ساد شعور بالانسجام بينهما...شعور بالرضى,وكأنهما في المكان الذي يريدان أن يكونا فيه بالضبط.
وعندما أحضرت القهوة,ظهر وراء شعور الراحة والرضى نوع من التوتر...إحساس لم تشعر به فرجينيا من قبل,جعلها غير قادرة علة أن تنظر في عيني رايان,كما جعلها في البداية,تتلعثم,لتلوذ بعد إذ بالصمت.
سألها:"أتريدين المزيد من القهوة؟"
خطر لها أنه رجل ساحر,وأنها ستحب أي شيء بقربه,مابعث الوهن في كيانها.فيما تابع قائلا:"أم تفضلين أن نذهب"
ورغم أنها لم تكن واثقة,إلا أنها شعرت أنهاشعرت أنها تثير فيه مشاعر من نوع آخر غير التي يصرح بها.أما جوابها فكان حاسما.
وهكذا,هل الرئيس الذي سيستخدمها أم الرجل؟
الرجل بكل تأكيد.لكن لنفرض أنه يريد علاقة عابرة؟هل يمكنها أن تتحمل ذلك؟فقدانها كرامتها؟إذلالها؟
المشكلة هي أنها لا تعرفه بمايكفي لتكتشف أي نوع من الرجال يكمن خلف هذا المظهر الساحر.
ماذا لو أصبحت بالنسبة إليه مجرد عقبة,بعد أن يمل منها؟
من الممكن أن تنتهي من دون وظيفة,أو مال ومن دون مكان تعيش فيه ولا سبيل إلى الذهاب إلى وطنها.
الإحتمالات كانت كئيبة للغاية.ولكن,لسبب ما,كل هذا لم يعد له أهمية.بدا وكأن كل شيء مقدر.وكأنما قدر عليهما أن يتعارفا ويصبحا حبيبين...
وفيما الأفكار تتسابق في ذهنها,كان هو يجلس بهدوء متأملا وجهها.شعرت بفروغ صبره,وفجأه تملكها الشعور نفسه,فقالت بصوت أجش:"نعم,أنا مستعدة للذهاب"
كانت الليموزين في الانتظار,فعادا بصمت وبينهما مسافة قدم.عندما وصلا إلى "برج فالكونر",حيا رايان سائقه,ثم سار نحو الحارس ليتحدث إليه قليلا,وجو الهدوء المحيط به يتناقض مع المشاعر التي تتملكه.
في المصعد نظر إلى فرجينيا,فشعر أنها ترتجف.قال:"يا إلهي! إنك ترتجفين.هل أنت خائفة أم تشعرين بالبرد؟"
فأجابت متلعثمة:"لا..لا أبدا..ربما هو البرد"
نظر إليها رايان نظرة ذات مغزى,إذ أدرك أنها تكذب,لأنه هو أيضا يشعر بتيار عنيف يسري بينهما.ومن دون أن يضيف كلمة أحنى رأسه بانتظار توقف المصعد.
أثناء دراستها في الكلية,خرجت مع عدد من الشبان,إلا أنهم كانو يثيرون فيها الغثيان نوعا ما.أما رايان فملأها بالمشاعر والبهجة,وأذاب العظام في جسدها.
عندما وقف بهما المصعد وأنفتح الباب,قال لها والتصميم باد في صوته:"أود أن نتحدث قليلا في شأن هام"
وجدت نفسها تتساءل عما يريده؟ربما يعتقد أنها سهلة المنال.
قادها عبر الردهة إلى شقتها.
فسألته :"في أي شأن تريد أن تحدثني؟"
-لن نتكلم في الردهة,فلندخل أولا وستعرفين.
راحت تراقبهوهو يفتح الباب.كان رائعا بكتفيه العريضتين وحبست أنفاسها لمنظره.
توقف لحظة,ليفسح لها المجال للدخول.أضائت فرجينيا النور لكنها ظلت واقفة تنظر إليه.وسرعان ماقادها للجلوس على الأريكة بقربه.تعلم أن الأمر كالعب بالنار,لذا فعليها أن تكون حذرة.أطال التحديق إليها وكأنه يتفحص كل جزء من وجهها,مما جعل الإحمرار يعلو وجنتيها.كان رايان يتعجب دائما من ردة فعلها هذه وأراد أن يتأكد من أمر آخر فقال:"إن خجلك هذا يناسب فتاة صغيرة عذراء,لا امرأة راشدة تتحمل مسؤولية نفسها مثلك"
قالت فرجينيا وهي تشعر بالوهن تحت تأثير نظراته وحضوره المسيطر:"مع أنني لست صغيرة في السن وأتحمل مسؤولية نفسي إلا أنك محق في الجزء الآخر مماقلته"
وعضت على شفتها بسرعة,وكأنها خجلت لتحدثها عن هذا الموضوع.
بهت رايان لكلامها,وكأنه لم يتوقع ذلك إلا انه مالبث أن ابتسم ابتسامة رضى.وسألها:"لا أفهم كيف بقيت من دون حب طوال هذه المدة؟إن امرأة بجمالك تعيش بمفردها.."
-لا أحب العلاقات العابرة,كما لم أتعرف إلى رجل جعلني أحبه بما يكفي...
وأدركت بعد فوات الأوان أنها أخطأت في قولها الجملة الأخيرة.
فسألها برقة:"وأنا,ألا تشعرين نحوي..بشعور مختلف؟"
فأجابت متهربة:"أنا...وجدتك جذابا"
-فقط؟
-ألا يكفي هذا؟
-لا أظن ذلك,لأنني أريد أن أتزوجك.
فهتفت مصعوقة:"تتزوجني؟"
-نعم,أتزوجك.
كانت مقتنعة بأن ما يقوله خدعة,فقالت:"أليس من الافضل لك أن تكون حذرا؟فقد أظنك جادا"
-وأنا أريد أن تظنيني جادا.
-لايمكن أن ترغب حقا في أن تتزوجني.فقد تعارفنا لتونا.
-ألا تؤمنين بالحب من النظرة الأولى.
-بل أؤمن...
فهي أيضا منحته قلبها ما إن وقعت عيناها عليه.إنها لاتستطيع أن تنكر ذلك.
-كنت أرجو أن تؤمني أنت أيضا بذلك.
-و...ولكننا غير متناسبين.فأنت...
فقاطعها:"أنا رجل يريد أن يتزوجك وأنت لا تقتنعين بسهولة"
-أنا لا أفهم لماذا تريد أن تتزوجني.معظم الناس في هذه الأيام يختارون العلاقات الحرة.
-وهل هذا ماتريدينه؟
-لا.
-ولا أنا.أظنني من النوع الذي يتمسك بالقيم القدية,ومعرفة أن زوجة المستقبل مثلي,جعلني أشعر بسرور غير متوقع.
زوجة المستقبل...؟
كم تود أن تصدق ذلك.
-هناك سبب آخر يدعوني للزواج وهو أنني أريد أطفالا خلال عام أو نحوه,وأنا أريدهم منك.ألا ترغبين في إنشاء أسرة؟
-نعم أرغب في ذلك.
تأمل وجهها ثم سألها:"وما الذي يزعجك إذن؟"
-طراز حياتنا مختلف.
-لكنه غير متنافر.ألا تظنين أن بإمكانك أن تتعودي على حياة الأغنياء؟
-أنت تعيش في عالم مختلف تماما,مجتمعك...أصدقاؤك...
-أنت تعيشين في عالمي الآن,والمجتمع الذي أعيش فيه سيستقبلك بذراعين مفتوحتين.فأنت ذكية,رائعة الجمال ومثقفة ولديك ميزات خاصة...
-وأبوان مشهوران؟
-لن أعلق على تحاملك وموقفك هذا.
وإذ أدركت أن الحق معه,تمتمت:"آسفة,يبدو أنني لا أستطيع منع نفسي"
-حسنا,إذا كانت شهرة والديك تزعجك إلى هذا الاحد,فلن نأتي على ذكرهما ونزعم أنهما غير موجودين...
-ذلك لا يزعجني,إنه فقط...
-لكنني أدين لهما بالشكر ولهذا أريد أن أدعوهما إلى العرس.
وأردت أن تبدي ممانعتها قليلا:"لكنني لم أقل بعد إنني سأتزوجك"
-حسنا,أنا سأتزوجك.وإذا لم تقولي نعم وتعيني موعدا للزفاف,فسأبقى مصرا,وسأحاول التودد إليك ومغازلتك إلى أن تقتنعي.فما رأيك؟
-إذن من الأفضل أن أرفض...
ضحك مسرورا:"مادمت قد ظفرت بالجواب المناسب في النهاية,فأظنني سأقوم بالعمل على طريقتي"
***
5-رحلة العذاب
عند الصباح دعاها رايان لتناول الإفطار في
مطبخ شقته الفسيح المشمس,قبل أن يعود إلى موضوع الزواج:"وهكذا,متى سيكون الزواج؟"
كانت فرجينيا تجلس قبالته,ووجهها مشرق خال من أي زينة,وشعرها المجعد مبلل من الدوش.
كانت ترتدي ثيابا قطنية خفيفة وأخذ يفكر في مدى جمالها وجاذبيتها.
رفعت بصرها إليه,وعيناها تلمعان في أشعة الشمس,وأخذت تتفحص وجهه:"هل أنت واثق من أنك تريد أن تتزوجني؟"
-مئة بالمئة.
وعندما رآها تقطب قليلا وتعود إلى طعامها,سألها:"هل مازالت هذه الفكرة تحيرك؟"
-ماذا عن أسرتك؟ماذا لو أعترضوا؟
-أنا واثق من أنهم لن يعترضوا.
-إفرض أنهم فعلوا.
-لا أحتاج إلى موافقتهم.لكنني واثق من أنهم سيبتهجون لأجلي,وخصوصا بيث.والآن فلنعد إلى سؤالي الأساسي,متى سيكون هذا؟
-متى تحب أنت أن يكون؟
-بأسرع مايمكن.فلنقل في منتصف كانون الأول؟وهذا يمنحنا حوالي شهرين لإنهاء الترتيبات.
-إنهاء الترتيبات؟
فرفع حاجبيه:"لم الدهشة؟ألا تأخذ ترتيبات الأعراس وقتا في العادة؟"
-ليس إذا كان عرسا هادئا.
-لكن عرسنا لن يكون هادئا.أريد أن أتباهى بعروسي.أريد أن نتزوج في كنيسة سانت باتريك ويكون لنا عرس يتكلم عنه مجتمع نيويورك...
وإذ رأت أنه يعني كل كلمة يقولها,وافقته ذاهلة:"لا بأس,إذا كنت تريد هذا حقا"
-وإذا لم يكن لديك مانع,مازلت أريد أن أدعو والديك إلى زفافنا.
-طبعا سندعوهما.
فقال بهدوء:"أظن أنه من الإنصاف أن نعطي أباك فرصة مرافقتك إلى الكنيسة.أليس كذلك؟"
-أظن ذلك,رغم أنني أشك في رغبته بذلك.
ابتسم رايان لها:"والآن,بالنسبة للترتيبات,أنا واثق من أن بيث ستسرها مساعدتنا..هذا إذا سمحت لها بذلك"
-طبعا سأسمح لها.لكن هل أنت واثق من أنها لن تتأذى؟أخبرتني أنها سبق وأصيبت بنوبة قلبية.
-أنا مقتنع بأن هذا النوع من الحماسة سيفيدها تماما.
***
تملك فرجينيا الإرتياح عندما أبدت بيث,ذات القلب الكبير,سرورها البالغ,كماتوقع رايان بالضبط.
أماوالداهااللذان يعيشان في حي سوهو في مبنى جميل فأطلعاهما على أمرفي الصباح نفسه.
وعندمااقترح رايان،أن يرافقهاأبوها إلى الكنيسة،حسب التقاليد،وافق على الفور،ماأدهش فرجينيا.
وبعدأن تناولاالطعام,أخذ رايان فرجينيالتختارخاتم الخطوبة.وقفت ذاهلة أمام المجموعة الضخمة من الأحجارالكريمة المتألقة,واختارت أخيراحجراأعجبها.
أعجبها لونه الأصفرالصافي المتألق,وطرازه القديم,فنظرت إلى رايان تطلب رأيه.وضعه في إصبعهافوجده مناسبا تماما.أخذيتأمله لحظه قبل أن يقول موافقا:"نعم,إنه يلائم يدك".
سار كل شيء على مايرام وكأنما حصل بسحرساحر.ابتهجت جاينس عندماطلبوا منهاأن تكونوصيفة العروس,بينماأعلن ستيفن أنه سيسره جدا أن يكون شاهد العريس.
وحدها مادلين كانت تجلسهادئة مؤدبة في حضور رايان, فيماتميل في غيابه إلى اللقاء ملاحظات خبيثة مقصودة,خصوصاعن خاتم خطوبةفرجينيا.
-كم هوعتيق الطراز!أماكان الماس أفضل؟فهو يساوي مبلغا أكبر فيمالوغير رايان رأيه بالنسبة إلى الزواج وأبقى الخاتم لك.
لكن حقد هذه المرأة لم يستطيع أن يفسد سعادة فرجينيا.فكانت أيامهاكلها فرحا.رايان يخبها وهما سيتزوجان,وستكون هي جزء من هذه الأسرة السعيدة .لقد تحقق حلمها.
ورغم أنها كانت تمضي الكثير من السهراتبرفقته,إلى أنها رفضت إلحاحه الدائم عليها بأن تنتقل إلى شقته,حتى أنهارفضت أن تأخذ مفتاحها.
وعندما عاد رايان إلى العمل كارها,بعد أن أخذ عطلة أسبوعين لكي يريها نيويورك,فررت فرجينيا أن الوقتحان لكي تفعل مثله وتذهب إلى العمل لتعيل نفسهاوتشعر بالاستقلالية,رافضة أن ينفق عليها قبل الزواج.
وفيما هما يشربان القهوة تلك الأمسية,بسرورورضى,فتحت الموضوع :"رايان.."
-نعم
_أريد أن أبدأعملي في المعرض
-لاحاجة بك إلى العمل على الإطلاق.
-لكنني أريد ذلك,وإلاماذا سأفعل طوال النهارأثناءوجودك في المكتب؟
-ياعزيزتي...عليك أن تهتمي بأمور العرس...وبمناسبة الحديث عن العرس,أين تريدين أن نقضي شهر العسل؟
- لايهمني في الحقيقة.
- حسنا,إماأن نذهب للتزلج,وإماأن نذهب إلى بلادمشمسة...ماذاتفضلين؟
- أطنني أفضل البلاد المشمسة.
- مكسيكو؟جزر هاواي؟جزرالكاراييب؟
- لطالما تمنيت الذهاب إلى هاواي.
- فليكن هاواي إذن.
وافقهاوهو يغمض عينه فانسدلت أهدابه الكثيفة السوداء على وجنتيه.
-رايان,لاأريد أن يتغبر الموضوع بكل هذا الحديث عن شهر العسل.
فقال متظاهرا بالبراءة:"أغير الموضوع؟لاأدريماتعنين".
-بل تعلم جيدا ماأغني.أريد أن أبدأالعمل الذي وعدتني به.فسألها:"حبيبتي,هل تحاولين التملق إلي لإقناعي؟"
- نعم.
فتنهد خاضعا:"حسناجدا,إذاكان هذا ماتريدينه حقا.ولكن خذني أيام عطلة من العمل بين حين وأخرلكي تشتري ماتحتاجينه"
-سأفعل.وافقت بسعادة,وهي تنظرإليه بدلال جعل رايان يذوب حبابها.
*****
رغم شفف فرجينيا بعملهاواستمتاعهابالأيام التي تمضيهافي المعرض,كانت تجد نفسها دومامتلهفة إلى قضاءبرفقة رايان,فهو رجل رائع وحبيب رقيق المشاعر,كماأنه سخي وحنون. وهكذا تسارعت الأيام في دوامة من السعادة والرضى.
ومع حلول الأسبوع الأول من كانون الأول,كانت معظم ترتيبات العرس قد انتهت,ولم تبق سوى بعض التفاصيل الصغيرة.
لم تعد فرجينيا ترى رايان كثيرا وذلك لأنه يتأخر في مكتبة غالبا لينتهي الأعمال المطلوبة منه قبل رحلة شهر العسل.
ويوم الجمعة,ذهبت فرجينيا مع بيث للقيام بأخر قياس لثوب الزفاف.
عادتا إلى البيت بعد فترة فسألتهابيث:"هل سترين رايان هذا المساء أم سيتأخرمرة أخرى؟"
-لا,لن يتأخر في العمل لكنني لن أراه, لأنه سيحضر عشاء جمعية خيرية.
- إذالم يكن لديك خطة أخرى,لماذالاتأتين لتناول العشاء معي؟جاينس ستتعشى في الخارج وسأكون لوحدي.
أجابت فرجينياعلى الفور:"هذا يسرني جدا".
وعند السادسةوالنصف,نزلت فرجينيا مجددا إلى شقة بيث أمضتا سهرة جميلة لعبتا فيها الورق واستمعتا إغلى الموسيقى بصمت وهماتتبادلان بعض الأحاديث من وقت لآخر.
وعندماألقت فرجينيا تحية المساء على بيث وتركتها,كانت الساعة قد قاربت العاشرة.
صعدت مشيا إلى الطابق الأعلى وهي تتساءل إذ كان رايان سيتأخر.وما وصلت إلى أعلى السلم حتى وجدت باب شقته مفتوحا وقد وقف في العتبة شخصان.
كان رايان حافي القدمين,يرتدي ثوب حمام كحليا قصيرا,كما كانت مادلين ترتدي عباءة من الحرير الأسود مع خف أسود أيضا وشعرهاالأشقر اللامع ينسدل على كتفيها.
كانت يدهاالنحيلة القرموزية الأظافرتتحرك بهدوء,وهي تتحدث بشكل ودي وحميم.ترددت فرجينيا,شاعرة بالارتباك فيما ألقت مادلين نظرة مختصرة باتجاهها من دون أن يبدو عليهاأنها لاحظت وجودها.
بعد ذلك بلحظة,تحركا إلى أحد جوانب الغرفة,فلم يعد بإمكان فرجينيا رؤيتهما.
وفجاة تملكت فرجينيا قشعريرة باردة,وتسمرت في مكانها,بينما مرت مادلين بجانبها بسرعة وهي ترمقها بنظرة لامعة تنضح بالعداء والانتصار.
قال رايان وهو يجتازالردهة ليلقاها:"من أين جئت؟"
ومن خلال شفتين متوترتين,قالت فرجينيا:"كنت أتعشى مع بيث"
بداصوتها مهتزا متوترا.أجفل رايان,ثم قال بهدوء:"لاتدعي هذا يزعجك.إن مادلين..فلنقل إنها...كانت غير متحفظة في مشاعرها".
صفة(غير متحفظة في مشاعرها) هي آخرصفة فرجينيا تتوقعها من مادلين الباردة كالثلج.
وإذا رأى الانزعاج البالغ على وجهها,حاول أن يخفف من الأمر:"يتبادل الأقارب أحيانا أحاديث خاصة".
إنهم أسرة مترابطة, ولكن هل الوقت مناسبا لأي حديث تجاهل رايان قلقها وهو يقول:"تعالي واخبريني كيف قضيت نهارك..وكيف وجدت ثوب الزفاف".
جاهدت لكي تجيبه بطريقة عفوية:"إنه ممتازة".
تذكرت كيف رفضت مادلين دعوة بيث,متسائلة إذا ماأمضيا السهرة معا,سألته:"ماذا حدث؟هل فشل العشاء الخيري؟"
-لا .بل انتهى أسرع مما توقعت.عدت منذ نحو نصف ساعة فقرعت جرسك,وعندما لم أجد جوابا,ظننت أنك في الحمام.لوأدركت أنك مع بيث لنزلت إليكما.
وبلا من ذلك,عقد هو ومادلين لقاء خاص...خطرت لها هذه الفكرة رغما عنها,فحاولت نبذها لكنها فشلت.
تأمل وجهها,ثم قال بسرعة:"اسمعي.أظن أنه من الأفضل أن نصفي الجو بيننا".
قادها إلى الأريكة,ثم دفعها للجلوس برفق وجلس على مقعد بجانبها:"لا أدري ماهو السيناريو الذي تشكل في رأسك,لكني,أنا ومادلين لم نتحدث معا سوى لدقيقتين,حتى إنها لم تدخل.كنت قد فرغت لتوي من الحمام عندما سمعت رنين جرس الباب فذهبت إلى الباب متوقعا أن أراك..."
وفيما كانت فرجينيا متلهفة إلى أن تصدقه ظل الش يساورها,فمن غير المألوف أن تزور امرأة شقيق زوجها في مثل هذا الوقت وهي ترتدي عباءة...
وتابع رايان يقول:"جاءت مادلين لتسألني أن أختار بين هديتين من أجل زواجنا.ولتقول لي أنها سعيدة من أجلنا"
وعندما ظهر على وجه فرجينيا تعبير ينم عن الإستهجان قال:"أعلم أن مادلين لا تسر من أجل أحد ولا تفكر إلا بنفسها.على أي حال,بدت صادقة بكل تأكيد"
لقد ارتاحت من شكوكها الآن.
***
بعد أيام عادت جاينس لتزرع في ذهن فرجينيا,ذات مساء وبكل براءة,شكوكا جديدة.
كانت فرجينيا قد عادت من المعرض لتوها,عندما رن جرس الهاتف...وإذا بجاينس تقول بحماسة:"لقد احضرو لي ثوب وصيفة العروس,فهل يمكنك أن تنزلي دقائق عدة لتساعديني على اختيار الأجمل منها؟"
-سأنزل حالا.
ركضت جاينس تفتح لها الباب,مرتدية توبها البرتقالي الحريري الفاخر:"يصعب علي الاختيار,فكلها رائعة.تعالي وانظري"
كانت الفتاتان منهمكتان في إختيار غطاء الرأس,عندما قاطعهما جرس الباب.فقالت فرجينيا:"سأفتح أنا الباب"
عندما فتحت الباب,هبط قلبها وهي تجد مادلين رائعة الأناقة كالعادة,وشعرها الأشقر يلمع بقوة.
مرت بجانبها من دون كلمة واتجهت إلى غرفة الجلوس تاركة فرجينيا تلحق بها.
-أين رايان؟أريد أن أتحدث إليه.إنه معك حتما,فهو يلازمك على الدوام.
قالت مادلين وهي تتأمل الأثواب:"هذا العرس سيكلف الكثير,ومن حسن الحظ أن الأسرة غنية"
سألتها جاينس:"هل أنت باقية هنا؟"
-لا.ستيفن سيأخذني إلى العشاء في الخارج.لكنني كنت أريد التحدث مع رايان أولا.
-آسفة لعدم استطاعتنا أن نساعدك.
عندما سارت مادلين إلى الباب,أطلقت رصاصة الوداع:"أظن أن المسكين رايان لم يكن يعلم ماينتظره حين وافق على إقامت عرس كبير"
قالت فرجينيا:"جعلتني أشعر وكأنني باحثة عن الذهب"
أجابت جانيس:"تلك الثرثرة عن نفقات العرس الكبير,كثيرا ما تصدر عنها.كانت ممثلة طموح مفلسة عندما أنشبت مخالبها في ستيفن,من المؤسف أنه تزوجها.كان رايان أعقل منه.
قالت فرجينيا باستغراب:"رايان؟"
ففسرت جاينس لها الأمر:"كانت صديقة رايان قبل ستيفن"
يبدو أنها انتبهت إلى أنها قالت الكثير فتابعت محاولة أن تخفف من وقع الأمر:"أمضيا وقتا قصيرا معا قبل ان تحول إهتمامها إلى ستيفن المسكين,فسلبته عقله.كيف يمكن أن يصبح الرجال بهذا العمى فيستعبدهم الوجه الجميل والقوام الرئع إلى هذا الحد؟"
-حسنا,مادام سعيدا...
-لا أفهم كيف يمكن أن يكون سعيدا.ومنذ أحضرك رايان معه,أراهن على أنه لم يعد بإمكانه أن يعيش معها.وأظنها أدركت بعد فوات الأوان أنها أقترفت غلطة شنيعة,لأن الذي تريده حقا هو رايان.وهكذا هو السبب في غيرتها البالغة منك.في الواقع,أشعر أنها مازالت تعتبر رايان رجلها هي...ولكن,دعينا ننساها.."
اختارت جاينس باقة من الأزهار الحريرية ووضعتها على شعرها الداكن وسألت فرجينيا:"مارأيك في هذا؟"
عندما تركت فرجينيا جاينس وصعدت إلى شقتها حاولت أن تواجه فكرة أن رايان ومادلين كانا حبيبين قبل أن تتركه وتتزوج ستيفن.
غاصت في الأريكة وهي تحدق أمامها من دون أن ترى شيئا وتساءلت عما جعل مادلين تتركه؟
ربما كانت جاينس على صواب.ربما أدركت مادلين,بعد فوات الأوان,أنها أقترفت غلطة شنيعة,لأن رايان هو حقا من تريد.
واكتسحت فرجينيا موجة باردة,وامتلأ ذهنها على الفور بصورة رايان ومادلين وهما يتحدثان.لو كانت مادلين تحب زوجها ستيفن وتريده,هل كانت لتنظر إلى رايان بكل تلك العاطفة المحمومة؟
والأهم من ذلك,لماذا يسمح لها رايان بالدخول إلى شقته فيما هو يعلم ما كان بينهما من قبل؟
ماذا لو أنه كذب عليها عندما أخبرها عما جاءت تفعله؟ماذا لو أن المشاعر كانت متبادلة بينهما؟
ولكن لا,رجل مثل رايان لايمكن أن يتصرف بهذا الشكل مع زوجة أخيه.فافتضاح أمرهما سيدمر الأسرة ويحطم قلب بيث,كما أنه هو نفسه سيتزوج بعد أيام معدودات.
لايعقل أن يكون راغبا في مادلين حتى الساعة,وإلا لماذا طلب منها أن تتزوجه؟وحتى لو كان حبهما عاصفا,فإن رايان ليس بالرجل الذي يتزوج مندفعا بتهور.
أثناء الأيام التالية,بذلت فرجينيا جهدها لنبذ الشكوكمن ذهنها....ولكنها كانت تعود إليها مرة بعد مرة.
إنه يرغب بها,وهي واثقة من ذلك...ولكن هل يحبها حقا؟ورغم أنه كان ينديها(حبي)من وقت لآخر,وأنه سألها إن كانت تؤمن بالحب من أول نظرة,إلا أنه لم يقل لها قط(أحبك).
لعلها ليست المرأة التي يرغب فيها.وإذا كانت المرأة التي يريدها حقا متزوجة من أخيه,ربما ستفي امرأة آخرى بالغرض!
.أيمكنها أن تجازف وتأله عن شعوره الحقيقي؟
لا,فسيضطر إلى أن يكذب.لايمكنه أن يعترف بالحقيقة لأن ذلك يعرض الأسرة إلى التفكك.
ولكن إذاكان لايحبها ولايرغب فيها,فلماذا اختار أن يتزوجها؟ولماذا قرر أن يتزوجا في الكنيسة,وأصرعلى إقامة عرس تتحدث عنه الصحف؟
لا.لا بد أنها هي فرجينيا,من يريد.ومع ذلك بقيت الشكوك تعود زاحفة,وأخذ نوم فرجينيا يسوء.
وفي لهفتها لإخفاء قلقها.حاولت بشجاعة أن تتصرف بشكل طبيعي,لكن هذا فشل في إقناع رايان.
وعندمابدت ظلال قاتمة في عينيها,راح يسألها عما بها,قائلا:"أنا واثق من أن ثمة خطبا ما.لقد بت أعرفك جيدا,وأعرف أنك تخفين من نفسك,حتى عني...لماذا لاتخريني بما يزعجك؟"
وعندمابقيت صامتة,أصر عليها:"هل أنت خائفة من ألا أكون زوجا صالحا؟"هزت رأسها نفيا.
-هل علي أن أخمن أم أنك ستخبرينني بما يقلقك؟
وإذا رأت إصراره,قالت بيأس :"من المؤكد أن كل عروس تعاني من الشكوك آخر لحظة"
حدق إليها متفحصا بطريقة تتراوح بين النقد والتقويم,وسألها:"أحقا؟"
تمسكت بهذه الفرصة وسألته:"والرجال ألا يعانون من مثل هذه الشكوك؟"
فقال بعنف تقريبا:"لاتدعي أي شكوك تمرضك.تذكري فقط أنك لي وأنني لن أدعك تتركينني أبدا".
نامت تلك الليلة عميفا.ثم نهضت في الصباح التالي وهي تشعر بالسعادة وثقة لم تشعر بمثلهما منذ علمت عن علاقة رايان ومادلين الماضية تلك .
مرت الأيام التالية حافلة, وقبل أن تنتبه, وإا باليوم السابق للزواج يطل.
تناولت الفطور في الصباح مع رايان.وقبل أن يذهب إلى مكتبه,وهمس لها بلهجة عاطفية:"أظن أن المرة القادمة التي سأراك فيه,ستكون في الكنيسة".
أصر ستيفن على أن يقيم لرايان حفلة توديع العزوبة التقليديه,بينما أقامت النساء سهرة في مارتندال.ظنت فرجينيا أنها ستكون مع بيث وجاينس,لكن مادلين أعلنت أنها ستحضر أيضا,فاختلف الأمر.لكن السهرة كانت أكثر بهجة مماتوقعت فرجينيا.وعندما انتهت ووصن إلى برج فالكونر,كما المرح يتملكهن.
فرحت فرجينيا لأن حلمها بأن تكون جزء من أسرة سعيدة سيتحنق قريبا. وأحست بأنها تسير فوق الغيوم لفرط سعادتها.وماإن خلعت سترتها حتى رن جرس الباب.
لم تكن الساعة قد بلغت الثانية عشرة,فهرعت إلى الباب تفتحه راجية أن يكون رايان.
ولدهشتها,وجدت أن القادم مادلين.ودخلت الشقراء من دون دعوة,قائلة:"جئت لأخبرك مدى سعادتي بعرسك هذا ولاحضر لك هذه".
فتحت فرجينيا العلبة المسطحة فإذا بها ترى حمالةجوارب جميلة من الدانتيل.
-ماأجملها!شكرا وسأعيدها لك حتما.
لمعت أسنان مادلين الجميلة بابتسامة:"لاتقلقي,أن دوما أستعيد ماهو ملكي".
تملكتها الحيرة للهجة مادلين الغريبة هذه,لكنها قررت تتجاهلها,وقالت لها:"أنا مسرورة لأنك سعيدة بهذا العرس".
-رغم أنني أعلم أن رايان يفعل هذا من أجلنا,إلا أنني يجب أن أعترف أني شعرت بالغيرة أحيانا.
-أتعنين أنه لم يخبرك لماذا يريد أن يتزوجك؟لعله ظن أن من الافضل ألا يفعل.
قالت فرجينيا بصوت لم تكد تعرفه:"أظنني سأعلم ذلك قريبا"
-حسنا,كنا,أنا ورايان,متحابين قبل أن أتزوج ستيفن...
-أعرف هذا.
بهتت مادلين للحظة, وما لبثت أن تابعت:"كانت علاقتنا جيدة,ولكن عندما تضطرم المشاعر,تضطرم معها الطباع.كان رايان مراوغا بالنسبة إلى الزواج,فتشاجرنا.رحت أخرج مع ستيفن لكي أجعل رايان يذعن لفكرة الزواج.ولكن رغم أنه كان دوما مجنونا بي,إلا أنه بقي عنيدا للغاية.وتعلمت أنا الدرس,وهكذا رفضت الخروج مع ستيفن.وعندما تملكه اليأس وعرض علي الزواج,فكرت في أنني أكون مجنونه إذا لم أقبل..".
سكت مادلين فجأة ثم فالت بحدة:"لاحاجة بك إلى إظهار هذا الاشمئزاز.أعترف أنني ندمت ماإن تزوجنا.أدركت أنني أقترفت غلطة شنيعة, وأنني لن أنسى رايان أبدا".
وإذا كانت جاينس على صواب.
--وذات ليلة,كان ستيفن في الخارج,فالتقينا أنا ورايان وعدنا حبيبين كما كنا,نجتمع في أي مكان يتوفر لنا,أحياناهنا,وأحيانافي المدينة...ولكن بعد فترة,أراد رايان أن يتوقف عن ذلك خشية أن يشك أحد في أمرنا.فهويخشى تكدير بيث والأسرة,أو التسبب في فضيحة.
فسألتها فرجينيا بصوت بارد كقلبها:"وماهي علاقتي أنا بذلك؟".
-فكر رايان أنه إذا تزوج,وأقام عرسا فسيتجنب خطر الفضيحة,ويرسم له صورة محترمة في المجتمع.بمعن آخر سيكون هذا بمثابة ستار للتمويه.ومادمنا حذرين,فمن الذي سيشك في أن عريسا جديدا يعبث في الأنحاء مه زوجة أخيه؟
شعرت فرجينياوكأنها تلقت لكمة في معدتها.كان الأمر منطقبا تماما فقد فهمت الآن الأمور التي كانت تحيرها.لماذا دفعها على قبول الزواج منه بسرعة,ولماذا كان حريصا على أن يخبرالأسرة؟ولماذا أصر على إقامة عرس فخم.ولماذا لم يقل لها قط إنه يحبها...؟
هتفت فرجينيا بصوت أبح:"إذ ظننت لحظة واحدة أنني سأوافق على هذا فأنت مجنونة...!".
-لاأرى ماذا ستخسرين.ستحصلين على كل ماتزوجت رايان من أجله.كماأن رايان رجل بما يكفي ليتمكن من إسعادنا,نحن الاثنتين.
فصرخت فرجينيا بها:"أخرجي من هنا.خذي هذا وأخرجي".
ودست حمالة الجوارب في يد مادلين وفتحت لها الباب.
استندت فرجينيا إلى الباب المغلق وهي تشعر بضغط حول لرأسها أشبه بعصابة من حديد.وعندما خف شعورها بالغثيان قليلا,استدعت سيارة أجرة بصوت لم تعرف أنه صوتها,وبكيان أثقله العذاب سارت إلى غرفتها لتحزم أمتعتها.
تجاهلت الحقائب التي سبق وحزمتها لشهر العسل ولم تجمه سوى الثياب التي جاءت بها معها.
تركت خاتم الخطوبة وكل مادفه رايان ثمنه وحملت معها فقط النفود التي كسبتها من عملها.وبعينين جافتين وقلب منقبض,أغلقت باب شقتها خلفها,ثم هبطت بالمصعد.أسرعت تعبر الردهة,ثم وضعت حقيبتها على الأرض ريثما تفتح الباب.وبعد ذلك بلحظة كانت تتسلل من دون أن يراها أحد ثم تسرع إلى سيارة الأجرة لتقول للسائق:"إلى المطار من فضلك".