كاتب الموضوع :
اماريج
المنتدى :
روايات عبير المكتوبة
1_مراة الذاكرة
.......................
كان القطار السريع يقترب من محطة كينغز كروس في لندن تحيط به على الجانبين ابنية سكنية عالية ليست محببة ابدا الى قلوب مخططي المدينة وضواحيها.
كانت ناطحات السحاب الشاهقة الارتفاع اكثر توافقا مع متطلبات العصر الحديث وبالتالي اكثر ازعاجا لمشاعر الذين خططوا في الماضي لكي لا يرتفع اي مبنى في عاصمة الضباب او ضواحيها عن طابقين او ثلاثة.
رفع جايك هوارد نظره عن الاوراق المبعثرة امامه ولاحظ باستغراب انه لم يشعر بانقضاء ساعتين ونصف الساعة تقريبا على مغادرته يورك.
كم اصبح التنقل سهلا هذه الايام! كان بامكانه طبعا ان يستقل الطائرة من يورك الى لندن ولكنه يفضل القطار السريع لانه يستمتع كثيرا بالرحلة والسبب الاهم لذلك ان رحلة القطار تذكره بأيام شبابه وبانطباعته الاولى عن المدن الكبيرة وبأنه كان شابا طري العود لم يختبر الحياة ويجربها.
نقر احد مضيفي القطار باصبعه على باب مقصورته الخاصة وحياه بتهذيب وعندما اشار اليه جايك بالدخول فتح المضيف الباب وقال بأدب:
" ربع ساعة فقط يا سيد هوارد ونصل الى كينغز كروس. هل هناك اي شئ اخر تحتاجه يا سيدي؟ هل احضر لك شرابا اخر مثلا؟ "
هز جايك برأسه وتناول من جيبه ورقة الخمس جنيهات وقال للمضيف وهو يعطيه اياها:
" لا شئ شكرا. ولكن يمكنك تأمين ارسال حقائبي الى السيارة لدى وصولنا "
" طبعا يا سيدي. ارجو ان تكون استمتعت بهذه الرحلة "
استوى في مقعده وقال بعظمة مفتعلة:
" الى حد ما شكرا "
ابتسم المضيف بتهذيب واحنى رأسه مودعا ثم غادر المقصورة. اما جايك فقد بدأ بجمع اوراقه المبعثرة على الطاولة امامه ويضعها في حقيبته.
وكان خلال هذه الرحلة من يورك الى لندن يقيم ويدرس صفقة هافيلاند التي عقدها في الاونة الاخيرة وشعر جايك من خلال تقييمه بأنه واثق من عدم وجود عثرات او عوائق مفاجئة.
فشركة هافيلاند للكيماويات ستصبح قريبا جزءا من مؤسسة هوارد العملاقة.
انهى جمع اوراقه وتوضيبها في الحقيبة واشعل سيكارا فخما واخذ يقارن بين الفرق الشاسع بين الطقس الحار في الساحل الغربي للولايات المتحدة والطقس البارد في انجلترا وابتسم جايك قائلا في نفسه انه حقا برنامج غريب وفريد للعودة من كاليفورنيا الى لندن عبر غلاسكو في سكتلندا ومحطة السكة الحديدية في يورك.
ولكن هذا هوخط سيره المعتاد فهودائما يمضي الليلة الاولى لعودته الى انجلترا مع امه التي تقيم في سلبي بمقاطعة يوركشاير ولذلك كان يستقل الطائرة من لوس انجلوس في كليفورنيا الى مطار بريستويك في غلاسكو ومن هناك يتجه جنوبا.
وتحولت افكاره الى لندن والى اللحظات المزعجة التي يمضيها بين الانتقال في القطار الى سيارته الفخمة التي يقودها سائقه الخاص.
وكذلك الى وصوله في نهاية الامر الى منزله الرائع في حي بلغرافيا الراقي والى.....هيلين زوجته. . .
برقت عيناه عندما فكر بهيلين من المؤكد انها استلمت الورود الحمراء التي ارسلها اليها من غلاسكو ومن دون شك ستكون مستعدة لاستقباله والترحيب به.
وتذكر بسرور تلك الامسيات الرائعة التي كان يمضيها مع زوجته بعد كل رحلة الى الخارج وكيف يمتعها ويبهجها طوال السهرة بأخبار تلك الرحلة وتفاصيلها ووعد نفسه بليلة مماثلة تصغي فيها هيلين الى انباء رحلته الاخيرة.
هيلين دائما تصغي, وشعر جايك مرة اخرى بالاستغراب والحيره ذاتهما اللذين شعر بهما قبل ثلاث سنوات عندما قبلت عرضه للزواج منه.
ولكنه بعد ذلك بفترة قصيرة بدأ يحتقرها ويزدريها. هورجل كافح وجاهد طوال حياته لتحقيق النجاح.
والده كان حائكا صاحب دخل متواضع فاضطر للعمل بكد وتعب حتى يصل الى اي مركز او منصب وكان يمضي جميع ايامه ولياليه ايضا في العمل ومتابعة الدراسة كان مستعدا للذهاب الى اي ابعاد محتملة للوصول الى هدفه ومبتغاه: (( النجاح ))
كان جذابا بشخصيته ساحرا باسلوبه الفذ وكلامه المنمق....وهومستعد في اي وقت لاستخدام هذه الصفات ليصل الى مبتغاه ويحصل على ما يريد.
لم يتردد ابدا في اطراء شخص لم يكن يحبه او التملق الى اخر يمقته ويعتبره جديرا بالازدراء.
وضمن له ذكاءه الفطري ووعيه المكتسب تجاوز المشاكل والصعاب.
ولم يكن جايك كوالده مهتما بالحياكة او بذلك المعمل الصغير والاته القديمة بل كان منذ حداثة سنه مهتما بالكيماويات تبهره دراسة المواد وكيفية تركبيها وكانت شهادة الكيمياء التي نالها من جامعة ليدز اول خطوة رئيسية في انطلاقته العلمية والعملية وساعده الحظ فوجد وظيفة كمساعد مختبر في معمل صغير للكيميائيات قرب سلبي.
اعتقد الاصدقاء والاقارب آنذاك انه يرتكب حماقة كبيرة في دفن مواهبه داخل مختبر محلي صغير في حين انه كان قادرا على ايجاد وظيفة افضل في شركة اكبر وانجح ولكن جايك كان بعيد النظر وطموحا للغاية فبالعمل المتواصل والمثمر جعله احدى الركائز الاساسية للشركة وشخصا لا يمكن الاستغناء عنه مطلقا وبتهذيبه الفائق وجاذبيته الساحرة مع زوجة صاحب المؤسسة تمكن جايك بعد فترة قصيرة نسبيا من الوصول الى ادارة الشركة ومن ثم الى ملكيتها .
نفض جايك رماد سيكاره في المنفضة المثبتة قربه وعاد مرة اخرى بذكرياته الى تلك الايام السابقة وشعر بشئ من الخجل بسبب الكيفية التي سيطر بها على تلك الشركة ولانه لم يتردد آنذاك للدوس على تلك المؤسسة الصغيرة ليحصل على مقعد في مجلس ادارة اكبر وتذكر ايضا انه بعد تلك الخطوة الرئيسية في حياته العملية آنذاك اصبحت الخطوات اللاحقة انجح واسهل مع انها فقدت الى حد ما طعم الاكتفاء بالذات ولذة الوصول الى الهدف بالعرق والدم.
منذ البداية تعود جايك هوارد على استخدام عقله ودماغه بكل طاقتهما وقدراتهما ومع انه يملك في الوقت الحاضر مؤسسة كبرى واكثر من مليون جنيه استرليني من الاسهم والسندات المالية فهو لم يقرر بعد انتداب احد كبار موظفيه لاستلام اي من مهامه او مسؤولياته اليومية.
عندما كان يبحث منذ ثلاثة اعوام على زوجة تلائمه وتليق به التقى هيلين.
كان محاطا بالنساء طوال فترة صعوده الى القمة موظفات وعارضات ازياء وحتى زوجات بعض زملائه الموظفين كن جميعا يظهرن له استعداد واضحا للزواج منه.
الكمية كانت متوفرة بكثرة ولكن النوعية التي يبحث عنها كانت نادرة.
جايك لن يقبل الا بالافضل كما في اي مجال اخر ثم....التقى هيلين فورسايث.
كان يعرف والدها جيرارد فورسايث منذ سنوات ويعتبره احد الاوجه اللطيفة والمحببة في المجتمع اللندني الراقي مع انه كان يجده انسانا بسيطا وشبه متخاذل.
والده ادوين كان يحمل لقب سيد وقد اورثه مع الاسف لشقيق جيرارد الاكبر ومع كل هذا فان لجيرارد كل ما كان سيختاره جايك لنفسه لو سمحت له الظروف بذلك.
فهناك العراقة والجاه والاصالة.... والانساب دون عناء الى المجتمع المخملي.
ولم يعر جايك اي اهتمام لموضع تبديد جيرارد الاموال التي خلفها له والده مع انه تخيل اكثر من مرة الامكانيات والمجالات الواسعة التي يمكنه هو استخدام تلك الاموال فيها فيما لوكانت له عوضا عن
منتديات ليلاس
|