فهزت رأسها قائلة:
" كنت أعتزم الذهاب في العام الماضي , ولكن..."
وأسعفها قائلا وهو يعود الى اللغة الانكليزية:
" ولكنك ارتبطت بالخطبة بدلا من ذلك؟ اعترف بأنني أكن للمكسيك اعتبارا كبيرا. وسيكون من الطريف أن أريك الاماكن التي عرفتها معرفة جيدة."
* * *
وفجأة تلاشى كل طابع غير شخصي لم يكن ممكنا للصفقة أن تحدث مثل هذا التبدل ولكن المسالة لم تعد تبدو بشعة بمجملها كما كانت قبل فترة وجيزة فأخذت تتأمله بفضول لابد أنه تجلى على أساريرها. وجابهها بنظرة متسائلة قائلا:
" هل من شيء يحيرك؟"
أسرعت تنكر قائلة:
" كلا, في الواقع.. ثم اردفت: أنما خيل الي أنك تبدو مختلفا قليلا. لم يبد الامر باردا, وبشعا."
" بشع؟ أظنه كذلك بوجه ما, ولكن ليس ثمة ما يبرر ألا نكون صديقين, ثم حكم الضرورة اذا راعينا الدور الذي علينا أن نؤديه."
وخالط عبارته الأخيرة نوع من الفكاهة الساخرة أرسل الدم الى وجنتيها ثانية. فقالت بارتباك:
"نعم... نعم, طبعا. فعقب في تلطف حملها على أن ترمقه مأخوذة: أعترف بأنني أجدك غير ما توقعت تماما."
فقالت بعد لحظة وهي في حيرة من حقيقة هذا الرجل الكامنة تحت مظهره:
" أحسب أننا جميعا لسنا كما تبدي مظاهرنا."
كانت قد بدأت تشعر بأن رأيها عنه غير صحيح كل الصحة.
قال موافقا:
" هذا حقيقي ارى أنه كان يخلق بك أن تحدثني قليلا عن أسرتك فسيبدو وغريبا ألا أعرف شيئا."
واثار بهذا مشكلة أخرى. فلا بد من أن يلتقي بأسرتها وما كانت تدري ما يكون عليه شعور كل من الطرفين ازاء الآخر. لقد ظل ثلاث سنوات يبدو منطويا وأذا بها خلال دقائق معدودة ترى وجهين من شخصيته الحقيقية غير المعروف. التلطف العابر عندما أطرى لهجتها في الحديث بلغة وطنه الاصلي و السخرية الهازئة التي بدأت تكتشف ان لها قدرة على أن يخرق رباطة الجأش التي كانت تحرص على ألا تمسها اية ارتباكها أثناء العمل.
ثم انتهت الى نظراته المترقبة وكأنها تنبهها الى أنه رجل جم المشاغل وأنه يجب عليه العناية بمثل هذه التفصيلات الشخصية فأسرعت يوصف موجز لأسرتها . حتى اذا فرغت عقب قائلا: وهل ستيلا هي التي كانت سبب فسخ خطبتك؟ لم يبد بادرة دهشة أو أهتمام بأن ستيلا نورديت الشهيرة كانت أختها!
وأمأت في تأكيد صامت غير مطمئنة الى الكلام اذ شعرت بألم خطبتها المفسوخة فاضطرت الى مواراته عنه, لا سيما وقد خامرها شك غير مريح أوحى اليها بأنه سيقابل كلامها باهتمام خال من المشاعر.
بعد هذا الحديث العجيب ألح على أن يتناولا الغذاء معا, ليألف الذين في الأدارة ما كان مقدرا أن يحدث وادركت ليلي المفاجأة التي كان سيصاب الجميع بها.
على أنه كان لزاما أن يقع ما هو أسوء ان تفضي بالنبأ الى بروس وتحمله على أن يصدقه. بل أنه كان ثمة ما هو أسوأ عندما تضطر للبدء في اداء الدور الذي أصرت بنفسها عليه كان هذا خليقا بأن يكون اقسى الامور جميعا أن تكون باقية على حب بروس ومضطرة للتظاهر بحب رجل ما كانت تشعر معه بالارتياح.
* * *
لم تقل شيئل حين عادت الى البيت, وأنما انتظرت حتى جاء بروس ليصطحبها لمشاهدة فيلم كانا قد اتفقا من قبل على مشاهدته. كان يبدو متعبا ومهموما نوعا ما وقد سرها أن تكون أخيرا قادرة على أن تمنحه أملا جديدا.
ولم يكونا قد ابتعدا كثيرا عن البيت وبروس منصرف لقيادة السيارة حين خرقت الصمت المتوتر قليلا بينهما:
" أتسمح بإيقاف السيارة؟ لدي حديث اريد أن أفضي لك به."
رمقها بروس بنظرة سريعة ثم عرج بالسيارة الى شارع جانبي غير مطروق وأوقف المحرك. واستدار اليها منتظرا فقالت بايجاز:
" أريد أن تحلني من خطبتك."
وشعرت به يجفل الى جوارها وهتف:
" أحلك؟"
فهزت كتفيها بحركة سريعة رجت أن تساعدها في شبه العتمة السائدة على التظاهر.
" نعم. كنت اظنها خطبة موفقة, ولكني ارى الآن ان ما من امل في نجاح الزواج بيننا."
صمت بروس فترة طويلة ثم التفت ليرمقها مباشرة , وسألها:
"ما الذي دعاك الى هذا القرار المفاجئ؟"
" يخجلني أن أعترف, ولكني لم أحبك, حتى في بداية خطبتي اليك. كان هناك... شخص آخر."
وصمتت ثم أردفت:
" هذا كل ما هناك لا أستطيع المضي."
سألها بروس باقتضاب:
" من هو؟ أجابت باقتضاب :
" رويز آلدوريت."
كانت نظرته المذهولة أشبه باهانة للرجل الآخر, وقال:
" رويز آلدوريت؟ أأنت جادة؟"
أجابت وقد عضت شفتيها مرة آخرى وتبدي عليها انها توشك على البكاء:
" كل الجد!"
وكانت موشكة على البكاء فعلا ولكن لسبب آخر... واسترسلت:
" لم أشأ أن أوذي مشاعرك ولكني هويته ثلاثة أعوام , لم يفطن أحد حتى رويز نفسه !"
وتعمدتت أن تنطق بأسمه بألفة وهي تسائل نفسها عما اذا كانت تستطيع ان تفعل ذلك امامه؟ ثم خلعت عن اصبعها الخاتم بماسته البراقة الصغيرة وكان من عادتها ان ترتديه في المساء بعد انصرافها من العمل وناولته أياه وأصبعها تشعر كأنها عارية تماما. فأخذه بروس بغير وعي تقريبا وسألها:
" أرجو ألا يكون لهذا علاقة ب... ستيلا؟"
وتعمدت انتجتذب قدرا كافيا من الحيرة والعجب الى صوتها:
" ستيلا؟ أي شأن لستيلا بهذا؟"
" الواقع ظننت... أعني ليس لهذا علاقة بستيلا وبي"
رددت وكأنها لا تفقه ما يشير اليه:
" ستيلا وأنت؟"
فتردد في غير ارتياح ثم اطلق ما بصدره:
" أنا وستيلا... اكتشفنا اننا متحابان ولكنها أبت أن أخبرك."
رددت وكأنها مصعوقة تماما:
"ستيلا وأنت؟"
ثم اغتصبت ضحكة وقالت:
" هذا رائع! الآن لاأشعر بالخجل من فسخ خطبتنا هكذا."
ثم اكسبت صوتها جدية من جديد, وأردفت:
" ماذا تعني, بأنها لم تشأ أن تخبرني؟"
فأجاب:
" ابت ان تحطم خطبتك, قالت ان من الخير ان تظل الامور كما كانت قبل مجيئها "
صاحت وهي تعض شفتيها في اسف واضح:
" وتركتها تعود الى لندن والامور بينكما هكذا, انني خجله من نفسي اذ لم افطن من قبل. لا بد انك تعيس, وكل هذا بسببي
قال:
" لم يعد هذا ذا بال! "
ضمها بصدق فاق كل ما اعتاده, فكان هذا هو الذي هدم الوهم الذي شيدته. فقد تعلقت به دون اراده منها, فلما ابعدها بعد لحظه, كادت تبكي في خزي واشمئزاز من نفسها.
قال بهدوء:
" كانت كل هذه اكاذيب...وكيف تسنى لرويز الدوريت ان يدخل في الامر؟ "
عضت شفتيها وقالت:
" رأيت ان هذا ييسر موقفك وستيلا لذا... وافقت حقا على الزواج به "
" ولكنك لا تحبينه "
" كلا, ولكن لا قيمه لهذا
" لا قيمه لهذا, لا يمكن ان ترتبطي بزواج كهذا! ان استيلا لن...."
فقطعت حديثه بعزم:
" يجب الا تعلم ستيلا بشيء من هذا "
وبدا لها الا سبيل لاقناعه الا بأن تخبره بالحقيقه, فأفضت بها بعجله واردفت:
" هكذا ترى انه مشروع مصلحه لن يستمر "
واستطاعت اخيرا ان تقنعه بأنه لا بد للامر ان يمضي كما دبرت. فما كان بوسعها الان ان تتزوج منه. ولو علمت استيلا بالحقيقه, فمن الارجح انها ستأبى ان تتزوج منه. وكان الحل الوحيد ان يجعل اختها تعتقد بأن زواجها برويز زواج طبيعي...
" يجب الا تعلم بعودتي للبيت مبكره واكتشافي ما بينكما...لقد تقبلت الواقع. ثم انا لن اخذل رويز الدوريت الان. انها عمليه تجاريه لن تضيرني ولن تغير شيئا ولكنها ستجعل ستيلا سعيده, ولن تلوم نفسها, ويجب الا تخبرها بأنها عمليه مصلحه عدني بذلك "
عندما استقرت السياره امام البيت, التفت بروس اليها بسرعه وسألها:
" اتودين ان ادخل واعلن النبأ عنك؟ "
فهزت ليلي رأسها وقالت:
" لا...افضل ان اعلنه بنفسي "
وقبل ان يجادلها حيته واسرعت بالدخول. وحياها سنوكس بوثبته المعهوده, فأستطاعت ان تهدئه بجهد كبير لتستجمع ارادتها. كان عليها ان تتظاهر بسعاده غامره. وان تبدأ من الان.
سرها حين دخلت حجره الجلوس, انه لم يكن سوى امها وجولي, اذ ذهب التوأمان الى الفراش.
تطلعت مرغريت بابتسامه وقالت:
" حسبنا كنتما ذاهبين الى السنما. هل عدلتما؟ "
قالت:
" نعم "
ثم تريثت, كان لابد من مصارحه جريئه, كالتي استجمعت اعصابها لتجريها مع رويز ثم مع بروس, غير انه كان لابد من ان يكون تظاهرها موفقا في هذه المره, فقالت بهدوء مصطنع:
" لم اعد خطيبه لبروس "
وبسطت يسراها لتريا اصبعها عاريا. وبدا القلق على وجه الام فابتسمت ليلي قائله:
" قرننا ان ما بيننا كان غلطه....."
واسترسلت ضحكه مقتضبه, واردفت:
" لا تنزعجي...ان الدنيا لم تنته! "
قالت الام :
" ولكنك قلت....."
فقطعت حديثها بهدوء:
" يخجلني ان اعترف بأنني قلت اشياء كثيره لم تكن صحيحه. انني لا احب بروس, ولا احببته يوما "
وساد الصمت لحظه, ثم قالت مرغريت بنفس هادئه:
" يحسن ان تخبرينا بما حدث
فقالت ليلي:
" ليس هناك الكثير ليقال في الواقع "
حاولت ليلي ان تنسق وقائعها وتطلقها متتابعه, فأسوأ ما في الخداع ان يضطر المرء الى تذكر ما قاله من
قبل بحذافيره. ومضت تقول:
" حاولت فترة أن أحمل نفسي على تقبل بروس ثم حدث اليوم شيء فأدركت انه لابد من أستجمع الشجاعة لأخبره بأنني لا أستطيع أن أتزوج منه وأنني أريد الزواج من شخص آخر."
وتوقفت لحظة ثم أردفت وهي تشعر بالجسور تحترق خلفها فلا يبقى سبيلا للتراجع:
" هو... رويز آلدوريت."
صاحت جولي:
" رويز آلدوريت؟"
ورددت مارغريت الاسم بلهجة اكثر هدوءا, ولكن نظرة ذهول قفزت الى عينيها. ولعلها تذكرت وصف ابنتها لصاحب شركة ميريديت, فسألت نفسها كيف تود فتاة الزواج منذلك الرجل البارد, المنطوي بالرغم منأعتباره جذابا فوق المستوى العادي. وأردفت ام: هذا شيء لم يكن مرتقبا."
فرمقتها ليلي باعتذار, وقالت:
تمنيت أن أشير من قبل, ولكن ذلك كان كان مستحيلا."
وسألتها جولي وهي لا تتمالك نفسها:
" هل ستتزوجينه حقا؟"
فأومأت ليلي بالاجابة, وقالت:
" سنعلن خطبتنا عما قريب جدا, ولا تعتزم أن يطول أمدها. وسنعقد القران في نهاية الشهر."
وكان عليها بعد ذلك, أن تروي بعناية وحذر القصة التي اعدتها للأسرة: أنها كانت من اللحظة الاولى لالتحاقها بالعمل تقريبا قد أحبت رويز ولكنها لم تر جدوى من الامل في أن ينتهي ذلك الحب الى شيء كان من الغريب ان تتبين سهولة اداء دورها وادائه باتقان... وشعرت بالضيق اذ مكنت بروس الشعور بالأمر ولكن الخطبة خليقة بالنجاح اذا لم تكتشف ستيلا الحقيقة.
كان غريبا بل رهيبا ان تتبين انها سترتبط في القريب برجل غريب تقريبا بالنسبة لها من الناحية الشخصية برباط من أوثق الروابط بين أي رجل وأية أمراة, وأن كان ذلك في الظاهر فحسب... فما كانت لتتصور ان تطمئن الى حرص أي رجل على التجرد من الطابع الشخصي للارتباط ولكن مجرد التفكير في ألا يحرص رويز آلدوريت أمر يدعو للضحك.
قالت جولي في فضول:
" ولكنك لم تبدي اتفه اشارة من قبل عن شعورك حتى أنك يوم تغدينا عند ريكي كدت تهاجمينه."
" كنت مضطرة. كان اتفه شيء كفيلا بأن يجتذب اهتمامه. وأنت تعرفين كيف تنتشر التقولات في مؤسسة كبيرة. أفترضي أن شخصا سمعني اقرك على ما قلت. وسرعان ما كانت الشائعة تنتشر بأنني أحبه."
ابتسمت مرغريت لابنتها الكبرى وهي تهز رأسها ومازالت الدهشة الحائرة واضحة على محياها. وعادت تكرر:
" الامر لم يكن مرتقبا ياعزيزتي ولكن اذا كان هذا ما تريدين حقا, فيسرني ما حدث."
والتفتت الى ليلي وابتسامتها تكتسب بعض الخبث, وقالت:
" ومتى سنرى هذا الوريز آلدوريت المثير؟"
فأجابت الفتاة:
"عما قريب كما أمل."
هتفت جولي في جزع مفاجيء:
" رباه! كيف سيكون صاحب العمل زوجا لاختي؟ ألا تشعرين بأن الموظفة تكون وقحة حين تنادية باسمه الأول؟"
فوافقتها ليلي:
" أحيانا؟"
وما كانت لتعتزم ان تبين انها لم تناده باسمه مجردا. بل كانت موقنة من ان جولي مصيبة في ما قالت. ولكن مجمل الموقف وتصنعها للحب كان موقفا سيئا.الأميرة شوق
وحانت في وقت لاحق مهمة اطلاع الوالد جون ديرموت على النبأ. وساءلت ليلي نفسها:
" ترى كيف سيتلقاه؟"
* * *
تقارب حاجباه الكثيفان حين انبأته زوجته مرغريت تسائل في حدة:
" ماذا؟"
وتضرج وجه ليلي وعضت شفتيها. ولم تكن لهجته مشجعة ولو قوبل رويز بنفور متوار لكان الموقف محرجا. ولكنها لم تكن بحاجة لأن تقلق حدجتها عينا وابيها الذي قال:
" أنه رجل طيب ما كنت لتختاري أحسن منه."
قالت زوجته مستنكرة:
" كان ينبغي أن تبدي شيئا من الدهشة..."
فسألها:
" لماذا؟ أنه من النوع الذي ينبغي أن تتزوجه. اما بروس فكان يحب الاتكال على سواه؟"
" أذن فهكذا كان بروس في رأيك؟"
مأعجب ما تبينه المرء عن المشاعر الحقيقية للناس عندما يحدث امر كهذا ! كيف سيتلقى الاب اخبار خطبة بروس وستيلا المقبلة؟ آثرت ليلي أن تخبر الاسرة بنفسها.