الفصل الثالث
خير الفقراء
قال السيد رينال : " لقد عزمت بصورة نهائية أن آخذ سورال , ابن ناشر الخشب , ليعمل عندي , سوف يقوم برعاية الأولاد الذين أخذوا يصبحون في غاية الإزعاج لنا . إنه راهب شاب , أو في طريقه إلى ذلك , وهو يتقن اللاتينية , وسوف يجعل الأولاد يتقدمون كثيراً ؛ فهو ذو شخصية قوية , كما يقول كاهن الرعية . سوف أعطيه 300 فرنكاً , إضافة إلى طعامه . لقد كان لدي بعض الشكوك حول أخلاقيته , لكونه المفضل لدى ذلك الجراح الهرم , عضو جوقة الشرف , الذي كان مقيماً لدى عائلة سورال بحجة أنه ابن عم لهم . قد لا يون ذلك الرجل سوى مخبر سري لدى الليبراليين . لقد كان يدعي بأن هواء جبالنا مفيد لمرض الربو الذي يشكو منه , ولك ذلك أمر غير مؤكد . لقد كان مشتركاً في كل حملات (( بيونابارتي )) على إيطاليا , كما يقال أنه وقع على عريضة ضد الامبراطورية قبل ذلك . ولكن ذلك الليبرالي قام بتعليم اللاتينية لابن سورال , ثم ترك له كل الكتب التي كان قد أحضرها معه . ولذلك لم يخطر لي أن أضع ابن النشار قرب أولادنا , ولكن كاهن الرعية ( ... ) أخبرني أن سورال هذا يدرس العلوم الدينية منذ ثلاث سنوات , بهدف دخول سلك الكهنوت , فهو ليس ليبرالياً إذن ؛ وهو عالم باللاتينية . "
تابع السيد رينال وهو ينظر إلى زوجته بنظرة دبلوماسية : " هذه الفكرة مناسبة على أكثر من صعيد , إن فالنو فخور جدتً بالحصانين النورمانديين الذين اشتراهما من أجل عربته . ولكن ليس لديه مربياً لأولاده . "
" وقد يسبقنا في الحصول على هذا . "
" إنك توافقين على مشروعي إذن ؟ " قالها السيد رينال وهو يوجه ابتسامة شكر لزوجته على الفكرة التي خطرت لها . لقد تقرر الأمر إذن .
" يا إلهي ! كم أنك تتخذقراراتك بسرعة , يا صديقي العزيز ! "
" ذلك لأنني قوي الشخصية , أنا , وقد لاحظ كاهن الرعية ذلك . يجب ألا نخفي شيئاً , نحن محاطون بالليبراليون هنا . إن كل تجار القماش يحسدونني , وأنا واثق من ذلك ؛ اثنان أو ثلاثة منهم أصبحوا أثرياء , حسناً ! إنني أرغب في أن يروا أبناء السيد رينال يمرون بصحبة مربيهم . سيكون ذلك مدعاة احترام . لقد كان جدي يخبرنا دائماً أنه كان لديه مربٍّ في شبابه . سوف يكلفني ذلك مئة قطعة فضية , ولكن يجب اعتبار ذلك المبلغ كمصروف ضروري من أجل تدعيم موقعنا .
جعل ذلك القرار المفاجئ السيدة رينال تبدو شاردة الذهن . إنها امرأة طويلة القامة , متناسقة الجسم , انت جميلة المنطقة , كما يقال في هذه الجبال . كان لها مظهر بسيط وشيء من القُتُوَّة في مشيتها , قد يؤدي ذلك الجمال البسيط المليء بالحيوية والبراءة إلى إثارة بعض أفكار الشهناوية لدى الباريسي . ولو أدركت السيدة رينال أبعاد تلك الأفكار لشعرت حتماً بخجل شديد . فلم يحصل أبداً أن عرف الغنج أو التصنع إلى ذلك القلب البريء . يبدو أن السيد فالنو , مدير المستودع الثري , قد حاول التقرب منها سابقاً , ولكن دون جدوى , مما أضفى بريقاً خاصاً على فضيلتها , ذلك أن السيد فالنو , الشاب الضخم القوي البنية , ذا الجه المورد والسالفين الطويلين , كان واحداً من تلك المخلوقات الفظة والوقحة والصاخبة , التي يُدعى واحدها في الريف شاباً وسيماً .
كانت حركات السيد فالنو المتواصلة ونبرات صوته القوية تزعج السيدة رينال الشديدة الحياء والهادئة الطباع . وكان ابتعادها الدائم عما يسمونه الفرح في فيريار قد أعطى عنها انطباعاً بأنها شديدة الفخر بنَسبها . لم تكن تفكر بذلك أبداً , ولكنها كانت تحس بسرور أكبر كلما قلت زيارات أهل المدينة إلى منزلها . لن نخفي أنها كانت تبدو خرقاء بنظرات زوجاتهم لأنها وبلا مراعاة زوجها , كانت تفوت كل المناسبات التي قد تحصل فيها على أجمل القبعات المشتراة من باريس أو بيزانسون . لم تكن تشتكي من أي شيء , شريطة أن تنتقل وحيدة في أرجاء حديقتها الجميلة .
كانت امرأة سليمة الطوية , لم يخطر في بالها يوماً أن تحكم على زوجها وأن تعترف بأنه يشعرها بالملل . كانت تفترض , دون أن تعترف بذلك , أن علاقتها أفضل ما يمكن أن يحصل بين زوج وزوجته . كانت تحب السيد رينال عندما يحدثها بصورة خاصة عن المشاريع التي يصورها لأبناءهما , مخصصاً الأول للفروسية , والثاني للقضاء , والثلث لخدمة الكنيسة . خلاصة الأمر أنها كانت تجد السيد رينال أقل إزعاجاً من جميع الرجال الذين عرفتهم ( ... )
يتبع ...