كاتب الموضوع :
اماريج
المنتدى :
روايات عبير المكتوبة
" هل كنت تذهبين حقا؟ "
وعندما شعرت بأن تساؤلاها في غير محله اضافت بسرعة:
" ولكنك ستذهبين الى بلادك...الى موطنك "
رفعت روز حاجبيها وقالت:
" نعم. ولكني أتيت معه الى هنا. لم اكن مضطرة لذلك. كان بامكاننا أن نظل في العاصمة حيث نعيش. كان ممكنا أن اظل هناك مع الأطفال يأتي لوسيان لزيارتنا بأنتظام "
" ولكن زوجك سفير! يجب عليك أن تكوني معه "
تنهدت روز وقالت:
" ربما نعم وربما لا! ولكني لا أرضى بابتعاده عني! "
ابتسمت هيلين. آراء روز بسيطة وعادية جدا ولكن لم يكن لديها أي فكرة على الأطلاق عن المصاعب والمضاعفات التي كانت تواجهها طوال السنوات الثلاثة الماضية.
عاد الرجلان وقت الغداء وكانت هيلين وحدها في قاعة الجلوس في حين ذهبت روز الى المطبخ لتشرف على اعداد الطعام.
دخل لوسيان أولا وهو يفرك يديه بسرعة لتحريك الدماء في الأصابع الباردة. وحيا هيلين بمرح قائلا:
" اسعد الله أوقاتك أيها الجمال النائم! متى استيقظت؟ "
ردت عليه هيلين بهدوء وهي تتوقع دخول جايك بين لحظة واخرى:
" حوالي العاشرة والنصف "
" العاشرة والنصف! يا للفضيحة "
وأخذ يعلق ضاحكا على موضوع النصيحة المشهورة التي تدعو الى النوم باكرا والنهوض باكرا.
وفجأة دخل جايك الغرفة نظرت اليه هيلين بأعصاب متوترة ولكنها لم تتمكن من قراءة أفكاره أو فهم أي شيئ من خلال نظراته أو ملامح وجهه.
انه ينجح دائما في اخفاء مشاعره ولا يفسح مجالا للتكهن أو الاستنتاج. وشعرت بألم حاد يعصر قلبها وفؤادها.
كم كانت سخيفة عندما تخيلت أن ما حدث بينهما الليلة الماضية يعني شيئا خاصا ومميزا بالنسبة اليه! ابعدت نظرها عنه وركزت انتباهها على يديها اللتين وضعتهما على ركبتيها بانفعال وتأثر.
ذهب لوسيان لمساعدة زوجته فتوترت أعصاب هيلين.
ماذا سيفعل الآن؟ ماهي التعليقات اللاذعة أو الباردة التي سيطلقها في اللحظة التالية؟ ماذا...؟ ولكن جايك لم يقل شيئا على الفور بل أشعل سيكاره وسار نحو المدفأة وأخذ يراقبها بهدوء واهتمام.
وعندما لم تقل شيئا أو حتى لم تنظر اليه تأفف بانزعاج ظاهر وقال لها بانفعال:
" هيلين...يجب أن اكلمك "
ولكن في تلك اللحظة بالذات دخلت ليزا غرفة الجلوس وابتسمت بحرارة لجايك قائلة:
" جايك! واخيرا عدت! السيدة اندانا قالت انك ذهبت في نزهة مع زوجها. يبدو أنني لم أشاهدك الا قليلا خلال هذه العطلة الاسبوعية "
هز جايك كتفيه متظاهرا عدم الاهتمام واجابها بلهجة عادية جدا:
" كانت زيارة قصيرة هذه المرة. لم نصل الا حوالي وقت الغداء أمس وسنذهب فور الانتهاء من تناول طعام الغداء بعد قليل "
ابتسمت ليزا بغنج ودلال وقالت:
" أوه جايك! ولكن ستأتي لزيارتنا مرة أخرى في لندن أليس كذلك؟ لم نتحدث عن الأيام الماضية منذ زمن طويل "
" عن اذنكما "
قالتها هيلين وهي تهب واقفة وقد شعرت فجأة بصداع قوي يضرب مؤخرة رأسها.
وعلى الرغم من محاولة جايك الامساك بذراعها فقد تخلصت منه وهرعت الى الغرفة حيث القت نفسها على السرير بدون أي اعتبار لثيابها الانيقة أو لأي شيئ آخر.
وتمنت في تلك اللحظة لو أنها...تموت! ولكن ما هي الا دقائق معدودة حتى أرغمها صوت روز على العودة الى الواقع. كانت ربة البيت تناديها لتبلغها بأن الغداء جاهز.
فلابد عليها من النزول الى القاعة ومحاولة التصرف بشكل طبيعي وعادي.
بدا لها وكأن الغداء لن ينتهي. ولكن بعد شرب القهوة شعرت بسعادة بالغة عندما شاهدت موجاري ينقل الحقائب الى السيارة. تصافح الرجلان وقال لوسيان بحرارة:
" جايك سررت جدا بحضورك. سأتصل بك صباح الاثنين ان شاء الله عندما أعود الى لندن ونتفق عندئذ على التفاصيل النهائية للرحلة "
" حسنا يا لوسيان. الى اللقاء يا روز وشكرا جزيلا لكما "
" الى اللقاء يا جايك. الى اللقاء يا هيلين. لا تسرع كثيرا يا جايك بحق السماء "
تحركت السيارة بتمهل وظلت هيلين تلوح بيدها حتى غاب المنزل عن ناظريها.
وعندها استرخت هيلين في مقعدها ووضعت يدها على جبينها بعد أن اغمضت عينيها وقررت الاستراحة لبعض الوقت.
انها مرهقة نفسيا ومتوترة الاعصاب نتيجة الجهود المضنية التي بذلتها للتصرف بشكل طبيعي.
قاد جايك السيارة عدة كيلو مترات بدون أن يتفوه بكلمة واحدة ولكنه بمجرد وصوله الى الطريق الرئيسي قال لها:
" الآن يمكننا التحدث أليس كذلك؟ "
هزت هيلين رأسها متضايقة وسألته بلهجة باردة جدا :
" وهل هناك شئ نتحدث عنه؟ "
شتم جايك بصوت هامس ثم قال لها:
" توقفي عن التظاهر بالغباء يا هيلين أنت تعرفين تماما ما يجب التحدث عنه...ليلة أمس! "
تنهدت هيلين وقالت بتردد:
" أنا...أنا أفضل عدم...الخوض في حديث كهذا ان لم يكن لديك أي مانع. . ."
قاطعها بقساوة قائلا:
" بلى أمانع...بربك يا هيلين اعطني على الأقل فرصة للأعتذار "
حدقت به بضياع ورددت كلمته الأخيرة كالصدى:
" الاعتذار؟ "
" نعم, اللعنة عليك, الاعتذار! رباه لا أدري ماذا اصابني! وحتى عندما وجدت...انك فعلا لم تشعري من قبل...لم أتمكن من تركك بمفردك "
وشد بقوة على مقود السيارة وتابع كلامه قائلا:
" لا أعرف هل ستصدقين أن هذا الأمر لن يتكرر أبدا في المستقبل! "
التقطت هيلين أنفاسها وقالت له:
" جايك أرجوك! توقف عن تحويل ما حدث الى قضية عالمية! أنا...أنا لست طفلة. أنا زوجتك وكنت...كنت اعرف...ما أقوم
به "
" هل كنت تعلمين؟ حقا تعلمين؟ لا تزعجي نفسك بمحاولة التخفيف عن شعوري بالذنب والضيق...أنا اعلم انني حيوان حقير ولكن صدقيني أنا لست فخورا بما حدث "
" أرجوك! هذه سخافة! لا داعي أبدا لهذه. . . "
|