عاد غاري هذه الليلة الى المنزل متاخرا و فهو قد اهمل عمله كثيرا هذه الايام فوجد امه تجلس على الشرفة شاردة الذهن, وعلم انها نعاني, بسبب مايك وبسببه ايضا.
"مساء الخير".
"مساء الخير".
"هل عاد جوي؟".
نظرت مارثا الى غاري واجابت:" نعم, وقد كان سعيدا جدا".
ضحك غاري وهو يجلس على المقعد بجانبها وقال:"لا بد ان هذه ادخل السرور الى قلب الصغيرة".
نظرت مارثا الى وجه غاري وعلمت انه هو الاخر يتالم, وان كانت قادرة على مساعدته فسوف تفعل لذا سالت:" الم تفهم بعد لما اخبرتك الحقيقة؟".
لم يعرف غاري الاجابة رغم انه سال نفسه السؤال ذاته مرارا وتكرارا لذا اجاب بسخرية:" لا اعرف, ربما ظنت انها هكذا قادرة على ايلامي".
"من تخدع؟ انا ام نفسك؟ يا الهي كيف لم تكتشف الحقيقة بعد؟".
صمتت مارثا قليلا لتكمل قائلة:" في اول يوم قابلناها, في الكنيسة لم يصدقها احد, وذلك لسبب واضحا جدا, فقد ظنها الجميع طفلة, انا, انت, بريندا, الجميع , وقد كانت كذلك, رغم انها حاولت لبس جلد النمر, الا انها كانت طفلة, الا ان هناك سبب جعلها تخبرك الحقيقة, الا تريد ان تعرف ما هو".
حاول غاري التفكير بسبب الا انه كان مشتتا ولم يعرف, فهذه الايام السابقة جعلها تعب حتى لدرجة تمنعه من التفكير, فابعد بصره عن والدته لينظر نحو النجوم, بينما اكملت مارثا قائلة:" انت السبب غاري, لقد وقعت بغرامك".
اعاد غاري بصره نحو امه غير مصدق ما تقوله بينما هزت هي راسها قائلة:" ان جيني لم تكن تؤمن بالحب ابدا, مما دفعها بالابتعاد عن الرجال دوما, لذا فهي عذراء".
نهض غاري من مقعده وهو ينظر الى امه ويقول:" عذراء؟".
"نعم عزيزي, اعتقد ان هذا السبب الذي جعلها تخبرك الحقيقة, فان كانت عذراء فكيف تكون والدة جوي؟".
تكر تلك الليلة التي كادا ان يطارحا الغرام, ففهم اخيرا سبب تراجع جيني, لم تكن تريده ان يعرف تلك الطريقة, فاخرج مفتاحه من جيبه وابتعد عن الشرفة مسرعا.
"اين تذهب؟".
"لن استطيع النوم قبل ان اعرف الحقيقة".
"سوف انتظرك".
ركب غاري وهو لديه بصيص امل صغير, عليه ان يعرف ان كانت جيني تحبه ام لا, ولا يهم ان كانت امه مخطئة , فطالما لديه الشك فعليه ان يتاكد.
استيقظت جيني من نومها على صوت الجرس فشعر مايك بتحركها, فالتفتا الى الساعة ووجداها قد تعدت منتصف الليل وتساءلا عمن قد يكون قد اتى في هذا الوقت.
نهض مايك عن السرير, ليفتح الباب فاوقفته جيني لتشير اليه ان ياخذ صينية الطعام معه.
انتظرت جيني قليلا عودة مايك وحين رات مقبض الباب يدور سالت :" مايك, من حضر؟".
"انه انا".
عدلت جيني من مقعدها فارادت النهوض الا ان غاري اسرع اليهاو ارجعها الى مقعدها قائلا بحزم:" ابقي مكانك ولا تنهضي"
نظرت جيني الى غاري فلاحظت الحزن في عينيه وفي كلامه وسالت اول ما خطر ببالها:" اين مايك؟".
جلس غاري على الكرسي القريب من السرير ومن ثم ابتسم ابتسامة صغيرة وقال:" سالني عن امي فاخبرته انها ما زالت مستيقظة, لذا قال انه سيذهب اليها ليخبرها انه ابنها الضائع".
علت الدهشة على وجه جيني فقالت:" كيف علم؟".
"عندما سالته اخبرني انك لم تكذبي عليه سابقا وانه عنمدما كنت تتحدثين عن امي كان يعلم انك تخبئين شيئا فشعر بالامر عندما اخبرته بكل القصة, كما انه اخبرني انه قد شعر بشعور غريب عندما دخل غرفة جوي".
"علمت هذا".
صمتت جيني واخذت تنظر الى غاري وشكله المزري فسالت:" جديا غاري. ماذا تفعل هنا؟".
حك غاري انفه باصبعه وقال:" علمت انك مريضة واردت الاطمنئنان عليك".
طهيا لا بد انك كنت تريد ان تنجح عملية الانتحار حتى تستطيع التخلص للابد".
"هل تعتقدين هذا فعلا؟".
علمت جيني بداخلها ان هذا غير صحيح لكن شعورها نحوه يجعلها تتصرف بعدائية في كل مرة تراه فيها, لذا نظرت الى الجهة الاخرى من الغرفة دون ان تتكلم فاقترب غاري منها ومن ثم امسك بيدها الباردة.
"جيني لما لا تفهمينني, عندما تعرفت الى ديلين كنت رجلا تعيسا وضائعا, ولم افهم من حولي شيئا".
صرخت جيني به قائلة:" تتوقع من الجميع فهمك, لكنك لا تفهم اي شخص, كيف امكنك ان تفعل بي هذا؟ ان تحرمني من طفلي؟ وبعد كل شيء تنتظر مني الفهم".
"لقد شعرت انني مخدوعا, كنت محقة, سكنت في منزلي خمسة اشهر دون ان ادري الحقيقة, فشعرت انني مغفل, لذا غضبت ولم اعرف ما علي فعله, وكان الحل امامي وهو ان انتقم منك... لكن في الحقيقة اظنني كنت اعرف الحقيقة منذ البداية, فقد كان هناك صراعا بين عقلي وقلبي, فعقلي يقول انك فعلا حبيبتي السابقة وام طفلي بينما كان قلبي يقول لي ان هذا غير صحيح, فلا يمكن ان نكون قد خرجنا سويا, لانني لو كنت قد تعرفت اليك مسبقا لاخذتك من يدك وتزوجتك ولو بالقوة"
صدمت جيني من كلام غاري فما الذي يقوله, نهض الاول من مقعده ليكمل قائلا:" من اول مرة رايتك فيها توقفت عن التنفس, وكان قلبي ينبض بسرعة كبيرة, وعندما غادرت الكنيسة علمت ان علي ايقافك باي ثمن, لذا لحقت بك الى المطار, وقد كذبت عليك فانا لم اعرف ما الذي يحدث لقلبي وعقلي لذا قلت لك انني لحقت بك بسبب الصغير وهذا لم يكن صدقا, لانني لم انتبه له سوى في المطار, ومع الايام ازدادت حيرتي وازداد شعوري نحوك لذا بدات بالتهرب منك, وكمك شعرت بالغيرة حين دخل الاخوة كوينز الى الصورة, ااااااااااااااااه كم شعرت بالغيرة".
لم تستطع جيني التحدث فكل ما يقوله غاري غريب عنها ولم تكن لتحلم به لذا سكتت سامحة له بمتابعة الحديث.
"لقد فرحت كثيرا عندما علمت ان ديفيد مجرد صديق, وكم تمنيت لو كان هاريسون صديقا هو الاخر, لذا قد تعرضت الى اسوا الصدمات حين رايته يعرض عليك الزواج".
"رايته؟".
"نعم, كان لدي اجتماع في تلك الناحية من المدينة, وعندما رايتك تبتسمين, لم اتحمل البقاء لاراك ترتدين الخاتم, وحين رجعت الى المنزل كنت ترتدين القفازات ولم اعرف ما الذي حصل, واذا بك تطلبين مني التحدث ظننتك تريدين ان تخبرينني انك ستتزوجينه وانك ستغادرين المنزل بصحبة جوي, وما كنت لاقدر على تحمل هذا, لذا كنت لئيما جدا".
ارادت جيني تصديقه لكنها شكت انه ربما يخادعها, او يشفق عليها, وما كانت تريد هذا, فهي تحبه فعلا, وتريده لها وحدهاو وغير مستعدة لمشاركته مع اخريات, قد تقبل بها الان ليجعلها تنتظره طويلا في الامسيات عندما يكون برفقة امراة اخرى, لذا قالت بكل ما لديها من برودة:" عندما يحب الرجل امراة ما فانه يكون لها قالبا وروحا, وهذا ما لن تكونه ابدا, اخبرني ماذا عن سارة؟".
عرف غاري ان لكي يثبت لجيني ما يقوله عليه ان يتنازل عن اخر ذرة احترام لاجلها, وان عليه التضحية في سبيل ذلك, لذا توجه الى ناحية النافذة وهو يقول:" منذ ان تعرفت اليك لم استطع ان اكون مع اي امراة اخرى, حتى مع بريندا, وفي ذات يوم اخبرتني انك تلقين السحر علي, اما بالنسبة الى سارة, فقد سبق لنا ان جربنا علاقتنا معا ولم ننجح, فكيف تظنني ان قد اقيم علاقة معها مجددا, لكن وجودها كان سندا لي ذلك الصباح وهذا يعود الى كونك قد رفضتني في الليلة السابقة, حين طلبت مني المغادرة ظننت انني اثير اشمئزازك".
اسرعت جيني لتقول دون وعي منها:" هذا غير صحيح, لم اردك ان تعرف الحقيقة بتلك الطريقة".
تقدم غاري منها وجلس على السرير ينظر اليها وهي تدير له ظهرها, فوضع يده على جسدها وهو يقول:" هذا ما فطنت اليه الليلة, اخبريني جيني, لما قلت لي الحقيقة؟ فلو كنت مكانك لاحتفظن بالامر سرا, وذلك كي لا افقد طفلي, فلما بحت بالامر؟".
عرفت جيني ان يذل نفسه بهذه الطريقة مما جعلها تلتفت اليه لتخبره ما يريحه, فنظرت الى عينيه ورات ما سبق لها ان راته.
انها النظرة ذاتها التي راتها حين كان ينتظرها اسفل الدرج, وينظر اليها في المكتبة والحفلة, انها نظرة العاشق الى محبوبته, ولو كانت تعرف الحب قبلا لفهمت هذا الامر, لذا رفعت يدها الى خده وقالت:" احب نظرة عينيك هذه".
ابتسم غاري وقال فرحا:"انها ذات النظرة في عينيك, ولو لم نكن احمقين عنيدين لفهمنا ذلك".
ضحكت جيني وقالت:" لم اكن اعرف الحب يوما, لكنني مدينة بذلك لهاريسون فلولا عرض الزواج ذاك لما فهمت انني احبك وهذا كان سبب فرحتي تلك الليلة, لكنك افسدت الامور بغضبك".
"ماذا توقعت مني ان افعل؟ كنت اظن انني قد خسرتك الى الابد, لكن هذا الالم لم يوازي الالم الذي شعرت به حين علمت انك في المشفى وانك قد حاولت الانتحار بسببي. لقد شعرت بطعنة في قلبي وشعرت انني على وشك الموت , لذا ذهبت الى المستشفى لاراك".
"اذا ذلك لم يكن حلما او خيالا, فقد كنت الى جانبي فعلا, انت من اعادني من الموت, وبسبب وجودك معي, شعرت بطعم الحياة من جديد".
"ااااااااااااه جيني, لم اعد اتحمل فكرة الابتعاد عنك, فانا احبك اكثر من اي شيء في هذا العالم, وان هذا الحب الذي اشعر به لم يسبق ان شعرت به سابقا ولا حتى مع خطيبتي السابقة".
علمت جيني انه لم يعد هناك مجالا للشك فغاري يحبها كما تحبه, لذا التصقت به وقالت:" لا ادري متى وقعت بحبك غاري, لكنني كنت اعرف انه بوجودك كنت اظهر كل صفاتي السيئة, وان كلامك الجارح كان يؤثر بي ويجعلني اذرف الدموع لكنني لم اعرف السبب".
عانق غاري جيني بقوة وقال مبتسما:" لقد تمنيت هذه اللحظة لفترة طويلة, بحيث انني لم اعد اصدق شيئا".
"صدق غاري انني احبك وساحبك لكل ما تبقى لي من العمر".
تعانق الاثنان بكل حب وعلمت جيني انها قد تخطت اخيرا الخطوة الاولى والاساسية لطريق السعادة لجانب الرجل الذي تحبه من كل اعماقها.