كاتب الموضوع :
جين استين333
المنتدى :
روايات عبير المكتوبة
الحل الوحيد
وقفت ليلي لحظة والألم يعتصر قلبها ثم أنسحبت بحركة تلقائية وبنفس الهدوء الذي اقبلت به واسندت ظهرها الى الباب المغلق وكأنها لا تقوى على الحركة. لقد سمعت عن تلك اللحظات التي يسكن فيها كل شيء جامدا ولكنها لم تتصور أبدا أن تعاني واحدة منها وأن تعرف الشعور بأن كل ما كانت تحلم به يتلاشى في لحظة وجيزة!
لم يكن بروس يحبها... كان يحب ستيلا!
لم يكن للمشهد الذي فوجئت به معنى آخر فقد كان كل منهما منصرفا للآخر حتى أنهما لم يحسا بوجودها. ووقفت عند الجانب الآخر للباب لحظة وهي تضغط شفتيها بيد متشنجة محاولة الحركة ولكنها بدت كما لو كانت قد تجمدت في تلك البقعة والبيت من حولها صامت ساكن. كان موعد عودتهما للبيت عادة ضجة وحركة ولكن كل شيء كان اليوممختلفا. لم يكن اليوم ككل تلك الايام التي انقضت من قبل.
لم تشعر بأي نذير هاجس حين تركت العمل ولكن جو التوتر والانتظار الذي ران على البيت كان خليقا بأن ينذرها . فلم يكن الكلب سنوكس هناك ليخف لتحيتها بوثباته الطويلة أنه كان لسبب ما لايحب ستيلا ومن الواضح انه أعتزل بنفسه في مكان ما في الحديقة. حتى فيلكس وقطيطاتها كانت من الباب الأمامي بدلا من المدخل الخلفي... لعلها لو لم تترك العمل مبكرة لما كانت قد رأت ستيلا في احضان بروس... ولسمعا صوت مفتاحها في الباب الأمامي ... ومن المحتمل أنهما ما كانا يسمعاته فهما لم يسمعا صوت باب قاعة الجلوس يفتح!
أخيرا, تمكنت من التحرك فتحولت ببطء وعادت الى المطبخ ومن ثم الى الحديقة الى الطريق ثانية. وهناك توقفت واخذت تتلفت حولها مخدرة الحس. ماذا ينبغي ان تفعل الآن؟ ماكان لها أن تقف امام البيت كأحدى شجيرات الورد التي كانت الاسرة تعني بها. كلا... كان الوقوف خظأ... هكذا أخبرها عقلها المذهول المصدوم... ماكان لها أن تقف هتاك فان الناس قد ينظرون اليها... كان يجب أن تتحرك وأن تمشي.. فسارت بخطوات سريعة وحركات تلقائية دون أن تعرف وجهتها!
كيف تسنى لها أن تكون عمياء الى هذا الحد وأن تكون مطمئنة باعتداد الى سعادتها غير مدركة أن أثنين ممن تحبهم كانا شقيين الى هذه الدرجة؟ واستدركت حين ذلك الشعور الغريب بأن هناك شيئا غير طبيعي؟ بروس المتوتر احيانا وفوق كل هذا ستيلا, اذا أهتدت للحب أخيرا لتجده أذ ذاك من حق غيرها, من حق شقيقتها بالذات. هل خطر لها شيئا عندما قالت ستيلا حتى أذا وجدت الرجل الذي تؤمن به وتثق به, فستجده من حق أمرأة سواها, سبقتها اليه؟
يالستيلا الحبيبة من مسكينة! أنها بالرغم من شقائها وتعاستها فكرت في الاخت التي قد تسيء اليها اذا أخذت منها سعادتها. وكان واضحا أن بروس هو الآخر فكر في ذلك, وأبى أن يفصم الخطبة التي كان من المحتمل أن تدمر حياته هو الآخر لو أتيح لها أن تستمر. ولكن ما من سبيل الى استمرارها طبعا, فما ينبغي السماح لهما بأن يدمرا حياتهما. مهما يكن الألم الذي سوف تقاسي منه ليلي فأية سعادة يمكن أن تتيسر لها من زواج تظل فيعلى علم كلما قبلها بروس بأنه انما يحاول أن تتخيل أنها ستيلا, وتكون فيه موقنة أنه كان بوسعها أن تتيح لهما أن يكونا سعيدين؟
وتنهدت وقطبت جبينها وهي تسير بسرعة دون ما غاية. وخيل اليها كأن شخصا أخر كان يراقبها أينما تذهب ليحرص على الا تخطو أمام سيارة وما كانت من الجبن بحيث تفكر في ارتكاب شيء كهذا وعقلها مشغول تماما بما كان ينبغي عليها أن تفعل أزاء المفاجأة!
ماذا كان عليها أن تفعل؟ أكان ينبغي أن تدخل الحجرة وهما معا؟ كان هذا كفيلا بأن يفرض مناقشة الأمر. أما الآن فمن العسير اثارة الموضوع بأعصاب هادئة. ولكن أما كان عسيرا بالدرجة ذاتها لو أنها حاولت فسخ الخطبة في الحال؟ كان من الممكن أن تظل ستيلا على رفضها الزواج من بروس وما كان ينبغي أن يحدث هذا بالتأكيد.
وتركز كل الحب الذي كانت تكنه لشقيقتها في حل واحد في أيجاد طريقة للانسحاب. كان من الخير أن يسعد أثنان ويشقى واحد بدلا من العكس. ومهما يكن فهي لن تسعد الآن لو تزوجت من بروس.
واضلت السير بخطواتها الحادة والتلقائية الآلية ودركة أنه لابد من التوصل لمخرج قبل أن تهدأ الصدمة ويسيطر اليأس. ومن العجيب أن ذهنها أصبح صافيا وأخذ يعمل سريعا بجلاء ذكي غريب. وقالت لنفسها: لابد من البت فورا قبل أن تستسلم للدموع ولكنها لم تستطع أن تهتدي الي اي مخرج!
وكان لزاما أن تعود -أخيرا - الى البيت وأن تتظاهر بأن كل شيء على ما يرام. كانت بقية الاسرة قد عادت في تلك الاثناء ولكنها تجنبت الذهاب للحفلة الراقصة. وكان الصداع عذرا كافيا. وانبأتها بديهتها بأن بروس قد سر بقرارها.
* * *
عادت ستيلا الى لندن في الصباح وليلي لا تزال تبحث عن طريقة لفسخ الخطبة دون أن تتيح للعاشقين سببا لأن يعتقدا أنها اكتشفت سرهما. ما كان بوسعها أن تفسخها دون ما سبب على الاطلاق ولا كان بوسعها التظاهر بالاهتمام برجل آخر لأن الاسرة بأكملها كانت تعلم بأنه لم تبد يوما ميلا الى اي رجل آخر بل أنها لم على صلة وثيقة بأي شخص آخر بدرجة تسمح لها التظاهر بأنها وقعت في هواه. لم يكن في حياتها سوى رويز آلدوريتفي العمل وبروس في الامسيات.
وفجأة أومضت الفكرة... تردد في أذنها صوت جولي هندما داعبتها: لا أدري كيف تسنى أن تفلتي من الوقوع في حبه. كان هنا الحل الشنيع... كان واضحا بحيث لا يدعو الى المزيد من التفكير.. فلتتزوج من رويز آلدوريت!
كان ثمة نفور متمرد في اللحظة الاولى من هذا القرار. أنها لم تكن راغبة في الزواج من ذلك الرجل البارد المشاعر, الذي لم يكن بالنسبة لها طيلة أعوام ثلاثة أكثر من صوت حاد قاطع. كانت تبتغي في حياتها الدفء والحب, لا الأستهزاء الأجوف لفترة ستكون دون شك محددة.. ثم تنتهي.
لم ترغب في التعرف عليه أكثر لكن ما من ضرر من ذلك حيث سيعيشان في بيت واحد. كان ثمة شيء منفر في تلك الشخصية الباردة المنطوية التي لم تكن تحتمل في العمل فكيف تكون الحال في بلاد غريبة عليها وهي وحيدة متزوجة من رجل كانت تكاد تكرهه؟!
ارتجفت ولكنها مع ذلك لم تتزحزح عن قرارها . ولم تكن قد قالت شيئا بعد لأسرتها ولا لبروس حيث أرادت أن تضعهم أمام أمر واقع فكان لزاما أن تتريث حتى تتحدث الى رويز آلدوريت.
لم تستطع أن تمنع انهمار بعض الدموع حين خلت لنفسها في حجرتها ليلا. ولكن الرغبة في البكاء تلاشت في الصباح. ولكم سرت لشدة سيطرتها على نفسها وعززت القناع المجرد من أية سمة شخصية والذي كانت ترتدية دائما في العمل حتى اذا استدعاها رويز آلدوريت طرقت بابه ودخلت ساكنة النفس. ولم تجفل الا للحظة حين خطر لها أنه ربما كان قد عثر على سواها ولكنها هزت كتفيها مستبعدة الفكرة لو حدث هذا فما عليها الا أن تبحث عن رجل آخر.
ووجدت نفسها بطريقة غير ارادية تتأمله في ذلك الصباح بعينين مهتمتين بشخصه فعاودها الذهول أذ أكتشفت أنه كان جد جذاب بل أنه خليق بأن يكون مغناطيسي الجاذبية لولا بروده وعدم اكتراثه. ورمقتها عيناه السوداوان عبر مكتبه وفيهما تساؤل فجمعت اطراف شجاعتها , وسألته:
" أمن الممكن أن أتحدث معك لبضع لحظات أذا لم تكن جد مشغول يا سيد آلدوريت؟"
فأجاب :
" طبعا . واومأ برأسه نحو مقعدها المعتاد واردف: أجلسي!"
خطر لها وهي تجلس أنه لس ثمة سوى طريقة واحدة لأداء مهمتها وهي أن تكون هادئة غير مرتبكة كأن الامر لا يتعدى مشروع المصلحة كما سماه... وكما كان في الواقع وأن تناول أوثق رباط بين رجل وامرأة!
ترددت وعضت على شفتيها بالرغم من تمالكهها نفسها وقالت:
" مشروع المصلحة الذي ذكرته من قبل ألا يزال مطروحا؟ لأنني... لأنني... لو..."
فأكمل عنها قائلا:
" لأنك لو غيرت رأيك؟"
وتفرست العينان السوداوان في وجهها متفحصتين وأن ظلتا لا تكشفان عن شيء وأردف:
" وخطبتك؟"
وتقبلت ليلي تفرسة بجلد, وقالت:
" فسخت."
" حديثا... مساء أمس مثلا؟"
قالت مؤكدة:
"نعم."
وعادت تشعر بتفرس عينه السوداواين اللتين. لا تشيان بشيء, وقال:
" هكذا. وهل بدلت رأيك بصدد اقتراحي؟"
عادت تقول:
" نعم. وهي تقاوم رغبة رعناء في أن تضحك كطفلة لأن كلمة اقتراحي بدت غريبة. كانت بطريقة ماتقرن هذه الكلمة دائما بالشراوات والماس والفراء وعلاقات الحب المحرم وما من شيء من هذا يصلح للموقف الراهن. بل أن علاقات الحب بالذات محرمة أو غير محرمة فتساءلت:
"أحسب أن الناس لن يعلموا نه مجرد مشروع مصلحة؟!"
صحيح أن فكرة اية علاقة غرامية بينها وبين رويز آلدوريت تبدو لها سخيفة تماما ولكن كان لابد من جعل بروس وستيلا يعتقدان عكس الحقيقة تماما. ولو تطايرت مجرد اشاعات عن الوضع الحقيقي لكان ذلك كفيلا بجعل الفكرة كلها عقيمة تماما وغير مجدية!
أجاب رويز بهدوء:
" على أية حال فليس لدي الرغبة في نشره على الملاء. وفي الوقت الراهن لا يعلم بشروط الوصية سوى المحامين وانت وانا طبعا."
فتساءلت وهي تسيطر على صوتها بحرص ليبدو هادئا... تجاريا:
" ما المطلوب تماما؟"
" لا بد من قضاء وقت قصير في قصر الكاراسترانو بعد الزواج لنضفي عليه مظهر الزواج الطبيعي . وبعد أن تكون شروط الوصية نافذت يمكن فيما بعد تدبير الغاء للزواج في هدوء. فلا سبيل هناك لأي نزاع قضائي بهذا الصدد. ومن الجائز لأي زواج أن يفشل!"
هذا يبدو مقبولا تماما."
واهتز القناع المنيع على أسارير قليلا وارتفع احد حاجبيه السوداوين في عجب ساخر وقال:
" الا تريدين معلافة بنود الاتفاق اولا؟"
فأجفلت ليلي مرددة:
" بنود ؟"
" لا أتوقع طبعا أن تمضي في هذا السبيل دون مقابل... أنه, برغم كل شيء , أتفاق تجاري."
قالت في بطء:
" ما فكرت في هذا في الواقع."
ثم خطرت لها فكرة متهورة ومتواقحة فهتفت:
" اذا, اذا تضمن الاتفاق أي ثمن فأنني أؤثر أن يكون في شكل آخر."
وعاد القناع يخفي ما في نفسه وتلاشى العجب الساخر وسألها:
" مثل؟!
مثل أن تتظاهر بأنك تحبني؟"
وران صمت مذهل وفي انحساره البطيء تمنت او أستطاعت أن تضحي بأي شيء لتسحب هذه الكلمات التي لا تغتفر ولم تجسر على النظر الى وجهه بل ركزت عينيها على يديها اللتين التحمتا في حجرها , وهي ترتجف وتنكمش ازاء نفحة من الازدراء الجليدي في أية لحظة. ثم وجه اليها سؤالا كان آخر ما توقعت سماعه:
" لماذا انفصمت خطبتك؟"
وجعلتها المفاجأة تنظر الى وجهه بسرعة ولكن ملامحه ظلت جامده لا تشر لهابأي رد فعل طلبته.... وتساءلت بدورها بعد لحظة:
"هل لهذا اهمية ما؟"
" كلا... ما لم يكن قبولك اقتراحي مجرد محاولة لاثارة غيرة خطيبك السابق!"
* * *
|