كاتب الموضوع :
أم ساجد
المنتدى :
القصص المكتمله
*20*
****
***
**
*
أمتلأت نفسى بالحنق والسخط وأنا أسمع على يتهمنى بالخيانه ، وكدتُ أثور عليه وأصيح به لكنى تمالكتُ نفسى بقدر ما أستطعتُ وقلتُ له بطريقه لا تخلو من الصرامه :
" لا داعى لهذا الكلام السخيف يا على . "
على رد على مباشرة قائلاً بثوره :
" ماذا ؟ كلامى أنا السخيف ؟ وماذا تسمى فعلتك أذن ؟ لقد سرقت منى خطيبتى وجعلتها تتركنى بكل بساطه . "
قلتُ بهدوء نسبى :
" أنا لم أسرقها منك . . لو كانت دانه تحبك من البدايه لما استطعت أن أجعلها تتركك يا على . "
على قال :
" بل كانت تحبنى وإلا ما كانت لتقبل بخطبتى لها . "
قلتُ :
" قبلت بخطبتك لأنها كانت تريد أثارة غيظى ليس إلا . "
ران صمت ثقيل علينا لفتره ، قطعه على حين قال مُستهجناً :
" أذن فقد كنتُ أنا لعبه بينكما منذ البدايه . "
لوحت بزراعى وقلتُ :
" أنا لم أقل هذا . "
على قال مُنفعلاً :
" وهل لكلامك معنى أخر سوى هذا ؟ "
وصمت للحظه ثم أردف :
" أسمعنى جيداً يا إياد . . أنا لم أتِ إلى هنا لأتناقش معك فى هذا الأمر . . لقد أتيتُ فقط لأحذرك من . . . . "
لم أتركه يتم جُملته إذ أننى قاطعته قائلاً بأستنكار :
" تحذرنى ! ؟ يا للسخافه ! من تظن نفسك أنت لتحذرنى ؟ "
على أتم جُملته كما لو لم أقاطعه وقال :
" أننى أحذرك من الأقتراب من دانه . . فلو عرفت أنك قابلتها أو تحدثت إليها سيكون لك كل الويل منى يا إياد . . أسمعت ؟ "
تفجرت حمم الغضب فى جسدى فى هذه اللحظه ، ووجدتُ نفسى أصرخ به بثوره :
" بأى صفه تحذرنى أيها اللعين ؟ أتظن أنه لك الحق فى أن تمنع دانه من الأرتباط بأى شخص تريد ؟ ألا ترى أنها تركتك منذ زمن وأنتهى الأمر ؟ أنا الذى أحذرك يا على إذا أقتربت من دانه أو تحدثت إليها حتى . . "
أتانى صوت على ساخراً وهو يقول :
" أوه . . لقد روعتنى فعلاً . . أنا خائف جداً . "
صحتُ به وقد بلغ حنقى ذروته :
" أسخر كما شئت أيها النذل . . سترى أننى قادر على سحقك إذا اقتربت من دانه . "
على قال :
" حقاً ؟ ! وهل سمعت عن ضرير يسحق حتى بعوضة ؟ ! "
صُدمتنى جملته كثيراً . . أو لنقل . . صدمتنى الحقيقه المُره التى غفلتُ عنها ، وبقيتُ عاجزاً عن النطق ، وقد خيم علينا صمتُ ثقيل لفتره ، قبل أن يقطعه على قائلاً :
" أسمع يا إياد . . أنت لا تصلح لدانه بأى شكل من الأشكال ؛ فإن دانه تستحق رجلاً كاملاً يستطيع أن يرى جمالها بعينيه ، ويستطيع أن يحميها ويكون عوناً لها فى الحياه . . لا أن تكون هى عوناً له . . "
صمت على لبرهه وألتقط أنفاسه ثم أردف :
" أفيق من وهمك يا إياد . . إن دانه لا تحبك . . إنها فقط تشعر بالشفقه عليك ؛ فأنت تعلم كم هى رقيقه وحساسه . . لكن برغم هذا دعنى ألفت نظرك إلى أنها لن تلبث أن تمل منك وتتركك كما فعلت معى . . فإن خدمة رجل ضرير ليست أمراً سهلاً . . وصدقنى هى لن تحتمل هذا كثيراً . "
قال على ما قاله وأنصرف وتركنى لحيرتى وبؤسى وحزنى . .
فقد لمس كلامه وتراً حساساً بى . . وجعلنى اشعر بعجزً شديد . . بل وبدأتُ أشعر بحجمى يتضاءل أكثر وأكثر . .
فبرغم ثقتى بأن على يقول هذا الكلام بدافع الغيظ لكن هذا لا يمنع أن كلامه بالفعل صحيح . . وأنه جعلنى أنتبه لما غفلتُ عنه . . أو لنقل . . لما حاولتُ نسيانه والتغاضى عنه . . وهو أنها تستحق رجلاً أخر غيرى بالفعل . . يستطيع حمايتها إذا لزم الأمر ، وليس عاجزاً مثلى ، لا يقدر على التصدى لمن يضايقها . .
فالمرأه حين تحب ، فإنها تحب الرجل القوى ، القادر على حمايتها ، الذى يكون لها عوناً وسنداً فى الحياه . .
وأنا لن أكون لها كذلك إذا لا قدر الله لم تنجح العمليه ولم يعد لى بصرى ثانيه . .
هذا غير أن دانه ستمل منى أجلاً أو عاجلاً . . بل ورُبما تكرهنى بسبب عاهتى . .
لكن لا . . لا أظن أن دانه ستمل منى فى يوم . . إنها تحبنى بالفعل وإلا ما كانت لتفعل معى كل هذا . .
لقد عوضنى الله بها عما فقدته . . فكيف أتركها هكذا ببساطه ؟ كيف أتخلى عنها وهى التى وقفت بجانبى فى أحلك وأصعب أيام حياتى ؟
بل كيف أحتمل أن تبتعد عنى وأن تكون لغيرى ؟
لقد خلقت دانه من أجلى أنا . . وستكون لى أنا . . ولن أتركها أبداً . .
وبإذن الله تعالى سيعود لى بصرى . . وسأكون جديراً بها . . وعوناً لها . .
هدأتُ قليلاً لهذا الخاطر ، لكنى لم ألبث أن سمعت صوتاً بداخلى يتسأل فى وجل . .
ماذا لو لم يعد لى بصرى بعد العمليه ؟ ماذا لو بقيتُ طوال عمرى ضريراً ؟
إننى سأظلمها بهذا . . فهى لا ذنب لها لتتزوج من رجلاً ضرير . . وتظل طوال عمرها تخدمه . .
لا . . أنا لن أقبل أن أكون عاله على زوجتى . . لن أقبل أن تساعدنى زوجتى فى أدق الأشياء التى سأعجز عنها . .
أنا لن أقبل هذا ابداً . . وإذا لم يعود لى بصرى ستكون هذه هى النهايه . .
نهاية حبى الذى لم يبدأ بعد . .
*-*-*-*
أستيقظتُ من نومى اليوم متأخره كثيراً . . لابد أن إياد أستغرب تأخرى فأنا بالأمس حضرت مُبكراً جداً . .
قفزتُ من على فراشى بهمه ونشاط وأخذتُ حماماً مُنعشاً ثم أرتديتُ ملابسى وغادرتُ المنزل . .
كان الجو مُشمس و الهواء العليل . . يا له من يوم جميـــل !
فى طريقى إلى المستشفى صادفتُ محل ورد ، فتوقفتُ لأشترى باقة ورود لأياد ، ثم واصلتُ طريقى إلى المستشفى . .
حين دلفتُ إلى حجرة إياد أنحنيتُ بجانبه وقدمتُ له باقة الورد قائله :
" صباح الخير يا إياد . . أعتذر على التأخير . . هل لا قبلتُ منى هذه الباقه الصغيره ؟ "
فاجأنى تجهم وجه إياد كثيراً وهو يقول :
" صباح الخير يا دانه . "
وأمسك بباقه الورد ثم قال :
" شكراً لكِ . . "
تعجبتُ كثيراً من طريقته هذه ، إلا أننى حاولتُ أن أقنع نفسى بأننى أتوهم هذا ، فقلتُ :
" كيف حالك اليوم ؟ "
أتتنى إجابة إياد كالسهم القاتل الموجه إلى صدرى ، وجعلت شكى يقيناً . .
" أنا على ما كنتُ عليه . . "
هناك شيئاً ما - لا أدرى ما هو - أثار حنق إياد بكل تأكيد !
لطفك يا رب !
" ما بك ؟ "
سألت إياد فقال : " ماذا تقصدين ؟ "
قلتُ : " تبدو مُتجهماً . "
قال :
" لا شئ . . فقط . . الطبيب أخبرنى اليوم بأننى سأظل لأسبوع مضمد العينان . "
سألته بشك : " هذا ما يحنقك ؟ "
قال إياد فجأه بعصبيه :
" لم أعد أحتمل هذا الظلام . . أشعر بالعجز يا دانه . . أنتِ لا تعرفين هذا الأحساس لأنك لم تجربيه . "
تفاجأتُ من عصبية إياد المفاجأه ورحتُ أحدق به بذهول للحظه ، قبل أن أنتزع نفسى من ذهولى بسرعه فى اللحظه التاليه وأربت على يده وأنا أقول :
" ليتنى أستطيع أن أعطيك عيناى لترى بهما يا إياد . "
إياد لوح بزراعه وهتف : " هراء ! "
نظرتُ له بصدمه حقيقيه هذه المره ، فإذا به يتابع :
" مهما بلغ مقدار حبك لى ، لن تكون تضحيتكِ من أجلى تصل لأن تمنحينى عيناكِ وتعيشى أنتِ فى الظلام الدامس . "
قلتُ له مباشرة :
" أقسم بالله يا إياد أنه لو كان يمكن أن أمنحك عيناى بالفعل لمنحتك أياها بصدر رحب . "
إياد بدا غير مُقتنع بردى ، فقلتُ :
" إياد أننى أقسم لك بالله . . أتظننى سأقسم بالله كذباً ؟ "
إياد ظل صامتاً لفتره طويله ، ثم قال :
" أنتِ تقولين هذا لأنكِ لم تجربين أن يكون كل شئ من حولك ظلام دامس . . وكل شئ مجهول . . ومبهم . . هذا صعب يا دانه . . صعب جداً . . أسأل الله ألا يحكم بهذا عليكِ أبداً . "
شعرتُ بقبضه مؤلمه بقلبى وأنا استمع إلى إياد . .
وتمنيتُ لو بأمكانى أن أعانقه وأربت على ظهره وأواسيه . .
ليتنى بالفعل أستطيع أن أمنحه عيناى . . بل ليتنى استطيع أن أمنحه حياتى بأكملها . .
مرت الأيام التاليه ببطئ شديد . . إياد كان مُتجهم وحزين طوال الوقت . . وكان يحصى الأيام بل والساعات والدقائق والثوانى . . وينتظر بفارغ الصبر أن ينزع الضمدات عن عينيه . . وكله ترقب وأمل وخوف . .
وأخيراً مر أسبوع ، وحان موعد نزع الضمادات . .
إياد كان مُتوتراً للغايه ومُنفعل إلى أقصى حد . . أما أنا فقد بلغ خوفى مبلغه لدرجة أن جسدى كله كان يرتجف بشده . .
وحين أقبل الطبيب لينزع الضمادات عن عيني إياد شعرتُ بالأرض تهتز تحت قدماى ، وبدوار مُباغت يداهمنى وأنا أراقب الطبيب وهو ينزع الضمادات ببطئ إلى أن أنتهى تماماً وأنتزعها فظهرت عينا إياد المُغمضتان . .
وببطئ شديد فتح إياد عيناه . .
وهوى قلبى أرضاً . .
يــــــا رب لا تُخيب رجاءنا فأنت أملنا الوحيد . .
*-*-*-*-*
|