بدات جيني بالبكاء قائلة :" يا الهي , كيف حصل هذا؟ كيف كنت عمياء وسمحت هذا؟... لا , لا استطيع بدء حياة جديدة دون ان اقلب صفحة الماضي, لا استطيع ان اسعد مع احبائي وان انتقل الى مكان اخر دون ان اترك الاطياف ورائي".
اشرقت الشمس فاستيقظت الحسناء التعسة من نومها, وهي تعلم ان الوقت قد حان للقيام بالامور المستعجلة وعليها ان تفعل هذا قبل الرحلة المنتظرة . ارسلت بيدها الرفيعة والصغيرة الى الخزانة لتلتقط منشفة للذهاب الى الحمام.
"يا الهي, لم يبق سوى ساعتين, علي ان اسرع". هذا ما قالته جيني عند دخولها الحمام مستعجلة لتخرج بعد دقيقتين وهي تغطي نفسها بالمنشفة, ففتحت الخزانة لتخرج بنطلون جينز مع قميص ابيض ذو فتحة قصيرة, ارتدتهما بسرعة وارتدت ايضا حذاء ذا كعب منخفض ومن ثم اتجهت الى غرفة ملتصقة بغرفتها وهي ترفع شعرها بشريطة صغيرة الى الاعلى ومن ثم لترميه كذيل على ظهرها.
"هيا حبيبي, حان وقت النهوض".
هذا ما قالته لحظة دخولها الغرفة, فاقتربت جيني من حبيبها واذا به طفل صغير لم ييتجاوز الثالثة والنصف من العمر. حملته بين ذراعيها وهي تطبع على وجنتيه اجمل القبلات واروعها والتي تؤكد مقدار حبها ولهفتها اليه.
وضعت في حوض الاستحمام وهي تقول:" اني افعل هذا لاجلك فقط عزيزي, حتى اكون مرتاحة البال, وذلك حين تسالني يوما عن الحقيقة, والتي انا متاكدة ان هذا الامر سرعان ما سياتي".
مرت عدة دقائق وهي تحدث الطفل في وقت استحمامه, بعد ذلك اخذته الى غرفة باردة وفارغة من الاشياء الاساسية التي يحتاجها الطفل وذلك بسبب تجميع اغراض المنزل بهدف الانتقال الى دولة اخرى, والبسته الملابس التي حضرتها منذ الليلة الماضية, وهي تقول:"حان الوقت, اليس كذلك؟".
بعد ان شعرت الفتاة الشابة بانها جاهزة للذهاب, امسكت بورقة وكتبت تقول:" عزيزي, اضطررت للذهاب للقيام ببعض الامور, سوف اقابلك في المطار, لا تخف لن افوت هذه الرحلة مهما حصل, احبك".
ومن ثم دلفت بها تحت باب غرفة ثالثة واخذت الطفل مغادرة وهي تعرف ان هذه اخر مرة ستغادر بها من هذا الباب.
غادرت جيني المنزل مع الطفل وحاولت ان تصل الى سيارة اجرة باسرع وقت الا انها لم تكن تعلم ان الطرق مزدحمة بهذا الوقت وعلمت انها قد ارتكبت غلطة بعدم الاتصال بالسيارة قبل خروجها, فالتفت نحو المنزل وتقدمت عدة خطوات حتى تذكرت ان هناك احد في المنزل غير موافق على ما هي مقدمة عليه وقد يحاول ثنيها عن فعل هذ وهي بغنى عن النقاش في الوقت الحالي, لذا اسرعن تركض نحو الشارع وهي ممسكة بالطفل بشدة واذا بها تصادف سيارة اجرة فاوقفتها قائلة :"لابد ان هذا يوم سعدي".
ركبت السيارة وهي تخبره بوجهتها واذا بها تصل بعد ثلث ساعة, وطلب السائق اربعون دولارا, وكانت على وشك الدفع له, والسماح له بالذهاب, الان انها قد شعرت ان هناك امرا ليس صحيحا, وان هناك امرا سيئا سيحدث, فاعطته ما طلب كما انه قد طلبت منه البقاء.
فقال السائق:" سوف انتظر انستي, لكن عليك ان تعي ان العدد ما زال يعمل".
"نعم, اعرف, شكرا لك".
توجهت جيني نحو الباب الرئيسي لتطرقه بقوة واذا بالحارس يفتح لها.
"معذرة, سيدي, انني ابحث عن صاحب المنزل".
"انا اسف , انستي, فلا احد موجود هنا , فالجميع في الكنيسة".
"الكنيسة؟!". سألت.
"نعم , انستي , الم تعلمي ؟ سيتزوج السيد هذا اليوم".
علت الدهشة على وجه جيني , فكيف تفوت هذا الخبر , فلا بد انه قد نشر في العديد من الصحف , فكيف امكنها ان تغفل خبر بهذه الاهمية؟".
نظرت الى الحارس وقالت:" نعم, اعرف هذا, فانا صديقة مقربة منه, فهو قد دعاني بنفسه , لكنني قد ظننت انه سيتزوج في القصر".
"لا , انستي".
"من فضلك , انا لا اعرف في اي كنيسة , هل لك ان تخبرني , من فضلك".
"لا اعرف . لا اعرف ان كان يجدر بي فعل هذا...". لاحظ الحارس الحزن على وجه جيني فاكمل حديثه قائلا:" حسنا... لكن لا تخبري احدا انني من اعطاك العنوان, لانني قد اقع في ورطة كبيرة وقد اخسر عملي , سوف يقام الزفاف في كنيسة سانت باربرا , بعد ساعة".
شكرت جيني الحارس مؤكدة له الا يقلق فلن تخبر احد ومن ثم غادرت وهي تفكر ما الذي ستفعله في هذه الساعة . كما انها ايقنت انه عليها ان توقف زفاف ذلك اللعين , فهو لا يستحق السعادة بعد ان فعل ما فعله.
توجهت جيني نحو السيارة ومن ثم طلبت منه ان ياخذها الى الكنيسة واعطته العنوان. نظرت جيني من حولها بعد ان انصرف السائق بحال سبيله ورأت ان المدعوون ما زالوا يتوقفون امام الكنيسة فايقنت ان عليها الانتظار مدة اطول بعد , فمن صبر لسنوات يستطيع الانتظار لعدة دقائق.
فرات عن قرب مقهى فاتجهت نحوه بالطفل وجلست الى طاولة قريبة من النافذة المطلة على الكنيسة وهي تفكر ان الانتقام عليه ان يكون مريرا وما افضل من انتظار اللحظة الاخيرة لوقف الزفاف, اما الان فعليها ان تنتبه الى صغيرها علها تنسى ذلك الحقير لبعض الوقت, وهذا ما فعلته, ولم تنظر الى النافذة الا حين انتبهت الى ساعتها وهي تلاحظ ان الوقت قد حان.
اخذت تراقب المدعوون وهم يدلفون الى داخل الكنيسة , وعندما دخل اخر المدعوين, حملت الطفل بين ذراعيها وولجت هي ايضا.
التفتت الى العريس واذا به رجل طويل القامة, عريض المنكبين, اسمر جذاب ووسيم, اتجهت بنظرها الى وجهه لترى توتره فقدرت ان السبب يعود الى وقوفه امام المذبح.
كانت تقف الى جانبه امراة انيقة وحسنة المظهر , امراة قد تكون في اواخر الخمسينات الا انها ما زالت امراة فاتنة جدا, وعلمت انها امه.
ارتفع صوت الموسيقى فذهبت جيني بعينيها الى رجل يعزف على البيانو فاعجبه عزفه, ومن ثم التفتت الى حيث ينظر الجميع.
فقد دخلن فتيات صغيرات وسرن على الممر وهن يرمين الورد الى كل جانب, وبعد ان جلسن , دخلت ثلاث قتيات يرتدين فساتين مماثلة بلون الوردي, وايقنت انهن الاشبينات, كما ايقنت جيني ان هذا الزفاف لابد ان يكون من افخم الاعراس على الاطلاق وذلك من حيث الاناقة والمبالغة في التزيين والديكور.
وها اخيرا تقدمت فتاة شابة شقراء وهي ترتدي فستانا ابيضا طويلا, مكون من قطعة واحدة مرسعة بالالماس المزيف مما يزيد من جماله ورونقه, كانت ممسكة بذراع رجل عجوز فعرفت انه لابد ان يكون الوالد الفخور.
اعادت جيني نظرها الى العريس فراته مبتسما فرحا, فشعرت ببغض شديد, واذ بالموسيقى تتوقف فجاة, وليقول الكاهن:" سيداتي , آنساتي, لقد اجتمعنا اليوم لنحتفل بجمع الحبيبين غاري ويلسون وبريندا جاكسون, وما جمعه الله لا يمكن لاحد ان يفرقه , فمن لديه سببا لوقف هذا الزفاف فليتكلم الان او ليصمت الى الابد".
عرفت جيني ان هذه فرصتها الاخيرة للكلام, الا انها لم تجرؤ على فعل هذا , واخذت تراقب المدعوين على امل ان يعارض احد غيرها, الا ان هذا لم يحدث, لذا اراد الكاهن ان يتابع عقد القران , الا ان غضبها قد تغلب على كل ذرة منطق لديها حين نظرت الى العريس لتراه مبتسما,فصرخت قائلة:" انا اعارض هذا الزفاف".