- دائرة الزواج
مضت ثلاثة أسابيع على رحيل برودي , لكن جراح جاسيكا لم تبرأ , كانت تجلس حزينة , تتساءل أن كان هذا هو قدرها , أن تنزوي وحيدة وتنزف الى الأبد؟
كانت الأيام تبدو طويلة مثقلة بالهموم, تجمد فيها الوقتوتجمد ت الدموع في عينيها, وأصبح الليل عدوا لدودا ينخر عظامها , ويشد جفنيها , ويحرم عليها لذة الرقاد.
أستلقت تلك الليلة , مرهقة على الأريكة , وصور الماضي تتزاحم ف رأسها , تنهشها التساؤلات وتزرع اليأس في قلبها , فتتساءل أن كان عليها أن تسلك طريقا آخر مع بروديّ
لو لم تستسلم لمغامراته العاطفية هل كانت تبدلت العلاقة؟ هل تراها أستعجلته لطلب يدها؟ وهل تراها أتبعت الطريقة الأفضل لأستمالة الرجل وجذبه الى دائرة الزواج؟
لقد باتت قصتها مكشوفة الآن , بعد أن لاحظ الجميع هزالها المفاجىء , ولفت أنتباههم شحوب وجهها وتبدل مزاجها , وبنوع خاص , خالها وسكرتيرة المكتب , لقد عرفا سر تبدل جاسيكا المفاجىء , وكيف تحولت تلك الفتاة المرحة المرهفة اللطيفة المثابرة , المتوثبة الذهن , الى أنسان عصبي تثيره أبسط الأشياء وأتفهها , لذلك بدأت علاقتهما بها تتحول الى نوع من الشفقة , وراحا يسديان اليها المواعظ... الأمر الذي كان يزيد عصبيتها ويعكر مزاجها!
كان جرس الهاتف يرن بألحاح لكن جاسيكا لم تكلف نفسها مشقة الجواب.
كانت الساعة تشير الى السابعة حين رفعت السماعة , ولفظت بصوت متهدج . وكأنه أنين أنسان منازع:
" ألو".
لا جواب على الطرف الآخر , همس متنكّر لا يقوى على البوح بسره.
قفز قلبها من صدرها فردت من جديد:
" ألو".
لكن الصوت الهامس أكمل همسه, وتمتم:
" هل أنت جاسيكا ثورن؟".
" من ؟ برودي؟".
حضنت السماعة بيديها وكأنها تريد معانقة محدثها على الطرف الآخر , لكن الصوت , أجاب متلعثما :
" عذرا , لقد أخطأت".
وأقفل.
كانت تعلم أنه برودي , قلبها ينبئها بذلك, والقلب لا يخطىء , صرخت به:
" برودي... أسمعني!".
لكن كلماتها لم تصل اليه , فأعادت السماعة الى مكانها , وأرتمت على الأريكة حزينة , وأغرورقت عيناها بالدموع , أنها المرة الأولى التي تشعر بها بحاجة الى البكاء , لذلك راحت تشهق مثل طفل صغير , قضت تلك الليلة ساهرة في فراش ينخرها كالأشواك.
تلك السنة أقبل الصيف حارا أكثر من المعتاد , وكأن الطبيعة أرادت أن تزيد الثقل على قلب جاسيكا , فقد كان المكيف الكهربائي معطلا في مكتبها لذلك أخذت غلاف مجلة وراحت تستخدمه كمروحة تعيد اليها أنفاسها , دقائق ثم خرجت من غرفتها غاضبة وراحت تصرخ بالسكرتيرة:
" لم أعد أطيق غرفتي الخانقة, متى سيأتي الكهربائي ليصلح المكيف؟".
" وعد أنه سيأتي ظهرا".
نظرت جاسيكا الى ساعة يدها , وقالت بغضب ظاهر:
" أنها الثانية عشرة الا عشرين دقيقة , متى يأتي؟".
" هل تريدين أن نتصل به مرة ثانية؟".
" أجل , أتصلي به, وقولي له أذا تأخر عن موعده سوف ...".
كانت جاسيكا في ذروة غضبها لذلك لم تستطع أن تكمل عبارتها لشدة أضطرابها , وبينما هي في أوج ثورتها , سمعت صوت رجل يمازحها قائلا:
" قد يكون من الأنسب أن يأتي بعد الظهر , أن حرارتك مرتفعة أكثر من اللازم هذه الأيام".
وراح الرجل يقهقه بمرح , لكن جاسيكا , ردت على الضحكة بزيادة أنفعالها , رغم أن الرجل لم يكن سوى خالها , ورب عملها , فتجهم وجهها أكثر , وعلت جبينها تجاعيد قاتمة , دنا منها خالها باسما وقال:
" جاسيكا , ماذا أصابك ؟ أين نكاتك الطريفة؟".
" تبخّرت في هذا المكتب العفن".
فأسترسل خالها بضحكة محاولا أن يلطف خاطرها , لكنها بدل أن تهدأ أرتفع صوتها أكثر وقالت له:
" أضحك فأن الأمر لا يعنيك , ففي غرفتك مكيف من أجود الأنواع , وأنت لا تشعر بالحر".
" هذا أمر طبيعي , فأنا صاحب الشركة".
كادت جاسيكا أن تجهش بالبكاء وهي تصرخ بوجه خالها :
" بأمكانك أن تأخذ شركتك , مكيفك , وكل ما تريد...".
لكنه تدارك الموقف فأقترب منها ووضع يده على كتفها بدفء وقال:
" مهلا يا عزيزتي , ربما أسأت اليك, صدقيني أريد أن أكفر عن ذنوبي , أنني أدعوك لنتناول الغداء في مطعم فخم يكون فيه مكيف للهواء".
وبصعوبة كبحت جاسيكا جماح غيظها وقالت لخالها:
" أن كنت تعتقد أنني سأرفض , فأنت مخطىء , ثم لا تنس أن آن شاهدة عليك ولن تستطيع أن تنكث بوعدك".
" أنا لا أحلم , ودعوتي ليست للمجاملة".
وأقترب ناحية السكرتيرة مضيفا:
" أن سأل أعد عني قولي له أنني أتناول الغداء مع فاتنة شقراء , ألا أذا أتصلت زوجتي فقولي لها أنني أتغدى مع جاسي".
| دعني أحضر حقيبة يدي".
شبك يده بذراعها وتوجها الى سيارته.
" الى أين تريدين أن نذهب؟".
" لا فرق عندي, الى أي مكان شرط أن يكون مكيفا".
في الطريق بدأ خالها الحديث بقوله:
" أنني فخور بك يا جاسيكا".
فأجابته وقد شغلتها ملاحظته عن تأمل المناظر عبر زجاج السيارة.
" أصحيح ما تقوله ؟ أنا لا أتذكر أنني فعلت أي شيء يستحق مثل هذا المديح".
" أنا لم أقصد عملك في المكتب , على العكس أنا فخور بشخصيتك القوية , وبقدرتك على مواجة المصاعب, فمنذ شهرين كنت تبدين على حافة أنهيار عصبي".
دخل كلامه الى قلبها وأحدث فيها هزة , لأنها لم تكن تتوقع هذا التلميح المباشر على علاقتها الفاشلة مع برودي , لذلك أدارت وجهها نحو زجاج السيارة , وأغمضت عينيها , ثم تمتمت:
" أن الزمن قادر أن ينهي أصعب القصص".
" أنني أدرك مدى صعوبة كلام الآخرين , وحدة سهامهم , أعذريني أن كنت قد قسوت عليك , أو أرهقتك بالمواعظ , لم أكن أبغي الا خيرك".
" أنني أقدر لك توجيهاتك , ولن أنسى فضلك أبدا".
وراحت تسترجع الماضي , وتتذكر الصدمة التي كادت تدمر حياتها, وكيف أستدعاها خالها الى مكتبه , بعد شهرين من التمزق , وراح يستفسر عن ضياعها وعن أسباب خلافها مع برودي , فأطرقت صامتة ولم تكن قادرة على أن تشرح , وحين فهم أن الأجوبة على أسئلته مستحيلة , تحدث اليها ببساطة , وحنان قائلا:
"أذا لم يعد هنالك أي مجال للتلاقي , أريدك أن تطوي هذه الصفحة من حياتك وتنسيه الى الأبد".
بدا الأقتراح لاذعا , رغم واقعيته , فشعرت جاسيكا أن الحياة تضع الناس أمام الأختيارات الصعبة , وتفرض عليهم عملية الأختيار...
أيقظها خالها من شرودها بقوله:
" ها قد وصلنا".
فترجلت لتتعرف الى المكان الذي أصطحبها اليه:
" يا ألهي".
وأحست أن قلبها يعتصر , أنها محطة القطار التي دعاها برودي اليها من قبل , وشعرت بالرغبة في الأبتعاد عن هذا المكان , تمنت لو يصطحبها خالها الى مطعم آخر , ولكن كيف تبرر له هذا التمني؟ أيليق بها أن تواجهه بالحقيقة, وهي أضعف من أن تقف على الأطلال وتبكي على الذكريات الماضية؟
ألم تعلمها التجربة أن الوقوف عند الرصيف قرب مبنى شقتها , محاولة يائسة لن تعيد اليها الحبيب؟
ألم تستفق أخيرا من أوهامها , فتعلم أنه من العبث الألتفات الى كل سيارة فخمة , ظنا منها أن برودي قد يكون في داخلها؟
مشت الى جانب خالها مرتعشة , أرتفع صوت قريب ينادي خالها :
" رالف! كيف حالك؟".
وقف رجل عن كرسيه لكي يرحب بهما , وللحال تعرفت عليه جاسيكا , أنه كال جانسون, فهي لم تجتمع به منذ أختلافها مع برودي , لقد تهربت أكثر من مرة من التحدث اليه عندما زار مؤسسة خالها لتصريف بعض الأعمال , وتساءلت هل سينضم اليه أحد القيمين عن شركة " جانسون للمراكب".
دنا خالها من جانسون ورد عليه التحية.
" كيف حالك يا كال؟ هل الأشغال على ما يرام؟".
" كل شيء بألف خير".
ثم ألتفت نحو جاسيكا , وأضاف:
" جاسيكا , أنك تزدادين جمالا ".
" شكرا لك".
ثم تمتمت في قرارة نفسها : أرجو ألا يأتي على ذكر برودي , لكن جانسون تابع حديثه مازحا:
" كلما رأيتك أشعر بأنني عدت عشر سنين , أو عشرين سنة الى الوراء , بالمناسبة سوف أتصل ببرودي الآن , وأقول له أنكما بضيافتنا على العشاء , بما أنني ألتقيتكما الآن , فالصدفة خير من الميعاد , يسعدن أن أدعوكما الى العشاء...".
تمالكت جاسيكا أنفاسها , وضبطت أعصابها ,حين علمت أن برودي موجود في المدينة , وأرادت أن تفهم جانسون بأن العلاقة أنتهت مع برودي , لكنها لم تستطع الكلام من شدة الأنفعال , فتابع الرجل حديثه قائلا:
"أعلم أن برودي يستمتع بلقياك , ولا أحد غيرك يستطيع أقناعه بتلبية دعوتنا , فهو كثير الأشغال دائم الأسفار!".
" ولكن...".
قاطعها جانسون:
" ها هو يأتي صدفة, وسنحاول أن نقنعه معا".
كاد قلبها أن يتوقف , وأعتلى الشحوب وجهها النضر , حين أبصرت برودي يشق طريقه بين الطاولات واثق الخطى مرفوع الرأس, كان يبدو في ذروة جماله وأناقته , بعد أن سرّح شعره بطريقة جديدة , وأختار كعادته أفخر الملابس وأجملها.
وأحست جاسيكا بقدرته تقطع مفاصلها , وتسرق أنفاسها من ضلوعها , لم تكن مستعدة للمواجهة , فتمنت لو تغيب عن المكان بقدرة سحرية.
كانت عيناها شاخصتين به , ولا تستطيع أن تبتعد عنه لحظة واحدة, ويأكلها سؤال مبرح:
" ماذا يجول في خاطره الآن؟ ما هو شعوره في هذه اللحظة ؟ ماذا تراه سيفعل؟
حاولت جاسيكا عبثا , أن تعرف مشاعر برودي , أو أن تكشف أحاسيسه من خلال تقاسيم وجهه , لكنه لم ينظر اليها , لم يحييها , بل تعمّد اللامبالاة , وكأنها أنسان غريب يلتقي به للمرة الأولى...
ووسط دهشتها , رحب جانسون ببرودي قائلا:
" أنها صدفة رائعة حقا , أنظر بمن التقيت منذ لحظات".
لم يكترث برودي لكلام جانسون , ورد بصوت خافت , دون أن يلقي التحية على جاسيكا , أو حتى أن ينظر اليها:
" أعتذر لقد تأخرنا في بلتمور".
أصيب جانسون بالذهول , وراح يحدق تارة ببرودي , وتارة أخرى بجاسيكا , ويكاد لا يصدق ما يرى, فهو لم يتوقع أن يلتقي الحبيبان مثل الغرباء , ووسط دهشته قال لبرودي:
" لقد أنتظرتك طويلا , وقلت لجاسيكا أنكم...".
قاطعه برودي مجددا:
" لو تأخرنا أنا ودرو بضع دقائق لسبقتنا الطائرة".
ثم جلس الى المائدة بدون أن ينظر الى جاسيكا , التي شعرت بأنها أصيبت في الصميم , وبأن كرامتها قد أهينت, وأحت بأعين الجميع تنصب عليها , وتكاد تعريها من ثيابها , وفي ذروة غضبها , وقع بصرها على كوب ماء مليء بقطع الثلج , فتناولته , وبحركة لا شعورية أفرغته على رأس برودي!
لم تنتظر ردة الفعل , بل أدارت ظهرها , وخرجت, وسط ذهول الحضور ووشوشاتهم.
كانت تسير مسرعة الخطى , لتقطع الممر الفاصل بين المطعم والطريق , ويبدو أنها تعبر ممر الألم , لتصل الى ضفة الأمان , بعد أن شفت غليل قلبها , لكنها أحست فجأة بيد فولاذية تطبق على ذراعها , وتسمرت في مكانها , ألتفتت لتجد برودي يقف أحمر العينين غاضبا , والزبد يملأ فمه , وتكاد أصابعه العنيفة تحطم عظامها.
صرخت به:
" أتركني!".
فرد بعنف , وهو يطبق أسنانه , بغضب ظاهر:
"أخرسي!".
حاولت جاسيكا أن تتخلص من قبضته , بلا جدوى فراحت تصرخ:
" أتركني , أتركني , والا طلبت من مدير المطعم أن ينادي الشرطة".
كانت تحاول أن تتخلص من قبضته , ولكنها في قرارة نفسها تشعر بوطأة عينيه , أخذها بحركة عنيفة وأسكتها.
أبتعد عنها قليلا , ثم دفعها أمامه بأتجاه المخرج, الذي كانا على مقربة منه , وبينما هو يدفعها بقوة , سمع صوتا يصرخ به:
" بالله عليك يا برودي , ماذا تراك تفعل؟".
تطلع وأذا درو , مدير أعماله يحاول أن يحد من تصرفه الهمجي , ويعيده الى صوابه , لكن برودي الغاضب , لم يسمع بل تابع سيره وهو يقول:
" اليك عني!".
" ماذا دهاك يا رجل ؟ أنت تستحق كوب الماء البارد على رأسك على كل حال , كيف يمكنك أن تتصرف هكذا مع الناس؟".
ثم أرسل درو نظرة قلقة صوب جاسيكا , وقال لبرودي بلهجة الأمر:
" أتركها وشأنها!".
" قلت لك أبتعد عن طريقي!".
" تريدني أن أبتعد عن طريقك ,الى أي حد؟ ربما تريدني أن أبتعد نهائيا؟ هل تريد أستقالتي؟ هل هذا ما كنت تبحث عنه خلال الأشهر الماضية؟".
" بصراحة يا درو لا فرق عندي , يمكنك أن تفعل ما يحلو لك".
وبحركة من يده , دفع برودي درو من أمامه وتابع سيره, وجاسيكا معه , بأتجاه الباب الخارجي.
كان يسير بخطوات سريعة, وكانت جاسيكا تركض كي تبقى بمحاذاته , فسألته :
" الى أين نحن ذاهبان؟".
" أخرسي!".
وتابع خطواته المسرعة وهو يجرها وراءه حتى وصلا الى السيارة , فتح الباب , ودفعها الى الداخل , فجلست تتحسس موضع يده على ذراعها , وكانت تشعر بألم مبرح.
جلست بصمت وكآبة , بينما كان برودي يقود السيارة بصمت غاضب, وسرعان ما أدركت أنه يتوجه بها نحو شقتها.
توقفت السيارة أمام المبنى , ترجل برودي , ثم فتح الباب من جهة جاسيكا , أمسك بذراعها من جديد محاولا أن يدفعها بالقوة الى الخارج , فعضت على شفتيها مبدية أعتراضها لكنه لم يبال .
عند الباب , فتح حقيبة يدها بالقوة وأخرج المفتاح ... وضعه بالقفل بعنف ثم أدخلها أمامه ولحق بها ثم أقفل الباب غاضبا .
خطت خطوتين داخل الغرفة , ثم توقفت , وراحت تقضم أسنانها من شدة الغيظ , ثم تطلعت نحوه وصرخت به بقوة:
" ماذا بعد؟ ما هي الخطوة التالية ؟ هل تريد أن تهاجمني؟".
كان صوتها يضج بالتحدي , لذلك أدار برودي وجهه عنها قليلا , وضع أنامله في شعره وهتف بصوت عال/
" لعنك الله يا جاسيكا".
" لعنني الله , أنا؟".
وأطلقت ضحكة ساخرة وتابعت:
" لعنك الله أنت لأنك تجاهلت وجودي!".
أقترب منها , وضع يده حول عنقها , فكاد يخنق الكلمات ثم قال:
" كان عليّ أما أن أقتلك , أو أن أتجاهل وجودك , كان بأمكاني أن أقتلك بسبب ما فعلته بي وبعد أن أتأكد من موتك أقتل نفسي".
كان صوته جازما , ونبراته حادة , وأنامله تطبق بحزم عل عنقها , ورغم ذلك لم تشعر جاسيكا بالخوف , بل سألته بكل جرأة:
" لماذا؟".
" لقد حاولت كل شيء لكي أقصيك عن ذهني , لكي أبعد طيفك عني , وأتخلص منك , لكن عبثا كنت أحاول بقوة , لكنك كنت تسيطرين عليّ بقوة أكبر , فأسقط أمامك مثل طفل صغير , أتعلق بتفاصيل ذكرياتك , برائحة ثوبك , لعنك الله , ولعن ذكرياتك...".
أنحنى قليلا على عنقها وعانقها.http://www.liilas.com/vb3
" هل حقا تريدني أنا؟".
" يا ألهي , كيف تسألين؟ منذ اليوم الذي عرفتك , سرقت قلبي , وجميع حواسي , ولم يعد بمقدوري التفكير بأحد سواك".
فوجئت بكلماته , لم تكن تتوقع أن تسمع منه هذا التصريح , لذلك شعرت بصدمة , وحاولت أن تستجمع أنفاسها , وتسيطر على أفكارها , فتمتمت:
" ماذا؟".
ووسط ذهولها , أخذ وجهها بين يديه , وهمس بحنان:
" أنت أمرأة بلا قلب , لم يؤثر فيك لا قلبي , لا حبي , ولا رجولتي...".
" برودي هل تحبني؟ هل حقا تحبني؟".
كانت بحة صوتها تشبه أنين عصفور , فأحس برودي بصدقها , فرد:
" لا تدّعي أنك كنت تجهلين حقيقة شعوري نحوك, لقد أمضيت في الجو من أجلك , ساعات طويلة كانت كافية لأنجز أضخم مشاريعي , لا أحد يفعل ذلك أن لم يكن يشعر بالحب".
"ولكنني كنت أعتقد ... أن جوردانا !".
كانت جاسيكا مضطربة جدا , فلم تعد تعرف لا كيف تفكر , ولا بماذا تجيب حين رد برودي مستغربا , نافيا أية علاقة بينه وبين جوردانا:
" شقيقتك ؟ يا ألهي!".
" كنت أعتقد أنك تريدني فقط من أجلها".
" تعنين ., لأنني كنت على علاقة سابقة بها؟".
" ألم تقل بأنني أذكرك بها...".
وتابعت جاسيكا:
" ثم , تلك الليلة , حين ألتقيتها هنا , كنت تحدق بها طوال الليل".
" تلك الليلة كنت أشعر بالمرارة لأنك لم تكوني تريدين وجودي بينكم, لم أكن أعلم أين كنت أتطلع , ربما كنت أتطلع الى جوردانا , لكنني كنت أحاول أن أفهم ما الذي شدّني اليها , في زمن الصبا , هل كنت تشعرين بالغيرة؟".
" كنت أحترق غيرة" ردت جاسيكا ببساطة.
" يا ألهي , كنت أعتقد أنك رفضت وجودي لأنك كنت تعتقدين بأنني لست من مقام أسرتك!".
" كلا يا برودي! كيف يمكنك أن تفكر بهذه الطريقة؟".
ثم أخذ يده بيدها , وشدت على معصمه , وأطلقت ابتسامة ناعمة من ثغرها , فشد برودي على يدها , وقال:
" ربما هي عقدة النقص التي كبرت في صدر ( الفتى الشرير) القادم من الجهة الفقيرة من المدينة لقرع باب آل ثورن الأغنياء , فيقفلون الباب في وجهه , أما بما يتعلق بجوردانا , ربما عندما ألتقينا في المرة الأولى , أردت أن أخرج معك بسببها , لكي أنتقم من فتاة بورجوازية رفضت الخروج معي في الماضي ,لكن صدقيني بعد لقائنا الثاني تبدل كل شيء , ولم يعد للقاءاتنا أي علاقة بموضوع الأنتقام..".
بينما كان برودي يتكلم , كانت جاسيكا تدنو منه رويدا رويدا , حتى لاصقته فهمست بصوت خافت ينبعث من أعماق جوارحها :
" أنني أحبك يا برودي".
فطوّقها بذراعه, وطبع قبلة حارة على يدها , ثم قال , بصوت متساءل:
"أذا كنت حقا تحبيني , لماذا جعلتنا نمر بهذه التجربة القاسية؟ لماذا رفضت أن تستسلمي لحبي؟".
" لأنني كنت أعتقد, برفضي الأستسلام لرغباتك , قد تتزوجني , الحقيقة كنت أريد أن أكون زوجتك , لا عشيقتك , كنت أريد أن أشاركك لا أن أقاسمك السرير فقط".
" سوف يكون لك ما تريدين , أذا كانت الطريقة الوحيدة للحصول عليك هي بالزواج, فسوف أتزوك".
نفرت جاسيكا قليلا الى الوراء , ثم قالت بحسرة ظاهرة:
" لماذا يا برودي ؟ لماذا لا تريد أن تتزوجني؟".
" لسبب بسيط جدا , أنظري حولك , أنك تملكين كل شيء , كنت دائما تملكين كل شيء : المال , الملابس الفخمة , المنازل الوثيرة ,والمدارس الخاصة , عندك كل شيء تحلم به الفتاة ".
لمع بريق حزين في عينيه لاحظته جاسيكا فحدقت به , وقالت:
"المال ؟ هل هذا هو سبب عدم رغبتك بالزواج؟ أي فرق بالنسبة اليك , أنت غني جدا , بأمكانك أن تؤمن لي أفضل سبل العيش, فماذا تخشى؟".
" نعم, أنا أملك المال اليوم, ولكن غدا من يدري , قد أخسر كل شيء , أنها مجرد لعبة حظ بالنسبة الي".
" المال لا يعني لي أي شيء, أنا لا يهمني أن كنت ثريا أم لا , أنا أحبك".
رد برودي بهدوء:
" أنه كلام جميل , لكنك لا تعلمين معنى أن يعيش الأنسان بلا مال, عندما يأتي ذاك النهار تكتشفين أن الحب وحده لا يكفي".
ردت جاسيكا بحزم:
" بل أنه يكفي , ربما الحب ليس كل شيء , لكنه كاف بالنسبة لي , طيلةة أشهر غيابك , كنت أجلس وحيدة في البيت , كانت جميع المجوهرات التي أهديتها اليّ معي , لكنها لم تكن تعني لي أي شيء , لأنني كنت عاجزة عن الحصول عليك , لقد قلت لي مرة : ماذا ينفع المال أذا كنا لا نستطيع أن نتقاسمه مع من نحب , ولكن بلا مال يمكنك أن تتقاسم الحب مع من تحب!".
كانت تريد أن تتابع كلامها , لكن برودي أخذها بين ذراعيه , وأسكتها بأجمل الطرق.
تمت