-1-
*-*-*
*-*
*
أزحتُ خصله من شعرى البنى ، أنسابت على جبهتى أثناء أنحائى على ذلك الكم العظيم من مواضيع الأنشاء التى طلبت كتابتها من تلميذاتى بالصف الأول بالمدرسه الثانويه التى بدأتُ العمل بها بعد تخرجى مباشرة أى منذ أربعة أشهر ، بتوصيه من خالى مالك المدرسه و مديرها . .
ظللتُ منهمكه فى تصحيح مواضيع الأنشاء حتى قاطعنى صوت رنين الجرس ليعلن عن أنتهاء الحصه وبدء حصه جديده
نظرتُ إلى جدول الحصص و حملتُ حقيبتى ، ثم تركتُ مواضيع الأنشاء على ما هى عليه و غادرتُ الحجره و توجهتُ نحو الدهليز المؤدى إلى الفصل حيث ستبدأ حصتى
وبينما كنتُ أسير بجانب إحدى الفصول ، فُتح الباب فجأه وخرج منه " الأستاذ إياد " - مُدرس اللغه العربيه -
و الأستاذ إياد شاباً فى أواخر العشرينيات من العمر ، طويل القامه ، عريض المنكبين ، مفتول العضلات ، أسمر البشره ، لديه عينان عسليتان مائلتان للأخضرار ، و هو ذو جاذبيه مفرطه لا تقاوم ، و ذو شخصيه قويه و خشنه أحياناً مع التلميذات المراهقات حين يحتاج الأمر لذلك
إياد أبتسم لدى رؤيتى وقال
" صباح الخير يا دانه "
ثبتتُ منظارى فوق أنفى ، و نظرتُ إلى الفتيات اللواتى غادرن الفصل و أخذن ينظرن نحونا بفضول ، ثم عدتُ لأنظر إلى إياد نظره ذات معنى ثم قلتُ بصوت منخفض :
"أخبرتك مراراً أن تنادينى بأستاذه دانه . . لا اريد أن أفقد هيبتى أمام الطالبات"
إياد أبتسم ، فكشفت إبتسامته عن أسنان ناصعة البياض ، و قال ساخراً :
" فى الحقيقه أننى أعذر الفتيات على موقفهم المتهاون معكِ .. فمن الصعب عليهم أن يعتبرونكِ مُعلمتهم بينما أنت تبدين فى مثل عمرهم أو أقل قليلاً "
رمقته بنظره حاده ، ثم تركته واقفاً و مضيتُ فى طريقى متجاهله أياه تماماً ، فتعالت صوت ضحكاته مما زادنى حنقاً ، و كدتُ افقد أعصابى وأعود إليه لأهوى على وجهه بصفعه قوية إلا أننى تمالكتُ نفسى فى أخر لحظه و أكملتُ طريقى غير مباليه به . .
للفتيات فى سن المراهقه طريقه فظه فى التعامل مع المدرسات خاصة الصغيرات السن مثلى ، و فى الحقيقه أننى برغم مظهرى الذى أجاهد لكى يبدو جاداً ؛ فأنا أعجز تماماً عن التحكم بفصلى ، و هذا ما كان إياد يقصده بتهاون الطالبات معى . .
وبالمناسبه . . إن إياد هذا شخص مغرور و متعجرف و يظن نفسه سيد الكون بأكمله . .
كنتُ قد وصلتُ إلى فصلى ، فأخذتُ نفساً عميقاً و دلفتُ إليه . .
حين دخلت إلى الفصل لم تهب الفتيات واقفات كما يفعلن عند دخول الأستاذ إياد ، أنما أستمروا فى الحديث و الضحك ، وكأن لا وجود لى بالفصل
أستعنا على الشقاء بالله
رفعتُ صوتى ، و قلتُ بصرامه :
" هيا . . أنهضن جميعاً . . ماذا تنتظرن ؟ "
زفرت معظم الفتيات بضيق ، و نهضن بتكاسل ، فأنتظرتُ حتى وقف الجميع وقلتُ
" السلام عليكم "
أجاب البعض منهم التحيه ، أما البعض الأخر فلازال منهمكاً فى الثرثره و الضحك
جلستُ على مقعدى ، و بقيتُ صامته لفتره ، حتى ساد الهدوء بالفصل ، فقلتُ :
" تفضلوا بالجلوس "
و أخرجتُ كشكول ملاحظاتى من حقيبتى و كنوع من المراجعه لما سبق وشرحته لهم ، كتبت إحدى الجُمل على السبوره ، و طلبتُ من إحدى الفتيات إعرابها
و كما توقعتُ تماماً ، تململت الفتاه فى وقفتها دون أن تبدأ فى الأعراب
قلتُ لها بحده :
" هيا . . أبدأى بالأعراب "
و لما لم أجد منها تفاعلاً ، قلتُ بحده أكبر وبصوت مُرتفع :
" إعربى هذه الجمله "
قالت الفتاه ببساطه : " لا أعرف "
قلتُ بغضب :
" كيف لا تعرفى ؟ إنها جُمله بسيطه جداً ؟ هل تريدن أن أتى لكِ بطفل فى الصف الخامس الأبتدائى ليعربها لكِ "
قالت الفتاه بأستفزاز :
" ليتك تفعلين لتريحينى من مشقة الأعراب "
حاولتُ أن أتمالك نفسى بقدر ما أسطعتُ ، فأغلقتُ عينى بقوه ، و حبستُ أنفاسى كى لا أوسع الفتاه ضرباً ، و رفعتُ يدى لأشير لها نحو الباب ، و قلتُ :
"إلى الخارج "
و كأن الفتاه قد أبتهجت بهذا ، فتوجهتُ مباشرة نحو الباب و
و من خلال فتحة الباب أستطعتُ أن أرى الأستاذ إياد والذى كان يقف بالقرب من الفصل و يتحدث إلى إحدى التلميذات
لم أشأ أن أجعله يفرح فىّ ، فقلتُ للفتاه : :
" أنتظرى . . عودى إلى مقعدكِ "
ويبدو أن الفتاه لم يعجبها هذا ، فقالت :
"ألم تطلبى منى أن أغادر الفصل ؟ "
قلتُ بحده :
" أجل . . و قد غيرت رأيى الأن . . هيا عودى إلى مقعدك "
و لكن فات الأوان و وجدتُ إياد يقترب من الفصل قائلاً بطريقته الساخره :
" أهناك مُشكله . . يا دانه ؟ "
وضغط على حروف إسمى بأستفزاز
رمقته بنظره غاضبه و قلتُ بنبره حاده وصارمه :
"شكراً يا أستاذ إياد . . بأمكانى أن أهتم بالأمر وحدى . . و دون تدخلك "
إياد نظر إلى الفصل الذى يسوده الهرج و المرج و أبتسم قائلاً بسخريه :
" أنا واثق من هذا "
وأستدار ليغادر الفصل ، فذهبتُ و صفعتُ الباب خلفه بكل قوتى
يا له من متعجرف بغيض !
و ألتفتتُ إلى الفتيات قائله بصوت جهورى صارم :
"لا أريد أن أسمع صوتاً لواحده منكن . . وإذا حدث وسمعت صوت واحده منكن سأدق عنقها دقاً "
و لستُ أدرى لما ألتزم الجميع الصمت فى هذه اللحظه ، فصار الفصل يغرق فى صمتٍ مُغدق
يبدو أن اللين لا يجدى مع هؤلاء الفتيات
مرت الحصه بسلام ، و تمكنتُ من شرح الجزء الذى أعددته كاملاً ، و حين أرتفع رنين الجرس ليعلن عن أنتهاء الحصه تنفستُ الصعداء و توجهتُ نحو حجرتى مباشرة
و هناك رأيتُ الأستاذ إياد يجلس بصحبة " الأستاذ على "
و الأستاذ على هذا هو أيضاً مُدرس اللغه العربيه ، و هو فى منتصف العشرينات ، و هو قصير القامه ، نحيل ، هادئ الملامح و الطباع