لم تستطع جيني النوم طوال الليلة اذ انشغلت في التفكير فيما حصل منذ ان اخبرت غاري الحقيقة, وتساءلت عما يفعله الان وفي هذا الوقت, وان كان سعيدا لانه قد تخلص منها الى الابد, لكنها اقسمت على فعل المستحيل حتى لا تفقد ابنها, ولكي تفعل هذا عليها ان تطلب المساعدة من ابيها, الوالد الذي رفضته طوال حياتها.
عادت جيني تتكر كيف استقبلها ابيها دون ان يسالها عن اي شيء خوفا من انزعاجها وكل ما فعله كل دلها على غرفة قائلا انه احتفظ بها من اجلها.
اخذت تتذكر ملامحه الحزينة عند استقبالها كما لمحت اثار السنين على وجهه الشاحب, فحاولت ان تتكر الصورة التي تعرفها عنه منذ ان كانت طفلة.
اشرقت الشمس وارسلت اشعتها الى غرفة جيني الجديدة, نظرت الى ساعتها فوجدتها السابعة والنصف صباحا فتساءلت عن ابنها وان كان مايك قد ايقظه, توجهت الى النافذة واغلقت الستائر وعادت الى النوم.
استيقظت جيني مجددا على طرق الباب فعادت النظر الى ساعتها فوجدتها قد تعدت منتصف النهار, فتوجهت الى الباب لتفتحه ووجدت امراة جميلة تبدو في اواخر الاربعينات وعلمت انها زوجة ابيها.
"مرحبا, لم تنزلي , لذا احضرت لك الطعام لغرفتك".
"لا رغبة لي في تناوله".
"عليك هذا, فلا بد... هل تسمحين لي بالدخول".
ابتعدت جيني عن الباب وقالت بنبرة حادة :" طبعا , فهو منزلك".
دخلت زوجة الاب الى الغرفة ووضعت الصينية على المنضدة ثم التفتت الى جيني قائلة:" انا ...".
"اعرف من انت, وارجو ان تعذريني على تطفلي في وقت متاخر".
"لا باس. كنا نتمنى من مدة ان تحضري لزيارتنا, لكنك كنت ترفضين دوما, لذا قال ابيك انه لابد انه قد حصل امر خطير يدفعك الى المجيء".
شعرت جيني انها كانت ظالمة بحق ربيكا اذ انها تبدو امراة لطيفة وطيبة جدا لذا غيرت من نبرة صوتها العصبية وقالت:" لا اريد التحدث عن هذا الان, لكنني احتاج فعلا الى مساعدته".
"انه يعرف. الان عليك ان تستعيدي نشاطك, لذا تناولي طعامك, ولن اقبل الرفض فانا لا احب ان يبقى الطعام وان يرمى الى النفايات".
القت ربيكا بجملتها الاخيرة ومن ثم اتجهت الى الباب لتخرج فاوقفتها جيني سائلة عن ابيها.
"لقد ذهب الى العمل, لديه اجتماع مهم, لكنه سياخذ اجازة لبقية النهار ليبقى معك".
انتظرت جيني مغادرة زوجة ابيها الغرفة ومن ثم جلست على السرير محاولة تناول طعامها فلم تستطع اكل سوى بعض اللقمات لذا اخذت الصينية وفتحت الباب لتبحث عن المطبخ.
اتبعت حاسة الشم, ووصلت هدفها فرات ربيكا تحضر الطعام, فاقتربت منها ووضعت الصينية على الطاولة فقالت زوجة ابيها:" اني احضر الغاء".
"اليس الوقت مبكرا؟".
ضحكت ربيكا وقالت:" نعم, انني معتادة على الذهاب الى المتجر كل بداية اسبوعين وذلك لشراء المشتريات اللازمة, كما اهب الى الكتبة لقراءة كتاب ماو فانسى الوقت, لذا اطهو قبل ذهابي. هل تريدين الذهاب معي؟".
"الى المكتبة؟".
"الى المتجر, تستطيعين شراء ما تريدين, هيا لست مضطرة لسجن نفسك بالمنزل, عليك ان ترفهي عن نفسك قليلا".
"لما لا؟ هل تريدين ان اساعدك بتحضير الطعام؟".
نظرت ربيكا الى جيني وسالتها :" هل تجيدين الطهو؟".
امسكت جيني السكين لتقطع البندورة وهي تقول:" علمتني امي بعض الوصفات, وتعلمت البقية من الكتب عندما سكنت مع مايك, انا احب الطهو كثيرا انما منذ اشهر لم ادخل المطبخ".
"ولماذا؟".
"ان العائلة التي سكنت معها لديها طاهية, وانا انشغلت بعملي الجديد, لذا لم تسنح لي الفرصة لفعل هذا".
حضرت المراتان الطعام وخرجتا الى المتجر, وبعد انتهائهما من البقالة ذهبن الى مقهى صغير لترويا عطشهما, وفي الساعة الثالثة عادتا الى المنزل لتجد جيني ان والدها قد عاد.
"اتصل مايك".
"فعل؟".
"اتصل ليعرف ان كنت بمنزلي".
"هل اخبرك بشيء؟".
"كلا, لكنه طلب ان تتصلي به, يريد الاطمئنان عليك".
خلعت جيني سترتها وقالت :" سوف اتصل به لاحقا, لكنني اريد الاستحمام اولا".
لم تغب عن جيني نظرة والدها الحائرة لربيكا وتساءلت كيف استطاعت العيش كل هذه السنوات بعيدا عنه, فايقنت انها كانت صغيرة ولم تفهم ان الحب امرا يصعب التحكم به وانه يستطيع جعل الانسان ان يرتكب العديد من الامور كما انها فهمت ان والدها لم يكن مذنبا ان وقع في الحب.
دخلت جيني الحمام واخت وقتها تحت الدش وبعدها اتجهت الى غرفتها لترتدي بنطلون احمر من الجلد وبلوزة بيضاء قصيرة ومن ثم لبست حذاءا رياضيا ابيضا واتجهت الى الاسفل, فسمعت صوت شاب يقول:" متى سنبدا بتناول الطعام؟".
"عليك ان تنتظر عزيزي, فهناك من سيشاركنا الغذاء".
"لدينا ضيف؟".
"كلا مليسا, انها...".
"مرحبا".
نظرت جيني الى المائدة والى الوجوه التي تنظر اليها, عدا عن والدها وربيكا كان يجلس شابا مراهق وقد كان اخوها الاصغر جيري فهي قد راته اول واخر مرة في جنازة ديلين, وعلمت ان الفتاة الشابة التي تجلس بجانبه هي اختها مليسا.
نهض والدها وتوجه اليها ومن ثم امسك بذراعها وهو يقول:" هيا اجلسي عزيزتي".
جلست جيني وهي تنظر الى اخوتها المندهشين من وجودها الى ان ربيكا حاولت ان تبعد الحرج قائلة:" هيا لنقرا صلاة المائدة... نشكرك يا الله على هذه النعمة التي منحتها لنا, امين".
"امين".
"مليسا, كيف كانت الجامعة اليوم؟".
"الامور العادية, انما لدي امتحان صعب يحتاج الى الكثير من الدراسة بعد اسبوع".
"ابي؟".
ابتسم والدها قائلا:" انا اعرف هذه النبرة, ماذا تريد؟".
"هناك رحلة تحضرها المدرسة, واريد الانضمام اليها".
"من صوتك يبدو انه اكثر من رحلة مدرسية, اليس كذلك؟".
"انها تشبه المخيم, انها تدوم اسبوعين كما ان التكاليف باهضة الثمن".
صرخت ربيكا وقالت:" ماذا تقصد اسبوعين؟ هل تعني انك ستنام في الخارج؟".
"هيا امي, لم اعد صغيرا, انا في الخامسة عشر من العمر".
"متى الرحلة جيري؟".
"بعد ثلاثة ايام ابي".
"هذا رائع يمكنني الدراسة دون اي ازعاج من هذا المنطفل".
"بعد ثلاثة ايام وتخبرني الان؟".
"كنت انتظر نتيجة امتحان الادب الانجليزي وظننت انه ان نجحت فسوف تسمح لي بالاشتراك".
"لن تشترك بهذه الرحلة".
"امي".
ارتفع صوت ربيكا وهي تؤكد قائلة:" لن تذهب وهذا رايي النهائي".
غضب جيري ونهض عن المائدة بينما نظرت ربيكاالى ماثيو - والده قائلة:" لا تنظر الي بهه الطريقة, لن اسمح له بالنوم خارجا وكيف اذا كان لمدة اسبوعين؟".
"انه لم يعد صغيرا".
"سيبقى طفلي الصغير حتى لو تزوج واسس له عائلة خاصة به".
"صعب على الام ان تتقبل ان طفلها قد اصبح راشدا, لكن هذا لا يعني ان نقص اجنحته".
نظر الجميع الى جيني والتي ما لبثت ان اكملت قائلة:"لن يكون وحده في الرحلة, بل سيكون مع العديد من المعلمين والمرشدين, على الصغار ان يحددوا شخصيتهم منذ الصغر, على جيري ان يكون مسؤولا ومعتمدا على نفسه, وهذا ما ستمنحه اياه هذه الرحلة, فكما فهمت فانها ستكون في الطبيعة, وهكذا سيفهم ما معنى حياة الرفاهية. لو كان الامر عائدا الي لما شاركت جوي مع اي شخص, انما من عادات الاطفال ان يتبعوا طريقة عيش ابائهم, فكيف سيعيشون ان لاحظوا ان ابائهم لا يثقون في غيرهم من الناس؟".
تناول الجميع الطعام عدا جيري الذي رفض ان ياكل, ومن ثم ساعدت جيني ربيكا في التنظيف وفي المطبخ قالت:" ارجو ان تعذريني فانا لم اقصد التطفل".
"كيف تتقبل الام ان طفلها قد كبر؟".
ابتسمت جيني وردت :" ان ابني سيبلغ الرابعة بعد شهرين ومع لك ان تصرفاته تقول انه اكبر منذلك, انه ذكي جدا وهذا ما يخيفني, انما انا احاول ان اكون صديقة له وهذا ما يساعدني على فهمه".
"انت تحبينه كثيرا".
"نعم, ولا اعرف ما الذي سيحدث ان حصل ان فقدته يوما".
وضعت ربيكا يدها على كتف جيني وقالت:" لن ياخذه احد منك, والان اعذريني علي اخذ ها الطعام الى جيري واتفاوض معه".
غسلت جيني يديها واتجهت الى الصالة , اخذت تنظر الى الهاتف وعلمت ان عليها الاتصال بمايك, لذا رفعت السماعة.
"الو؟".
لم تستطع جيني ان تتكلم الا ان مايك قد قال :" جيني اهذه انت؟".
"مرحبا".
"كيف امكنك الاختفاء هكذا؟ لقد اقلقتني".
لاحظت جيني الخوف في صوت مايك وتساءلت في نفسها عما فكره , هل فكر ان تنتحر؟ ربما كانت ستفعل لو لم يكن جوي بحياتها.
"كيف حال جوي؟".
"انه بخير, اخبرناه انك اضطررت للسفر لعدة ايام".
"وغاري؟ هل اخبره الحقيقة؟".
"كلا, لكنه غاضبا جدا, لا اظنه سيسمح لهذا الامر ان يمر بكل بساطة".
انتاب جيني القلق وسالت:" ماذا تقصد؟... هل تظن انه سياخذه مني؟".
لم يجب مايك فخافت جيني كثيرا لكنها علمت ان ستفعل كل ما بوسعها حتى لا تفقد ابنهاو وبعد ان اغلقت السماعة شرعت بالبكاء ولن تشعر بالخطوات التي اتت من وراءها.
وضع والدها يده على كتفها فنظرت اليه, ومن ثم وقفت لتعانقه ولتبكي على كتفه.
اجلس ماثيو ابنته وقال:" ماذا يحدث جيني؟".
مسحت جيني دموعها وقالت بالم :" اريد ان تجد لي محاميا بارعا".
"محاميا؟ ولماذا؟".