كاتب الموضوع :
أم ساجد
المنتدى :
القصص المكتمله
27
****
***
**
*
" أهذا هو قراركِ الأخير ؟ "
سألتنى سلمى - مُدرسة الرسم - وهى تنظر إلىّ بإمعان ، وتنتظر إجابتى . .
أرسلتُ نظراتى إلى الأرض وبقيتُ صامتة لبعض الوقت . .
لم أكن أدرى إذا كان قرارى الأخير هو أن أنسى إياد . . أو حتى إذا كانت هذه هى رغبتى بالفعل . .
لكن . . . بماذا يفيد هذا الأن ؟
لقد أنتهى كل شئ . . ومن الصعب . . بل من المستحيل أن نعود . .
نظرتُ إلى يدى اليمنى ، أو بالأدق إلى خاتم الخطوبة التى ألبسنى أياه أبن صديق والدى أوّل أمس فى حفل عائلى صغير . .
ثم عدتُ لأنظر إلى سلمى و قلتُ :
" نعم . . هذا قرارى الأخير . "
صمتت سلمى للحظة قبل أن تقول :
" ألا ترين أنكِ تهولين الأمر يا دانة ؟ "
قلتُ بأنفعال لا أدرى سببه :
" إنه كاذب . . لقد خدعنى يا سلمى . . وأنا لن أسامحه على هذا . "
سلمى مطت شفتيها قائلة :
" هل تريدين رأيى بصراحة يا دانة ؟ "
أومأتُ برأسى إيجابا ً فقالت :
" أنكِ تهولين الأمر . . "
نظرتُ إليها مُستنكرة فأستطردت بسرعه :
" لقد كان يريد التأكد من صدق مشاعركِ نحوه . "
قلتُ :
" بعد كل هذا لازال غير واثقا ً فى حبى له ؟! "
قالت :
" ما فعلتيه معه لم يكن قليلا ً يا دانة . . لقد كنتِ تعاملينه بطريقة سيئة . . والجميع فى المدرسه كانوا يلاحظون هذا . . هذا غير أنكِ فضلتِ عليه ذلك التافه على رغم أنه لا توجد وجه مقارنة بينهما أصلا ً . "
زفرتُ بضيق وقلتُ :
" ومع هذا أيضا ً ، لم يكن من حقه خداعى بهذه الطريقة . "
وأضفتُ :
" على أى حال لن يجدى الحديث فى هذا الأمر الأن ؛ فأنا مخطوبة الأن لشخص أخر وسنتزوج قريبا ً . "
هزت سلمى كتفيها قائلة :
" حسنا ً . . كما تشائين . . لكن عدينى بأن تفكرى بالأمر ثانية . "
ألتقطتٌ حقيبتى من فوق المنضدة وقلتُ :
" لم يعد هناك داع ِ للتفكير يا سلمى . "
ونظرتُ إلى ساعتى مُستطردة :
" حان موعد الأنصراف . . هيا بنا . "
غادرنا المدرسة وتوجهتُ نحو الطريق العمومى لأشير لإحدى سيارات الأجرة ، لتقلنى إلى منزلى ، فقالت سلمى :
" أين سيارتك ِ ؟ "
قلتُ :
" إنها مُعطله كالعادة . "
" أذن تعالى لأوصلكِ بسيارتى . "
تفاجأتُ وقلتُ :
" هل أشتريتِ سيارة ؟ "
فقالت :
" بلى . . أشتراها لى زوجى الأسبوع الماضى . "
وقادتنى إلى سيارة زرقاء ثم جلست خلف عجلة القيادة وجلستُ أنا بجانبها . .
سألتنى :
" ما رأيك بها ؟ أليست جميلة ؟ "
قلت :
" جميله جدا ً . . لستُ أدرى متى يتوب الله علىّ من تلك السيارة العجوز الذى تسير يوم وتتعطل ألف يوم . "
ابتسمت سلمى وقالت :
" ولماذا لا تشترين سيارة بالتقسيط المُريح و . . . . ؟ "
بترت سلمى جُملتها وعضت على شفتيها قائله :
" أوه . . كيف نسيتُ هذا ؟ "
سألتها بقلق :
" ماذا هناك ؟ "
قالت :
" نسيتُ معطفى بالداخل . "
قلتُ :
" لا بأس . . أذهبى لأحضاره . "
ذهبت سلمى لأحضار معطفها ، بينما بقيتُ أنا فى السيارة لحين عودتها . .
مرت عدة دقائق ، ولم تحضر بعد . .
أصابنى الضجر ، فوضعتُ يدى على مقبض الباب وكدتُ أفتحه لأغادر السيارة وأذهب للبحث عنها ، لولا أننى سمعتُ باب السيارة المجاور لمقعد القيادة يُفتح ، فأستدرتُ لأنظر إليها وأنا أقول :
" ماذا كنت تفعليـن كل هذا الـ . . . ؟ "
بترتُ جُملتى فجأة حينما وقع بصرى على ذلك الشخص الذى دلف إلى السيارة ، ورحتُ أحدق به وقد أتسعت عيناى على أخرهما !
هل أستنتجتم من هو ذلك الشخص ؟
صحيح . . إنه إياد !
للحظة ظل كلا ً منا ينظر إلى الأخر . .
كانت نظراته غاضبه ، والشرر يتطاير من بؤبؤيه . .
شعرتُ برعب شديد وأنا أنظر إليه ، وتجمدتُ فى مكانى من شدة رُعبى !
ولم أفق من حالة الرعب والذهول التى أنتابتنى إلا حينما أنطلق بالسيارة !
حينها فقط أستطعتُ أن أقول بصوت لاهث مُتقطع :
" أنت . . أنت . . أنت . . ماذا تفعل ؟ إلى أين أنت ذاهب ؟ إنها سيارة سلمى و . . . "
قاطعنى قائلا ً بهدوء :
" بل إنها سيارتى أنا . "
أتسعت عيناى على وسعهما وأنا أقول فى دهشة :
" كيف هذا ؟ لقد قالت سلمى أن زوجها أشتراها لها و . . . . "
بترتُ جُملتى حينئذ وأدركتُ اللعبة كلها !
سلمى تخبرنى بأنها ستوصلنى وتفتعل أنها نسيت معطفها ليأتى إياد وينطلق بالسيارة والله أعلم ماذا ينوى أن يفعل هذه المرّة ؟ !
لم أستطع تمالك نفسى حينئذ فصحتُ به :
" أنتظر هنا . . توقـــــف حالا ً يا إياد ."
قلتُ ذلك بأنفعال شديد ، فما كان منه إلا أن ظل يتطلع إلى الطريق أمامه دون أن يعيرنى أى أهتمام !
فقدتُ السيطرة على أعصابى تماما ً فى هذه اللحظة ، وفتحت باب السيارة المجاور لى قائله :
" سألقى بنفسى من السيارة لو لم تتوقف حالا ً. "
فإذا بيد إياد تمتد لتغلق باب السيارة وأسمعه يقول بغضب :
" لا تكونى حمقاء . "
رمقنى بعدها بنظرة غاضبه جمدتنى فى مكانى ، قبل أن يدير وجهه عنى ليتطلع إلى الطريق أمامه . .
سألته بوجل :
" إلى أين أنت ذاهب ؟ "
قال بحسم :
" إلى أى مكان هادئ لنتحدث فيه ؟ "
قلتُ بغضب :
" لم يعد هناك ما يمكن أن نتحدث عنه . "
إياد ألقى علىّ نظرة عابرة ثم قال بحسم :
" بل هناك الكثير لنتحدث عنه يا دانة . "
قلت بأستياء :
" أرجوك يا إياد أعيدنى إلى حيث كنت . "
قال :
" كلا . . سنذهب لنتحدث أولا ً وبعد ذلك سأذهب بكِ إلى أى مكان تريدين الذهاب إليه . "
قلتُ بتوسل :
" أرجوك يا إياد أعيدنى إلى منزلى الأن . "
قال :
" لا تجادلينى يا دانة . "
شعرتُ بقلة حيلة وأنا أجلس بجانب إياد الذى راح يسلك طرقا ً مجهولة بالنسبة إلى ّ . .
حاولتُ أن أكبت رغبتى فى البكاء وأن أبدو متماسكة أمامه لكن الدموع فاضت من عينى وراحت تنساب على وجنتى ّ رغما ً عنى !
وحينما أنتبه إياد لذلك توقف بالسيارة على جانب الطريق وألتفت إلىّ قائلا ً بحيرة :
" لماذا تبكين يا دانة ؟ "
قلتُ :
" أعيدنى حيث كنت يا إياد أرجوك . . "
إياد قال بصرامة وحسم :
" لن أعيدك قبل أن تستمعى إلى ّ . "
قلتُ بغضب :
" هل سترغمنى على الأستماع إليك ؟ "
قال وقد لانت نبرته قليلا ً :
" لن أرغمك على شئ . . لكن لابد أن نتحدث يا دانة . "
قلتُ :
" لم يعُد هناك جدوى من الحديث يا إياد . . لقد تمت خطبتى أوّل أمس وأنتهى الأمر . "
جُملتى أثارت غضب إياد ، وأفقدته السيطره على نفسه . .
وبعدما كان يتحدث بطريقه هادئة إلى حد ما . . صار يتحدث بعصبيه وأنفعال . .
قال بصوت أجش يوحى بمدى غضبه :
" لا تأملى فى أن تكونى لغيرى فى يوم ؛ لأننى لن أسمح لكِ بهذا أبدا ً طالما أنا على قيد الحياة . "
شعرتُ بالخوف منه فتراجعتُ فى مقعدى فى ذعر ، فإذا به يغمض عينيه بقوه ويحاول جاهدا ً التحكم بأعصابه ، والسيطرة على غضبه . .
ثم قال بهدوء نسبى :
" أسمعى يا دانة . . ما تفعلينه لن يعذبنى وحدى . . فكما أحبك فأنتِ أيضا ً تحبيننى . "
جُملته هذه زادتنى غضبا ً فوق غضبى ، فصحتُ به :
" وطالما أنت تعلم هذا وواثقا ً منه هكذا ، لِم كل هذه الأختبارات التى أخضعتنى لها ؟ "
إياد تنهد بقوة وقال :
" ألن تنسى هذا الأمر قط ؟ "
أجبتُ مُباشرة :
" كلا . . لن أنس ِ هذا الأمر أبدا ً أبدا ً أبدا ً. "
قال إياد بأسى :
" لكنى أحبك ِ يا دانة . . ألا يجعلكِ هذا تتغاضين عما فعلته ؟ "
أطرقتُ برأسى ولم أرد عليه . .
لابد أن يعلم أننى لن أسامحه على ما فعله بسهولة !
" لا تكونى عنيدة يا دانة . . لا تفعلين بنفسك وبى هذا . "
" أنت الذى فعلت بنا هذا وليس أنا . "
" وهأنذا نادما ً على ما فعلت . . ألا تسامحينى ؟ "
" أبــــدا ً . "
وأشحتُ بوجهى عنه . .
ظل إياد صامتا ً لفترة ، ولأننى لم أكن أنظر إليه فإننى لم أر تعبيرات وجهه ، ولم أعرف رد فعله على ما قلته . .
بعد فترة من الزمن .. شعرتُ بيد إياد تمسك بذقنى ثم أدار وجهى إليه وأجبرنى على النظر إليه . .
" أهذا هو قراركِ الأخير ؟ "
أومأتُ برأسى إيجابى ، وقلتُ :
" نعم . . هذا قرارى الأخير ولن أعدل عنه أبدا ً . "
بدا إياد مصدوما ً بردى كأنه لم يتوقع منى أن أتخلى عنه بمثل ِ هذه السهولة . . وظهرت على وجهه علامات الحزن والأسى !
شعرتُ بالندم على ما تفوهتُ به ، خاصة حينما أدار إياد وجهه وعاد ليشغل السيارة ثم أنطلق بها . .
كنتُ أريد أن أخبره بأننى قد سامحته ما أن وقع بصرى عليه . . لكن منعنى كبريائى من هذا !
فظللتُ صامتة طوال الطريق . . مٌُطرقة الرأس . . أختلس النظر إليه من حين لأخر . .
وأنتظر أن يصالحنى مجددا ً !
لكنه لم يبد لى عازما ً على ذلك . . هذا غير أن وقت العودة أستغرق وقتا ً أطول مما ينبغى !
رفعتُ بصرى ونظرتُ إلى الطريق ، وأتسعت عيناى على أخرهما . .
فقد كان إياد يغادر الطريق الأسفلتى ويسلك طريقاً طويلاً فى نهايته رأيتُ ذلك المنزل الريفى الذى كان إياد يحتجزنى فيه !
*-*-*-*
" لا . . لا . . لا . . ليس ثانية . . "
نظرتُ إلى دانة التى قالت الجُملة السابقه بأنهيار وهى تغطى وجهها بكلتا يديها ، وتجهش فى البكاء بصوت مُرتفع !
فاجأنى رد فعلها هذا كثيرا ً ، وأربكنى بشدّة ؛ فأنا لا يقتلنى سوى دموعها لو كنتم تجهلون هذا !
توقفتُ بالسيارة فجأة وألتفتُ لأنظر إليها . .
قلتُ :
" أرجوك ِ يا دانة كفاكِ بكاءً . . ألا تعرفين أن دموعك هذه تعذبنى ؟ "
دانة قالت من بين دموعها وهى شبه مُنهارة :
" لماذا تفعل بى هذا يا إياد ؟ لماذا ؟ لماذا ؟ "
وأضافت :
" إذا كنت تريدنى ألا أتزوج أبدا ً فسأفعل لكن لا تفعل بى هذا ثانية . . لا تحتجزنى بهذا المنزل . . لا تفعل أرجوك . "
نظرتُ إلى دانة باستغراب شديد ، وقلتُ :
" من قال أننى أنوى أحتجازك هنا ؟ إننى فقط أريد أن نتحدث بهدوء . . "
وأضفتُ :
" يا دانة أنا لن أستطيع تحمل إبتعادكِ عنى أكثر من هذا . . لابد أن تكونى معى دائما ً . . لابد ألا تبتعدى عنى للحظة واحده . "
قالت مُنفعله :
" من أى شئ خلقت أنت ؟ أتتصور أن أحتجازك لى بهذا المنزل سيكــ . . . "
قاطعتها قائلا ً :
" قلتُ أننى لن أحتجزك هنا ثانية . . لن أكرر هذا الخطأ مرّة أخرى . "
نظرت دانة إلىّ بحيرة ودموعها لازالت عالقه برموشها ، فتابعتُ حديثى :
" ما أقصده بحديثى يا دانة هو أن تكونى معى فى نفس البيت الذى أقيم فيه . . وأن تكونى زوجتى وأم أولادى . "
تطلعت دانة إلىّ بمزيد من الحيرة ، فتابعتُ :
" هل تقبلين الزواج منى يا دانة ؟ "
ظلت دانة صامته لفترة من الزمن ، قبل أن تقول :
" وكيف أضمن ألا تخدعنى مرّة ثانية ؟ "
قلتُ بسرعة :
" لن أفعل . . أقسم أنها ستكون أخر مرّة . "
" وإذا فعلتها ثانية ؟ "
قلتُ بسرعة :
" أفعلى ما يحلو لكِ حينئذ . "
خيل إلىّ أننى رأيتُ شبه ابتسامه على زواية فم دانة ، قبل أن تقول :
" إذا خدعتنى مرّة أخرى سأحتجرك فى هذا المنزل وسأمنع عنك الماء والطعام . "
ابتسمتُ وقلتُ :
" هذا المنزل سيكون عشنا الصغير . . "
توردت وجنتى دانة وهى تقول :
" لكنه سيحتاج لوقت طويل حتى تعود إليه الحياة من جديد بعد ذلك الحريق . "
قلتُ بسعادة بالغه :
" أيعنى هذا أنكِ . . . موافقه ؟ "
*-*-*-*-*
الخاتمة
*****
|