لمشاكل التسجيل ودخول المنتدى يرجى مراسلتنا على الايميل liilasvb3@gmail.com






العودة   منتديات ليلاس > قسم الارشيف والمواضيع القديمة > الارشيف
التسجيل

بحث بشبكة ليلاس الثقافية

الارشيف يحتوي على مواضيع قديمة او مواضيع مكررة او محتوى روابط غير عاملة لقدمها


 
نسخ الرابط
نسخ للمنتديات
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 01-10-09, 03:29 PM   المشاركة رقم: 11
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Oct 2007
العضوية: 49448
المشاركات: 16
الجنس أنثى
معدل التقييم: naimahakuni عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 10

االدولة
البلدCanada
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
naimahakuni غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : جيرمون111 المنتدى : الارشيف
افتراضي

 

شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .

 
 

 

عرض البوم صور naimahakuni  
قديم 03-10-09, 08:48 PM   المشاركة رقم: 12
المعلومات
الكاتب:

البيانات
التسجيل: Sep 2009
العضوية: 149707
المشاركات: 654
الجنس ذكر
معدل التقييم: جيرمون111 عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 10

االدولة
البلدPalestine
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
جيرمون111 غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : جيرمون111 المنتدى : الارشيف
Icon Mod 44

 

الفصل العاشر
خمسة وعشرون جنيهاً

قلقت في شأن الشاب الهزيل , وكلما فكرت بالقتال وتذكرت الشاب وهو ممدد على ظهره , تأكد لي أكثر ضرورة القيام بشيء ما . حتى إنني لزمت البيت لبضعة أيام, وكنت أنظر إلى باب المطبخ بحذر شديد قبل الذهاب في مهمة , لئلا يكون رجال الشرطة يبحثون عني . وعندما حان موعد عودتي للمكان الذي حصل فيه العراك , بلفت مخاوفي ذروتها . إنما كان علي الذهاب إلى منزل الآنسة هافيشام ,ومع ذلك , فإن شيئاً لم يُذكر عن قتالنا , ولم يظهر أي شاب هزيل .
رأيت كرسياً بعجلات خارج غرفة الآنسة هافيشام , ومنذ ذلك النهار صارت لي مهمة نظامية هي دفع الآنسة هافيشام على هذا الكرسي ( حين تكون متعبة من السير وهي تستند بيدها على كتفي ) حول غرفتها , ثم مروراً بمصطبة الدرج , وحول الغرفة الأخرى .
وفيما بدأ كل منا يعتاد على الآخر , أخذت الآنسة هافيشام تتحدث معي أكثر , فسألتني عما تعلمته وعما سأكون . فأخبرتها بأنه سيعهد بي إلى جو لأتلقى المهنة على يده ؛ وبالغت بشأن جهلي بكل شيء , وبأنني أرغب في معرفة كل شيء , على أمل أن تقدم لي بعض المعونة لتحقيق ذلك . لكنها لم تفعل . كما لم تعطني من المال أو أي شيء آخر باستثناء غدائي اليومي .
كانت استيلا دائماً هناك , وكانت دائماً تقوم باصطحابي إلى الداخل والخارج , لكنها لم تقل أن بإمكاني تقبيلها من جديد . في بعض الأحيان , كانت تحتملني ببرودة ؛ أحياناً أخرى كانت حميمة ؛ وكانت في بعض الأحيان تخبرني بحماس أنها تكرهني. أما الآنسة هافيشام كانت دائماً تسألني بهمس , أو حين نكون على انفراد : " هل تزداد جمالاً يا بيب ؟ " وحين أجيب بنعم , كانت تفرح بتوق شديد . أحياناً حين يكون مزاج استيلا من التنوع والتضارب حتى كنت أحتار ماذا تراني أقول أو أفعل, كانت الآنسة هافيشام تعانقها بمحبة وتهمس بأذنها : " حطمي قلوبهم يا عزيزتي ويا أملي , حطمي قلوبهم دون أي رحمة ! "
في غضون ذلك , كانت المشاورات تدور في المطبخ بين شقيقتي وذلك الأحمق بامبلتشوك . فكان ذلك التعيس يجرني من مقعدي ( فيما يمسك عادة بياقتي ) حيث أكون منزوياً في سكينة , فيضعني قبالة النار وكأنني سأُطهى , ثم يبدأ يقول : " والآن سيدتي , هو ذا الفتى ! هو ذا الفتى الذي أنشأته على يدك . ارفع رأسك يا فتى وكن دائم الامتنان للذين قاموا بذلك , " ثم يشرع مع شقيقتي بالتأمل السخيف حيال الآنسة هافيشام , وعما ستفعله معي ومن أجلي و حتى اعتدت على الرغبة بالانفجار بالبكاء , والاندفاع نحو بامبلتشوك أضربه بقبضتي مرة تلو الأخرى .
لم يشترك جو بهذه النقاشات , ولكن شقيقتي شرعت بأنه لا يرغب بإبعادي عن دكانه و فغضبت منه ومني .
يقيناً على هذه الحال مدة طويلة . وفي ذات يوم , قالت لي الآنسة هافيشام : " إنك تزداد طولاً يا بيب ! "
لم تقل أكثر من هذا في ذلك الحين . لكنها قالت في المرة الثانية حين ذهبت لرؤيتها: " أخبرني ثانية , ما اسم الحداد الذي تعمل لديه ؟ "
" جو غارجري , سيدتي . "
هل هو المعلم الذي كنت ستتلمذ على يديه ؟ "
" أجل , آنسة هافيشام . "
" يجدر بك أن تتلمذ في الحال . حبذا لو يأتي غارجري إلى هنا ويصطحب الأوراق الضرورية . "
قلت لها بأن لا شك لدي بأنه سيشرَّف بهذه الدعوة .
" إذن , فليأت بالحال وكن برفقته . "
بعد يومين , ارتدى جو ثياب نهار الأحد لمرافقتي إلى منزل الآنسة هافيشام . وأعلنت شقيقتي على عزمها الذهاب معنا إلى المدينة , فنتركها لدى بامبلتشوك وتعود معنا بعد أن نتفق مع (( سيداتنا الأنيقات . ))
أُقفل دكان الحداد ذلك النهار , واتجهنا إلى المدينة , فذهبت مع جو إلى منزل الآنسة هافيشام مباشرة . فتحت استيلا البوابة . وحالما ظهرت , تناول جو قبعته ووقف يمسك بها بيديه .
أخبرتني استيلا بأنه يمكننا أن ندخل سوياً , فأمسكت بذراع جو واصطحبته إلى حيث تجلس الآنسة هافيشام . كانت تجلس إلى طاولة التجميل فنظرت إلينا في الحال, وقالت لجو : " أوه , أأنت زوج شقيقة هذا الفتى ؟ وقد أنشأته بهدف أن يتتلمذ على يديك , أليس كذلك يا سيد غارجري ؟ "
طوال المقابلة , كان جو يصر على مخاطبتي بدلاً من الآنسة هافيشام , فقال : " أنت تعلم يا بيب أننا كنا دائماً أصدقاء , ونحن نأمل بمساعدتك لي في الدكان . لكن إن كان لديك أي اعتراض يا بيب , أرجو الإفصاح عن ذلك , وسيهتمون بالأمر . "
قالت الآنسة هافيشام : " هل أبدى الفتى أي اعتراض ؟ وهل يحب المهنة ؟ "
فقال جو : " أنت تعلم يا بيب أنها كانت دائماً أمل فؤادك . "
لم أفلح في جعله يدرك أن عليه مخاطبة الآنسة هافيشام مباشرة . وكان كلما أومأت له ووجهت إليه الإشارات , يزداد إصراراً على مخاطبتي , معتبراً على ما يبدو أن من غير اللائق مخاطبتها .
سألت الآنسة هافيشام : " وهل أحضرت الأوراق معك ؟ "
فقال جو وكأن السؤال غير منطقي إلى حد ما : " عجباً يا بيب , تعلم أنك رأيتني أضعها في قبعتي , لذا لا بد أنك تعرف أنها هنا . "
ثم أخرجه من قبعته وسلمها إلي بدلاً من الآنسة هافيشام . أخشى أني خجلت من صديقي العزيز الطيب حين رأيت أن استيلا تقف وراء كرسي الآنسة هافيشام , وأن في عينيها ضحكة ساخرة . أخذت الأوراق منه وأعطيتها للآنسة هافيشام .
قرأتها الآنسة هافيشام , ثم قالت لجو :"لم تكن تتوقع أجراً لقاء تعليم الفتى مهنتك؟ "
فقلت له حين لم يأت بجواب : " جو ! لماذا لا تجيب ؟ "
فقال : " بيب , قصدت القول بأن السؤال لا يحتاج إلى جواب بيني وبينك , وأنت تعلم حق العلم أن الجواب هو كلا . "
تناولت الآنسة هافيشام كيساً صغيراً من الطاولة التي بقربها وقالت : " لقد كسب بيب بعض المال هذا , إليك به . يوجد حمسة وعشرون جنيهاً في هذا الكيس . أعطها لسيدك يا بيب . "
بدا بيب وكأنه فقد عقله تماماً من الدهشة حيال شخصها الغريب والغرفة الغريبة , فلم يشأ حتى الآن و إلا أن يخاطبني دون سواي . فقال : " هذا لطف منك يا بيب . إنه موضع ترحيب بالغ , رغم أنني لم أكن لأطلب ذلك . "
قالت الآنسة هافيشام : " وداعاً يا بيب ! اصطحبيهما إلى الخارج يا استيلا . "
فسألتها : " هل ينبغي أن أعود ثانية , آنسة هافيشام ؟ "
" كلا , غارجري هو سيدك الآن . غارجري ! كلمة من فضلك ! "
وفيما نادت عليه أن يعود ثانية أثناء خروجه من الغرفة , سمعتها تقول لجو : " كان الفتى طيباً هنا , وتلك هي مكافأته . ولا شك , بصفتك رجلاً شريفاً , فليس لك أن تتوقع المزيد . "
كيف خرج جو من الغرفة , لم أستطع التحديد ؛ لكنني أعلم أنه حين خرج فعلاً , شرع يصعد إلى الأعلى بدلاً من النزول على السلم , فتبعته وأمسكت به . بعد دقيقة كنا خارج البوابة , فتمَّ إقفاله وتوارت استيلا .
صاحت شقيقتي حين عدنا إلى العم بامبلتشوك : " حسناً , ما الذي أعطته للصبي ؟"
طلب جو منها ومن بامبلتشوك أن يحزرا . فاعتبرا أن عشرين جنيهاً هي مكافأة كريمة , لكن جو قال بحبور وهو يقدم الكيس لشقيقتي : " إنها خمسة وعشرون جنيهاً . "
فقال بامبلتشوك وهو ينهض لمصافحتها : " إنها خمسة وعشرون جنيهاً سيدتي . وهذا لا يتجاوز فضائلك , أتمنى أن تنعمي بالمبلغ . "
ثم أمسكني بذراعي وقال : " والآن , ترون يا جوزيف وزوجته , فأنا من الذين ينجزون دائماً ما يبدؤون به.ينبغي في الحال تسجيل الفتى قانونياً لدى مدرب مهني"
ذهبنا في الحال إلى دار البلدية لقيدي متدرباً لدى جو أمام القاضي . فتمَّ التوقيع على المستندات , وأصبحت (( ملزماً )) .
حين عدنا إلى بامبلتشوك , كانت شقيقتي في غاية النشوة بالخمسة والعشرين جنيهاً, حتى أنها أصرت على أن نتناول الطعام في مطعم (( البلو بور )) ( الخنزير الأزرق ) , حيث دُعي آل هابل والسيد ووبسيل .
كان يوماً أمضيته في كآبة بالغة , إذ لم يُسمح لي بالذهاب للنوم , بل كانوا كلما رأوني أغفو , يعمدون إلى إيقاظي ويطلبون إلي أن أمتع النفس .
عدنا في نهاية المطاف إلى المنزل , وحين دخلت غرفة نومي الصغيرة كنت أشعر بتعاسة بالغة , وغامرني اعتقاد راسخ بأنني لن أحب مهنة جو . لقد أحببتها فيما مضى , لكن الماضي هو غير اليوم .
كنت مكتئباً للغاية في أول يوم عمل من فترة التدريب , لكنني كنت سعيداً لأنني لم أتفوه بكلمة من هذا أمام جو . إنه الشيء الوحيد تقريباً الذي يسرني معرفته عن نفسي في ذلك الخصوص .
من يستطيع قول (( ما كنت أريده )) ؟ كيف لي أن أقول حين كنت أجهل الأمر تماماً ؟ ما كنت أخشاه هو أن أتطلع في ساعة مشؤومة , حين أكون في أشد الحالات اتساخاً وعامية , فأرى استيلا تنظر إلي من أحد النوافذ في الدكان . وتملكني الخوف من أنها ستجدني , عاجلاً أم آجلاً , بوجه أسود ويدين سوداوين , أقوم بأخن جزء من عملي , فتنتصر علي وتحتقرني .

يتبع ...

 
 

 

عرض البوم صور جيرمون111  
قديم 04-10-09, 05:40 PM   المشاركة رقم: 13
المعلومات
الكاتب:

البيانات
التسجيل: Sep 2009
العضوية: 149707
المشاركات: 654
الجنس ذكر
معدل التقييم: جيرمون111 عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 10

االدولة
البلدPalestine
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
جيرمون111 غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : جيرمون111 المنتدى : الارشيف
Icon Mod 44

 


الفصل الحادي عشر
أورليك العجوز

كان جو يستخدم عاملاً لقاء أجر أسبوعي اسمه أورليك . كان هذا شخصاً داكن اللون , عريض المنكبين , مرخي الأطراف , وصاحب قوة شديدة . لم يكن يحبني, وحين بدأت أتدرب لدى جو , ازداد مقتاً تجاهي , اعتقاداً منه بأنني سأحل مكانه .
رغبت بزيارة الآنسة هافيشام واستيلا , فطلبت من جو إعطائي نصف نهار عطلة . وفيما كنت أذكِّره بذلك في الدكان قال أورليك : " مهلاً سيدي , لن تميز بيننا بالتأكيد . إن حظِي بيب بنصف نهار عطلة , فافعل ذلك مع أورليك العجوز . " ( كان دائماً يطلق على نفسه اسم أورليك العجوز . )
" لِم ؟ وماذا ستفعل بنصف النهار إن حصلت عليه ؟ "
ماذا سأفعل به ؟ وماذا سيفعل به هو ؟ سأفعل به بقدر ما فعل . "
فقال جو : " أما بالنسبة إلى بيب , فهو ذاهب إلى المدينة . "
أجاب العامل : " حسناً إذن , بالنسبة إلى أورليك العجوز فهو ذاهب إلى المدينة . فاثنان يمكنهما الذهاب إلى المدينة . "
فقال جو : " لا تغضب . "
فتمتم أورليك متذمراً : " سأفعل إن شئت ذلك . والآن يا سيدي , كن عادلاً . لا تمييز في هذا الدكان , كن إنساناً ! "
قال جو : " حسناً , بما أنك تلتزم بعملك عامة مثل سائر الرجال , ليكن نصف نهار عطلة للجميع ! "
كانت شقيقتي تقف صامتة في الساحة بحيث كان يمكنها سماع الحديث , فتطلعت بسرعة عبر إحدى النوافذ , وقالت لجو : " هذا شأنك أيها الأحمق , تعطي العطل هكذا لأشخاص بلداء . لابد أنك رجل غني لتنفق الأجور على هذا النحو , ليتني كنت سيده ! "
فرد أورليك بسرعة : " حسبك أن تكونين سيد الجميع لو تسنى لك ذلك . "
قال جو : " دعها وشأنها . "
فأجابت شقيقتي وقد بدأت تستشيط غضباً : " سأكون ندة الجميع الحمقى وجميع الأشرار . "
همدر أورليك قائلاً : " أنت امرأة شريرة , أيتها الأم غارجري . "
قال جو : " دعها وشأنها , هلا سمحت ؟ "
فقالت شقيقتي وقد بدأت بالزعيق : " ماذا قلت ؟ ماذا قلت ؟ بيب , ماذا قال لي ذلك التافه أورليك ؟ ماذا دعاني فيما زوجي يقف أمامه ؟ آه , آه , آه ... بماذا نعتني برجل دنيء أقسم أن يدافع عني ؟ آه , أمسكوا بي ! آه ! "
وفيما هي في ذروة الغضب , اندفعت إلى الباب الذي أقفلته لحسن الحظ .
لم يتسن لجو المسكين الآن سوى مواجهة عامله وسؤاله عما يقصده من التدخل بينه وبين السيدة جو , وعلاوة على ذلك , إن كان من الرجولة بما يكفي القتال . وهكذا اندفع الاثنان نحو بعضهما البعض كعملاقين جبارين . لكنني لم أر رجلاً في الجوار يستطيع أن يقف في وجه جو . أما أورليك الذي بدا وكأنه لم يتجاوز شأن الشاب الهزيل , فسرعان ما بات وسط غبار الفحم . ولم يخرج منها إلا ببطء شديد . ثم فتح جو الباب ليلتقط شقيقتي التي سقطت فاقدة الوعي , فحملها إلى البيت وسجاها على الفراش .
صعدت إلى غرفتي لأرتدي ثياب العطلة , وحين نزلت ثانية , وجدت أورليك وجو يتشاركون وعاء من البيرة بمودة ومحبة .
حين وصلت إلى المدينة للقيام بزيارتي مررت ببوابة منزل الآنسة هافيشام عدة مرات قبل أن أصمم على قرع الجرس .
في داخل المنزل , وجدت كل شيء على حاله , باستثناء الآنسة هافيشام التي كانت بمفردها . فقالت : " حسناً ؟ آمل ألا تريد شيئاً . فإنك لن تحصل على شيء . "
" في الحقيقة كلا يا آنسة هافيشام . أردت فقط أن تعلمي أنني أحقق تقدماً في تدربي المهني , وأنني ممتن لك على الدوام . "
فقالت : " حسناً , حسناً . " وهي تشير بأصابعها الهرمة المتعبة . " تعال من وقت لآخر . تعال يوم ميلادك ــ أجل ! " ثم صاحت فجأة وهي تستدير بكرسيها نحوي :" أنت تبحث عن استيلا ؟ إيه ؟ "
في الواقع كنت أبحث عن استيلا , فتلعثمت بالقول إني آمل أن تكون بخير .
فقالت الآنسة هافيشام : " إنها في الخارج , في مدرسة جيدة , بعيدة عن المتناول ؛ وهي أجمل بكثير من السابق , وتحظى بإعجاب جميع من يروها . هل تشعر بفقدانك لها ؟ "
كنت مرتبكاً بما علي قوله , لكن الآنسة هافيشام أنقذتني من مشقة العثور على جواب بأن صرفتني . وحين أُغلقت البوابة خلفي , شعرت بالاستياء أكثر تجاه مهنتي ومنزلي وكل شيء . وكان هذا كل ما حصلت عليه بذهابي إلى منزل الآنسة هافيشام .
التقيت السيد ووبسيل في المدينة , فذهبت معه لرؤية العم بامبلتشوك . كان الليل شديد الظلمة حين سرنا عائدين إلى البيت . خلف المدينة , كنا نسير في ضباب رطب كثيف حين صادفنا رجلاً بدا وكأنه بانتظارنا . إنه أورليك . أخبرنا أن بعض المجرمين لا ريب قد فروا من سفينة الاعتقال , إذ كان يسمع طلقات نارية منذ هبوط الظلام .
في طريقنا إلى القرية , علمنا عند (( النوتيَّة الثلاث )) أن منزلنا قد تعرض للاقتحام أثناء غياب جو وأن هناك من تعرض للهجوم والإصابة .
هرعنا إلى البيت بأقصى سرعتنا , فوجدنا المطبخ يعج بالناس . كان هناك جراحاً , كما كان جو ومجموعة من النساء , والجميع على الارض في وسط المطبخ . فتراجعوا عندما رأوني , ورأيت شقيقتي مرتمية على الأرض فاقدة الوعي إذ تلقت ضربة على مؤخرة رأسها من قبل مجهول .
لم يسرق شيء من أي مكان من المنزل . ولا كانت في المطبخ آثار فوضى , باستثناء ما تسببته شقيقتي من جراء السقوط والنزف . إنما كان هناك دليل بارز وهو أنها تلقت الضرب على رأسها وعظام ظهرها بشيء ثقيل وغليظ . وكان بجانبها على الأرض قيد حديدي لمجرم قطعه بالمبرد .
فظننت أن القيد الحديدي يخص المجرم صاحبي ـ القيد الذي رأيته وسمعته فيما كان يعمل على قطعة بالمبرد في المستنقعات ـ لكن عقلي لم يتهمه باستخدامه للغاية تلك. فشككت بأورليك .
ومما أثار مخاوفي كان التصور بأنني قدمت السلاح , إنما تعذر علي التفكير بغير ذلك .وعانيت من مأزق رهيب فيما أخذت أفكر إن كان علي أن أبوح بسر طفولتي, وأخبر جو القصة كاملها . فقررت أن أقدم اعترافاً كاملاً حين تسنح الفرصة للمساعدة في اكتشاف هوية المهاجم .
بقي رجال الشرطة حول المنزل منذ أسبوع أو اثنين , وألقوا القبض على عدة أشخاص بريئين . لكنهم لم يقبضوا على المجرم أبداً .
بعد أن رحلوا بفترة طويلة , كانت شقيقتي طريحة الفراش وقد اشتد عليها المرض . فقد اختل بصرها , وتضرر سمعها وذاكرتها كثيراً , وغدا كلامها غير مفهوم . وحين شفيت في النهاية بحيث أصبحت تستطيع هبوط الدرج بمساعدتنا . كان من الضروري إبقاء لوحي الحجري إلى جانبها , لتشير بالكتابة إلى ما تعجز عن الإشارة إليه بالكلام .
لكن مزاجها تحسن كثيراً , وتحلت بالصبر . وقد احترنا في العثور على مرافقة لها, إلى أن توفقت عمة والد السيد ووبسيل , فانتقلت بيدي للعيش معنا . وكانت نعمة للأسرة , وخاصة لجو . فتولت مباشرة رعاية شقيقتي وكأنها درست طباعها منذ الطفولة , وصار بإمكان جو التمتع بحياة أهدأ , والذهاب إلى (( النوتية الثلاث )) من وقت لآخر , على سبيل التغيير الذي أفاده كثيراً .

يتبع ...

 
 

 

عرض البوم صور جيرمون111  
قديم 04-10-09, 10:51 PM   المشاركة رقم: 14
المعلومات
الكاتب:

البيانات
التسجيل: Sep 2009
العضوية: 149707
المشاركات: 654
الجنس ذكر
معدل التقييم: جيرمون111 عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 10

االدولة
البلدPalestine
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
جيرمون111 غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : جيرمون111 المنتدى : الارشيف
افتراضي

 

الفصل الثاني عشر
الفتاة اللطيفة

بدأت تدريجياً أشعر بتغيير في بيدي . كان شعرها لامعاً , ناعم الملمس , ويداها نظيفتان دائماً . لم جميلة ـ بل عادية , ولا يسعها أن تكون مثل استيلا , إنما كانت صاحبة لطف وحكمة وروح طيبة . وقد تدبرت كافة شؤون منزلنا بشكل رائع , كذلك فقد تعلمت كل ما تعلمته وظلت تواكبني على الدوام .
بعد ظهر يوم أحد , خرجنا نتمشى سوياً في منطقة المستنقعات . وحين بلغنا ضفة النهر وجلسنا إلى الضفة فيما المياه تترقرق عند أقدامنا , قررت أن الزمان والمكان مناسبان لمنح الثقة إلى بيدي . فقلت لها , بعد أن وعدت بحفظ السر : " أود أن أكون سيداً يا بيدي . "
أجابت : " لن أفعل ذلك إن كنت مكانك ! لا أعتقد أن ذلك يفيد ؛ ألا ترى أنك أكثر سعادة كما أنت الآن ؟ "
فقلت بتبرم : " لست سعيداً أبداً يا بيدي كما أنا . فقد نالني الاشمئزاز من مهنتي . ولن أرتاح إلا عندما أعيش حياة تختلف عن التي أعيشها الآن . "
قالت بيدي وهي تهز رأسها أسفاً : " إنه لأمر مؤسف ! "
ثم أخبرتها عن استيلا وكيف تعتبرني خشناً وعامياً , وأنها تفوق الجميع جمالاً , وكيف أنني شديد الإعجاب بها , وأريد أن أكون سيداً من أجلها .
" هل تريد أن تكون سيداً لمضايقتها أو للفوز بها ؟ فإن كنت تريد مضايقتها , فالأفضل عدم الاكتراث لكلماتها . وإن كان القصد هو الفوز بها , فاعتقادي هو أنها لا تستحق ذلك . "
قلت لبيدي : " ربما كان ذلك صحيحاً , لكنني في غاية الإعجاب بها . "
كانت بيدي أكثر الفتيات حكمة وتعقلاً , فلم تحاول النقاش معي أكثر , بل ربتت كلى كتفي بمواساة وقالت : " إنني سعيدة لأنك شعرت أن بإمكانك أن تمنحني ثقتك يا بيب . "
فصحت قائلاً وأنا أنهض : " بيدي , سأخبرك دائماً بكل شيء . "
فقالت بيدي : " إلى أن تصبح سيداً ؟ "
تابعنا السير قليلاً , ورحت أفكر إن كنت في وضع مناسب ومأمون أكثر مما لوكنت ألعب لعبة المتسول في الغرفة المظلمة ذات الساعات المتوقفة , حيث أتعرض للتحقير من استيلا . وتساءلت إن كنت على يقين لو كانت استيلا بجانبي في تلك اللحظة بدلاً من بيدي , إن كانت ستجعلني تعيساً . وكان لابد لي من الإقرار بأنني لم أكن متأكداً من ذلك , فقلت لنفسي : " تباً لك من أحمق يا بيب " .
تحدثنا كثيراً أثناء السير , وبدا كل ما قالته بيدي صحيحاً . لم تجرح بيدي مزاجي ولم تكن تكن متقلبة المزاج , بل كانت تتألم لمجرد التسبب بإيلامي , وتفضل كثيراً أن تجرح فؤادها بدلاً من فؤادي . فكيف لي ألا أحبها أكثر ؟ قلت لها ونحن في طريق العودة للمنزل : " حبذا لو تستطيعين تقويمي يا بيدي . "
قالت : " ليتني أستطيع ذلك . "
" حبذا لو أستطيع فقط إيقاع نفسي في حبك ـ هل تمانعين أن أتحدث بهذه الصراحة لصديقة ألِفتها ؟ "
قالت بيدي : " كلا يا عزيزي , أبداً لا تكترث لي . "
" حبذا لو أستطيع حمل نفسي على ذلك , إنه القضية لدي . "
قالت : " لكنك لن تفعل . "
التقينا بأورليك قرب باحة الكنيسة , فهمدر هذا قائلاً : " مرحباً , إلى أين ذاهبان ."
" أين ينبغي أن نذهب سوى إلى المنزل ؟ "
فقال : " حسناً , سأرافقكما إلى المنزل . "
عارضت بيدي بشدة ذهابه معنا , فهمست لي تقول : " لا تدعه يأتي ؛ فأنا لا أحبه . " . وبما أنني لم أكن أحبه كذلك , قلت له أننا نشكره لكننا لا نريد الذهاب إلى المنزل .تلقى النبأ بصيحة ضاحكة, وتخلف عنا , لكنه راح يتبعنا بتكاسل على بعد خطوات قليلة . سألت بيدي لماذا لا تحبه فأجابت : " أوه , لأنني ـ لأنني أخشى أنه يحبني . "
سألتها بغضب : " وهل أخبرك بأنه يحبك ؟ "
فقال وهي تسترق النظر من فوق كتفيها : " كلا ! لم يخبرني أبداً بذلك , لكنه يلقي علي نظرة كلما استطاع جذب بصري . "
استشطت غضباً إزاء جرأة أورليك العجوز على الإعجاب بها ؛ بلغ غيظي حداً وكأن ذلك إهانة لي . ومنذ تلك الليلة أخذت أراقبه بحذر .
يتبع ...

 
 

 

عرض البوم صور جيرمون111  
قديم 06-10-09, 01:07 PM   المشاركة رقم: 15
المعلومات
الكاتب:

البيانات
التسجيل: Sep 2009
العضوية: 149707
المشاركات: 654
الجنس ذكر
معدل التقييم: جيرمون111 عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 10

االدولة
البلدPalestine
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
جيرمون111 غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : جيرمون111 المنتدى : الارشيف
افتراضي

 

الفصل الثالث عشر
الآمال الكبيرة

كانت السنة الرابعة من تدريبي المهني لدى جو , وكانت ليلة السبت حيث كنا متحلقين حول المدفأة في حانة (( النوتية الثلاث )) نصغي إلى السيد ووبسيل وهو يقرأ بصوت مرتفع .
لم ألاحظ إلا بعدما انتهى من القراءة , أن هناك سيداً غريباً ينحني فوق ظهر الكرسي المقابل لي . فتقدم وقال وهو ينظر إلي : " لدي ما يحملني على الاعتقاد بأن هناك حداد بينكم , اسمه جوزيف , أو جو غارجري . أيكم ذاك الرجل ؟ "
قال جو : " هذا أنا . "
تابع الغريب يقول : " هل لديك من يتدرب على مهنتك , يعرف عامة باسم بيب ؟ وهل هو هنا ؟ "
فهتفت قائلاً : " إنني هنا . "
لاحظت أن رأسه ضخم , وبشرته داكنة وعيناه غائرتان وحاجباه كثيفين سوداوين . قال لي:" أود إجراء حديث خاص معكما. لعل من الأفضل أن نذهب إلى منزلكما. "
سرنا إلى المنزل في صمت يكتنفه التساؤل , وحين وصلنا هناك دخلنا غرفة الاستقبال , فجلس الغريب إلى الطاولة وهو يجذب الشمعة إليه ويدقق في دفتر صغير لديه , ثم قال : " اسمي جاغرز , وأنا محام من لندن . لدي مهمة استثناية أنجزها معكما . والآن يا سيد جوزيف غارجري , إنني أنقل عرضاً يعفيك من هذا الصغير , تلميذك . لا أظن أنك ستعارض تخلية سبيله . بناء على طلبه وخدمة لمصلحته أو تبتغي شيئاً مقابل ذلك ؟ "
فقال جو : " لن أرغب في الوقوف في وجه بيب , ولا أريد شيئاً لقاء تخلية سبيله ."
قال السيد جاغرز : " حسناً , والآن , ما أريد أن أقوله لك هو أن بيب لديه آمال كبيرة . "
أخذت علينا الدهشة أنا وجو , ونظرنا إلى بعضنا البعض .
" إنني مكلف بإبلاغه بأنه سيحصل على ممتلكات لا بأس بها , وأن رغبة المالك الحالي هي بأن يُنقل بيب من هذا المكان , في حال أن ينشأ على تربية تليق بذوي الشأن . "
لقد تحقق حلمي , وتجاوزت الحقيقة مخيلتي الجامحة . فالآنسة هافيشام ستكون ثروتي .. تابع المحامي يقول : " والآن سيد بيب , سأوجه إليك ما بقي علي قوله . ليكن واضحاً لديك أولاً أنه بناء لطلب الذي تلقيت منه تعليماتي , أنك ستحمل دائماً اسم بيب . وليكن في علمك ثانياً أن اسم الذي أحسن إليك سيبقى سراً , إلى أن يقرر هو البوح بذلك . ويحظر عليك الاستقصاء عن هذا الأمر , أو الإشارة إلى أي شخص أثناء الاتصالات التي تجري بيننا . إن كان لديك اعتراض على هذين الشرطين , فالآن هو الوقت المناسب للإفصاح عن ذلك . قل بصراحة . "
تلعثمت بصعوبة قائلاً أن لا اعتراض لدي , فتابع السيد جاغرز : " لا أظن ذلك ! والآن سيد بيب , ننتقل بعد ذلك إلى تفاصيل الترتيبات . لدي مبلغ من المال يكفي تعليمك ومصاريفك . أرجو أن تعتبرني وصياً لك . من المفروض أن تتعلم بشكل أفضل , تمشياً مع وضعك الجديد . "
فقلت بأنني طالما تشوقت لذلك .
فاقترح السيد جاغرز اسم السيد ماثيو بوكيت ـ الذي سبق وأن سمعت الآنسة هافيشام تقول بأنه أحد أقرباءها ـ أن يكون معلمي , فعبرت عن شكري للسيد جاغرز على هذا الاختيار , وقلت بأنني سأجرب هذا السيد بكل سرور .
" حسناً , من الأفضل أن تجربه في منزله , ستمهد الطريق أمامك , ويمكنك أولاً أن ترى ابنه , الذي في لندن . متى ستأتي إلى لندن ؟ "
قلت وأنا أنظر إلى جو الذي كان يقف محدقاً دون حراك , إنني أعتقد أن باستطاعتي الذهاب فوراً .
" لابد أولاً أن تكون لك ثياباً جديدة تذهب بها , لنقل بعد أسبوع . ستحتاج إلى بعض المال . هل أترك لك عشرين جنيهاً ؟ "
تناول محفظة طويلة وراح يعد المال على الطاولة ثم دفع بها إلي . ثم جلس يؤرجح محفظته وهو يراقب جو .
" جوزيف غارجري , تبدو في غاية الدهشة فعلاً . "
فقال جو بلهجة حازمة : " فعلاً . "
" تذكر بأن الاتفاق كان بأنك لا تريد شيئاً لنفسك . لكن ماذا لو كان من ضمن التعليمات لدي أن أقدم لك هدية على سبيل التعويض ؟ "
فاستوضح جو قائلاً : " تعويض على ماذا ؟ "
" على خسارة خدماته . "
وضع جو يده على كتفي برفق وقال : " إنني أرحب بانطلاقة بيب نحو العزة والثراء . إن كنت تعتقد أن المال يمكنه التعويض عن خسارتي لهذا الطفل الصغير الذي أتي إلى دكاني , وكنت معه من أفضل الأصدقاء . " ولم يستطع قول المزيد .
فقال السيد جاغرز : " والآن يا جوزيف غارجري , أنبهك إلى أنها فرصتك الأخيرة . فلا حلول وسط معي . فإن أردت أخذ الهدية التي أُذن لي بتقديمها لك , قل بصراحة وستحصل عليها . أما إن كنت تريد القول ــ " وهنا لدهشته الشديدة , توقف عن الكلام لدى تهيؤ جو لقتاله . فقال المحامي : " حسناً سيد بيب , أعتقد أنه كلما أسرعت بمغادرة المكان ـ نظراً إلى أنك ستصبح سيداً ـ لكان ذلك أفضل . ليكن في الأسبوع المقبل , وسوف يصلك في غضون ذلك عنواني مطبوعاً . فيمكنك أن تستقل عربة لدى مكتب عربات السفر في لندن , وتأتي إلي مباشرة . "
عندما غادرنا , أقفل جو الباب الأمامي , وجلسنا بقرب نار المطبخ , نحدق بإمعان في الفحم المشتعل , ولم نقل شيئاً لفترة طويلة .
كانت شقيقتي في مقعدها الوثير , وبيدي تجلس إلى جانب جو تقوم بأشغال الإبرة , فيما كنت جالساً إلى الجانب الآخر منه . قلت في النهاية : "جو,هل أخبرت بيدي؟ "
" تركت الأمر لك يا بيب . "
" أفضل لو تخبرها أنت يا جو . "
فقال جو : " لقد أصبح بيب سيداً غنياً , ليباركه الله في ثروته . "
أوقفت بيدي عملها وراحت تنظر إلي . أمسك جو بركبتيه وراح ينظر إلي أيضاً . اطلعت إليهما , وبعد لحظة توقف , هنآني بحرارة , لكن مسحة حزن كانت في تهنئتهما , وأثارت لدي بعض الامتعاض .
حاولت بيدي أن تنقل لشقيقتي فكرة عما جرى لها , لكن جهودها باءت بالفشل .
بعد يومين , ارتديت أفضل ملابسي , وذهبت إلى المدينة باكراً قدر المستطاع على أمل أن أجد المحلات مفتوحة , فقمت أولاً بزيارة محل الخياط , حيث أخذ قياسي لخياطة بعض الثياب الجديدة , وتوجهت إثر ذلك إلى صانع القبعات وصانع الأحذية ومحلات أخرى ... ثم ذهبت إلى السيد بامبلتشوك , وقد سبق له وأن زار دكان جو وسمع الأخبار , فأعد وجبة خفيفة على شرفي . تلقاني بكلتا يديه ورحب بي بحفاوة وكأننا كنا أفضل الأصدقاء . فقال بعد أن نظر إلي بإعجاب لبضعة دقائق : " إن مجرد التفكير بأنني كنت الوسيلة المتواضعة التي أدت إلى هذا,لهو مكافأة عظيمة. "
رجوت السيد بامبلتشوك أن لا يغيب عن باله أن شيئاً لا ينبغي قوله أو التلميح به في هذه الخصوص .
دعاني السيد بامبلتشوك لتناول الدجاج , وأفضل شرائح اللسانات , والنبيذ . وراح يصافحني مراراً وتكراراً . وأفضى إلي , للمرة الأولى في حياتي , أنه لطالما تحدث عني قائلاً : " إنه ليس بالفتى العادي , استمعوا جيداً , إن قدره لن يكون قدراً عادياً . "
استأذنت في النهاية مغادراً وعدت إلى المنزل .
مرت الأيام , وفي صباح الجمعة ذهبت ثانية إلى السيد بامبلتشوك لارتداء ملابسي الجديدة والقيام بزيارة الآنسة هافيشام . فتحت سارة بوكيت الباب لي واصطحبتني إلى الطابق الأعلى . كانت الآنسة هافيشام تقوم ببعض التمارين في الغرفة قرب الطاولة الطويلة , وهي تتكئ على عصاها فقالت : " سأغادر إلى لندن غداً , آنسة هافيشام . وأظن لا مانع لديك على مغادرتي . "
فقالت وهي تدير عصاها حولي , وكأنها العرابة الجنية التي بدلت حالي , تمنحني الهبة الأخيرة : " إن مظهرك أنيق . "
تمتمت قائلاً : " حظيت بثروة وافرة منذ رأيتك آخر مرة آنسة هافيشام , وإنني في غاية الامتنان لذلك , آنسة هافيشام . "
قالت وهي تنظر باغتباط إلى سارة بوكيت الحسودة : " أجل , أجل , لقد رأيت السيد جاغرز , وعلمت بالأمر يا بيب . إذن أنت ذاهب غداً ؟ "
" أجل , آنسة هافيشام . "
" وهل تبناك رجل ثري ؟ "
" أجل , آنسة هافيشام . "
" ألم يذكر اسمه ؟ "
" كلا , آنسة هافيشام . "
" وهل عين السيد جاغرز وصياً عليك ؟ "
" أجل , آنسة هافيشام . "
وتابعت تقول : " حسناً ! أمامك مستقبل يبشر بالخير , كن صالحاً ـ واعمل على أن تستحق ذلك ـ واتبع إرشادات السيد جاغرز . "
ثم نظرت إلي ونظرت إلى ساره , وقد أثار هدوء ساره , وقد أثار هدوء ساره ابتسامة قاسية على وجهها المؤرق .
" وداعاً يا بيب ـ تعلم بأن عليك الاحتفاظ دائماً باسم بيب . "
" أجل , آنسة هافيشام . "
" وداعاً يا بيب . "
مدت يدها , فانحنيت على ركبتي ولثمتها بشفتي , ثم غادرتها . رجعت إلى بامبلتشوك وخلعت ثيابي الجديدة , ثم لففتها في رزمة , وعدت إلى المنزل في ملابسي القديمة , وأنا أشعر ـ في الحقيقة ـ بمزيد من الارتياح , رغم أن لدي الرزمة أحملها .
وهاهي الأيام الستة التي كان ينبغي أن تمر ببطء , ولت بسرعة وذهبت , وراح الغد يواجهني بحزم لم أستطع مواجهته به . كان علي مغادرة قريتنا في الخامسة صباحاً , وكنت قد أخبرت جو أنني أرغب بالرحيل وحدي . طوال الليل , كانت العربات تمر في نومي المتقطع , تضل سبيلها بدلاً من التوجه إلى لندن , تجرها الكلاب مرة والقطط مرة أخرى والرجال مرة ثالثة , لكن دون أن تجرها الخيول أبداً . تملكتني رحلات فشل غريبة إلى أن بزغ الفجر وراحت الطيور تغرد . فنهضت وارتديت ملابسي , لكنني كنت أفتقر إلى العزيمة للهبوط , إلى أن نادتني بيدي تقول بأنني تأخرت .
كان الفطور سريعاً من دون نكهة . ثم قبلت شقيقتي وبيدي وعانقت جو . ثم تناولت حقيبتي الصغيرة وخرجت .
انطلقت بخطوات سريعة معتبراً أن من السهل الرحيل أكثر مما تصورت . وأخذت أصفِّر لأجعل من الرحيل غير ذي شأن . لكن القرية كانت في غاية الوداعة والهدوء , وكنت بريئاً وصغيراً للغاية هناك , فيما كان كل شيء مجهولاً وعظيماً حتى أنني انفجرت بالبكاء في تلك اللحظة . حدث ذلك عند عامود الاتجاه في طرف القرية , فوضعت يدي عليه وقلت : " وداعاً يا صديقي العزيز الغالي . "
يتبع ...

 
 

 

عرض البوم صور جيرمون111  
 

مواقع النشر (المفضلة)
facebook




جديد مواضيع قسم الارشيف
أدوات الموضوع
مشاهدة صفحة طباعة الموضوع مشاهدة صفحة طباعة الموضوع
تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة



الساعة الآن 12:47 AM.


 



Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية