كاتب الموضوع :
أم ساجد
المنتدى :
القصص المكتمله
*15*
****
**
*
وقفتُ - بالقرب من إياد المُنفعل - بلا حراك . . مصدومه بما سمعت . .
لا أكاد أصدق أذناى ؛ فلم يكن ليمرؤ بمخيلتى أن يقابلنى إياد هذه المقابله ، بل ويطردنى من حجرته بهذه الطريقه الفظه !
" ماذا تنتظرى ؟ هيا أخرجى . . لا أريد أن أشعر حتى بوجودك بجانبى . . "
صكت عبارته أذنى ، وأنتزعتنى من شرودى بقسوه . .
لم أكن أستطيع الأذعان لرغبته فى الأنصراف فى هذا الوقت بالذات . .
كنتُ أريد أن أواسيه وأخفف عنه . .
كنتُ أريد أن أربت على كتفيه وأشد على يده لأشعره بأن فقدان بصره ليس نهاية العالم ، وبأنه سيظل هناك من يبقى على حبه له حتى بعد أن صار ضريراً . .
لكن على ما يبدو أنه لم يعد يتقبل منى أى شئ . .
وبدلاً من أبتعد عنه وجدت نفسى أتقدم منه عدة خطوات حتى صرتُ أمامه فأنحنيتُ لأجثو على ركبتاى وأنا أقول :
" إياد أنا . . . أسفه . "
قال إياد بصوت جامد كالفولاذ :
" لا تعتذرى على أى شئ . . كل ما أريده هو أن أكون وحدى . . أرجوكِ أنصرفى . "
قلتُ بطريقه أقرب إلى التضرع :
" أرجوك أنت يا إياد . . دعنى أظل بجانبك . . أريد أن أتحدث إليك . . هناك ما يجب علينا مُناقشته . "
قال :
" ليس هناك أى شئ بيننا لنتحدث عنه . . "
وأضاف :
" أرجوكِ يا دانه أنصرفى . "
قلتُ :
" لا أستطيع . "
إياد قال بصرامه :
" بل تستطعين . . لقد فعلتيها مُسبقاً وأنصرفتِ دون أن تلتفتِ خلفكِ لتلقى علىّ نظره واحده . "
قلتُ :
" لكن الوضع مُختلف الأن . . أنا . . . "
إلا أنه قاطعنى :
" صحيح . . نسيت أننى قد صرتُ ضريراً ، أستحق الشفقه . "
قلتُ بسرعه :
" لا . . لا . . ليس لهذا السبب . . إياد . . كان هذا قبل أن أعرف بأصابتك . . الأيام التى قضيتها بعيده عنك جعلتنى أشعر بـ . . . . "
ولم أتم جُملتى . . كيف أقول له أننى صرتُ أحبه ؟
وبعد المعامله التى كنتُ أعامله بها , , هل سيصدقنى ؟
تراجعتُ عما كنتُ أنوى أن أقوله ، وبدلاً منه قلتُ :
" إياد . . أنا . . أنفصلتُ عن على . "
بدت علامات الدهشه واضحه على وجه إياد وإن لم يبدى تعليقاً على ما قلته . .
قلتُ :
" ألا يهمك أن تعرف هذا ؟ "
أجابنى بصرامه : " لا يهمنى . "
" لماذا ؟ ألم تكن معارضاً لهذا الزواج منذ البدايه ؟ "
صمت إياد لبرهه ثم قال :
" كان هذا قبل أن أكتشف أننى . . . . "
وأضاف بعد فتره ، ليقضى على أخر أمل تبقى لى :
" أننى لم أعد أحبك . "
صُدمتُ لجُملته وإن لم أتفاجأ بها كثيراً ؛ فلما يظل على حبى وأنا كنتُ معه بهذا البرود ؟
أنا السبب . . أنا التى أضعته من يدى . .
غادرتُ المستشفى أجر قدماى جراً . . ودموعى تنسكب على وجنتاى بغزاره لتغرق وجهى فى بحرٍ من الدموع الساخنه . .
كنتُ أشعر بالندم الشديد على حب إياد الذى أهدرته وتسببت فى موته . . لكنى لم أكن أدرى وقتها أننى أيضاً أحبه . . كل ما كنتُ أفكر فيه هو العوده إلى منزلى . .
أى شئ أفعله لك يا إياد لتسامحنى . .
ماذا أفعل لك لكى تعود لتحبنى من جديد ؟
قضيتُ يومى حبيسه بحجرتى ، أزرف الدموع بلا توقف . . وظللتُ ساهره حتى بعد أُذن بصلاة الفجر . .
ولليوم الثانى على التوالى شهدتُ بزوغ الفجر ووقفتُ بنافذه حجرتى أراقب السماء حتى غمرتها الشمس بنورها الساطع . . فأرتديت ملابسى وغادرتُ المنزل متوجهه نحو المدرسه . .
إلا أننى أفقتُ فجأه لأجد نفسى أقف أمام المستشفى ، بل وأدلف إليها كما لو كان شيئاً خفياً يسلب أرادتى ويجذبنى نحوها !
كان إياد جالساً على نفس المقعد . . فى نفس الوضع الذى تركته عليه بالأمس . . وحين أقتربت منه عدة خطوات وجدته ينصت إلى صوت خطواتى ويقول : " من هنا ؟ "
أخذتُ نفساً عميقاً وقلتُ :
" أنا يا إياد . "
لم أستطع قراءة تعبيرات وجهه ؛ فقد كان إياد يتحكم بأنفعالاته إلى حد يصعب معه تخمين ردود أفعاله . .
شلمنا الصمت للحظات بعد أن أفصحتُ له شخصيتى ، فإذا به يقول :
" كنتُ أعرف أنكِ ستأتين اليوم أيضاً . "
تفاجأتُ من جُملته وحدقت به فى دهشه . .
فقال :
" أعرف كم أنتِ عنيده . . تكرهين أن يجبرك أحداً على فعل ما لا تريدينه . "
وقام من مكانه ماداً يده لى وقال :
" تعالى يا دانه . . "
أقتربت منه وأمسكت بيده ، فقال :
" أريد أن أجلس على السرير . "
قدته إلى السرير وأجلسته عليه فجذبنى وأجلسنى بجانبه ثم قال :
" هل أخبركِ أحداً بأننى سأغادر المستشفى اليوم ؟ "
قلتُ :
" لا . . لم يخبرنى أحداً . "
قال :
" كنتُ سأتصل بإحدى أصدقائى ليأتى كى يوصلنى إلى شقتى لكن . . . بما أنكِ هنا فلن أحتاج إلى أن أتصل بأحد . "
أبتهجتُ كثيراً وقلتُ :
" طبعاً . . يسعدنى ذلك كثيراً يا إياد . "
إياد قال بنبره تحمل تحذيراً واضحاً :
" أنا أحيا وحدى بالشقه . . فعائلتى تحيا فى بلدة أخرى . "
لم يعنينى تحذيره كثيراً ؛ فأنا قضيت عدة أيام بمنزل إياد دون أن يمسنى بسوء ، فصارت ثقتى به عمياء . .
سألته :
" هل يعلمون بأصابتك ؟ "
قال :
" كلا . . لم أخبر أحداً بهذا . . لقد عرف خالك بالأمر حين أتصلت به المستشفى بعدما وجدت رقم هاتفه مسجل بهاتفى . "
سألته :
" ولماذا لم تخبر عائلتك ؟ "
أجاب :
" والدتى عجوز . . لن تتحمل الصدمه . . أما والدى فقد توفى . . وليس لدى أشقاء أو شقيقات . "
سألته بدهشه :
" أذن . . فأنت ستحيا وحدك ؟ "
قال :
" لقد صار لى سنوات أحيا وحدى . . "
وأضاف :
" أنا أعرف كيف أخدم نفسى يا دانه ، حتى بعد أن صرتُ ضريراً . "
فى هذه اللحظه أقبل الطبيب المعالج لأياد وهم بفحصه فغادرت الحجره وأنتظرت حتى غادر الطبيب الحجره ثم عدتُ لأياد الذى قال لى :
" هيا بنا . . سننصرف الأن . "
أمسكتُ بيد إياد وقدته إلى سيارتى ، وأجلسته على المقعد المجاور لى ، ثم دورتُ حول سيارتى لأجلس خلف مقعد القياده ، وما أن دلفت إليها حتى بوهتت وتراجعت فى مقعدى بدهشه حين رأيت ذلك الذى يحدق بى بذهول ، وينقل بصره إلى إياد ، ثم يعود لينظر إلىّ والشرر يتطاير من عينيه . .
ولم يكن هذا الشخص سوى على !
*-*-*-*
تتبع
|