الرياض
فيلا الجازي
00 : 5 عصرًا
هتفت و هي تجلس على السرير : بعد التراويح طالعه .. بس
قاطعها صوت مرام الحازم : لا بس ولا شي .. خليكِ شجاعه و ادخلي فـ عيونه ، و الله لو دار الدنيا و حفي ما راح يلاقي وحده زيك .
حركت تساهير رجلها في توتر و هي تغمم : و .. و .. إذا رفض ؟؟!.
ردت عليها مرام فورًا : ياسر و أنا أعرفه .. صدقيني .. بعد التهزيء اللي أخذه مني أفكاره تغيرت.. ياسر قلبه أبيض و يفكر ستين مره قبل ما يسوي شي .. و أنا متأكده إنه طول الأيام اللي راحت وهوا يفكر فيكِ.
ابتسمت تساهير بسخرية مريرة و همست : إن شاء الله خير .
هتفت مرام : على المغرب تخلين الخدامات ينزلون الشنط للسياره .. و لما توصلين بالسلامه سوي اللي قلتلك عليه ، اليبت فاضي و بتآخذين راحتك .
تمتمت تساهير : شنط ايه .. بس بآخذ معايا شنطه صغيره و الباقي بخليه هنا .
صاحت مرام في استنكار : ايــــــــــــــــــــــــيييييييييه ؟؟؟؟؟؟؟؟؟!!.
لم تقوى تساهير على النطق فدموعها تكبت على أنفاسها بشدة ، عاد صوت مرام ينساب في أذنها بلطف : براحتك .
و صمتت للحظه ثم استدركت : عارفه يا تساهير .. كنت فـ موقفك فـ يوم من الأيام و سوسو الله يسعدها قالتلي أحاول و إذا ما قدرت أكمل ليا بيت أرجعله ، و هذا نفس وضعك .. فيلا الجازي لك .. خلاص صارت باسمك .. يعني لا تخافين ..انتي اللي بتسوينه محاولة مو أكثر .
أومأت تساهير برأسها متمتمة: أحاول .. أوعدك اني احاول .
قالت مرام برضا : ايوه .. كذا أبغاكِ .. يلا يا قلبي .. قومي دحين و جهزي اللي بتلبسينه عشان لا تتأخرين .
هتفت تساهير و هي تهم بإنهاء المكالمة : إن شاء الله .. يلا .. مع السلامه .
وضعت هاتفها جانبًا و نظرت إلى وجهها المحمر في المرآة ، مسحت دموعها الغزيرة : هذا تحدي يا تساهير .. و لازم تنجحين فيه .. ..انتي ما ارتكبتي شي غلط .. ليش خايفه ؟؟ .
التفتت إلى سريرها و نظرت إلى الثياب الأنيقة التي سترتديها ، همست بخوف : يا رب .. أعني يا الله .
@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@
جده
منزل منى
30 : 6 مــساءًا
تصلبت قدماها و هي تقف عند باب المنزل و أصوات البكاء تصل إليها من الداخل ، مالت فدوى على أذنها من الخلف هامسة : رهف ؟؟.
رفعت بصرها ببطء إلى الأمام و جسدها ينتفض ، مات ؟؟!!! .. من هو ؟؟!!!! .. يقولون بأنه والدها ..... ذلك الذي ضربها ...... لا تشعر نحوه الآن سوى بالكره ... تلاشى قليلاً عندما علمت بوفاته و .. ولكنها لا تريد أن تظلمه ...... ربما كان طيبًا معها في طفولتها أو بعد ذلك .. و .. لماذا لا تسأل تلك المسماة هديل ؟؟!! .. و لماذا تسألها و قد مات ... أللحظة واحدة ستسلم فيها عليه قبل أن يدفنوه ؟!!.
خطت خطوة إلى الداخل و فدوى بجوارها ، ابتلعت ريقها و الأصوات تزداد و من خلفها صوت رجل مألوف : يا بنات استهدوا بالله .. و انتبهوا لأختكم .
التفتت إلى الوراء ببطء .. إنه ذلك الشاب الذي اصطحبهم من المستشفى .. و لكن لماذا ليس تركي ؟؟ .
انتفض قلبها بين ضلوعها و هي تضع يدها على جبينها و تهمس : راسي .
قبضت فدوى على كتفيها بحنان : اخلعي الغطا عن وشك .
رفعت يدها ببطء لتزيل الغطاء عن وجهها .. تجاوزت الممر الصغير ببطء لتصل إلى صالة متواضعة ، سمعت صوت إغلاق باب الشقة خلفها .. تلاه صوت فدوى و هي تهمس : يلا يا رهف .
التفتت ببطء إلى اليسار و اقــــــــشـــعــر جسدها .. شعرت بروحها تطفو على جمر محرق تتغلغل حرارته الموجعة في شرايينها و أوردتها لتستقر بين ضلوعها .. ذلك المخبأ .. منبع آلامها و آمالها .. حبها و أحزانها .. كادت أن تقع أرضًا لولا أن أمسكت بها فدوى هاتفة : رهــــــف !! .
التفت إليها أخواتها و ركضت هديل نحوها و هي تهتف باكية : رهــــف .. حـبـيـبـتـي .
لم تلتفت إلى واحدة منهن و عيناها معلقتان بذلك النعش الطويل .. يحمل جثة ضخمة عريضة مغطاة بـ - مشلح – بني اللون .... كُشف الوجه قليلاً ليبدي عن ملامح لا زالت تذكرها ..... سببت لها جراح غائرة لم تندمل بعد .. فاضت عيناها بسيول مغرقة و هديل تساعدها على الجلوس على الأريكة بمعاونة فدوى : حبيبتي .. ارتاحي .
لم تكن تشعر بهم .. لا تشعر بلمساتهم الحانية .. و لا بكلماتهم المهدئة .. شعرت بروحها تخرج من جسدها .. تفارقها .. جسدها يغرق في دوامة ليس لها قرار و
: رهـــــف .. رهــــــــــــــــف!!
تطلّعت بنظرة خاوية إلى تلك التي تصفع وجهها ، ملامح غريبة لا تعرفها .. لكنها تشبه تلك التي تراها دائمًا في المرآة ... إنها تحرك شفتيها .. لكنها لا تستطيع التركيز فيما تقول .. ذهنها مشوش .. و الدنيا من حولها تدور ، قبضت بقوة على تلك الكف التي تمسك بها و همست بصوت لاهث : طلعيني من هنا .. بــ ـسـ ـرعـ ـه .
و أغمضت عينيها بقوة ثم هزت رأسها بعنف و هي تصيح باكية: ما أبـــــــــــــــــغى أسمـــــــــــــــــــع شي .. ما أبــــــــــغى أشووووووووووووووووووف .. طـــــلــــعــــــونيييييييييييييييييييييييييييييي .
و انخرطت في بكاء حار و هي تدفن وجهها بين كفيها : ما أبغى .. ما أفتكر شي .. ما أعرف شي .. مو فاهمه شي .. ارحموني .. ارحموني و طلعوني من هنا الله يخليكم .. أنا تعبانه .. يكفي ... يكـــــــــــــــــــفـــــــــــيييييييي .
تبادلت شقيقاتها نظرات متألمة باكية و فدوى تربت عليها هامسة : حاضر يا حببتي .. يلا .. يلا أومي .
ساعدتها على النهوض و قادتها إلى الباب الخارجي .
هزت منى رأسها بحنق و هتفت : حسبي الله عليك يا النذل .. حسبي الله عليك اللي ضيعتها كذا .. حسبي الله عليك .
احتضنتها غدير لتنفجر الاثنتان بالبكاء و تجثوان بجوار النعش الطويل ، شهقت هديل بحرقة و ركضت إلى باب الشقة الذي خرجت منه رهف ، هتف منادية من خلف الباب: مــــــــــــــــــــازن .
التفت إليها و اقترب منها قائلاً : نعم يا هديل .
ابتلعت غصتها و همست : انتا روح ودي رهف البيت .. و نادي زوج منى عشان يطلعون النعش .. يلا .. عشان تلحقون توصلونه للمسجد .
أجابها باقتضاب : خير .. أنا نازل و افتحوا طريق للرجال .
.
.
.
استندت على فدوى و هي تنزل الدرجات خطوة خطوة .... والدها مات ؟!!! ... كيف ؟؟!! ... كيف مات ؟؟!!! .. تركي تحدث عن انتقام .. فهل من الممكن أن
شهقت بعنف شديد و هي تفقد الشعور بقدميها ، أمسكتها فدوى بقوة و قلبها يتمزق .. لن تـــحــتـمـل رهف هذا الألم .. لن تــحــتــمــل هذه الحقائق التي تندفع إليها بشراسة بعد راحة طويلة....
همست بصوت متحشرج و هي تغلق عينيها : ماني قادره أمشي .. حطيح .
رفعت فدوى بصرها لمسمع تلك الخطوات القريبة و إذ بمازن يقف في أعلى الدرج ، رفع حاجبيه قائلاً : اشــبها ؟؟!!!.
أجابته فدوى بخفوت : تعبانه شويه .
نزل على الفور و أمسك بعضدها بلطف : تعالي أشيلك .
صرخت بعصبية مرهقة و هي تبتعد عنه و تلتصق بفدوى : ابـــــــــــعد عنـــــــــــــــي .
تجمدت ملامحه و هو يتطلّع إليها .. تنتفض خوفًا منه و هو شقيقها ؟؟!!!! سمع الأخرى تهمس : رهوفه حببتي .. دا أخوكِ مازن .
هزت رهف رأسها رفضًا .. لا تريد ... لا تريد أن يمسها رجل ... لا تريد .... هي لــه فقط .... ولكن كيف ؟؟!!! .. ربما قتل والدها ؟؟!!! ..
فرت من بين شفتيها صيحة باكية أخيرة ثم انهارت فاقدة الوعي ، شهقت الطبيبة و هي تمسك بها : يا حببتي .
حدق مازن فيها للحظة و تفسير وحيد يومض في عقله لما يجري .. لما يحدث لها .. يرهقها .. يبعثر كيانها .. يجعلها تنفر من الانغماس في حياتها الجديدة مع عائلتها الحقيقية .
تنهد في حرارة و قال و هو ينحني ليحملها : يلا .. الرجال بينزلون .
وحملها بين ذراعيه و امتطى باقي السلالم و فدوى تسير خلفهما .
@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@
الطائرة
في الطريق إلى جدة
00 : 9 مساءً
رفع أبو فيصل حاجبيه و هو يمسك بكوب العصير و هتف باستنكار : قتلهم الثنين ؟؟!! حتى مراد ؟؟!!.
أومأ تركي برأسه و هو يتراجع في مقعده : إيوه .
انتفض قلب أبو فيصل و هو يتراجع في مقعده بدوره ، فمراد يصبح ابن عمه .. ، ولّى وجهه شطر المقعد أمامه و زفر في حرارة ... غريبة هي الدنيا !!.. كئيبة موجعة !!.. ابن عمه الذي لم يره في حياته يموت مقتولاً ولا يعلم عنه شيئًا .. ربما كان هذا سبب اتصالات إخوته التي تجاهلها اليوم .. ابن عمٍ منحط خسيس هدم حياة شقيقته و لم يبالي ..... ، هز رأسه في أسى .. شحناء و بغضاء انتشرت كانتشار النار في الهشيم بين أبناء العمومة .. الإخوة و الأشقاء .. الآباء و الأبناء .. ابتلع غصته عندما تذكر فارس و همس بألم : يا ربي رحمتك .
التفت مجددًا إلى تركي الذي تعلق بصره بالمنظر خارج النافذة في هدوء تام .. أي شيء يخفيه في صدره ؟؟!! .. يشعر بأنه يحمل هموم الدنيا كلها بين جنبيه .. يعاني سمًا زعافًا يسري في جسده كسريان الدم في العروق .. و لكنه لا يظهر شيئًا .. و لا ينطق إلا بالقليل .. أي شاب هو ؟؟؟!! .. كيف استطاع أن يواجه تلك المصائب رغم سنه الذي لم يتجاوز العقد الثاني ؟؟!! .. صدمته بأعمامه الذين من المفترض أن يقفوا إلى جانبه .. و بعدها مباشرةً تلك الوصية الرهيبة .. و أخيرًا وفاة والده !! .
عاد ينظر إلى كوب العصير في يده و هو يغرق في تفكيره ..... رغم كل ما حصل لم ينس شقيقته الوحيدة .. لم يجازيها بما اقترفته والدتها .. بل سعى لحمايتها و تزويجها من الرجل الكفء ، لا يبالي بسعادته .. بل المهم سعادة من يحبهم فقط .
وضع كفه على جبينه من كثرة الأخبار التي طرحها عليه تركي ، ثم غمم و هو يضع الكوب على الطاولة : انت دريت باللي صار لياسر ؟؟؟.
التفت إليه تركي بحاجبيه المعقودين : لا .. خير .. عسى ما شر !!.
تنهد أبو فيصل مجيبًا : جاته طلقه من واحد مجهول و انشلت رجوله .
اتسعت عينا تركي في صدمة و هتف : مـتـــــــــــى هــــــــــــــــذا الــــــــــــكـــلام ؟؟!!!!!!!.
غمم أبو فيصل و هو يلتفت إليه : قبل شهر تقريبًا .. أكيد عزام ما خبرك لأنه انشغل بملكته و بنت عمه و .. صدمة ياسر .
سأله تركي على الفور : و تساهير عنده ؟؟!!.
ابتسم أبو فيصل و هو ينظر إلى ساعته : يمكن بعد ساعه أو ساعه و نص تكون عنده .
رفع تركي أحد حاجبيه في توجس و قال : ما فهمت ؟؟!.
ربت عمه على كتفه و قال بهدوء : صحيح ياسر ارتبط فيها .. لكن تقديمها لأهله على إنها زوجته يحتاج لوقت .
هتف تركي بلا تفكير و الغضب يمس ملامحه : يعني إلى الآن ما أحد يدري إنها زوجته ؟؟.
ضحك أبو فيصل و هو يقول : : هذي مشكلتك يا تركي .. مثل أبوك .. متهور ومتعجل .
رفع تركي أحد حاجبيه بضيق و أبو فيصل يقول : أنا ودي تكون بجنبه اليوم قبل باكر .. لكن الأمور ما تنحل بهذه السرعه ، يعني انت احسبها من كل النواحي .. هو الولد البكر .. و انت تدري بأخلاق أبوه .. لا بد نقدم له الموضوع بطريقه ذكيه عشان لا يعصب و يقّوم الدنيا و ممكن يجبره على طلاقها .
قبض تركي على يد المقعد في عصبية و غمم بهدوء لا يصف ما في داخله : و الحل ؟؟؟.
ابتسم أبو فيصل و هو يربت عليه مجددًا : اسألني بالأول ليش مهتم في البنيه و عقب قلي و الحل .
@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@
الرياض
فيلا أبو ياسر
30 : 9 مساءً
اقشعّر جسدها خوفًا و رهبة و ازداد خفقان قلبها المرتعد ، لم تقوى قدماها على السير أكثر فتوقفت في مكانها .. كل شيء الآن أصبح حقيقة ..
هذا ما دار في خلدها و هي تقف أمام الباب الرئيسي للفيلا ، فيلا أبو ياسر .
.
ُفتح الباب .انتفض جسدها و همت أن تهرب ..
: تفضل مدام .
دققت النظر في الخادمة المبتسمة التي تقف عند الباب و هي تقول : تفضل .
ابتلعت ريقها و أنفاسها تتسارع أكثر فأكثر ..** ليتني رفضت .. اش الغباء هذا اللي خلاني أوافق ؟؟؟
اش الجراءه هذي ؟؟ ..كان انتظرت أبو فيصل على الأقل .. **
شعرت بكل شجاعتها تنهار و بروحها تضعف و إذ بهاتفها يرن ، رفعته على الفور و إذ بالماء البارد ينسكب على نيران صدرها : ألو عمي .
أتاها صوت أبو فيصل الوقور : تساهير .. هاه يا بنتي وينك الحين ؟؟ .
قبضت على أصابعها الباردة ثم شهقت بخفوت لتنهار دموع غزيرة من عينيها ، لا تقوى .. لا تقوى على المواصلة .. لا تقوى على مواجهته .. لا تقوى الجلوس بقربه و هو الذي لا يطيقها ، فكيف بمواجهة مجتمعه وعائلته ، تحدث أبو فيصل بحنو : بنتي ؟؟ .
أتاه صوتها المتحشرج : عمي .. أنا خايفه .. ما أقدر .. ما أقدر .
هتف بحنان أبوي : يا بنتي .. أنا معك .
هزت رأسها نفيًا و دموعها تغرق وجهها : صـــ ــعــ ـب .
زفر في حرارة : أوعدك .. اذا ما ارتحتي بترجعين لفيلا الجازي ، و ما بضغط عليك مره ثانيه .
استنشقت كمية كبيرة من الأكسجين قبل أن تتمتم : طيب .
قال بلطف : يلا .. وريه إنك القويه اللي بتملك قلبه .
خفق قلبها بعنف و أبو فيصل يستطرد : أحاول أكلمك من فتره لفتره .. و إذا احتجتي أي شي .. لو بس تبين تفضفضين دقي علي ولا يردك إلا لسانك .
و تذكر كلمته المعتادة : و لو ردك قصيته لك .
ابتسمت بامتنان و هي تهمس : تسلم يا عمي .
و دعها بقوله : الله يوفقك يا بنتي و ييسر لك أمرك .. مع السلامه .
همست : مع السلامه .
أنهت المكالمة و قبضت على شريط حقيبتها و هي تسير ، امتطت الدرجات الأربع ثم دلفت إلى داخل الفيلا ، خلعت غطاءها عن وجهها و الطرحة من فوق رأسها ، ابتسمت الخادمة و قالت : بابا كالد قول طلع انتا فوق عند بابا ياسر .
ابتسمت لها تساهير بارتباك و هي تمد يدها لمصافحتها : أهلاً .. اش اسمك ؟؟ .
اتسعت ابتسامة الخادمة و هي تصافحها : نسيمه .
أعادت تساهير يدها إلى جوارها و سألتها : طيب يا نسيمه و ين غرفه بابا ياسر ؟؟.
أشارت لها الخادمة : تفضل مدام .
تأملت تساهير المكان من حولها في توجس .. كان الهدوء يغلف المكان و الأناقة تنطق في كل ركن من أركانه ، سارت مع نسميه حتى وصلتا إلى باب أنيق مربع الشكل ، توقفت تساهير و هي تنظر إلى الخادمة بقلق ، أشارت الخادمة إلى الباب قائلةً : هدا قرفه بابا ياسر .
شكرتها تساهير باقتضاب فغادرت الخادمة المكان على الفور نزولاً إلى الدور الأول ، التقطت تساهير أنفاسها المخطوفة وهي تشعر بالدنيا تميد من تحت قدميها ، وضعت كفيها على جانبي رأسها و هتفت بصوت لاهث : يا رب .. يا رب قويني يا رب .
انتظرت لدقائق و هي ترسم صورًا بشعة لما سيحدث في الداخل .. تدرك يقينًا أنها ستخرج من المكان محطمة الفؤاد .. لكنها على الأقل لن تلوم نفسها على عدم المحاولة .. مدت يدها المرتعدة و طرقت الباب ، انتظرت للحظة .. ولكن لم يأتها أي رد ، طرقته أخرى و هي تحاول أن تسيطر على أعصابها و
: تـــــــــــــــفــــــــــضــل .
ارتعدت فرائصها رغمًا عنها و اختنقت أنفاسها في صدرها و صوته يزيد من ثورة مشاعرها: تــفضل يالضيف .. حياك .
تساقطت دموع الرهبة من عينيها و اصفرّ وجهها .. و لكنها قاومت .. قاومت باستماتة و هي تمسك بمقبض الباب .. فتحته في هدوء ، اصطدمت بروحها رائحة العود و جمدت أطرافها برودة المكان .
كان أمامها جدار مزين بأجمل اللوحات و على الجانبين .. مدخلان مصممان على الطريقة المغربية ، لم تدر إلى أين تتجه و لكنها سمعت صوته القوي مجددًا : يمينك يالطيب .. تفضل .
استنشقت كمية أخرى من الأكسجين و قلبها يوشك على الانفجار ، تقدمت ببطء و اتخذت الناحية اليمنى .. ممر بسيط و في آخره يبدو لها جزء من حجرة أنيقة .. لمحت لون أثاثها البحري الهادئ .. توجهت إلى الداخل و هي تذكر الله في كل خطوة ، أغمضت عينيها بقوة و هي تقترب ** يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث .. أصلح لي شأني كله و لا تكلني إلى نفسي طرفة عين **
فتحتهما و هي ترفع رأسها ولوجًا إلى المكان : السلام عليكم
.
تصلب وجهه و تسمرت يداه .. و تعلقت عيناه بالـ *ـضيف* الذي أمره عمه باستقباله .
.
ارتبكت لمنظره ..
.
يجلس على السرير بقميصه الأنيق ذا اللون الرمادي و خلف ظهره عدد كبير من الوسائد ، شعره الأسود مصفف بعناية و ملامحه اللطيفة تشف عن صدمة مفاجئة .
.
وضعت خصلة من شعرها خلف أذنها و هي تهمس بارتباك : الحمد لله على سلامتك .. ما تشوف شر إن شاء الله .
ثم أطرقت برأسها و أصابعها الرقيقة تداعب طرحتها : آسفه إذا فاجأتك .. أنا عارفه إنك ما تبغى تشوفني ..
و إنه وجودي يضايقك .. لكن .. حبيت أتحمد لك بالسلامه .
عضت على شفتها بخوف .. تنتظر منه كلمة .. حرفًا .. لكن .. لا إجابة ، قبضت على طرحتها قبل أن ترفع رأسها مجددًا .. لتجد جانب وجهه مقابلاً لها و عيناه معلقتان بالجدار الذي أمامه ، أغروقت عيناها بالدموع .. تتمنى أن تعرف السبب .. سبب كرهه لها بهذا الشكل .. هزت رأسها بتفهم دون أن تنطق و أدارت ظهرها له و لم يخفى صوتها المتهدج : مع السلامه .
و لم تكد تخطو خطوة إلا ..
: لـــــــــــــــــــــحظة .
انتفضت في مكانها ولم تتحرك و صوته القوي يعود ليملاً المكان : اجلسي .. لازم ننهي الموضوع اللي بينا اليوم .
اقشعرّ جسدها .. أي موضوع هذا ؟؟ .. هل يعني الطلاق ؟؟ .. أم شيئًا آخر ؟؟ ..
لن تعارضه إن قرر الانفصال .. بل على العكس .. سترتاح نفسيتها أكثر .. سوف تشعر أنها حرة و ليست مرتبطة بإنسان يكرهها .
.
التفتت ببطء و لمحت المقعد القريب من السرير ، سارت إليه و هو يراقبها .... و قلبه يرفرف بسعادة لا متناهية .... أحلم هو ؟؟!! .. سراب .... أم واقع ؟؟.... تقف أمامه .. في حجرته .. أيعقل ؟؟!! .
جلست بكل هدوء ، فأشاح ببصره و في نيته أن يعلم بكوامن نفسها الآن ، حضورها إلى هنا يعني الكثير .. لكنه لن يعلق آمالاً قد تحطمه فيما بعد ، فهو عاجز .. سألها بقوله : اش اللي تبغينه مني بالضبط ؟؟ .
صعقها سؤاله فرفعت رأسها بحدة و هتفت بحرقة : اش اللي أبغاه منك ؟؟ مو ناقصني شي اذا قصدك فلوس .. شكرًا .. أبو فيصل مغطيني بخيره .. و ما ني محتاجه منك أي شي .
التفت إليها فأشاحت بوجهها على الفور تمسح دموعها المتساقطة ، ابتسم في داخله .. تمنى لحظتها لو يلتقط دموعها بقبلة رقيقة على وجنتها ، سألها بكل هدوء : واش الداعي للبكا ؟؟ .
زمت شفتيها بألم و أغمضت عينيها بقهر .. قلبها لم يعد يحتمل ، لم يعد يحتمل المزيد ، شهقت و هي تجيبه : اش الداعي ؟؟!! تسألني اش الداعي ؟؟!! ما أعتقد إنك ما تحس لهذي الدرجه و إنتا اللي شايل عليا في قلبك ، أبغى أعرف اش اللي سويته لك عشان تكرهني لهذي الدرجه .. صدقني .. ما أبغى منك شي .. حتى لو طلقتني و الله ما راح أقول لا و لا أهتم ..لكن اللي يهمني .. إننا نكون متصافين ، ما أبغى أحد يشيل عليا فـ نفسه.
التقطت أنفاسها و استطردت باكيه :أنا .. أنا ما خططت للي صار ،هما اللي نوموني و رموني عليك .. و بعدين كنت مضطره أساعد أمي .. أسوي أي شي عشان أطلعها ،اش كنت تبغاني أسوي .. أتركها و لا أسأل ؟؟؟.. أخليها تتعذب و أنا هنا .. كنت أقدر أكذب على أبو فيصل و أقله إن أمي ماتت عشان أتمتع بالفلوس .. لكن لا .. أمي كانت أهم عندي من نفسي .. و لو الدنيا كلها انقلبت عليا ما راح أخليها ،أحارب الدنيا كلها عشانها هيا و بس .. و الحمد لله .
و اختنق صوتها و هي تتمتم : راحت للي أرحم مني و من كل مخلوق.
اعتصر قلبه لكلماتها .. قبض على لحافه خفية .. إذًا فقد أتت لذلك الحلم الذي راوده ؟؟!! .. أتت لتعيش معه ؟؟!! .. ولكنه عاجــز .. كم يوجع أحاسيسه هذا الأمر !!.
رفع بصره إليها عندما نهضت هاتفة : الطلاق أرحم لي و لك ، و إذا على أبو فيصل .. بقله إن أنا اللي طلبت الطلاق .. ارتباطي فيك ما بيقدم أو يأخر شي .
كتم ابتسامته و غمم بخفوت : اجلسي .
رمقته بنظرة موجوعة و قالت : اش تبغى؟؟ .
أشار إلى المقعد قائلاً : اجلسي .. قلتي اللي عندك و انتهيتي .. الحين جا دوري .
أخرجت منديلاً من حقيبتها و أخذت تمسح دموعها و هي تجلس هاتفة بنبرة طفولية محببة : نعم ؟؟ .
شبك أصابع يده ، يرتب لكلمات طويلة .. يريدها أن تجلس بقربه لفترة أطول : موضوع الطلاق انسيه حاليًا . اتسعت عيناها في صدمة و هو يستطرد بهدوء : مثل ما كانت هامتك صحة أمك الله يرحمها .. أنا بالمثل تهمني صحة عمي أبو فيصل .. و هو اللي طلب مني أخليك على ذمتي .. ما رديتله فـ حياتي طلب و مو مستعد أرده هالمره .
اضطربت أنفاسها .. إذًا .. ستظل معلقة به ؟؟!!.
تنفس الصعداء ثم قال و على وجهه ارتباك خفيف : أنا ..
تنحنح و قلبه يخفق أملاً بين أضلعه ، ثم أردف : .. أنا .. مستعد أبدأ معك صفحه جديده .. لكني .. عاجز الحين مثل ما تشوفين و ما بقدر أقدملك شي .. فالخيار لك ، إما إنك تمثلين دور الزوجه التعيسه قدام عمي و هلي و تكون لك حجرتك و حياتك الخاصه إلين يتأكد عمي إن حياتنا مع بعض مستحيله و بكذا أطلقك .. أو ..
و زفر في حرارة مؤلمة و هو يغمم بالكلمات بصعوبة : ترضين تعيشين معي بوضعي الحالي .. و انتي شايفتني و الموضوع موب محتاج أي توضيح .
رمقها بنظرة خفية ، يريدها أن تنطق الآن .... يريدها أن تقولها .. علّ السعادة الحقيقة تطرق باب قلبه بعد انقطاع طويل .
لم يدري أن الخجل الشديد عقد لسانها ، و بأن الخدر انتشر في أطرافها .. أتبكي ؟؟!! .. تريد أن تبكي .. فلا مانع لديه من تناسي الماضي و البدء من جديد ؟؟!! .. لم تخطئ في فهم شخصيته .... إنه بالحنان الذي توقعته .. بالرقة التي شعرت بها ..... إنه .. ما تمنته في الخفاء .
مسح على رأسه بارتباك و قلق رهيب يزحف إلى روحه لأنها لم تنطق : هلي بيرجعون باكر إن شاء الله .. عمي أكيد بيخبرهم إني عقدت عليك ، و احتمال يزورونك فـ الجازي .. فحضري نفسك لجل تقابلينهم بالصوره اللي تبينها و اللي اخترتيها .
خفق قلبها بعنف و احمرت وجنتاها خجلاً و لم يلحظ ذلك ؛ لأن هو الآخر قد علق بصره بجهة أخرى و خفقات قلبه تسابق نبضاتها .
فركت يديها للحظة ..عليها أن تنهي الموضوع الآن .. لا تريد الانتظار أكثر ، لا تريد مساحات جديدة للتفكير و الوسوسة ، ستكون جريئة إن نطقت .. و لكنه قرار و عليها أن تكون شجاعة بما يكفي لاتخاذه ، أسبلت عينيها و همست : الله يحيهم فـ أي وقت .
التفت إليها في تساؤل متلهف فازدادت انكماشًا على نفسها و هي تهمس : أنا اللي يهمني قلب الإنسان اللي برتبط فيه .. و كل شي ثاني مو مهم بالنسبة ليا.
انتفض ما بين أضلعه .. و شردت عيناه في شعرها الطويل الملموم بعناية ، و وجهها المصطبغ بحمرة الخجل ، و عينيها اللتين تعانقان طرف الفراش بنعومة آسرة ، أشاح بوجهه و زفر براحة وهو يغمض عينيه .. ما أجمل ذلك الشعور ... لم يداعب أحاسيسه يومًا .. ها هو الآن ينعش نواقيس الفرح بعد سبات طويل ، لاح شبح ابتسامة على شفتيه و غمم يبتغي مشاكستها : أكيد هذا آخر قرار .. ترا خواتي يتراجعون كثير و يمكن انتي مثلهم .
رفعت بصرها فاصطدم ببصره .. اندفع الدم إلى عروقها بغزارة و هي تبعثر بصرها في المكان : أ.. أكيد .. آخر قرار.
استكان في مكانه و حمد ربه في سره ، ثم هتف بابتسامة عريضة : تم يا حرم ياسر الـ***** ، الله يحيك فـ غرفة رجلك .. و لا .. انتم فـ تبوك تقولون زوجك ؟؟؟!.
ابتسمت بمرح دون أن تنظر إليه و يداها تنتفضان خجلاً و فرحة : رجلك زوجك .. اللي يعجبك .
رن هاتفه المحمول .. فمد يده و ضحك بخفة و هو ينظر إلى الرقم ، تطلّعت إليه بتساؤل فمد الجهاز إليها قائلاً : تفضلي .. ردي بالنيابه عني .
زوت ما بين حاجبيها بحيرة فبادلها بنظرة مشجعة و هو يقول : عمي أبو فيصل .
أخذت الهاتف من يده و ضغطت على المفتاح لأخضر : ألو .
سمعت صوت أبو فيصل الملتلهف: هاه يا ولدي .. بشرني عن الضيف؟؟؟؟!!.
ابتسمت و هي تهتف : مبسوط يا عمي .
شهق أبو فيصل بصدمة : تــســــــــــــــــــــاهـيـــــــــــر ؟؟!!!!!!!! ..
لم تتمالك نفسها فأطلقت ضحكة مرحة قصيرة ، ابتسم على إثرها ياسر و قال : شغلي الاسبيكر .
أطاعته فسمع صوت عمه المتهلل الأسارير : يا بعد حيي يا يمه .. سرقتي جواله و لا عطاك اياه ؟؟!.
تحدث ياسر بالنيابة عنها هذه المرة و قال بابتسامته الواسعة : لا يالغالي .. أنا قلتلها تكلمك .. تمنيت أفرّح قلبك الطيب .
صمت أبو فيصل للحظة .. كأنه يلتقط أنفاسه و يصفي صوته من دموع الفرح ثم هتف بصوت حنون متهدج : الله يبشرك بالخير يا ولدي .. الله يجمع بينكم على خير و لا يفرقكم ..قولوا آمين .
نطق بها ياسر على الفور أما هي فأطرقت برأسها في خجل ، صاح أبو فيصل بفرحة : هَوّ!!.. نسيت أعلم أبوك .. خلني أفر راسه هو و أمك الحين .
ضحك ياسر : و أنا بقفل جوالي .
ضحك أبو فيصل بدوره : خذ راحتك يا ولدي .
ذابت تساهير من شدة الخجل و بدأت يدها ترتعد و لم يغب ذلك عن ياسر الذي أخذ الهاتف من يدها و قال لعمه : متى تبيهم يزورونها يا عمي ؟؟ .
هتف أبو فيصل بمرح : العروس اللي تقرر .
التفت إليها ياسر باسمًا فأشاحت بوجهها خجلاً ، و هو يقول : انزين .. آخذ العلم منها و أخبركم ، توصي شي يالغالي ؟؟.
هتف أبو فيصل : أبد الله يسلمك .. يلا يا ولدي .. في حفظ الله .
: مع السلامه .
أنهى المكالمة .. ثم أغلق هاتفه .. لأنه ..لا يملك أية إجابات لأمه و والده في الوقت الحالي .. سيفكر في ما سيقوله و يحضر الإجابات لمواجهة الغد ، التفت إليها قائلاً برقة : ممكن أطلبك طلب ؟؟ .
تظاهرت بالانشغال بحقيبتها و هي تتمتم : تفضل .
ابتسم و قال : تتسحرين هنا الليله ؟؟.
ارتجفت شفتاها .. كيف تجلس إلى جواره طوال هذا الوقت ؟؟!! أمر محرج قد يصيبها بالجنون ،
شعر بخوفها و ارتباكها الشديدين ، فقال مطمئنًا : طيب .. نخليها عشا بس .
ابتسمت بخفة ، فأمسك بسماعة الهاتف الثابت قائلاً : ساعه و نص إن شاء الله و يوصل .
هم بطلب الرقم و لكنه التفت إليها متسائلاً : ما سألتك واش تحبين تاكلين ؟؟ .
أمسكت بأذنها في ارتباك و تمتمت : أي شي .
هز رأسه و هو يطلب الرقم : الــبنات و ما أدراك مالبنات .
رفعت بصرها بحذر إليه .. تخشى أن يمسكها بالجرم المشهود ، انشغل بحديثه مع السائق .. وانشغلت هي بتأمله .. لا زال كما تذكره .. عيناه الواسعتان .. لحيته السوداء المهذبة .. أنفه الطويل الذي يشبه أنف عمه .. و لكن يبدو أنه فقد البعض من وزنه .. فوجهه يبدو شاحبًا قليلاً .. خفضت عينيها على الفور عندما أغلق السماعة ، التفت إليها باسمًا و قبل أن يفتح فمه تعالى طرق باب الجناح الخارجي ، التفتت في حدة قلقة فقال على الفور : لا تخافين .. مافي أحد .. هذي أكيد الخدامه جايبه الضيافه .
رفعت حاجبيها بتفهم و رأتها و هي تدلف من البعيد ، ليست معتادة على هذا الشيء .. نظرت إليه ثم نهضت من مكانها و تحركت باتجاه الخادمة قائلةً : بعد إذنك .
رفع حاجبيه بدهشة و هو يتابعها ، اختفت من أمامه للحظة .. ثم عادت و هي تحمل كوبي العصير .. قدمت أحدهما إليه بهمس خفيف : تفضل .
كتم ضحكته و هو يمد يده ليأخذ الكوب : يزيد فضلك .
ابتسمت بسعادة و هي تعود للجلوس في مكانها .. و إن كانت تتساءل في نفسها عن سبب ذاك التصرف .. المهم أن لا تدلف امرأة أخرى إلى حجرته ، كتمت ضحكة خجولة غريبة تداعبها من الداخل و هو يقول : و كيف أيامك فــ فيلا الجازي ؟؟؟.
[CENTER]@@@@@@@@@@@@@@@@@@[/CENTER ]