جده
أحد شوارعها
00 : 10 مساءً
سأل عمه و عيناه معلقتان بالطريق : دحين ممكن تقلي وين تبغانا نروح ؟؟؟؟.
ابتسم أبو فيصل الجالس في المقعد المجاور : انت ما عندك صبر ؟؟.. يا خي كلها كم دقيقه و تعرف .
انعطف تركي بالسيارة مغممًا : عمي .. كان ودي نروح لعباس رأفت على طول .
هز عمه رأسه نفيًا : مشكله مسألة وراثة الطباع هذي .
التفت إليه تركي سريعًا ثم عاد ببصره إلى الطريق ، ضحك أبو فيصل في مرح ثم قال بجدية : يا ولدي .. مو كل الأمور تنحل بالقوه .. الواحد لابد يفكر اذا كان في طرق ثانيه أسهل توصله للمطلوب .
لم يعلق تركي و أبو فيصل يشير بيده إلى اليمين : لف هنا .
أطاعه تركي ، فأردف عمه و هو يشير بحماس : ذا اللي لونه رمادي .. ايه .... ثاني بيت .
أوقف تركي السيارة أمام فيلا أنيقة رمادية اللون ، فتح أبو فيصل باب السيارة هاتفًا : يلا .
نزل تركي و لحق بعمه في صمت ، توقفا أمام باب المنزل ، مد أبو فيصل يده و ضغط على مفتاح الجرس و لم تمض ثانيتين .. إلا و : يا هـــــــــــــــــلا يـــــــــــــــــا هــــــلا .
زوى تركي ما بين حاجبيه ؛ فالصوت مألوف له ، فُتح الباب و أطل منه ذلك الوجه الباسم الوقور : حيا الله أبو فيصل و حيا الله ولد الغالي .
اتسعت ابتسامة أبو فيصل و هو يدلف إلى داخل الفيلا : الله يحيك يا أبو مشعل .
أما تركي فقد حركت الدهشة الدماء في عروقه ، همس بدهشة : عبد الله صلاح ؟؟!!!!!!!!!.
.
.
.
.
امتقع وجهه عندما فرغ أبو فيصل من حديثه و ظهر ذلك جليًا في صوته : آه .. و الله يا أبو فيصل .. ما عندي أي خبر عن هذا الشريط .
نظر تركي إلى عمه الذي قال : أبو مشعل .. انت رجال و النعم فيك ، و لو ما أعرف قدرك و قيمتك ما كنت جيتك .
رد عليه أبو مشعل في احترام : ما عليك زود يا أبو فيصل .. بس والله مالي علم بالشريط و الحقيقه ..
و تنحنح قليلاً ثم أردف : عباس كان أقرب للوليد مني .. و أكيد يعرف أشياء كثيره ما أعرف عنها شي .
شبك أبو فيصل يديه و طرح سؤاله : انزين يا أبو مشعل .. أنا ودي أسألك سؤال و متأكد إن إجابته عندك .
تطلّع إليه أبو مشعل بقلق : تفضل يا أبو فيصل .
طرح أبو فيصل سؤاله بحذر : ليش سلطان غيّر اسمه ؟؟؟؟!!!! .
تراجع أبو مشعل في مقعده في صدمة لم يستطع أن يخفيها : اسمه ؟؟ .
أومأ أبو فيصل برأسه : ايه .. ليه غيره للوليد .. واش السبب ؟؟.
حار أبو مشعل في الإجابة التي سيلقيها و تعرقت يداه في ارتباك شديد : هوا ما علمكم ؟؟.
أجابه أبو فيصل بوضوح : امبلى .. لكني بسمع السبب منك .
ظهر الارتباك بصورة أشد على وجه أبو مشعل ..و هنا شعر تركي بأن هناك ما ينبغي أن يقوله .. شيء لا بد أن يُطرح في صلب النقاش ، هتف قائلاً : دريت باللي صار لحسن و شركائه يا أبو مشعل ؟؟؟.
التفت إليه أبو مشعل في حدة : حسن ناصر ؟؟!!!!! .
ثم صمت عندما أوقع نفسه في الفخ ، ابتسم تركي بغموض قائلاً : ايوه .. حسن ناصر .. الحمد لله إنك ميزته من بين الكل .. إلا .. إذا قريت الخبر فـ الجريده .
هز أبو مشعل رأسه نفيًا : ما أقرا الجرايد كثير .. و علاقتي بالتفزيون مي قويه .
قال تركي بهدوء : قتل مسعود فايز و مراد سعود .. و لقيوه غريق فـ خـزان .
اتسعت عينا أبو مشعل في صدمة : لا حول و لا قوة إلا بالله .
اعتدل تركي في جلسته : انتا أكيد عارف بالوصيه يا أبو مشعل .. لأنك و عباس كنتوا عند أبويه قبل وفاته .. و حسب ما عرفت إنك سمعت الوصيه قبلي .
قطب أبو مشعل حاجبيه : وصية ؟؟ أية وصيه ؟؟!!!!!! .
أجابه تركي في صرامة : الوصيه اللي سمعتها انتا و عباس .
تحدث أبو مشعل في اندفاع : يا ولدي ما دار بيني و بين أبوك أي شي مهم ذاك اليوم ، عباس اللي كان عنده و أول ما جيت انتا طلع ، و أظنك تتذكر إني ما كنت في الغرفه وقتها .
تراجع تركي في مقعده و هو يتأمله غير مصدقِ لحديثه ، وضع أبو مشعل يده على الطاولة أمامه مردفًا : صحيح كنت عنده ذاك اليوم لكن أول ما جا الدكتور طلّعوني و بعدها بشويه دخل عباس بطلب من أبوك شخصيًا .
ساله تركي في حيرة : يعنـ
قاطعه أبو مشعل و قلبه يخفق بخوف : تركي .. اش كانت الوصيه إذا .. ممكن أعرف .
التفت أبو فيصل إلى تركي .. تركي الذي قبض على ذراعي مقعده بشدة كأن قنبلة قريبة ستنفجر في وجهه و هو يغمم : أبويه .. طلب مني أنتقم من حسن و اللي معاه لأنهم قتلوا أمي .
هوى قلب أبو مشعل بين ضلوعه و جحظت عيناه في صدمة مدمرة و هو يتراجع في مقعده كالمصعوق ، هــــب تركي من مجلسه هاتفًا بحدة : أبــــــــــــــو مـــــــــــــشــعـل ؟؟ اش الـــــــــــــــلـي تــــــــــــعــرفـه ؟؟؟؟ عـــــــــــــــلــــــــــمـــــــنـــــي دحــــــيــن .
حدق أبو مشعل فيه .. لسانه معقود و صدمته عظيمة ، قلبه يخفق في جنون و عقله عاجز عن التصديق .
هتف أبو فيصل بقلق : أبــــــــــــــــــــو مــــــــــشــــــعــل ؟؟!!!!!!!!..
انتفض أبو مشعل في مجلسه و كأنما استيقظ من كابوس مزعج ، قبض تركي على كفه بحنق و هو يصيح : اش فــــيـــــــــك ؟؟؟؟... ليــــش ســــــــاكت ؟؟؟؟.. انـــــــــــــطــــــــــــــــق .
نهض أبو مشعل من مقعده بصعوبة و صدمة الخبر لم تفارقه ، توجه إلى مكتبه القريب و الرجلان يراقبانه ، أخرج سلسلة مفاتيحه من جيبه و استخدم أحد المفاتيح في ثقب الدرج الأول ، فتحه ثم مد يده و التقط شيئًا ما لُف في كيس أبيض ، خفق قلب تركي في انفعال شديد و هو يغمم بتوجس : اش هذا ؟؟ .
توجه أبو مشعل إليه و عيناه تتوهجان بدموع وشيكة ، نهض أبو فيصل في مقعده خوفًا من القادم ، توقف أبو مشعل أمام تركي و يداه ترتعدان ، قال بنبرات متوترة : خذ .. أبوك خلاه عندي و طلب مني أحتفظ فيه ..
رفضت و أصريت على رفضي ، قلي يمكن تحتاجه في يوم .. ما فهمت قصده .. لكنه ترجاني أحتفظ فيه .
مد تركي يده ليلتقط ذلك الشيء و هو يسأله بقلق : اش هوا ؟؟ .
هتف أبو مشعل : تــــركـــي .
رفع بصره إليه بتساؤل ، ابتلع أبو مشعل ريقه قبل أن يقول : أبوك اللي قتل أمك .
ارتــــــــــــــــــــد تركي في ذهــــــول و صاح أبو فيصل بصدمة : واش تــــــقـــــــــــول ؟؟!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!! .
تنهد أبو مشعل و قد غلبته دموعه و هو عاجز عن النظر إلى تركي : القصه طويله .
لم يرف لتركي جفن و قد تعلقت عيناه بأبو مشعل الذي لم تقوى قدماه على الوقوف فتهالك جسده على المقعد القريب : بعد المشكله اللي صارت بين أبوك وجدك.. تزوج أبوك و سافر للدمام ،علاقته معاها ما كانت تمام لأنه ما كان متقبلها بسبب مرضها و ضعف شخصيتها و إحساسه إنها أمانه ثقيله عليه ، كان قاسي معاها و جاف .. المهم .. خلاها على ذمته و وولدت هناك ، و كملوا حياتهم فـ الدمام إلين صار عمرك 8 سنين .. بعدها رجع لجده و استقر فيها .. هذيك الفتره كانت تجيه اتصالات من ناس غرباء إن زوجته الريم تخونه و إنها تدخل رجال للبيت لما يكون برا .. حاولت أحذره كم مره إنه ما يسمع كلامهم .. لكنه أصر يسوي شي عشان يتخلص من الوساوس .. و.. ركب كاميرات تصوير في البيت كله بدون علم أمك ، و مره فـ الليل جا يزورني و أنبته على اللي يسويه فيها و هيا المريضه اللي مالها أحد فـ الدنيا .. دار بيننا كلام كثير إلين دمعت عيون أبوك وحس بغلطته .
لم يبدي تركي أي حركة و أبو مشعل يتلقط أنفاسه و يردف : وعدني إنه بيعدل معاملته لها و رجع بيته .. دخل و .... لقى ظرف عند أمك .. جلست تبكي و تقله إنها أخته من الرضاعه و الدليل في الظرف اللي دخله واحد من تحت باب الفيلا .. ما فهم شي من اللي قالته إلين فتح الظرف و لقى أوراق .. مدبّس عليها
التزم تركي الصمت كأنه فقد الإحساس بكل ما حوله .. فقط .. صوت أبو مشعل هو ما كان يشعره أنه على قيد الحياة ، استحثه أبو فيصل في عصبية : ايــــــــــــــش ؟؟ .
هز أبو مشعل رأسه و هو يروي بصوت متهدج : صور خليعه لأ.. لها مع رجال غريب .
اقشعرّ جسد أبو فيصل و انعقد لسانه في جوفه ، استطرد أبو مشعل بصوت مخنوق : و .. و .. عصب و .. و قـتلـ
انفصلت روح تركي عن جسده .. و ذكرى غريبة لم تغب عن ذهنه تـــــــــــــــعود
■ ■ ■ ■
1409 هـ
: تــــركي .
فتح عينيه و هتف بضيق : هممممممم .
حمله والده بين ذراعيه و هو يهتف : شكله المكيف حق غرفتك خِرب .. أنزلك تحت عشان تنام في المجلس .
عقد حاجبيه و غمم بخفوت : باباااا ؟؟!!.
نزل والده مع السلالم و وجهه ممتقع : معليش .. بس شويه إلين يتصلح و أرجع أطلعك .
و بعد أن وصلا وضعه على أطول أريكة في المكان و منحه نظرة مطمئنة و هو يقول : لا تطلع إلين أقلك .. العمال طالعين نازلين عشان يصلحون و أخاف عليك إذا جلست هناك .. فهمت ؟؟!.
أومأ برأسه في طاعة و خوف و والده يغلق الباب ...... و لم يفكر طويلاً .. لأنه مرهق .. و غط في سبات عميق .
■ ■ ■ ■
لم يتمكن أبو مشعل من إتمام كلماته و تساقطت دموعه غزيرة : بعدها .. فاق و خرج من المكان و علمنا بالخبر ، عصبت عليه وقتها و انفجرت فيه و ليه ما استنى عشان يتأكد ، لكن و ين يتأكد و الصور توضح كل شي .
ابتلع شهقاته و أردف : قدر يخرّج نفسه من الموضوع بمساعدة عباس و اندفنت أمك بدون علم أحد ، خصوصًا انه مالها عايله تسأل عنها و مــ .. مراد أخوها ما يسأل عنها .. و لا يدري هيا وين ، بعدها غير أبوك اسمه كأنه يبغى ينسى سلطان و يبدأ حياه جديده و .. هذا اللي معاك .. الشريط اللي فيه .. فيه .. فيه تصوير الحادث .
خنقته غصة مريرة وسط ذهول أبو فيصل و صمت تركي الغريب ، أغمض أبو مشعل عينيه و غمم بصعوبة : أخذه سلطان و احتفظ فيه و .. قبل وفاته بيومين .. جاله اتصال من رقم غريب .. قله .. إن حسن و مراد و مسعود هما اللي كانوا يزعجونه و إنه .. واحد فيهم لبس عبايه على إنه حرمه ودق على أمك لما أبوك كان برا البيت.. أوهمها إنه حرمه كبيره في السن و مسكينه فدخّلتها أمك الطيبه و ما أدري كيف قدر يحطلها منوم في شي شربته .. صوروها و .... المهم إنهم كانوا يتصلون عليها و يهددونها و هما اللي ضحكوا عليها وقالولها انها تسير أخته من الرضاعه و عندهم الدليل .. و لازم تعلمه و تنهي الزواج و لاّ بيقولون لسلطان إنها عارفه من البدايه و ما تكلمت و
و ضع أبو مشعل يديه على رأسه : يا كثر كذبهم اللي كذبوه ، و أمك الله يرحمها كانت متدينه لكنها في نفس الوقت ضعيفة الشخصيه و ينضحك عليها بسهوله و .. أميّه .
ابتلع ريقه ثم استطرد : أبوك ما صدق المتصل و قفل السماعه فـ وجهه .. بس كان حاس انه في شي بيصير .. فأعطاني الشريط و اليوم الثاني .. وصله عن طريق مجهول تسجيل لحسن و اللي معاه و هما يتكلمون عن كل الحادثه بتفاصيلها كأنهم يحكونها لواحد و بعدها .. انهار أبوك .
سقط أبو فيصل على مقعده في انهيار تام و انخرط أبو مشعل في بكاء حار : الله يهديك يا سلطان .. الله يهديك .
أما تركي .. فلم ينبس ببنت شفه و لم تنم ملامحه عن أدنى تأثر ، تحركت قدماه نحو الباب ، فهتف أبو فيصل بضعف من شدة صدمته : تركي !! .
و لم يبدو عليه أنه سمعه بل واصل سيره نحو الباب و أبو فيصل يتمنى أن يلحق به لكن قدماه لم تسعفانه ، هتف بضعف شديد : أبو مشعل ... الحقه و اللي يخليك .. لا يـــســــوي بـــعـــمـــره شـــــي .
هب أبو مشعل من مقعده ليركض خلف تركي الذي غادر المكان : تـــــــــــــــــــــركــــــــــــــــــــــــــــــي !!.
رغم سنوات عمره التي تجاوزت الستين حاول أن يركض .. يركض و هو يصيح : يا ولدي يا تركي استنى لحظه .. تركي .
وصل إلى ساحة الفيلا الخارجية و إذا بصوت السيارة تغادر المكان ، صاح أبو مشعل بصوت منفعل : تـــــــــــــــركـــــــــــــــــي !!!!!!!!!!!.
اندفع نحو الباب الخارجي بطاقته المتبقية و إذا بأنوار السيارة تلوح من البعيد فهمس بعجز : لا .. لا يا ولدي .. لا لا .
@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@
الطائف
فيلا وداد
00 : 11 مساءً
كانت تبتسم للمتواجدين و تحدثهم برقة ، تحاول أن تخفي ما في نفسها .. لا تريد أن يشعر به أحد .. ، هاهي ربى تجلس على مقربة !! .. هي من أخبرته بما حصل ولا شك .. و لكن لماذا ؟؟!! لماذا لم تصمت ؟؟!! لماذا أفشت الأمر له ... لماذا لم تتحدث معها في الموضوع على الأقل قبل أن تفعل ؟؟.. هي السبب .. هي من صدتها مرارًا و لم ترد على اتصالاتها .. و لم تجد بدًا من محادثة عزام .
رمقت ساعتها الأنيقة بحركة سريعة .. ثم عادت ببصرها للنسوة و الفتيات " 00 : 11 مساءً " ؟؟!! .. متأكدة بأنه سيطلب رؤيتها .. و لكن متى ؟؟؟ .
: عـــروب .
التفتت إلى مصدر الصوت و كذلك والدتها ، ابتسمت وداد بسعادة و قالت : ممكن تساعديني شويه ؟؟.
نهضت عروب من مكانها على الفور هاتفة : أبشري .
سارت برفقة وداد نحو المطبخ و شعرها الحريري يتحرك خلفها بنعومة ، ابتسمت أم نواف و هي تقول بصوت مرتفع : بسم الله عليك يا نظر عيني .. الله يحفظك و يخليك لعزام .
احمرت وجنتا عروب من شدة الخجل ، التفتت إليها بسرعة و على شفتيها ابتسامة شكر خجولة ثم دلفت إلى المطبخ و الابتسامة تموت على شفتيها ، رفعت حاجبيها بإعجاب و هي ترى أطباق الحلوى الملونة المرتبة على الطاولة : ما شاء الله تبارك الله .. روعه.
ضحكت وداد و هي تمسكها مع كفها : لا تخافين راح أبقيلك .. تعالي دحين .
و فتحت باب المطبخ المؤدي للخارج فطالعتهما سلالم طويلة زوت عروب ما بين حاجبيها ، فربتت وداد على كتفها و همست : أخذت الإذن من الوالده .
سألتها عروب في حيرة : إذن ؟؟ .
ابتسمت وداد و هي تنادي : يــا عـــــريـــــــــــــــس .
: ســـمّــــي .
شهقت عروب في خفوت و هي ترى عزام يقف في أعلى السلالم و الابتسامة تعلو محياه ، أمسكت بها وداد و دفعتها للخارج برفق : ساعه و ما في زياده .
التفتت عروب إليها في ذهول : و اشو ؟؟ .
شهقت عندما جذبها مع يدها : تسلمين يا خالتي والله .. نردها لك فـ الأفراح إن شاء الله .
ضحكت وداد بمرح و أغلقت الباب خلفها ، صعدا السلالم و هي عاجزة عن النطق و هناك .. في الأعلى طالعهما ذاك المكان الشاعري المرتب .
.
فيلا وداد على مرتفع جبلي .. و من هذا المرتفع الآخر يبدو المنظر أكثر جمالاً و شاعرية .
ليلية من ليالي مدينة الطائف الهادئة الساحرة ، حيث الأنوار البعيدة على امتداد النظر و الجو العليل ينعش الروح و يجبرها على الابتسام .
تحركت خصلات شعرها و عيناها تعانقان الأفق ، أسرتها روعة المنظر و سلب لبها عطر الزهور الذي تحمله النسمات الباردة .
: عــروب .
التفتت إليه و قد تذكرت ما خططت له ، خفق قلبه .. فابتسم لِحُسنها : منذو مبطي و الطايف تحن تبيك .. و اليوم منوره بطلتك .
أطرقت برأسها و قلبها يخفق بانفعال شديد .. عليها أن تبدأ .. تخلع هذا القناع الزائف الذي يرتديه ، رفعت بصرها إليه بنظرات غريبة و قالت بلا مقدمات : ليش ارتبطت فيني يا عزام ؟؟.
لم ترق له نظراتها .. لأول مرة يرى عينيها النجلاوين تنطقان بتلك الرسائل الغريبة ، رسم على شفتيه ابتسامة خفيفة و قال : ما فهمت سؤالك .
ابتسمت بسخرية و هي تعقد يديها أمام صدرها : لا .. انت فاهمه و بكل وضوح .. ما أتوقع إنك بتتزوجني برضاك .. إلا .. إذا عمي أبو نواف أجبرك .
عقد حاجبيه .. ما بالها ؟؟!! .. ما هذا الأسلوب الغريب الذي تتحدث به ؟؟!! .. أله علاقة بذلك الموضوع ؟؟ .. ألياسر يد فيه ؟؟ ... ، تحدث بصرامة وهو يسلخها بنظراته القوية : هاتي اللب بدون لف و دوران .
لم تتصور نفسها في يوم من الأيام قادرة على مواجهة هذه النظرات القاسية .. لكن هاهي الآن تقف أمامه بثبات .. و إن كانت روحها تنتفض كورقة خريفية ، رصت على كلماتها و هي تقول : مستحيل الرجــــال يتزوج وحده شاك فيها إلا إذا كان مجبور .
و أردفت بسخرية : مسكين يا حبيب البابا .. لهذي الدرجه خفت منه و ما قدرت ترفـ
شهقت عندما جرها مع يدها بقسوة ، ارتعدت شفتاها و هو يتطلع إليها بعينين غاضبتين و أنفاسه تحرق وجهها : احفظي لسانك يا عروب .. احفظي لسانك يا بنت عمي ، و صدقيني .. أبوي لو زعل علي أسبوع بيرضى الأسبوع اللي بعده و السالفه ما تسوى .
أغروقت عيناها بالدموع أخيرًا .. إذاً فكانت محقة !!.. تزوجها بإجبار من والده .. ليس من أجلها فقط .. كان يعلم بحقيقة ما حصل لها مع فارس منذ البداية و لم ينطق .. و هي الغبية التي كانت تظن العكس .. كان تريد أن تصمت عن ما مضى و تبدأ معه حياة جديدة خالية من الشكوك .. بالتأكيد سيشك .. و ربى من قالت له .. و كيف لا يشك و هناك من رآها بين ذراعي ابن عمه ؟؟!!!. إذًا لماذا صمت إلى هذه اللحظة و لم يفاتحها في الموضوع ؟؟.. أيخدعها بالكلام المعسول و الوعود الكاذبة حتى توافق على البقاء بقربه إرضاءً لوالده ثم يكشر عن أنيابه بعد الزفاف و يصب اللوم عليها إن وقع الطلاق ؟؟ .... بالتأكيد هذا ما يفكر فيه .. فمن ذا الذي يقبل الزواج بمن يشك بها ؟؟؟ .
نفض يده قائلاً بصرامة : لو أبي أطلع منك الكلام بطلعه بالغصب و ما علي فـ أحد .. ما يكفي إنك خبيتي الموضوع عن ياسر .
هوى قلبها بين قدميها و هي تتراجع للخلف و كل اللوعة تنبثق من عينيها ، انقبض قلبه لمرآها .. ما كان ينبغي أن يكون جافًا فضًا بهذه الصورة و لكنها تستفزه ، أشاح بوجهه مغممًا : انسي كل اللي قلناه و خلينا نبدأ من جديـ
: طلـــقني .
التفت إليها في حدة هاتفًا : انتي ما عندك إلا طلقني طلقني .. تراك كبيره و عاقله و فاهمه إن الطلاق مو لعب .
كبتت على دموعها بإرادة من حديد و هي تتجاهل عبارته مغممة : لكن قبل ما ننفصل أحب أوضحلك الشي اللي انت فاهمه غلط .. لأن الإنسانه اللي واقفه قدامك تفضل النحر ولا يمس شرفها كلـــمه .
ابتسم باستنكار هاتفًا : عرضي و عرضك واحد يا بنت العم و
قاطعته على الفور و هي تدير ظهرها له خشية من أن يرى دموعها : الخسيس المنحط ولد عمك اللي سترت عليه هو و الخبيثه الثانيه على الغلطه اللي سووها ، أرسلي من جوال مروان رساله ذاك اليوم يقلي إنه تعبان و ينتظرني فـ الدور الثالث.. طلعت له ركض .. ومسكني فارس اللي كان سارق جوال أخوي و
شهقت و هي تشعر بجسدها يدور للجهة الأخرى و صرخة مدمرة تتفجر في وجهها : و اش سوالــــــــــــــــــــــــك ؟؟!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!
حدقت في وجهه المحمر من شدة الغضب و يداه تقبضان على ساعديها بقوة ، تمتمت بشفتين مرتعدتين و دموعها تتساقط : كمم فمي و هو يذكرني بالحادث و يأكدلي انه السبب و
قاطعها و عيناه متسعتان في غضب هادر : حـــــــــــــــــــــادث ؟؟؟؟؟؟!!!!!!!!!!!!!!.
همست بصوت متحشرج : هو اللي خطط مع السواق .
شعرت بجسده يتصلب .. و في ملامحه يشتعل كل غــــضب الدنيا ، شعرت بخوف يعتريها لعمق تلك المشاعر التي طغت على وجهه .. وضعت كفها بخوف على يده التي تقبض على ذراعها بشدة و هي تهمس : ياسر كشف الخدامه اللي اشتركت فـ اللعبه معهم و اعترفت بكل شي .. و كل هذا عشان لا أفضحه .
و ضيقت عينيها بحنق من ضعفها الشديد أمام تلك النظرات : هدني .. أنا اللي بكلم أبوي و بصر على الطلاق ..و بعدين .. انت مصدق عمرك اني بعيش معك ؟؟؟؟.
ثم جرت يدها بعصبية و هي تبكي : أنا عـــــــفت الرجال كلهم .. مالك أمان .. حتى أخوي و عزوتي شك فيني و حملني خطا ما ارتكبته .
دارت على عقبيها إلى السور .. توقفت أمامه و هي تمسح دموعها الغزيرة و جسدها ينتفض .. كيف ستنزل الآن أمامهم ؟؟!! .. عليها أن تلتقط أنفاسها أولاً .. و لكن ليس أمامه .. إذًا أين ؟؟!.
.
.
إذًا هذا هو سبب اختفاء فارس المفاجئ ؟؟!! .. ذلك الـ ##### .. ما من كلمات تصف مجونه .. فسقه و طغيانه .. ألا قلب له ؟؟!!... أهذا أمر يفعله عاقل في ابنة عمه ؟؟!!! من يبغي أن يذود عن عرضها بروحه و دمه ؟؟!!!!!!!!.
قبض على أصابعه .... أين يجده ؟؟!! أين من الممكن أن يجده و عمه يبحث عنه منذ فترة طويلة ؟؟!!! .
نقل بصره إلى السلالم و رآها تهم بالنزول ... يريد أن ينطق باسمها .... لكنه لا يقدر ..... الغصة تخنقه لصدمة الخبر .
نزلت أول درجة ...... و كانت هي الشجاعة بكلماتها الهادئة : رجاءً إذا فاتحوك فـ الموضوع قلهم إننا ما اتفقنا ، ولا تربط نفسك فيني أكثر عشان حياتك لا تسير جحيم مع وحده معقده نفسيًا .
و غابت عن عينيه خلف السور المصمت ، تاركة إياه فاغر فاه .. ، أشاح بوجهه عندما سمع صوت الباب وهو يُفتح و اقترب من السور في صمت تام .. أغلق عينه و الباب يغلق أخرى ثم فتحهما مجددًا و هو يهمس بحنق : و هدمت المخطط كله .
ضرب على السور بقبضته بعصبية : ويـــــــــــــن ألاقــــــــــــيــه هـــــــذاك الــــــــ ###### .. ويــــــــــن ألاقـــــــــــــيـــه ؟؟!!!! و ربــــــــــــــي مــــــا بــــــــــرحــــــــــمـــــــه لـــــــــــو طـــــــاح فـــــــ يـــــــــــدي .
أدخل يديه في خصلات شعره و قلبه ينتفض قهرًا و لوعة : يالله يا ياسر .. كيف قدرت تخفي قهرك و حرقة قلبك .. كـــــــــــــــــــيـــف ؟!!!!!!!!!!.
زفر بحرارة ملتهبة : لازم أدور عنه من يوم ما أرجع الرياض ... و ...
صمت و هو يخرج من جيبه جورية حمراء كانت سيهديها لها ، تحسس أوراقها بأصابعه .. و ابتسم بمرارة حينما تذكرها بفستانها الأحمر في ذلك اليوم .. كانت ضعيفة محطمة ، منهارة لم تقوى على كبت دموع الخوف .. ، ما بالها الآن ؟؟!! .. حاولت أن تتجلد بقوة زائفة لم تخفي شيئًا من ضعفها و رقتها .. ، هي السموم .. الطعنات .. حينما يعتادها القلب .. إن لم تقتله .. تقويّه .... ، شعور غريب في داخله يتصارع للظهور ... يريد أن يحتويها .. يضمها إلى صدره .. يخبرها بأنه سيكون بجوارها دومًا .. يمحي أحزانها .. يمسح دموعها .. يحتضن قلبها بكل الحب و الاهتمام ...... ولا يدري لِم ؟؟! ..... أهي صلة الدم ؟؟!! .. أهو ضعف كرهه في عينيها ؟؟؟ .. أهو شفقة على حالها عندما اغتيلت غدرًا ؟؟!!! .. لا ينكر أنه يشعر بقهر شديد على أن مــــسّـهـــا غيره .... و لكن مضى زمن التفكير في ذلك .. فقد أقدم على العلاقة و قد روض نفسه على تناسي تلك المشتتات.. علم بالحقيقة فقط .. و تناثر الشك الذي كان يؤرقه بحقيقة مرة .....
■ ■ ■ ■
..و بعدين .. انت مصدق عمرك اني بعيش معك ؟؟؟؟.
■ ■ ■ ■
رفع بصره إلى الأفق و همس : إيه .. مصدق يا عروب .
رمق الطاولة التي أخفى تحتها تلك الهدية ، ثم تنهد و هو يرفع هاتفه ، بحث عن الرقم .. ثم وضع السماعة على أذنه و هتف : ألو ... كيفك يا أبو رحم ؟؟!
.
.
.
وقفت عند مدخل دورة المياه بإضاءته الصفراء و مغاسله الرخامية ، وضعت يدها على صدرها و أنفاسها تتسارع .. حتى خفقات قلبها تتردد في أذنيها ، رفعت هاتفها مجددًا و نظرت إلى تلك الرسائل الثلاثة التي أتت خلف بعضها البعض من أرقام مختلفة لا تشبه ذاك الرقم
---------------------- *******059 -------------------------
تحسبين نواف يحبك !! ، ما تدرين إنه خاين و يلعب من وراك .. يضحك عليكِ بذاك الكلام و انتي مثل الهبله تصدقينه .
-----------------------------------------------------------------
.
---------------------- *******055 -------------------------
مصدقه حبه لك يالغبيه ، ما تدرين إنه من يوم ما يطلع من عندك يمر على الحبايب و ########
--------------------------------------------------------------
.
---------------------- *******059 -------------------------
حتى فـ رمضان مكمل الزيارات معانا ، انتبهي بس لا ينقلك مرض من كثر عشيقاته ..
--------------------------------------------------------------
.
كبت الضيق على أنفاسها ، وضعت يدها على بطنها و همست : لا يا عبير .. لا تصدقينهم و لا تخربين بيتك بيدك .
ازدردت لعابها ثم ضغطت مفتاح الاتصال على زوجها : المهم أبلغ نواف .
@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@
الرياض
فيلا أبو ياسر
في نفس اللحظات
رفع حاجبيه و هو ينظر إليها : يا بنت الناس الخدامه تجي و تشيلها لا تتعبين عمرك .
هزت رأسها نفيًا و هي تقرب طاولة الطعام المتوسطة من سريره : لا تعب و لا شي ، ارتاح انتا بس .
و خرجت من الحجرة لتحضر أطباق العشاء التي أوصلتها الخادمة للمدخل ، ابتسم و التفت إلى الطاولة .. ضغط بيديه على السرير تمامًا كما كان يفعل في تمارين العلاج الطبيعي و زحف قليلاً نحو الطرف .. ثم أمسك بإحدى رجليه و رفعها ليضعها على الأرض ، عادت مجددًا و توقفت مكانها و هي تراه يضع رجله الأخرى على الأرض كذلك .. ضيقت حدقتيها بحزن على حاله و إذ به يلتفت إليها .. محت النظرة مباشرة و هي تقترب وتضع الأطباق على الطاولة ، أخذت ترتبها بتفاني و هو يراقبها و يقول بمرح : الحين انتي الضيفه و أنا المفروض أضيفك .
اتسعت ابتسامتها و قالت بصوت خجول : خيركم سابق ، بس راحتك أهم .
و جلست على الكرسي المقابل له ، أشار إليها بيده : سمي .
خفضت عينيها بخجل ، فهز رأسه بابتسامة لم يمحيها .. أمسك بشوكته الفضية و أخذ قطعة صغيرة من طبق - المشاوي – المشكلة ثم رفعها إليها قائلاً بخفوت : من يدي .
اشتعلت نفسها بحرج لا مثيل لها و تحولت وجنتاها إلى جمرتين متوهجتين ، فركت أصابعها بتوتر شديد و هي تصك على أسنانها .. أردف قائلاً : يلا .. عشان تنفتح نفسي و آكل .
تصاعدت أبخرة الخجل من أذنيها و هي ترفع كفها ببطء لتمسك بالشوكة ، ابتسم و لم يعلق .. لم يشأ أن يحرجها أكثر و هي زيارتها الأولى .. لذلك تركها تأخذها .. ثم صرف بصره إلى طعامه و أمسك بالملعقة و هو يقول : إن شاء الله باكر بتشوفين هلي .
شعرت بإحباط غريب و خوف مبهم ، رمقها بنظرة سريعة .. و فُضحت روحها الشفافة كالمعتاد .. عاد إلى طعامه و أردف بمرح بعد أن تناول لقمة بسيطة : أمي من أطيب الناس .. صدقيني بتحبينها و هي بعد بتآخذك بالأحضان .
لمعت في عينيها لمحة أمل ، و أتم حديثه و عيناه معلقتان بها : و بالنسبه لخواتي فهم ثنتين ..عبير الكبيره .. متزوجه نواف و لدي عمي ، و عروب الصغيره مملكه على عزام أخو نواف .. و أخيرًا أخوي مروان عمره 10 سنوات يعني رابع ابتدائي .. عاد هذا أبو النكت و بتموتين من الضحك على سوالفه .
ابتسمت .. و لم تسأل عن شيء .. و في خلدها تدور دوامة من الأسئلة ..هل سيتقبّلونها حقًا ؟؟ أم أنهم سيحتقرونها لأنها بلا عائلة حاليًا ؟؟ أو .. لأن أصلها من عائلة بسيطة .
لاحظ الوجوم البادي على وجهها ، فهتف بخفوت : توتو .
انتفضت لصوته .. بل .. للاسم الذي نطقه ،رفعت بصرها الخجول إليه فقال بحزم حاني : أنا بجنبك .
خفق قلبها و اندفع الدم بغزارة إلى وجنتيها فقال بمرح لينتشلها من غمرة الخجل : و الحين ممكن تعطيني الشطه ؟؟؟.
ضحكت برقة و هي تمد له بطلبه : تفضل .
@@@@@@@@@@@@@@@@@@@
]