- سنتزوج غدا!
تمنت تيريزا حضور المزاد العلني الذي يقام في العاصمة لبيع الأبقار وأوراق التبغ , ولكنها لم تجد الشجاعة الكافية لتطلب من سكوت ذلك , توقعت أن يدعوها لمرافقته , فلم يفعل ... بل قال لها قبل مغادرته البيت مع جيمي:
منتديات ليلاس
" سأقابلك في شارع جايميسون في تمام الواحدة , أرجوك ألا تتأخري , لأن وقتي لا يسمح لي بالأنتظار طويلا , سأترك لك سيارتي كي تستخدميها في تنقلاتك , فاليري تعرف المكان الذي أريد ملاقاتك فيه , سنتناول طعام الغداء في مطعم قريب من المكان الذي سنقصده, الى اللقاء".
ضحكت فاليري وقالت لصديقتها الجديدة , بعد ذهاب الرجلين:
" سوف تعتادين عاجلا أو آجلا على هذه ... التصرفات الصعبة الى حد ما , ولكن مظاهر التسلط الخارجية هذه , تخفي وراءها قلبا كبيرا وعاطفة جياشة".
ثم تنهدت بمرح ظاهر , وأضافت ممازحة :
" يبدو أنه أخذ تهديدك على محمل الجد... فلم يعانقك مثلا قبل ذهابه الى العمل , آسفة يا تيريزا , لنتحدث عما سنفعله اليوم , هل تحبين زيارة المتحف الفني والحدائق؟ أم تفضلين القيام بجولة على المحال التجارية؟".
" أفضل المتحف والحدائق العامة , نظرا لوجود مليندا معنا".
لم تندم تيريزا على قرارها هذا, لأن الجولة الطويلة كانت ممتعة للغاية , شربن الشاي في أحد المطاعم الصغيرة ومشين الى البحيرة المجاورة , حيث جلست الفتاتان على العشب الأخضر الجميل وراحت الصغيرة تقفز هنا وهناك بسعادة فائقة, وفيما كانت تيريزا تحدث عن بعض المشاكل التي تقع في المستشفيات , قاطعتها فاليري قائلة بصوت منخفض:
" أنظري! ها هي أيلاين تخرج الآن من المطعم الذي كنا فيه!".
ألتفتت تيريزا بسرعة نحو مليندا , التي كانت ترمي قطع الخبز الى أوزة بيضاء جميلة , وقالت هامسة:
" لا تدعيها تراك , يا فاليري , ها هي آتية الى هنا!".
"لا ... لا أعتقد ذلك , في أي حال , أنها تضع على رأسها قبعة كبيرة ستمنعها من رؤيتنا".
" أخفي وجهك, بحق السماء , لا يريدها سكوت أن تشاهد مليندا أو تزعجها".
خيم الصمت الرهيب والتوتر الشديد حولهما بضع لحظات , تمنت تيريزا خلالها ألا تدير الصغيرة وجهها نحو المطعم.
" تعالي يا أيلاين, لنطعم تلك الأوزة الجميلة ونلتقط لها بعض الصور".
ضغطت تيريزا بقوة على يد فاليري , ولم تتركها الا عندما سمعت صوتا يقول:
" لا تكوني سخيفة يا مادلين , الطقس حار جدا , ولا يهمني الآن سوى الوصول الى الفندق وأخذ حمام بارد , يكفينا اليوم...".
أختفى الصوت تدريجيا مع أبتعاد السيدتين عنهما, فقالت فاليري:
" أرتاحي الآن , يا تيريزا".
" رباه, كم كانت قريبة منا!".
" أسمعي يا عزيزتي , أيلاين موجودة في المدينة , وسوف تلتقيان بطريقة أو بأخرى , فماذا ستفعلين , أيتها المسكينة , أذا تم هذا اللقاء الحتمي؟".
" أعرف ذلك , يا فاليري, ولست قلقة أبدا من أحتمال حدوثه , ولكن سكوت مصر على أبعاد مليندا عنها , لا تسأليني عما أذا كنت أعرف قراره صحيحا أم لا , أوه , لو أنها رأتك أو لاحظت وجود أبنتها...".
" خففي من توتر أعصابك , أيتها العزيزة , فقد ربحت على الأقل الجولة الأولى, هل تعرف أيلاين شيئا عنك؟ ليس لهذا الأمر أي أهمية على الأطلاق , لأنها لم تعد زوجته ... لم تعد تملكه , عاملته بطريقة تثير الأشمئزاز , وبأسلوب لا يغتفر , لا أحد يعرف مدى سوء معاملتها له أكثر مني وجيمي , عزة نفسه وشهامته لا تسمحان له بالتحدث عنها , ولكنه تألم كثيرا وصار يتصرف بقساوة وسخرية مع الآخرين ليغطي ألمه وعذابه , وكانت أقسى صفعة تلقاها من تلك اللعينة , هي طريقة تجاهلها للطفلة وتخليها عنها, هل أطلعك عما حدث؟".
" أخبرني القليل , فنحن لم نلتق الا منذ فترة قصيرة , في أي حال , أنا لست راغبة أبدا في معرفة التفاصيل المؤلمة , لا أعرف أيضاما اذا كان سكوت قد أتصل بها أو كتب لها ... عنا".
" أعتقد أنه يعرف كيف يتصرف في هذه الأمور , أنا سعيدة جدا , لأن لديه شخصا مثلك يخفف من قساوته ويعيد اليه حياته ومرحه, أنه رجل طيب ونشيط للغاية , ولكن الألم غاص الى أعماق فؤاده , أنت طريقه الى الخلاص من هذه المحن , أيتها العزيزة ".
شعرت تيريزا بخجل عميق نتيجة لما حدث مع جيمي وفاليري , لا يزال قلب سكوت مفعما بالمرارة , ولكنه بالتأكيد لم يستعد حياته وحيويته بسببها هي , سيقابل زوجته , وسيكتشف على الأرجح أنه يحبها الى درجة تسمح له بقبول أعتذارها , آه لو كان بأمكانها أطلاع هذه الصديقة الجديدة على أسرارها ومشاكلها , فهي طيبة وحنونة ومتفهمة.
" لندع الآن هذا الموضوع جانبا, يا فاليري , فأعصابي لا تتحمل المزيد".
ثم ضحكت وأضافت قائلة:
" أعتقد أن الخوف الذي تملكني أثناء مرور أيلاين هو المسؤول عن هذا التوتر".
تأملتها فاليري بتمعن وقالت لنفسها أن الأمر الوحيد الذي تعرفه بالتأكيد هو أن تيريزا ستانتون تحب سكوت ميلوارد حبا عميقا, أبتسمت وقالت بهدوء:
" لماذا لا نعود الآن الى البيت , كي تتمكني من مقابلة سكوت في الموعد المتفق عليه ؟ لن يكون مسرورا أبدا أذا تأخرت ! هيا, سأدلك على المكان الذي سيقابلك فيه".
أوقفت السيارة أمام المبنى المحدد فيالواحدة ألا خمس دقائق , ولكنها لم تخرج منها , وصل سكوت بعد ثلاث دقائق تقريبا وهمّ بفتح بابها , فقالت له:
" أريد التحدث معك لدقيقة واحدة , يا سكوت , أرجوك!".
ذهب الى الجانب الآخر من السيارة , وجلس قربها , أبتسم لها وقال:
" كلنا آذان صاغية , أيتها العزيزة".
" لا أعتقد أبدا أن من الضروري الوصول الى هذا الحد... حد أبتياع خاتم للخطوبة , لماذا لا نكتفي بالقول أننا مخطوبان؟ لم يعد الناس في هذه الأيام مضطرين لأظهار الخواتم ليثبتوا خطوبتهم أمام الآخرين , أضف الى ذلك أن خطوبتنا وهمية زائفة!".
قدم لها سيكارة , فرفضت شاكرة , أشعل سيكارته بهدوء مبالغ فيه , ثم قال بلهجة حازمة لا تقبل الأعتراض:
" أعتزم أظهار خطوبتنا نحن وكأنها حقيقية بالتمام والكمال , وعليه, فسوف نبتاع الخاتم ... ومن هذا المكان بالذات".
" ليس الأمر ضروريا أبدا , يا سكوت , كما أن الخواتم أصبحت في هذه الأيام باهظة التكاليف , قبل جيمي وفاليري أعلاننا , أو بالأحرى أعلانك أنت عن الخطوبة , دونما أي أصرار على طلب أثباتات أو تأكيدات معينة , فلماذا ستكون عزيزتك أيلاين مختلفة عنهما؟".
" عزيزتي أيلاين, كما تصفينها , تحب الأثبات الظاهر , وبما أنني لست أنسانا بخيلا أو معدما , فسوف أشتري لك خاتم خطوبة , هذا ما أريده وما أنوي تنفيذه".
" وماذا سأفعل بالخاتم بعد أنتهاء هذه التمثيلية ؟ قد تقرر أعادتها الى بيتك, فماذا سأفعل به؟ وأذا قررت عكس ذلك , فلن يعود لخطوبتنا الوهمية هذه أي أهمية أو ضرورة على الأطلاق".
" الجوهرة الحقيقية لا تفقد قيمتها أبدا , أيتها الحبيبة , قد تقررين الأحتفاظ بالخاتم كتذكار مني , أو رميه أمامي حسب التقاليد القديمة ... هذا أمر عائد أليك , ما يهمني أنا في المقام الأول هو عدم وقوعي في شرك زوجة سابقة , ستحاول أقناعي بعمل شيء قد أندم عليه, أنت وعدتني بالمساعدة , وعليك تنفيذ الوعد , لو كان صديقك العزيز ديريك لا يزال موجودا , لكنت نفذت الجانب المتعلق بي من أتفاقنا , لماذا نضيع الوقت الآن , أيتها الخطيبة الجميلة ؟ أبتسمي وتظاهري بالسعادة والفرح , كي ندخل هذا المبنى كشخصين عاشقين".
أمضت تيريزا أكثر من نصف ساعة داخل ذلك المتجر الأنيق ... وهي تشتعل غضبا, وافقت على كل خاتم أحضره لها الموظف المسؤول , ألى أن فقد سكوت صبره وأختار لها خاتما يعجبه ويرضي ذوقه , شهقت رغما عنها , أعجابا بجمال الخاتم وروعته , وتمنت لو أن الأمور كانت مختلفة ليجمعها هذا الخاتم حقيقة مع الرجل الذي أختاره قلبها...
أرشدهما البائع الى غرفة جانبية , حيث يمكن للرجل السعيد تقديم الخاتم الى حبيبته .... ويقبلها , أغلق الموظف الباب بهدوء , فيما كان سكوت يخرج الخاتم من علبته المخملية الأنيقة ... ويزنر به أصبع تيريزا برقة ونعومة ... أحست بالدموع الحارة تحرق عينيها , فسحبت يدها بغضب وأنفعال شديدين قائلة :
" أذا أردنا خداع الآخرين , فلا داع لخداع نفسينا الى هذه الدرجة , ها نحن قد أصبحنا مخطوبين , والخاتم جميل للغاية ويعجبني كثيرا , هيا لنذهب".
" لا , لن نذهب الآن , وعدتك بألا أستغل موضوع الخطوبة , ولكن التقاليد تقضي بأن يعانق الرجل خطيبته , أنت جميلة جدا , وقدرتي على مقاومة الأغراء الآن ضعيفة للغاية".
طوقها بذراعيه وأضاف باسما:
" أريد منك أثباتا حسيا على مدى أعجابك بهذا الخاتم ".
حاولت دفعه عنها , ولكنه لم يتركها , ضربته بقوة على صدره , فلم يتحرك , نظرت اليه بحزن وأسى , وكأنها تناشده أو تتوسل اليه ليبتعد عنها , وعندها فقط ... أحنى رأسه قليلا , أبتعد عنها فجأة , وهو يتنفس بصعوبة وينظر اليها بعينين متوهجتين , تسمرت في مكانها فاقدة اللون , ضعيفة... وخائفة من رفع رأسها نحوه كيلا يشاهد الحقيقة في عينيها ونظراتها , كان قلبها يخفق بعنف مجنون, كجناحي طائر سجين.
تأمل سكوت الرأس المنحني لفترة طويلة, ثم وضع يده برفق تحت ذقنها ورفع وجهها نحوه بنعومة , قائلا:
" لن أخدش أحاسيسك ومشاعرك بالأعتذار لك عن تصرفي ... ولكن عن أندفاعي المتهور وعدم توقفي في اللحظة المناسبة , لا شك في أنك صعقت من جراء هذا التصرف الوحشي الأرعن , أجلسي هنا , يا تيريزا , كي أحضر لك كوبا من الماء .
لن تطلعه أبدا على حقيقة شعورها أتجاهه ... مياه الدنيا كلها غير قادرة على أطفاء الحريق المشتعل في قلبها , أستعادت روحها المرحة بصورة مفاجئة , عندما تخيلته يرغمها على شرب كمية هائلة من الماء, أبتسمت وقالت:
" أنا بخير , يا سكوت , أشعر فقط بألم خفيف من جراء الضغط الشديد الذي مارسته على عظامي المسكينة".
" هل هذا هو كل ما عناه لك؟".
لم ترغب في أحراجه بالأعلان له الآن عن حبها , فقالت له مازحة:
" لولا الألم الذي أصابني في معظم أنحاء هيكلي العظمي , لكان عناقا لا بأس به".
" أذا كنت حقا خائفة , فلا تظهري مثل هذا الأغراء المثير في وضح النهار , مسكين ديريك .... بدأت الآن أفهم سبب غيرته وشعوره بعدم الثقة! لو كنت مكانه , لوضعتك في برج عال وأقفلت الأبواب بسلاسل من الحديد , هل كنت تتجاوبين معه كما فعلت معي, ثم تضحكين عليه بالطريقة ذاتها؟". منتديات ليلاس
سارت تيريزا نحو الباب ووقفت أمامه بتهذيب كي يفتحه لها, ثم قالت:
" هيا بنا سكوت , فهذه الغرفة ليست لنا وحدنا , أسامحك على هذه الكلمات القاسية , لأنها نتيجة أنفعال وتوتر أعصاب .
لاحظ سكوت , أثناء تناولهما الغداء في المطعم المجاور , أنها تتأمل الخاتم بأعجاب ظاهر , أبتسم بأخلاص وقال:
" أنه حقا لرائع , ويناسب يدك الجميلة الى درجة كبيرة , أنا فخور جدا لكوني الرجل الذي قدمه لك , يا تيريزا , حتى بالرغم من التصرفات الغبية التي رافقت تقديمه .... ومع أنه موجود بصفة مؤقتة , هل تغفرين لي سوء تصرفي معك؟".
نظرت تيريزا لى يده الممسكة بيدها , وأجابته بصوت ناعم:
" نعم , يا سكوت , كل ما في الأمر أن عزة نفسك جرحت بعض الشيء , فتوترت أعصابك ".
" سأكون صريحا وصادقا معك, أيتها الغزيزة , لم أقل ما قلته لك بسبب طعنة أصابت عزة نفسي ولكن نتيجة شعور مفاجىء بالغيرة , عندما تخيلت رجلا آخر يعانقك وينعم بأستجابتك له ".
لم تصدق أذنيها , فسألته بأستغراب شديد:
" الغيرة؟".
" أوه , اللعنة! أعرف أنه ليس لدي الحق بأن أشعر بالغيرة , ولكني شعرت بها.... وكانت قوية وحادة , أعلم أنك لا تزالين متضايقة جدا من ديريك , وأعلم أنني تصرفت معك بقساوة وعنف بالغين , أما بالنسبة أليك , فقد سبق وذكرت لك أنني لست صخرة صماء لا حياة فيها ... وأنك فتاة جذابة تصعب كثيرا مقاومتها سحرها وجمالها , ما رأيك الآن في أن تكوني شابة طبية وتنسي هذه المشكلة البسيطة , وتقبلي بعودة صداقتنا الى سابق عهدها؟".
ضاع الأمل الذي أنتعش قبل قليل , وحل اليأس والظلام محل السعادة والضياء . مشكلة بسيطة تافهة ؟ هل هذا كل ما في الأمر بالنسبة أليه ؟ هل تداعت القصور التي بنتها في الهواء؟ مسكينة!
" ماذا تقولين, يا تيريزا ؟ هل نعود صديقين كما كنا؟".
وضعت يدها في يده الكبيرة القوية , وقالت له بهدوء وبرودة:
" نعم , يا سكوت, سنعود صديقين".
" يا لك من فتاة رائعة! أوه, يجب أن أعود الآن الى عملي, أقترح عليك, بعد أنزالي في مركز البيع, التوجه فورا الى منزل جيمي وفاليري لأجل الراحة , سنذهب وأياهما الليلة الى ناد ليلي جديد , يعتبر من أرقى وأفخم نوادي العاصمة".
" فكرة عظيمة , ولكن ماذا بشأن مليندا؟".
" من المؤسف حقا أننا لم نحضر كليو معنا , ولكن الآنسة ماتيلدا ترافقنا في طريق في طريق العودة , سيطلب جيمي وفاليري من أبنة جارهما البقاء مع مليندا لحين رجوعنا من السهرة , سنلتقي ماتيلدا غدا صباحا بأذن الله , ويتم التعارف بينكما".
لاحظت تيريزا أن الجواب لم يكن مركزا بما فيه الكفاية , وعزت ذلك فورا الى قلقه أو أنفعاله بسبب أيلاين , ترى هل أتصل بها ؟, لا , لا يمكن ... وألا لكان أخبرها بأسلوبه الذي يستحيل تقليده ...
حل المساء بسرعة مذهلة , فهرعت تيريزا الى غرفتها لأرتداء فستان السهرة الحريري الممتاز .... الذي شكل ثمنه الباهظ عبئا ثقيلا جدا على مدخراتها المتواضعة , لحقت بها فاليري بعد قليل , وقالت لها بأعجاب حقيقي صادق:
" أوه , أنك رائعة ... رائعة , أيتها الحبيبة ! وسيلتهمك الرجال الليلة بنظراتهم...".
" لن تقتصر عليّ أنا وحدي , يا فاليري , فأنت أيضا جميلة وجذابة للغاية".
سارتا نحو قاعة الجلوس, وهما تختالان تيها وتتبختران زهوا , ركزت تيريزا نظرها على سكوت , فبدا وسيما وجذابا للغاية , تأمل الرجلان بأعجاب صامت الشابتين القادمتين , قبل أن يقول جيمي لصديقه بصوت ناعم:
" أصوت على البقاء هنا هذه الليلة , أيها الصديق العزيز ".
" وأنا أثني عليه أيضا, أيها الصديق الطيب".
ثم ألتفت نحو تيريزا , وقال لها بلهجة لا يمكن التكهن بما تخفيه وراءها:
"" أهلا بك , يا رمز الجمال والسحر والأناقة ".
تبادلت فاليري النظرات مع زوجها , ثم قالت لصديقتها الواقفة بدون حراك:
" أبتسمي معي للحب , ولهذين الرجلين العاطفيين الرائعين! هيا بنا الآن , أيها العزيزان , فلن نقبل أي تغييرات أعتباطية في اللحظة الأخيرة".
تناول الجميع عشاء شهيا وغنيا الى درجة تثير الأعجاب , فيما كانت أحدى الفرق الموسيقية المعروفة تتحف الساهرين بأنغام تبعث الدفء والبهجة في القلوب , أعتذر سكوت بعد قليل ليتحدث مع رجل مسن في الجانب الآخر من القاعة الخارجية , فتحلق عدد من الشبان حول طاولتهم للتعرف على الفتاة الجديدة... الساحرة , عاد الرجل خلال دقائق معدودة , فلم يجد مكانا يجلس فيه , أبتسم بهدوء بالغ, ودعا تيريزا الى الرقص معه.
موسيقى حالمة ... ذراعان قويتان تطوقان خصرها النحيل... أنفاس الحبيب تداعب شعرها ... أوه, يمكنها الألتصاق به على هذا النحو حتى الأبد ! سمعت قلبها يهتف به مناشدا:
" لا تتركني أبدا , يا حبيبي!".
وضع يده بنعومة على رأسها وداعب شعرها بحنان ورقة , وكأنه قرأ أفكارها وأستجاب لمناشدتها , أنتهت الرقصة, فأخذها من مرفقها وخرجا الى الحديقة التي تشرف على قاعة الرقص الزجاجية , وفيما كانت تتأمل الراقصين وهي غارقة في أحلام اليقظة , لفت أنتباهها توقف شخصين عن الرقص بصورة مفاجئة , شهقت دهشة وأستغرابا , ودفعتها الصدمة الى الأقتراب من سكوت ... طلبا للحماية المعنوية والنفسية , لاحظ الرجل توترها وأقتراب شخصين منهما , فسألها بهدوء:
" خطيبك السابق, الطبيب مان؟".
" نعم.... نعم!".
" حافظي على برودة أعصابك , يا فتاة , ولا تظهري أي مشاعر أو أنفعالات !".
لم تسنح لها الفرصة لأبلاغه بأن أعصابها توترت نتيجة للصدمة , وليس بسبب حب قديم أو عاطفة لا تزال متقدة , مد ديريك مان يده , وقال:
" تيريزا! كم أنا مسرور برؤيتك ! أنها حقا لمفاجأة رائعة! ".
صافحته رغما عنها , وقالت له بلهجة أتسمت بالكثير من التكلف والمجاملة:
" ديريك ! أنها مفاجأة لي أيضا , كيف حالك؟".
نظر الطبيب الى الشابة الواقفة قربه ,وقال:
" أعذريني , يا ماري , على هذا التوقف غير الآئق أثناء الرقص , كنت والآنسة ستانتون .... صديقين".
قدم كلا من الشابتين الى الأخرى , ونظر الى سكوت بتردد , قالت تيريزا:
" كيف حالك , يا آنسة بولتون , سكوت, أعرفك بالطبيب مان .. وبالآنسة بولتون , السيد سكوت ميلوارد!".
لاحظ ديريك خاتم تيريزا , فقال للرجل الذي لم تترك ذراعه كتفها:
"لم تذكر لي تيريزا في رسالتها أي أسم , فهل يمكنني الأفتراض بأنك أنت الشخص المشار اليه؟".
" نعم, أنا هو الرجل السعيد الذي أخبرتك عنه, ويشرفني جدا أن أكون الشخص الذي أحبته تيريزا و... وأعطته ثقتها".
شعرت تيريزا بالفخر والأعتزاز لسماعها كلمات سكوت الجميلة ... الكاذبة , ولملاحظتها التأثير القوي الذي خلفته تلك الجملة على وجه ديريك وملامحه.
" في هذه الحالة! دعني أقدم لك تهاني الحارة , أنك رجل محظوظ جدا, يا سيد ميلوارد , ومن المؤكد أن تيريزا تستحق السعادة والهناء , أوه , والثقة تلعب دورا كبيرا في تحقيق هذا الهدف!".
ثم وجه كلامه الى تيريزا , قائلا:
" هل تسمحين برقصة واحدة معي ... هذا أذا لم يكن لخطيبك أي مانع؟".
أنزل سكوت ذراعه عن كتفها , وقال:
" لا , أبدا, فمقابلة الأصدقاء القدامى أمر مبهج للغاية , أليس كذلك , أيتها العزيزة ؟ آنسة بولتون , هل أحظى بشرف مراقصتك لمرة واحدة أيضا؟".
توجه الأربعة الى حلبة الرقص بصمت يحمل في طياته بوادر الترقب والتوتر , وما هي الا لحظات , حتى قال ديريك لخطيبته السابقة:
" على الرغم من الصدمة المذهلة التي لحقت بي , فأنا مغتبط جدا لتمكن قلبك من ايجاد العزاء والسكينة بمثل هذه السرعة غير المتوقعة , كنت لا أزال آمل...".
" حقا , أيها العزيز ديريك ؟ يبدو أن أنانيتك وغرورك لا يزالان في أوجهما!".
" كانت الظروف ضدك , يا عزيزتي , لم أكن لأتصور أبدا تلك اللعينة الحقيرة ستستخدم شقيقها للأيقاع بيننا , أكتشفت لعبتها القذرة بسرعة كافية , عندما زارتني في أحدى الأمسيات و...".
" أرجوك , أعفني من هذه التفاصيل المزعجة... فلست مهتمة أطلاقا بسماعها , في أي حال , أكتشفت أنا بسرعة كافية أيضا أن الأذية لم تلحق بقلبي ... بل بكرامتي وعزة نفسي , وأذا تحطم قلبك مستقبلا , فأرجو مخلصة أن تجد العزاء الضروري بالسرعة ذاتها التي حدثت معي".
" سمعت عن خطيبك ... الحالي أنه رجل ذو مركز مرموق جدا في هذه المنطقة , ألتقيت زوجته السابقة ... أوه , أنها معه الآن!".
ألتفتت تيريزا بهدوء مصطنع نحو المكان الذي أشار اليه , فلم تتمكن من رؤيتهما بسبب الأزدحام الشديد, سألها ديريك بخبث واضح :
" هل تقابلتما؟ أنني حقا محتار كثيرا , أذ لديّ أنطباع قوي بأنها تسعى للوفاق والمصالحة".
لاحظت تيريزا من نظرة سريعة ثانية نحو سكوت وأيلين أنهما يتحدثان بهدوء بالغ وأرتياح , وأنه يركز أهتمامه كاملا على تلك المرأة الجميلة المغرية... ويتوجه معها نحو القاعة المجاورة , أخفت أنفعالها بحنكة ودهاء, وقالت لجارها:
" هذه هي مشكلتك الكبرى , يا ديريك مان , فأنت لا ترى ألا القشور, ولا تتأثر الا بالمظاهر الخارجية والأنطباعات السطحية , صحيح أنك طبيب ممتاز, ولكنك فيما عدا ذلك متسرع وغير متبصر في حقائق الأمور الحياتية".
أنضمت اليهما في تلك اللحظة الآنسة بولتون , ومعها الرجل الذي يراقصها , أبتسمت وقالت:
" أعتذر مني السيد ميلوارد عن متابعة الرقص , لأن ثمة سيدة أرادت التحدث معه في أمر هام وعاجل , سرني جدا أنني أعرف مرافقها , فتولى الأهتمام بي , دونالد أعرفك بتريزا وديريك , هيا بنا الآن الى القاعة الأخرى !".
يا للمصيبة! ماذا ستفعل؟ هل سيغضب سكوت لأنها لحقت به وأفسدت عليه أجتماعه , أم أنه يتوقع منها تقديم يد العون والمساعدة للتخلص من زوجته السابقة ... كما نصّت على ذلك أتفاقية الخطوبة بينهما , وصلوا الى القاعة , فلاحظت تيريزا أن سكوت وأيلاين موجودان مع جيمي وفاليري , وقف سكوت لدى أقترابها منه , ثم أمسك بذراعها وقال باسما:
" هل تتمتعين بوقتك , أيتها الحبيبة؟".
تعمّدت توجيه أبتسامة خاصة جدا , تضج سحرا وأغراء , فأضاف قائلا:
"أرى أنك تعرفت الى دونالد, هذه أيلاين! أيلاين...".
" لا داع لأزعاج نفسك, أيها العزيز , فمثل هذا الجمال الأخاذ لا يمكن ألا أن يكون لتريزا ستانتون وحدها ".
لاحظت تيريزا النظرات الحاقدة والماكرة في عيني منافستها على قلب سكوت , ولكنها تظاهرت بالأبتسام وحيّتها بأسلوبها المهذب المعتاد , هزت أيلاين رأسها , وأضافت قائلة:
" أصبح بأمكاني الآن , يا عزيزتي , معرفة سبب بهجة سكوت وأرتياحه , فسحرك بالتأكيد منعش جدا , وخاصة بعد...".
تركت تلميحها معلقا في الهواء , ثم تنهدت بأسى ومضت الى القول:
" كنت أعلق آمالا كبيرة على أشعال نار تكاد تنطفىء, ولكنني تأخرت كثيرا على ما يبدو".
" يا لسوء حظك وحسن حظي , يا ... سيدة ميلوارد , أوه , هل يمكنني مناداتك هكذا أم أنك أستعدت أسمك السابق؟".
" أحتفظت بهذا الأسم , يا عزيزتي , لأنه مميز وذو شهرة واسعة, وأثبتت التجارب أنه مفيد جدا ... بالنسبة الي".
" أنه فعلا مفيد ومناسب لك في الوقت الحاضر , ولكنه قد يشكل في مرحلة لاحقة بعض الأرتباك و...".
لم تنه تيريزا جملتها , بل وضعت يدها على فمها بطريقة تدل على ضجرها من هذا الحديث السخيف , وقالت لجيمي مارتن ممازحة:
" متى سترقص مع زوجتك الجميلة , أيها الكسول ؟ هيا , أجمع عظامك المفككة , أذهب الى الحديقة .... فثمة فرق هائل بين جوها المنعش الحالم وهذا الجو العابق برائحة الدخان وأنفاس الناس".
لم تنه تيريزا جملتها , بل وضعت يدها على فمها بطريقة تدل على ضجرها من هذا الحديث السخيف , وقالت لجيمي مارتن ممازحة:
" متى سترقص مع زوجتك الجميلة , أيها الكسول؟ هيا, أجمع عظامك المفككة وأذهب الى الحديقة ... فثمة فرق هائل بين جوها المنعش الحالم وهذا الجو العابق برائحة الدخان وأنفاس الناس".
تبادل الموجودون نظرات الأستغراب والذهول , ثم تفرقوا , ابتسم جيمي لتريزا , وهو يمسك بذراع زوجته ليتوجهوا الى الحديقة , فيما توجه ديريك ورفيقته الى حلبة الرقص , أما دونالد , فقد رفع ايلاين من كرسيها بفظاظة قائلا بحدة:
" هيا بنا , يا حلوتي , فشعرك بحاجة ماسة للتسريح".
لم يتحرك سكوت من مكانه أو يتفوه بكلمة واحدة طوال فترة المجابهة , بل ظل واقفا بدون حراك قرب تيريزا وذراعه تطوق خصرها بشكل لا يدل على توتر أو أرتياح, شعرت بأنها لم تعد قادرة على الوقوف, فأختارت أقرب كرسي لها ... وجلست .... ثم أغمضت عينيها , وبعد لحظات قليلة سمعته يقول لها:
" يا لك من حارسة أمينة .... وقوية!".
لم تفتح عينيها خوفا من ملاحظة أي أعتراض أو أحتجاج , وقالت بتردد:
"هل أندفعت أو تطرفت كثيرا في تصرفي؟".
" لا , يا عزيزتي , كنت رائعة, أيتها الصبيى ... ولكنك ستواجهين من الآن فصاعدا عدوا لا يستهان به, فزوجتي السابقة لا تنام على ضيم, ولا تقبل الهزيمة بسهولة".
" هل أنت موافق على ما قمت به , يا سكوت, أم أنك تعتقد أنني أفسدت عليكما فرصة المصالحة والوفاق؟".
" أذا حدث ذلك , يا حوريتي الجميلة , فالذنب ذنبي وأنا أتحمل مسؤولياته , أنت نفذت بالتمام والكمال ترتيبات الوقاية والحماية التي طلبتها منك".
آه منك , يا سكوت ميلوارد, ومن كلامك المبهم! كيف سأعرف الآن ما اذا كنت حقا مؤيدا لمواقفي أم...
" لا شك في أنك واجهت صعوبة كبيرة عندما تصرفت على ذلك النحو, وحبيبك السابق قربك... يسمع ويرى! هل يعرف الطبيب حقيقة ما يجري, وهل شعلة الحب لا تزال مضيئة ومتوهجة حتى الآن؟".
" وماذا عن تمثيلك أنت بالنسبة لموضوع الحب والثقة؟ ألم يكن أيضا ناجحا ورائعا ؟ يقال , أيها العزيز , أن الحب لا يعرف حدودا ... ولا يعترف بالروايات والتمثيليات , لنقل نحن بدورنا الآن أن كلا منا قام بواجبه على أتم وجه , كما نصت على ذلك ... أتفاقيتنا , أما بالنسبة لأستعداء أيلين , فلا يهمني هذا الأمر بتاتا !".
رد عليها بحدة مماثلة , قائلا:
" أنا يهمني ذلك , يا تيريزا , لأنه قد يؤثر سلبا على أبنتي , هدفي الأول والأخير هو أبعاد أيلاين عن مليندا , وعليه فأهتمامي بها ... أو عدم أهتمامي بها ... هما موضوعان ثانويان , أكرر لك , وبكل حزم وأصرار , أنني لا أريد قيام أي أتصال على الأطلاق بين أبنتي ومطلقتي".
" أليس من الأفضل أذن أن انسحب أنا من هذه القضية بكل هدوء وبساطة ؟ أذا فعلت ذلك , فلن يظل لديها أي سبب للتصرف بشكل عدائي أتجاه مليندا ... كنتيجة الحقد الذي تكنه لي , أوه , يبدو أن الموضوع أصبح متشعبا ومعقدا الى درجة كبيرة ... أعني أنها لم تهتم أبدا بالنسبة لأبنتها , فلماذا هذا الأهتمام المفاجىء ؟ هل من الممكن أن أيلاين تعلمت درسا قاسيا , وأنها ستصبح أما طيبة... وزوجة ناجحة ... أذا منحتها فرصة أخرى؟".
" لا أنوي القيام بذلك , لأنني ...".
" لا تكن قاسيا الى هذا الحد , يا سكوت!".
" هل أكتشفت أن قلبك لا يزال معلقا بذلك الطبيب الوسيم , وأن هذه هي طريقتك المثلى لأرغامي على القبول بعودة أيلاين ؟ لا تتعبي قلبك وعقلك وتفكيرك , يا آنستي , فلست بحاجة لذلك , يننفذ أتفاقنا أل أن أشعر أنه لم يعد مناسبا لي , وبما أن الوقت لم يحن بعد, فعليك مماطلة صديقك لفترة أطول ... قبل عودتك اليه زحفا على ركبتيك معفرة الوجه والجبين!".
" يا لك من وحش تافه مغرور , يثير في نفسي الأشمئزاز و...".
أقترب سكوت منها وأمسك بيديها , قائلا بلهجة العاشق المتسامح :
" أنتبهي الى لهجيك وكلماتك , أيتها الحبيبة , وكذلك الى ملامح وجهك و...".
جلست فاليري في مكانها , فأبتسم سكوت بأعجاب قائلا:
" ألا تعتقدين أن فتاتي تبدو رائعة عندما تحمر وجنتاها خجلا ؟ هذه هي نتيجة الغرام والهيام".
أنحنى جيمس أمامها , متظاهرا بالجدية البالغة , وقال:
" والآن سأبعدها عن سحرك ... لكي تنعم بسحري وجاذبيتي ".
أمضت تيريزا فترة طويلة في القاعة المخصصة للرقص , لأنها كانت محط أنظار وأعجاب مجموعة كبيرة من الشبان , لم يحضر سكوت , ولم تعد ترى أيلاين أيضا, أقترب منها ديريك ليسألها عما أذا كانت ترغب في شرب فنجان من الشاي معه صبيحة اليوم التالي , فأجابته بأنها ستكون منهمكة في أمور عدة , تنهد الطبيب الشاب وقال لها بلهجة صادقة:
"تصبحين على خير يا تيريزا , سوف أسافر بعد غد , بأذن الله , أتمنى لك السعادة والسرور , وأريدك أن تعلمي أن ثمة رجلا سيشعر دائما بالندم لأنه لم يثق بك كما يجب". منتديات ليلاس
قبلها على خدها مودعا , وتوجه نحو القاعة المجاورة , رفعت تيريزا رأسها فشاهدت سكوت يتأملها بحدة وعصبية , أستدارت بسرعة نحو غرفة السيدات , وتوجهت أليها دونما أي تردد أو تمهل , ليتصور ما يريد بالنسبة لقبلة ديريك , فهي تعرف الطبيب منذ زمن طويل , ولا تحمل له في قلبها أي ضغينة , كذلك فأن قبلة وداع بريئة على خدها هي أمر خاص بها دون سواها ! فتح الباب بعد لحظات ,وسمعت تيريزا صوتا مألوفا يقول... فيما كانت أيلاين تجلس قربها:
" آه , الشابة الجميلة بذاتها ! أنظري الى شعري ... بعض الرجال , آه منهم!".
لم تعرف تيريزا ما أذا كانت أيلاين تشير الى سكوت أم الى رفيقها دونالد , فلم تعلق بشيء على تلك الجملة , سألتها أيلاين فجأة :
" كيف حال أبنتي مليندا؟ لا شك في أنها فتاة كبيرة الآن , هل تشبهني؟".
" لا , أنها تشبه والدها ... وكأنها نسخة طبق الأصل ".
" يا للطفلة المسكينة ! آمل , لمصلحتها هي , في أن يكون لديك حارس أمين يصونك ويحميك , أنت تعيشين مع سكوت في منزل واحد , أليس كذلك؟".
" هذا شأني".
" سمعتك معرضة للخطر أيتها الحبيبة , ولكنني لا أفكر بك بالقدر الذي أفكر بأبنتي , تصوري مدى تأثير وضع لا أخلاقي كهذا على حياتها ومستقبلها!".
" أستغرب كثيرا هذا الأهتمام المفاجىء أتجاه أبنتك من شخص له تصرفاتك أنت , يا سيدة ميلوارد , أعني هنا مسألة تخليك عن طفلتك".
هزت أيلاين رأسها وقالت لتريزا , والسم يقطر من كلماتها:
"يا لك من أنسانة مخلصة متفانية ! في أي حال , أيتها العزيزة , أود تحذيرك بأن الحبيب سكوت قد يجد نفسه فجأة منفصلا عن أبنته , فالمحاكم لا تقبل بمثل هذه التصرفات!".
أشتعل الغضب والخوف في عيني تيريزا وقلبها , وقررت اللجوء الى الكذب , صرخت قائلة بحدة:
" لن يحدث هذا أبدا , فالآنسة ماتيلدا معنا منذ فترة طويلة , هي أفضل مربية في العالم .... ثم .. ألم يخبرك سكوت أننا سنتزوج خلال وجودنا هنا؟".
لم تقل لها أيلاين أنها تكذب , فتأكد لها نجاح كذبتها , بدت الزوجة السابقة أكبر سنا وأكثر تعبا وأرهاقا , وقالت:
" هنيئا لك بالآنسة ماتيلدا, فهي قادرة على تربية الشيطان! أتمنى لك كل الحظ مع سكوت ميلوارد , لأنك ستكونين بحاجة اليه ... ألى الحظ , لا ألى سكوت!".
عادت تيريزا الى القاعة , وهي خائفة من المضاعفات التي ستنجم عن كذبها , يجب الأعتراف له بما حدث , ومن الأفضل أن تفعل ذلك عاجلا وليس آجلا , يجب أيضا أبلاغ الآنسة ملتيلدا و ...! دعاها سكوت الى الرقص , فذابت بين ذراعيه حبا وحنانا... فيما كان صوت الضمير يصرخ بتأنيب وأنفعال شديدين , ماذا لو أنضمت اليهم أيلاين مجددا , وتحدثت عن ماتيلدا .... أو عن الزواج المرتقب! أوه! أحس سكوت بأنزعاجها وأنقباض نفسها , فعزا ذلك الى مقابلتها ديريك , أقترح العودة الى البيت , فوافق جيمي على الفور.... وشعرت تيريزا بأرتياح كبير , أبلغها أنهما سيوزران الآنسة ماتيلدا صباح اليوم التالي , فقررت تأجيل أعترافها حتى الصباح.
" سكوت , أرجوك! هل يمكننا التوقف هنا بضع لحظات ؟ لدي أمر هام جدا أريد أطلاعك عليه, قبل وصولنا الى منزل الآنسة ماتيلدا".
توترت ملامح وجهه, وقال لها بأستياء ظاهر:
" هيا , أعترفي!".
أعترفي! أنه يعرف أذن ماذا حدث! ولكنها متأكدة من أنه لم يقابل أيلاين بعد حديثها معها! قررت المضي في أعترافها مهما كلف الأمر , قالت:
" صدقني , يا سكوت , أنني لم أقل ذلك ألا لحمايتكما أنت ومليندا".
" تابعي! تابعي!".
" قالت أن المحكمة ... لن تنظر ... بعين الرضى ... الى وجودي معك ... تحت سقف واحد , أضطررت للكذب ... وحدث ذلك بسرعة وبصورة عفوية , أردت حماية مليندا كيلا يصدر قرار ما ... بأبعادها عنك".
" محكمة ... أكاذيب .... أبعاد مليندا عني؟ أرجوك توضيح هذه الأمور فورا".
" تصورت أنك تعرف , ألم تأمرني بالأعتراف؟".
" مجرد كلمة تقال , أيتها لحورية , شعرت من أنقباضك أن ثمة أمرا هاما يشغل رأسك وتفكيرك , هيا الآن , أخبريني عما حدث بالتفصيل ... ومنذ البداية ".
سمع القصة من أولها , ثم قال لها بعد تفكير عميق:
" كيف يمكن للأنسان أن يحقد الى هذه الدرجة ؟ ألا يعرف الأنتقام حدودا؟ في أي حال , ستؤيد الآنسة ماتيلدا كلامك بكل سرور , كذلك , لا يمكن لأي محكمة أن تأخذ على محمل الجد شكاوى صادرة عن ... أوه , لننسى هذا الموضوع نهائيا! تيريزا , هل تقبلين الزواج مني .. خلال اليومين المقبلين؟".
" هل جننت؟".
" أؤكد لك بأنني أتمتع بكامل قواي العقلية".
" دع الشهامة جانبا يا سكوت ".
" ليس للشهامة أي علاقة بالموضوع , هل تقبلين , يا تيريزا؟".
" هل تعرف أنك لست ذكيا , كما كنت أتصورك؟ كان عليك توجيه هذا الطلب أمام أشخاص آخرين , كي يسجل رفضي علنا ويشعر ضميرك بالراحة والأطمئنان , أما بالنسبة للكلام المتسرع الكاذب الذي قلته أمس لأيلاين...".
قبض على ذراعيها بيدين فولاذيتين , وهو يقاطعها قائلا:
" سوف تنفذين أتفاقنا حتى النهاية , وستكون العزيزة ماتيلدا أول المهنئين بزواجنا الذي سيتم بعد غد بأذن الله!".
" أتركني ... أتركني, يا سكوت ميلوارد!".
" أنت محقة تماما بما قلته لأيلاين , أذا تزوجنا , فلن يعود هناك أي سبب لأبعاد مليندا عنا, وعليه , فأنت الآن ملزمة بتنفيذ أعلانك عن زواجنا المرتقب".
" أنت مجنون ! أين المشكلة أذا تركتك فجأة , وأختفيت من حياتك...".
" وتتركين رجلا مسكينا مثلي في وضع لا يحسد عليه ؟ أوه , لا يا عزيزتي , فكرامتي لن تقبل أبدا بمثل هذا الأذلال , ثم ... من سيعتني بمليندا بعد ذهابك؟".
" أنت بحاجة لمدبرة منزل , وليس الى زوجة , أتركني , يا سكوت , أرجوك!".
" حسنا , أتفقنا , سوف تظلين معنا كحارسة أمينة لمليندا ... ومدبرة منزل متزوجة , مني أنا طبعا , لن تتمكن ألسنة السوء بعد ذلك من الثرثرة بأي شيء مزعج , هيا الآن لنقابل الآنسة المسنة!".
أمضيا وقتا ممتعا للغاية مع تلك السيدة المرحة , ثم أستعدا للعودة , سارت معهما حتى السيارة , ثم رفعت يدها مودعة عندما أدار سكوت المحرك وتهيأ للأنطلاق , أوقفها لحظة , وقال:
"ستتصل بك فاليري لأبلاغك التفاصيل الضرورية , أنت مدعوة , أيتها العزيزة الغالية , لحضور حفل زواج ... زواجنا أنا وتيريزا ! الى اللقاء".
أستقبلتها فاليري باسمة , وهي تقول:
" ما بك تنظرين اليّ هكذا بذهول , أيتها العزيزة ؟".
" أعتقد أنني سأتزوج بعد غد, يا فاليري".
" تعتقدين؟ هيا أدخلي بسرعة , يا صغيرتي , قبل أصابتك بأنهيار عصبي!".
أخبرتها تيريزا عن قرار سكوت , ولكنها لم تذكر شيئا بالطبع عن الجدل الحاد الذي نشب بينهما خلال الحديث عن موضوع الزواج ... والحب, ضحكت فاليري وقالت:
" عندما يقرر سكوت ميلوارد شيئا , فمن المؤكد أنه سيتم , هل كنت تعرفين هذا الأمر أمس , يا عزيزتي؟".
" لا , فقد تحدث... تحدثنا عن هذا الموضوع ونحن في طريقنا الى منزل الآنسة ماتيلدا".
أمضت الصديقتان طوال فترة ما قبل الظهر في الأعداد للزواج المرتقب , ثم دخلتا الى احد المطاعم وطلبتاقطعتي حلوى وفنجانين من الشاي البارد , وبعد فترة قصيرة , طلبت فاليري من تيريزا أنتطارها بعض الوقت كي تذهب لأحضار ساعتها ... وكان هدفها الحقيقي أبتياع هدية زواج , وما هي الا دقائق معدودة , حتى سمعت صوت ديريك يسألها بتأدب وأحترام:
" هل تسمحين لي بالأنضمام اليك , يا تيريزا؟".
هزت رأسها موافقة , فمضى الى القول:
" أنا مسرور جدا بمقابلتك مرة أخرى , هل لي أن أسألك , كصديق , عما تفعلينه هنا ؟ هل تمضين أجازة , أم أنك تعملين كممرضة؟".
" أبلغتك في رسالتي أنني كنت أقيم مع ماري ودان ".
" كنت تقيمين معهما؟ أين أنت الآن أذن؟".
" سوف أتزوج غدا , وأعود بالطبع مع سكوت الى بيته...".
" غذا ؟ لم تذكري شيئا من هذا القبيل أمس الأول".
" لم أكن أعلم ... أعني ... لم أتصور أن الأمر يهمك, يا ديريك".
تأملها فترة طويلة, وكأنه يريد الدخول الى أعماق تفكيرها , ثم قال:
" هل أنت متأكدة تماما من سلامة هذا القرار ؟ لا تقدمي على أي خطوة بالغة الأهمية كهذه بدون التفكير بها مليا , والتأكد من حقيقة مشاعرك أتجاهها".
" أشكرك على أهتمامك بي , يا ديريك , ولكنني متأكدة تماما من صحة قراري".
وضه يده على يدها برقة وحنان , ثم قال:
" دفعني تسرعي الى فقدانك , وسوف أندم على ذلك طالما حييت, علمني هذا الخطأ درسا يعرفه كل طبيب, ولكنه لا يمارسه في حياته الخاصة... عدم التسرع في أستخلاص الأستنتاجات وأصدار الأحكام".
" التشخيص الطبي شيء والعواطف شيء آخر , أيها الطبيب العزيز , ثمة حقيقة بسيطة وواضح , وهي أنك لم تكن تحبني حقا ".
" والآن ... وجدت حبك الحقيقي , أليس كذلك؟ لم تشعري نحوي بأي حب حقيقي , يا تيريزا , وألا لكنت أنتظرت ... وغفرت , لنقل أن عزة النفس وحدها هي التي أصيبت".
فتحت تيريزا فمها لتوافقه على كلامه , ولكنها سمعت سكوت يقول ببرودة:
" ويقال أيضا أن الحب الحقيقي لا يأتي الا بعد عذاب مرير!".
" هذا صحيح , يا سيد ميلوارد , أنا الخاسر وأنت الرابح , فهنيئا لك بها , عاملها بحسن ورقة , فهي تستحق كل سعادة وهناء ".
.... وخرج ديريك من حياتها الى الأبد! قال سكوت بتهكم:
" يا له من موقف حزين!".
" لم أفكر حتى بدعوته الى فنجان شاي , أو ...".
" أنه لأمر مخجل حقا! هل ثمة لقاءات أخرى في الأقق؟".
" دع الغيرة جانبا , أيها السيد , فلن تساعدك بشيء , لم أتوقع حضورك بمثل هذه السرعة...".
" ولهذا السبب سمحت لنفسك بالأنفراد به".
لم تدعه ينهي جملته القاسية , وقررت الرد عليه بسلاح مماثل , قاطعته قائلة بغنج ودلال :
" أعذرني , يا سكوت , ولكنني لم أتمكن من مقاومة هذا الأغراء القوي".
" أنت خبيثة جدا , يا تيريزا ستانتون , ولا أصدقك...".
وصلت فاليري في تلك اللحظة , ورمت نفسها على المقعد المجاور قائلة:
"مرحبا , يا سكوت , آسفة يا تيريزا , على التأخير , أرجو ألا ... ماذا تفعل هنا , يا زوجها المقبل؟".
"أحافظ على حاضري ومستقبلي".
طلبت فاليري من زوجها في مستهل السهرة أن يأخذ سكوت الى النادي , أو الى أي مكان آخر , وأضافت بشيء من العصبية:
" ما بالكم؟ هل نسيتم جميعا التقاليد المتعارف عليها ؟ ألا تعرفون أن على الرجل ألا يرى عروسه في الليلة التي تسبق الزواج؟".
حاولت تيريزا الأحتجاج , ولكن فاليري ردعتها عن ذلك بحزم وأصرار , قام جيمي من كرسيه , وقال بتردد:
" يستحسن جدا , أيها الصديق العزيز , تنفيذ أوامر زوجتي الجميلة والذكية , هيا لنجمع الشبان ونمضي سهرة رنانة ... نعلن خلالها الحداد الموقت على حريتك التي ستقيدها غدا بسلاسل لا يمكن تحطيمها".
" لما لا , أيها الرجل المطيع لزوجته ! هل تعرف أنني لم أنتبه الا الآن الى المصير الذي ينتظرني 1".
أبتسمت تيريزا بدهاء , وقالت بلهجة لم يشعر بسخريتها أحد سواه:
" ألم تكن أنت , يا حبيبي , صاحب فكرة التسرع هذه؟".
أقترب منها حتى كاد فمه يلتصق بخدها , وقال بلهجة مماثلة :
" هل تريدين الآن تذوق سبب تسرعي , أيتها الحبيبة؟".
هبت تيريزا من مكانها وغادرت الغرفة على عجل , قائلة بلهفة :
" يبدو أن مليندا تناديني , فأعذروني".
أنضمت اليها فاليري بعد ذهاب الرجلين , وأمضت معها بعض الوقت في حديث عن ... الحدث المرتقب , ثم ودعتها , قائلة بحنان ظاهر:
" تصبحين على خير , أيتها العزيزة , نامي ملء عينيك , ولا تحاولي النهوض باكرا , سوف أتشرف بأحضار فطورك الى هنا , فهذا أقل ما يمكنني القيام به للعروس الحلوة".
ظلت تيريزا مستيقظة معظم ساعات الليل . وهي تحاول تحليل الخطوات السريعة والمتلاحقة التي حدثت معها منذ حضورها ... لزيارة ... ماري ودان , يا لها من زيارة , وما ترتب عنها من مضاعفات ونتائج!".
كانت الساعة تقارب الثانية من بعد منتصف الليل , عندما سمعت صوت محرك سيارة , فتأكد لها أن الرجلين عادا من سهرتهما التي ودّع فيها سكوت ... حريته! وضعت الوسادة على رأسها بعصبية بالغة , وأغمضت عينيها ... حتى الصباح.