كاتب الموضوع :
اماريج
المنتدى :
روايات عبير المكتوبة
9-العسل يذوب الليلة
الفصل الاخير
.........................................
انفجرت الآنسة فرايزر باكية في حين كان جايك يضع مرفقه على مكتبه الخشبي ويسنده رأسه الى يده مفكرا.
وبعد تأمل الفتاة بانزعاج هادئ تنهد بضجر وتململ قائلا:
" لا بأس يا آنسة فرايزر, لا بأس. سنعيد الكرة مرة آخرى. هل وصلت الى موضوع التحاليل الكيميائية؟ "
هزت برأسها علامة الايجاب فتابع حديثه بهدوء:
" عظيم لنبدأ اذن من هذا الموضوع "
تفحص الأوراق الموجودة أمامه وعاد يملي عليها بتمهل نص مذكرة هامة يريد ارسالها ذلك اليوم.
سكرتيرته ليندا هولند كانت غائبة واضطر بالتالي استدعاء سكرتيرة مساعدة.
ومع أن شيلا فرايزر موظفة قديرة وذات مؤهلات جيدة الا أنها ليست بمقدرة ليندا.
ولسوء حظها كان جايك يريد أنهاء عمله ومغادرة مكتبه على عجل وبالتالي لم يكن قادرا على تحمل الأخطاء المتكررة.
كان يكرر الجملة القصيرة عدة مرات وأسماء المواد الكيميائية بصبر وأناة.
ولكنه تضايق كثيرا في احدى الفترات وصرخ بها مؤنبا ومتبرما فانهمرت الدموع غزيرة من عينيها.
عندما انهى جملته الأخيرة أزاح أوراقه بعصبية قائلا لها:
" دعي السيد ماينوارينغ يوقع المذكرة ويرسلها قبل الظهر. ستكونين قادرة على قراءة اختزالك, أليس كذلك؟ "
وقفت شيلا فرايزر حزينة مستاءة وأجابته بصوت خافت:
" أعتقد...أعتقد ذلك يا سيد هوارد. هل هذا كل شئ يا سيدي؟ "
كان شارد الذهن ويفكر بأمور أخرى.
وفجأة انتبه لنفسه وقال:
" ماذا؟ أوه, أوه! نعم, نعم هذا كل شئ. يؤسفني أنني اسأت
اليك "
ابتسمت الشابة بارتياح ظاهر وقالت:
" لا بأس يا سيد هوارد. شكرا "
هز جايك رأسه واخذ يراقبها الى أن خرجت من الباب المؤدي الى غرفة سكرتيرته واغلقت الباب وراءها.
ثم نهض فجأة وتوجه الى نافذة مكتبه الفسيح التي تطل على احدى الساحات العامة في المدينة.
استداربعد قليل وراح يتأمل ذلك المكتب الفخم بشئ من الانقباض والأنزعاج.
مساحة كبيرة وأنارة مدروسة, سجاد أزرق داكن وأثاث من خشب الماهوغاني المحفور, وأجهزة اتصال سلكية ولا سلكية من أحدث ما توصل اليه العلم.
انه ذروة ما يجب أن يكون عليه مكتب كبار رجال الأعمال في العالم. وكان جايك يفخر بهذا المكتب ويعتز به.
أما اليوم فما من شئ يسره أو يفرحه. أنه متضايق جدا جسديا ومعنويا...أوجاع رأسه الحادة ليست نتيجة للساعات الطويلة التي امضاها مستيقظا ليلة أمس ولكن لشعوره بأن ثمة شيئا يريده وبدا انه ليس في متناول يده.
السلطة, القوة, المركز, النجاح, المال...كلها كانت اهدافا سعى اليها. وحصل عليها الا هذا الشئ!
شتم بصوت عالي والقى بنفسه مجددا على كرسيه متأثرا ومنفعلا. اغمض عينيه بقوة محاولا طرد الصور والتأملات التي كانت تضج في رأسه ومخيلته... ولكن دون جدوى.
جايك هوارد الذي كان يعتز دائما بانه قادر على مواجهة أي انسان ومعالجة أي مشكلة جعل من زواجه قضية متشعبة لا يمكن تحليلها أو حلها.
حاول أن يفهم لماذا لم يدرك أبدا ما كان يحدث له ومعه الا عند فوات الآوان! عندما عاد من الولايات المتحدة ووجد أن هيلين كانت تسهر مع كيث مانرينغ غضب وثار.
ولكنه اعتقد أن الأمر أقتصر على ذلك وأن القضية لم تكن أكثر من شعور بالغضب.
لم يحلم أبدا أن مسألة كتلك كان يمكن أن تشكل منطلقا لعذابه المؤلم الذي يسميه الناس غيرة.
ولكن الأمر ازداد وضوحا مع مرور الأيام والأسابيع وتأكد له أن حياته كلها تهزها تلك القوة البدائية المسماة غيره. كان يرفض تلك الفكرة كليا آنذاك.
ولكن لماذا؟ كان يتصور دائما أن هيلين متحفظة وباردة وغير مبالية للنواحي الأخرى للزواج. ولكن مشاعره هو بدأت تتحول تدريجيا وبطريقة تتعارض تقريبا مع رغبته وارادته.
بدأ يلاحظ انه يراقبها, يريدها, يحتاج اليها. وازدادت تلك المشاعر الى درجة لم يعد يتمكن معها من التصرف بطريقة عقلية ومنطقية.
غير أن هذا كله لا يبرر تصرفاته. ما من شئ يبرر مثل هذه التصرفات.
في العطلة الاسبوعية انفجر كل شئ ووجد نفسه في وضع لا يمكن التخلص منه.
اعماله وتصرفاته قطعت الخيط الرفيع والضعيف الذي كان يربط أي علاقة يمكن المحافظة عليها.
ولما تذكر اللوم والتوبيخ اللذين شاهدهما صباح الأمس في عينيها تجدد احتقاره لنفسه وندمه لتصرفاته.
اغرق وجهه بين يديه انفعالا عندما تذكر خوفها ليلة أول أمس. أي كابوس مرعب كان ذلك الذي جعلها تصرخ أثناء نومها؟ لاشك أنه كان الوحش الذي ارعبها وأفزعها!
ومما هو أسوأ من ذلك كله انه لم يكن قادرا على البقاء حتى عندما توسلت اليه خائفة ومذعورة.
كان يعرف تماما انه لم يعد يثق بنفسه بعد الآن عندما تكون هي صاحبة العلاقة.
|