ركب الثلاثة السيارة واتجها إلى المنزل , فأخذت جيني تحاول التفكير بالمصيبة التي حلت بها , فما الذي دهاها لتذهب إلى الكنيسة وتدمر زواج غاري , لماذا أدخلته إلى حياتها وحياة الطفل بعد كل هذه السنين ؟
يا ليتها لم تفعل هذا , لكانت الآن برفقة مايك , تبا لما كان عليها أن تصغي إلى مايك وتسمي الصغير جوي , لماذا لم تسميه بليك أو ما شابه بدل هذا الاسم الذي تمسك به غاري بكل هذه القوة .
لم تنتبه جيني إلى أنها قد وصلت إلى بوابة المنزل الكبير الذي أتت إليها في الصباح , إلا حين سمعت غاري يطلب منها المفاتيح .
"المفاتيح؟ ".
لاحظ غاري شرود جيني منذ أن ركبا السيارة لكنه لم يرد إزعاجها بالسؤال عن حالها فحالته مشابه لها , كان يعرف أن مكوث جيني في منزله سوف يسبب المتاعب الكثير ويحدث جلبة رهيبة وبالأخص في قلبه , فهز رأسه لإبعاد هذه الأفكار وهو يقول :" مفاتيح سيارة أمي ".
نظرت جيني من حولها لتتصادم نظراتها بنظرات الحارس الذي كانت مصدوما لرؤيتها , وأخرجت المفاتيح من حقيبتها ولتناولها لغاري , فشعرت بنظرة إحسان وشكر في عيني الحارس لكونها لم تشي به .
"أريدك أن تخبر ستيفن بالذهاب إلى المطار لإحضار سيارة أمي ".
"سمعا وطاعة سيدي".
أكمل غاري طريقة إلى المنزل فسمع جيني تقول بسخرية :" هل من الضروري جدا أن يقول "سمعا وطاعة سيدي " ؟".
"من المفروض أن يحترم الجميع مخدومه".
لقد أوقف غاري السيارة بالقرب من درج المنزل ومن ثم طلب من جيني النزول , فأيقنت جيني أن لا مكان للتراجع الآن , ولكي تنجو من المتاعب
فعليها الحرص على الابتعاد عن طريق غاري ويلسون هذا , فنزلت تحمل جوي وتوجهت إلى الباب حيث طرق غاري وإذا برجل يبدو انه في الخمسينات من العمر يفتح لهما.
"مرحبا , لويس , أين السيدة؟".
"إنها تنتظرك في الصالة ".
"سألحق بها , وأريدك أن تنزل حقائب الآنسة والتر من السيارة , تركت المفاتيح فيها ".
"نعم سيدي"
"أرى أن الجميع هنا يطيعون أوامرك".
"نعم أتوقع هذا من الجميع ... دون استثناء". ومن ثم توجه إلى الصالة حيث تتواجد أمه , فشعرت جيني أن الحديث عن الطاقة يشملها إلا أنها فكرت أن على غاري أن ينتظر وقتا طويلا ليحصل على هذا منها.
"أمي , أعرفك على حفيدك جوي , ووالدته جيني والتر ".
أخذت السيدة ويلسون تراقب تحركات جيني وشعرت بغريزتها الأنثوية , أن هذه المرأة الشابة ستغير كل شيء في هذا المنزل, كما أن هناك أمرا مريبا بها , فهناك قلق ممزوج بالتمرد في عينيها وهذا ما لم تلاحظه في الكنيسة فمدت يدها قائلة :" تشرفت بمعرفتك ".
نظرت جيني إلى اليد الممدودة فظنت أن السيدة ويلسون تسخر منها لذا أجابت بسخرية حادة :" لا اعتقد هذا سيدتي , ففي الحقيقة إن أتت امرأة ذات يوم لتفسد زواج ابني جوي , لغضبت كثيرا ولما تشرفت بمعرفتها , لذا هل لنا أن نتجنب كل هذه الأكاذيب ولنتحدث بصراحة".
غضب غاري كثيرا من اهانة جيني لوالدته فامسك بذراعها لتواجهه وهو يقول :" لن اسمح لك أبدا بجرح مشاعر أمي , هل فهمت ؟".
شعرت جيني بالصدمة من نبرة كلام غاري , فعلمت انه على الأقل يحترم والدته كثيرا بل وأكثر انه مستعد لفعل المستحيل لأجلها , وهذا ما يناقض فكرتها عنه , فنظرت في عينيه لترى كيف اسودت نظراته , فشعرت بالخوف , إلا أنها سرعان ما تمالكت نفسها حين تركها غاري وذلك بعد أن قالت أمه :" اتركها غاري , فهي محقة .... كما أنها تبدو صريحة جدا , لذا فهي تعجبني كثيرا ... والآن جيني , هل تسمحين لي بمناداتك باسمك المجرد؟".
هزت جيني رأسها وهي تنتظر أن تتابع السيدة ويلسون كلامها :" الحقيقة حين استيقظت هذا اليوم توقعت شيئا مختلفا ... اقصد أن يتزوج ابني وتحضر بريندا إلى هنا ككنتي ... لكن لم يحدث هذا , بل حضرت إلى هنا أنت ومع حفيدي ".
توقفت السيدة ويلسون عن الحديث وهي تنظر إلى جوي وتقول :" لقد حان الوقت لنسمع ضحكات طفل في هذا المنزل , وان نراه يركض في جميع الأنحاء ... فبعد فقدان طفلي جوي ... ".
راقبتها جيني وهي تمسح دموعها فحزنت لهذه الأم التي فقدت طفلها فهذا أفظع شيء, وهي لا تعلم ما قد تفعله أن خسرت ابنها , وهذا ما قد تفعله إن بقيت في هذا المنزل , كما أنها اكتشفت الآن سبب رغبة غاري بتسمية طفله الأول جوي , وذلك لذكرى أخيه.
كما لاحظت جيني أن الفرق شاسع بين السيدة ويلسون وغاري , فالسيدة امرأة بيضاء البشرة ذات عينين زرقاوين كما أنها امرأة متفهمة وحنونة تحمل في نظراتها الرقة والدفء , فشعرت أنها تعرفها منذ مدة طويلة وكأنها تذكرها بأحدهم , لكن من؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
"هل تريدين أن تحملي حفيدك الأول سيدتي؟".
ابتسمت السيدة ويلسون وقالت :" بما أننا متفقات منذ البداية ما رأيك أن تناديني مارثا بدلا من السيدة ويلسون".
تقدمت جيني من مارثا ووضعت جوي بين أحضانها قائلة:" عزيزي ,
أعرفك على جدتك مارثا ".
بينما كانت جيني منتبهة إلى جوي وجدته دخلت فتاة جميلة جدا ولا يبدو أنها قد تجاوزت الثانية والعشرون فتوجه غاري إليها بالحديث قائلا :" اندريا , هلا تأخذين الآنسة والتر إلى غرفتها ؟".
"لا تناديني الآنسة والتر , فهذا يذكرني بالسيدة تيلر معلمة الصف الثالث , ناديني بجيني كما يفعل الجميع".
وقفت اندريا محرجة غير واعية لما تفعله فأكملت جيني حديثها قائلة لتبعد عنها الحرج :" أنت لا تعملين عندي , وأنا هنا مجرد نزيلة ولا اعرف إلى متى , فانا هنا لأجل طفلي ".
عرف غاري أن جيني تحاول أن تغيظه بهذا القول لكنه لم يستطع أن يرد عليها بسبب جميع الموجودين , فتمنى لو انه ... ليته.............
رافقت جيني اندريا إلى غرفتها وذلك بعد أن تركت جوي مع جدته ولم تستطع أن تحال دون التفكير في أن اندريا قد تكون إحدى عشيقات غاري , كما أنها لم تستطع تمالك نفسها من سؤال اندريا نفسها وذلك عند وصولهما إلى الغرفة .
ابتسمت اندريا وقالت :" أنا عشيقة للسيد ويلسون؟ كيف تفكرين بهذا؟".
"لا اعرف , أنت فتاة جميلة , ومن عادة غاري أن يغري كل فتاة يراها جميلة".
"أنت مخطئة جدا بالنسبة إلى السيد , جيني فهو شخص جيد فعلا , لكنه ارتكب خطئا فظيعا بحقك , لكن الجميع يرتكب الأخطاء , وذلك بقصد أم لا".
"أنا لا أريد مناقشة هذا الأمر الآن .. هل لك أن تأخذيني إلى غرفة الصغير؟".
أخذت اندريا جيني إلى غرفة جوي ووجدتها الأخرى غرفة مذهلة جدا,
كما أنها مليئة بالألعاب والدمى فقالت:" كيف رتبت هذه الغرفة بهذه السرعة؟".
"في الحقيقة عندما حضرت السيدة قالت أن الزفاف قد الغي وانه علينا تحضير غرفة لضيفة, أما هذه الغرفة فقد كانت بحاجة إلى تنظيف فقط فهي...".
"لجوي أخ غاري؟".
"نعم . سمعت لويس وهو يقول أن هذه الغرفة لم يطأها أي شخص بعد ما حصل, لكن لا احد يتحدث عن موت الطفل".
"هل لويس هنا منذ مدة طويلة؟".
"نعم, هو مرافق السيدة حتى قبل أن يولد السيد ويلسون ... جيني علي أن أعود إلى العمل , إن احتجت إلى أي شيء أرسلي في طلبي".
غادرت اندريا غرفة جوي الجديدة , فبقيت جيني وهي تنظر من حولها علها تستطيع أن تكتشف شيئا عن شخصية جوي المرحوم , فتساءلت في داخلها عن موته ولما يجعله الجميع يبدو كما لو كان سرا خطيرا, إلا أنها في النهاية أبعدت هذا الأمر عن ذهنها واتجهت إلى غرفتها منتظرة وصول لويس بالحقائب.
مرت عدة لحظات حتى مجيء لويس العجوز فشعرت جيني بوجوب الحيطة منه فهو مع العائلة منذ فترة ببعيدة جدا كما لو انه فردا منه لذا سألت :" أنت لا تقدرني كثيرا , أليس كذلك؟".
"أنا لا أعرفك لأكوّن انطباعا عنك".
"لكن مجرد سماعك أنني أفسدت زواج غاري يجعلك تأخذ هذا الانطباع, أنت كفرد من العائلة, إذن اخبرني ما الذي تقوله عني".
نظر لويس إلى جيني وقال :"عندما سمعت ما الذي قلته وفعلته في الكنيسة
شعرت أن هناك شيئا اكبر, وتساءلت عن الأمر... كنت تستطيعين إخباره من فترة طويلة, لماذا اخترت هذه اللحظة بالذات؟".
"في الحقيقة لم أرد إخباره أبدا, لكنني شعرت أنني مدينة لابني بذلك , لذا أخبرته قبل أن أسافر".
"هيا, لقد اخبرني بيلي....".
"بيلي؟".
"نعم, الحارس. كان يشعر بالذنب فاخبرني انك أتيت إلى المنزل وانه من أخبرك بزواج السيد وذلك بعد أن أقنعته بأنك صديقة له, كما انه اخبرني أن هذا حصل قبل ساعة من الزفاف, لما لم تأتي فورا وأعلمته؟".
استمرت جيني بالنظر إلى لويس فقد كان محقا, إذا لما انتظرت. فرأى لويس ترددها وقال :" اعتقد انك تبحثين عن الانتقام؟ لكن لما؟ ألانه تخلى عنك؟ لكنك فتاة قوية وتستطيعين تدبر أمرك كما فعلت حتى الآن".
"أنت لا تدري ما الذي تقوله".
" يوجد شيء مريب بشأنك, سوف أراقبك".
ما أن نطق لويس بهذه العبارة حتى ذهب في حال سبيله , فأخذت جيني تشعر بالقلق , أيقنت أن عليها إيجاد طريقة لمغادرة هذا المنزل قبل أن تفعل ما قد تندم عليه .
لكنها فضلت التفكير بهذا الأمر لاحقا لان ما عليها الآن فعله هو الاستحمام وتفريغ الحقائب فاختارت الأمر الثاني أولا.
أمسكت إحدى الحقائب لتفرغ محتواها فأخرجت منها ملابسها ووضعتها في الخزانة, إلا أنها قد تركت لها فستانا مكونا من قطعتين, تنوره قصيرة حمراء وبلوزة خضراء, ووضعتهما على السرير ومن ثم أخرجت علبة
الماكياج لتضعهما على المنضدة , وأخيرا فتحت الحقيبة الأخرى لتخرج منها الأحذية والملابس الشتوية؛ لتضع الأحذية في الدرج السفلي من الخزانة ولتعلق الأخرى وفي النهاية أخذت الملابس المتبقية في الحقائب والتي هي ملك لجوي إلى غرفته لتضعها في خزانته.
لقد دخلت جيني الحمام الموجود في غرفتها لتستحم , وبسبب وجود جوي مع مارثا لم تقلق وأخذت وقتها تحت الماء , فبدأت بالتفكير أنها حين قالت بأنها ستبدأ بحياة جديدة لم تعني السكن مع غاري , لكنها اتفقت مع القول انه من الأفضل أن تجعل صديقك قريبا لكن عدوك اقرب.
ولوهلة ظنت جيني أنها سمعت طرقا على الباب إلا أنها لم تكن متأكدة , لذا انتظرت بعض الوقت علها تسمعه مجددا, وحين فعلت أسرعت بالخروج من الحوض لتمسك منشفة وتلفها على نفسها وبعدها ركضت لتفتح الباب.
"أنا آسفة لإزعاجك جيني".
"لا باس, ما الأمر؟".
"يطلب منك النزول لتناول طعام الغذاء".
"حان الوقت؟ لابد أنني لم انتبه إلى الساعة . حسنا سأنزل بعد قليل".
نظرت جيني إلى ساعتها ووجدتها الثالثة, ولم تصدق هذا, فمنذ قليل أوقفت زفاف غاري.
عرفت أن عليها الإسراع فلا احد يريد الانتظار, فلبست ملابسها وسرحت شعرها وتركته مرميا على ظهرها ومن ثم وقع اختيارها على جزمه سوداء من الجلد وارتدتها, وفي النهاية وضعت القليل من احمر الشفاه, لكنها لم نضع غيره من الماكياج.
"عذرا على التأخير".
لاحظت جيني النظرات نحوها فسألت:" امن مشكلة؟".
ابتسمت مارثا وقالت :" أنت فتاة جميلة جدا , إن الأخضر يناسبك تماما".
لقد لاحظ غاري هذا بالمثل إلا انه لم يتجرأ على البوح بهذا فاكتفى بالنظر إليها.
"شكرا ".
ابعد غاري نظراته عنه ومن ثم قال :" لويس اطلب من اندريا أن تباشر بتقديم الطعام".
"أين جوي ؟".
"أراد أن يرى الحديقة فطلبت من إحدى الخادمات أن تصطحبه, أرجو ألا تمانعي ".
"لا , لا باس , لكنني أردت أن أطعمه فقط".
"لقد اهتممت بهذا, فهو حفيدي".
ابتسمت جيني لمارثا وهي تقول لنفسها أن ليس عليها الغيرة من حب مارثا لجوي بل بالعكس عليها أن تفرح لأنها قد تقبلته كحفيد لها . ومن ثم لاحظت الطعام وهو يتدفق, ووجدت انه مكون من أجمل المأكولات مثل لحم البقر المشوي, دجاج, حبش, أرز مطبوخ وعدة أنواع سلطات من الخضار وغيرها.
عرفت أن هذا لابد أن يكون طعام الزفاف لذا قالت بوقاحة:" يبدو أن الطاهي لن يطهو أي شيء هذه الفترة, فالطعام يكفي لأيام عديدة".
انتبه غاري إلى السخرية في كلام جيني وأراد الرد لولا صوت أنثوي جميل وعذب صرخ يقول :" ماذا؟ّّّّّ ما الذي تفعله هذا الساقطة هنا؟".