نظرت جيني الى غاري فلمحت السخرية في عينيه فلم يكن لها مزاج في مشاجرته لذا امتنعت عن التحدث, فجلس غاري الى جانبها وقال بنبرة قلقة:" انت فعلا قلقة عليه, اليس كذلك؟".
"اني اخشى ان يكون هناك امرا سيئا, فهو لا يتاخر ابدا, فقد فعلها ذات يوم فحاول قدر المستطاع ان يتصل ليبلغ عن تاخره, انا لا اصدق انه يتخلف عن الموعد دون ان يقول شيئا. ماذا حصل مع بريندا؟".
"اوصلتها الى المنزل فاعطاها والدها مهدئا لكي تستطيع النوم".
"هذا ما حصل مع مارثا ايضا. اني افهم شعور الام فهي لا تستطع ان تستريح قبل الاطمئنان على ابنها, فلو كنت مكانها وشعرت انني فقدت ابني لما عرفت ما الذي سافعله".
امسك غاري يد جيني وقال:"لا تقلقي صغيرتي انا متاكد ان مايك بخير".
شرعت جيني بالبكاء فقربها منه غاري لكي يعانقها بكل عطف يسمح لها بالاتكاء على كتفه.
لم تقدر جيني على النوم تلك الليلة, لذا نزلت مبكرة الى الاسفل, فتوجهت الى المطبخ لتحضر ابريقا من القهوة, سكبت لها كوبا وجلست على الطاولة واذا بغاري يدخل هو الاخر.
نظرت جيني اليه فرات حالته المزرية وعرفت انه لم ينم ايضا, فنهضت من مقعدها وسكبت له كوبا من القهوة, فشكرها ومن ثم سال عن مارثا.
"ذهبت الى غرفتها اثناء الليل عدة مرات , انها نائمة بكل هدوء, اظن ان المهدئ قد اعطى مفعوله".
"اني اخاف ان تعود الى حالتها السابقة".
"اتقصد الحالة النفسية التي تعرضت لها عندما فقدت جنينها؟".
"نعم, لقد تعذبت كثيرا حتى عثرت على ابنها الضائع, لذا لا يمكنني تخيل ماذا سيحدث ان لم يظهر مايك اليوم".
"اتصلت بمنزله تثناء الليل, لكنه لم يجب".
صمت غاري قليلا ومن ثم قال بحزن:" توفي ابي عندما اصبحت في الثانية عشر من العمر, حزنت كثيرا لانني كنت مقربا منه, الا ان امي وقفت بجانبي وضحت بكل شيء من اجلي, لدرجة انني كنت اشعر ان ابي ما زال معي.
اتعرفين؟... الكثيرون دعوها الى الخروج الا انها كانت ترفض دوما لاجلي, حتى ان المحامي انرست قد عرض عليها الزواج مرة الا انها رفضت لانها كانت تعيش على ذكرى ابي, لهذا السبب ما زلت متمسكا بالامل لايجاد الحب".
استمرت جيني بالنظر الى غاري ولكي تبعد افكارها السوداء عن مايك ومارثا سالت غاري عما اذا احب سابقا ام لا.
"نعم, تعرفت اليها في احد الملاهي فعرضت عليها الرقص, ودعوتها للخروج معي في اليوم التالي, شعرت ان هناك العديد من الامور المشتركة بيننا لذا بعد فترة وجيزة اصبحنا على علاقة جدية".
"ما الذي حصل؟ لما انفصلتما؟".
ابتسم غاري بمرارة واجاب:" لما تظنين؟ الم املك المالي الكافي؟ الم اعجبها؟ هذه الافضل لقد تخلت عني لاجل رفيقي المفضل؟".
ما ان نظرت جيني في عيني غاري حتى عرفت الاجابة, نعم, خانته حبيبته مع صديقه فعلا, اذا لا عجب ان غاري قد اصبح رجلا حقيرا يستغل النساء, انه يظنهن متشابهات, فتذكرت حديثه عند المسبح حين قال ان النساء مخادعات مثل الرجال ولم تعرف ما عليها قوله.
ارادت الامساك بيده لتواسيه ومعانقته كما فعل بالامس معها, ارادت ان تبعد تلك الخصلة الحرة على جبينها وتعيدها الى مكانها, وتقول له ان حبيبته تلك لعينة وليس الجميع مثلها الا انها لم تجرؤ على فعهل اي مما تفكر به.
"بما تفكرين؟".
"ان النساء لسن متشابهات كما تظن".
"لا؟".
"نعم".
ارادت جيني ان تحاول اقناع غاري بكلامها الا ان دخول الخادمات قد منعها من التحدث, فاستاذن غاري ومن ثم هب لكي يستحم, فانهت جيني كوبها ومن ثم غسلته ووضعته في النشافة.
اتجهت جيني لتصعد السلالم وفي نيتها الاطمئنان على مارثا الا ان جرس الباب قد اوقفها, فنظرت الى ساعتها فوجدتها السابعة والنصف وتساءلت من عساه يحضر للزيارة في هذا الوقت المبكر.
اتجهت الى الباب لتقوم بفتحه واذا به مايك يقف على المدخل مبتسما, فاسرعت جيني الى معانقته وهي تدرك انه بخير, الا انها سرعان ما ابتعدت عنه لتبدا بضربه على صدره بكفيه وهي تقول:" اين كنت؟ اقلقتنا جميعا, وبالذات بريندا التي بقيت تبكي خوفا من ان تكون قد تعرضت لمكروه".
انتظر مايك جيني ان تهدا ومن ثم قال:" تعالي لنجلس على الشرفة, لاخبرك ما جرى".
نظرت جيني الى مايك فوجدته مختلفا, فهو سعيد على غير عادته, ولانها ارادت ان تعرف اين كان وما سبب هذا التغيير رافقته للشرفة.
" اذا ماذا حصل؟".
ابتسم مايك وقال:" قضيت الوقت معها".
تفاجات جيني من قوله وتساءلت فيما بينها ان كان مايك يعرف فتاة غير بريندا, الا انها شعرت بالخوف حين اكمل حديثه قالئلا انه كان مع ديلين, ارادت جيني ان تذكره ان اختها متوفاة الا انه تابع وهو يقول:" انا اعرف ما ستقولين, انها ميتة, اكنها الحقيقة, كنت معها في الامس...
عدت الى المنزل واتصلت ببريندا لادعوها الى العشاء, اردت ان اخذ قيلولة لذا ارتميت على السرير لكي اغفو, وفجاة سمعت صوت المسجل, ظننت انها بريندا اتت لمفاجئتي, فنهضت من السرير لمقابلتها الا انني توقفت قليلا لسماع الاغنية, هل تعلمين اي اغنية كانت؟ انها "اي بي الويز لاف يو" انها الاغنية التي رقصت مع ديلين على انغامها اول مرة. خشيت ان اتوجه الى الصالة لاجد ما لا اتوقعه, لكنني تشجعت ووجدتها.
كانت ترتدي فستانا ابيضا طويلا , وقد كانت ترمي شعرها على ظهرها كما كانت تفعل دوما, آآآآآآآآآه جيني كانت جميلة كالمعتاد, تقدمت منها لارى ان كان ما يحدث مجرد حلم جميل, لكنها تقدمت بدورها ومن ثم وضعت ذراعيها على كتفي".
توقف مايك قليلا ومن ثم ابتسم قائلا:" تحققت امنيتها الاخيرة جيني, راقصتها كرجل مولع يحتضن حبيبته لاول مرة, وعندما توقفنا عن الرقص, جلسنا على الكنبة متعانقين واخذنا نتحدث عن كل شيء, عنك وعن جوي, وفي النهاية تحدثنا عن بريندا".
"بريندا؟".
"هذا غريب, اليس كذلك؟ اخبرتني ديلين انها سعيدة لعثوري على الفتاة المناسبة والتي ستسعدني وتبقى معي الى الابد, في السابق ما كنت لاتصور ابدا انني ساجرؤ على الاعتراف لها انني مغرم بغيرها".
"انا ايضا لم اتصور هذا, اذا ماذا حصل في النهاية مايك؟".
نظر مايك اليها وقال:" اعرف انك تظنينني كنت احلم, وانني تخيلت كل هذا, وتعلمين ماذا؟ قد تكونين محقة, لكنني شعرت ان كل شيء حقيقي. استيقظت في الصباح ووجدت نفسي على السرير في المكان ذاته الذي استلقيت فيه وقت الظهيرة".
"لا يحق لي ان اقول لك ان كان الامر حقيقي ام لا, وكل ما يهم هو ما تصدقه, وان كنت تؤمن انك قد قضيت الليلة مع ديلين فلابد ان هذه الحقيقة.. اذن ماذا ستفعل الان؟".
"ساذهب الى بريندا, لكنني حضرت لاستاذنك بشيء".
شعرت جيني بماذا سيطلب منها مايك فانتظرته ليكمل حديثه قائلا:" لكي يكون هناك علاقة بين شخصين عليهما الا يخفيا شيئا عن بعضهما, وان كنت اتوقع الاستمرارية لعلاقتي مع بريندا على ان اخبرها بكل شيء... انا لا استطيع اخبارها دون ان اطلب الاذن منك".
"اتظن انها ستحفظ السر؟".
ابتسم مايك وقال:" عندما خرجت برفقتها علمت انها ستسعى للحقيقة باي ثمن لذا كنت متحفظا بعض الشيء, اردتها ان تقع بحبي وانتظرت حدوث هذا على مهل, انها الان مغرمة بي لذا اثق بها فعلا".
"اتمنى ان تكون محقا".
اقترب مايك من جيني لكي يعانقها بينما اخذت الاخيرة تامل ان يكون مايك على صواب في ثقته ببريندا, وبدات تتذكر ما حصل في الامس وردة فعلها, فتذكرت مارثا".
نعم مارثا, عليها ان تعلم ان مايك بخير, لذا نظرت اليه وقالت بخبت:" ان مارثا متعبة بعض الشيء, واريد ان احضر لها الفطور لاخذه الى السرير هل ترافقني؟".
نظر مايك الى جيني ببعض الشك وقال:" لما لا؟ انا لم ارها منذ فترة".
فرحت مارثا برؤية مايك ورجعت لها روحها الفرحة التي فقدتها بالامس, فغادر مايك بعد ساعة وذهب الى حيث علمت جيني, ذهب الى بريندا ليخبرها بكل ما ترغب بمعرفته.
رجع جوي وتوفر من الرحلة وسعدت جيني كثيرا, وقررت ان اليوم يومهم اذ انها ستكون مشغوله منذ الغد, وها اخيرا قد حضر اليوم الاول للافتتاح الخاص بالاصدقاء وبدا اليوم بشكل غير متوقع.
حضرت بريندا الى مكتب جيني وجلست على الكرسي المقابل للاخرى وقالت بسخرية :" عرفت السر الذي كنت تحتفظين به, لا تعرفين ماذا كنت سافعل حتى اعرف هذه الحقيقة, فعندما رايت ماذا حصل ذلك اليوم على الدرج علمت مدى اهمية مايك لك , كما علمت انني اذ اذيته سيكون الامر كما لو انني اؤذيك".
نظرت جيني الى بريندا واخذت تتسائل في نفسها ان كان قد اخطا مايك الى هذه الدرجة بثقته ببريندا لذا سالت:" ماذا تنوين ان تفعلي بهذه الحقيقة, هل ستذهبين بها الى غاري؟".
نظرت بريندا وقالت مبتسمة:" كنت اود هذا, لكن الاوان قد فات".
دهشت جيني التي ما لبثت ان سالت:" ماذا تقصدين؟".
"وقعت ضحية مؤامرتي ووقعت بحب مايك, لا اعرف كيف حصل هذا لكنني متاكدة من مشاعري, لذا اعتقد ان عليك انت اخبار غاري الحقيقة والا فلن يسامحك مطلقا".
"اعرف هذا, لكنني لا اجرؤ على فتح فمي امامه".
نظرت جيني الى بريندا وهي تفكر ان هناك شخصا اخر يهتم لامر مايك لذا قالت:" بما ان مايك قد اصبح جزءا من حياتك, فعليك ان تعرفي شيئا عنه".
"اتقصدين مارثا؟".
صدمت جيني من كلام بريندا وارادت ان تعرف ان كانت تعلم طوال الوقت الا ان بريندا اكملت حديثها قائلة:" تفاجات تلك الليلة من ردة فعلها واستفسرت عن الامر من غاري هندما اوصلني الى المنزل, فاخبرني الامر, كما انه قد اخبرني انك قد قلت ان ليس من مصلحة مايك ان يعرف الحقيقة... جيني انت اكثر من نعرف مايك وان كنت تظنين هذا فلابد انك محقة".
"اني اخشى ان يعرف مايك انه وغاري شقيقين, لن يتحمل هذا".
تنهدت بريندا وقالت:" انت محقة, فمايك يكره غاري حقا, لكن غاري ايضا يحتاج الى انضاف".
"اخبرني بالامس عن حبيبته الخائنة".
"توقعت ان يفعل".
"لم يخبرني بكل التفاصيل, هلا تقولين لي ماذا حصل فعلا".
"هل اخبرك انهما كانا على وشك الزواج؟".
صدمت جيني من هذا الخبر فاخذت تنظر الى بريندا التي قد عرفت اجابتها واكملت حديثها قائلة:" كنا قد تعرفنا منذ فترة وجيزة وقد طلبت منه ان يصطحبني الى الرقص, وهناك تعرف اليها. كانت فتاة فائقة الجمال وقد سحر بها فورا, فدعاها للرقص وامضى السهرة بطولها وهو يتحدث معها, لاحقا اخبرني انه سيخرج معها في اليوم التالي.
بعد ستة اشهر, عرض عليها الزواج ووافقت. يمكنك تخيل ردة فعله. لكن الامور ساءت فعلا وذلك عندما ذهب غاري الى منزل صديقه بعد يومين من خطوبتهما, وجد الباب مفتوحا لذا دخل, توجه الى الصالة فوجدهما معا يرقصان ويتبادلان القبل, ومن هذا الموقف ايقن غاري انه قد تعرض للخيانة. اتضح في النهاية انها قد استغلته لاثارة غيرة صديقه".
"لا اريد ان اكون مكانه في تلك اللحظة, ماذا فعل؟".
"تشاجر مع صديقه ومن ثم سافر الى جزر الكاريبي متحججا بالعمل".
فهمت جيني الام ترمي بريندا فاكملت الاخرى قائلة:" في تلك الفترة كان غاري ضائعا ولم يعرف ما الذي يفعله لذا, انا ارجوك جيني حاولي ان تغفري له ما جناه, انه يستحق هذا".
اخذت جيني تتذكر كلام بريندا قبل عدة ايام في المكتب وتساءلت ان كان يجدر بها فعلا مسامحته, لكنه اذاها كثيرا فما الذي ستفعله, فجاة شدها الموقف الذي يجري قريبا منها في الواقع.
فقد وقع طفل يبدو انه في الثامنة من العمر من على الارجوحة فاسرع هاريسون اليه ليمسكه وليحاول تهدئته, ارادت جيني الذهاب الى مساعدته الا ان ام الطفل قد اتت مسرعة.
نظر هاريسون والام الى بعضهما قليلا وبعدها نزلت على الارض لتكلم ابنها, واذا باحد موظفي المطعم يحضر بصحبته علبة الاسعافات الاولية, ففتحها هاريسون واخرج منها لاصقا طبيا ليضعه على ركبة الطفل حيث جرح.
وقف الطفل اخيرا على قدميه ليقف الى جانب اخيه التوام, فتقدم جوي الصغير الى جانب هاريسون وامسك بقدميه بينما مدت الام يدها الى هاريسون شاكرة له معروفه.
ذهبت الام مع طفليها من المطعم بينما تقدم هاريسون من جيني ليجلس ومعه جوي.
"لقد فعلت عملا جيدا هناك".
"شكرا".
اوصل هاريسون الاثنان الى المنزل وقال انه سيكون مشغولا في هذه الايام وهذا ما حصل, مر اسبوعان بكاملهما دون ان تسمع اي خبر عنه حتى اتصل بها في المكتب قائلا انه يود دعوتها الى العشاء.
كانت نبرة صوته مختلفة جدا عن المعتاد وبدات جيني بالتفكير متى بدا التغيير الجذري هذا الذي حصل له؟ وعلمت انه قد حدث في مطعم فاميليا عندما قام بمساعدة ذلك الفتى, لكن لماذا؟
فانتابتها فكرة غريبة, ان سبب التغيير هو تلك الام, نعم, انها هي, اخذت جيني تتذكر كيف كانا ينظران الى بعضهما قبل ان تقترب الام من ابنها واعادت في عقلها سرد الاحداث فلاحظت النظرات التي ارسلتها كل من الام وهاريسون الى بعضهما حين غادرت الام المطعم.
ايعقل ما تفكر به؟ اتلك الام هي الفتاة التي كان يحبها؟
نعم, هذه هي الاجابة الصحيحة, ان تصرفات هاريسون تدل على ان ذلك الحب ما زال ينبض بصدره, صحيح ان السنين قد مرت, لكنه مازال مغرما بها.
اتى هاريسون الساعة الثامنة ليصطحب جيني, وقد ارتدت الفستان الاصفر وارتدت فوقه سترة سوداء مع قفازات وذلك لتمنع البرودة الشديدة والقارصة والتي تاتي عادة في فصل الشتاء.
اخذت بالنظر اليه وراته مشغول البال وعلمت ان ما توصلت اليه هو الحقيقة, ان تلك الفتاة هي الفتاة التي لطالما احبها وهي الفتاة التي تملك قلبه في هذه اللحظة.
فترقبت حديثه بفارغ الصبر وهي ترغب بمعرفة ما الذي قرره في هذين الاسبوعين , وحصل ما لم يتوقعه احد اذ اخرج من جيبه علبة حمراء, ففتحها ومن ثم امسك بيد جيني وهو يقول:" جيني والتر, هل تقبلين الزواج بي؟".
نظرت جيني الى هاريسون غير مصدقة ما جرى , الا انها سرعان ما ابتسمت ابتسامة عريضة للفكرة التي جالت في خاطرها.