اصغر من والدي في ذلك الوقت بحوالي عشر سنوات .
فأومآ نيكولاس و قال :- لابد انه أحس بفخر لوقوع تلك الفتاة الجميلة الصغيرة في غرامه .
و قالت كاترين بلهجة تنم عن الآسي :- مسكينة هيلين .
ووافق نيكولاس علي كلامها و استطرد قائلا :- فعلا ... مسكينة هيلين ولكن كان يجب عليها أن تعرف إنها الخاسرة لأنها كانت مخطوبة لغريغوري وكان لا يسمح لأحد بالتدخل لفك هذا الارتباط .
وردت كاترين : تقصد مشاريع ستيفان ؟ الآن فهمت لماذا تتحدث بمرارة شديدة .
قال نيكولاس وقد بدا عليه الولاء لأخيه علي غير توقع :
ليست مشاريع ستيفان فقط بل كانت العادة أن يبدأ ليون بيدوبولوس بالخطوة الأولي ثم ينفذ ستيفان الباقي ، أما هيلين و غريغوري فلم يعترضا علي هذا الزواج في بادئ الأمر وألا ما كان ستيفان يوافق عليه .
وتذكرت كاترين زوجة أبيها الشابة الجميلة الحزينة و قالت :- ولكن ماريا ؟ كيف تزوج والدي من ماريا ؟
فهز نيكولاس كتفيه و سرح قليلا كأنه يستعرض أيضا ذكرياته مع شقيقته ثم قال ببساطة :- أحبته ماريا و اعتقد إن جورج أحبها ولكن علي طريقته الخاصة .
ولأول مرة في حياتها شعرت كاترين بالمرارة الحقيقية في قلبها لسلوك والدها ثم أردفت تقول :
وطبعا آلت إليه الأسهم في شركة الملاحة أيضا .
وهز نيكولاس رأسه موافقا :
من العرف أن تهدي العروس زوجها بيتا كجزء من هدية العرس ولكن بما إن ماريا عاشت بعيدا عن وطنها أعطته الأسهم بدلا من البيت .
يا الهي !! .
وأغمضت كاترين عينيها مثقلتين بالدموع وبكت علي مصير زوجة أبيها الحبيبة التي تركت وطنها و قالت :
الوضع .. الوضع ليس أفضل كثيرا من وضع العبيد . أليس كذلك ؟
ونظر إليها نيكولاس في فضول و راحت عينياه الداكنتان تتفرسان في ملامحها التي بدت صغيرة شاحبة في ضوء ذلك القمر الكبير ، وكانت عيناها لا تزالان ممتلئتين بالدموع ووضع نيكولاس يده برقة علي خدها وقرب وجهها منه و كانت ذراعه لا تزال تحيد بكتفيها و قال بصوت هامس :
انك تتأثرين كثيرا بمثل هذه الأمور يا جميلتي . ماريا في أي حال تزوجت الرجل الذي أحبته رغم إنها لم تكن تراه كثيرا بعد الزواج .. وكان زواجها بمن تحب أكثر مما يمكن أن تفعله فتيات كثيرات .
نيكولاس .
قالت كاترين وهي تتطلع إليه بعينيها الخضراوين اللتين بدا فيهما القلق واضحا في ضوء القمر
انه ... اقصد ستيفان لن يفعل أي شيء مماثل بالنسبة إلي !
تقصدين يتدخل في زواجك ؟
زبدا نيكولاس كأنه يفكر مليا في الأمر ثم قربها منه و ضمها بين ذراعيه و أخذت أنفاسه الدافئة تلفحها ثم قال بصوت هامس :
إذا حاول ذلك يا جميلتي فسوف نهرب معا و نتحداه .. إنني اقسم لك علي ذلك ! .




7-لم يحن الوقت بعد


علي الرغم من شكوكها نحو ستيفان وحديثها مع نيكولاس عنه الليلة الفائتة شعرت كاترين بفرحة وهي تستعد لزيارة نيقوسيا .
نظر إليها الولدان سعيدين عندما أخبرتهما أنها ستطير إلي قبرص وطلبها منها مرافقتها ,وكانت تتمني أن تلبي طلبهما فورا لو أنها ذاهبة مع أي شخص آخر غير ستيفان, أما معه فلم يكن في وسعها أن تلبي طلبهما ,وبدأ حماسها يخف فقالت وهي تنظر إلي عيونهما الواسعة السوداء القلقة :
"أنها مجرد رحلة عمل لابد أن أوقع أوراقا لصالح خالكما ثم أعود ."
فقال لها أليكس وأخوه يشجعه بإيماءة من رأسه:
"نحن نحب الطيران ,ألا تستطيعين أن تطلبي من الخال ستيفان أن يسمح لنا بالذهاب أيضا يا كاترين ؟"
ترددت كاترين وتصارعت فيها عاطفة الولاء ,وشعرت بالقلق لأنها كانت متطلعة حقا لهذه الرحلة مع أنها رحلة عمل ,ووجدت نفسها غير مستعدة لأن يشاركها أحد حتي الطفلان ,في صحبة ستيفان وفي الوقت ذاته شعرت لتترك الطفلين بينما تذهب هي للترويح عن نفسها لذلك قالت لهما بسرعة وهي تعدهما كي تريح ضميرها لأنها كانت متأكدة أنه سيرفض اصطحابهما :
"سأخبر خالكما بتلك الرغبة ."
وارتدت كاترين ملابسها بعناية وهي ترتدي ثوبا خفيفا ,وكان الثوب الذي اختارته قصيرا لكنه محتشم يلائم الجانب العملي من الرحلة ,ولكن من النيل البني المنسجم مع بشرتها الشقراء, أضاء لون بشرتها ذهبيا ,وكان الحذاء متلائما مع الثوب أيضا ومناسبا للمدينة أو الريف ,وبعد ارتدائها لملابسها ألقت علي نفسها نظرة راضية في المرآة وذهبت لزيارة الطفلين ثانية .
كانت كاسيا معهما فأخبرتها كاترين أنها سوف تطلب من ستيفان مرافقة الطفلين ,فنظرت إليها كاسيا بدهشة وقالت لها بانكليزيتها المتعثرة :
" لا أظن أن السيد ميدوبوليس يوافق "
تنهدت كاترين قائلة :
"أنك علي حق يا كاسيا ولكن سأحاول ولا ضرر في ذلك"
أخذت كاترين الطفلين ونزلت معهما وكانا يتكلمان ويضحكان وأصواتهما ترن في البهو وعند وصولهم غلي نهاية السلم خرج ستيفان ووقف ينظر إلي الثلاثة ثم عبر البهو وصوب نظرة طويلة إلي كاترين.
وكان يرتدي ملابس عادية لا تمت إلي العمل بصلة وشعرت كاترين أنه لا ينوي قضاء يومه في المكتب ويتركها وحدها ,الأمر الذي جعلها تفكر في وقت سعيد معه ,انه يرتدي بنطلونا عاجي اللون وسترة متناسقة مع جسمه النحيل وقميصا بنيا بلا ربطة عنق ,كان زيه يوحي بالتحرر من الرسميات ,لكن قسمات وجهه الصارمة التي تشبه الصقر تناقصت مع هذا الشعور ولذلك تبخر حماس ,كاترين وتطلعها إلي الرحلة ,ثم قال لها بدون مقدمات :
"ما الذي تتوقعين مني فعله ؟"
ونظر إليها طويلا ,فنظرت كاترين إليه لحظة قبل أن تشيح بوجهها وتجازف قائلة :
"هل يمكننا اصطحاب أليكس وبول ؟"
كان تعلم أنه سوف يرفض الطلب حتي قبل أن تعرضه ,فنظر ستيفان إلي الولدين وهز رأسه وقال موجها كلامه أليهما :
"آسف ,فلن يمكننا اصطحابكما هذه المرة ,وربما أمكننا ذلك المرة المقبلة."
وكانت رقته مع الطفلين تدهشها ,كما عرفت أنهما صارا مغرمين جدا بخالهما وخصوصا بول, الذي لم يحاول إخفاء حبه لخاله الجديد, وقد انسجم مع بيئته الجديدة ومرح لها كثيرا ,وكان بول بالطبع هو الذي تأثر أكثر من أخيه لعدم الذهاب ,وعندما نظر إلي ستيفان بعينيه الواسعتين اللتين تفيضان عتابا وجدت كاترين الشبه كبيرا بينه وبين نيكولاس .
منتديات ليلاس
"أريد الذهاب أيضا أنا و أليكس .."
قال ستيفان وصوته ينم عن صرامة ,وفي الوقت نفسه كلمه بهدوء:
"لا يمكنك الذهاب, كما قلت لك الآن."
لكن بول نظر إليه ومازال الأمل يداعبه, لكنه سرعان ما اكتشف في ستيفان خصما عنيدا لا يستهان به, فتحول إلي كاترين وقال بصوته الرقيق متوسلا :
"كاترين ,ألا يمكننا الذهاب ؟"
ولم تشعر كاترين بالندم في حياتها مثل ذلك اليوم, كانت مستعدة أن تزكي طلبهما إلي شخص آخر غير ستيفان الذي راح يحذق فيها بنظرات غاضبة وينتظر ردها علي أخويها ,ولم يكن أمامها إلا أن تركع بجانب بول وتحيطه بذراعيها ثم قالت له:
"آسفة يا حبيبي فذهابكما هذه المرة مستحيل ."
عظ بول شفتيه وبرقت عينياه وسألها بصوت يرتعش علي نحو يدير الأسى
"لكن لماذا لا يمكننا الذهاب؟"
حاولت كاترين أن ترد عليه ولكنها نظرت إلي ستيفان وقد أعيتها الحيلة وتركته يقول :
"لأني قلت إن هذا مستحيل ."
فنظرت إلي ستيفان ورأت في عينيه نفاذ الصبر ثم هز رأسه بسرعة كأنه ندم علي لهجته العنيفة وانحني عليهما وقال وهو يضع يدا علي كل صبي :
"عندما اذهب إلي نيقوسيا سأشرع في شراء مهرين لكما ."
كان صوته أرق بكثير ورأت كاترين وجهه الأسمر وقد لآن وكسته ابتسامة رقيقة ,واستطرد قائلا:
"هل يروق ذلك لكما ؟"
فرد بول قائلا وقد اتسعت عيناه دهشة وفرحا:
"مهران حقيقيان لي ولأليكس؟"
"نعم جوادان حقيقيان لك ولأليكساندر."
ولاحظت كاترين أنه يفضل مخاطبة أليكس باسمه كاملا ألكساندر ثم نظر ستيفان إلي أخيه الصامت .صحيح أن أليكس يكبر بول بسنة ونصف لكنه يترك أخاه يتكلم بدلا منه ,ونظر الطفل إلي كاترين مرة أخري مستسلما للبقاء في الجزيرة بعدما عرف الغرض من الرحلة وقال:
"وهل كاترين هي التي ستختار الجوادين ؟"
فضحك ستيفان وهز رأسه ورفع بول بين ذراعيه حتي أصبح في مستوي نظره بينما كانت أسنانه تلمع في وجهه الأسمر .وقال :
"اختيار الجياد من صميم عمل الرجل ونحن لا نترك أعمالنا للنساء يا صغيري ."
وشعرت كاترين بالدم يتدفق إلي وجهها ,وغالبت بصعوبة الرغبة في الرد علي هذا الافتراء الذي اعتبرته مجرد غطرسة رجال ,ولكن سعادة بول منعتها فقد صاح قائلا بينما أعاده ستيفان إلي الوقوف مرة أخري :
"جياد سيكون عندنا جياد يا أليكس !"
وفكرت كاترين أن أليكس أكثر تحفظا في حماسه وأرق في معاملاته فلم يكن لديه هذا الحماس العارم لكل شيء جديد مثل بول ,الذي يشابه خاليه نيكولاس وستيفان ,بينما ورث أليكس رقة أمه ماريا وكان سكوته قد أدهش ستيفان فنظر إليه بتقطيبة صغيرة وقال:
"ألست متحمسا لامتلاك مهر يا ألكساندر؟"
ورمق أليكس كاترين بنظرة أولا قبل أن يومئ برأسه ويقول :
"نعم يا خالي ستيفان ."
وظل ستيفان صامتا لحظة ثم هز رأسه وبدا عليه نفاذ الصبر مرة أخري وقال:
"ولكنك تفتقر إلي الحماس أخيك وشجاعته .أليس كذلك؟"
وشعرت كاترين بضرورة الاعتراض علي رأيه هذا وقالت:
"لا,لا, يا ستيفان ."
ثم نظرت كاترين إلي وجه أليكس الجاد وودت لو ركعت بجانبه لتواسيه وتعوضه عن هذا الحكم الصارم ,ولكن راعها أنه قابل نظرة ستيفان الحالكة يتحد وثبات ورد في صوت حاسم ثابت:
"سأركب مهري أيضا يا خالي ستيفان ."
وامتدت يد ستيفان الكبيرة لتربت علي راس الصبي لحظة وتمتم ببعض كلمات اليونانية وهو يبتسم له.و تسألت كاترين عن مدي التفاهم الذي سوف يقون بين ستيفان و أليكس ثم التفت إلي كاترين وتأملها بعينيه الداكنتين وقال:
"هيا ,إذا كنت مستعدة يا كاترين."
كانت كاترين تود أن تتحدث مع ستيفان في كثير من الأمور وهما يعبران البحر الأزرق بالطائرة ,ولكن شغلتها عن ذلك المناظر الخلابة المحيطة بهما , فلم تتمكن من عتابه علي قسوته علي أليكس أو تهكمه علي بنات جنسها أمام بول ,وبدلا من ذلك نظرت إلي تعرج الشاطئ والمناظر التي غمرتها الشمس في قبرص وعبرت عن سعادتها بكل ما تري .
"سوف أجعلك من سكان الجزر اليونانية,"
قال لها ذلك وهو يبتسم ويستعد للنزول بالطائرة في نيقوسيا وكانت مهارته في الهبوط بالطائرة تضاف إلي باقي مهاراته ,فهو دائما يتفوق في كل عمل يقوم به مما جعلها تحس بالشعور مركب النقص ولاحظت انه معروف في المطار كذلك ملأ كاترين بالزهو عندما لاحظت نظرات بعض النساء تتركز علي قامته المرنة وقسماته المتغطرسة السمراء التي تشبه الصقر ,وقد زادتها الحلة البيضاء سمرة ,لرجل مثل ستيفان لا تقاومه النساء ولكنه ربما قابل إعجابهن بشيء من البرود والصد.
وشعرت كاترين بالحرية عندما هبطت في المدينة نيقوسيا برغم أنها لم تفعل شيئا سوي الانتقال من جزيرة إلي أخري وكان سجانها إذا صح التعبير مازال معها ولكن جزيرة قبرص كانت أكبر كثير من داكوليس ويميزها أن ستيفان ميدوبوليس لا يحكمها.
ووجدت كاترين في الجزيرة أشجار اللوز والتفاح محملة بالفاكهة الناضجة ورائحة الجو معبأة بأريج الزهور ورائحة الطيب هي أول انطباعات كاترين وأعمقها في نيقوسيا ’وطافت السيارة في شوارع ,بعضها واسع وبعضها ضيق ,ومنها ما يغمرها الشمس ومنها الظليلة ,أما المنازل البيضاء ,فلها شرفات حديدية تطل علي الشوارع المكتظة بالحركة ,ونوافذ فتحت مصاريعها تستقبل الهواء والشمس ,وكان بعض الناس يجالسون علي مقاعد مستقيمة علي الأرصفة وهم يطالعون الصحف أو يتحدثون وكان كله جديدا يختلف عما اعتادته ويثير إعجابها وحاولت ألا يفوتها وهي جالسة في السيارة بجانب ستيفان في طريقيهما إلي مكتبه ,وكان تعجبها من كل ما تراه قد راق ستيفان فنظر إليها وهو يبتسم لها ابتسامة جعلت نبض كاترين يسرع ليضع دقائق ,كان مكتب ستيفان نفسه اقل فخامة مما توقعت لكنه كان يبدو مريحا ورطبا إذا قيس بحرارة الجو خارجه وساعدت المروحة الكهربائية علي تلطيف الجو كما أن النوافذ التي تطل علي الشارع كانت مفتوحة كلها .
وكان أثاث المكتب قديما وقيما وجميلا كأثاث منزل جزيرة داكوليس ,جلس ستيفان خلف مكتبه الذي يماثل تماما مكتبه في الجزيرة وكانت كاترين قد قابلت عند دخولها موظفا نظر إليها بإعجاب وتحفظ وحياها بابتسامة أضاءت وجهه الوسيم الأسمر .
"سوف نوقع الأوراق أولا
ثم ضغط ستيفان علي جرس فجاء الكاتب الشاب الذي كانت كاترين قد رأته وهي داخلة إلي المكتب ,وأعطاه ستيفان بعض التعليمات السريعة باللغة اليونانية ثم ظهر بعد عدة ثوان بتأبط حزمة أوراق وضعها بعناية أمام ستيفان ,ويبدو أن كل شيء كان معدا لهذه زيارة ولم تدهش كاترين من ذلك فستيفان لا يتصرف أبدا بتسرع وخصوصا فيما يتعلق بالمعاملات الرسمية ,وشعرت كاترين أن أسهمها سوف تكون في أيد أمينة بأشراف شخص له ضمير حي مثل ستيفان .
وبقي الكاتب معهما حسب تعليمات ستيفان الذي قام من وراء مكتبه وأشار إلي كاترين أن تحل محله وتجلس علي مقعده ,وبدت الأوراق التي أمامها كالألغاز لا تفهمها أبدا إذ كتبت باللغة اليونانية ,ولم يفت ستيفان نظرتها السريعة المتسائلة ,فقال لها وقد بدت في صوته لمحة نفاذ الصبر المعتادة:
"أعرف أنك لا تقرأين اليونانية ولكن ضيق الوقت حال دون ترجمة الأوراق إلي الإنكليزية ,وسوف نعمل علي ترجمة المستندات في أقرب وقت ممكن حتي يمكنك استلامها".
" شكرا لك "
كان الامتنان يبدو عليها وهي تشكره لكنها كانت سعيدة لأنه أدرك ما دار بخلدها ,فهي لا تريد أن يظنها ساذجة تماما وجاهلة في هذه الأمور.
ومرة أخري تمتم ستيفان بعض كلمات إلي الموظف الشاب الذي خرج وعاد بصحبة كاتب الآلة الطابعة الذي كان في الغرفة الخارجية ,ثم وقعت كاترين بعد تردد لا يذكر علي الورق الذي أشار إليه ستيفان بالتوقيع وبعده وقع كل الموظف والكاتب .

هكذا تم التوقيع وأصبح كل شيء له صيغة رسمية شرعية ,وارتاحت كاترين لذلك وشكر ستيفان موظفيه باليونانية و صرفهما ,ثم التفت إلي كاترين وهو يطوي الأوراق بعناية وقال بهدوء :
"أنا سعيد لأنك تصرفت بحكمة يا كاترين".
فهزت كتفيها وقالت له:
"لا يضايقني أن تقوم أنت بالجانب الرسمي من أعمالي كما أوضحت لي السيدة ميدوبوليس ,إنني لا أتكلم اليونانية ولن أتمكن من حضور الجلسات ,وبهذه الطريقة يحصل كل واحد منا علي غرضه".
ووقف برهة طويلة لا يتكلم ,ثم حمل الأوراق وأودعها خزانة قديمة أمينة والتفت إليها ,وشعرت كاترين بالمخاوف تجتاحها ,ثم جلس علي طرف المكتب وترك قدما تتأرجح بلا اهتمام ومال نحوهما وقال:
"هل تعرفين علي ماذا وقعت يا كاترين؟"
فنظرت إليه بريبة وقالت وهي تهز شعرها الأحمر بهدوء ,وتحاول أن تبتعد عن نفسها المخاوف والريبة وقالت بصوت مبحوح:
"قل لي كل شيء ".
"وقعت تنازلك عن الأسهم لصالحي".
فنظرت إليه لحظة وعيناها الخضراوان تقدحان شررا لسذاجتها من ناحية ولخداعه من ناحية أخري وقالت له في نبرة تتم علي الاتهام :
"غررت بي! أنت تعرف جيدا أني لا اعرف اليونانية ولذلك تعمدت أن تكتب كل هذه الأوراق بلغة اجهلها حتى لا أعرف نواياك".
وكانت تحاول أن تكبح الرغبة الجامحة في ضربه ثم هبت واقفة :
"لم أغشك بل أدرك الآن أنك كنت تجهلين أن توقيعك سيكون علي تنازلك عن الأسهم ".
وكانت نبراته هادئة باردة زادت من اشتعال ضبها ,وقالت في صوت حاد غاضب:
"ظننت أني أوقع بتسليم الأسهم إليك لتديرها لحسابي .وأعتقد انك كنت علي علم تام بما تفعل ".
"وهل تعتقدين أني غررت بك عن عمد؟"
وظهرت علي وجهه نظرة باردة خطرة فملأ الخوف قلب كاترين ,ووقف ستيفان قريبا جدا منها حتي خافت أن يمد يده عقابا علي اتهامها له بالخداع والتغرير وظلت تنظر إلي هاتين اليدين الداكنتين القويتين بخوف وإعجاب ثم قالت له بصوت حاد:
"كيف تحاول أن توهمني بأنك لم تكن علي علم تام ؟أخبرت السيدة ميدوبوليس بفكرتي ووافقت أن تكون أنت وكيلا عني " "وكيل !وفي شركتي ! والدتي تعرفني جيدا ولن تتخيل أني أقبل أن أكون في هذا المركز يا كاترين فأنت لم تفهميها جيدا ".
وان في عينيه الغضب لأنها تنتظر منه أن يقوم بدور لا يتناسب ومركزه,فتملكها الحنق وأحمر وجهها وبرقت عيناها وزاد ذلك من خضرة لونهما وقالت :
"بل لم أسيء فهمها مطلقا ,السيدة ميدوبوليس قالت إذا كانت هذه هي الطريقة الوحيدة التي أوافق عليها .."
فقاطعها قائلا وقد نفذ صبره:
"لا أريد أن أسمع تقريرا عما دار بينك وبين والدتي ,من الواضح أنكما اختلفتما علي معني فأخطأ كل منكما فهم الآخر ,وهكذا أقدمت علي فعل شيء ضد رغبتك".
"والآن أريد استرداد هذه الأوراق".
قاطعها بشدة هذه المرة وقد قلصت شفتاه لغرابة طلبها وقال:
"تريدين ! إنها موقعة الآن ولابد أن تخضعي للأمر الواقع يا كاترين عن طيب خاطر".
"ليس لك الحق ,لقد خدعتني !"
فرد عليها ببرود قائلا:
" إن لي كل الحق ’ولم أخدعك".
ومد يده وضغط علي رسغها وكأنه رباط من حديد وعيناه القريبتان منها تقدحان شرارا.
"لن أقبل منك أي اتهام ثانية – هل تسمعين؟"
"دعني اذهب".
وحاولت نزع يدها من يده ولكنه أطبق بأصابعه الفولاذية فلم تتمكن من ذلك ,بل شعرت بألم في ذراعها من شدة ضغط يده عليها ثم قال بصوت صارم بارد ولكنه مستسلم خاضع وبعد لحظة أدركت السبب:
"اسكتي ! هل تظنين أني أريد موظفي مكتبي أن يعرفوا انك تتصرفين كطفل مدلل لأنك فقدت شيئا لم يكن لك الحق في امتلاكه أساسا؟"
وردت قائلة :
"وهل أنت متأكد أن السبب ليس خوفك أن يعرفوا أنك خدعتني وأخذت مني شيئا تركه والدي لي وصيته ؟ كنت تعرف تماما ما تفعله يا ستيفان ولا تحاول أن توهمني بأنك لم تكن تعلم ".
وقال لها:
" وكنت أنا أيضا متأكد من أنك تعرفين ما تفعلين ".
وكان لابد لهذا الغضب أن يهدأ .
بعد برهة شعرت أن قبضته علي يدها أخذت تخف تدريجيا ونظراته التي كانت تتفحصها يخف غضبها قليلا ,وراح يقول لها بهدوء وبنغمة كادت تصرفها بالرغم من اقتناعها بخطأه وإدانتها له:
"ولم أخدعك يا كاترين "
" ولكني لا أصدق ذلك ".
وبان في أفكارها هذه أن إدانتها قد خفت .الأمر الذي فطن له ستيفان فأضاف برقة أثارت دهشتها :
"ظننت انك وافقت علي التنازل لي عن الأسهم ولذلك كتبت الأوراق بهذا المعني .وكان علي أن أستشيرك في الأمر بعد ذلك بنفسي ولكني خفت أن تغيري رأيك."
وكانت لمسة يده علي يدها ذات تأثير أكيد علي حواسها وشعرت بحنانها وأخذ نبضها يسرع عندما بدأ بضغط برقة ونظرت إليه لحظة قبل أن تقول :
"وهل ظننت حقا أني قد أغير من رأيي بالنسبة إلي التنازل لك عن هذه الأسهم؟"
ورجعت كاترين بذاكرتها إلي الوراء يوم وافقت السيدة ميدوبوليس علي قرارها وقالت أنه خطوة علي الطريق السوي ,وتذكرت كم من السهل اتخاذ عدم إتقانها للغة الإنكليزية ذريعة لهذا الالتباس .
ورد بهدوء:
"بلا شك ,ظننت أنك قد غيرت رأيك و إلا ما جعلتك توقعين علي تلك الأوراق فأنت تظلمينني يا كاترين ".
"آسفة".
ونظرت إلي فتحة قميصه التي تكشف عن عنقه الأسمر القوي ورأت عروقها تنبض وشعرت بإبهامة يتحسس رسغها فتأثرت وراحت ترتجف بشدة حتي أنها طنت أنه لاحظ ارتجافها .
وبدت أسنانه البيضاء في ابتسامة رائعة ورفع حاجبه وقال لها بهدوء :
"هل نذهب إلي الغداء ونترك خلافاتنا جانبا؟"
"ستيفان ".
وكانت تود أن تطلب منه أن يعد لها أوراقا أخري جديدة ,ولكن قبل أن تكمل كلامها انحني نحوها وعانقها برقة نسيت بعدها ما كانت تود قوله .
وكان المطعم الذي قصداه صغيرا أنيقا ارتاحت كاترين إلي جوه الذي يبعث الألفة ,وكانت عيون رواده تنظر إليها وتتفحصها وهي في صحبته ,ومن الواضح أن ستيفان كان معروفا للجميع هناك ,ولكن القلة منهم جاءت للتحدث معه ,ولا شك أن عائلة ميدوبوليس كانت معروفة في كل الجزيرة يحيي أفرادها بكل احترام.
واختار ستيفان مائدة خلف سور حديدي قصير ترتفع درجتي سلم عن باقي المطعم ,وكان يريد أن يكون بعيدا عن باقي رواد وهي عادة يتبعها كلما تناول طعامه في الخارج .وكانت جدران المطعم بيضاء كغيرها من أبنية تلك الجزيرة المشمسة ,وكانت نوافذه الصغيرة تفتح علي مناظر أشجار التين والتفاح ولاحت المنازل علي بعد تليها التلال التي تكسوها الأشجار .
وتركت كاترين اختيار طعامهما إلي ستيفان مما اتاح له فقد كان يتضايق عندما تتولي اختيار الأصناف لنفسها , وعندما تركهما الخادم لإحضار الطعام سألت كاترين ستيفان عن الأصناف التي طلبها فرد عليها يقول:
"مازة هل تعرفين ماهي ؟".
فهزت رأسها بالنفي وأثارت ابتسامته شكوكها فسألته:
"هل طلبت طعاما لا يروق لي يا ستيفان ؟"
فرفع حاجبه وهو يصب الشراب الذي أحضره لهما صاحب المطعم توا ثم ابتسم وقال :
"ألاحظ دائما في البيت انك تستسيغين كل الأطعمة التي تقدم لك".
والواقع أن كلمة في البيت أعطتها شعورا بالأمان لكنها شعرت بالاحمرار يكسو وجهها فهو يراقبها ويلاحظ شهيتها المفتوحة وإقبالها علي الطعام فقالت :
"يجب ألا أكل بهذا النهم ولكن الأصناف التي تقدم عندكم لذيذة الطعم وكثيرة فلا أستطيع أن أقاومها لأني أحب تجربة كل صنف منها".
تأملها ستيفان لحظات وقال لها وهو يبتسم تلك الابتسامة الهادئة التي تلهب دمائها دائما :
"لا تخشي الطعام فأنت لا تزالين رشيقة ولا أري أي تغيير في قوامك".
وخجلت كاترين من نظراته التي كانت تتفحصها لكنها قالت وهي تكور يديها كعادتها دائما كلما تأثرت حواسها بقربه ثم ضحكت بارتباك:
"أن مسألة الطعام لم تشكل لي قلقا أبدا وذلك لحسن حظي "
أجابها بجدية وعيناه تراقبانها وهو يحتسي الشراب :
"نعم إنك محظوظة جدا وإنك فتاة جميلة جدا يا كاترين ".
وظل يحدق فيها بعينيه السوداوين :
"شكرا لك"
لم تجد ما تقوله أكثر من ذلك ولم تضحك بخجل مثل التلميذة الصغيرة أو تتجاهل المجاملة كأنها إطراء زائد فكلاهما لا يرضي ستيفان عنهما ولكنه يفهم ويقدر قبولها الهاديء لمجاملته وعاد يقول :
"أنت جميلة لدرجة الخطورة ,أعتقد ذلك"
نظرت إليه متسائلة عما يقصده ؟وقالت:
"ستيفان إنني ...."
ولكنه رفع يده وأسكتها بإشارة منها وقال وقد بدا جادا:
"نيكولاس يجدك جذابة جدا".
وعجبت كاترين كيف ينتقل كلامهما من موضوع خفيف مثل شهيتها ونهمها في الطعام إلي موضوع أكثر جدية تختلف فيه نبرات ستيفان في الكلام وتلاحقت دقات قلبها إذا سوف يأمرها ستيفان بمغادرة الجزيرة لأنه يجد وجودها عاملا لهدم مشروع زواج نيكولاس ولكنها الآن لن تتقبل أمر"
هذا بالبساطة التي كان يمكن أن تتقبله بها منذ عدة أسابيع .فردت عليه قائلة:
"أحاول عدم تشجيعه دائما وخصوصا عندما تكون أثينا بيدربولويس هناك, ولا أدري ما الذي أستطيع فعله يا ستيفان "
لم يرد عليها فورا بل راح يعبث بالكأس في يده وقال لها بهدوء :
" ربما أستطيع أنا أن أفعل شيئا".
وطرفت كاترين بعينها لحطة ونظرت إليه علي غير عادته وأخيرا قالت:
"أنني لا أفهمك".
فابتسم ابتسامة هادئة انعكست في عينيه السوداوين عندما نظر إليها أخيرا وقال برقة:
"ستفهمين قريبا يا صغيرتي .والآن تمتعي بالمازة".
وكانت كاترين تود أن يغير الموضوع كله فقالت له:
"ماهي المازة ؟" "أنها طعام مكون من أريع أصناف ستعجبك كثيرا".
وضحك فأضاء الضحك وجهه الأسمر عندما صف الخادم أطباق الطعام أمامهما وجدت كاترين المآكل يحتوي علي أصناف من الجبن وورق العنب المحشو واللحوم وخصوصا لحم لحم الضأن المتبل بالليمون والثوم والسونلاكي وهو الكباب حسب طريقة اليونانية واستمتعت كاترين بالطعام فلم تستطع ان تتناول المزيد من الحلوي اللذيذة بل ختمت بالفاكهة الطازجة وتخلل المأدبة احتساء نوع من الشراب الأبيض المصنوع محليا يسمي افروديت وخيل إليها أنه لم يحدث في حياتها أن التهمت مثل هذه الكمية الضخمة من الطعام .
ثم قالت كاترين:
"أخجل من نفسي ..."
وضحكت برقة عندما أخذ يهز رأسه:
"ولماذا؟ ألم يرق لك الطعام؟"
فلمست كاترين رأسها وقالت:
"كان رائعا وقد أفرطت قليلا في الشراب فقد راق لي كباقي الطعام , كل شيء كان رائعا."
"ولكنك لا تحبين القهوة ؟"
ولم يكن في الواقع سؤالا بقدر ما كان ذكر حقيقة وتعجبت كاترين كيف لاحظ ستيفان أنها لا تستسيغ القهوة التركية وترفضها عند تقديمها في منزله فقالت له وهي تبتسم :
"أحب القهوة أحيانا ولكن ليس علي الطريقة اليونانية ".
"لاحظت ذلك ."
ونظرت إليه كاترين من بين أهدابها الكثيفة ووسوس لها شيطانها ثانية كما فعل من قبل أن تداعبه حتي ولو فقدت في سبيل هذه المداعبة هدنتها الراهنة فقالت وهي تبتسم :
"وهل تلاحظ كل شيء ؟"
فلم يقل شيئا وظل صامتا برهة طويلة ثم رفع كأسه إلي شفتيه وراح يتفحصها وهو ينظر إليها بعينين سوداوين عميقتين لا قاع لهما ... ووضع كأسه علي المائدة وقال بهدوء :
"ألاحظ معظم الأشياء ,فلك موهبة يجذب النظر إليك يا كاترين وجلست علي مائدتي مدة تقرب من الشهر الآن فكيف يفوتني ملاحظة ما تحبين وما تكرهين ؟"
وشعرت بقلبها يخفق قلبها بشدة وتمنت لو أنها لم تكن متهورة هكذا وخيل إليها أن هناك شيئا يدور بخلده وهو متردد في التصريح به و تسألت ما إذا كان هذا الشيء يتعلق بها ونيكولاس وقد سبق أن أحاول فتح ذلك الموضوع بالذات ولكنه أغفله عندما بدأ طعامهما ... ولم تكن ترغب في إثارة الموضوع مرة أخري .
فقالت وهي تأخذ كأسها عن المائدة :
"أين نذهب الآن؟"
وهز ستيفان رأسه وقال :
"أقترح الذهاب إلي الشاطيء حيث الجو منعش ,ولكن نمر أولا بصديق لي في الجبل لننهي مسألة حصاني بول و الكساندر ,الجو هناك سيكون ألطف كثيرا من هنا".
ومالت كاترين برأسها وبرقت عيناها الخضراوان بابتسامة حلوة وشعرت بأنها مستعدة لنذهب معه إلي مكان ولم يكن هذا الشعور نتيجة أفرطها بعض الشيء في الشراب .
وقالت لسيفان :
"رغبتك أمر".
وابتسم لها ستيفان ومرة أخري تألقت عيناه السوداوان العميقتان اللتان استقرتا علي فمها وقال هامسا:
"لم يحن الوقت بعد يا حبيبتي ... لم يحن الوقت بعد."

 
 

 

عرض البوم صور ..مــايــا..   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
اصابع القمر, ريبيكا ستراتون, روايات مترجمة, روايات رومانسية, روايات رومانسية مترجمة, روايات عبير, روايات عبير المكتوبة, rebecca stratton, عبير, عبير القديمة, yellow moon
facebook




جديد مواضيع قسم روايات عبير المكتوبة
أدوات الموضوع
مشاهدة صفحة طباعة الموضوع مشاهدة صفحة طباعة الموضوع
تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة



الساعة الآن 02:40 PM.


 



Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية