كاتب الموضوع :
mefayed
المنتدى :
ملف المستقبل
مط الدكتور حجازي شفتيه وهز رأسه بأسف وقال :
- كنت أتمنى معاونتك يا نور ولكنني عاجز عن ذلك تماما ... معذرة يا بني .
ضرب نور قبضته اليمنى في راحته اليسرى وهو يقول :
- لابد من وجود تفسير لكل ذلك ياسيدي ... لابد أن أجد تفسيرا وإلا أصابني الجنون .
قطب الدكتور حجازي حاجبيه وقال :
- ولم يا ولدي ؟ كل انسان معرض للفشل ولو مرة واحدة في عمره , لابد لنا من أن نقبل ذلك وإلا نافسنا الله سبحانه وتعالى فهو وحده المعصوم من الخطأ .
قال نور في يأس :
- عفوا يا سيدي .. إنما هي كلمات نطقت بها حيرتي .
صمت الدكتور حجازي لحظة تأمل ملامح نور ثم نهض من مقعده وأخذ يسير في أنحاء الغرفة ثم استدار مواجها نور وقال :
- لا عليك يا بني .. إن الشعور نفسه يراودني .. إنها الحيرة وراء الحقيقة فبرغم خبرتي الطويلة في مجال الطب الشرعي إلا أنني لأول مرة أواجه لغزا أعجز عن تفسيره .. فلقد فحصت الرجلين بدقة بالغة .. صحيح أن النقطتين الغامضتين تشعان ببريق يؤكد طبيعتهما المشعة إلا أن الخلايا من أسفلهما سليمة تماما ... لم تخترق ولم تحترق ولم يصبها أدنى ضرر .
ثم صمت لحظة وعاد يقول :
- صدقني إنها المرة الأولى التي أتمنى فيها لو أن رجلا وافته المنية حتى يمكنني تشريح جثته والبحث عما أريده ...
وفجأة توقف الدكتور حجازي عن إتمام عبارته وقطب حاجبيه وتمتم في اهتمام :
- رباه !! ولم لا ؟
قفز نور من مقعده وهو في غاية الانفعال وأمسك بذراع الدكتور حجازي صائحا :
- ماذا يدور في خاطرك يا سيدي ؟
أزاح الدكتور حجازي يد نور في لطف وقال :
- لقد بحثتم معا احتمال أن يكون الرجلان قد تعرضا للتنويم المغناطيسي ... أليس كذلك ؟
ودون أن ينتظر إجابة نور استطرد مبتسما :
- لماذا لا نلجأ إذن إلى نفس الوسيلة ؟
سأله نور في انفعال :
- هل تقصد أن ..... ؟
قاطعه قائلا :
- نعم يا نور ... سنقوم بتنويمهما مغناطيسيا ونستخرج من عقليهما كل ما نريد حتى مالا يذكرانه وهما في وعيهما .
تهللت أسارير نور لحظة ثم عاد يقطب حاجبيه قائلا :
- ولكن من يمكنه القيام بذلك ؟
ابتسم الدكتور حجازي وقال :
- في عصرنا كل شئ يدار بالكمبيوتر أيها الفتي النجيب .
***
كان الفرعوني هو أول من خاض التجربة حينما وجد نفسه مقيدا فوق مقعد جلدي كبير وأمامه شاشة ضخمة من شاشات الكمبيوتر فأخذ يزمجر في حنق وضيق وإن لم تخل نظراته من الحيرة والخوف ... وانهمك الدكتور شريف في اعداد أجهزة الترجمة الخاصة التي تتيح للآخرين متابعة لبحوار باللغة العربية على حين ابتسم الدكتور حجازي وهو يقول لأفراد الفريق :
- سنجلس جميعا خلف الكمبيوتر أيها السادة في مواجهة ضيفنا الفرعوني وإلا سقطنا جميعا ضحايا التنويم المغناطيسي .
سألته سلوى في حيرة :
- هل أنت واثق من النتيجة يا سيدي ؟ .. معذرة ولكنها المرة الأولى التي أعلم فيها بصلة الكمبيوتر بالتنويم المغناطيسي .
ضحك الدكتور حجازي وهو يقول مداعبا :
- يا للعار !! إن استخدام الكمبيوتر في التنويم المغناطيسي يعود إلى عام ألف وتسعمائة وخمسة وثمانين , حينما ظهر أول شريط كمبيوتر لدفع المدخنين إلى التوقف عن التدخين وآخر لتقوية الارادة .
احمر وجه سلوى خجلا وتمتمت في لهجة أقرب إلى الاعتذار :
- يبدو أن معلوماتي في هذا المجال قاصرة .
هم الدكتور حجازي بمداعبتها مرة أخرى ولكن الدكتور شريف رفع رأسه عن أجهزته المعقدة وقال :
- أجهزتي مستعدة لبدء الاتصال .
قال نور في اهتماما :
- حسنا لن نضيع الوقت .
أطفأ الدكتور حجازي أضواء الغرفة فعاد الفرعوني يزمجر في مزيج من الخوف والرهبة والغضب ثم ندت من فمه صرخة مكتومة عندما أضاءت شاشة الكمبيوتر الضخمة فجأة بضوء مبهر وظهرت في منتصفها دائرة صغيرة بيضاء تدور حول نفسها في بطء وهدوء , وتعلقت أبصار الفرعوني على الرغم منه بتلك الدوائر الصغيرة التي تكونت حولها دوائر أخرى يتزايد حجمها باستمرار وتدور جميعها في نسف الاتجاه مع تزايد ضئيل تدريجي في السرعة ...
وفجأة التحمت الدوائر جميعها مكونة شكلا لولبيا يشبه الدوامة وارتفعت سرعتها إلى درجة كبيرة وأخذت تتألق وتنطفئ في سرعة مذهلة في نفس الوقت الذي تصاعدت فيه موسيقى ناعمة أرخت أعصاب الجميع ..
تثاقلت عينا الفرعوني على الرغم منه وشعر بجفنيه يسقطان ليلتحما في سكون وهدوء .. وهنا قال الدكتور حجازي في ثقة :
- يمكنك استجوابه الآن يا دكتور شريف وسيكون أطوع لك من بنانك .
وأعقب عبارته بأن أوقف الكمبيوتر وبدأ الدكتور شريف في تشغيل أجهزة الاتصال وهو يقول :
- لو أن هذا الرجل مخادع فسيقص علينا تاريخ حياته وسيدلي باعتراف كامل دون تردد .
ثم سأل الفرعوني بالهيلوغريفية القديمة :
- من أنت ؟
تولت أجهزة الترجمة الاليكترونية نقل الحوار إلى أفراد الفريق باللغة العربية فسمعوا الفرعوني يقول في استكانة :
- خوف - حر .. خادم الاله آمون , وعبد الفرعون الأعظم رمسيس الثاني .
تبادل الجميع نظرات الحيرة ثم عاد الدكتور شريف يسأله :
- كيف أتيت إلى هنا ؟
أجاب الرجل النائم في خنوع :
- كنت أقوم بنوبة حراسة ليلية حول خيمة الفرعون الأعظم ثم ...
وفجأة تصبب العرق الغزير على جبهة الرجل ونمت ملامحه عن الرعب والألم في آن واحد .. كان كمن يقاوم آلاما رهيبة وتلوت ملامحه بشكل مخيف آثار الرهبة في قلوب الجمع المحدق فيه حتى أن سلوى قبضت على ذراع زوجها وقالت في خوف :
- ماذا أصابه يا نور ؟ .. هل يسبب التنويم المغناطيسي كل هذا الألم ؟
أجابها الدكتور حجازي وهو يتفرس ملامح الرجل في دهشة :
- مطلقا يا سلوى .. إنني لا أفهم ما يحدث له .
وفجأة صرخ الفرعوني في لهجة تجمع بين الذعر والدهشة والألم :
- فليرحمنا آمون .. الشمس تشرق في ظلام الليل .. إنه سحر .. فلترحمنا الآلهة ..
وأخذ جسده ينتفض في قوة وتخرج من بين شفتيه حشرجة مؤلمة .. حتى أن الدكتور حجازي قفز نحوه وصفعه في قوة ارتج لها كيان الفرعوني ثم لم يلبث أن استعاد وعيد وأخذ يحدق في الجميع بذعر هائل .
تنهد الدكتور حجازي وقال :
- سنضطر إلى الاكتفاء بهذا القدر .. من الواضح أن شيئا ما يكبل ذاكرة هذا المسكين ويمنعه من الادلاء بما لديه .
قطب نور حاجبيه في تركيز وظهرت الدهشة والحيرة على وجوه الآخرين وقال محمود في قلق :
- ماذا يعني بأن الشمس تشرق في ظلام الليل ؟
ساد الصمت بينهم وكل منهم يبحث في ذهنه عن تفسير منطقي للعبارة إلى أن قال نور :
- دعنا من التفسير الآن يا محمود .. سنحاول ترتيب كل المعلومات بعد أن نقوم باستجواب الفارس العربي .
***
استغرق الفارس العربي وقتا أطول قبل أن يسقط في دوامة التنويم المغناطيسي الاليكتروني ولكن عينيه في النهاية استسلمتا في سكون وانطبقتا في خنوع ويبدو أن صبر نور كان قد نفد في تلك اللحظة فقد أسرع يسأله في لهفة :
- من أنت أيها الفارس ؟
أجابه الرجل :
- حسام الدين الاخشيدي .. قائد الفيلق الثالث من قوات مولانا صلاح الدين الأيوبي وحامي قلعته العظيمة .
ابتسم الدكتور حجازي وقال مداعبا ومخففا من حدة التوتر التي سادت الغرفة :
- أخيرا ها هو رجل ذو شأن .
لم يبتسم أحدهم لدعابته وعاد نور يسأل الرجل :
- ماذا أصابك يا حسام الدين ؟ ... وكيف وصلت إلى هنا ؟
صمت الرجل لحظة وتوترت عضلات وجهه وكأنه يقاوم شيئا ما في داخله وقال في بطء وتركيز :
- إنها ليلة من ليالي الشتاء المقمرة ولقد وصلتنا الأنباء بأن مولانا السلطان قد لقن الصليبيين درسا قاسيا على مشارف القدس وخرجت من القلعة فرحا مستبشرا أتنزه حولها في ضوء القمر مع عائشة .
ازداد توتر عضلات وجهه وهو يستطرد :
- جرت عائشة مبتعدة وعدوت وراءها مداعبا ولكن ...
ظهر الألم والخوف على ملامحه فجأة وأخذ يحرك رأسه في صعوبة كما حدث مع الفرعوني .. حتى أن نور عاد يسأله في قسوة :
- ماذا حدث يا إخشيدي ؟ ... ماذا حدث بالله عليك ؟
قال الاخشيدي في كلمات متناثرة بطيئة , خرجت من بين شفتيه في صعوبة :
- يا لهول ما حدث !! لقد انبلج الصبح فجأة كان الظلام يحيط بالقلعة أما نحن فقد كنا في ضوء النهار ...
ثم صرخ فجأة في فزع :
- لا يا عائشة ... ابتعدي عن النار ... لا يا عائشة ..
وأخذ يتلوى فجأة من الألم ويصرخ في ذعر وفزع ثم صرخ صرخة قوية واستكان جسده تماما فوق المقعد وقد جحظت عيناه وتدلى لسانه خارج فمه بشكل مفزع دفع سلوى إلى الصراخ والتعلق بذراع زوجها ...
قفز رمزي والدكتور حجازي في آن واحد نحو الاخشيدي وأخذا يفصانه في سرعة واهتمام ثم حل رمزي قيوده وأخذ يدلك صدره في عنف إلا أن الدكتور حجازي رفع رأسه وقال في أسف :
- لا فائدة يا رمزي .. لا فائدة يا بني .. لقد لقي الرجل حتفه من شدة الفزع .
7- الشاهد الوحيد ....
استكان نور فوق مقعد وثير داخل الغرفة المخصصة للفريق وأحاط رأسه بكفيه وأغمض عينيه وإن نمت ملامحه على الاستغراق الكامل والتفكير العميق ... واحترم الآخرون صمته فلاذ كل منهم بالسكون فترة طويلة وأخيرا قال الدكتور محمد حجازي :
- لم أتصور مطلقا أن يؤدي الأمر إلى وفاة الرجل ... إنها السابقة الأولى في التنويم المغناطيسي .
قال رمزي :
- من الواضح أن كلا من الرجلين تلقى أمرا عقليا بعدم الافصاح عما لديه حتى تحت تأثير التنويم المغناطيسي .
هز محمود كتفيه وقال :
- لقد كنت أظن سابقا أن التنويم المغناطيسي يمكنه إجبار الانسان على الافصاح بكل ما لديه مادام قد خضع له .
قال الدكتور حجازي :
- هذا ما كنت أظنه حتى صباح اليوم يا محمود .. ولكن بعد وفاة الفارس العربي أختلت معلوماتي تماما .
وهنا فتح نور عينيه في بطء وقال :
|