جده
فيلا تركي
في نفس اللحظات
هب من مقعده في صدمة هاتفًا : نـــــــــعــم ؟؟!!!!!!!!!!!! متى سار هذا الكلام ؟؟ .
ظل صامتًا و قلبه ينبض من صدمة الخبر ، هتف قائلاً : و الآن ؟؟!!!
استمع إلى باقي الكلام ، ثم قال بهدوء : خير .. خير .. دحين جاي .
و أغلق السماعة ، قبض على أصابعه هامسًا: يا ربي .. كيف أوصّل الخبر لجوري ؟؟!!
.. كان الانفعال مسيطرًا عليه ..
من يصدق ؟؟!!!! ساميه زوجة أبيه تموت منتحرة ؟؟!!! و لأجل ماذا .. شخص تافه و علاقة زائفة محرمة ؟؟!!! تلك التي كانت تعشق الدنيا بكل ما فيها .. تلك التي لم يكن يهمها شيء سوى سعادتها و راحتها .. تلك التي لم تقم معنىً للرحمة أو الخلق الحسن .. تلك التي امتلأت روحها بالكذب و الضحك ..تموت منتحرة ؟؟!!!!.
جلس على مقعده مجددًا يحاول أن يهدئ من ثورة عقله ، همس برهبة : ( وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ ).
شبك أصابعه و منح عقله القليل من المساحة للتفكير فيما سيفعل ..... تنفس الصعداء .. ثم وضع سماعة الهاتف على أذنه و انتظر .. حتى وصله صوت أحمد : ألو .. السلام عليكم .. كيفك يا أبو رحم .
@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@
المملكة المتحدة
Blackpool
Pleasure Beach
بعد مكالمة تركي
.
حيث الصيحات و الضحكات المرحة ، و وسط ذلك الازدحام و الضجيج الذي تبعثه الألعاب المختلفة ، لوحت للبراء و هو تهتف بمرح : برّو هنااااااا .
ضحك البراء في سعادة و هو يجلس على أحد الأحصنة البيضاء المزينة في لعبة Gallopers و الممرضة خلفه ، شعرت بنشوة غريبة و هي ترى تلك السعادة المتفجرة في وجهه و هو يراقب الأجواء الحيوية بألوانها المشرقة .
و اقترب منها و عيناه ترسمان حزنًا دفينًا: ما تبغين ترتاحين شويه ؟؟؟.
ابتسمت و هي تلتفت إليه : لا عادي .. ماني تعبانه .
ربت على كتفها هامسًا بحنان: لو تعبتي قوليلي و أشيلك .
كتمت ضحكتها و وجنتاها تشتعلان ، و همست تريد أن تحرر نفسها من خجلها : الشيخ بيجي اليوم ؟؟!.
أومأ برأسه و هو يلوح للبراء في غمرة الضجيج الذي يملأ المكان : إن شاء الله .
عادت تنظر إلى البراء و همست : الله يشفيه يا رب .. أملي في الله كبير .
احتضن كفها بقفازه الأسود و همس برقة شحنها ألمه عليها: يسلم قلبك .
خفق قلبها و تشجعت لتكسر حاجز الخجل الشديد و
: أحـــمد !!!!.
التفتت ضاحكة إلى البراء الذي نزل من اللعبة و هتفت : والله و حفظ اسمك ؟؟!!!! .
مد أحمد يديه إليه هاتفًا: الله يحفظه القمر هذا .
ركض البراء نحوه و قفز ليتلقفه أحمد بين يديه : يا هلا والله .
داعب شعره ليضحك بسعادة ثم هتف : يلا يا با شا على البيت .
رفعت حاجبيها بدهشة كانت تظن أنهم سيتناولون الطعام أولاً .. و لكن خجلها منعها من أن تسأله ، سارت إلى جواره فأمسك بكفها ليبث إليها حنانه وحبه .
@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@
الرياض
فيلا الجازي
في نفس اللحظات
ابتسمت بسعادة و هي تنظر إلى طبق الحلوى الذي أعدته ، حملته مع كوب القهوة و خرجت من المطبخ و هي تهمس لنفسها : ابسطي نفسك بنفسك يا تساهير .
جلست في الصالة الفسيحة و وضعت كل شيء على الطاولة أمامها ، تراجعت في مقعدها و أمسكت بهاتفها المحمول ، قلبته في يدها قليلاً و هي تهمس : على الأقل قوليله شكرًا على الجوال .
مطت شفتيها بحيرة قبل أن تهز رأسها رفضًا و هي تعيده إلى مكانه :لا لا لا .. بلا غباء زايد .. لا ترمين نفسك عليه .
شبكت يديها للحظة و الوجوم يهبط على وجهها الحائر .. عضت على شفتها ثم همست و هي تطرق الأرض برجلها : تساهير .. استحي على وجهك و أرسلي بس كلمة شكرًا ما فيها شي .
تأففت في حنق و قلبها يخفق خوفًا من ردة فعله ، وضعت يديها على وجنتيها الدافئتين من شدة الخجل و همست : معليش .. مره وحده ما تضر .
مدت إحدى كفيها و أمسكت بالهاتف و النزاع في داخلها يرهقها .. صحيح أنها ترفض فكرة إجباره على تقبلها و لا تريد أن تشعر بأنها من تحاول التقرب منه .. و لكنها في نفس الوقت تريد أن تشكره على كل ما قدمه لها .. حزمت أمرها و بحثت عن رسالة رقيقه ، انتقلت بضغطة واحدة إلى الأسماء الثلاثة الوحيدة في هاتفها هناك أبو فيصل و مرام .. و ... ياسر و أرسلت ، وضعت الهاتف على الطاولة بسرعة كأنها ارتكبت جرمًا و تخشى أن يكشفها أحد ، فركت يديها و نبضات قلبها تتفجر في أذنيها ، أغمضت عينيها و تنفست الصعداء و هي تهمس : اهدي .. حتى لو ما رد على الرساله عادي .. أهم شي قلتيله شكرًا .
و فتحتهما مجددًا و هي تمسك بكوب قهوتها و معدتها المشتعلة من فرط التوتر تفقدها الشهية لتناول الطعام .
@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@
المملكة المتحدة
London
.
رتبت شكلها الأنيق أمام المرآة ثم نظرت إلى الساعة المعلقة على الحائط و همست : يا قلبي عليك يا برّو .. انهد حيلك من اللعب .. الله يحفظك و يشفيك .
و ابتسمت عندما تذكرت شكله و هو نائم على كتف أحمد
: جيجي .
ابتسمت لمرآه و قالت بخفوت : نعم .
بادلها الابتسامة و هو يغلق الباب خلفه : البراء فـ غرفته ؟؟!.
أومأت برأسها و هي تمسك بطرف – البدي – الأحمر الذي ترتديه : ايوه .. مسكين انهد من كثر اللعب .
أمسك بكفها و جلس إلى جوارها على الأريكة : كلمت تركي قبل شويه .
شهقت في فرحة لم تستطع كبتها : من جد .. و الدب ليه ما كلمني ؟؟!!.. من أول مسوي فيها مؤدب و ما أبغى أزعجكم و دحين ينساني ؟؟ .
و نهضت من مكانها هاتفة : أنا أوريه شغله .
أمسك بكفها برقة و أعادها إلى جواره هاتفًا : لحظه .
نظرت إليه و هي تقول في دلال طفولي : أحـــمد .. الله يخليك أبغى أهزئه .
مسح على شعرها في حنان هامسًا : سأل عنك .. و .. طلب مني أكلمك فـ موضوع .
زوت ما بين حاجبيها و هتفت بقلق : موضوع ؟؟.
تأمل عينيها الواسعتين و ما تحملانه من براءة و رقة قبل أن ينطق بهدوء محبب : خبر .. لازم في يوم نسمعه يا قلبي .. و لازم نكون راضين بأمر الله فيه .
قبضت على كفه بخوف هاتفةً بنبرات مختلجة : تركي فيه شي ؟؟ .
هز رأسه نفيًا : لا .. تركي طيب و الحمدلله .. بـ
قاطعته بصيحة باكية : مامـــا ؟!!!!!!!!!!! .. صح .. ماما ؟؟؟؟!!!!!!!!!!.
احتضن أصابعها بحنان أكبر و همس بلا مقدمات: توفت يا جوري .
صرخت في صدمة و هي تضع يدها على شفتيها و تتراجع إلى الخلف و لكنه أمسكها مع كتفيها مردفًا : إنا لله و إنا إليه راجعون .
شهقت لتتدفق أنهار عظام من عينيها ، احتواها بين ذراعيه و صرختها الباكية تتفجر في المكان : مـــامااااااااااااااااااااااااااااااااااااا .
ضمها إلى صدره أكثر و أخذ يربت عليها و هو عاجز عن الحديث ، كيف سيخبرها بأن أمها ماتت منتحرة ؟؟ .. كيف ؟؟!!!.
شعر بها تنهار بين ذراعيه ، قبل رأسها و همس بإشفاق : جيجي .. اذكري الله.
خنقتها غصص مريرة ، فتركها للحظة و أسرع ليحضر لها كوبًا من الماء و قلبه يعتصر ألمًا لشهقاتها و أنينها
قرب الكأس من شفتيها ، علّ برودة الماء تطفئ من حزنها المشتعل و لكنها رفضت وأشاحت بوجهها المحمر ، ربت على ظهرها بحنان دافق فدفنت رأسها في صدره و هي تصيح بحرقة : معاد راح أشوفها مره ثانيه يا أحـــــــــــــمـــد .. راحت و هيا زعلانه مني .. راحت و هيا تكرهنيييييييييييييييييييييي .. ما تبغاااانييييييييي .
قبل جبينها و هو يضمها إليه : كنتي بعذرك يا روحي .. هدّي نفسك .. اللي صار ما كان فـ يدك تغيرينه ..
انتي حاولتي تعاملينها بالحسنى و هيا اللي رفضت .. لا تحمّلين نفسك الذنب .. لا تحمّلين نفسك فوق طاقتها .
تشبثت فيه أكثر هاتفة بألم : و دحييييييييييييييين .. أبغى أشوفها .. أبغى أشوفها قبل ما يدفنونها .. الله يخلييييييييك .
انقبض قلبه .. و هو يدعو الله أن لا تسأله الآن عن سبب موتها ، همس لها : راح تشوفينها .. الآن نطلع للمطار .
اخترقت عقلها الذكريات الشنيعة في فيلا البحر تشنجت أعصابها وهوى قلبها بين ضلوعها و هي تتخيل لو أنها توفيت في مشهد مماثل ، رفعت رأسها إليه و صاحت بذعر : كـــــــــــــــــيـــــف مـــــــــــــــــاتــــــت ؟؟!!! .
انتفض قلبه و انعقد لسانه في حلقه ، هذا ما كان يخشاه .. تركي .. أخبره بأن لا يخفي عنها شيئًا ؛ لأنها لو أتت لتسلم على الجثمان .. فسترى الواقع المرير ، مسح دموعها بأصابعه و هو يحزم أمره و يتمتم : برصاصه .
تصلبت ملامحها للحظة و اصفر وجهها من شدة ذعرها : قــ ـــ ـتــ ـلـ ـوهـ ـا ؟؟
لم يحر جوابًا .. فصرخت في انهيار و هي تجره مع قميصه : قــــــــــــــــــلــــــي .. الـــــــــــــكــــلا* اللــــــــــــي كــــــــــــــانــــــــت تــــــــــــطـــلــع مـــــــــعــــاهـــــــــــــم قــــــــــــــتــلــوووهاااااااااااا ؟؟!!.
أمسك وجهها المبلل من غزارة الدموع بكفيه و مال على أذنها بإشفاق .. منهيًا تساؤلاتها العصيبة: هيا قتلت نفسها .
صــــــــــــــــــــــــــــــرخــــــــــــــت .. صــــــــــــــــــرخـــــــــت بـــــــــلا و هــــي تــــــــهـــز رأســـــــهـــا في جـــــــــــنــــون ، صـــــــــــــــــرخـــــــــــــــت بـــــــــلا و قلبها يتفتت من هــــــــــــــول الخبر ، و عقلها يغيب .. و يغيب .. في ..الظلام .
@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@
الرياض
المستشفى
حجرة ياسر
00 : 3 ظهرًا
ابتسم الأخصائي العلاجي و قال بعد أن انتهى من معاينة ياسر : خلاص يا بطل .. يومين بالكثير و إن شاء الله نبدأ .. ريح جسمك الآن قد ما تقدر.
أومأ ياسر برأسه في صمت ، فودعه الأول و هو يخرج مع الباب : في أمان الله .
همس ياسر : في حفظه .
ثم نظر بإرهاق شديد إلى هاتفه الذي لم يتوقف عن الرنين منذ الصباح لكثرة المتصلين الذين يتحمدون له بالسلامة ، أمسك به و تطلّع إلى شاشه هاتفه التي حملت عبارة ( رسالة جديدة ) تأفف و هو يفتحها بلا مبالاة و عقله منشغل بضرورة محادثة والدته ، قرأ الكلمات على الفور
.
ألا أيها الساري بليلٍ .. يقول الشعر و اشتاقت خطاه
ألا بلغ كريمًا جاد دومًا .. بكل الود و ابتسمت شفاه
بأن القلب يقرؤه سلامًا .. يشكره برفق قد هباه
ألا يا رب فامنحه قبولاً .. و بدد همه و أزل عناه
.
زوى ما بين حاجبيه للحظة قبل أن يغمم متسائلاً و هو يرفع بصره للاسم : مـ
و انقطعت أحرفه و تبعثرت أفكاره .... غرق عقله في صورها الجميلة التي تسكن عمق روحه وسط الخفاء ، و لم يمنحه التفكير فرصة للإحساس بتلك المشاعر الجميلة .. بل مزق كيانه .. جسده العاجز .. و عصفت بوجدانه الحقيقة المرة .. أعاد الهاتف إلى مكانه بصمت كسير و قيود سوداء قاتمة تهبط على عقله ، التفت إلى الباب في حدة و من خلفه صوت مرتفع يهتف بـ : يــــــــــــــــــــــــــــــــاولـــــــــــــــــــــد .
فّتح الباب و أطل من خلفه وجه عمه أبو نواف المبتسم : السلام عليكم و رحمة الله .
انقبض قلبه بشدة و شحب وجهه بضيق .. لا يريد أن يرى أحدًا .. لا يريد أن يواجه أحدًا .. لا يريد نظرات شفقة من أحد .. و لا كلمات مهدئة من أحد .. يريد أن يبقى وحيدًا .. هو و نفسه فقط .
اقترب منه عمه ليسلم عليه و خلفه ابناه بالإضافة إلى فيصل و نادر : الحمد لله على سلامتك يا أبو مشاري .. ما تشوف شر إن شاء الله .
أجبر نفسه على رسم الابتسامة و أجاب : الشر ما يجيك يا لغالي .
سلم عليه فيصل قائلاً : أجر و عافيه يا ولد عمي .
غمم بـ : الله يعافيك .
و بالمثل نواف و نادر .. أما عزام فقد فضل أن يكون الأخير .. التقت عيناه بعيني ياسر للحظات ، شعر الأخير خلالها بعروقه تحترق ..
لماذا تقدم لشقيقته و هو يعلم بشيء كان بينها و بين فارس ؟؟!! .. هل هي مصيبة .. فأجبرته شهامته أن يستر عليها و هي ابنة عمه ؟؟!! .. أما ماذا بالضبط ؟؟!!.... هي مصيبة أكبر عندما علم بالحادثة التي تعرضت لها ..... فأي صراع ذاك الذي عاشه ؟؟!! .. مالذي بينه و بين شقيقته بالضبط ؟؟!!! .. تلك التي يجب أن ينتزع منها الكلام انتزاعًا و لو بكت دمًا .
دنا منه عزام قائلاً بابتسامة لطيفة : ألف الحمد لله على سلامتك يا سوير .. كذا تضمني لقافلة المطرودين رسميًا من شوفة خشتكم البهيه ؟؟!!!.
قبض ياسر على كفه و تطلّع إلى عينيه مغممًا بابتسامة زائفة : سامحينا هالمره .. بس انت عارف .. دوم لكم مكانه خاصه يا ولد عمي .
اتسعت ابتسامة عزام رغم ما نبض في قلبه من ضيق .. أدرك الآن أن عمه أبو فيصل قد صارحه بالقصة ، بل تأكد أكثر بأن عروب لم تصارحه بما جرى لها ..... كيف انقلبت الأمور رأسًا على عقب بهذا الشكل ؟؟!!!!.... ما يحدث الآن يعارض مخططاته .... و لكنها أصبحت زوجته.. و هو وحده من سيصل إلى لب الحقيقة دون أي تدخل من الآخرين .
سلم عليه ثم تراجع تحت نظرات والده الذي يشتعل الغضب في أعماقه من هذا المجهول الذي أطلق الطلقة .. نبّه عليه أخواه و الطبيب بأن لا يفتح فمه لينطق بشيء .... و لأول مرة يكتم غيظه الشديد في صدره و يربط لسانه عن إطلاق النيران.
رفع فيصل هاتفه الذي يرن و هتف قائلاً : بالإذن .
خرج من الحجرة و هو يقول للمصل : هلا يبه .
أتاه صوت والده المقتضب : انتم عند ياسر الحين ؟؟ .
أجابه على الفور : إيه .
زفر بحرارة و غمم : و اش طلع معك ؟؟.
رفع بصره إلى الطبيب الذي دلف إلى حجرة ياسر و قال : ما لقيت شي .. كلمت ربعه كلهم .. قالوا انهم ما شافوه من فتره هو و رامي و مالك الـ *****.
غمم والده بهدوء : انزين .. بكلم أهلهم اليوم و أتابع الموضوع بنفسي .. في أمان الله .
أنهى فيصل المكالمة بقول : في حفظه .
و أعاده إلى جيبه و هو يهمس بضيق : الله يفرج همك يبه و يكافيك يا فارس.
و عاد إلى حجرة ابن عمه في صمت .
@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@
جده
المستشفى
10 : 3 ظهرًا
وضع يده على جبينه و هو يسير خلف أحد الأطباء ، انتهى أمر الدية التي طالب بها أهل فوزي و المرأة الأخرى ، زفر في إرهاق و الطبيب يتوقف أمام باب عريض ، أشار إلى تركي مغممًا : تفضل يا أستاذ تركي .
انقبض قلبه .. لا يدري لماذا يرغب في رؤيتها ؟؟!!! .. ألِـ تتحطم ذكريات الماضي الأليم عند رؤيته لجثمانها ؟؟!!! .. ذكريات المر الذي أسقته إياه منذ أن كان طفلاً بدون أم .... شعور غريب براحة خفية يسكن قلبه للخبر بأنها ماتت منتحرة !!! .. استغفر ربه و هو يدلف إلى داخل المكان و برودته تعصف بكيانه عوضًا عن تلك الرائحة المميزة لثلاجات المستشفى بخزائنها المعدنية ذات اللون الفضي ، ارتدى الطبيب قفازيه و تركي يرقب المنظر من على مقربة ، اقترب الطبيب من إحدى تلك الخزانات و أمسك بمقبضه قبل أن يسحبه بقوة للخلف ، تعلقت عينا تركي بذلك الجسد الذي يعلوه غلاف خاص أبيض لامع ، التفت إليه الطبيب البارد مغممًا : الجثه منفوخه شويه بسبب جلوسها في المويه لفتره .
أومأ تركي برأسه على مضض متمتمًا : اكشف الغطا .
أمسك الطبيب بالغطاء و كشفه ليرتجف قلب تركي بين ضلوعه من هول المنظر ، لم يشعر بتراجعه خطوة إلى الخلف .. و ذلك الوجه الفاتن الساحر الذي لا زال يذكره .. مائل إلى الزرقة .. منتفخ قليلاً ، و ثقب لم يفقد لونه القاني يستقر بين حاجبيها...... و هاجت كل مشاعره في آن معًا ..
■ ■ ■ ■
1413 هـ
ضحكت بسعادة و هي تعقد يديها أمام صدرها و تهتف : تستاهل اللي يجيك .. عشان لا تفكر تعاندني فـ شي .
دفن وجهه بين رجليه اللتين ضمهما إلى صدره و هو يدافع دموعه الغزيرة التي تغرق وجهه و شهقات التي تخنق أنفاسه .
وصلت إليه أصوات ضحكاتها الشامتة : يلا .. عقبال ما تنطرد من القصر كله و يفضالي الجو .. يا غبييي ياللي أمك ميته .
رفع بصره بحقد شديد و هي تدور على عقبيها و تتهادى في مشيتها بغنج : 12 سنه و يحط عقله بعقلي .. عما فـ عينك .
■ ■ ■ ■
شعر بالغثيان يشتعل في معدته فأشاح بوجهه و هو يشير للطبيب أن يكفي ، أعاد الطبيب الجثة إلى مكانها ، و خرج هو من المكان و عقله يستعيد رسالة أحمد .. برفض جوري لرؤية الجثمان ، زفر متمتمًا : ربي رحمك يا أختي .
@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@
الرياض
الشقة
00 : 5 عصرًا
: فـــــــــــــــــااااارس .. افـــــــــــــــــتح الباب يا فـــــــــــــــااااارس .. افـــــــــتح .
هب من مكانه و فتح الباب بعنف صائحًا : و اشفيه ؟؟!!!.
لهث رامي و الذعر بادٍ على محياه : مالك تركنا و طلع .. كتبلي رساله تقول إنه مو مستعد ينحبس معنا هنا .
صرخ فارس في عصبية : الغـــــــــــــــــــــــبــييييي !!! .. الحين ممكن الشرطه تلاقيه بكل سهوله و تجبره يبلغ علينا .
وضع مالك يديه على رأسه و هتف بلوعة : شفت المصيبه ؟؟!!!!.
ركل فارس باب حجرته و هو يزمجر بغضب هادر ، تسارعت أنفاسه و احتقن وجهه و بشكل مخيف برزت له الهالات السوداء تحت عينيه ، رعب كاسر يسكن دواخله و لكنه عاجز عن التصديق حتى اللحظة .. فليس هناك ما يشير إلى انتقال المرض إليه .... و لكنه ليس بدليل على سلامته ..... ربما مدة حضانة المرض لم تنتهي بعد ..... و لكن كيف يتأكد ...... يجب أن يتأكد مهما كلف الثمن ..... لن يعيش ما تبقى في خشية من المجهول .. فذاك بذاته هو الموت البطيء.
رفع بصره إلى رامي الذي أخذ يدور في المكان ذهابًا و إيابًا ، هتف بعصبية لم يستطع أن يخفيها : راميوووووه علّك بالبلى .. صديقك ذاك الممرض .. واش اسمه ؟؟!!.
التفت إليه رامي بحاجبيه المرفوعين : عطا ؟؟!!! .. و اشبه ؟؟!!
وضع فارس يده على بطنه و غمم باقتضاب : حاس بشوية تعب و أبيه يجي و
قاطعه رامي بفضول : تعب .. تعب ايش ؟؟!.
صرخ عليه فارس بعصبية شديدة : شي ما يـــخصك .
ثم رفع إصبعه و أشار إلى الهاتف القديم : انقلع الحين و دق عليه و خله يجي و يجيب معه كل أغراضه .. و لا تنسى تقله لا يفتح فمه أو يعلم أحد إنه جاي .
تراجع إلى داخل حجرته و أغلق الباب خلفه بعنف ، قبض رامي على وجنتيه بقهر و صاح: أنا الغـــــــــــبي اللي أطلقت .. أنا الأهبل المتخلـففففففففففففف .. لو إني تركته يموت تحت يدينه لكان أحسن بمليووون مره ... حتى كلمة شكرًا ما قالها لي .
و توجه إلى سماعة الهاتف ، أمسك بها ... ثم ابتسم بمرارة : ياالله .. أهم شي انه خايف من أبوه و بينحبس معي فـ نفس المكان .
@@@@@@@@@@@@@@@@@
المملكة المتحدة
لندن
شقة أحمد
في نفس اللحظات
في حجرة الجلوس الانجليزية الأنيقة ، ابتسم و هو يأخذ كوب العصير من أحمد : اشبك .. وجهك تعبان .
ابتسم أحمد بإعياء مجيبًا : أبدًا يا أبو عبد الرحمن .. الأهل تعبانين شويه .
أومأ عبد الله برأسه في تفهم : أجر و عافيه إن شاء الله .
ثم سأله بابتسامة هادئة : كم مدة دورتك فـ المستشفى ؟؟.
جلس أحمد بجوار البراء مجيبًا : ثلاثة شهور و إن شاء الله أخلص .
وضع عبد الله الكوب على الطاولة قائلاً : الله ييسر لك أمرك .
ثم ابتسم للبراء المنشغل بالألعاب : برّو .
رفع البراء رأسه لمصدر الصوت في فضول ، نهض عبد الله من مكانه و جلس أمامه هاتفًا بمرح : كيف حالك اليووم ؟؟!!.
تطلّع إليه البراء بجمود تام ، فاتسعت ابتسامة عبد الله و هو يمد يده و يدغدغه : اضحك يا أخويا شويه .
ضحك البراء في مرح و هو يحاول أن يدفع يدي الرجل بعيدًا ، توقف عبد الله و تراجع إلى الخلف و البراء ينظر إليه بترقب ضاحك كأنه ينتظر لعبةً أخرى منه ، لاعبه عبد الله قليلاً حتى اطمأنت نفس الطفل إليه .. ثم
وضع يده على رأسه و بدأ يقرأ و يقرأ و البراء ينظر إليه بفضول حقيقي , بينما كان أحمد ينظر إليهما بقلق فالنتيجة تهمه , و تهم تركي كذلك .
مرت فترة و إذ بالانزعاج يبدو على ملامح الصغير الذي ترك ألعابه متوجها نحو أحمد ومبتعدا عن صاحب ذلك الصوت المدوي الذي لا ينقطع , جلس بين أحضانه وهو يهز رأسه بضيق واضح , احتضنه أحمد ناظرا إلى الشيخ بخوف وترقب ولكن الشيخ لم يعره بالا وهو يكرر بعض الآيات المحددة بذات النبرات الهادئة الواضحة , حركات يدي البراء المتتابعة التي تشبه من يحاول إيقاف الصوت بدأت تتراخى وظهر الإرهاق واضحا عليه و الشيخ يواصل قراءته ، سرعان ما أخذ البراء يفرك عينيه قبل أن تنطبقا ، ليسقط في نـــــــــــوم عــــــــمــيـق ترك أحمد في ذهول والشيخ مستمر في القراءة حتى فترة وجيزة ... ثم صمت .
رفع أحمد بصره إليه و سأله بترقب : عين .. صح ؟؟ .
التفت عبد الله إلى أحمد و سأله باهتمام قبل الإجابة: كان دوبه صاحي لما بديت أقرا عليه ؟؟.
أومأ أحمد برأسه مجيبًا: ايوه مصحصح .. و ما يرجع ينام إلا بعد 8 أو 9 ساعات .
نهض الشيخ من مكانه ومسح على رأس البراء مؤكدا : النوم وقت القراءة إحدى دلائل العين .
سأله أحمد في فضول : و الآن ؟؟ .
ابتسم الشيخ بوقار مطمئنا : الأمل في الله عزوجل كبير .. انتا قلتلي إنه تقدم المرض بطيء .. و هذا من فضل الله عزوجل .
ثم توجه إلى حقيبته السوداء و أحمد يسأله مجددًا : راح تستمر بالقرايه عليه ؟؟ .
أومأ الشيخ برأسه و هو يخرج عدة أغراض من حقيبته : بإذن الله .. و كمان .. راح أعطيك قارورة موية زمزم مقري عليها اخلطها في جالون زمزم كبير ويشرب منها يوميًا .. بالإضافه لزيت .. تدهنون فيه جسمه كل يوم قبل النوم .. و إن شاء الله الفرج قريب .
و مد بالأغراض لأحمد الذي أمسك بها ، ربت عبد الله على كتفه : أُناس كثير أعرفهم و لله الحمد شافاهم الله و عافاهم .. لا تشيل هم .. و خلي أملكم في الله كبير .
ابتسم أحمد بامتنان : ما قصرت و الله يا أبو عبد الرحمن .. و جزاك الله خير .
.
و بعد أن غادر الشيخ ، حمل البراء بين ذراعيه و توجه به إلى حجرته الطفولية .. و ضعه على سريره برفق و غطاه باللحاف ثم خرج ، سار إلى حجرة نومه و فتح الباب بهدوء ، وقعت عيناه عليها و هي نائمة على السرير بعد إبرة مهدئة خفيفة المفعول ، زفر و أغلق الباب خلفه .. ثم اقترب منها و جلس على ركبتيه أمامها ، مسح على شعرها برفق و الحمرة بادية على وجهها البريء ، و هو يتذكر كيف نطقت بصعوبة بكلمة لا .. رفضًا لرؤية الجثمان .. الخبر عذبها .. فكيف برؤية الواقع المرير ؟؟!! طبع قبلة دافئة على جبينها حملت كل خوفه و حبه لها ثم همس : أنا معاكِ يا قلبي .
@@@@@@@@@@@@@@@
الرياض
فيلا أبو نواف
30 : 11 مساءًا
رفعت حاجبيها و هتفت بدهشة : يعني للحين ما زرتها ؟؟؟!!.. حتى ما رفعت عليها سماعه أو كلمتها ؟؟!!.
ألقى بقلمه جانبًا و وجه ظهر الكرسي إليها مغممًا : ربى .. كثر الله خيري إني جاوبت على سؤالك .. الحين يا كبر البيت حاشره نفسك و ناطه عندي ليه ؟؟!!.
ضربت حائط الباب بحنق و هتفت : لأنك غـــــبي و ضروري تدخل مدرسه تعلمك كيف تتعامل مع خطيبتك .
و أردفت و هي تعقد يديها أما صدرها و تتقدم للداخل : يا خي لو ما فـ راسك رومانسيه و حركات .. اعتبره واجب إنك تدق وتتطمن عليها .. تسألها عن أخبارها .. تبي شي .. ناقصها شي تـ
قاطعها و هو ينهض من كرسيه : أقول اذلفي يالمسلونه .. ما بقى إلا انتي تعلميني .
و جرّها مع ذراعها هاتفًا : يلا برا .
صاحت و هي تحاول دفعه : عزااااامووووه فك يدك .. بدل ما تقول شكرًا يا أختي يا حبيبتي على تعليمي بعض المبادئ تبي تقطني برااا.
دفعها برفق إلى خارج الجناح و هتف : ترى يمدحون السكوت هالأيام .
و أغلق الباب في وجهها ، صرخت بقهر : آآآآآآآآآه منك يالــــــــــــــــــــوح .
و عادت إلى جناحها و هي ترفع يديها هاتفة : يااااااااااااااااااارب لا ترزقني بهالأشكال .
.
.
.
عاد إلى مقعده و أشعل الشاشة التي أطفأها ، تراجع في مقعده و أمسك بالفأرة هامسًا : خبله .. يعني بالله واش اللي مسهرني لهالوقت ؟؟؟ .
و انتقلت عيناه بين تلك الأسطر تحت عنوان ( كيف تختار هدية لخطيبتك ؟ ) ... زفر بإرهاق و في داخله يتساءل إن كان سيواجه تلك الصعوبة لو ارتبطت بفتاة غيرها لم تتعرض لتلك الحادثة المرة ... فتاة ليس مجبرًا على التعامل معها بحذر حتى يعرف ما تخفيه في نفسها .... ذلك الأمر الذي أخفته عن شقيقها أيضًا !!!.... رفع بصره إلى ساعة الحائط .... تنهد بإرهاق و هو ينهض واقفًا : طريقنا طويل يا عروب .
@@@@@@@@@@@@@@@
** الأربـــــــــــــــــــــــــعاء **
جده
أمام القصر
00 :2 صباحًا
من خلف الأشجار الكثيفة ، أحكم ربط – غترته - على أنفه و شفتيه و هو يحدّق في القصر بتركيز شديد ، همس رفيقه الملثم : حسن .. الظاهر ما في أحد .. الدنيا هاديه .
زمجر حسن بحنق و هو يهمس : أدري يا مراد .. شايف بنفسي .
تلّفت مراد حوله بقلق شديد و همس : يمكنّهم نايمين .. لا تنسى إن الوقت متأخر .. اش رايك نجي بكرا الصباح ؟؟.
تفجر بركان من الغضب في صدر حسن لكن كتمه قدر المستطاع و هو يهمس بحنق : أنا الأهبل اللي جبتك معايا يالخواف ، لو كنت لحالي كان أصرف .
همس مراد بتوتر : ما راح نستفيد شي من جلستنا كذا .. باين إن القصر فـ
بترت عبارته يد حسن : اششششششش .
كتم مراد أنفاسه و هو يحدق في الرجلين الذين يسيران إلى جوار بعضهما ، ثيابهما تدل على أنهما من الحرس أو .. أحد العاملين في القصر .
قال أحدهما لصاحبه : يعني خلاص قريب و ننفك من هذي الشغله .
رد عليه الآخر : ايوه .. كم يوم و ينتهي ترميم القصر و يرجعون أهله .
رفع الأول حاجبيه في دهشة : ما أدري كيف قدروا يخلصونه بهذي السرعه و أول قالوا يبغاله قريب الشهرين ؟؟ .
ضحك رفيقه و هو يهتف بحسرة : حبيبي .. هذا تركي بن الوليد .. بطراااااااااااااااااااااااان و الفلوس تسوي العجاااايب .
زفر الآخر بأسى : ايييييه .. الله يوعدنا .
تبادل مراد و حسن نظرةً ذات معنى قبل أن يتسللا بخفة .. عائدين إلى سيارتهما القريبة ، و لم يكد حسن يمسك بعجلة القيادة حتى نزع مراد لثامه و هتف: ارتحت يا أخويه .. هه .. طلع كلامي صح .. ما في أحد هناك.
حرك حسن السياره بحذر شديد و همس بعصبية : يالـ###### .. غطي وجهك .. كأن الشرطه ما تدور عليك زيي .
شحب وجه مراد و أسرع يضع اللثام على وجهه مجددًا و هو يستمع إلى حسن الذي يقول : ما قلتلي .. كيف رضي حسام يعطيك السياره ؟؟؟.
رد عليه ببساطة : لسا يا حبيبي .. باقي فـ جيبي كم مليم .
لم يبدو على حسن أنه استمع إلى إجابته فقد كان يتمتم بخفوت : لازم أدور عليه و أشوفه و ين حاطها .
هتف مراد بضيق : و ليش نضيع وقتنا و نخلي للشرطه فرصه سهله إنها تقبض علينا .. خلاص .. نستناه إلين يرجع و إلى ذاك الوقت نخطط اش راح نسوي .
رمقه حسن بنظرة جانبيه مخيفة انتفض لها الآخر ، ثم تمتم : و طلع منك يالجبان كلام مفيد .
و عاد ببصره إلى الطريق و نشوة قديمة تشتعل في صدره من جديد .
@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@
يـُـــــــــــــــتـــــــــــــــبع
______________________________________________________
*الشاعر الفلسطيني أبو صهيب .
** لا تكون الدارة الكهربائية محمية، لوجود خطأ في العزل، خطأ في عزل النواقل يمكن أن يصدر من أسلاك متلفة وقت تركيب الخطوط ، الأسلاك المعزولة التي خربت من طرف القوارض أو الرطوبة...إلخ. في كل هذه الحالات هناك ضياع لبعض التيار ( 0.3 امبير أو بعض امبيرات )وهو لا يكفي لضياع المنصهر ولكن يكفي لنشوب حريق ( ويكيبديا).
[B]***المصدر (أطباء شبكة اللجان الطبية أحدى شبكات المركز التخصصي للاستشارات الطبية ) B]
]