الفصل الثاني:
اخذ الجميع من حولها ينظر اليها بنظرات مملوءة بالغضب, فشعرت بقدميها يخونانهاالا انها ايقنت انه لم يعد هناك مجالا للتراجع, فتقدمت الى الامام بخطوات ثابتة وهي تأكد قولها للكاهن انها تعارض هذا الزفاف.
ومن ثم ارسلت بنظراتها الى غاري الذي كان محتارا بامرها, فمن هي هذه الفتاة الشابة يا ترى؟ فهو لا يذكر انه قد قابلها يوما فمن هي؟
تقابلت نظراتها بنظراته وهي تقول له بصوت مرتفع على امل ان يسمع الجميع كلامها دون استثناء :" انا ادعى جيني والتر... وهذا الصغير ما هو سوى ابن غاري ويلسون".
لابد ان جميع الحاضرون صدموا لهذا الخبر , لكن ليس اكثر من غاري , الذي اخذ ينظر اليها غير مصدقا .
سبق له ان كان على علاقة مع هذه الفتاة ؟! هذا مستحيل , فلو كان كذلك لما سمح لها ان تفلت من يديه , فهي ملاك ساحر بعينيها الخضراوين وبشعرها الاسمر الطويل وبصوتها الرنان ذلك.
هز غاري رأسه ليبعد هذه الافكار التي اجتاحت عقله , فهذا ليس الوقت لينظر الى عينيها بهذه الطريقة , بل عليه ان يحاول فهم ما يحدث هنا , لذا اراد ان يسألها عما تقوله الا ان والدته اسرعت مستفسرة سائلة :"عذرا ؟! ".
اجابت جيني باستخفاف قائلة :" انا اعذرك ... اخبرني يا غاري من بين جميع الفتيات اللواتي قابلتهن , هل تذكر فتاة مراهقة قد استمتعت برفقتها ومن ثم تخليت عنها ؟".
لقد اطال غاري النظر اليها مفكرا انه لو قابلها ذات يوم لما استطاع نسيانها , فهي امراة صاحبة حضور وتأثير كبير , لذا لم يستطع ان يجيب مما جعل جيني تكمل قائلة
:" حسنا , في الحقيقة لم اتوقع ان تتذكر لذا سوف اساعدك .. لقد كنت في جزر الكاريبي , طبعا قبل اربع سنوات .. بشأن عمل ما , على الاقل هذا ما قلته , وعندما فرغت منه لم ترد العودة , بل بحثت عن مغامرة صغيرة , وقد كنت اناالمعنية بهذا . كنت انت رجلا ناضجا ومسؤولا بينما كنت انا مجرد فتاة مراهقة بلا تجارب وسخيفة واستطعت انت اغوائي ".
عاد غاري بذكره تلك اللحظات الصعبة في حياته والذي حاول جهده نسيانها , الا انه لم يستطع ان يتذكر جيني او ما حصل بينهما, لكن شعور قوي في داخله انبأه انها تكذب , لكن ما السبب ؟
اعاد نظره اليها واستطاع ان يسأل بصعوبة :" ما هذه السخافة التي تتفوهين بها ؟"
"لا بأس , حضرت الى هنا وأنا اعرف انك لن تستطيع ان تتذكرني , فلا بد انه قد مر عليك العديد من الفتيات قبلي ويعدي , فأنا مجرد ساقطة بالنسبة اليك, اليس كذلك ؟".
اراد غاري ان يحتج على كلام جيني والتي تصفه على انه وحشا خاليا من الاحاسيس الا انها قد كانت اسرع منه واكملت حديثها قائلة :" كنت انا اجلس وحدي على احدى المائدات واذا بك تقترب وتسألني "لماذا يجلس هذا القمر وحده في ليلة مقمرة كهذه ؟"
هيا لا تخبرني انك تستعمل هذه الجملة المبتذلة مع كل فتاة يقع نظرك عليها؟".
لم يتذكر غاري انه قد استعمل هذه الجملة مع اي فتاة قط , فكما تقول جيني فأن هذه الجملة فعلا جملة مبتذلة , وعندما يحاول ان يوقع بفتاة ما فلديك طرقه الخاصة ولكن اي منها لا تشمل هذه الجملة.
عرفت جيني ان غاري لا يستطيع التذكر وهذا ما قرأته في عينيه العسليتين , وابتسمت بسرها وقالت :"ما زلت اذكر تلك الفترة التي قضيناها معا , يا لها من عطلة جميلة .. هذا ليس مهما الان , فأنا اتيت الى هنا لاسباب اخرى".
تمعن غاري بنظر جيني فعلم بغريزته انها تخفي شيئا ما فما هو يا ترى , الا انه كان متاكدا من انه لم يرها من قبل , لذا قال لها :" اخبريني جيني , هل لديك ما يؤكداننا سبق وكنا على علاقة غرامية ؟".
تظاهرت جيني بالالم وقالت وهي تخرج صور من حقيبتها :"طبعا معي دليلا , لكنني لم اكن اعرف انك ستنكر كل شيء وبهذه الطريقة ... انظر الى هذه الصور".
اخذ غاري الصور من يدها وهو مستعد ان يقسم بانها تكذب , الا انه قد صدم وهو ينظر الى الصور فهذه صوره , واعاد النظر اليها وهو لا يفهم شيئا مما يدور حوله , مما جعل امه تأخذ منه لصور وهي تقول :"ان هذه الصور ممزقة".
"طبعا , انها كذلك , فعندما تخلى عني ابنك اصبت باحباط شديد ... انتظري اتظنينني اكذب ؟ ان هذه الصور لم يسبق لابنك ان أخذها سوى معي وفي تلك الرحلة , هيا اساليه ".
لم يكن امام غاري سوى الاعتراف بصحة كلامها مع انه ما زال متشكك بهذا , كما يبدو ان العروس قد افاقت من صدمتها واخذت تسأل بغضب :" وما الذي تريده الان ؟ هل تتوقعين منه ان يتزوجك ؟ الهذا اوقفت الزفاف ؟".
لم يخطر ببال جيني ان بريندا ما زالت تريد غاري مما شكل لها صدمة , فهي لم تكن تريد هذا , بل ارادت منها ان تتركه وهنا على المذبح.
بعد ان افاقت جيني من افكارها قالت :" لا , ليس هذا اريده , ففي الحقيقة ما اريده هو شيء اخر تماما , سوف انتقل اليوم الى فلوريدا ولن اعود , فقد استقلت من
عملي وبعت المنزل لذا فضلت ان اتمم كل شيء لابدا حياة جديدة وهذا يشمل غاري ايضا ".
انزلت جيني الصغير على الارض واكملت قائلة :" بعد ان مزقت الصور , عرفت ان ابني سيسألني عن والده يوما ما , لذا احتفظت بها, لكن الان...".
توقفت جيني عن الكلام حين اخرجت من حقيبتها مسدسا ووضعت يدها على الزناد مستعدة لاطلاق النار , فهلع الجميع من حولها ما عدا غاري الذي التمعت عيناه بالسخرية , وذلك لانه قد قرأ المتعة في عينيها مما جعله واثقا ان المسدس لعبة صغيرة
لذا قال :"هذه لعبة جميلة".
ابتسمت جيني وقالت :"انها لعبة ابني".
"حقا ؟ ولما هي معك الان ؟".
" هذا فكرتي للمستقبل , اخرج المسدس امام طفلي ,قبل الانتقال من هذا البلد , وان سألني عنك يوما فسأقول "عزيزي , الا تذكر ذلك اليوم حين كان والدك يتزوج ؟ لقد اطلقت عليه النار وهربت".
اراد غاري الضحك باعلى صوته , الا انه شعر ان الوقت غير مناسب لهذا بتاتا , انما هذا لم يمنعه من الاقرار ان جيني والتر هذه فتاة مثيرة للاهتمام حقا , لذا ابتسم قائلا :"هذه فكرة لطيفة , لكن الم تقولي ان الصور للصغير ؟ هذا يعني انه سيعرف الحقيقة يوما من التلفاز او الصحف ".
"لا اعتقد هذا , عائلتي ليست من هذا النوع .. الان اعطني هذه الصور فلدي رحلة علي ان الحق بها ".
لسبب ما كان صعبا على غاري ان يعطيها الصور , ايعقل انه اراد لهذه التمثيلية ان تستمر , وان يجعلها تفوت الطائرة ؟ ما الذي دهاه , فها هي بريندا تقف امامه وما زالت مستعدة للزواج منه رغم ما حدث , فما الذي يحدث له؟
تراجعت جيني الى الخلف بعد ان حملت طفلها الا انها توقفت بعد عدة خطوات قائلة :"عذرا على السؤال ,انما علي السفر الى المطار وصعب جدا ان اجد سيارة اجرة في هذه المناطق , هلا يعيرني احد سيارته ؟ بعد الزفاف يمكنه الذهاب الى المطار لاخذها .. اعدكما سوف اعيدها لكم".
لقد تعجب الجميع من وقاحة جيني ومن ضمنهم غاري ووالدته التي اسرعت قائلة :"خذي سيارتي , كن عليك الرحيل من هنا وبسرعة".
امسكت جيني المفاتيح من يد السيدة ويلسون واذا برنين هاتف يرن , نظر الجميع اليها ببرودة لذا ارادت الانكار ان هذا الهاتف لها فهي لا تملك هاتف خلوي, لولا انها قد تذكرت ان الصغير قد وضع هاتف مايك والذي هو من كان ينام في الغرفة الثالثة في حقيبتها قبل النوم , لذا قالت عوضا عن ذلك :"يا لفظاظتي , لقد نسيت ان اغلق الهاتف في الكنيسة , لكن علي ان ارد فقد يكون الاتصال مهما جدا".
"الو... مايك , لقد انتهيت من الاعمال التي كان علي القيام بها , سوف احضر في غضون عشر دقائق".
قال مايك بخوف واضح :" معم , انجي , لكن اين انت ؟ سوف تقلع الطائرة بعد نصف ساعة".
"هيا عزيزي , لا تقلق , قلت لك انني لن افوت هذه الرحلة , وحين احضر سأخبرك بكل شيء , وداعا , احبك".
"... عذرا على هذا ".
اطفئت جيني الهاتف واتجهت الى الخارج , الا انها عادت وقالت :" انا اسفة , لقد نسيت اعطائك هذه , انها شهادة ميلاد طفلنا".
ومن ثم تحولت جيني بنظراتها الى العروس قائلة :"انا اسفة على افساد زفافك , لكن صدقيني انا متاكدة انك تستحقين شخصا افضل من هذا الرجل , كما انني اتمنى ان تجدي رجلا يحبك حقا , فغاري غير قادرا على حب اي شخص سوى نفسه".
فجأة شعر غاري برغبة انها هذا غير صحيح , الا انه لم يستطع , فهو صحيح كان على وشك الزواج من بريندا الى انه لم يكن مغرما بها حقا , مع انه يكن لها الكثير من الاحترام.
فصرخ السيد جاكسون قائلا :" انت محقة انستي ...".
تركته جيني مغادرة الكنيسة وهي تتمنى لو تستطيع البقاء لتشهد تدمير حياة الحقير غاري ويلسون, الا انه عليها الانطلاق الى المطار فهناك ينتظرها مستقبلها.
غادرت جيني الكنيسة وهي تظن انها ستغادر البلاد دون رجعة , تاركة غاري يغرق بحيرته وتساءلاته عن تلك المراة الغامضة التي تدعي انها ام طفله والتي تركت تاثيرا كبيرا عليه , ولم يخرج من شروده سوى على شهقة استغراب امه التي لاحظت شيئا مثيرا في شهادة ولاد الطفل.