ألقيتُ التحيه عليهما بشكل عابر ، و توجهتُ نحو مقعدى ، و نزعتُ النظاره عن عينى - و التى لم أكن أرتديها لضعف بصرى ، و لكن لأنها تضفى لمحه من الجد على ملامحى - و تابعت تصحيح مواضيع الأنشاء بهدوء
" كيف حالك يا أستاذه دانه ؟ "
رفعتُ بصرى إلى على وقلتُ بأقتضاب : " أنا بخير "
على أبتسم إبتسامه لطيفه وقال :
" ألازل ذلك الفصل يتعبكِ ؟ "
نظرتُ إلى إياد و الذى قد أخبر على بهذا بلا شك ، و عدتُ لأنظر إلى على قائله :
" لا . . أبداً . . كل شئ على ما يرام "
و رمقت إياد بنظره حاده ممُتعضه ثم قلتُ :
" أرجو ألا تتدخل مره أخرى بينى وبين تلميذاتى يا أستاذ إياد "
إياد رفع حاجبيه بدهشه ، و كأنه لم يتوقع منى أن أعترض على هذا ، ثم قال :
" لقد كنتُ أريد مساعدتك فحسب "
قلتُ له بهدوء لا يخلو من الحزم :
" حين أحتاج إلى المساعده سأطلبها بنفسى "
وصمتّ لبرهه ثم أسترسلتُ ببرود :
" وأؤكد لك أننى لن أطلب المساعده أبداً ؛ لأننى بأمكانى تدبر أمورى وحدى "
أبتسم إياد و قال ببرود مماثل :
" لم أكن أعرف أن عرضى للمساعده سيجعلكِ تستائين هكذا "
قلتُ بحده :
" هأنتذا قد عرفت .. أرجو ألا يتكرر هذا الأمر ثانيه "
إياد قال بهدوء و على غير توقع :
" أنا فعلاً أسف يا دانه "
و كانت لهجته أبعد ما يكون عن الأعتذار
قلتُ بنفاذ صبر :
" الأستاذه دانه لو سمحت "
و أنهيتُ الحوار بأن عدتُ لتصحيح مواضيع الأنشاء من جديد
حين بدأت الحصه الجديده ، نهض على وغادر الحجره ، فيما ظللتُ بالحجره أنا وإياد وحدنا ، وكنتُ لازلتُ منكبه على مواضيع الأنشاء
بينما إياد فنهض من مكانه الذى كان بعيداً عن مقعدى ، ثم أتى ليجلس بالقرب بالمقعد المقابل لى ، وأخذ يتأملنى بكل جراءه . . لا بل بكل وقاحه !
رمقته بنظره مُمتعضه ثم أشحتُ بوجهى عنه وتجاهلته تماماً
"دانه"
قلتُ بدون أن أنظر إليه :
"سأعتبر نفسى لا أسمع شيئاً حتى تنادينى بالأستاذه دانه "
سمعته يضحك بشده ، إلا أننى لم أهتم بالنظر إليه ، وتركته يضحك كيفما شاء
وبعدما أنتهى إياد من نوبة الضحك هذه ، قال :
"أذن . . هل تسمعيننى الأن . . يا أستاذه دانه ؟ "
نظرتُ إليه فوجدته يبتسم بسرور ، و كأنه يجد متعته فى أغاظتى ، فقلتُ بهدوء مُستفز :
" طالما أنك تحفظ حدودك يا أستاذ إياد فأنا أسمعك جيداً "
إياد أبتسم و قال :
" كنتُ أتسأل إذا كنتِ ستذهبين إلى رحلة مطروح أم لا ؟ "
قلتُ ببرود :
"وما شأنك بذهابى ؟ "
إياد قال بجديه :
" لأن المدرسه كلفتنى بأن أذهب إلى الرحله ، وأنا قبلت الذهاب "
كان خالى قد طلب منى أن أذهب إلى الرحله ، و قد كنتُ أنوى الذهاب إلى الرحله بالفعل ، إلا أننى بعدما عرفت أن إياد ذاهباً بدوره أشك فى أننى سأذهب
قلتُ أستفزه :
" ذهابك إلى الرحله من عدمه لا يعنينى فى شئ "
أتكأ إياد بمرفقيه على المنضده التى أمامه و قال بصوت خافت و بنبره غامضه :
"لكن ذهابكِ أنتِ يعنينى كثيراً "
قلتُ متشككه : " حقاً ؟ "
إياد قال مؤكداً :
" طبعاً . . فإذا كنتِ تنوين الذهاب فأعتقد أننى سأعتذر عن الذهاب إلى الرحله "
رفعتُ حاجباى بمزيج من الدهشه و الأستنكار ، و كدتُ أنهال عليه بسيل من الكلمات الجارحه ، لولا أننى وجدته يبتسم بأنتصار ، و كأن مهمته فى أستفزازى قد نجحت ، فقررتُ أن أكون هادئه لكى لا أحقق له هدفه ، و قلتُ بهدوء نسبى :
"لن أكلف نفسى عناء الرد عليك يا أستاذ إياد "
وكالعاده سمعته يضحك بشده وكأننى ألقيتُ عليه نكته طريفه !
ياله من سخيف !
حملتُ حقيبتى وكومة الأوراق وهممتُ بمغادره الحجره ، إلا أن إياد أستوقفنى قائلاً بسخريه :
" إلى أين . . يا أستاذه دانه ؟ "
أبتسمتُ و قلتُ بسخريه مماثله :
" إلى أى مكان أقل حراره من هنا ؛ فأنا أكاد أختنق من حراره الجو بهذه الحجره "
و سارعتُ بمغادرة الحجره قبل أن يبدأ إياد فى تعليقاته السخيفه
هممتُ الذهاب إلى حجرة الرسم لأجلس بها ، و بينما كنتُ فى طريقى إليها قابلتُ خالى
" إلى أين أنتِ ذاهبه يا طفلتى الحبيبه ؟ "
نظرتُ لخالى بعتاب و قلتُ :
" إذا سمعتك إحدى التلميذات سيستمرون بمعاملتى بتهاون "
خالى ضحك وقال :
" ألازلتِ تعانين من تلميذاتك يا دانه ؟ "
قلتُ بضيق :
"لستُ أدرى ماذا أفعل لهم ؟ لقد ضقتُ ذرعاً منهم حتى أننى أفكر فى عدم الذهاب إلى الرحله "
خالى قال :
" لكنكِ وعدتينى بالذهاب إلى الرحله و الأشراف عليها "
قلتُ :
" بأمكانك أن تكلف أحداً غيرى بهذه المهمه . "
خالى مط شفتيه قائلاً :
" وهل تظنين أننى سأثق بأحداً غيرك يا دانه ؟ ثم أن الرحله ستكون بعد الغد .. أى أنه لا وقت لدينا لأنتقاء مشرفه جديده "
أعترضتُ قائله : " لكن يا خالى . . . "
قاطعنى خالى قائلاً :
" ثم أنها ستكون فرصه جيده لتحسنى علاقتكِ بتلميذاتك "
قلتُ بأستسلام :
" كما تريد يا خالى "
خالى أبتسم وقال :
"أتمنى أن تستمعى بوقتك فى الرحله يا طفلتى الحبيبه "
*-*-*-*
تتبع