كاتب الموضوع :
نوف بنت نايف
المنتدى :
القصص المكتمله
تبوك
المستشفى
في نفس اللحظات
نظر إلى ساعته ، لم يبق الكثير على صلاة الفجر و الصلاة على والدة تساهير .
طلبت منه الطبيبة أن تبيت تساهير الليلية في المستشفى فحالتها النفسية أدت إلى انتكاس صحتها ، خصوصًا أنها تعاني من فقر الدم لسوء تغذيتها .
كان الهدوء يعم المستشفى و السكون يطغى على ممراتها ، صمت مريح للأعصاب و العقول .
دار ببصره إلى حجرة تساهير و هو يتذكر كلمات تركي الحازمة قبل رحيله ..
■ ■ ■ ■
هذي البنت من أشرف ما خلق ربي ، راح أخليها أمانه عندك إلين أرجع .
■ ■ ■ ■
تنهد و نهض من مكانه ثم سار باتجاه حجرتها .. لا يدري لماذا ؟؟.. كأنه سيتأكد من كلمات تركي إن رآها ، وقف أمام الباب و تردد للحظة قبل أن يضع يده على المقبض البارد و يديره ببطء همّ بالدخول و لكن جسده ارتد فجأة ..
رفع بصره إلى الأمام و أرهف سمعه .
.
: اللهم يامن أجاب نوحًا حين ناداه ، يا من كشف الضر عن أيوب في بلواه ، يا من سمع يعقوب في شكواه ورد إليه يوسف و أخاه .. و برحمته ارتد بصيراً و عادت إلى النور عيناه ، يا رحيم ، يا رؤوف ، يا ذا العزة و الجبروت يا مالك الملك و الملكوت ، يا من أمّنت يونس في بطن الحوت، يا من حفظت موسى في اليم و التابوت ، و طمأنت أمه و جبرت خاطرها .. يا ودود .. يا ودود .. يا ذا العرش المجيد.. يا فعّالاً لما تريد.. اللهم اغفر لأمي ، اللهم ارحمها و اعف عنها .. اللهم أكرم نزلها و وسّع مدخلها و اغسلها بالماء و الثلج و البرد ونقّها من الذنوب و الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس .. اللهم جازها بالحسنات إحسانًا و بالسيئات عفوًا و غفرانًا و
اختنق صوتها من فرط الدموع الغزيرة.. و لكنها أتمت دعاءها بصوت مبحوح كسير .
.
خفق قلبه في تأثر و هو يستمع إلى دعاءها المختلط بشهقاتها و نحيبها و أنينها ، أغمض عينيه يحاول أن يسيطر على أعصابه ، أفكاره متناقضة جدًا يريد أن يحسّن معاملته لها و مرت بذاكرته صورتها عندما رآها لأول مرة على السرير لتقطع عليه ذلك التفكير المشفق ، انتفضت يده في غيظ و أغلق الباب و هو يستغفر ، هز رأسه بضيق و هو يهمس : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم .. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم .
نظر إلى ساعته ، عليه أن يتحرك الآن إلى المسجد الذي ستتم فيه الصلاة ، تركي اهتم بكل شيء ، كلّف من يقوم بغسلها و تكفينها و من يقوم بدفنها و الصلاة عليها .. يجب أن يتحدث إليها و لكن كيف ؟؟ .
.
.
في الحجرة
على السرير الأبيض في تلك الحجرة الباردة ، رفعت بصرها إلى الأعلى علّها تنتشل نفسها من بحر الدموع الذي غرقت فيه ، شهقت عندما رأت الساعة و هتفت : أمـــــــــــــــــــــــيييييييي !!!!!!.
هبت من فوق سريرها لتلامس قدماها البلاط البارد شعرت بالدنيا تدور من حولها ، تأوهت في إعياء ثم سقطت على الأرض و جرت معها حامل المغذي ليصطدم بالبلاط و يصدر صوتًا مزعجًا ، هتفت بصوت مخنوق مرهق : أمي .. لا تغسلونها .. أبغى أغسلها أنا .. أبغى أسلم عليها .
فُتح الباب ليسقط الضوء الذي تسلل من الخارج على جسدها ، أغمضت عينيها في ألم و هتفت بصوت متحشرج : طلعوني لأمي بسرعة .. أبغى أشوفها .
بكت في إعياء و هي تشعر بجسدها يضعف شيئًا فشيئًا ، توقف أحدهم أمامها ، فتحت بصرها قليلاً و شهقت عندما رأت ثوبًا أبيضًا ، غطت وجهها على الفور و صرخت بذعر : آآآآآآآآآآآآآآآآآآآآه
نزل إليها بسرعة و وضع يده برفق على شفتيها و هو يهتف : اشششششش .. أنا ياسر .
غصة .. منعتها من الكلام و رجفة سرت في جسدها بمجرد أن سمعت صوته الذي ذكّرها بقسوته و جفاءه و بروده ، رفعت بصرها إليه .. لتتأكد .. فأشاح بوجهه إلى حامل المغذي و أمسك به ثم أمسك بذراعها النحيلة و وأوقفهما معًا في وقت واحد ، كادت أن تسقط مجددًا إلا أنه تلقّاها بين ذراعيه ، سرت رعدة في جسدها رغمًا عنها و هو يساعدها للعودة إلى السرير و هي تصيح : أمــــــــي .. أبــــــــــغـــى أمــــــــــــي .. أمـــي .. وديني لأمــــــــي .
: .. who is there ?
التفت إلى الوراء ليجد الممرضة ، عرفته فهتفت بنبرة متأسفة : :.. oh ..sir ..I 'm sorry ..
عاد ببصره إلى تساهير هامسًا : الحين نطلعك .
قبضت على ذراعه و هي تبكي و تسأله : غسّلوها ؟؟!!.
تردد للحظة و هو ينظر إلى عينيها اللتين تفيضان بالدموع قبل أن يهمس : .. ايه .
هزت رأسها باعتراض في صدمة فتدارك الموقف عندما شاهد صدمتها و أردف مطمئنًا : يمديك تسلمين عليها .. الدفن بعد صلاة الفجر .
حاولت أن تنهض من مكانها و لكن أوقفها بحركة من يده قائلاً : لحظه .. انتظري الممرضه تنزّلك المغذي .
@@@@@@@@@@@@@@@@@@
جده
فيلا عـــمّار
00 : 5 صباحًا
صوت ما يناديها ؟؟!!!..
تحركت عضلات وجهها و همست بصوت ناعس : جوري؟؟!!!..
شعرت بيد دافئة تمسح على وجنتها ، فتحت عينيها ببطء و وجدته أمامها باسمًا : صباح الخير على الحلوين.
لم ترد عليه بل ضمت اللحاف بقوة إلى جسدها و قلبها يخفق بخوف غريب و عقلها عاجز عن التفكير ، داعب أرنبة أنفها بإصبعه و هو يقول بحنان : يلا يا قلبي .. قومي صلي الفجر .
تركها و غادر المكان ، وضعت يدها على رأسها تحاول أن تتذكر ، تأوهت من شدة الصداع الذي ينخر رأسها ، اعتدلت جالسة لتصطدم عيناها بالحجرة الواسعة التي ترقد فيها ، انتفض جسدها و هي تدور بعينيها في أنحاء المكان لتتضح الصورة لها أكثر ، ضمت اللحاف بقوة أكبر إلى جسدها و هي تهمس بصوت مخنوق : لـ .. لا .. مو معقول يكون سوّاها .
لم تدر بماذا تنطق ، بل لا تدري ما هو التصرف الحكيم الذي يجب أن تقوم به في هذه اللحظة ، أسدلت رمشيها و هي تعض على شفتها : يا الله .. اش فـ يدي أسوي دحين و هوا مستحيل يخليني أرجع .
تساقطت الدموع من عينيها و هزت رأسها و هي تهمس بصوت متهدج : ليش يا عمّار .. ليش ؟؟ .
وضعت كفها على شفتيها و بصرها معلق بـالبيجاما الحريرية بنفسجية اللون على الطاولة الصغيرة بقربها ،
ترددت للحظة قبل أن تحزم أمرها و تضع تفكيرها جانبًا ، نهضت من فوق السرير ، التقطتها و هي تكبت شهقاتها ، توجهت إلى الحمام و ارتدت ثيابها ثم توضأت و عندما خرجت تراجعت إلى الخلف و هي تنظر إليه يفرش لها السجادة .. شعر بوجودها فالتفت إليها مبتسمًا و قال و هو يشير بيده للأمام : القبله كذا .
أطرقت برأسها بعيدًا عن نظراته الحانية ، أما هو فخرج من الحجرة و أغلق الباب ، أخذت ثوب الصلاة من فوق السرير و ارتدته ، صلت السنة ثم تلتها بركعتي الفجر و بعد أن انتهت من أذكارها خلعت الحجاب و سمحت لشعرها الأسود بالانسياب على كتفيها ، رفعت رأسها بحدة عندما سمعت صوت الباب ..
.
إلى متى سيتراجع ؟؟؟!!! .. إلى متى سيتركها على هذه الحالة ؟؟؟!!! عليه أن يبذل جهدًا أكبر ..عليه أن يحاول أكثر .
اقترب منها و قد كسا الحزم ملامحه جلس إلى جوارها فهبت من مكانها و لكنها أمسك بها هاتفًا : لحظه .
صرخت بعصبية و هي تحاول أن تحرر يدها من قبضته : ابــــــعــــــــد عــــــــــنــــييييييييييي .
لم يمنحها فرصة بل هب واقفًا و حملها بين ذراعيه ، صرخت بحنق : أقلك ابعــــــــــــــــــــــد .
لم يعر بالاً لصراخها و لا لصراعها بيديها ، و ضعها على السرير و غطاها باللحاف الثقيل حاولت أن تنهض : لاااااا..
و لكنه كتّف حركتها بذراعيه و هو يقول : اصــــــــــــبـــري .
صاحت برجاء من بين دموعها الغزيرة : عمّار الله يرضى عليك اتركني .. سيبني فـ حالي .. ليش ما تفهم .. لييييش ؟؟؟؟.
نظر إلى عينيها الحمراوين و همس: اهدي .. لا توتري أعصابك أكثر .
بكت بحرقة و هي تصرخ : وجودك هوا اللي يوترني .. ســـيبنيييييي .
وضع خصلات من شعرها المتناثر خلف أذنها و قال بحزم: خليني أجيبها لك من الآخر .. ما راح أخليك.
زوت ما بين حاجبيها في غضب و ارتجفت شفتاها ، سبقها بالحديث هاتفًا: ميمي .. لا تحسّبيني غبي لهذي الدرجه ..أدري إنك تحاولين تبعديني لأنك خايفه عليا من نفسك .. بس انتي تحلمين .
تفجرت ينابيع الدموع أكثر و أكثر و ثارت مشاعر الحزن و الفقد و الوحدة في قلبها المرتعد و هي تهز رأسها اعتراضًا فابتسم برقة هامسًا : مرضك مو صعب لهذي الدرجه.. بإذن الله مع العلاج الصح ما راح تحسين بوجوده أبدًا .
أشاحت بوجهها ، لا تريد لمشاعرها أن تُفضح كما هو الحال دائمًا .. جر أنفها برفق مازحًا و همس: لا تبعدين وجهك .. طول عمرك مفضوحه قدامي .
أغمضت عينيها و انطلقت من بين شفتيها شهقة مخنوقة و هي عاجزة عن الصراع أكثر ، مسح على شعرها بحنان و أردف : مرام .. لا تحرميني من قربك .. زي ما انتي محتاجه لوجودي فـ حياتك .. أنا .. محتاجك كمان .
اتسعت عيناها بصدمة و التفتت إليه فأتم حديثه بابتسامة : هذي مشكلتك يالدلوعه .. تحسّبين إني مرتاح ببعدك.. ما تدرين كيف عشت هذيك السنتين بدونك .
لم تنبس ببنت شفه بل اكتفت بالنظر إلى عينيه في حيرة بريئة و كلماته قد اخترقت جميع حواسها و جعلتها تسكن بشكل غريب ، شعر بأن كلماته قد وصلت إلى قلبها لأنها قد خرجت من قلبه ، ابتعد عنها و تركها حرة ثم خرج من الحجرة بهدوء كما دخل بهدوء .
.
نظرت إلى الباب و هي تتذكر طيفه الراحل ، لمعت عيناها و وضعت يدها على قلبها ، قلبها الذي يشكو الوحدة و الألم .. ومعاناة الفراق ، اضطجعت على جانبها الأيمن و احتضنت الوسادة الصغيرة بين ذراعيها ثم أغمضت عينيها و هي تتذكر .. كلماته .
@@@@@@@@@@@@@@@@@@
تبوك
سيارة ياسر
00 : 7 صباحًا
كان يقود السيارة في صمت وبكاءها لم يتوقف حتى الآن ، أصرت على أن تبقى في المسجد بعد أن انتهت الصلاة و لم يعارض .. تركها على راحتها حتى خرجت إليه واستغل هو ذلك الوقت في حجز غرفة في أحد الفنادق .
بين كل شهقة و شهقة كان يسمع منها كلمة " ماما " و كم آلمه ذلك ، تردد للحظة قبل أن يقول : اذكري الله ، أمك .... راحت للي أرحم من كل البشر .
شهقت بعنف عندما لامست كلماته قلبها فانفجرت تبكي بصورةٍ أشد ، زفر في أسى و هو مستمر في قيادته ، تعالى رنين هاتفه .. أدخل يده في جيبه و أخرج الهاتف و إذا باسم تركي يلوح في الشاشة .. : ألو .
أتاه صوت تركي الهادئ : السلام عليكم .
انعطف ياسر بالسيارة قائلاً : و عليكم السلام و رحمة الله .
: خلصتوا الصلاه و الدفن ؟؟ .
غمم ياسر باختصار خشية أن يزيد من حزنها : ايه .
تنفس تركي الصعداء ثم قال مبررًا : أخوها الله يرحمه كان من أعز أصحابي و وصّاني على أهله قبل ما يتوفى .. و دحين أمها كمان خلتها أمانه فـ عهدتي .
خفق قلب ياسر ، أمانة لديه .. إذًا
قطع سيل أفكاره صوت تركي الهادئ : بعد إذنك يا أبو مشاري .. أبغى أعزيها .
صمت ياسر للحظة ثم قال : ثواني .
مد يده التي تحمل الهاتف للخلف و قال : تركي يبي يكلمك .
مسحت دموعها و قلبها الثائر بلوعة الخوف و الضياع جعلها تمد يدها و تأخذ الهاتف من بين أصابعه ، قالت بصوت أحرقته الدموع : ألو .
تحدث تركي بهدوء : أحسن الله عزاكم و عظم الله أجركم .
اختنقت الكلمات في حلقها قبل أن تهمس بصوت متحشرج : جزاك الله خير .
لم يشأ أن يطيل الحديث ، فقال على الفور : أنا عرفت القصه من مركز الشرطه بعد ما قبضوا عليهم و راح أشرح الموضوع كله لزوجك .
تجمعت الدموع أكثر في عينيها .. زوجها ؟؟!!! .. و أي زوج هذا الذي يظن بها شرًا ؟؟؟!!.. بل أي حياة تلك التي ستعيشها و هي تشك في ما حصل لها ؟؟!!.
تردد في أذنيها صوت تركي القوي : تساهير .. أنا فـ مقام أخوكِ .. و إذا احتجتي أي شي ما راح أسامحك إذا ما دقيتي و كلمتيني .. أمك الله يرحمها خلتكِ أمانه عندي و ما راح أفرط في أمانتها .
انخرطت في بكاء حار و هي تبعد السماعة عن أذنها ، فرفع ياسر بصره إلى المرآة ينظر إليها في تساؤل ممزوج بالقلق ، اعتصرت الهاتف في كفها و هي عاجزة عن الحديث أكثر .. فمدت يدها و ألقته في المقعد المجاور لياسر و تراجعت إلى الخلف و هي تعتصر نفسها بذراعيها و كلمات تركي تتردد في عقلها .. أمـــــانـــة ؟؟؟ !!.. يعني الأمان و الاطمئنان و حياة هادئة ستعيشها .. و لكن كيف و هي في عهدة شخص آخر .. يكرهها .. كيف ؟؟؟؟!!!.
أمسك ياسر بالهاتف و وضع على أذنه و هو يقف بالسيارة أمام الفندق المنشود : تركي .
غمم تركي : دق عليا أول ما تضبّط أمورك .. ضروري .. اليوم أنتظر اتصالك .
زفر ياسر و هو يقول : إن شاء الله .. في حفظ الله .
و أنهى المكالمة و هو يفتح الباب لتسقط أشعة الشمس على وجهه و قال : انتظريني هنـ
قاطعته على الفور بصيحة مخنوقة : لاااا .. ما أبغى أجلس لوحدي الله يخليك .
أطرق برأسه و هو يتذكر أوامر الطبيب القديمة و تذكر .. ما عانت ، فغمم : انزين .. يلا انزلي .
حاولت أن تعدل من وضع حجابها و عباءتها و جسدها لا يتوقف عن الارتعاد من فرط البكاء ، أمسكت بمقبض الباب و فتحته ، رفعت رأسها قبل أن تنزل فوجدته يقف أمامها و ظهره مقابل لها ، نزلت بهدوء و أغلقته خلفها ، و من ثم وقفت بصمت .. ضغط هو على المفتاح في الجهاز الصغير الذي يحمله ليغلق أبواب السيارة .. ثم قال لها : يلا .
سارت قريبةً منه و هي تضم عباءتها بيديها ، و بعد أن دلفا إلى المكان ، أشار إلى مقاعد الجلوس الأنيقة و قال بخفوت : اجلسي هنا .. آخذ بطاقة الغرفه و أجيك .
كادت أن ترفض ، و لكنها تراجعت و توجهت إلى المقاعد القريبة و هو يتابعها بعينيه حتى جلست .. سار إلى مكان الحجز ، ابتسم الرجل و قال بتهذيب : هلا أخوي .. كيف أقدر أخدمك ؟؟ .
بادله ياسر الابتسامة و قال و هو يخرج محفظته من جيبه : أنا اللي كلمتك قريب الساعه سبعه و حجزت الغرفه .
أومأ الرجل برأسه في تفهم و هو ينظر إلى السجل في يده : ياسر مشاري الـ*****.
هز ياسر رأسه موافقًا ، فرفع الرجل بصره قائلاً : مع المدام ؟؟ .
أجابه باختصار : إيه .
أمسك الرجل بالقلم و هو يقول بتهذيب : نحتاج الإثبات ، بطاقة العائلة أو عقد النكاح .
كان ياسر متفهمًا لهذه الإجراءات التي يتم تطبيقها في المملكة ، استرق النظر إليها و هو يبحث في جيبه ، أخرج الصك و قدمه للرجل : تفضل أخوي .
أتم الرجل عمله و ياسر يلتفت إليها بين الفينة و الفينة ليطمئن .. و كانت تراه من تحت غطاءها ، تراقبه من شدة خوفها .. فرغم كل شي .. هو مصدر أمانها هنا في هذا المكان بعد الله .
اشتعل خيط من الألم في قلبها و هي تبلع غصتها و تهمس بألم: اش نهاية هذا الزواج الغريب ؟؟ .
أشار إليها بيده ، فوقفت و سارت نحوه للطريق إلى المصعد ، و بعد أن وصلا توقفت إلى جواره ، دلفا إليه ، و بعد أن أُغلق الباب المعدني أسندت ظهرها للحائط في انتظار وصوله حتى توقف ، شعرت لحظتها بغثيان يشتعل في نفسها .. تاه عقلها للحظة و خرج هو ليدلف مجموعة من الرجال .. اقشعر جسدها و تصلبت قدماها و هي تهم بالصراخ و .. شعرت به يقبض على ذراعها بلطف و يخرجها من المصعد ، أُغلق الباب خلفها فرفعت بصرها الباكي إليه .. تهمّ بشكره .. لكنه أشاح بوجهه و هو يترك يدها ويسير جهة اليمين حيث الممر الراقي الهادئ .. سارت خلفه .. و بمجرد أن و صلا إلى باب الحجرة أدخل البطاقة ، فظهر الضوء الأخضر على الجهاز و فُتح الباب ، دفعه و وقف خلفه حتى دلفت ثم أغلقه ، حث الخطى إلى الداخل ، ألقى نظرة شاملة على المكان البارد الشاعري ، أشار بيده و قال : هناك حجرتك .. روحي ارتاحي و أنا فـ الحجره الثانيه ، دقايق على ما يجي الفطور .
توجهت إلى حيث أشار دون أن تزيل غطاءها عن وجهها ، فتحت الباب ثم أوصدته خلفها وقلبها بخفق بخوف غريب .
زفر و هو يلقي بجسده على الأريكة و يغمض عينيه كان يتمنى أن يضع رأسه على السرير لينعم بنوم مريح و لكنه تذكر تركي ، نهض من مكانه و توجه إلى حجرته ليأخذ راحته في الحديث و النقاش .
@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@
جده
إحدى الفلل الراقية التي يملكها تركي
30 : 7 صباحًا
أغلق الملف أمامه و هو يتحدث في سماعة الهاتف : ياسر .. لو ما أعرفك ما كان خليتها عندك .. انتا رجال و النعم فيك .. و أنا فهّمتك الموضوع كله .. يعني فـ يدك الآن تتخذ القرار .
لم يحر ياسر جوابًا ، الطلاق هو الحل الأسلم له ، خاصةً و أن عائلته لا تعلم شيئًا عن الموضوع ، و لكنه أيضًا لا يستطيع اتخاذه دون أن يتحدث إلى عمه أبو فيصل ، غمم قائلاً : عطني إلى باكر .. و إن شاء الله برد عليك.
هز تركي رأسه متفهمًا ثم قال : أستناك .. بس رجاءً .. ليّا كم طلب عندك .
هتف ياسر على الفور : آمر .
أجابه تركي بشبح ابتسامة ظهرت على وجهه المرهق : ما يآمر عليك ظالم .. أنا فـ مقام أخوها يا ياسر .. و أعتبرها زي جوري تمامًا .. فـ .. إذا طلبت منك تكلمني أرجوك تسمحلها .
و قبل أن ينطق ياسر، أردف هو قائلاً : و ثاني شي .. إلى الوقت اللي بتتخذ فيه قرارك أتــمـنـى إنك تراعيها قدر الإمكان .. هذي فقدت الأم و السند في الدنيا يا ولد عمي .. و ربي اختارك من بين الكل عشان تفوز بهذا الأجـــــــــــر .
ثارت في قلبه مشاعر عدة ، و ملامح وجهه تدل على صدمة خفيفة .. حديث لم يفكر به أبدًا .. أهي شهامته تلك التي استيقظت بصورة أقوى ؟؟ أم شجاعته .. أم حنان قلبه و رقة مشاعره .. أم ماذا بالضبط ؟؟ ..
زفر ثم غمم باختصار : أبشر .
تعال رنين هاتف تركي الثابت على المكتب ، التقطت عيناه الرقم من الكاشف فقال على الفور : تسلم و ما قصرت .. أنتظر اتصالك .. في حفظ الله .
أنهى المكالمة و رفع سماعة الهاتف الآخر و قال : إيوه يا أبو محمد ..
أخذ يستمع إلى حديث للحظة ثم تراجع في مقعده و هو يقول بلا اقتناع : عبد العزيز .. معقوله إلى الآن ما أحد لقاهم .. وين طسوا يعني .. همّا كلهم اثنين ؟؟.
أتاه صوت عبد العزيز : البحث إلين دحين جاري عنهم .. و أول ما يوصلني أي بلاغ راح أكلمك .
زفر تركي و هو يقول : خير .. أنتظر اتصالك ، في حفظ الله .
أنهى المكالمة و التفت إلى هاتفه المحمول ، أمسك به و أخذ يقرأ رسائل وسن مجددًا ، تلك التي لم تدخر حرفًا أو كلمة حتى تشعره بوحــــشــــيـــته في تعامله مع رهف و إهماله لها بهذا الشكل .
رن الهاتف الثابت مجددًا ، فرفع السماعة على الفور هاتفًا : ألو .. إيوه يا يوسف .. هاه ... طيب .. الحمد لله .. تمام .. و قلتلها إن الراتب عشره آلاف فـ الشهر .. تمام .. اليوم إن شاء الله .. إيوه لازم اليوم تمشي على المستشفى .. أنا راح أكلم الدكتور أمجد الآن .. تسلم و ما قصرت .. في حفظ الله .
أغلق السماعة و هو يزفر و يمسح بكفيه على وجهه في إرهاق شديد ، لم يذق طعم النوم منذ فترة ، و كيف ينعم به و هذا الكم من المصائب يلاحقه ؟؟؟... أسند رأسه إلى الخلف و أسبل عينيه ليستكين جسده المتعب ، كاد أن يغــفو .. لكن صورتها ومـــــــــــضـــت في عقله ، فتح عينيه و تطلّع إلى السقف للحظة قبل أن يعتدل في جلسته و يمسك بهاتفه ليبحث عن رقم الطبيب .. أمـــــــــــجد .
@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@
جده
المستشفى
أمام حجرة رهف
00 : 10 صباحًا
شهقت بصدمة و صاحت : نــــــعم ؟؟!!!!!!!!!! .. دكتورة ايه ؟؟ .
حك أمجد رأسه بعصبية و هو يؤنب نفسه على صعوده إلى هنا بنفسه ، أشاح بوجهه هاتفًا : قلتلك راح تجي دكتوره نفسيه متخصصه و تطلعها من المستشفى .
ضربت على فخذها بحنق و هي تتمنى أن تحرقه بشرارات عينيها المغطاتين بطبقة سوداء و صاحت : و لــــيـــش حـــــــــضــــــــــــرتـــــــــــه مــــــــــــا يــــــــــــشـــرّف و يــــــــــطـــلّـــعــها .. و لاّ كـــــــمــان مــــــــــــشــــغــــول ؟؟!!!!!!!!!!!!.
صاح أمجد في حنق بعد أن فاض به الكيل : دكــــــــتــــوره وســـــــــــن رجـــــــــاءً إلـــــيــــن هــــــــنا و يـــــــكــــفــي .. لا تــــــــحـــطــيــن راســـــــــك فـ راس نـــــــــــاس أكــــــــبــــر مــــــــنــــــك .. هــــذي زوجــــــــتــه و لــــه مــــــــطـــلـــق الــحــريــه فــ تــعــامــلــه مــعــاهـــا .. إنـــتـــي شــغــلـك هــنــا دكــتــوره تـــشـــخـّــص الـــمـــرض و تـــحـــدد عــــــلاج و بــــــــس .
ضحكت في سخرية شديدة و هي تهتف بحنق : آسفه إذا كانت نظرتك للطب قاصره بهذا الشكل يا دكتور أمجد .. لأن الطب زي ما هوا علم كمان معامله .. إنتا ما تعالج آلات هنا .. إنتي تعالج ناس لهم أحاسيس و مشاعر .. و يا كثير الأمراض اللي أصلها نفــــــــسي .
همّ بالانفجار في وجهها مجددًا إلا أن
: لو سمحتوا ...
التفت الاثنان إلى مصدر الصوت و إذا بامرأة متشحة بالسواد تقف أمامهما و في يدها ذات القفاز الأسود ورقة بيضاء ، قالت بتهذيب : دي غرفة المريضه رهف حسن ناصر الـ *****.
أومأ أمجد برأسه على الفور و هو يعتدل في وقفته قائلاً : إيوه .. دكتوره فدوى الـ*****؟؟.
أجابته المرأة بالإيجاب و هي تسأل : الدكتور أمجد الـ ***** ؟؟؟ .
نقلت وسن بصرها بينهما و أمجد يمد يده إليها : هذي الورقه من الأستاذ تركي ؟؟.
مدت المرأة يدها بالورقة و هي تقول : أيوه .. و الأستاز يوسف يستناك تحت .
اطلّع أمجد على الورقة و هو يحرك المنظار الطبي فوق أنفه قبل أن يقول و هو يفتح لها باب الحجرة : تفضلي يا دكتوره فدوى ، و أنا نازل للأستاذ يوسف .
و غادر المكان و هو يحرك قميصه و ملامحه دلالةً على اختناقه من صراخ وسن .
تعلقت عينا وسن بتلك المرأة التي تقدمت نحو الحجرة و هي تسألها بتهذيب : ممكن أتفضل يا دكتوره ؟؟ .
فغرت وسن فاها قبل أن تشير إلى الحجرة و هي تهتف : طبعًا .
دلفت فدوى إلى الداخل و لحقتها وسن و هي تغلق الباب ، رفعت رهف الجالسة على الأريكة بصرها بحيرة إلى القادمتين ، وسن الصامتة و الأخرى التي خلعت قفازيها ثم أزالت غطاءها عن وجهها لتظهر تلك البشرة البيضاء و تلك الملامح الجميلة التي لم تذهبها التجاعيد التي حفرت حول العينين الخضراوين ، ابتسمت برقة و هي تهتف : ازيك يا رهوفه ؟؟؟.
شعرت رهف براحةٍ ما تملأ قلبها لمرأى تلك المرأة ، و كأن قلبها قد تقبلها على الفور دون أية حواجز ، اقتربت فدوى من الأريكة و هي تمد يدها لتسلم على رهف قائلةً : أنا الدكتوره فدوى الـ***** .. قايه هنا بطلب خاص من الأستاز تركي .
خفق قلبه رهف لهذا الاسم ، و اندفعت تلك الملامح الوسيمة إلى قلبها قبل عقلها ليرسل سيالات تقطر شوقًا و لهفة : تركي ؟؟!!!!!!!!!!.
اتسعت ابتسامة فدوى و هي تشد على يد رهف التي صافحتها : أيوه يا حببتي .. عشان آخدك و نروح ع البيت .
ارتجفت شفتاها و هي تنظر إلى فدوى غير مصدقة ، تذهب إلى البيت ؟؟!!!.. إذًا ستقابل زوجها أخيرًا ؟؟ .
تدخلت وسن في هذه اللحظة و هي تزيل غطاءها عن وجهها و وتوجه سؤالها لفدوى قائلةً : دكتوره فدوى .. انتي قابلتي الأستاذ تركي ؟؟.
هزت فدوى رأسها نفيًا و هي تجلس إلى جوار رهف و قالت: لا .. كلمته بس بالتليفون و كلفني أكلم رهف عن حالتها .
خفق قلب وسن بحقد غريب على هذا المدعو تركي ، و لم تستطع منع لسانها من الانطلاق : من المعروف إن الزوج يكون موجود فـ هذا الوقت بالذات .
التفتت إليها رهف و عيناها ترسمان قلقًا غريبًا و استغلت فدوى هذه اللحظة لترمق وسن بنظرة صارمة ، بللت رهف شفتيها و هي تلتفت إلى فدوى و تسألها هامسة : ليه ما جا بنفسه يا دكتوره فدوى ؟؟؟ ليه ما يبغى يكلمني ؟؟ .
أشاحت فدوى بوجهها و هي تمسك بعباءة رهف الموضوعة جانبًا : مضغوط قدًا يا حببتي و البارحه حصل حريق قامد في الأصر بتاعه .
ارتعدت أطراف رهف و همست بخوف : حريق ؟؟؟!.
ابتسمت فدوى و هي تمسح على شعرها : ما تخافيش هوا طيب و بخير .
ثم أردفت بحنان : حببتي .. الأطباء امبارح شخّصوا حالتك تشخيص نهائي و عشان كدا سمحوا بخروقك من المستشفى .
رمشت عينا رهف في توتر ، فقبضت فدوى على كفها بحنان و هي تقول : ما تخافيش ..كتيرين قدًا أصيبوا بنفس الشي و الحمد لله تحسنوا وبئو كويسين أوي ، يعني موضوعك بسيط و الحمد لله .
تراجعت وسن إلى الخلف و هي تتابع باهتمام هذا الحزم العجيب الممتزج بالحنان في كلمات فدوى ، و رهف تنظر إليها بترقب و هي تردف : بالأول كانوا شاكين إنه سبب نسيانك لكل شي هوا ما بعد الارتقاق ( ما بعد الارتجاج ) و دا شي وارد لما الواحد بينخبط على راسه و ترقعله الزاكره بعد كام يوم .. و امبارح تأكدوا إن مركز الذاكره عندك تأسر بالإصابه و بكدا راح تكوني محتاقه شوية وأت عشان ترقعلك زاكرتك مرة تانيه .
.. و تــــــــــســاقـــطـــت دمــــــوعـــــهـــا ....
دموع لم تدر لِمَ .. ، أهو صدمة بالخبر الذي لم تفكر فيه لانشغالها بتركي ؟؟ أم هو فاجعة انكشاف الأمر المجهول أمامها بعد أن كان في الظلام ؟؟.
أطرقت برأسها و هي تكتب شهقات حزن وخوف ، فوضعت فدوى يديها على جانبي رأسها و همست : الله يا رهوفه .. ليه الدموع ديه يا ألبي .. محنا ألنا مشكله بسيطه و إن شاء الله راح تنحل .
هزت رهف رأسها نفيًا و همست بتوجع : أنـ .. أنا خايفه .. خايفه .
نظرت فدوى إليها للحظة ، ثم ضمتها إلى صدرها بحنان و هي تهمس : كلنا بقنبك ..ما تخافيش يا روحي .
شهقت رهف بعنف و هي تنخرط في بكاء مرير ، شعور غريب اكتنفها عندما وجدت نفسها بين ذراعي هذه الحنون ، شعور افتقدته منذ متى ؟؟ .. لا تدري .. و لكن جل ما تعرفه أنها كانت في حاجة شديدة إليه .
أشاحت وسن بوجهها تمنع دموعها و فدوى تمسح على ظهر رهف و هي تهمس في أذنها : رهوفه حببتي .. ربنا بيئول ( وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ ) ، سدئيني اللي صار لك ده مع بساطته في خير كبير و حكمه كبيره احنا ما نعرفهاش .. بس ربنا عارفها .
اخترقت الكلمات عقلها الخامل ، فتحت عينيها لشدة الألم و أمامها تتراءى صورةٌ غريبة ، تفجرت دوامة في ثنايا عقلها و صاحت بتوجع : هـــديـــــــــــــييييييييييييل .
ارتدت فدوى إلى الخلف في حدة و التفتت إليها وسن بحدة مماثلة ، وضعت رهف يدها السليمة على رأسها و هي تلهث بإعياء ، التفتت فدوى إلى وسن و بادلتها نظرة ما كأنها تسألها عن اسمها ، هزت وسن رأسها نفيًا فعادت فدوى تنظر إلى رهف و هي تهمس : افتكرتي حاقه ؟؟.
بكت رهف في حرقة و هي تضع يدها على عينيها : ما أدريييييييي .. ما أدرييييييييييي .. حسيت بشي هـ
خنقتها غصة مريرة فربتت فدوى على ظهرها على الفور و هي تهتف : الحمد لله .. الحمد لله .. دا شي طيب قدًا .. ما تخافيش .
تأوهت رهف و رأسها يتهاوى بإرهاق على كتف فدوى : يا الله .
انقبض قلب فدوى و هي تربت عليها بحنان الأم و التفتت إلى وسن هامسة : كاسة ميه من فضلك .
تحركت وسن على الفور و أخرجت زجاجة الماء من الثلاجة قبل أن تسكب بعضًا منها في الكأس الأبيض الورقي و قدمتها إلى فدوى التي أخذتها و هي تربت على رهف بيدها الأخرى و تهمس : يلا يا حببتي .. اشربي شوية ميه .
هزت رهف رأسها نفيًا و قلبها يخفق بذعر و هي تحاول أن تجد رابطًا للاسم الذي صرخت به و عقلها يغرق في ظلام عجيب ، رفعت فدوى رأسها في هذه اللحظة و هتفت : رهـــــــــف .
فتحت رهف عينيها المرهقتين الغارقتين في ضباب الضياع و الحيرة ، اغتصبت فدوى ابتسامة حنون و هي تقول : يلا .. اشربي شوية ميه عشان نلبسك العبايه و نروح علي بيتك القميل .
ازدردت رهف لعابها و فدوى تقرب كأس الماء من شفتيها : سمي يا حببتي .
همست رهف بـ بسم الله و ارتشفت رشفة بسيطة ثم أشارت إلى فدوى أن يكفي ، أعطت فدوى كوب الماء لوسن و الممرضة تدخل للحجرة و هي تدفع الكرسي المتحرك أمامها ، أمسكت فدوى بالعباءة إلى جوارها و قالت : نلبسك العبايه بئه .
الأمر لم يرق لوسن التي أخذت تراقب فدوى و هي تساعد رهف بكل حنان و .. رهف التي ارتسم الشحوب و الإعياء على وجهها ، تطلّعت إلى فدوى مجددًا و سألتها : عفوًا دكتوره .. كيف تعرفتي على الأستاذ تركي ؟؟ .
ابتسمت فدوى و هي تعاون رهف على النهوض و الممرضة تقرب منهما الكرسي المتحرك : الأستاز يوسف الـ***** ابن قارنا ( جارنا ) زميله .. و عن طريئه اتصل فيني الأستاز تركي .
جلست رهف بمعاونتها على الكرسي المتحرك ، ثم أخذت بكل رقة تلف الطرحة على رأسها و أتبعتها بغطاء الوجه ، و بعد أن انتهت تراجعت إلى الخلف ، رفعت رهف الغطاء عن وجهها و نظرت إلى وسن الصامتة و الكلمات حائرة في عقلها و روحها .. لا تدري أي شيء تقدمه لتلك الرائعة التي وقفت إلى جانبها في وحدتها وضيقها و خففت عنها بعد الله ، ابتسمت و لمعة الدموع في عينيها و قالت : جزاكِ الله خير يا دكتوره وسن .. ما راح أنسى مساعدتك ليّا أبدًا .
تأملت وسن وجهها المحمر بلمعة البكاء ثم اقتربت منها و ضمتها برفق وهي تقول بحنان : و لا أنا .. ما راح أنساك يا قلبي .. راح توحشني كثييير .
ثم تراجعت إلى الخلف و هي تبتسم قائلةً : انتبهي لنفسك و لا تقطعيني .. أنا راح أعطي رقمي للدكتوره فدوى عشان تكلميني عليه .. اتفقنا ؟؟.
أومأت رهف برأسها على الفور و هي ترسل لها ابتسامة أخيرة مع غمازتيها الشقيتين و الممرضة تدفع الكرسي أمامها .
.
.
.
.
خرجتا مع الباب الرئيسي برفقة الممرضة ، فتح لهما السائق الذي يرتدي حلة سوداء أنيقة الباب و تعاونت فدوى و الممرضة على وضع رهف داخل السيارة ، جلست فدوى إلى جوارها و أغلقت الباب ، ثم حرك السائق السيارة .
.
.
.
و من هناك .. و على مقربة ، رآها رغم السواد الذي يغطيها و الذي لم يُظهر منها شيئًا ، رآها و هي تنهض من فوق الكرسي و تجلس في السيارة بمعاونة شخصين بعد أن كانت لديها القدرة على فعل ذلك لوحدها ، قبض على عجلة القيادة بأصابعه و هو يهمس : ليش أعلقكِ فيني يا بنت حسن و كلها أيام و أرجعكِ لأهلك .. ؟؟ .
و وضع نظارته الشمسية على عينيه و هو يردف بذات الهمس : خليهم بس يقبضون على الثنين الباقين و بعدها أرجعكِ لأهلك و أنا مرتاح .
و انطلق بسيارته بعد أن هدأ شيء في نفـــــــسه .
@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@
جده
البحر
إحدى الكبائن
في نفس اللحظات
أغلقت سماعة الهاتف بعد أن نقل إليها أحد عملائها خبر سجن أيمن ، جلست بقوة على الأريكة و نفثت دخان سيجارتها بحنق و هي تحرك رجلها بعصبية ، تناولت كأس الماء البارد من على الطاولة رشفت منه رشفة ثم اعتصرت الكأس بين يديها في غضب وهي تزمجر قبل أن تصرخ بعصبية شديدة و هي تلقيه على الحائط ليتحطم إلى قطع صغيرة ، زفر الجالس أمامها و قال : روحي .. هدي من عصبيتك .
صرخت بشكل هستيري : اش تبغاني أسوي.. و هذاك الـ##### .. واقفلي زي الشوكه في البلعوم ..عساه بالـــــــــــــــــمــــــــــــوت .. كل ما أسوي شي يقلبه فوق راســـــــــــــــي .
وضع إحدى رجليه على الأخرى و قال ببساطة : انتي الغلطانه .
شهقت بعنف و هي تشير إلى نفسها : أنا .. أنا يا فوزي تقلي كذا .
عقد يديه أمام صدره و قال : قلتلك من البدايه استفيدي من جوري بطريقه غير مباشره .. و الظاهر إنك فهمتي كلامي غلط .. رحتي كفخّـتيها و رميتيها عند ولد أختك الأهبل المسجون .. و بعد هذا كله .. تبغين تآخذين الملايين .
صاحت في غيظ وهي تهب من مكانها : قـــــــــــــفـــــــــــــــــل فـــــــــــــمــك.
نهض من مكانه بدوره ، ثم اقترب منها لتلقي بنفسها بين ذراعيه ، فابتسم و هو يقول : حبيبتي .. مو قصدي أزعلك .. بس الـ##### محد يقدر يآخذ منه شي بالقوه .
ابتعدت عنه و نظرت إلى عينيه و هي تهمس بدلال : يعني .. اش تبغاني أسوي .. منتا شايفه كيف مقوم الدنيا تدور عليا ؟؟ .
ضحك بخفة ثم قال : نسيتي إن وجدي موجود و يقدر يطلعك من أي مكان زي الشعره من العجين .
ضحكت و قالت : تصدق انك شيطان .
اتسعت ابتسامته و هو يقول : من يومي شيطان.
لفت يديها حول رقبته و هي تقول بدلال : حبيبي ..متى راح نرتاح و نتزوج ؟؟ ..
مسح على شعرها و هو يقول : قريب يا عمري .. قريب .. ..المهم دحين لازم نروح لفيلا الصيد.. و بالمره تفكري على راحتك في الخطوه الصح اللي راح تسوينها .
أومأت برأسها و هي تتراجع إلى الخلف هاتفة : أوكــــــــي .. بس ثواني أجهز أغراضي و راجعه .
و ركضت إلى الدور الثاني و هي تهمس بحقد عجيب : والله ما أسيّبك فـ حالك يا ولد الوليد .
@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@
تبوك
الفندق
15 : 10 صباحًا
من بين الظلام و البرودة ، مد يده للرف الصغير بجوار السرير و التقط الهاتف المزعج ثم رفع ذراعه عن عينيه لينظر إلى الشاشة، هبّ جالسًا و هو يهتف بارتباك : كــــــــيف نســـــيته ؟؟!!!!!!!!!!! .
ضرب جبينه بحنق ثم تنحنح و ضغط على السماعة الخضراء قائلاً : هلا بالغالي .
صمّ أذنه صراخ عمه : عساااااك بالـ##### .. ويـــــــــــــــييينك انـــــــــــــــت .. لــــــــــيـــش مقفل جوالــــــــــــك ؟؟؟؟؟ .
أغلق ياسر عينيه من قوة الصوت و هتف : آه .. و الله خلص الشحن و ما لقيت شاحن إلا قبل ساعه .
زفر أبو فيصل و صاح : أنـــــــــا مــــــــــا قلتلك انــــــــقــلـع للضابط عثمان .. مــــــــــن البارحه ينـــتـــظـــرك .. لـــــــــــــيـــــــــــــه مــــــــــــــا رحــت ؟؟ .
مسح ياسر وجهه بكفيه و غمم : عمي .. أنا كلمت تركي .
صرخ عمه : تـــــــــــــركـــي ؟؟!!! .
أسند ياسر ظهره إلى حاجز السرير و قال بهدوء : الحين أقلك كل شي .
@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@
جده
30 : 10 صباحًا
حي راقٍ ، هادئ ، تشير مبانيه إلى الحالة المادية الممتازة لأصحابه .. و من بينها و تحت أشعة الشمس الساطعة ، توقفت السيارة الفاخرة أمام تلك الفيلا التي رصفت جدرانها بأحجار خضراء أنيقة تدل على ذوق راقي ، يزداد جمالاً مع تلك الديكوارت المختلفة التي زينت جوانب الفيلا و أسوارها المرتفعة بأسلوب متميز حديث .
فّتح الباب الكبير لتتحرك السيارة بنعومة على الأرض الرخامية السميكة و منه إلى ممر عريض طويل يصل إلى باب واسع فخم ، أوقف السائق السيارة ثم نزل منها على الفور ليفتح الباب الذي نزلت منه الطبيبة فدوى و هي تنظر إلى إحدى الخادمات التي تقرب كرسيا متحركًا منها ، تعاونت هي و فدوى على وضع رهف عليه و من ثم حركت الخادمة الكرسي إلى الممر المرتفع المخصص لسير العربات .
أغلقت خادمة أخرى الباب خلفهم و رفعت فدوى الغطاء عن وجهها و رهف كذلك و عيناها تجولان في انبهار على الأرائك الفاخرة و التحف الفخمة التي تملأ المكان من حولها بألوان متناسقة متميزة ، ربتت فدوى على كتفها و قالت مبتسمة : أنا سبئتك و شُفت المكان عشان أعرّفك عليه.
حدقت فيها رهف بحيرة خائفة عندما لم تذكر شيئًا مما حولها ، و سألتها : أنا كنت عايشه هنا من قبل ؟؟ .
هزت فدوى رأسها نفيًا و قالت : لا .. كنتي فـ الأصر .. بس حاليًا تحت الترميم و دي الفيلا حاقه مؤقته بس .
زفرت رهف في راحة ثم رسمت على شفتيها ابتسامة باهتة و قالت لفدوى : دايمًا راح أجلس على هذا الكرسي .. ما أقدر أمسك عكاز زي اللي شفتهم فـ المستشفى .
ضحكت فدوى و قالت : أكيد بتئدري .. و اللي طلبتيه أهّوه .
التفتت رهف لترى إحدى الخادمتين بثوبها المرتب تحمل عكازين طبيين و تتقدم منهما ، مالت فدوى على رهف و قالت : يلا يا بطله .. منها تدربي عليه و منها تمشي براحتك و تتفرقي على الفيلا .
اتسعت ابتسامة رهف و هي تشعر بفضول عجيب لاكتشاف هذا المكان الجديد ، و راحة خفيفة في أنها لن تصارع نفسها و تعتصر عقلها المرهق لتتذكر شيئًا مما حولها .
@@@@@@@@@@@@@@@
|