كاتب الموضوع :
جين استين333
المنتدى :
روايات عبير المكتوبة
التوأمان
لم يرد أثناء العمل يوم الاثنين التالي أي ذكر للتمثيل الذي أياد بعد ظهر يوم السبت فيما عدا تساؤل متهكم اذا كان كل شيء في البيت على ما يرام فاستطاعت ليلي أن تجيب في رصانة كاملة بأن كل شيء بخير وعندها انغلق رويز على نفسه, وأستأنف املاء خطاباته. وفي وقت لاحق من ذلك اليوم أخبرها بأنه كان معتزما السفر الى كاراسترانو في يوم الاربعاء وأنه كان يتوقع أن يغيب حوالي أسبوعين. وتلقت ليلي هذا النبأ على الفور على أنه طريقته لتفادي حفلة تيس, وهذا ما لم تلمه عليه, لأن أي أمرئ لم يألف هذا النوع من الأمور كان خليقا بأن يراه ثقيلا على أعصابه. ولكنه بادر بتبديد هذه الفكرة اذ أردف قائلا أنه عائد في وقت مناسب لحضوره الحفلة!
جاء بروس بعد ظهر ذلك اليوم ببعض تقارير لرويز, كما حدث حين التقت به لأول مرة. وحشدت ليلي صلابتها لتسيطر على نفسها ولكن السحر كان قد غاب للمرة الاولى. وقالت في نفسها لعل هذا طبيعي فأن السحر قد تهشم على أية حال يوم عادت الى البيت فوجدته وستيلا بين ذراعيه! وما خطر لها أن ألم ذكرى تلك الامسية لم يكن بالغ الحدة, أو أنها تذكرت قول جانيس ان الزمن يلئم الجروح اذا ما اتيحت له فرصه مما خفف عليها.
وسألته:
" الم تتلق بعد نبأ من ستيلا؟"
وأستغرب في نفسها أنها أستطاعت أطلاق السؤال دون أتفه تهدج في صوتها! فأجاب في شبه اكتئاب:
" كلا... يبد وأن خطابي لم يصلها بعد."
فقالت تطمئنه:
" لاتقلق فهي ستتلقاه وعندها ستتصل بك على الفور."
وهزت رأسها وأردفت:
" أنني آسفة لأنني لم أفاتحك في ... في اليوم ذاته ما كان ينبغي أن أرجيء ذلك الى أن ظننت أنني أوتيت عذرا معقولا لفسخ الخطبة!"
وكاد بروس يقطب جبينه ولكن لسبب غير الذي خطر لها في البداية وقال:
" أنا لست مرتاحا لما تفعلين. ألا بد لك من الزواج منه حقا؟"
فهزت كتفيها قائلة:
" أحسبنا تحدثنا في هذا من قبل فلسوف يسهل ذلك لستيلا الامور ولن يضيرني."
وأضافت محاولة أن تمزح:
" سأقضي بضعة أشهر للراحة في المكسيك دون مقابل."
قال في شيء من التجهم:
" آمل ألا يضيرك ذلك ألا تدركين.."
فقاطعته بهدوء:
" أنك تعرف رويز آلدوريت ليس لدي أتفه شك في أنه سيلتزم بالاتفاق. ومهما يكن ما يخالجك حين ترانا معا, فثق أنه مجرد تمثيل. وهو لم يتغير في الواقع لا يزال تحت مظهره بارد العواطف كالعهد به دائما."
وساءلت نفسها:
" ترى ألم يتغير حقا؟ كان هذا شيئا لا تستطيع الجزم به."
ووافقها بروس على مضي قائلا:
" ربما ولكني مازلت لا أرتاح لذلك." سواء أرتاح أو لم يرتاح. فلم يعد هناك ما يملك ان يفعله. لقد اختارت المخرج ورفضت ان تعدل عنه. وقالت معقبة:
" على أية حال فانني حين قبلت الاتفاق وعدت بألا أرجع عنه في اللحظة الاخيرة. أنه أوتى فترة معينة لتنفيذ شروط الوصية ولو تخليت عنه فسيكون عليه ان يبدأ من جديد."
سيكون الوقت متسعا ليعثر على سواك."
" ربما , ولكن ما من ضرورة لذلك بجانب هذا, كيف تتقبل ستيلا الامر في رأيك اذا أنا فسخت الخطبة الى رويز؟"
" لابد من أن تفسخ بعد مدة لابد من فصم الزواج على الاقل."
فهزت كتفيها قائلة:
" سيكون هذا بعد شهور على الاقل وكثير من الزيجات تنفصم بعد ثلاثة أشهر أو أربعة أشهر. ولا تنس أن لدي عذرا مشروعا تماما. فان رويز في وسط لاتيني ومع أه قضى في انكلترا عشر سنوات فسيكون من المفهوم ان تتجدد اذا ما عاد للمكسيك كل الآراء والأفكار القديمة مما يسبب عدم التكافؤ. أن للمكسيك تراثا أسبانيا قويا ولديهم آراء عن تبعية النساء للرجال. وأنا شديدة الاعتداد بالاستقلال. أنني أكره خداع الاسرة طبعا ولكن..." وتوقفت عن الكلام وهزت كتفيها ثانية. فتمتم بروس:
" ما أزال غير مستريح لذلك. وعلى أية حال فلست أفهم كيف أقتنعت أسرتك بهذه السهولة. أنا شخصيا لم أقتنع."
" أنك تبينت الحقيقة عفوا. ما كنت أعتزم ذلك. أما بالنسبة الى الاسرة.. فأرجو الا أجرح غرورك بنفسك اذا قلت أن في المحيط سمكا آخر وهم يظنوني عثرت على واحدة."
وتضرج وجهه في أرتباك بينما أستطردت هي:
" ما كنت أقصد هنا وأنما كنت أمزح... ما قصدت أن تحمل قولي على هذا المحمل."
فتمتم وهو يغالب الارتباك:
" مازلت غير مستريح."
" ولا أنا ... ولكني ماضية في الاتفاق. لو كان في الامر فتاة أخرى لاكتفيت بفسخ الخطبة. ولكن لأنها ستيلا فاني اعتزم ان أبذل كا ما يمكن لأجعل الامور تسير نحو نهاية صحيحة. فلندع الأمور على هذا النحو..."
* * *
أقترب يوم عيد ميلاد تيس ورويز مازال غائبا وأضطرت ليلي الى أن تجعل الجميع يظنونه رحل ليتفقد ممتلكاته خشية أن تكون ثمة ضرورة لبعض التعديلات قبل أن يذهبا معا الى كاراسترانو. وما كان في الواقع قد قال شيئا من هذا القبيل حتى أنه لم يخبرها بسبب ذهابه الى هناك. ولكن هذا الايضاح بدا مناسبا أذا ما صادف ان سألها شخص ما.
وحان يوم الحفلة وما من نبأ من رويز عن عودته. بل أنه لم يرجع الى انكلترا في الليلة السابقة. وكانت ليلي تهز كتفيها في غير مبالاة اذا ما سئلت وتقول:
" أنني أتوقع وصوله في آخر لحظة."
ولم يعلق أحد على أنها لم تتلق منه خطابات لأنها جعلت أهلها يعتقدون أنها تسلمت منه رسائل في المكتب. والواقع أن الرسائل وصلت من للمكتب ولكنها كانت مقتصرة على العمل. ومع ذلك فأنها حرصت على اختيار ثيابها وزينتها كما يفترض في فتاة ترتقب خطيبها, بالرغم من أنها لم تكن متأكدة من قدومه. كان ثوبها في هذه المرة أزرق يضاهي لون حجر الخاتم الذي أهداها اياه, مما ابرز تألق زرقة عينيها.
وعندما نزلت الى البهو ابتسمت جولي ثم ضمت شفتيها في صفير اعجاب وتمتمت:
" لا عجب في أنه قرر أنه لا يستطيع العودة الى المكسيك بدونك."
فأومات ليلي مهددة في مزاح بأنها ستقتلها ما جعل جولي تضحك.
كانت تتوقع وجود بروس الى جوارها, حين بدأت التدابير للحفلة قبل مدة من في حين أن رويز آلدوريت هو الذي سقوم بدور الخطيب الولهان الآن, واد ان الكلمتان الاخيرتان اثارتا تململ وعجبا... اما العجب فلأنها الى وقت قصير ما كانت تتصور أنه أوتى اقل فكرة عن أداء دور كهذا... أما التململ فلأنه كان عليها هي الاخرى ان تقوم بدور الخطيبة الولهانة.
وكان خليقا بتيس وقد أقامت حفلة للاطفال بعد الظهر أن تكون متعبة مهيأ للنوم ولكن أمورا كهذه كانت مستبعدة التوقع من الآنسة تيريزا ديرموت. بل أنها في الواقع كانت أكثر أشراقا مما أسيقظت في الصباح وفي أوج النشاط, وأن لاحت وتوأمها في تلك اللحظة غير طبيعين.. كانا في نظافة تامة وشعر منسق ولكن الى متى كان مرتقبا لهذا الحال ان تدوم. كان الكل يسمونها حفلة تيس ولكنها في الواقع كانت حفلتهما معا ومع أن توم كان يبدي ضجرا الحفلات زاعما أنها تليق بالفتيات وتاكا أخته توجه الدعوات فكان بالطبع يود حضور الحفلة.
عندما دخلت ليلي غرفة الجلوس كان الصغيران يركعان على الاريكةوانفهما ملتصقا بزجاج النفاذة بينما كانت مرغريت ترتب الحجرة. وفجأة أطلق توم صيحة انفعال واعجاب:
" يا لها من سيارة ممتازة!"
فأضافت تيس:
" أنها تقف هنا."
وما كان التوأمان قد رأيا سيارة رويز في زيارته السالفة اذ كانا في الحديقة عند وصوله وعند رحيله. وكانت سيارة جديرة بالآعجاب... فخمة غالية دون ما تبهرج وفخفخة كما كانت ثيابه. كانت تلك الاشياء هي التي تذكر ليلي بين آن وآخر بأنه واسع الثراء.
قالت مرغريت لابنتها:
" يحسن ان تذهبي لاستقباله يا عزيزتي... كانت تتيح لها فرصة لتحية الرجل الذي كان مفترضا أنها تحبه بعيدا عن عيون الباقين وأحمر وجه ليلي أذ ادركت ما تعنيه امها. وزادها ارتباكا اذ لمحت جولي تبتسم وكان من الافضل, أنها لم تنتبه الى النظرة التي قفزت فجأة الي عيني صغرى بنات ديرموت. وأذ خرجت ليلي الى البهو وأغلقت الباب خلفها تسللت تيس من أحد أبواب الحديقة الخلفية فاختفت فجأة.. وعادت تدخل الدار من باب المطبخ وتزحف في حرص خلال الردهة المؤدية الى البهو..
شعرت ليلي اذ فتحت الباب للرجل الطويل الاسمر الذي ترجل من السيارة الفخمة بشيء من الدهشة اذ بدا متغيرا. فان الاسبوعين اللذين قضاهما في كارسترانو زادا من سمرة بشرته وهتفت في أرتباك:
" أذن فقد عدت في الوقت المناسب؟"
فقال:
" لقد قلت أنني سأعود في الوقت المناسب..."
وكأنما كان قوله اذ ذاك فصلا. ثم أردف بابتسامة اضطربت لها:
" أنك تبدين جميلة جدا هذا المساء."
شهقت ليلي وشعرت بالدفء يتصاعد الى جبينها وهي تساءل نفسها عما دعاه لهذا القول... لم تشعر ليلي بأختها تراقبها في حين رويز لمح الوجه الصغير يسترق النظر.
أحاط رويز كتفي ليلي بذراعيه وكأنه يهم بالتوجه الى قاعة الجلوس وأذا بصوت رفيع تثقله خيبة الرجاء:" ألن تقبلها ؟ هكذا كان بروس يفعل دائما!"
ودت ليلي لو تصفع أختها برغم حبها لها ولكن صوتها نبهها على الاقل الى التصرف الذي أذهلها من رويز.. وراقبته وهي مبهورة بسهولة سيطرته على الموقف, قائلا هذا لا يجوز على مشهد منك. ولاح أن تيس رأت هذا الجواب معقولا , فقالت:
" أذن فسأنصرف."
أستدارت ليلي لتتأكد من أبتعاد الصغيرة عن مرمى البصر والسمع, ثم التفتت الى رويز وقالت:
" أرجو ألا تلقى بالا الى تيس. أنها مفطورة على الجهر برأيها في أي وقت وبما أنها تعرف أننا مخطوبان فانها..."
وأمسكت حائرة فأكمل عبارتها والتهكم في عينيه:
" تتوقع أن ترى مظهرا لذلك؟"
هزت ليلي رأسها وهي تعجب من أمر تيس فما كان من عادتها أن تتسلل لتسترق النظر الى الناس ومن ثم فلا بد أن في رأسها شيئا يتخمر وما كانت تحب أن تفكر في كنهه. فكل شيء يحتمل حدوثه من تيس لا سيما في عيد ميلادها أذ تطلق لها الحرية أكثر مما تطلق في أي وقت آخر.
أن دخلا الحجرة حتى توجهت عيون الجميع اليهما كانت تيس قد عادت الى الحجرة حين خاب رجاؤها في مشاهدة موقف غرامي!
أبتسمت مرغريت اذ دخل رويز قائلة:
" أذن فقد قررت أن تخوض المجازفة. أننا نقول دائما أن من يخرج من حفلات تيس سالما يكون قد تدرب على أن يخرج سالما من أي شيء حتى القنابل الذرية."
فضحك رويز قائلا:
" أذن فهذه مقردة ثمينة ينبغي للمرء اكتسابها."
وحيته جولي في رزانة أكثر مما كانت في العادة ولكن روحها المتوثبة ما كانت لتسمح لها بأن تبقى طويلا مرتبكة أو مبهورة بأن أختها خطيبة صاحب ميريديث. فما لبثت بعد فترة أن أصبحت أكثر من أختها نفسها تبسطا معه. وظل توم ملصقا انفه بزجاج النافذة يتأمل بأعجاب صامت السيارة العملاقة اللامعة. مكتفيا بالتفاتة وجيزة الى رويز عند دخوله.
أما تيس فكانت على النقيض ولسبب كان يقلقها وتمنت ليلي صادقة أن تكتمه في نفسها راحت تحملق في أختها ورويز باهتمام ملح وتوقع ورجت ليلي وهي التي تعرفها حق المعرفة ألا يكون أمر مستهجن يدور في رأسها!
وبعد برهة قدم رويز حزمة أجتذبت أنظار التوأمين.. حيث ضمت زوجين من الاحذية الحقيقية للهنود الحمر كان قد أمر بصنعهما لهما أثناء رحلته! فتطلعت اليه ليلي خلسة وفي عينيها دهشة وتساؤل... أنه لم يحرص على العودة في الموعد المناسب فحسب لكي لا يخيب رجاء ولد وبنت صغيرين بل أنه تجشم عناء تدبير صنع الحذائين خصيصا لهما... متذكرا ولا ريب أغارتهما الهندية. هل تذكر كذلك هندية أخرى كانت معهما. تلك التي كانت على فرع من شجرة التفاح وهوت لتتلقها ذراعاه؟
التفت فجأة فرأى نظراتها.. ودلت اساريره على أنه تذكرها. أذ شاعت في وجهه أبتسامة مداعبة لا تشبه في شيء الابتسامة المتهكمة التي رمقها بها في البهو وقال:
" لعله كان جديرا بي أن آمر بصنع شيء لمدام جيرونيمو!"
وهتفت راجية وهي تعجب كيف عرف الاسم الذي ابتكرته لها كيري في ذلك المشهد:
" لا ... أرجوك دعها تمت خزيا وخجلا."
فصاح وهو بعد محتفظ بالابتسامة الخالية من التهكم:
" لماذا ؟ بل أوقن أنها جديرة بالتسجيل للاجيال المقبلة."
" كان الافضل أن تغوص في الشجرة وتغيب عن الابصار اذ ذاك."
قال بصوت خافت لم يسمعه سواها:
" يسرني أنها لم تفعل!"
كان الآخرون منصرفين الى الصغيرين وقد ألاتديا الحذائين وراحا يطوفان بالحجرة واردف قائلا:
" أنني اعجبت بما رأيت اذ ذاك."
قالت بصوت هامس:
" بهذه البشاعة المخضبة بالالوان؟"
قال برقة:
" الفتاة التي تحت الخضاب هي المهمة. أتعرفين ما كنت أظنه قبل ذلك؟"
فهزت رأسها شبه مسحورة بينما أستطرد قائلا:
" كنت أظن سكرتيرتي من الكمال بدرجة لا تجعلها من البشر, كفاءة فوق ما ينبغي خلو من الشوائب والنقائض. ثم قابلته فتاة مختلفة كل الاختلاف فتاة مستعدة لأن تفسخ خطبتها لتسع اختها, وتأبى وأن شقيت أن يشعر أحد أنها تمادت في التضحية لكي لا يشوب شيء هناءة أختها, بل أنها لتمارس العاب الاطفال مع اخيها وأختها الصغيرين."
وقفت ليلي لحظة مسحورة ونظراتها لا تفقه ما كان يدور حولها... ثم دوى رنين جرس الباب , فتحولت الى البهو في ارتياح قائلة وهي تقعد أمها عن الذهاب للباب:
" لابد أن هذه كيري."
ووقفت في البهو ثانية وكأنها تفيق من أغفاءة السحر ثم فتحت الباب فاذا كيري تحييها بابتسامة عريضة وهي تقول:
" أذن فصاحب السيادة هنا؟ كيف تسير الامور؟"
قالت في تردد وهي تتذكر عبارته الغريبة الأخيرة:
" أنني لا أستطيع أن أفهمه تماما."
فعلقت كيري في أقتضاب:
" أهناك تقصير من ناحيته؟ كان يجب أن نتوقع هذا... وأن كان قد أدى تمثيلا جيدا في المرة السابقة."
فهزت ليلي رأسها بابتسامة حائرة وقالت:
" كلا... لا شيء من هذا اطلاقا. الوافع أنه أحسن اداء منه في المرة الماضية!"
" أذن فما المشكلة؟"
" لا أدري... لعل خيالي هو الذي يصور لي هذا."
ما كان بوسعها أن تقر حتى امام كيري بأنها كانت تزداد شعورا به كرجل فاتن.
" هل قالت تيس شيئا منكرا؟"
عندما دخلتا الغرفة وجدت كيري نظراتها تتجه الى الرجل محاولة اكتشاف أي أختلاف طرأ عليه كان جذابا دائما ولكنه بدا في هذه المرة- مفعما بالحيوية , تشعر النساء بجاذبيته المتوارية بدلا من عدم المبالاة والبرود اللذين كانا يسببان الانكماش عنه. كانت حيويته السمراء خطورة جلية, كما وصفتها لنفسها. لعل هذا كان الاختلاف الذي استشعرته ليلي ولم تستطع أن تفهمه. ولعلها كانت بعد لا تزال على حب بروس ولكن رويز آلدوريت أصبح من ذلك الصنف من الرجال الذي يجتذب من المرأة نظرة ثانية, ثم يظل في أفكارها بعد ذلك.
* * *
صح ما حذرت ليلي منه رويز. فان تيس ما لبثت ان قررت أنها تريد لعبة العقوبات. كان عقلها قد شغل بالهدية لفترة ثم ارتد الى فكرة تمتلكها في وقت مبكر وتوقعت واليوم عيد ميلادها ان يباح لها توقيع ما تشاء من عقوبات اذا أوقعت بهم. وحذرتهما أمها قائلة:
" في نطاق المعقول" وبهذا بدأت اللعبة.
قالت تيس لرويز:
" سنبدأ بك فما أحسبك لعبتها من قبل, لهذا فسأخبرك بما يجري. سأوجه اليك بعض الاسئلة فاذا لم تستطع الاجابة عن أحدها أو باغتتك وأنت تغش فسأوقع عليك عقوبة."
هز رأسه وقال ميتسما:
" ولكن لا تكوني شديدة القسوة علي."
فقالت متفضلة:
" سنبدأ بسؤال سهل كم عمرك؟"
أجاب :
" أربعة وثلاثون عاما."
" أين ولدت؟"
" في كارسترانو."
قالت ليلي لنفسها, لا ضير الى الآن... وأذا تيس تقول:
" هل خطبت من قبل؟"
كان كل امرئ يعرف أن ليلي خطبت من قبل, فلم تر تيس ما يدعو لأن يحرج اذا كان هو الآخر قد خطب مرة . وجمد رويز لحظة وتردد ولكنه في النهاية قال متباطئا:
نعم... خطبت مرة من قبل."
رمقته ليلي ولكن أساريره لم تفصح عن شيء جعل ذلك الحاجز الصلب حوله. سألته تيس بغتة:
" كم عمر ليلي؟"
وبدا عليه الجهل فورا. وشرعت ليلي تشير له بأصبعها في تلهف, اذ تعرف عقوبة تيس. ولكن الصغيرة أعترضت وعادت تلتفت الى رويز مؤنبة وقالت:
" أذن فأنت لا تعرف عمر خطيبتك؟ أذن أعلم أنه خمس وعشرون."
وهزت رأسها بما أوحى الى ليلي بما عزز شكوكها. وقالت تيس تدعم رأيها:
" سأدخر العقاب الى ما بعد . الآن دور ليلي."
وأنتبهت ليلي الى اجاباتها بحرص مدركة أنها أذا أستطاعت أن تتجاوز الحد الزمني لأسئلة تيس فستكون في مأمن. كان الخطر الحقيقي في الافتقار لمعلومات تجيب بها, كما حدث لرويز بالنسبة لعمرها, وأخذت تيس تطلق أسئلتها بسرعة لتربك أختها:
" كم قضيت في العمل بالمصنع؟"
وأجابت ليلي:
" ثلاث سنوات."
" أين كنت تعملين قبل ذلك؟"
ولما أجابت ليلي عادت الصغيرة تسألها:
" وقبل ذلك؟"
" كنت في المدرسة."
كانت تيس تعرف كل هذا, ولكنها كانت تستدرج ليلي بمكر الى شعور زائف بالأمان ثم سألتها:
" هل قبلك يوما أي شخص عدا بروس؟"
قالت ليلي بصدق تام:
" كلا." ما كان أحد ليلقي هذا السؤال سوى تيس وما كان ينبغي في الواقع ان ينطق به لسانها الشيطاني.
ولكن جوابها كان أسوأ فقد كان غير صادق في رأي بقية الموجودين أذ لابد أن رويز قد قبلها بوصفة خطيبها... وبادرت تعدل اجابتها:" أقصد.... نعم."
ورمقتها تيس متشفية وهي تدرك أنها الفائزة وقالت:
" ليس المهم ما قصدت أنما الاهمية لما قلت."
وتماسكت ليلي أنتظارا لما يعقب ذلك... وأخيرا قالت تيس بجدية:
" أظنك تعرفين أنني أؤلف كتابا."
وكانت الاسرة قد صادفت دليلا كافيا ممثلا في أوراق متناثرة في كل مكان تحمل خطها العشوائي الذي لم يجعل الامر مفاجأة تذكر وأستأنفت أبنة العشر المذهلةك
" ولكني أعاني صعوبة أزاء مشاهد الحب... وكأنما ران على قلب ليلي ثقل من الرصاص هوى به في شدة. أنها ما كانت بحاجة للذكاء لتعرف ما سيتلو ذلك وأكملت تيس حديثها وهي تنظر لأختها ورويز في أمل:
" خطر لي أنكما قد لا تمانعان في عرض هذه المشاهد."
* * *
جلست ليلي جامدة وعقلها يعمل محاول التفكير في مخرج. كان بوسعها أن ترفض وقد أدركت لماذا تسللت تيس الى البهو عند وصول رويز... أخيرا قالت بحزم:
" لن أفعل شيئا كهذا أختاري أي عقاب آخر"
فأجابت تيس في عناد:
" ولماذا؟ ان للعبة قواعد."
لم تقو ليلي على النظر الى رويز في تلك اللحظة ولو كان في ذلك حياتها وواتاها الرد, فقالت متظاهرة بالمرح:
" لن يعطيك هذا فكرة صحيحة فان وجود جمع.."
فأتمت لها تيس عبارتها وكأنها خبيرة:
" أتعينين أنه يقيد حريتكما؟ صحيح... ما رأيك؟ أي امرئ جدير بأن يظنك لم تقبليه من قبل."
قال رويز:أنها خجلى."
"ورمقته ليلي بجانب عينيها فألفته يبدو مأخوذا في أنبساط.. كان هو الذي اتهمها بأنها التي تجد أن التظاهر صعب الاداء, وها هو ذا يكرر الاتهام في صمت وسرها ان ستيلا وبروس لم يكونا حاضرين لا سيما وأنها قالت أن أحدا غير بروس لم يقبلها. وأرتاحت حيث سمعت أمها تعنف تيس بشدة.
ومع أن الأمسية أستمرت بعد ذلك بشكل مرض فان ليلي كانت تشعر بظل من القلق يكتنف أمها. فأدركت أن أمها كانت تسائل نفسها عما أذا كان ثمة داع لرفض أبنتها تقبيل الرجل الجالس الى جوارها. وتمنت ليلي أذ ذاك لو تركته يقبلها ولكن هذا بدا مستحيلا اذ ذاك... ولقد علق رويز على ذلك فيما بعد كما توقعت وأن يبد أية حركة لمساعدتها في الخروج من المأزق في ذلك الوقت.
كانا يقفان في البهو حيث نركهما الآخرون للحظات الوداع كالعادة. وفجأة رأت ليلي حاجبيه الاسودين يرتفعان في أهتمام ساخر أصبح مألوفا وقال:
أنني أسأل مرة أخرى من منا يجد هذا التظاهر صعبا؟"
أحمر وجه ليلي وقالت محتجة:
" تقبيل أي شخص على مرأى من الناس صعب بطبيعته فما بالك اذا كان شخصا.."
وتوقفت محرجة فتولى اكمال العبارة عنها:
" لم يسبق لك تقبيل؟"
خرجت مرغريت ومعها كيري بعد خمس دقائق فوجدتا ليلي تقف جامدة في البهو. وقالت الام ضاحكة:
" أفيقي يا حبيبتي... أنك تبدين مذهولة!"
وأجفلت ليلي ثم تدافع الدم الى وجهها والتفت الى أمها . وظهرت جولي وكأنما اجتذبها ضحك أمها وقالت ليلي:
" ما سمعت خروجكن!"
فابتسمت مرغريت وقالت مداعبة:
" لا تنزعجي فقد أتينا للتو حين سمعنا سيارته تنطلق."
غمغمت ليلي بشيء غير واضح وأسرعت تغادر المكان.
* * *
ظلت ليلي مستلقية على فراشها معظم الليل تحاول أن تستبين كل ماحدث. طيلة عمرها لم تشعر بكيانها مهتزا بهذه الدرجة وكان اعجب ما في الامر ان رويز آلدوريت هو الذي فعل بها هذا.
ولم يكن قلبها مرتاحا في الواقع الى أن تكون باقية على حب بروس وتنبهر مسحورة برجل آخر ولم يكن لديها أتفه فكرة عما كان يقوله لها عندما افلتها في النهاية من ذراعيه. كانت هناك صورة باهتة له وهو ينظر اليها بنظرات غريبة باحثة, ثم يغمغم بكلمات لم تذكرها ويستدير فينصرف. ول يعد الى ذهنها شيء من التماسك وأدراك الواقع الا حين خرجت الأخريات الى البهو, وأن ظلت أعصابها تشدو وتغرد حتى الآن وبعد انقضاء ساعات.
وعندما تبينت أن عليها أن تواجه رويز وذكرى هذه الامسية بينهما بدا لها الامر مروعا. ولكنها لم تكن بحاجة للقلق, اذ بدا حين رأته كأن شيئا لم يحدث. فقد أستدعاها الى مكتبه وأملى عليها خطابات كما أعتاد أن يفعل طيلة ثلاث سنوات غير أنها لم تدر أنه بعد أنصرافها مسرورة بأنها أستطاعت الحفاظ على رصانتها ورزانتها المعهودين جلس لحظات طويلة يحدق في الباب الذي خرجت منه وقد ارتفع حاجباه الاسودان في تقطيب خفيف.
وكان من الطبيعي أن تلتقي بكيري في وقت لاحق من ذلك اليوم. ومع أن صديقتها تأملتها بنظرة غريبة فأنها أعرضت عن ذكر شيء عن التعبير الذي حمله وجه ليلي في المساء السابق وأن كانت لابد قد أدركت كما أدرك الاخرون معناه. أما بالنسبة الى بروس فقد سرها وأن أستنكرت ذلك في نفسها أن ألم فقدانه أخذ يخبو بسرعة. زكان الاستنكار لأنها ما كانت تعتقد انها تقبل على الحب بهذه البساطة والسرور... كانت تظن في البداية أنها ستعيش على حنين الى شيء لا سبيل لأن تحطى به, كما فعلت جانيس غير أن القدر فيما يبدو قرر غير ذلك, وما كانت تملك سوى أن تحمد له ذلك ولو أنها شعرت بشيء من الاشمئزاز من نفسها لأنها كانت موقنة من قبل بأن الحياة بدون بروس خواء.
وشرعت تسائل نفسها عم جعل الامر يحدث هكذا فجأة بيد أنها ويا للغرابة ! لم توغل في هذا التفكير طويلا أذ تراءى لها أن فيه شيئا من الخطورة وأنها ما كانت راغبة في مواجهة هذا الخطر أيا يكون في الوقت الراهن!
|