كاتب الموضوع :
نوف بنت نايف
المنتدى :
القصص المكتمله
جده
القصر
جناح تركي
00 : 2 صباحًا
وضع رأسه بين كفيه و هو يجلس على طرف السرير ، لا أثر .. حتى الآن ؟؟!! .. أيعقل ؟؟!! .. كيف يختفي من يريدهم كالشياطين ؟؟!! .
ماذا يفعل ؟؟!! .. أيخرج للبحث عنه كالمجنون ؟؟ .. أم ينتظر ليبث إلى نفسه القليل من الهدوء عله يفكر بروية فيصل إلى الطريقة المثلى للتعامل معه !! .
يريد أن يجده سريعًا ... و في ذات الوقت يفضل العكس ، شد خصلات شعره بتوجع و ذلك الألم يعتصر صدره ، يحترق بين نــــــــاريـــن .. رغبته في كشف الورقة الأخيرة .. و خوفه من فاجعة أخرى ، زفر في حرقة وهو يضع يده على صدره .. يشعر بإرهاق شديد .. لم يذق طعم النوم كما يجب .. و لا قدرة لديه ؟؟!! .. طوال الليلة السابقة و هو يعد نفسه لصدمة جديدة .. بأن عباس لا يملك الخبر!! .. لن يفقد الأمل .. لكنه لن يمنحه مساحات شاسعة من روحه .. فذلك ما قد يقضي عليه !! .
ارتعشت شفتاه .. و عاد الخوف بالأحزان يقهره !! .. أيذهب الآن ؟؟!! .. حرك حدقتيه ببطء و الحيرة الموجوعة تنبثق منهما .. تخاذلت يداه من رعب يعربد في صدره !! .. و إن لم يجد لديه شيئًا ؟؟!! .. أيبادر بقتل نفسه بسليل خنجر مسموم ، أم ينتظره إلى حين عودته و يرى !! .. و لكن إن كان يعلم .. سيضيع فرصة لقائهم القريب .. اختنقت أنفاسه في صدره و المشاعر تثور في كيانه ، أيهما سيختار؟؟!! .. صدقًا إن الخوف يكبل حركته .. هز رأسه بعنف .. ما باله !! .. لم يشعر يومًا بهذا الخوف الذي ينتفض له قلبه .. يدفع الدماء المريرة إلى عروقه .. زفر و هو يقبض على أصابعه بشدة .. لا يوجد إلا حل وحيد لهذه المعضلة .. و هو ما قرره سابقًا .
نظر إلى ساعة معصمه .. عليه أن يتحرك الآن إن أراد السفر حقًا ، نهض من فوق السرير و توجه إلى الحمام.
.
.
.
30 : 2 صباحًا
تأكد من هندامه و هو يقف أمام المرآة ، رفع بصره إلى وجهه .. لقد ترك المصاب بصمته .. فقدت عيناه سحرهما .. و أضحى وجهه شاحبًا قد حفر الإرهاق خطوطه عليه بكل دقة ، تحرك نحو خزانة ثيابه و أخرج حقيبته السوداء التي أعدها مسبقًا ، التفت إلى دقات الباب المتتالية و هتف للقادم : ادخل يا أبو حميد .
فتح أحمد الباب وتطلع إليه للحظة كأنه يطمئن عليه .. لقد ارتدى إحرامه !! .. كم أسعدته رغبته في السفر .. علّه ينفض شيئًا من الهموم عن روحه ، أسند ظهره للباب قائلاً : يعني مصر تسافر ؟؟.
أحكم تركي إغلاق حقيبته الخاصة و هو يجيبه : إيوه ، و إن شاء الله ليلة العيد أكون هنا ، لكن
و التفت إليه مردفًا : لو لقيوا عباس قبلها راح أنزل .
و حمل حقيبته سائرًا نحو الباب و أحمد يتطلع إلى عينيه الباكيتين في الخفاء .. لا شك في أن الدموع تغرق كيانه .. لكنها لن تروي غليله .. يشعر بخوفه الذي يخفيه في أعماقه .. صدمة أخرى قد تميته يأسًا و تدفنه تحت أطنان الرمال ، ابتسم عندما توقف أمامه و قال : موفق إن شاء الله ، لا تنسانا من الدعاء .
غمم تركي بهدوء : لا توصي .
و احتضنه مودعًا و هو يقول : جوري و البراء فـ عهدتك .
ضربه أحمد على ظهره مداعبًا : انتا يبغالك قص لسان .
رسم تركي على شفتيه شبح ابتسامة باهتة و هو يتراجع للخلف قائلاً : في أمان الله .
ربت أحمد على كتفه مشجعًا : أستودع الله دينك و أمانتك و خواتيم عملك .
أومأ تركي برأسه : أستودعك الله .
و غادر المكان و هو يتنفس الصعداء ، حث الخطى إلى جناح شقيقته و عقله يدور ، لا مجيب إلا الله .. هذا ما كان يشغله بخلده منذ عودته من المستشفى .. ربه الرحيم الذي يقدر الأمور كيف يشاء .. عليه أن يعود إليه تائبًا أوّابًا .. أملاً في تكفير ما سبق من ذنوبه و خطاياه .. حزن كبير ذلك الذي يعشش في قلبه البائس .. و ربه وحده العالم بشدته .. ربه الذي يعلم من هم عائلته و أين هم الآن .. الرحيم الودود .. الذي رأف بحاله و أرشده إلى طريق الصواب .. ، لن يجد الراحة إلا بخلوته مع ربه .. و ذرف تلك الدموع رغبة و رهبة .. وحيدًا ، خاليًا .. ، شعر بها تكاد تنساب من عينيه .. و لكنه كبتها و هو يطرق باب الجناح ، فتحه فور أن أتاه الرد ، و ابتسم بخفة لمرآها و هو يتقدم للداخل : السلام عليكم .
نهضت من مصلاها و هي تمسك بمصحفها هاتفة بابتسامة عريضة : و عليكم السلام و رحمة الله و بركاته .
أغلق الباب و هي تشير إلى إحدى الأرائك هاتفة : حياك يالشيخ ، تجهزت للعمره ما شاء الله !! .
جلس على الأريكة العريضة و جذبها مع يدها لتجلس إلى جواره قائلاً : تعالي أبغى أكلمكِ .
ضحكت و هي تجلس هاتفة : وحشتني أوامرك الصارمه .
عقب على حديثها و هو يجر أذنها بلطف : أكيد طبعًا ، مو أبو حميد مدلعك آخر دلع ؟؟ .
دفعت كفه و هي تهتف بدلال : الله يخليلييييييييي إيااااه .
ضربها على كتفها لتنفجر بالضحك و هو يقول : طلعت الفضايح ، حتى البراء تعلم كلمة حبيبي ؟؟!! .
ضربت على فخذها من شدة الضحك حتى احمر وجهها : الله يــــقــطـــع شـــــــرك .
ابتسم بهدوء و هو يتأملها ، سعيدة مع أحمد!! .. و هذا ما كان يتمناه منذ أمد .. أن يراها سعيدة هانئة دون منغصات ،هل يكفيه هذا حقًا .. أن يسعى لإسعادهم مدى العمر ؟؟!! ، ابتسمت و هي تتأمله و دموعها تتوهج في عينيها ، سألها بخفوت : اشبك ؟؟ أحد مزعلك ؟؟؟.
هزت رأسها نفيًا و همست : لا .. بس أستنى اليوم اللي أشوف فيه عيالك .
انقبض قلبه بشدة فأشاح بوجهه و هو يزفر .. و حديثها يعيد إليه كل الماضي .. رهــــــــــــف ، حسن .. الوليد .. و حقيقة مريرة !!.
غيرت دفة الحديث و هي تمسك بيده قائلةً : بابتي .. شكرًا على الجناح الحلو .
عاد للنظر إليها قائلاً بحنان : نضبط القصر و ما أحطلك جناح انتي و أبو حميد .. ما يسير !!.
جالت ببصرها في المكان الفسيح و هتفت : مره روعه .. من جد أحس إني عروسه .
ابتسم و مسح على شعرها برفق مغممًا : أكيد جالسين لـ 3 شهور ؟؟ .
أومأت برأسها مجيبةً : ايوه ..جمّد الدوره .. يبغى يجلس مع أبوه و أهله شويه .. و بعدين يكملها مع دفعه ثانيه .
قال بجدية و هو يتطلع إلى عينيها :هذا بيتكم .. تقضون الـ3 شهور كلها هنا .
ابتسمت و هي تعقب على حديثه: و مين قال إني بطلع .. أنا ما صدقت أشوفك يالنكدي و أجلس معاك .
انعقد لسانه بين فكيه و تلافيف عقله تفور .. أيخبرها الحقيقة ؟؟!! .. هل ستتقبله .. تبقى مشاعرها نحوه دافئةً .. يبقى في عينيها الشقيق العزيز و السند القريب ؟؟!! .. أم يصمت ؟؟!! ، ابتلع غصة أدمت حلقه ثم تنهد قائلاً : جيجي .. إن شاء الله أرجع على ليلة العيد .
رفعت حاجبيها و هتفت في دهشة مستنكرة : شـــهر ؟؟!!!!!!!!.
أجابها و هو يربت على كفها : ايوه .. تعبان و محتاج أرتاح .. أبغى أجلس مع نفسي شويه.. شهر واحد بس و إن شاء الله أرجع .. و بكذا .. يبقالنا شهرين نجلسها مع بعض .. اتفقنا ؟؟.
انتفض قلبها خوفًا عليه ، رمقته بنظرات قلقلة و هي تسأله باهتمام : مين بيروح معاك ؟؟ .
هز كتفيه ببساطة مجيبًا: أنا لوحدي .
قبضت على ذراعه و الخوف ينبثق من عينيها ، همست بنبرات متهدجة : ليش تشغل بالي عليك دايمًا ؟؟؟؟!! اذا انتا أبويا .. فأنا أمك .
ابتسم بحنان قائلاً و هو يداعب شعرها : تسلملي أحلى أم .
هتفت بقلق و هي تشد من قبضتها على ذراعه : توتو .. و الله من جد .
أوجعه قلبه لخوفها ، فقال مهدئًا : ليش خايفه ؟؟!! ، كلها شهر و راجع .
تطلعت إلى عينيه للحظة بأعصابها النافرة ، ثم ما لبثت أن تنهدت في استسلام مغممة : أعرفك .. راسك ناشف و بتروح من فوق خشمي .. لكن .. يا ويلك لو يمر يوم و ما تكلمني .. ســــــــــمــعــت ؟؟؟.
أجابها على الفور : حاضر .
ثم اعتدل واقفًا و هو يقول : توصين على شي .
هزت رأسها نفيًا : سلامتك .
غادر جناحها كالحيارى الصامتين و هي تتبعه بنظراتها القلقة ، و ذلك السؤال العميق يتردد في داخــــلـــــه !!
أيخبرها ؟؟!!
أيخبرها ؟؟!!
أيخبرها ؟؟!!
@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@
جده
البيت الأخضر
في نفس اللحظات
مسحت دمعتها وسط الظلام و هي تضم اللحاف البارد إلى جسدها ، تحدثت إلى فدوى قبل ساعة و اطمأنت على صحتها و صحة ابنها .
زفرت و عقلها يدور في أروقة متشعبة.. أصبحت وحيدة الآن !!.. كل شيء بدأ من ذلك اليوم .. كان صباحه هادئًا صحوًا .. إلى أن أتت مكالمة رائد .. لتبدأ الأحداث بالتتابع بسرعة رهيبة !! .. و هنا انتهى بها المقام !! .
تحرر أنينها الذي كبتته في صدرها و عيناها تعتصران الدموع الساخنة ، مر شريط حياتها أمام عينيها ..
زمت شفتيها .. و عقلها .. يستعيد رائحة البخور .. و أطرافها ..تستعيد برودة المكان .
■ ■ ■ ■
: بنت .. تعالي اجلسي ..هذا تركي جا يشوفك .
■ ■ ■ ■
انحدرت الدموع الحبيسة من المقل ..
■ ■ ■ ■
: كيفك رهف ؟؟
■ ■ ■ ■
شهقت و هي تغمض عينيها بقوة لخفقات قلبها الثائرة .. مالذي كان سيحصل لو لم يأتي في ذلك اليوم؟!! .. ماذا لو لم يكن هنالك ثــــــــــــــأر !! .
رفت عيناها .. و قلبها ينقبض لوجع قديم..
■ ■ ■ ■
: رهااااااااااااااف .
:لااااااااااا .. سبيينيييييييييي .
: بس .. اسكتي يالمجنونه .. اسكتي ..
أبويه لو سمع صوتك راح يزيد .. بعدين كيف تبغين تطلعين قدام جاسم .. هاه ؟؟؟ ..
:هدييييييييييل .. الله يسعدك .. الله يسعدك ..
و الله أبويه راح يقتله .. راح يقتله ..
■ ■ ■ ■
لاحت أمام عينيها الباكيتين تلك البقعة التي سقط فيها جاسم ذلك اليوم و الدماء .. تنزف من رأسه ..
■ ■ ■ ■
: لاااااااااااااا .. ابعد .. ابعد .. ابعد عن طريقي .. ابعد يا رااائد .. .. جااااااااااااااااسممم .. جااااســــــــــــــــــــم..
■ ■ ■ ■
امتلأ حلقها بدموع حبيسة و هي تهمس بصعوبة : الله يرحمك يا أخويا جاسم .
و ازداد عذابها .. و الذكريات تتوالى
■ ■ ■ ■
: يلا عاد يا خبلونه .. ارضي علينا ..
و ورينا ضحكتك .. هه .. رائد الكسلان أول واحد يجيبلك هديه بمناسبة الخطوبة ..
و لا قد سارت في التاريخ ..
■ ■ ■ ■
تلوت ملامحها ألمًا و هي تتخيله يقف أمام النافذة و ابتسامته المرحة على وجهه ، أجهشت في بكاء مرير هامسة : يا حبيبي يا أخويه .. فاقدتك يا رائد .. فــــــــــــــــــاقــدتـــــــك!!!!.
أغمضت عينيها بقوة و هي تتذكر آخر مكالمة له قبل وفاته ..
شهقت بعنف و الدموع تغرق وجهها .. رباه كم تفتقده !! .. كم تشتاق إليه .. لقد رحل ليترك فراغًا موحشًا يلتهم روحها .. لن تراه كل صباح فتبتسم في وجهه و تتشاكس معه .. لن يذهب معها خفية إلى السوق و من ثم إلى مدينة الألعاب بعيدًا عن جبروت والدها .. لن يسامرها بمرحه في ليالي الصيف المملة .. لن يكفكف دموعها لألمٍ يضايقها .. لن يربت عليها مواسيًا لحزن يخنقها .
دفنت وجهها في الوسادة وأنت بمرارة و الصور تتداخل في عقلها .. أمها ، أبوها ، جاسم ، شقيقاتها ، صديقاتها ، وسن ، الطبيبة فدوى ...و تلك الصورة المستكينة في العقد ، شهقت أخرى و هي تطبق عليها بأصابعها
■ ■ ■ ■
رهف .. أ .. أنا آسف إذا جرحتك .
: ما راح أنسى فـ يوم اني السبب فـ معاناتك.
■ ■ ■ ■
انفجرت بالبكاء المعذب .. سيظل جرحها ينزف أمدًا طويلاً .. ، لن يفهم أحد ما تعاني .. لن يشعر أحد بمرارة نزاعها !! .. هل يحق لها أن تحبه حقًا ؟؟!! .. بل .. هل يحق لها أن تستمر في حبه ؟؟!! .. والدها السبب .. والدها الذي أذاقها الأمرّين .. و أمه المقتولة .. فكيف توازن بين الأمرين ؟؟!! .. لقد رأت الندم في عينه .. لن تخطأ قراءتهما .. إنها تشعر بنبضات قلبه بين جنبيها !! .. رأت ألمًا و عذابًا .. ضياعًا و حيرة !! .. ، تفجرت دموعها بغزارة حزنًا و حرقة .. إنه يعاني مثلها .. يعاني .. و لكن لِم .. لا تدري ..!! .
وضعت كفها على عينيها .. أصابها الصداع من كثرة البكاء .. لم تجف عيناها منذ أن عادت إلى هنا !! .. ، همست بنبضات قلبها العليل : ماني قادره .. ماني قادره أنــــــــســــــــــاه .
زوت ما بين حاجبيه ثم اعتدلت جالسة عندما شعرت بأنفاسها تضيق ، خللت أصابعها الرقيقة في شعرها و هي تغمم من بين دموعها : كأني جايبتك عشان تزعجني .
و مدت يدها بضيق إلى الهاتف الذي أخذ يضيء وسط الظلام ، تطلّعت إلى الرقم الغريب .. لتتجمد الدماء في عروقها و تتعالى خفقات قلبها .. أيعقل أنه هو ؟؟!! .. ابتلعت ريقها الجاف و وضعت السماعة على أذنها .. و التزمت الصمت ..
: رهـــف !!
انتفضت بلوعة لذلك الصوت ، هتفت بأنفاس متقطعة : مــ ـ ـ ـرام !!!!!!!!!.
هتفت الأخرى باكية : أنا تحت ، كلمي الحارس عشان يفتحلي الباب .
انتفض قلبها بين ضلوعها و هي تهب من سريرها ، رمت الهاتف جانبًا و ركضت و دموعها تغرق كل شيء .. ، كيف نــســيــت ذلــك ؟؟!! .. خالة أبيه .. مرام .. رفيقتها الغالية .. صديقتها المقربة ، وصلت إلى الدور الأول و أسرعت تحدث الحارس .. ثم أسرعت إلى الباب و فتحته على مصراعيه .... ثوانٍ هي فقط و اجتمعتا.. تـــــــــــعـــانـــقـــتــا و الــــــدموع تــــرجــمـان لكل شيء .. لكل المشاعر لكل الأحاسيس .. لكل ما مضى و لكل ما حصل .. شهقات تسيّل على الضلوع أنهار الدماء .. نبعها تلك الجراح .. ، هتفت مرام باكية بعد أن كبتت في داخلها الكثير مما لم تتمكن من التفوه به في المستشفى : سامحيني .. سامحيني يا رهف .. سامحيني الله يخليكِ .
هزت رهف رأسها نفيًا و هي تتراجع إلى الخلف و على شفتيها ابتسامة متخاذلة من لحن الدموع : لا تقولين كذا يا ميمي ، ما زعلت منك فـ يوم عشان أسامحك .
بادلتها مرام ابتسامة هزمت شبح الحزن و تمتمت و هي تمسح دموع رهف: تراني بايته عندك اليوم بعوض حق الأيام اللي راحت كـــــــــــــلــه .
انطلقت ضحكتها المختلطة بغصص الدموع و هي تهتف : يوم المنى يا مرمر !! .
.
.
.
05 : 3 صباحًا
على طاولة الطعام ، رفعت مرام بصرها عن الطبق و قالت ضاحكة : ذكرتيني بتساهير لما علمتها بالخبر ؟؟!! .
ظلت رهف مرفوعة الحاجبين لثوانٍ .. لقد أدهشها حقًا أنها متزوجة !! ، ابتسمت بلطف ثم سألتها و هي تمسك بالملعقة : و زواج تساهير أكيد أول العيد .
أومأت مرام برأسها قائلة : بإذن الله .
زفرت رهف و هي تطرق ببصرها إلى طبق الطعام .. لن تتمكن من الحضور .. حالتها النفسية لن تسمح لها بذلك أبدًا ، رمشت عيناها بدموع وشيكة ..غريب ذلك الأمل الخفي !!.. إنها في العدة .. و لن تنتهي قبل ثلاثة أشهر .. شعرت بغصة مريرة تخنقها و لوعة الحزن تنتشر على ملامحها .. لم يغب ذلك عن نظر مرام التي أسرعت لتقول : اش رايك تكلمينها بعد السحور .. تراها بتموووووووت و تسمع صوتك .
نفضت رهف عن نفسها شبح الحزن و هي تعود لتبتسم في وجه مرام هاتفة بلهفة : يا ريت والله !!.
انشغلتا بتناول الطعام .. و لم يغب لحن الحزن عن مآقي رهف و أحرفها .. ، رغم أن مرام أصرت في داخلها أن تتلافى الحديث عن تركي تمامًا .. و لكنها لن تقدر .. لقد آلمها ما تشعر به رهف .. هي ذاتها ذاقت ما تذوقه يومًا عندما كانت مجبرة على فراق عمّار .. ربما هي وحدها من تدرك مقدار الألم و المعاناة التي تعيشها رهف الآن .. إن لم يكن تركي كذلك !! ، و لكن المشكلة أنها ليست متأكدة .. أذلك الحزن الذي يتوهج في حدقتيها لمفارقته أم أن الأمر يتعلق بحياتها الجديدة ؟؟!! .. عليها أن تصل إلى الإجابة لترى إن كانت ستسعى لإعادة المياه إلى مجاريها ، رفعت بصرها ببطء إلى رهف التي انشغلت بتقطيع الفاكهة ، قبضت على أصابعها و هي خائفة من اتخاذ الخطوة القادمة .. تنحنحت مما جعل رهف تلتفت إليها : اشبك .. شرقتي ؟؟!.
ابتسمت مرام و هي تهز رأسها نفيًا ، تطلعت إلى عيني رهف للحظة ثم غممت : تركي تعب قبل يومين و جاله انهيار عصبي حاد .
انتفض قلبها بلوعة وتصلبت أصابعها الممسكة بالسكين ، لم تنبس مرام ببنت شفه و رهف تحدق فيها بنظرات حملت صنوف العذاب و ألوانه ، ارتجف قلب مرام قلقًا و أنفاسها تختنق في صدرها .. صكت على أسنانها ترقبًا ** يلا يا رهف .. قوليها ..قوليها..** رفت عينا رهف للحظة ثم أشاحت ببصرها إلى التفاحة الحمراء التي تقطعها ، ارتعشت شفتاها و الدموع تملأ حلقها .. ما بالها مرام ؟؟!! .. أتحاول حقًا أن تفعل ما تفكر فيه ؟؟!! .. اعتصرت التردد في داخلها و هي تشطر التفاحة إلى نصفين و تهمس بعمق خوفها عليه : و كيفه دحين ؟؟!.
استكانت مرام في مكانها للحظة كأنما خبا حماسها فجأة !! .. لم تتمكن من تفسير ردة الفعل تلك ؟!! .. و هي الساذجة .. أتريد منها أن تصرح أمامها بالحب الذي تكنه ؟؟!! .. بالطبع لا .. فمجريات الأحداث كلها لم تكن طبيعية .. تنفست الصعداء ثم غممت و هي تتراجع في مقعدها : أحسن من أول .
و أردفت و رهف تمد لها بصحن الفاكهة التي قطعتها : بس لساته تعبان .
أخذت مرام منها الصحن و لم تتمكن من رؤية عينيها .. فقد كانت مطرقة بهما .. تهرب من النظر إليها .. أتخشى أن ترى ما خلفهما ؟؟!! .. لماذا ؟؟!! .. إن كانت تحبه فلماذا ؟؟!! .. و إن كان العكس فكان بإمكانها أن تُظهر الأمر بصورة عاديه .. تراجعت رهف في مقعدها لتنهض قائلةً : بعد إذنك بجهز الحليب .
و سارت نحو المطبخ بهدوء تحت نظرات مرام التي تتبعها ، أمسكت مرام بالشوكة و تطلعت إلى الفاكهة الشهية أمامها .. لقد فقدت كل رغبة لتناول الطعام !! .. زفرت و هي تضع كفيها على وجنتيها و تتكئ بمرفقيها على الطاولة ، الأمر أصعب مما تظن .. فالأمر كله بدأ بالثأر و لن ينتهي بهذه السهولة !! .
.
.
استندت على باب المطبخ الذي أغلقته و تركت لدموعها العنان ، شهقت و هي تهز رأسها .. ماذا تفعل ؟؟!!.. أتحدث فدوى لتسألها ؟؟!! .. هل فيما ستفعل تنكر لحق والدها عليها ؟؟!!.. نعم لقد عذبها و دمر حياتها و حياة والدتها و شقيقاتها و رائد .. لكنه .. يبقى والدها !! .. فماذا تفعل ؟؟!! .. مسحت دموعها و هي تسير لإعداد كوبين من الحليب ، أيعقل أن تركي هو من طلب منها أن تأتي إلى هنا و تحدثها في الموضوع ؟؟!! .. وضعت السكر في الكوبين و الدموع تغرق مقلتيها .. كلا .. من المستحيل أن يفعل في هذا الوقت القصير .. لقد انتهى حديثه صباح اليوم فقط .. زفرت باكية و هي ترفع بصرها إلى السماء : يا ربي .. يا ربي اهدي قلبي يا رب .
@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@
مكة المكرمة
00 : 5 فجرًا
قبل بزوغ فجر اليوم الجديد ، في تلك البقعة الطاهرة .. حيث الأفواج العديدة تحث الخطى إلى داخل المسجد الحرام ، أناس يطوفون حول الكعبة المزدانة بثوبها الأسود و خيوط الذهب تتوهج تحت انبعاثات الضوء ، و آخرون يسعون بين الصفا و المروة ، و هناك من يقف قائمًا قد و لى وجهه شطر الكعبة ليصلي و منهم من انشغل بتلاوة القرآن .
و في إحدى الزوايا في الدور الثاني جلس بعد أن أنهى عمرته ، أسند رأسه للجدار خلفه و عيناه تجولان في ما حوله .. ثلاث سنوات أفقدته هذه اللذة .. أفقدته الكثير الكثير .. لم يشعر بهذه الراحة منذ زمن .. و لم يتمتع بتلك الروحانية منذ دهر ..، سما بالله ثم ارتشف ماء زمزم من الكأس الورقي الذي يمسك به ، وضع الكأس في الكيس القماشي الذي يحمله و من أمامه يعبر شاب برفقة أهله .. خفض عينيه و إلى مسامعه تناهى هتاف لاهث من بين شفتي امرأة عجوز : الله يرضى عليك يا ولدي .. الله يرضى عليك و يبارك فيك .
خفق قلبه و هو يرفع بصره إلى الشاب الذي ابتعد عنه بمسافة و شاهده و هو يمسك بيد والدته ليساعدها على المسير إلى المسعــى ، انـــــــــتـــفــضـــت روحـــــــه من فـــرط الألم و الدموع تتجمع في عينيه .. أطرق ببصره و شفتاه ترتعشان .. بلا هوية هو .. بلا هوية !! .. بلا أم تدعو له .. و لا أب يعطف عليه .. خنقته غصة محرقة ذرفت لها دموعه .. أيدركون مقدار السعادة التي يعيشونها برفقة والديهم ؟؟!! أيعلمون أنه مستعد لدفع عمره كله ثمنًا لثانية برفقتهما ؟؟!! ، أمه التي حملته في بطنها تسعة أشهر .. تغذى من طعامها .. تأثر بدمائها .. ، والده ..هل كان ينتظر مجيئه إلى الدنيا ؟؟!! .. هل كان متلهفًا لرؤيته و حمله بين ذراعيه ؟؟!! .. أغرقت الدموع وجهه و جراحه تنزف .. رفع يديه إلى السماء .. لينبثق دعاؤه الكسير الذي حمل لوعته .. حزنه .. انكساره .. ضعفه .. و قلة حيلته .
.
.
و من مسافة قريبة ابتسم بحزن و هو يتراجع إلى الخلف و يعود أدراجه ، رفع هاتفه المحمول و همس للطرف الآخر : طيب و الحمد لله ، دوبه مخلص عمرته .... عيوني لك يا قلبي .. لا تشيلين هم ..يلا .. مع السلامه .
أنهى مكالمته و ابتسامة في داخله تتسع ، همس و الدموع تتوهج في عينيه : و لقيت الطريق الصحيح يا تركي !! .
: أبــــــــــــــــــــــو حمــــــــــــــــــــيد !!!!!!!!!!!!!!.
التفت بمفاجأة حقيقية إلى مصدر الصوت ، و هتف بفرحة صادقة : طـــــــــــــــــارق ؟؟!!!!!!!!!.
@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@
جده
البيت الأخضر
50 : 5 فجرًا
دلفت إلى الحجرة بهدوء و أسنانها تصطك ببعضها من شدة البرد .. لقد توضأت للتو ، ضمت جسدها بيديها و هي تتقدم للداخل لتوقظ رهف .. سارت إلى جهتها و هي تهمس : فوفووو .. رهوفه قلبي !! .
زوت ما بين حاجبيها لمرأى أكوام المنديل التي تملأ المكان .. نقلت بصرها إلى رهف .. أصابعها هي الأخرى تقبض على منديل أبيض و حمرة تعلو محياها .. خفق قلبها و هي تجثو على ركبتيها ببطء .. أكانت تبكي طوال الليل ؟؟!! .. اصــــطــــدم بـــصــــــرهـــــا بتلك الصورة التي تسللت خارج مخبأها بهدوء تام ، اتسعت عيناها و ريقها يجف !! .. أيعقل أنها .. قطعت تفكيرها و هي تلتفت إلى رهف بحذر .. لا تزال نائمة بعمق .. مدت يدها ببطء .. الإضاءة ضعيفة .. و لكن عليها أن تتأكد .. أمسكت بالقطعة و أدارتها و هي تدقق النظر .. شهقت باكية والدماء تندفع في عروقها .. ارتعدت أوصالها والمرارة تكوي أحاسيسها ، عادت تنظر إلى رهف و همست بفيض دموعها : راح أحاول .. راح أحاول عشانكم يا رهف .. راح أحاول .
تركتها و اندفعت عائدة لتهدأ من ثورة مشاعرها قبل أن توقظها للصلاة .. و ضعت يدها على قلبها المضطرب و هي تغمض عينيها ليتلألأ رمشاها الأسودان .. انسابت دموعها على وجنتهيا في صمت .. تركي بالذات تتوقع رفضه لاستمرار العلاقة و لن تلومه لأنها تدرك بالسبب الذي يقف حائلاً بينه و بين ما يتمنى .. و لكن رهف .. لا زالت تحبه و هي لا تعلم شيئًا عما حصل .. لقد بعث لها بتلك الرسالة التي أخبرتها عنها فدوى عندما حادثتها شخصيًا .. و لكنها .. لا زالت جاهلة بحقيقته !! .. كسى الحزم ملامحها بعد لوعة الألم .. ضغطت على حروفها و هي تفتح عينيها الباكيتين هامسةً : بسوي اللي أقدر عليه .
@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@
بـــــــــــــــــــــــــــــــــــــعد شــــــــــــــــــــــــــهـــــــــــــــــــــر
.
.
# لـــــــــــــــــــــيـــــلـــة الــــــــــــــــــعــــيــــد #
.
الرياض
فيلا الجازي
00 : 10 مساءً
ضحكت في مرح و هي تجلس على سريرها : و هيا خلتني ؟؟!! .. الله يسعدها هيا و أمها ، جلسوا معايا أسبوع تقريبًا عشان يساعدوني في الدبش .
أتاها صوت رهف من الطرف الآخر : أعرفها سويره ما تقصر .
ثم أردفت بحنان : انتي قوليلي .. كيف نفسيتك دحين ؟!.
زفرت تساهير و هي تمسح على شعرها بتوتر : إذا انفتحت ما رح أنصك، أخاف أسويلك بحيره دموع لو جلست أتكلم .
و تنفست الصعداء مردفة في مرح تنفض به توترها العنيف : بموووت من الخوف .. و اللي خلاني أصيح طول الليل أمس إنه مرام مي جايه .
قالت رهف مهدئة : معليش .. حتى هيا جلست تبكي من القهر .. بس ارتباط زوجها بعمله هوا السبب .
استلقت تساهير على سريرها مغممة : الله يعينها .. بس برضه .. شعور الوحده موجع .
واستها رهف بنبرات متعاطفة : كلنا معاك بقلوبنا يا تساهير ، و لو علينا ما كان خليناك لحظه .. لكن الظروف !! .
ابتسمت تساهير بحزن قائلة : و الله عارفه يا رهف .. لولا الله ثم وقفتكم جنبي ما أدري اش كنت راح أسوي ؟؟!! .
غممت رهف بنبرة متهدجة : هيا اسكتي عشان لا أفتح البحيره قبلك .
انطلقت ضحكة تساهير المرحة و هي تهتف : خلاص طيب راح أسكت .. إلا تعالي .. متى راح تنامين ؟؟.
زفرت رهف مجيبة : لسااااا .. دوبي خارجه من الحمام .. بستشور شعري و أتعشى و بعدين أحط راسي .
رفعت تساهير أحد حاجبيها هاتفة : آها .. طيب اش رايك تتنازلين عن حطة الراس بدري و تطولين معايا شويه .
ضحكت رهف مجيبة : أبشري .. بس لو حطيت راسي من التعب بدون استشوار ، بشدك مع شعرك و أخليك تسوينه بكره الصباح !!!!.
.
.
.
جده
30 : 12 صباحًا
ابتسمت بحزن و هي تضع رأسها على الوسادة و تقرأ رسالة تساهير التي بعثتها قبل دقائق
----------- من أختي حبيبتي ------------
اشتقتلك من يوم ما قفلت السماعه ، راح أفتقدكم بكره .. متأكده إني راح أحس بشي ناقص .. بس ادعيلي لا تنزل دموعي >.< ، إن شاء الله أشوفك قريب .. و لا تقطعيني و تسوين فيها مستحيه .. أذا ما اتصلتي راح أرجك أناااا .. أحبك يا دبدوبه دباديبو ^.^ .
---------------------------------------------------------------------
ترقرقرت الدموع في عينيها و هي تتأمل الأحرف مجددًا .. كم غدت تكره نفسها !! .. لماذا لا تذهب للوقوف إلى جانبها في أهم أيام حياتها ؟؟!! .. لكنها صدقًا لا تقدر .. جراحها نازفة إلى اللحظة .. تكفيها صــــــــعـــــقــــة الخبر بأن زوج تساهير هو ابن عمه !! .. و ضعت الهاتف جانبًا و ضوء شاشته يخبو لتهبط الظلمة الحالكة على أركان الحجرة ، لا رغبة لديها حتى في مغادرة الفيلا رغم محاولة شقيقاتها .. ترتاح في وحدتها .. ذرف دموعها في صمت .. إعادة التفكير مراراً و تكرارًا في مجريات حياتها و دربها الغريق .. و طيف قربه .. لا زالت تلاقيه في أحلامها .. تسأل قلبها و لا يستجيب .. حائرة هي في ظلام سحيق !!.
شعرت بملوحة الدموع في جوفها .. لقد ذرفت ينابيع عزاءها .. هكذا في كل مرة قبل أن تغط في سبات عميق .. هبط الضيق على روحها فقبضت على اللحاف و هي تستغفر ربها و تنقلب على جانبها الأيمن ، من قال إن الأمل جميل في كل حين !! .. بل هو موجع سقيم .. تدرك يقينًا بأن أمواج التفكير تعبث بها لأنها لا زالت في عـــدتـــهــا .. و إن انتهت .. فقد ينتهي هذا العذاب المحيّر ، همست بصوت متهدج وهي تدافع دموعها : (وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ )
شهقت و هي تغطي نفسها باللحاف ، لتغيب بعيدًا .. بعيدًا .. في شحوب الليل و الضوء القتيل .
@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@
جده
القصر
في نفس اللحظات
أنهى المكالمة مع ياسين و الوجوم بادٍ على محياه الوسيم .. يكاد يقسم بأنه يتعمد هذا الهروب .. مالذي يخفيه في داخله يا ترى .. ماذا ؟؟!!!!!.. ضرب الحائط بقبضته في عصبية .. لابد أن يذهب بنفسه للبحث عنه ، سار إلى جناحه بعد أن التقى بطفلته الحبيبة ،زفر و هو يفتح الباب .. شـــهـــر كــــامـــل ..اعتمر فيه أربع مرات .. عن نفسه .. أمه المجهولة والده المجهول .. و .. الـــــــــريــــــــم .. تلك المسكينة المريضة التي أرضعته و التي ذهبت ضحية لخدعة دنئية .
لقد هدئت ثورة مشاعره .. خف ثقل آلامه المتراكمة على قلبه ، بصيص من النور يضيء عتمة دربه بعد أن أطبق على عنقه داعي الظلام ، بقي فقط أن يجد عباس و سيبدأ من الغد ، أغلق الباب خلفه ثم تقدم إلى الداخل حيث الصغير النائم على السرير كالملاك ، دنا منه و قبل رأسه ثم اعتدل واقفًا ليخرج هاتفه الذي يرن من جيبه : ألو .
وصله ذلك الصوت الأنثوي المرح : الحمد لله على السلامه .. دووووووبهم قالولي إنك وصلت.
عقب و هو يسير إلى حجرة الملابس : الله يسلمك ، كل عام و انتي بخير .
هتفت بقولها : وانتا بصحه و سلامه ، كيفك دحين يا قلبي .. عساك طيب؟؟ .
فتح خزانة ثيابه العريضة و هو يجيبها : بخير و الحمد لله ، انتي كيفك .. و عمّار اش أخباره ؟؟ .
: الحمد لله كلنا طيبين ، أقــــــلك .. بكره إن شاء الله زواج ياسر .
ارتسمت على شفتيه ابتسامة خفيفة و هو يأخذ ملابسه و يتراجع عائدًا : إيوه .. و صلني الخبر يا قديمه من رمضان .
هتفت بسخرية ضاحكة : أدري يا طويل يا هبيل ، بس قلت أذكرك ، آه .. المهم .. بكره الصباح راح تكون موجود فـ القصر ولا مشغول ؟؟!.
زوى ما بين حاجبيه و هو يعود إلى حجرة نومه : تبغيني فـ شي ؟؟!! .
ترددت للحظة ثم هتفت بمرح : هاه .. والله نفسي أجلس معاك شويه .. إنتا عارف إني مسافره بكره الليل إن شاء الله و ما راح أرجع إلا بعد سنه .
أجابها على الفور : أبشري ، متى جايه ؟؟.
زفرت مجيبة : والله الصباح بمر على صحباتي ، و الغدا عند أهل عمّار .. يعني على العشا إن شاء الله و أنا عندك .
وضع ساعة معصمه على الرف الزجاجي و هو يقول : خلاص أستناكِ .
هتفت بسعادة : أوكييييي .. يلا يا قلبي .. انتبه لنفسك .. مع السلامه .
رد عليها بخفوت : مع السلامه .
أنهى المكالمة ثم أعاد قراءة تلك الرسالة التي بعثها له أحد عملائه
------------------------ من أبو غازي-----------------------
تم إنهاء الإجراءات و موعد خروج أبو صهيب بكره الصباح إن شاء الله
-----------------------------------------------------------
ابتسم بخفة ثم رفع بصره إلى المرآة و تحسس تلك الشعيرات على ذقنه و التي لم يحلقها ، لقد عزم على الأمر ، تحرك إلى دورة المياه و عقله منشغل بعملية البحث لليلة الغد .. و رصيد من شجاعة ينبض بين أضلعه .
@@@@@@@@@@@@@@@@@
جده
أمام مطار الملك عبد العزيز الدولي
00 : 3 صباحًا
تلفت حوله بريبة و حقيبته السوداء في يده ، سار بضع خطوات للأمام و هو يضم معطفه إلى جسده و تلك القبعة تخفي معظم وجهه ، احتد بصره لمرأى تلك السيارة التي تضيء أنوارها من البعيد بنسق معين ، توجه إليها بخطوات هادئة متقاربة حتى أدركها ، ألقى نظرة متفحصة على قائدها ثم فتح بابها الخلفي و صعد ، أغلقه خلفه و الرجل يهتف : يالخواف !! .
ابتسم الراكب بسخرية و هو يضع حقيبته جانبًا و يعقب: فـ عينك يالثور .
نظر إلى ساعته و السائق يلقي سؤاله : و أغراضك وين ؟؟!.
أجابه الراكب: أرسلتها مع رياض ، حرك السياره .
أطاعه الرجل و التزم هو الصمت و عيناه تتابعان الأجواء من حوله بحذر كأنه يخشى أن يجد من يراقبه ، هتف السائق بعد بضع دقائق : الطريق سالكه ، ما ني شايف أحد .
زفر الرجل و هو يخلع قبعته عن رأسه و يلقيها جانبًا ، جذب تلك المرآة الصغيرة من جيب حقيبته و تطلع إلى وجهه لينفجر ضاحكًا : أما رياض هذا عليه أفكار !!!.
رفع السائق حاجبيه و هو ينعطف بالسيارة : دحين لعبت فـ وجهك كذا طول السفره عشان حشره !! .
مط عباس شفتيه و هو يعيد المرآة إلى مكانها : كله مكياج ، و بعدين يا ليتك تعرف الحشره هذا كيف ينشب فـ الزور إلين يطلع اللي يبغاه !!.
لم يظهر الاقتناع على وجه رفيقه و استرخى الآخر في مقعده و هو يغمض عينيه ، يدرك يقينًا أنه يبحث عنه الآن كالمجنون .. لمعت ابتسامته الخبيثة على شفتيه .. ليتركه قليلاً يتلوى على الجمر المحرق ببطء .. الــحـقـير !!.. لولا تدخله في سير الأحداث لما نفذت وصية الــــــــــولــــيــد كما أرادها .
فتح عينيه ليتأمل الدنيا من حوله .. سيمضي على وفاته ما يقارب الأربع سنوات.. و ها هي ليلة عيد جديدة بلا لقياه في جلسة .. سمر ! .
قبض على أصابعه ووجع ينبض في قلبه ، أغمض عينيه مجددًا .. و غاب مع ذكرياته .
@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@
|