- هناك امور اود مصارحتك بها .
- اعرف انك كنت بصحبة راسل مساء السبت الماضي يا كليو .
علاقتي به استقرت في جوف النسيان .
- احمد الله على ذلك , فراسل لا يستحقك . عرفني يومها بفتاة اسمها جيني .
ابتسمت دينا : ( اراد ان يثير غيرة جيني , بوجوده مع كليو . مسكين ) .
رجتها كليو :
- عودي الي يا دينا بعد انتهائك من شراء حاجياتك . هناك سؤال يتردد في خاطري باحثا عن جواب .
استجابت دينا للرجاء , فسألتها كليو :
- هل صارحك المدير بمكنونات قلبه ؟
فهمت دينا ما عنته كليو بسؤالها , فأكدت لها :
- علاقتي بالمدير لا تتعدى الصداقة , وهو ليس سبب انهاء ارتباطاتي براسل .
- لا اصدق ما تقولين . اخبريني ... هل وصلتك الاشاعات المغرضة ؟ لا تعيري انتباها لما تسمعينه يا دينا , ارجوك . ان السيد انطوني رجل شهم وكريم , اما سكرتيرته السابقة ايلويز هاربر ف ... استغفر الله العظيم دائما .
- اخبريني يا كليو , هل انتشلها من مأزقها لأنها موظفة في الشركة فقط ؟
- نعم , سا عدها , ونسي المثل القائل : اتق شر من احسنت اليه.
- اشكرك على تزويدي بالمعلومات . الى اللقاء .
دعاها انطوني بعد ذلك لمشاهدة فيلم سينمائي . فرفضت الدعوة قائلة :
- آسفة . علي التفرغ لخالتي كيت في اليومين المقبلين .
- اليست مواعيدك مع السيد ميلغروف هي سبب اعتذارك ؟
- ابدا ... صدقني .
اتسمت نبرات انطوني بالجدية وهو يقول لدينا مساء يوم الاثنين :
- ايحق لي ارهاقك بساعات عمل اضافية , قبل يومين من رحلتنا الى مدينة كرايست تشيرش يا آنسة بريتشارد ؟
- ان طلبي للعمل هو من ابسط حقوقك علي يا سيدي, اما اذا كنت تعتقد انني لن استطيع تحمل اعباء الرحلة ومسؤولياتها , فاختر غيري .
- لا تحولي العمل الى مرآة تعكس مشاكلك مع السيد ميلغروف .
- ومن قال لك انني اعاني من راسل ووالدته ؟ اننا ولله الحمد على احسن حال .
- اقبلي تهاني الحارة اذا . سأكون في مستودعات التخزين , اذا دعت الحاجة الي .
جلست دينا في ذلك اليوم تتناول غداءها على مائدة واحدة مع المسؤول عن مستودعات التخزين فصارحها :
- اعتقد ان السيد انطوني متوتر الأعصاب في هذه الفترة , فقد وبخ عمال المستودعات اليوم لأتفه الأسباب .
- لا شك انه متعب .
بقي انطوني مورغان عصبي المزاج طوال يومين , لكنه عاد للتحكم بدقه مزاجه مساء يوم الثلثاء اذ قال لها :
- سأوصلك الى البيت يا دينا .
- اشكرك . طلبت ذلك من احد الزملاء . ستكون رحلتنا طويلة وشاقة في الغد .
- نعم . وسترافقنا الآنسة موريسون ايضا . يبدو عليك الهزال . ارجوا ان تعود الرحلة عليك بالصحة والعافية .
- اشكرك على اهتمامك يا سيدي .
- سأمر بك يا آنسة بريتشارد في التاسعة من صباح الغد , ثم بالسيدة بيتسون , واخيرا بالآنسة موريسون . ماذا بك يا دينا ؟
معاناتك واضحة . لكن مما تعانين ؟
- لا اريد ان اثقل كاهلك بمشاكلي دائما ياسيد انطوني .
- نادني انطوني , ارجوك . هل ازعجتك السيدة ميلغروف بتصرفاتها مؤخرا ؟
- لا ابدا . كانت ستقيم حفل عشاء لتعرفني الى اصدقائها في عطلة هذا الأسبوع .
- وما الذي اعاد الأمور بينكما الى نصابها ؟
- باركت خطواتي مع راسل , بعدما تفحصت جذوري العائلية والأخلاقية .
- اهنئك , واتمنى لك حياة سعيدة .
- اشكرك .
- ارجوا ان يحقق هذا الزواج آمالك واحلامك .
- ان الزواج ليس جنة نعيم دائم , لذلك لا يسعني الا طلب التوفيق من الله .
- كان الله معك يا آنسة بريتشارد , فراسل يحتاج الى فتاة مثلك , تصلح اعوجاج طريق حياته . تصبحين على خير .
تأخر انطوني بالوصول في صباح اليوم التالي , وعندما مر ببيت دينا , كانت السيدة بيتسون تحتل المقعد الى جانبه .
حين تقدم نحو دينا تصاعد انين قلبها : ( انطوني ... حبيبي ... اتراك تسمع آهات قلبي ؟ اتراك تحس بعذابي ؟) .
حيا انطوني الخالة كيت قائلا :
- ارجوا ان تقبلي دعوة والدتي لشرب قدح من الشاي معها . في الثالثة من بعد ظهر اليوم يا سيدتي .
- بكل سرور يا بني . سأوافيها في الموعد المحدد بإذن الله . مع السلامة .
- فتح انطوني باب السيارة الخلفي لدينا قائلا :
- بقاء السيدة بيتسون في المقعد الأمامي ضروري , لئلا تصاب بالدوار .
حجب الألم عن دينا نعمة الاستمتاع بمناظر الطبيعة , والمدن الصغيرة الحلوة التي تناثرت هنا وهناك . لكن حناياها بقيت تردد :
( الحب طارق بلا استئذان . الحب طارق بلا استئذان ) .
انذرتهم الغيوم التي كست السماء بردائها الرمادي , بقرب هبوب العاصفة . فاقترحت عليهم السيدة بيتسون قضاء الليل في بيت صغير تملكه , قريب من المدينة التي ينوون زيارتها . لكن انطوني قال معتذرا :
- اشكرك يا سيدة بيتسون , افضل متابعة الرحلة , وسيكون كل شيء على ما يرام ان شاء الله بمساعدة الآنسة بريتشارد .
تابعا رحلتهما , بعد ان اطمأن انطوني على احوال السيدتين في البيت الصغير . كانت السماء تلك الليلة تغني
بأمطارها للأرض اغنية حب خالدة , فحلقت دينا في افق الخيال , وسماء الأحلام , حتى اصطدمت سيارتهما فجأة بصخرة كبيرة اسقطتها السيول من عل , فتربعت في منتصف الطريق . حاول انطوني تخفيف الصدمة فانحرف بالسيارة عن مسارها , فتدهورت في خندق جانبي .
عاد الهدوء يغمر كل شيء بعد قليل من الحادث , وسمعت دينا انطوني يسألها مذعورا :
- دينا عزيزتي هل اصبت بسوء ؟
كانت الرجفة تسري في اوصالها وهي تقول :
- اطمئن . اطمئن يا انطوني انني بخير . ما هذا ؟ الدماء تسيل من رسغك .
- انه جرح بسيط . لا تقلقي . من الأفضل لنا ان نخرج من السيارة . اصبح الخروج من جهتي مستحيلا . ماذا عن جهتك؟ انفتح باب دينا بعد جهد , واستسلم الاثنان لجنون العاصفة , وهما يبتعدان السيارة المهشمة رويدا رويدا .
كان زئير العاصفة يصم الآذان , فرفع انطوني صوته قائلا :
- علينا الاتصال بالشرطة لاخبارهم بالحادث , ولكن انى لنا بجهاز هاتف ؟
لاحت لهما من بعيد انوار كوخ ريفي تشامخ على قمة الهضبة , فأملت دينا خيرا , وقال انطوني :
- قد نجد جهازا للهاتف في ذلك البيت . هيا بنا .
- احست دينا بالدم يسير حارا من جرح انطوني :
- مازال جرحك ينزف .
- لا تقلقي يا دينا , انه جرح بسيط . انظري . علينا ان نجتاز ذلك الجسر الخشبي قبل الوصول الى البيت .
- كأني به على وشك الانهيار .
- فلنتقدم .
احس انطوني بالجسر ينهار , فقفز الى الطرف الآخر مع دينا , التي صرخت فزعة عندما شعرت بنفسها قاب قوسين او ادنى من الموت . بقي انطوني ممسكا بها وجذبها معه , وعندما اطمئن على سلامتها قال بلهفة :
- دينا يا حبيبتي , احمد الله على نجاتك .
عجز لسانها عن النطق بكلمة , فأشارت الى البيت قائلة :
- من الصعب علينا الوصول الى البيت يا انطوني , فهو بعيد , وعلى مرتفع .
- علينا ان نحاول الوصول اليه يا عزيزتي . هيا بنا . اراك مرتبكة الخطوات . ماذا بك ؟
- عندما انهار الجسر , فقدت حذائي , لا تخف .
لف انطوني قدم دينا بمنديله وهو يقول :
- سيقيك هذا المنديل من الجروح اثناء السير .
كانت ابواب البيت مقفلة , الا بابا جانبيا دخلا منه , واسرع انطوني الى الهاتف ليبلغ رجال الشرطة بالحادث , واوكلهم باخبار الأهل بانهما بخير . بحث بعد ذلك بمساعدة عاملة الهاتف عن مكان وجود صاحب البيت , واتصل به ليخبره بما حدث . فهنأهما بالسلامة
وطلبت منهما زوجته اعتبار نفسيهما في بيتهما .
بعد الاستحمام ومعالجة الجروح . وتناول وجبة خفيفة , قال انطوني:
- اذا تجرأ راسل على الاحتجاج في الغد فسأتدبر امره .
- لن يحرك راسل ساكنا , فاطمئن .
- ثقتك به كبيرة .
لامست ذراعه قائلة :
- لكن ثقتي بك اكبر يا انطوني . حمدا لله على سلامتك . وتصبح على خير .
نامت يدها بين يديه وهو يقول :
- وانت بألف خير يا عزيزتي . اشكرك على ثقتك .
اشرقت ابتسامة الشمس دافئة على وجه السماء في صباح اليوم التالي , وغصت الطريق برجال الشرطة الذين جاؤوا لسحب السيارة المهشمة , بينما كان الصحافيون يتساءلون عن تفاصيل الحادث .
وصلت الخالة كيت ودمع العين يسبقها :
- احمد الله على سلامتكما .
سأل انطوني :
- لماذا لم يأت راسل حتى الآن يا دينا ؟
- ربما لم يسمع بالحادث بعد .
- اغبطه على ثقتك به .
شرب الجميع الشاي في منزل الخالة كيت , قبل ان يتابعوا طريقهم الى المزرعة .
وفي الساعة الحادية عشرة من مساء ذلك اليوم , اتصلت ميغان :
- احمد الله على سلامتك يا دينا . كيف حال انطوني ؟
- كلنا بخير والحمد لله , شكرا لك .
- حاولت الاتصال بالبيت بمجرد سماعي بالنبأ , لكن محاولاتي باءت بالاخفاق , فتركت ايفان مع الأولاد . واتيت لأطمئن بنفسي . لكن حادثاوقع لسيارتين على الطريق , اجبرني على التأخر .
- اين انت الآن يا ميغان ؟
- في مكان قريب من بيتكم .
- لماذا لاتمضين الليلة معنا , وتتابعين رحلتك الى المزرعة غدا صباحا ؟
- الوقت متأخر لفعل أي شيء آخر , اشكرك على دعوتك , سآتي في الحال .
تربعت شمس يوم جديد وضاءة في كبد السماء , واستيقظت ميغان على صوت الخالة كيت ودينا :
- صباح الخير يا ميغان , جئناك بالفطور .
شكرتهما ميغان وتناولت فطورها قبل ان تستحم , ثم شربت قدحا من الشاي , واستعدت للانطلاق بعد يأسها من اقناع كيت ودينا بمرافقتها . سألتها دينا قبل ان ترحل :
- لماذا اساء انطوني التصرف مع راسل في الماضي يا ميغان ؟
- التقط راسل في ذلك اليوم ضفدعا , وراح يعذبه باسم التسلية , وعندما رأى انطوني ذلك اطلق سراح الضفدع , والقى براسل في البحيرة . قد نكون اخطأنا , لكن راسل لا يعرف معنى الرفق بالحيوان .
اكدت دينا :
هذا صحيح , كان الله معك في حلك وترحالك يا ميغان . مع السلامة .
12- ... وتنكشف الحقيقة على حدثين كبيرين : براءة انطوني مورغان من الشائعات , وكلمتين عميقتين قالهما انطوني ودينا : احبك ... احبك .
نشرت الصحف خبر الحادث , فاهتم الموظفون طوال يومين بمعرفة التفاصيل .
سأل انطوني دينا :
- ماذا كان تعليق راسل على الحادث ؟
- ترك الأمور بلا تعليق . ماذا تريدني ان افعل بهذه الرسومات يا سيد انطوني ؟
- سلميها الى الموظف المختص , انه يعمل على تنظيم احدى الواجهات .
- كانت كليو تتكلم على الهاتف عندما مرت بها دينا :
- هناك مكالمة خارجية للسيد كلادستون , ناديه من فضلك .
اخبرت دينا السيد كلادستون بالمكالمة الخارجية , فانزعج وقال :
- في اضيق الأوقات اتانا عزيز كتابكم . ارجوا منك الوقوف مكاني , لتثبيت قطعة القماش , حتى اعود يا آنسة بريتشارد .
احتلت مكانه لحظات , سمعت خلالها امرأة شقراء الشعر تقول لرجل معها :
- ما زلت افضل القيام بالمحاولة خارج اوقات الدوام .
- اما انا فأفضلها بوجود الموظفين , لأن ذلك يضعفه .
فكرت دينا : ( من هو هذا المسكين الذي سيثيرون زوبعة من المشاكل في افق حياته يا ترى ؟ ها قد عاد السيد كلادستون . سأبحث عنهما بنفسي ... لم اجد احدا ... ماذا افعل ؟ سأبلغ السيد انطوني في الحال ) .
سمعت اصواتا في مكتب انطوني , فترددت في الدخول . تسربل صوته غاضبا وهو يقول :
- كان علي ان امنع دخولك , او اطلب من سكرتيرتي تسجيل ما سيدور بيننا من حديث يا ايلويز .
صعقت دينا : ( ان سكرتيرة انطوني السابقة في مكتبه , يجب ان انقذه من براثنها بكتابة ما يقال على الورق , سأسجله على شريط ايضا . هاهي الآلة امامي ) .
ضحكت ايلويز قائلة :
- يالك من جبان , ان اعطائي بعض المال سينقذك من المشاكل . فلم الرفض ؟
- لأنني اكره المبتزين , وامقت محاولات الابتزاز .
- اعطني الفين من الجنيهات, وسأختفي من حياتك الى الأبد .
اما اذا رفضت , سأثبت شائعة فضيحتي بين الناس , واتركهم يشوهون سمعتك .
فكرت دينا في استدعاء بعض الموظفين ليكونوا شهودا على ما يقال, فأتت بالسيد ويلسون المحاسب , مع ضيفه رجل المباحث , وجارة انطوني ايريني كاهيكا . ثم عادت الى تدوين ما يقال :
هدد انطوني ايلويز :
- ان الابتزاز جريمة يعاقب عليها القانون , ولن ادعك تهربين من قبضة العدالة هذه المرة .
- سيصدقني الناس ويكذبونك يا انطوني , خصوصا بعد قضائك عطلة الأسبوع في كوخ صغير مع سكرتيرتك الجديدة .
- اياك ان تحاولي تلويث اسمها . انها على خلق رفيع , وانا احترمها .
- ان دفاعك عنها يثبت حبك لها .
- نعم , انني احبها ... احبها .
- عظيم ... سيساعدني هذا على تنفيذ ما عزمت عليه .
- صدق من قال : ( ان انت اكرمت اللئيم تمردا ) . سأتصل بالشرطة لتمنعك من نفث سمومك بين الناس .
دخل رجل المباحث في تلك اللحظة قائلا :
- الشرطة هنا , وفي خدمتك يا سيد انطوني . قامت سكرتيرتك بتدوين ما حدث وتسجيله . وفي استطاعتك اعتبارنا شهودا . انت رجل محظوظ يا سيدي .
اغمي على ايلويز , وطغت الفرحة على الجميع . لكن دينا ذكرت رجل المباحث بضرورة القبض على زوج ايلويز ايضا . ورافقته لمساعدته في التعرف عليه .
خرج رجل المباحث مع دينا من المكتب , فقال المحاسب لأنطوني :
- تحطيمك طوق الشائعات يستحق احتفالا كبيرا .
- معك حق كدت افقد الأمل في اثبات براءتي , لكن لاتقل ضاع الرجاء , ان للباطل جولة ...
تعرفت دينا على زوج ايلويز , وتم القبض عليهما , وذهب الجميع معهما للمخفر للادلاء بشهاداتهم . وعندما تمت الاجراءات القانونية , طلبت دينا من الموجودين تركها وحدها مع انطوني , فكان لها ما ارادت .
خاطبها انطوني :
- اعتقد انك سمعت وسجلت اعترافي بحبك , ولكن لا تدعي ذلك يؤثر على حياتك مع راسل . اتمنى لكما السعادة والهناء الدائمين . انني نادم على ما فعلته اليوم بالزوجين . كان علي تهديدهما فقط .
- لكن تسليمهما للشرطة هو وسيلتك الوحيدة لتنقية سمعتك من الشوائب التي قد تؤثر على اولادنا في المستقبل .
- لم يصدق انطوني ما سمعته اذناه , لكن دينا اردفت قائلة :
- خرج راسل من حياتي قبل اسبوعين . او يكفي اعترافي لك بأنني احبك حبا جما ...
ضمها اليه فرحا , وقال بلهفة :
- دينا حبيبتي ... يا كل الحاضر والماضي ... ياعمر العمر .
اغرورقت عيناها بالدموع , بينما كانت كل ذرة من كيانها تردد :
- ما اضيع اليوم الذي مر بي
من غير ان اهوى وان اعشق .
(تمت )
( اتمنى تعجبكم )