لمشاكل التسجيل ودخول المنتدى يرجى مراسلتنا على الايميل liilasvb3@gmail.com






العودة   منتديات ليلاس > قسم الارشيف والمواضيع القديمة > الارشيف
التسجيل

بحث بشبكة ليلاس الثقافية

الارشيف يحتوي على مواضيع قديمة او مواضيع مكررة او محتوى روابط غير عاملة لقدمها


 
نسخ الرابط
نسخ للمنتديات
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 12-10-09, 03:26 AM   المشاركة رقم: 16
المعلومات
الكاتب:

البيانات
التسجيل: Sep 2009
العضوية: 149707
المشاركات: 654
الجنس ذكر
معدل التقييم: جيرمون111 عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 10

االدولة
البلدPalestine
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
جيرمون111 غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : جيرمون111 المنتدى : الارشيف
افتراضي

 

الفصل الرابع عشر
السيد بوكيت الابن

استغرقت الرحلة من المدينة إلى العاصمة نحو خمس ساعات , وعندما وصلت إلى مكتب السيد جاغرز , أخبرني الكاتب أنه في المحكمة , وأنه ترك خبراً بأن أنتظر في غرفته . فاصطحبني إلى غرفة داخلية كانت مغمة للغاية . وبعد انتظار طويل , وصل السيد جاغرز .
اندفع نحوه الكثير من الناس , رجالاً ونساءً , كانوا ينتظرونه خارج المكتب . فخاطب اثنين من الرجال وهو يشير إليهما بأصبعه : " ليس لدي ما أقوله لكما الآن. ولا أريد أن أعرف أكثر مما أعرفه . أما بالنسبة للنتيجة , فهي مسألة حظ . لقد أخبرتكما منذ البداية أنها مسألة حظ . هل دفعتما لـ ويميك ؟ "
فقال الاثنان معاً : " أجل , سيدي . "
" حسناً , يمكنكما الذهاب . والآن لن أسمع المزيد ! "
وأشاح لهما بيده لدفعهما خلفه : " إن نطقتما بكلمة سأتخلى عن القضية . "
بدأ أحد الرجلين يقول وهو يخلع قبعته : " اعتقدنا , سيد جاغرز ـ "
فقال جاغرز : " هذا ما طلبت إليكما الامتناع عنه . اعتقدتم ! أنا الذي أعتقد أنكما , هذا يكفي . إن احتجت لكما , فأنا أعرف أني أجدكما . لا أريدكما أن تجداني , والآن لن أسمع المزيد , لن أسمع أية كلمة . "
راح الرجلان ينظران إلى بعضهما البعض فيما أشار السيد جاغرز لهما بالخروج , فخرجا بتواضع دون أن ينطقا بكلمة .
وبعد أن تعامل مع الآخرين بنفس الأسلوب ، اصطحبني أنا وصبي إلى غرفته الخاصة , حيث أخبرني بأنه علي أن أذهب إلى (( نزل برنارد )) إلى جناح السيد بوكيت الابن ، حيث م إرسال سرير لتأمين راحتي . وكان عل البقاء مع السيد بوكيت الابن حتى نهار الاثنين ، فأذهب معه نهار الاثنين لزيارة منزل والد ، لأتبين كم سيروقني . قدم لي مخصصي من المال , وبطاقات بعض أصحاب المتاجر الذين سأتعامل معهم للحصول على جميع أنواع الملابس وساءر الأشياء التي قد أحتاجها . وكان على ويميك كاتبه , مرافقتي إلى منزل السيد بوكيت .
ألقيت نظرة على السيد ويميك أثناء سيرنا , فوجدته رجلاً جافاً , قصيراً للغاية , ووجهه مربع جامد . ترائى لي أن أعزب بثيابه الرثة . وكانت له عينان لامعتان ـ صغيرتان وحادتان , وسوداوين ـ وشفتان رقيقتان واسعتان .
خاطبني قائلاً : " إذن لم تأت إلى لندن أبداً من قبل . "
قلت : " كلا , وهل هي مكان سيء ؟ "
قال : " قد تتعرض للخداع والسرقة والقتل في لندن . إنما هناك الكثير من الناس في كل مكان يتسببون لك بذلك . "
وما لبثنا أن وصلنا إلى نزل برنارد , حيث يقطن السيد هربرت بوكيت . كان مجموعة من المساكن الوضيعة المغمة قسمت شققاً , وكان كثير منها برسم الإيجار.
اصطحبني السيد ويميك فتسلقنا سلماً يؤدي إلى شقة في الطابق الأعلى . وقد كُتب على الباب (( السيد بوكيت الابن )) , وضعت رقعة على صندوق الرسائل تقول : (( عائد بعد قليل )) . تمنى السيد ويميك لي نهاراً سعيداً وغادرني . ولم تمض أكثر من نصف ساعة طويلة حتى سمعت وقع أقدام السيد هربرت على السلم . كان يحمل كيساً من ورق تحت كل إبط وسلة صغيرة من الفاكهة في إحدى يديه , وقد انقطع نفسه . قال : " السيد بيب ؟ "
فقلت السيد : " السيد بوكيت ؟ "
قال مندهشاً : " يا إلهي ! إنني آسف جداً , لكنني علمت أن هناك عربة قادمة من بلدك في منتصف النهار , فاعتبرت أنك ستأتي بها . "
وبعد جهود في معالجة الباب , انفتح أخيراً ودخلنا . فقال السيد بوكيت بعد ذلك : " اعتبر والدي أنك ربما أحببت قضاء نهار الأحد معي أكثر من قضاءه معه , وربما أحببت التجول في أرجاء لندن . إن من دواعي سروري لا ريب أن أطلعك على لندن . إن مسكننا ليس فاخراً بأية حال , إن علي أن أكسب قوتي . هذه هي غرفة نومك ،وقد تم استئجار الأثاث لهذه المناسبة ، لكنني على ثقة بأنه سيفس بالغرض."
حين وقفت أمام السيد بوكيت الابن , أصيب بدهشة وقال وهو يتراجع : " يا إلهي , إنك الفتى الذي تقاتلت معه ! "
فقلت : " وأنت الشاب الهزيل ! "
وقفنا ننظر إلى بعضنا البعض حتى انفجرنا بالضحك . فقال : " تصور كونه أنت !"
فقلت : " تصور كونه أنت ! "
قال هربرت : " لم تكن قد حظيت بثروتك حينذاك ؟ "
قلت : " كلا . "
فوافق معي : " كلا , لقد علمت أن ذلك حدث لاحقاً . أنا شخصياً كنت أفتش عن ثروة جيدة آنذاك . وأرسل الآنسة هافيشام في طلبي لترى إن كانت ستحبني . لكنها لم تستطع ـ على كل حال , فلم تفعل . ربما لو كنت ناجحاً , لتمت خطبتي على استيلا . "
" وكيف تحملت خيبة أملك ؟ "
فقال : " أفٍ ! لم أكترث كثيراً بذلك . فهي فتاة متقلبة المزاج . إنها قاسية ومتعجرفة ومزاجية حتى آخر الحدود , وقد أنشأتها الآنسة هافيشام لتثأر من جنس الرجال . "
" وما قرابتها بالآنسة هافيشام ؟ "
قال : " ليست بقربتها بل تبنتها فقط . "
" ولماذا تثأر من جنس الرجال ؟ وأي ثأر ؟ "
فقال : " عجباً يا سد بيب , ألا تعرف ؟ "
" كلا . "
" يا للعجب ! إنها قصة حقاً , وسأحتفظ بها إلى حين وقت الغداء . "
تميز هربرت بوكيت بأسلوب صريح وبسيط وجذاب للغاية . لم يتسنى لي حتى الآن اللقاء بمن يعبر لي بشكل جازم أكثر منه , في كل نظرة ونبرة صوت , عن عجزه على القيام بما هو سري ودنيء . كان لديه شيء يوحي بالأمل بشكل مدهش , وشيء يهمس لي في الوقت ذاته أنه لن يكون ناجحاً و ثرياً على الإطلاق .
أخبرته بقصتي , وشددت على أنه محظور علي السؤال عن هوية الذي أحسن إلي .
في وقت الغداء , روى لي قصة الآنسة هافيشام فقال : " كانت الآنسة هافيشام طفلة مدللة , وقد توفيت والدتها وهي لا تزال صغيرة , فلم يرد لها والدها أي طلب . كان السيد هافيشام في غاية الثراء وغاية التكبر . وكذلك كانت ابنته , لم تكن طفلته الوحيدة , بل كان لها أخ من والدها . فقد تزوج والدها مرة ثانية ـ من طاهية على ام أعتقد . "
" خلته متكبراً . "
" وكذلك كان . لقد تزوج من زوجته الثانية سراً , وقد توفيت هذه مع مرور الزمن. حينما توفيت , أخبر ابنته بما فعل , وأصبح ولده مذَّاك جزءاً من العائلة يسكن البيت الذي تعرفه . ولما شب الفتى , أصبح فاسقاً ومبذراً ـ فاسداً بالإجمال . في نهاية الأمر حرمه والده من الإرث , ولكنه ما لبث أن لان حين شارف على الموت , فترك له ثروة حسنة , لكن لي بالقدر الذي تركه للآنسة هافيشام . وراح يبذر ماله ورزح تحت ديون طائلة . ثم ظهر رجل تظاهر بحب الآنسة هافيشام , وأخذ يلاحقها عن كثب, فأحبته كثيراً . فاستغل عاطفتها وحصل منها على أموال ضخمة. كان أقرباءها فقراء ماكرين , باستثناء والدي الذي كان في فقر شديد لكنه لم يكن حسوداً ومستغلاً للظروف أو حسوداً . كان المستقل الوحيد بينهم , فحذرها من أنها تجاوزت حدودها في سبيل ذالك الرجل ,وأنها تضع نفسها تحت رحمته دون تحفظ. فاغتنمت أول فرصة تسنت لها لطرد والدي بغضب من المنزل , بحضور الرجل , ولم يرها والدي منذ ذلك الحين . لنعد إلى الرجل وننهي قصته . حدد موعد الزفاف, ووجهت الدعوة إلى ضيوف الزفاف . وحل يوم الزفاف , لكن العريس لم يحضر . بل كتب رسالة ـ "
فتابعت عنه : " تلقتها حين كانت ترتدي ثياب الزفاف ؟ عند التاسعة إلا ثلثاً ؟ "
قال هربرت : " في تلك الساعة والدقيقة بالذات . " وهو يهز رأسه , " وهو الوقت الذي أوقفت فيه جميع الساعات بعد . ولما شفيت من مرض شديد ألم بها , تركت المكان يستحيل خراباً , مثلما رأيت , ولم تعد تر ضوء النهار منذ ذلك الحين . "
سألت بعد شيء من التفكير : " هل هذه كل القصة ؟ "
" هذا كل ما أعرفه عنها . لكنني نسيت شيئاً . فهناك اعتقاد بأن الرجل منحته ثقة لا يستحقها , كان يعمل طوال الوقت بالاتفاق مع أخيها من أبيها , وأن المؤامرة هي من تدبير الاثنين , وأنهما كانا يتقاسمان الربح . "
فقلت : " أتساءل لماذا لم يتزوجها ويحصل على جميع ممتلكاتها ؟ "
" ربما كان متزوجاً من قبل . "
" وماذا حل بالرجلين ؟ "
" غرقا في مزيد من الذل والعار والخراب ــ إن كان هناك أكثر . "
" وهل هما على قيد الحياة الآن ؟ "
" لست أدري . تعلم الآن كل ما أعرفه عن الآنسة هافيشام . "
سألت هربرت في مجرى الحديث عما يكون . فأخبرني بأنه رأسمالي ــ يعمل في تأمين السفن لكن لم تكن في غرفته إشارة تدل على قضايا الشحن أو رأس المال . قال : " لن أقنع بمجرد استخدام رأسمالي في تأمين السفن . سأشتري حصصاً لا بأس بها في مجال التأمين على الحياة , وسأعمل قليلاً في مجال التعدين . أظن أنني سأتاجر مع جزر الهند الشرقية في الحرائر والشالات والبهارات والأصباغ والحرائر والعقاقير والأخشاب الثمينة . إنها تجارة شيقة . "
قلت : " وهل الأرباح كبيرة ؟ "
قال : " هائلة . " ثم قال وهو يضع إبهامه في جيب صدرته : " أظن أنني سأتاجر أيضاً مع جزر الهند الغربية في السكر والتبغ وسراب الرم , كذلك في سيلان خاصة في مجال أنياب الفيلة . "
" ستحتاج إلى سفن كثيرة . "
" أسطول كامل . "
ولشدة دهشتي حيال ضخامة هذه العمليات , سألته أين تبحر السفن التي يؤمن عليها في الوقت الحاضر , فأجاب : " لم أبدأ بالتأمين بعد . فأنا أنتبه لنفسي , وأعمل في مكتب للمحاسبة . "
" وهل مكتب المحاسبة يوفر ربحاً ؟ "
" آه , كلا , ليس لي . إنه لا يوفر لي شيئاً , وعلي الاستمرار , المهم هو أن تنتبه لنفسك . ذلك هو الشيء الأهم . ثم يحين الوقت فتجد المجال مفتوحاً أمامك . فتدخله وتبني رأسمالك ,وها أنت ! وحين تبني رأس مالك , لن يكون عليك سوء توظيفه ."
كان ذلك أشبه ما يكون بأسلوبه في القتال الذي جرى بيننا في الحديقة , يشبهه كثيراً ــ وطريقته في تحمل الفقر أيضاً جاءت توازي طريقته في تحمل الهزيمة . كان واضحاً أنه لا يملك سوى أبسط الضروريات , إذ كل ما رأيته تبين أنه أرسل على حسابي من المقهى أو من مكان آخر .
ذهبنا مساء ذلك السبت للتنزه في شوارع لندن , وذهبنا إلى المصنع بنصف التعرفة , وفي اليوم التالي ذهبنا إلى الكنيسة في وستمينستر آبي , وتمشينا مساءً في المنتزهات .
بعد ظهر الاثنين , ذهبنا إلى منزل السيد بوكيت في هامر سميث حيث تم تقديمي إلى السيد والسيدة بوكيت في حديقتهما . واصطحبني السيد بوكيت بعد ذلك إلى المنزل وأراني غرفتي . ثم قرع باب غرفتين مماثلتين ليعرفني إلى من يشغلهما , باسم بنتلي درامل وستارتوب , كان درامل ذا بنية ثقيلة ومظهر عجائزي وكان يصفر , فيما كان ستارتوب , الأصغر سناً ومظهراً , يقرأ ويمسك رأسه وكان يظن نفسه في خطر انفجاره بالمعرفة المفرطة .
بعد يومين أو ثلاث , حين استقر بي الحال في غرفتي وذهبت إلى لندن عدة مرات لطلب ما أحتاجه من أصحاب المتاجر الذين أتعامل معهم , كان لدي مع السيد بوكيت حديث مطول . كان يعرف عن مجرى حياتي المنشود أكثر مما أعرفه بالذات , فقد ذكر أن السيد جاغرز , أخبره بأنني لم أكن مقصوداً لأي مهنة , وأنه ينبغي أن أتعلم ما يكفي لأكون نظير الشاب العادي الذي ينعم بظروف ملائمة . فوافقت بالطبع , دون أن يكون لي علم بما هو عكس ذلك .
نصحني بارتياد بعض الأمكنة في لندن لأحصل على المعرفة التي أحتاج , وأفاد بأنه سيتولى إدارة جميع دروسي , لقد وضع نفسه موضع ثقتي بطريقة رائعة , ويمكنني القول في الحال أنه كان من الحماس دائماً ومن الصدق في تنفيذ اتفاقه معي , ما حملني على الحماس والصدق في تنفيذ اتفاقي معه , ولو أنه أبدى شيئاً من اللامبالاة كأستاذ , فليس لدي شك بأنني كنت فعلت الشيء ذاته كتلميذ .
سويت هذه الأمور وبدأت العمل بجدية , خطر لي بأنني لو استطعت استعادة غرفة نومي في نزل برنارد , لاختلفت حياتي بشكل أفضل , ولن يتسبب سلوكي بالإساءة إلى عشرة هربرت . لم يعارض السيد بوكيت هذا الإجراء , لكنه ألح أنه قبل اتخاذ أي خطوة , ينبغي عرضها على وصيي . وحين أفصحت عن رغبتي هذه للسيد جاغرز , وافق وأوعز إلى ويميك بأن يدفع لي عشرين جنيهاً لشراء الأثاث اللازم .
يتبع ...

 
 

 

عرض البوم صور جيرمون111  
قديم 14-10-09, 10:46 AM   المشاركة رقم: 17
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Oct 2009
العضوية: 151025
المشاركات: 1
الجنس ذكر
معدل التقييم: >>>>>>{بوارو}<<<<<< عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 10

االدولة
البلدYemen
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
>>>>>>{بوارو}<<<<<< غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : جيرمون111 المنتدى : الارشيف
افتراضي

 

شكراً لك عزيزي وأرجو منك المتابعة

 
 

 

عرض البوم صور >>>>>>{بوارو}<<<<<<  
قديم 14-10-09, 12:08 PM   المشاركة رقم: 18
المعلومات
الكاتب:

البيانات
التسجيل: Sep 2009
العضوية: 149707
المشاركات: 654
الجنس ذكر
معدل التقييم: جيرمون111 عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 10

االدولة
البلدPalestine
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
جيرمون111 غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : جيرمون111 المنتدى : الارشيف
افتراضي

 

الفصل الخامس عشر
جو الطيب


صباح يوم الاثنين , تلقيت رسالة من بيدي تخبرني فيها عن عزم جو القيام بزيارتي في نزل برنارد في الصباح التالي . لم أتشوق لهذه الزيارة , ولو تسنى لي إبعاده بالمال , لفعلت ذلك لا ريب . لكنني اطمأننت حين علمت بأنه سيأتي إلى مسكني في لندن وليس إلى منزل السيد بوكيت في هامر سميث . كنت أعارض بعض الشيء أن يراه هربرت أو والده , وكلاهما كنت أكن لهما الاحترام , إنما كانت لدي حساسية حادة حيال أن يراه درامل , إذ كنت أزدريه لبلادته وحمقه وتعجرفه .
نهضت في الصباح الباكر وجعلت غرفة الجلوس والمائدة تبدوان في أبهي حلة لهما. وما لبثت أن سمعت خطوات جو على السلم .
عرفت أنه جو من طريقته الخرقاء في صعود السلم ـ فأفضل أحذيته كان كبيراً جداً على قدميه ـ ومن الوقت الذي استغرقه في قراءة الأسماء الموجودة في الطوابق الأخر أثناء صعوده . وفي النهاية , طرق الباب طرقة خفيفة ودخل .
" كيف حالك يا جو ؟ "
" كيف حالك يا بيب ؟ "
" سعيد برؤيتك يا جو , أعطني قبعتك . "
لكن جو أمسك بها بعناية بكلتا يديه , كأنها عش عصفور به بعض البيض , ولم يكن ليسمح بالتخلي عن ملكيته تلك . ثم قال : " لكم كبرت وسمنت وأصبحت سيداً ! لا ريب أنك مدعاة اعتزاز لمليكك وبلادك . "
" وأنت كذلك يا جو تبدو في أحسن أحوالك . "
فقال جو : " جمداً لله . إن شقيقتك ليست أسوأ مما كانت عليه . وبيدي دائماً على ما يرام وحاضرة لتقديم المساعدة . وكذلك جميع أصدقاءك . باستثناء ووبسيل الذي ترك الكنيسة وتحول إلى التمثيل . "
عند ذلك دخل هربرت الغرفة , فقدمت جو إليه . مد هربرت يده , لكن جو تراجع وبقي ممسكاً بقبعته .
" خادمك سيدي . رجائي أيها السادة أن تنعما بصحة وعافية في هذا المكان . لعل الرأي في لندن هو أن المكان صالح جداً , لكنني لن أبقي على خنزير فيه شخصياً ـ لن أفعل ذلك إن أردت له أن ينعم بصحة ويصبح سميناً . "
وحين دُعي للجلوس إلى الطاولة , راح ينظر إلى الغرفة ليجد مكاناً مناسباً يضع فيه قبعته , فأسندها في النهاية عند طرف بعيد في رف الموقد , حيث راحت بعد ذلك تسقط بعد حين وآخر .
سأله هربرت الذي كان دائماً يتولى الإشراف على الفطور : " هل تتناول الشاي أم القهوة , سيد غارجري ؟ "
فقال جو وقد تصلب من الرأس حتى القدمين : " شكراً سيدي . سأتناول ما يطيب لك . "
" ما رأيك بالقهوة ؟ "
أجاب جو فيما اتضح أنه لم يُعجب بالفكرة : " شكراً سيدي . بما أنك تفضلت واخترت القهوة , فلن أعاكس اختيارك . لكن ألا تجد القهوة حامية قليلاً ؟ "
قال هربرت وهو يصب القهوة : " إذن , تتناول الشاي . "
هنا تدحرجت قبعة جو من على الموقد , فهرع من كرسيه والتقطها , ثم وضعها في نفس المكان . أما بالنسبة لياقة معطفه وياقة قميصه , فكانتا تحيران من يفر بهما . ترى لماذا ينبغي على المرء أن يضغط نفسه إلى هذا الحد ليتصور بأنه أنيق الملبس؟ولماذا عليه الافتراض أن الضرورة تقتضي أن يعاني بسبب ملابس العطلة؟
وما لبث جو أن غرق في نوبات من التأمل وهو يمسك بشوكته بين صحنه وفمه , ثم سعل سعالاً ملفتاً للنظر وابتعد عن الطاولة , وصار يسقط أكثر مما يأكل , حتى سررت من صميم قلبي حين تركنا هربرت ليذهب إلى الوسط التجاري .
لم يكن لدي الإحساس السليم ولا الشعور المناسب لأدرك أن ذلك كان خطأي , وأنني لو كنت أخف وطأة مع جو , لكان جو أخف وطأة معي . فشعرت بنفاذ الصبر والغيض تجاهه .
بدأ جو يقول : " بما أننا بمفردنا الآن , سيدي ــ "
فقاطعته قائلاً : " جو , كيف تدعوني سيداً ؟ "
رمقني لبرهة وجيزة بنظرة توحي بما يشبه الخزي والهوان . ثم تابع يقول : " بما أننا بمفردنا الآن , سأذكر سبب زيارتنا . كنت في النزل ذات مساء حين جاء بامبلتشوك وأخبرني أن الآنسة هافيشام ترغب في محادثتي . فذهبت في اليوم التالي وقابلتها . سألتني إن كنت على اتصال معك , وحين أجبتها بأنني كنت كذلك , طلبت إلي إعلامك بأن استيلا عادت إلى المنزل وأنها ستسر بلقائك . انتهى حديثي الآن يا سيدي . "
وقال وهو ينهض من كرسيه : " كذلك يا بيب , أتمنى لك أن تكون في سعادة دائمة وأن تنعم بازدهار دائم نحو أرقى المراتب . "
" لكنك لست ذاهب الآن يا جو . "
قال : " بلى , إنني ذاهب . "
" لكنك ستعود للغداء يا جو ؟ "
فقال : " كلا , لن أعود . "
تلاقت نظراتنا وتلاشت أصداء كلمة (( سيد )) من ذلك القلب الشريف حين مد لي يده مصافحاً . ثم قال : " بيب , أيها الصديق العزيز . إنني في غير منظري في هذه الملابس , وفي خارج مكاني خارج دكان الحدادة والمطبخ أو بعيداً عن المستنقعات. إنك لن تجد نصف أخطائي لو فكرت بي وأنا في ملابس العمل , أحمل المطرقة أو حتى الغليون في يدي . لن تجد نصف هذه الأخطاء بشخصي لو رغبت بلقائي , فجئت تطل برأسك من نافذة الدكان لترى جو الحداد هناك , أمام السندان القديم , في مريوله البالي المحترق , يلازم عمله القديم . ليباركك الله , يا عزيزي بيب , ليباركك الله ! "
شعرت لديه بكرامة ساذجة , فلمسني بلطف على جبهتي وخرج , وما أن تمالكت نفسي كفاية , حتى أسرعت وراءه ورحت أبحث عنه في الشوارع المجاورة , لكنه توارى عن النظر .
يتبع ...

 
 

 

عرض البوم صور جيرمون111  
قديم 19-10-09, 04:30 PM   المشاركة رقم: 19
المعلومات
الكاتب:

البيانات
التسجيل: Sep 2009
العضوية: 149707
المشاركات: 654
الجنس ذكر
معدل التقييم: جيرمون111 عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 10

االدولة
البلدPalestine
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
جيرمون111 غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : جيرمون111 المنتدى : الارشيف
افتراضي

 

الفصل السادس عشر
استيلا الفاتنة

استقليت عربة بعد الظهر إلى المدينة . ووصلت هناك في وقت متأخر من المساء . فنزلت في ال (( بلو بور )) لتمضية الليل , ونهضت في الصباح الباكر لزيارة الآنسة هافيشام . كان الوقت ما زال باكراً على القيام بأي زيارة , فأخذت أتسكع في المدينة وأنا أفكر في مولاتي وأرسم صوراً رائعة لخططها التي تضعها من أجلي . لقد تبنت استيلا , وتبنتني أنا أيضاً , ولا بد أن تكون نيتها تربيتنا معاً . كانت تريد مني إحياء المنزل المهجور , وإدخال نور الشمس إلى الغرفة المظلمة , وإدارة الساعات وإشعال المواقد الباردة ـ وبعبارة موجزة , القيام بالأعمال الرائعة التي بقوم بها الفارس الشاب في القصص الخيالية , وأتزوج الأميرة .
نظمت خطواتي كي أصل إلى المنزل في وقتي المعهود . وحين قرعت الجرس , فتح الباب شخص هو آخر من كنت أتوقع أن أراه هناك . (( أورليك )) !
" آه , سيدي الصغير , فهناك تغيرات أكثر مما لديك . لكن أدخل , أدخل . سأخالف التعليمات لو أبقيت البوابة مفتوحة . "
دخلت , فأقفل البوابة وسحب المفتاح .
" كيف جئت إلى هنا ؟ "
فأجاب : " جئت على قدمي . "
" هل أنت هنا على الدوام ( أم بنية حسنة ) ؟ "
" لا أعتقد أنني هنا بقصد الأذى , سيدي الصغير . "
لم أكن متيقناً من ذلك . اتجهت إلى الممر الطويل ولقيت ساره بوكيت التي اصطحبتني إلى غرفة الآنسة هافيشام . قالت هذه : " أدخل يا بيب . "
كانت تجلس في كرسيها قرب الطاولة القديمة بثوبها القديم , ويداها فوق عصاها . كانت تجلس بالقرب منها سيدة أنيقة لم يسبق لي أن رأيتها . كررت الآنسة هافيشام تقول : " أدخل يا بيب , كيف حالك يا بيب ؟ إنك تقبل يدي وكأنني ملكة , ايه ؟ حسناً ؟ "
قلت : " بلغني , آنسة هافيشام , أنك تكرمت باستدعائي لمقابلتك , فأتيت مباشرة . "
رفعت السيدة الأخرى عينيها ونظرت إلي بغرور , فوجدت العينين هما عيني استيلا .
لكنها تغيرت كثيراً وباتت أكثر جمالاً وأنوثة بكثير , وأحرزت تقدماً رائعاً حتى بدوت وكأنني لم أتقدم بعد . وتخيل لي وأنا أنظر إليها بأنني عدت ذلك الفتى العامي الخشن ثانية .
مدت لي يدها , فتمتمت كلاماً عن السرور الذي حل بي برؤيتها من جديد , وأنه طالما غمرني الشوق للقائها .
قالت الآنسة هافيشام بنظرتها الجشعة : " هل تجدها تغيرت كثيراً يا بيب ؟ "
" عندما دخلت يا آنسة هافيشام ,لم يتراءى لي شيء من الشكل أو الوجه من استيلا, لكن من المؤكد الآن بما يلفت النظر أنها ... السالفة . "
قاطعتني الآنسة هافيشام متسائلة : " ماذا ؟ لن تقول أنها استيلا المعروفة ؟ "
ثم تابعت تقول : " كانت متكبرة ومهينة , وأردت الابتعاد عنها . ألا تذكر ؟ "
فقلت بارتباك أن ذلك كان منذ زمن بعيد , وأنني لم أعرف حينذاك أفضل منها أو مثلها . ابتسمت استيلا بهدوء تام وقالت أنها لا تشك بأنني كنت مصيباً وأنها كانت مزعجة للغاية . ثم سألتها الآنسة هافيشام : " هل تغير ؟ "
قالت استيلا وهي تنظر إلي : " كثيراً جداً . "
قالت الآنسة هافيشام وهي تداعب شعر استيلا: " وهل أصبح أقل خشونة وعامية ؟"
ضحكت استيلا ونظرت إلي . كانت ما زالت تعاملني معاملة الفتى , لكنها مضت في إغرائي .
وتم الاتفاق على أن أمضي بقية النهار هناك , وأعود من ثم إلى الفندق ليلاً , وإلى لندن في النهار التالي . بعد أن تحدثنا بعض الوقت , صرفتنا الآنسة هافيشام لنتمشى سوياً في الحديقة المهملة . وفيما اقتربنا من المكان الذي تقاتلت فيه مع الشاب الهزيل ,توقفت وقالت : " لابد أنني كنت طفلة غريبة لأختبئ وأشاهد القتال حينذاك, لكنني فعلت ذلك واستمتعت به كثيراً . "
عند ذلك أخبرتها أننا الآن صديقان حميمان .
" حقا ! أظن أني أذكر بأنك كنت تقرأ مع والده . "
قلت مكرهاً : " أجل . " , لأن ذلك بدا وكأنه يجعل مني صبياً .
كانت الحديقة كثيفة بشكل يحول دون السير بسهولة , وبعدما طفنا حولها مرتين أو ثلاثة , خرجنا ثانية إلى مصنع الجعة , فذكرتها حين خرجت من البيت وأعطتني بعض اللحم والشراب , فقالت : " لا أذكر . "
فقلت : " ألا تذكرين أنكي دفعتني للبكاء ؟ "
قالت : " كلا . " وهي تهز برأسها وتنظر حولها .
أظن أن عدم تذكرها وعدم اكتراثها أبداً حملاني على البكاء ثانية , بيني وبين نفسي ـ وهذا أشد البكاء إيلاماً .
قالت : " يجب عليك أن تعرف بأن لا قلب ولا تعاطف ولا مشاعر . "
سمحت لنفسي بأن أشك في ذلك , وقلت بأنه يستحيل وجود مثل هذا الجمال من دون قلب .
قالت : " إني جادة , فإن كنا سنترك سوية كثيراً , عليك تصديق ذلك في الحال . لنتمشى حول الحديقة مرة أخرى , ثم ندخل . تعال ! ليس عليك أن تذرف الدمع لقسوتي اليوم ؛ بل ستعتني بي وتدعني أستند إلى كتفك . "
أمسكت بفستانها الأنيق بيد , ولامست بالأخرى كتفي ونحن نسير . طفنا في الحديقة الخربة مرتين أو ثلاث , وبدت لناظري مزدانة بالزهور والورود .
عدنا في النهاية إلى المنزل حيث علمت أن وصيّي قد جاء ليقابل الآنسة هافيشام بزيارة عمل وأنه سيعود للغداء . كانت الآنسة هافيشام جالسة في كرسيها تنتظرني, وحين ذهبت استيلا لتحضير نفسها للغداء وغدونا وحدنا , التفتت نحوي وقالت بهمس : " هل هي رشيقة وجميلة وناضجة ؟ وهل أنت معجب بها ؟ "
" كل من يراها لابد أن يعجب بها , آنسة هافيشام . "
وضعت ذراعها حول عنقي وجذبت رأسي نحو رأسها وهي تجلس في الكرسي , وقالت : " أحبها , أحبها , أحبها ! كيف تعاملك . "
قبل أن أتمكن من الإجابة ( هذا إن تمكنت من الإجابة على سؤال صعب كهذا ) رددت قائلة : " أحبها , أحبها , أحبها ! إن كانت ستستحسنك , فأحببها . إن جرحتك أحببها , إن حطمت قلبك أشلاءً , أحببها , أحببها , أحببها ! اسمعني يا بيب , لقد تبنيتها لتحظى بالحب . ربيتها وعلمتها لتحظى بالحب , فأحببها , سأخبرك ما هو الحب الحقيقي , إنه التضحية العمياء , والخضوع التام والثقة والإيمان بنفسك , وبالعالم أجمع , فتمنح قلبك وروحك جميعاً إلى من تحب ـ مثلما فعلت أنا . "
بعدما قالت كلمتها الأخيرة , أطلقت صيحة جامحة , ونهضت من كرسيها ثم راحت تضرب في الهواء , كأنما تريد أن تضرب بنفسها إلى الحائط لتقع جثة هامدة . لكنها ما لبثت أن تمالكت نفسها بلمح البصر , إذ ذاك دخل السيد جاغرز للغرفة . وبعد حديث وجيز مع الآنسة هافيشام , اصطحبني للخارج لنتناول الغداء مع استيلا والآنسة ساره بوكيت . بقيت الآنسة هافيشام جالسة في كرسيها , إذ لم تكن تتناول الطعام أو الشراب مع الآخرين . أكلنا حتى الشبع , وبعد الغداء وُضعت قنينة من نبيذ البورت الأصيل أمام وصيي , ثم تركتنا السيدتان .
لم يسبق لي أن رأيت أحداً في المنزل يساوي السيد جاغرز في قدرته على التكتم . إذ ظل يحافظ على نظراته وقلما أشاح ببصره إلى وجه استيلا أثناء الغداء . وحين أصبحنا بمفردنا , جعلني أشعر بتضايق شديد , وكان كلما رآني أوشك على سؤاله شيئاً , ينظر إلي فيما يحمل كأسه بيده ويحرك الشراب بفمه وكأنه يطلب إلي أخذ العلم بأن ذلك لا يجدي نفعاً لأنه لا يستطيع الإجابة .
صعدنا بعد ذلك إلى غرفة الآنسة هافيشام ولعبنا الورق .
في غضون ذلك الوقت , كانت الآنسة هافيشام قد وضعت أجمل الحلي من طاولة تزيينها على شعر استيلا وحول عنقها وذراعيها , ورأيت أن حتى وصيي راح ينظر إليها من تحت حاجبيه الكثيفين بعدما بدا جمالها أمامه .
لعبنا حتى الساعة التاسعة , ثم اتفقنا على أن يصار إلى إبلاغي مسبقاً عن مجيء استيلا إلى لندن , فأقابلها عند العربة . بعد ذلك استأذنتها بالانصراف وعدت أدراجي إلى المنزل .
في وقت متأخر من الليل , راحت كلمات الآنسة هافيشام تتردد في أذني : " أحببها, أحببها , أحببها . " فعدلت فيها ورحت مخاطباً وسادتي : " أحبها , أحبها , أحبها ." مئا المرات . ثم غمرني شعور بالامتنان في أنها ستكون من نصيبي , أنا الذي كنت مساعد الحداد ذات يوم . ثم تساءلت متى يا ترى ستبدأ بالإعجاب بي , ومتى ينبغي أن أوقظ القلب الذي في صدرها , وهو الآن في سبات ؟
اعتبرت تلك عواطف سامية ونبيلة . لكنني لم أتصور أبداً أن هناك من الحقارة والدناءة في ابتعادي عن جو لعلمي بأنها ستحتقره . ففي اليوم السابق فقط حملني جو على البكاء , لكن دموعي ما لبثت أن جفت , فليغفر لي الله ! لقد جفت بسرعة .
يتبع ...

 
 

 

عرض البوم صور جيرمون111  
قديم 19-10-09, 09:17 PM   المشاركة رقم: 20
المعلومات
الكاتب:

البيانات
التسجيل: Sep 2009
العضوية: 149707
المشاركات: 654
الجنس ذكر
معدل التقييم: جيرمون111 عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 10

االدولة
البلدPalestine
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
جيرمون111 غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : جيرمون111 المنتدى : الارشيف
A0aa585061

 

الفصل السابع عشر
حديث الأصدقاء

في الصباح التالي , أخبرت وصيي الذي كان يقيم معي في (( البلو بور )) بأنني لا أظن أن أورليك هو الشخص الملائم للعمل لدى الآنسة هافيشام , وأخبرته بما أعرفه عنه . فقال : " عظيم يا بيب , سأذهب هناك في الحال وأصرفه . "
لدى عودتي إلى حانة برنارد , وجدت هربرت يتناول غداء من اللحم البارد , وكان فرحاً في لقائي مجدداً . وبعد أن بعثت الولد الخادم إلى المقهى لإحضار المزيد من الطعام , شعرت بأن علي إخبار صديقي بسري ذلك المساء بالذات . بدأت حديثي قائلاً : " عزيزي هربرت , لدي شيء خاص جداً أخبرك به . "
أجاب : " عزيزي هاندل ( كان يحب تسميتي هاندل ) , ستكون ثقتك محط نقديري واحترامي . "
فقلت : " إنه يتعلق بي يا هربرت وبشخص آخر . "
وضع هربرت رجلاً فوق أخرى وراح ينظر إلى النار وقد أمال برأسه جانباً , وبعد أن تطلع إلى النار عبثاً لبعض الوقت , نظر إلي لأنني لم أتابع الكلام .
قلت وأنا أضع يدي فوق ركبته : " هربرت , أنا أحب , أنا أهيم بـ(( استيلا )) . "
أجاب هربرت بطريقة بسيطة متوقعة : " هذا صحيح , حسناً . "
" حسناً يا هربرت , أهذا كل ما تقوله , حسناً ؟ "
فقال : " أقصد ماذا بعد , إني أعرف ذلك طبعاً . "
قلت : " وكيف تعرف ذلك ؟ "
" كيف أعرف ذلك يا هاندل ؟ أعرفه منك بالطبع . "
" لم أخبرك أبداً . "
" تخبرني ! لم تخبرني أبداً حين تقص شعرك , إنما لدي الوعي لملاحظة ذلك . كنت دائماً تهيم بها , منذ عرفتك . لقد أحضرت هيامك بها وحقيبتك معاً . تخبرني ! بل كنت دائماً تخبرني طيلة النهار . حين أخبرتني بقصتك كلها , فقد أعلمتني بوضوح أنك بدأت تهيم بها منذ أن رأيتها , حين كنت صغيراً جداً بالفعل . "
قلت : " حسناً , إذن لم أتخل عن ولعي بها . لقد عادت , وهي أكثر جمالاً وأناقة . لقد رأيتها البارحة , ولئن كنت أعبدها من قبل , فإني أعبدها أضعافاً الآن . "
فقال هربرت : " فهذا من حسن حظك يا هاندل , فقد تم اختيارك وصرت نصيبها . لكن هل لديك فكرة عن وجهة نظرة استيلا حول الموضوع ؟ "
" آه ! إنها على بعد آلاف الأميال عني . "
" صبراً يا عزيزي هاندل : متسع مكن الوقت , متسع من الوقت . ألديك المزيد لتقوله ؟ "
أجبت : " أخشى أن أقوله , ولكن قوله ليس بأسوأ من التفكير به . أنت تدعوني إنساناً محظوظاً . طبعاً , فأنا كذلك . لم أكن بالأمس سوى مساعد حداد . ولم أفعل شيئاً لأنهض بنفسي في الحياة . بل الحظ وحده رمقني ومع ذلك , فحين أفكر باستيلا , لا يسعني أن أصف لك كم أشعر بالضعف والغموض , وكم أتعرض لمئات الصدف . إن كل آمالي تعتمد على شخص واحد , وكم هي واهية وغامضة هذه الآمال . "
أجاب هربرت : " ألم تخبرني أن وصيك السيد جاغرز قد أعلمك منذ البداية إنك لم تمنح الآمال فقط ؟ حتى وإن لم يخبرك بذلك , ألا تعتقد أن السيد جاغرز ـ من بين سائر الرجال في لندن ـ هو الذي سيحتفظ بعلاقاته المالية تجاهك , إلى أن يتأكد من مركزه ؟ "
قلت بأنه لا يسعني الإنكار بأن هذه نقطة مهمة .
فقال هربرت : " أظن أنها نقطة مهمة , أما بالنسبة للباقي , فينبغي أن تمنح وصيك بعض الوقت , وعليه كذلك أن يمنح موكله بعض الوقت , ستبلغ الواحدة والعشرين قبل أن تعرف أين أنت , ولعلك تحصل إذ ذاك على بعض المعلومات . والآن أود إزعاجك بعض الشيء للحظة . لقد كنت أعتقد أنه لا يمكن لاستيلا أن تكون شرطاً لميراثك , إن لم يذكر وصيك ذلك . ألم يشر المحسن إليك مثلاً أن لديه بعض الأفكار بشأن زواجك ؟ "
" أبداً . "
" إذاً يا هاندل , بما أنك لم تُخطب لها , ألا تستطيع الابتعاد عنها ؟ "
" لا أستطيع ذلك يا هربرت . "
" ألا تستطيع الابتعاد عنها ؟ "
" كلا , مستحيل . "
فقال هربرت : " حسناً , سأحاول الآن أن أكون لطيفاً من جديد . " ثم أخبرني عن عائلته , وعن نفسه بشكل خاص . لقد كان مخطوباً لفتاة تدعى كلارا , تعيش في لندن , وكان والدها عاجزاً يلازم غرفته على الدوام ويتسبب فيها بمشاجرات عنيفة .
أخبرني هربرت أنه منذ أن بدأ يجني المال , كان ينوي الزواج من تلك الفتاة , وأضاف قائلاً : " لكن تعلم أنك لا تستطيع الزواج حين ما تزال تخطط لأمورك . "
يتبع ...

 
 

 

عرض البوم صور جيرمون111  
 

مواقع النشر (المفضلة)
facebook




جديد مواضيع قسم الارشيف
أدوات الموضوع
مشاهدة صفحة طباعة الموضوع مشاهدة صفحة طباعة الموضوع
تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة



الساعة الآن 05:27 AM.


 



Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية