4- الأستعداد للمجابهة
كانت تيريزا تعمل بجد ونشاط في الحديقة , عندما شاهدت ظل أنسان يتحرك قربها, ألتفتت بسرعة الى الوراء , فرأت سكوت ينحني ليساعدها وهو يقول:
" مرحبا, أيتها العزيزة , يبدو أنك منهمكة في العمل لقطع دابر الأعشاب البرية المؤذية , دعيني أساعدك".
كانت وجنتاها محمرتين بسبب الشمس والتعب , ولكن الأحمرار أزداد قوة وترسخا نظرا لوصوله المفاجىء وملامسته ذراعها بطريقة الصدفة , تسمرت في مكانها لحظات طويلة , فأستدار نحوها قائلا بلهجة سكان المنطقة:
" السيدة لا تحكي اليوم , آسف جدا , سوف ينسحب المسكين ...".
" طبعا يمكنني التحدث ... أذا أردت ذلك".
رفع رأسه نحو وجهها الغاضب , وقال بحدة:
" أذن , أطلب منك بكل تهذيب وأحترام ... أن تفعلي ذلك, لأنني أتيت لبحث الترتيبات الخاصة بعملك".
ثم وقف قربها, وتابع قائلا بلهجة أكثر نعومة:
" هل تعلمين أن العمل في مثل هذا الحر الشديد ضار للغاية؟ أنظري الى نفسك... وجهك كثير الأحمرار ... ومتسخ , هيا , أسرعي وأغسلي وجهك , لنشرب الشاي ونتحدث في أمور هامة, ما بك تنظرين اليّ هكذا؟ هل أصبت بضربة شمس؟".
" تصورت أنك على عجل...".
" صحيح, ولكنني مستعد للتضحية ... أذا قبلت أستضافتي بعض الوقت , هيا , يا فتاة".
تأملها وهي تتوجه نحو الباب بعصبية غاضبة , ثم ناداها قائلا:
"لا تكرهيني الى هذه الدرجة , يا حبيبتي , فالكراهية , على ما يبدو, تجعل طريقة سيرك مثيرة جدا ... وأستفزازية!".
أستفزازية حقا! كيف يجرؤ على أستخدام كلمة حبيبة؟ ومن يظن نفسه ليطلب منها , كطفلة صغيرة , أن تغسل وجهها؟ ستعرف كيف تواجهه... هذا اللعين! ولكن عليها الأسراع في العودة, والا فأن هذا المتغطرس المتعجرف سيتبعها الى الحمام , ماذا سيردعه؟ أخلاقه؟ تهذيبه؟
عادت بعد قليل ومعها الشاي, فوجدته مستلقيا على الأرض , تأملت وجهه الجذاب الذي لفحته الشمس , وشفتيه الجميلتين اللتين...
" شاب وسيم جدا, أليس كذلك؟".
" جمال الأنسان في أعماله وتصرفاته".
" آه, هكذا يقولون ! تعجبني فطنتك وكمتك , أيتها الشابة الحلوة".
" شكرا على هذا الأطراء , كم قطعة سكر تريد , يا سكوت؟".
" واحدة, شكرا".
أخذ فنجان الشاي من يدها , ثم دخل فورا صلب الموضوع الذي حضر لأجله قائلا:
" يمكنك الأستعانة عند الضرورة بخادمة مليندا الخاصة, كليو , أذا أردت زيارة أحد, أو الخروج من البيت لأي سبب أو آخر , تتولى كليو مهمة الأعتناء بمليندا , ولكنني لا أريدك أن تغادري المنزل , ما لم أكن أنا أو مدير أعمالي جيم في الجوار , يجب أعداد ترتيبات محددة كلما أردت مغادرة البيت, هذا أمر بالغ الأهمية بالنسبة الي".
" حسنا , سأفعل ذلك ".
" لنبحث الآن الأمور المالية , هل يمكنني معرفة ما كنت تتقاضين في المستشفى؟".
أطلعته بسرعة وأيجاز على دخلها الشهري الشامل , بما في ذلك المنح والساعات الأضافية وما شابه , نظر اليها بأستغراب بالغ, وقال:
" يا له من مبلغ تافه! هل كان كافيا؟".
" الى حد ما , وخاصة للذين يعيشون في المستشفى".
" وماذا بالنسبة الى المال الذي ورثته عن والدك؟".
أجابته بصراحة وبدون تردد :
" أنفقت معظمه على دراستي , ولكن الباقي يكفيني لمدة سنة تقريبا ... أذا عرفت كيف أتصرف به".
عرض عليها سكوت مبلغا كبيرا , فأحتجت قائلة أن عملها لا يستحق هذا الدخل المرتفع , أصرّ على عرضه , وقال:
" أنا لا أعتبره أبدا مبلغا كبيرا , أذا كانت مليندا سعيدة وتتمتع بصحة جيدة ".
" أذا تبيّن لي أن الخدمات المطلوبة مني لا تستحق دخلا كهذا فسوف أرفضه رفضا قاطعا".
وقف سكوت , وقال لها باسما:
"لنترك الجدل حول هذا الموضوع الى وقت آخر , هل أخبرتك ماري عن الحفلة الراقصة التي ستقام في القرية مساء السبت المقبل؟".
" نعم, وسوف نكون هناك بأذن الله".
" سيكون من دواعي سروري أن أرافقك ومليندا الى الحفلة".
" أوه! هل علم دان وماري بهذا .... القرار".
" لا , ولكنني سأطلعهما على ذلك قريبا".
" أعتقد أن العرف يقضي أولا بالطلب من السيدة ذات العلاقة , ثم...".
" هل تسمحين بمرافقة مليندا ووالدها الى تلك الحفلة؟".
تجاهلت سؤاله اللطيف , وتابعت جملتها بعزم وأصرار:
" أتصور أنه ليس من المناسب أبدا أن يصطحب رجل ممرضة أبنته الى ... حفلات راقصة وغيرها من...".
نظر اليها بحدة وقال:
" لتذهب التقاليد والرسميات الى الجحيم , هل تريدين مرافقتي الى الحفلة؟ تذكري أنك لن تباشري العمل قبل الأحد المقبل , وبالتالي فلن توني مع رب عملك اللعين!".
طالبها قلبها بالقبول فورا, وأصر عقلها على التروي وعدم الأندفاع وراء العاطفة , ولكن ... لما لا ؟ قالت له بهدوء مزعج :
" أقبل دعوتك المهذبة جدا , يا سيد ميلوارد ... ربما لأن مليندا بحاجة ماسة لوجود شخص لا يستخدم مثل هذه الكلمات النابية ".
خيم الصمت بينهما لفترة طويلة , راح كل منهما خلالها يتأمل الآخر ويحلل شخصيته , وأخيرا , قطع سكوت حبل الصمت قائلا:
" يبدو أنني سأمضي حياتي أعتذر لك عن هذا التصرف أو ذاك , موعدنا تمام السادسة من يوم السبت , الى اللقاء , يا آنسة , تحياتي لماري ودان".
أخبرت تيريزا صديقتها أثناء العشاء عن زيارة سكوت ودعوته المفاجئة وقالت:
"تصورا أنه لم يبحث الموضوع معي , بل أكتفى بالقول أنه سيأخذني الى الحفلة! هكذا! أبتسمت ماري رغما عنها , وقالت لصديقتها:
" هذا هو أسلوبه في المعاملة , ومن النادر جدا أن يبحث أو يناقش , ولكنني أستغرب الى حد ما رغبته في الذهاب الى مثل هذه الحفلات, فهو لا يعير الرقص أي أهتمام يذكر , يبدو , يا عزيزتي , أنه بدأ يميل اليك!".
" تبا له من المؤكد أنه يفكر بأمور أخرى ... وضيعة!".
" أنت شابة جذابة جدا , فلماذا لا يحاول الفوز بقلبك قبل أن يختطفه شبان آخرون ؟ أنا واثقة من أنها أمور رفيعة , وليست وضيعة ".
تدخل دان عندئذ , قائلا:
" يبدو على الأقل أنه تخلى نهائيا عن حمل مشعل ايلاين , وهذه بحد ذاتها خطوة بالغة الأهمية".
" لماذا تركته يا دان؟ هل يعقل أن يكون أنزعاجها من هذه المنطقة السبب الوحيد لقرارها؟ هل هي بارعة الجمال؟".
" نعم, والى درجة كبيرة, لم يحدثني سكوت في هذا الموضوع , ولكنني أعتقد أن ثمة أمرا حدث في العاصمة و...".
توقف دان عن الكلام , فأكملت زوجته رواية القصة:
" ذهب سكوت مرة في رحلة عمل لمدة أسبوع , ولكنه عاد فجأة في اليوم الرابع , لم يجد زوجته وأبنته , وعلم أنهما ذهبتا الى العاصمة , تبعهما الى المدينة وعاد في اليوم التالي... ومعه مليندا فقط , لم يعرف أحد ماذا جرى هناك, كما أن سكوت يرفض منذ ذلك الحين التحدث ولو بطريقة غير مباشرة عن سبب أختفاء ايلاين من حياته".
" حدث هذا الأمر قبل عامين , وراح سكوت بعد ذلك يمضي معظم وقته في المزرعة , ولكنه بدأ يكثر في الآونة الأخيرة رحلاته الى العاصمة , ولا أدري ما أذا كان ذلك بداعي العمل... أو الغرام ".
" لا تهتمي كثيرا بما يقوله هذا الزوج المحتال يا تيريزا , سوف نمضي سهرة رائعة مساء السبت , خاصة وأن جميع أصدقائنا متشوقون لمقابلتك, أرتدي أجمل ثيابك وتألقي , أيتها العزيزة , لنريهم كيف يكون الجمال الخلاب والذوق الرفيع".
ذهبت تيريزا صباح اليوم التالي الى تقاطع الطرق لأنتظار سيارة البريد , التي تمر في المنطقة ثلاث مرات في الأسبوع , وفيما كانت تنتظر السيارة شاهدت حصانا يعدو نحوها بسرعة هائلة مخلفا وراءه عاصفة من الغبار , وما هي الا لحظات وجيزة , حتى توقف الجواد قربها وسألتها راكبته الشابة بأنفعال:
" هل أنت الممرضة:
"نعم".
" تعالي معي بسرعة من فضلك, فأختي بحاجة لعناية فورية ".
" أخبريني بسرعة وايجاز عن مشكلة أختك , وكم يبعد بيتكما من هنا".
" أنه على بعد حوالي خمسة كيلومترات , أختي أسمها ليلي, وزوجها سام داوت يعمل لدى السيد ميلوارد . ليلي حامل , وأعتقد أنها ستضع مولودها بين لحظة وأخرى , أسمي جورجيا ماسترز".
" ألا يوجد طبيب في...".
قاطعتها جورجيا بعصبية وخوف شديدين:
" أتصلت به فلم أجده في عيادته , لأنه يعالج أحد المرضى في منطقة بعيدة , تركت له خبرا مع خادمه , تعالي معي , أرجوك!".
ركبت تيريزا وراء الفتاة , بعد أطمئنانها بسرعة لوجود المواد الطبية الأولية , وخلال دقائق معدودة , وصلت الشابتان الى منزل داوت , نظرت تيريزا الى ليلي , فعلمت فورا أنها ستضع مولودها بين لحظة وأخرى , ابتسمت لها مشجعة , وقالت:
" أنا تيريزا ستانتون, وسوف أساعدك قدر أستطاعتي لتكون الولادة طبيعية وسهلة".
فتحت صندوق الأسعافات الأولية , فوجدت فيه معظم الأشياء الضرورية , طلبت من جورجيا أحضار بعض الأمور الأخرى , وبدأت تعد نفسها لمساعدة ليلي , دخل رجل طويل القامة وخلع قبعته بيدين مرتجفتين , ثم قال:
" أنا سام داوت , أيتها الممرضة , لا أعرف كيف أعبر لك عن أمتناني , ليلي ... هل هي ... هل هذا هو وقت...".
" نعم , يا سيد داوت , ولا داع أبدا للقلق , كل شيء على ما يرام, أطلب من جورجيا أن ترتدي ثيابا نظيفة وتغسل يديها جيدا , فلربما أحتجت لمساعدتها".
أنهمكت تيريزا في عملها , وكانت جورجيا تنفذ كافة تعليماته وأوامرها بطريقة تثير الأعجاب.
وعندما رفعت رأسها لدى سماعها صوت سيارة في الخارج , هزت جورجيا رأسها نفيا وقالت:
" لا , أنها ليست سيارة الطبيب".
وفي أثناء ذلك , كان سام يسير في الغرفة الصغيرة وقد بدا عليه الأنفعال والتأثر , ولما سمع بعد فترة وجيزة صراخ المولود الجديد , فتح فمه وعينيه مصعوقا وهمّ بالهجوم على الغرفة الأخرى , أوقفه سكوت , الذي وصل قبل قليل , قائلا بلهجة عادية:
" أجلس , أيها العزيز , سيستدعونك عندما يحين الوقت لذلك ".
ثم وضع يده على كتف الوالد المتوتر الأعصاب , وأضاف ضاحكا:
"مبروك , لا شك في أنه صبي عصبي المزاج مثلك".
دخلت جورجيا في تلك الآونة , وقالت بفرح ظاهر:
" سام, أنه صبي رائع , ليلي بخير , ولكن الآنسة تطلب منك التربث قليلا لأنهاء بعض الأعمال الضرورية والهامة , يا لها من ممرضة عظيمة , تعرف بالضبط ماذا تفعل! وتصور أنها سمحت لي بمساعدتها ! أكاد أطير من السرور والسعادة !".
نادتها تيريزا , فلبت النداء بدون تردد , وبعد بضع دقائق , أطلت من الباب وطلبت من صهرها الدخول لرؤية أبنه وزوجته , جففت الممرضة العرق المتصبب من جبينها ووجهها , ثم توجهت الى المطبخ , أستدار نحوها الرجل الذي كان واقفا قرب النافذة , وسألها بصوت ناعم حنون:
" هل كل شيء على ما يرام , أيتها الممرضة ؟".
" أوه , أفزعتني يا سكوت ! نعم , كانت ولادة طبيعية جدا والحمد لله , كدت أصاب في وقت من الأوقات بنوبة قلبية , عندما رفضت ليلي أطاعة بعض التعليمات , متى وصلت؟ أوه , كم أشعر بالعطش !".
حملها سكوت بسرعة , ثم أجلسها على كرسي وقال:
" أجلسي , أيتها الحبيبة , وسأقدم لك فورا فنجانا من القهوة ".
وفيما كانت تأخذ الفنجان من يديه , لاحظت أنه يتأمل رأسها وشعرها المعقود فوقه , وسألته باسمة عمّا به , فقال لها ضاحكا وهو يحل تلك العقدة الكبيرة:
" تبدين كمعلمة قاسية متعجرفة , آه , هكذا أفضل! شعرك كالحرير , يا تيريزا , مليندا على حق , فهو فعلا كشعاع الشمس ".
وصل الطبيب هيو لاسينغ في تلك الآونة , وحيا سكوت قائلا:
" مرحبا , سا سكوت , كيف حال ليلي الآن؟ هل خدعها الجنين مرة أخرى ؟ لا يزال أمامها أربعة عشر يوما ...".
وضع حقيبته على الطاولة , ثم تأمل تيريزا لفترة طويلة وصفّر أعجابا بجمال وجهها و بقوامها , وعندما بدا أن سكوت لن يعرّفه عليها , مضى الى القول:
"ماذا يجري هنا؟ أبلغني الخادم بضرورة الأسراع الى منزل سام ".
رفع نظره عنها بصعوبة عندما سمع صوت مياه تغلي , فأبتسم وقال:
" عظيم , يبدو أن شخصا ما أعد بعض الأمور..".
وقفت تيريزا أمامه كممرضة محترفة , وقالت:
"أسعدت صباحا , أسمي تيريزا ستانتون , هل تريد معاينة السيدة دوات؟".
تبعها الطبيب الى الغرفة , ففوجىء بالوالدين السعيدين يحملان الطفل النائم , أشارت الى سام ليخرج من الغرفة , وقالت للطبيب بلهجة هادئة مهذبة :
" كانت حالة أضطرارية , يا سيدي , أناممرضة وقمت بواجبي المهني والأنساني , بعدما تأكد لي غيابك عن القرية , أتصور أن كل شيء على ما يرام".
فحص الطبيب الأم وأبنها , ثم قال لتيريزا :
" عظيم , عظيم , عملك رائع , يا آنسة , هل من مضاعفات؟".
" لا توجد أي مضاعفات على الأطلاق ".
" تيريزا ستانتون أوه , ألست الشابة التي تزور دان وماري رورك ؟ هل أنت في أجازة؟".
" لا , فقد أستقلت من عملي".
" لماذا؟ لأسباب شخصية أو لأخرى تتعلق بالوظيفة؟".
" لأسباب شخصية , ولكن أسمي لا يزال موجودا في السجلات الرسمية للمرضات".
" هل تنوين ممارسة التمريض هنا أو في العاصمة؟".
" ربما في وقت لاحق , لأنني سأعمل أبتداء من يوم الأحد المقبل لدى السيد ميلوارد كممرضة ومرافقة لأبنته مليندا ".
" أوه ! ليلي , كل شيء على ما يرام , كنت محظوظة جدا لوجود الممرضة ستانتون في مكان قريب . سأراك غدا , أن شاء الله, لو لم تكن أختك كالشبان , لكان بأمكانها مساعدتك في رعاية الطفل , سأتحدث مع سام في هذا الأمر".
هنأ ليل بالمولود الجديد , ثم أعطاها بعض النصائح الطبية وغادر الغرفة على عجل , تبعته تيريزا الى المطبخ , حيث كان سكوت وسام وجورجيا لا يزالون هناك, وضعت يدها على ذراعه , وقالت له:
" جورجيا فتاة قديرة جدا , أيها الطبيب , وأنا ممتنة جدا للمساعدة القيّمة التي قدّمتها لي , هذه كلمة حق لا بد لي من الأدلاء بها أمام الجميع".
رفعت جورجيا رأسها بحدة نحو هيو لاسينغ , وقالت بعصبية بالغة قبل أن تخرج بسرعة وتغلق الباب وراءها بعنف ظاهر:
" كان بأبمكان أي أنسان بسيط غبي القيام بما قمت به , فلا تتعب نفسك بتوجيه كلمات الثنلء!".
" أوه! متى ستبح هذه الصغيرة ناضجة وراشدة؟".
رد عليه سكوت قائلا:
" أنها في التاسعة عشرة من عمرها , يا هيو , وهي تزداد جمالا يوما بعد يوم".
" حقا؟ حسنا, يا سكوت , سوف أتتذكر ذلك , سام , تمنياتي الحارة لك ولعائلتك , آنسة ستانتون , شكرا لك على مساعدتك القيمة لنا , هل أنت متأكدة من أنك لن تعيدي النظر في مسألة العودة الى مهنة التمريض؟ نحن هنا بحاجة ماسة الى الممرضات والمؤهلات التي شاهدت نتائجها قبل قليل تثبت...".
" شكرا, ولكنني مرتاحة الآن الى وضعي الحالي , أما بالنسبة الى السيدة داوت , فأنا مستعد لمساعدتها صباح كل يوم حتى السبت ... أذا كنت ترغب في ذلك".
تأملها طويلا , فأحمرت وجنتاها خجلا , ثم قال:
"أسمي هيو ... هيو لاسينغ , وسوف أكون بالتأكيد سعيدا جدا أذا قمت بهذه المهمة وخففت عني بعض المهام والواجبات , الى اللقاء جميعا".
توجه الطبيب نحو الباب , ثم أستدار نحو سكوت وقال له :
" يا لك من رجل سعيد الحظ!". منتديات ليلاس
ودّعت تيريزا الأم السعيدة , وقالت لها أنها ستزورها صباح اليوم التالي , وعندما خرجت الى الحديقة , كان سكوت وسام يتحدثان معا , فيما لم يظهر أي أثر لجورجيا , قررت العودة الى منزل صديقتها سيرا على الأقدام , فسألها سكوت:
" أين حصانك , يا تيريزا , كي يعيده سام في وقت لاحق ؟ سأوصلك بسيارتي".
" ليس لديّ أي حصان هنا".
| أذن كيف أتيت الى هنا ؟ هل مشيت هذه المسافة الطويلة ؟".
ضحكت تيريزا وقالت للرجلين أن شخصا أختطفها , وبعد أن روت لهما ما حل معها , أنهت قصتها بالقول:
" تركت قبعتي على ذلك المقعد ,وعليه فأن ماري ستفكر بأحد أمرين... أما أنني هربت مع سائق سيارة البريد , وأما أن أحد الأسود تناول فطورا شهيا".
ضحك سكوت من أعماق قلبه, وقال:
" يتحتم عليّ الآن أعادة أختطافك لكي نريح أعصاب تلك السيدة المسكينة ".
شكرها سام وهي تصعد الى السيارة لتجلس في المقعد الأمامي , فيما توجه سكوت الى الجهة الأخرى وجلس وراء المقود , وما هي الا لحظات وجيزة , حتى كانت سيارته تنطلق بسرعة جنونية , قالت له تيريزا بلهجة جافة الى حد ما:
" لست مستعجلة الى هذه الدرجة , يا سكوت , هل من الضروري أن أموت بحادث سيارة , لأنني نجوت من الوقوع عن حصانك المجنون في المرة الماضية؟".
" آسف , يا فتاة , ها قد عدت الى الأعتذار ثانية!".
ابتسمت بهدوء , ثم أغمضت عينيها وقالت:
" لم يكن الأعتذار يوما جريمة نكراء , أيها الرجل العزيز , أنه دليل على التهذيب والأخلاق الرفيعة".
ذهبت تيريزا كعادتها صباح اليوم الثالث لمساعدة ليلي , فوجدت الأم وطفلها بحالة جيدة... والوالد السعيد يختال كالطاووس ويكاد يطير فرحا وسعادة , ولكنها لاحظت أن جورجيا تتفاداها الى درجة كبيرة, وتختفي من البيت كلما حضر هيو لاسينغ ل؟لأطمئنان على الطفل وأمه , لماذا تتصرف على هذا النحو , ولماذا لا تهتم بنفسها؟ أنها جميلة وجذابة , ولكنها لا تكترث أطلاقا بأناقتها ومنظرها , قررت تيريزا أن تباحثها بالأمر , حتى ولو أضطرت للتكلم معها بلهجة قاسية , وعندما واجهتها بجملة أقتراحات ونصائح تهدف الى أظهار أنوثتها , أحنجت جورجيا في بادىء الأمر ثم رضخت ... حتى لمسألة قص شعرها , قائلة:
" يمكنك قص شعري بكامله اذا أردت ,, فلم أعد مهتمة بشيء , في أي حال , لن يلاحظ أحد هذه التغيرات التي تتحدثين عنها".
" هل تشيؤين الى شخص معين؟".
" بالطبع لا , لا!".
" أخبرتني عصفورة صغيرة أن شخصا ما يعمل في الحقل الطبي , سوف يلاحظ بالتأكيد أي تغييرات".
رمت جورجيا الفرشاة التي كانت تحملها , وقاطعتها قائلة بحدة:
" لا تكوني سخيفة! أنا بالنسبة لذلك الرجل طفلة صغيرة بحاجة الى مربية!".
توجهت بسرعة نحو البيت , ولكنها أستدارت فجأة نحو تيريزا وقالت باسمة:
"أشكرك على أهتمامك بي, أيتها العزيزة , سأحضر غدا لمساعدتك في أعداد الستائر ".
تنهدت تيريزا بأرتياح بالغ, وخاصة ؟لأن الفتاة فهمت فورا أشارتها الى هيو لاسينغ , سوف تفرض على سكوت أحضار جورجيا معهما الى الحفلة , رضي بذلك أم لا , وستقنع الطبيب الشاب أثناء السهرة بالأنضمام الى طاولتهم.
عادت الى منزل صديقتها , وهي تفكر بطريقة لحمل جورجيا على أرتداء فستان عوضا عن قميص وسروال , طلبت المساعدة من ماري , فحظيت بموافقة فورية , وفيما كانت جورجيا تساعدها في اليوم التالي , أخرجت تيريزا من خزانتها فستانا من الحرير الصافي, وقدمته اليها قائلة:
" سوف أكون سعيدة للغاية , أيتها الحبيبة , لو قبلت هذا الفستان ... كهدية على عيد ميلادك , سوف يبرز فتنتك وأنوثتك الى درجة كبيرة".
تأملت جورجيا الفستان البرتقالي اللون بأعجاب بالغ وقالت:
" أوه , يا له من ثوب رائع! لو أرتدته أبسط وأقبح فتاة في العالم, لبدت فيه جميلة جذابة!لا , لا يمكنني قبوله! وبالمناسبة , فعيد ميلادي لن يحل قبل أربعة أشهر من الآن , أنت تفعلين ذلك أنك...".
" لأنني أريدك أن تقبليه مني بالروح ذاتها التي أقدمه بها, أي بكل سرور ومحبة".
دخل سكوت في تلك اللحظة , فوقع نظره أولا على جورجيا وهي تتأمل نفسها في المرآة , قال لها بصوت ينم عن أعجاب حقيقي:
" جورجيا , أيتها العزيزة! سوف تبدين رائعة الجمال داخل هذا الثوب!".
تدخلت تيريزا على الفور , وقالت له:
" أوه , سكوت , كم أنا مسرورة لوصولك في الوقت المناسب للتأكد من تنفيذ أتفاقنا بالنسبة للحفلة, من المؤكد أنك دعوت جورجيا للأنضمام الينا , أليس كذلك؟".
ثم ألتفتت بسرعة نحو الفتاة المذهولة , وقالت:
" أن لم يكن وجه لك الدعوة بعد , فسوف ... سوف ...! أوه , كنت سعيدة جدا عندما أقترح سكوت ذلك , لأنني ... لا أعرف مليندا ... جيدا".
نظرت ثانية الى سكوت , وسألته بلهجة تحمل في طياتها الوعيدوالتهديد:
" هل دعوتها أو لا , سكوت ميلوارد؟".
وضع سكوت يده على قلبه , وقال لها بصوت يجمع بين الجد والمزاح:
" تجرحين قلبي ومشاعري بهذا التشكك , الذي لا ضرورة له أطلاقا , كنت ألاحق هذه الشابة الجذابة من مكان الى آخر لأوجه اليها دعوتي المتواضعة , ولكنني لم أجدها الا الآن , تقبلي دعوتي , يا آنستي الجميلة , قبل أن تنفذ تيريزا أنذارها ".
أعجبها كثيرا رد فعله الأيجابي , فأبتسمت وقالت:
"آه منكم , يا معشر الرجال! ألم يكن من الأسهل لك أرسال الدعوة بواسطة سام".
ودعهن سكوت بتهذيب مبالغ فيه , وسار نحو الباب , قالت تيريزا لماري وجورجيا , المنهمكتين في العمل , أنها سترافق الضيف العزيز الى سيارته , وما أن أصبحا خارج الباب , حتى وجه اليها نظرة ساخرة وقال بتهكم واضح:
" ألا تعرفين مليندا جيدا , أيتها العزيزة ؟ أم أنك يا ترى خائفة من والدها , وأردت وجود جورجيا معك ... للحماية؟".
" أنت تعرف جيدا أن الدعوة كانت أبنة ساعتها , أنا لست خائفة أطلاقا من مليندا أو والدها , ولكنني أسعى لحمل جورجيا على مخالطة الناس, هل تعتقد أن هيو لاسينغ سيحضر الحفلة؟".
" أوه , هذا هو السبب أذن ! وزّعت الأدوار بطريقة ذكية جدا... فأنت صانعة الزيجات , والطبيب الشاب هو الهدف , وأنا الوسيط الذي سيدعوه للأنضمام الينا! ولكن , أليس من المعقول أيضا أنك تحضرين جورجيا لكي أتلهى بها عما يجري حولي؟".
لم تحاول تيريزا الأعتراض على أشارته الى أحتمال أهتمامها بالطبيب وقالت له:
" أنصحك بألا تحاول اللعب معها طالما أنها في عهدتي , في أي حال , أعتقد أنها معجبة به... مع أنه يعاملها كطفلة صغيرة".
" لماذا تريدين مطالبة هية بأعتبار جورجيا شابة , والأصرار عليّ أنا بالأبتعاد عنها كأنها طفلة صغيرة؟ كم تشعرني كلماتك هذه بأنني من مخلفات الماضي!".
ثم أضاف بلهجة تتسم بالمرارة والأسى:
" أنت وأنا نناسب بعضنا جيدا , من حيث القلوب المحطمة والنفوس المعذبة ... والحب الذي لا يدوم طويلا".
" لا يا عزيزي السيد ميلوارد , فالحب الحقيقي لا يزول بسرعة ".
ثم هبّت واقفة , وأضافت قائلة:
"سأذهب الآن للأهتمام بشعر جورجيا , وأراهنك منذ هذه اللحظة أن جميع الرجال الذين سيحضرون حفلة السبت , بمن فيهم العجائز مثلك , سوف يذوبون أمامها ,شكرا على قبولك الدعوة التي فرضتها عليك , كنت رائعا
أخذ دان زوجته وأبنته في وقت مبكر من مساء السبت , لأنه عضو في اللجنة المشرفة على تلك الحفلة السنوية , وظلت تيريزا وحدها في البيت ... بأنتظار سكوت وجورجيا.
تأخّر مديرها الجديد كثيرا , وأكتفى عند وصوله بألقاء تحية عادية جدا , أحسّت بخيبة أمل لا مبرر لها , عندما لم يشر من قريب أو بعيد الى جمالها وأناقتها , ردت التحية بلهجة مماثلة , فيم أمسك بذراعها وسار وأياها نحو السيارة , نزلت جورجيا من الباب الأمامي , فأبتسمت تيريزا بأرتياح بالغ , وقالت:
" جورجيا , أنك رائعة , أليست كذلك , يا سكوت؟".
" بطريقة مذهلة , وخلابة , ولا تصدق!".
ألقت جورجيا نفسها على المقعد الخلفي , وكأنها تقفز الى ظهر حصانها , وما أن همت تيريزا بالجلوس مكانها , حتى سمعت صوتا ناعما يسألها :
" تيريزا , هل سترقصين مع أبي؟".
" مرحبا يا مليندا , أوه , يا له من فستان جميل!".
" هل سترقصين معه في الحفلة؟".
" نعم , سأفعل ذلك , أذا دعاني الى الرقص بطريقة مهذبة ".
" وهل ستددعوها بطريقة مهذبة , يا أبي؟".
" نعم, يا حبيبتي , أجلسي الآن بالشكل المناسب , كيلا يضرب رأسك بالمقعد الأمامي".
" أذا كنت تشعر بأي صداع , يا أبي , فسوف تقبلك تيريزا لأراحتك من الألم , ستكون أنفع لأنها ممرضة".
" أنا بخير يا ملاكي , ولكنني مستعد تماما لتحمل أي أوجاع أذا وافقت تيريزا على معالجتي وفقا لطريقتك المفضلة".
" يا لك من رجل يحب الغنج والدلال, أنك تشبه تيوثي!".
ألتفت سكوت نحو تيريزا باسما, وقال:
" تيموثي هو هرها المدلل!".
ثم ضحك , وأضاف قائلا:
" بعيدا عن أحاديث الأوجاع والوسائل الحديثة لمعالجتها , أريد الأعتذار منك على هذا التأخير المزعج , أضطررت في آخر لحظة لمساعدة بقرة حامل لم يعجبها الأنتظار حتى الصباح , أنت ممرضة وتعرفين كم تطول بعض هذه الحالات الطارئة".
أستقبلهم دان بمرحه المعتاد , وطلب من تيريزا على الفور مرافقته في جولة للتعرف على أصدقاء العائلة, بدا الخوف على وجه جورجيا وهمّت بالأنسحاب , ولكن سكوت وضع ذراعه على كتفها ومنعها من ذلك, ولما عادت تيريزا بعد حوالي ربع ساعة , لاحظت أن سكوت لا يزال واضعا ذراعه على كتف جورجيا ... التي كانت عيناها تلمعان بهجة وسرورا , هل هي سعيدة بنظرات الأعجاب الشديد من هذين الشابين الوسيمين الواقفين قربها , أم بالذراع القوية التي تطوقها؟ أرتعش جسمها بعصبية عندما خطرت هذه الفكرة على بالها.
ولكنها سرعان ما طردتها من رأسها , بمجرد رؤيتها هيو لاسينغ يقترب منهم , آه , ها هو الآن في طريقه الى عروس المستقبل ! ولكنه حيا سكوت وجورجيا بشكل عابر , ثم أمسك بيدها وقال بحماس ظاهر:
" آنسة ستانتون , كم أنا مسرور بمشاهدتك! أنها حقا لمعجزة! هل أحضرتها أنت , يا سكوت؟".
ثم وجه أبتسامته العريضة نحو جورجيا , وقال :
" مرحبا, أيتها الشقية الصغيرة, من أرغمك على الحضور الى هذه الحفلة؟ لا شك في أنه شخص لا يعير حياته أي أهتمام حقيقي! ".
شعرت تيريزا برغبة قوية لتوجيه صفعة الى وجهه اللعين , توقظه من سباته وتفتح عينيه على جمال جورجيا وجاذبيتها , سحبت يدها من يده بسرعة عندما أنتبهت الى نظرات سكوت القاسية , وسمعته يقول:
" يسعدني الليلة أن أرافق ثلاثا من أجمل حسناوات هذه المنطقة وأكثرهن رقة ونعومة".
أنقذت مليندا الموقف في تلك ألاونة , بهجومها على طبيبها الحبيب... الذي حملها بمحبة وحنان وأثنى على فستانها الجميل , تألمت جورجيا كثيرا, لأنها كانت الوحيدة التي لم يوجه اليها هيو أي كلمة أعجاب أو أطراء , حاولت الأبتعاد , ولكن سكوت ضغط على كتفها ومنعها من التحرك , أبتسم هيو , وقال له:
" آمل في ألا تكون أنانيا وتصر على الأنفراد بهن وحدك , فحتى أنت , أيها العاشق الكبير , لن تتمكن من الأهتمام بهن بدون مساعدة , وبما أنك أخترت على ما يبدو الآنسة الواقفة قربك, فأنني أرى لزاما علي! ... لا بل من دواعي سروري وبهجتي... الأهتمام بالآنسة ستانتون".
ثم أحنى رأسه أمامها , ومد ذراعه قائلا:
"هل أتشرف بمرافقتك , يا تيريزا؟".
نظرت الى سكوت مناشدة أياه الأعتراض أو الأحتجاج , ولكنه لم يهب لمساعدتها كما توقعت... أو بالأحرى تمنت, وللمرة الثانية خلال دقائق معدودة , أرادت أن تصفع رجلا, لماذا لا يرفع ذراعه عن كتف جورجيا ؟ لماذا يريد أفساد خطتها الرامية الى الجمه بين هذه الفتاة والطبيب الذي يعجبها؟ سارت مع هيو نحو المائدة الطويلة , وهي تقول لنفسها أنها ستعيد الأمور الى نصابها قبل أنتهاء السهرة , نعم , ستفعل ذلك قبل العودة الى البيت.
" جورجيا فتاة جذابة للغاية , يا هيو , ألا تعتقد أنها تبدو الليلة ذروة في الجمال والروعة؟".
" لا بأس بها أطلاقا , وأقر بأنني فوجئت بهذا التحول الكبير, أنت أيضا , أيتها الحبيبة , تبدين رائعة الجمال".
تعمدت تيريزا تجاهل الشق الثاني من جملته ,وسألته دون تردد :
" لماذا أذن لم تقل لها ذلك؟".
" وهل كان مفترضا بي أغراقها بكلمات الأعجاب؟".
" لا , ولكن القليل من الأطراء يفرح قلوب الفتيات ... وقد نلت ومليندا القسط الوافر منه أمام عينيها".
" تثنين على تصرفي معك, وتنتقدين موقفي منها! في أي حال , يبدو أن سكوت يقوم بهذه المهمة على خير وجه , هل تعتقدين أنهما على وشك أقامة علاقة غرامية؟".
" لا تكن سخيفا , يا هيو, لو أراد سكوت أقامة مثل هذه العلاقة مع جورجيا , لفعل ذلك منذ زمن بعيد, كل ما في الأمر أنها خائفة بعض الشيء من السهرات والساهرين , وتشعر بحاجة ماسة لمن يرافقها ويشجعها".
" أعتقد أنني فهمت الآن سبب أختفائها المتكرر , و...".
قاطعته تيريزا بحدة وأنفعال قويين , وهي تعجب لهذا الأندفاع في الدفاع عن سكوت:
"هذا كلام رخيص وخسيس , يا هيو لاسينغ ! تذكّر أن سكوت متزوج ... كان متزوجا , وأنه حسبما أرى ليس من ذلك النوع الذي...".
" أوه , تيريزا ! آسف! لم أقل هذا الكلام الا لأغاظتك , لأنك تكونين جميلة جدا عندما تغضبين , ثم... لماذا نزعج أنفسنا بالتحدث عن سكوت وجورجيا ؟ لماذا لا نتحدث عن يعضنا ... ثم نأكل , ونرقص معا طوال الليل؟".
شعرت تيريزا بوجود شخص وراءها , فتأكد لها على الفور أنه سكوت ميلوارد , وضع يده على كتفها , وقال :
" تبعث لك ماري بأحر تحياتها , وتدعوك الى العشاء".
أرتعش جسمها بسبب ملامسته لها, وأستدارت نحوه بسرعة وكأن قوة غامضة جذبتها بعنف لا يقاوم , كانت عيناه تقدحان شررا, وشفتاه تفتران عن أبتسامة غاضبة, نظر الى الطبيب , وقال له بهدوء يشبه النار تحت الرماد .
" أنت مدعو للأنضمام الينا, يا هيو , هيا, يا تيريزا! وأمسكي ذراعي كيلا تقعي ... مع أنني متأكد من أستعداد الطبيب المتفاني لمعاينتك أذا وقعت وكسرت ساقك مثلا , لا سمح الله".
ضحك هيو وقال له:
" أرح أعصابك , ي سكوت , فلن أحاول أختطاف هذه الشابة الجميلة منك ... مع أنني أحب ذلك كثيرا , ثم ... ألم تقدم لي مساعدة لا تنسى بالنسبة للسيدة داوت , وقد أحتاج الى مساعدتها مستقبلا؟".
رحبت بهم ماري وأجلست هيو قرب جورجيا , فيما جلس سكوت بين أبنته ومربيتها الجديدة .
لاحظت تيريزا أن دان وماري رورك وسكوت ميلوارد يحظون بشعبية قوية في تلك المنطقة , وأن طاولتهم تجذب معظم الساهرين ... وخاصة لوجود صبيتين جميلتين غير مرتبطتين بأحد.
كان سكوت يهتم بها شخصيا , ولكن بطريقة رسمية جدا تتعارض الى درجة كبيرة مع تصرفاته الطبيعية الى أبعد الحدود مع الآخرين.
ذهبت مع صديقتها بعد العشاء الى الغرفة المخصصة للحضانة, وأطمأنتا الى وجود جانيس ومليندا , ومع بعض الأطفال الآخرين , تحت أشراف ثلاث سيدات مسنات تبرعن للأهتمام بالصغار ورعايتهم طوال فترة الحفلة , ولما عادتا , لاحظت تيريزا بأرتياح أن هيو يراقص جورجيا... التي بدت في ذروة السعادة , وقف سكوت ودان , والرجال الثلاثة الذين كانوا معهم , تأدبا وأحتراما , أخذ دان زوجته فورا الى حلبة الرقص , فأعتذر الرجال من سكوت وتيريزا وتركوهما منفردين , قدم لها سيكارة , فأخذتها منه بيد مرتجفة , وبعد فترة طويلة من الصمت ومراقبة الراقصين , قال لها سكوت:
"أعتقد أن علينا الأنضمام الى الآخرين , هل أنت مستعدة؟".
وقفت بتردد , فما كان منه الا أن أمسك بذراعها وضغط عليها قائلا بحدة:
" تذكري , يا آنسة ستانتون , أنني عندما أدعو شابة للخروج معي فلا أتوقع منها أن تختفي مع رجل آخر بمجرد وصولنا , واضح؟".
" لا أذكر أبدا أنك دعوتني الى هذه الحفلة , بل قلت لي أن عليّ مرافقتك اليها , كذلك فمن المحتمل أن الأهتمام الشديد الذي أبديته أتجاه جورجيا , حمل هيو على الأعتقاد بأنني لست مرتبطة بك... وهذا هو الواقع , في أي حال".
" أنت مرتبطة بي هذه الليلة , وأريدك أن تتذكري ذلك جيدا , أعلمي أيضا أن أساليبك الملتوية للجمع بين هيو وجورجيا سوف ترتد عليك, لأن الرجل على ما يبدو مهتم بشابة أخرى , ألا تعرفين أنك عندما توجهين مثل هذه النظرات المغرية والمثيرة نحو رجل , فأنه ينسى بقية العالم حوله؟".
" وهل هذا هو شعورك انت أيضا؟".
اللعنة ! كان تلهفها لمعرفة الجواب أسرع من عقلها وفكيرها! توقف سكوت فجأة وتأملها بعض الوقت , قبل أن يقول لها بصوت لم يحمل في طياته أي غضب أو أنفعال.
" المؤمن لا يلدغ من الجحر مرتين , وعليه , يمكنك التأكد من الآن من أنني لن أنسى العالم وجماله لأجل عينين تضجان غنجا وأغراء... وخاصة مثل هاتين العينين اللتين أكتشف خطيبك السابق أنهما لا تستحقان الثقة والأخلاص , هكذا حدث معي عندما...".
" هل تحكم على غالبية الناس , يا سيد ميلوارد , نتيجة خبرتك مع الأقلية؟ وماذا تعرف عن شؤوني الخاصة , يا رجل؟".
تحولت قساوته فجأة الى رقة وحنان وقال لها بلهجة صادقة:
" أعذريني يا تيريزا , بحق السماء , كلامك صحيح تماما بالنسبة للأمرين معا , أرجو قبول أعتذاري المخلص عن هذا التصرف غير اللآئق أبدا والذي ظهر مني".
" أعتذارك مقبول , يا سكوت , لكن ... لا تتسرع مستقبلا في أصدار أحكام على ضحاياك قبل الأستماع الى وجهات نظر المدعي عليهم".
" أنا حقا آسف , يا تيريزا . ربما أردت يوما ما أطلاعي على معضلتك وأسبابها , فكشف المشاعر في كثير من الأوقات يخفف الى حد بعيد من عذاب النفس وآلامها".
تنهدت تيريزا وقالت له بلهجة ناعمة:
" تتحدث بحكمة لا تطبقها على نفسك , يا سكوت, فلو قمت يوما بما أقترحته عليّ الآن , لأكتشفت أن هذه المرارة التي تكاد تحرق قلبك وعواطفك سوف تذهب مع الريح ... والى الأبد".
لم يعلق على أقتراحها بشيء, ولكنه قال لها عندما دخلا قاعة الرقص:
" لنضع أحزاننا جانبا ونتمتع بوقتنا قدر الأمكان , بين ذراعي الآن فتاة جميلة , والليلة منيرة ساحرة , والموسيقى حالمة , وأنا أرغب في القضاء على الذكريات المؤلمة , هل تضعين يدك في يدي لتحقيق ذلك, يا تيريزا؟".
" بكل سرور".
أعجبها أسلوبه في الرقص , وشعرت بكثير من الأرتياح بين ذراعيه , وبعد مضي فترة من السهرة , يدأت تيريزا تحس بأقترابه منها قبل سماع صوته , أذهلها هذا الأحساس وأفزعتها هذه المشاعر , ولكنها قررت التمتع بوقتها الى أقصى حد , راقصها هيو مرات عديدة , في حين أن سكوت لم يراقص أحدا غيرها , أما جورجيا , فكانت تتنقل بسرور ... وحياء من شاب الى آخر , توقفت الموسيقى فجأة لكي يرتاح أعضاء الفرقة بضع دقائق , فأقترب سكوت من تيريزا وهيو قائلا:
"حان الوقت للخروج الى الحديقة وتنشق الهواء النظيف , يكاد الدخان هنا يعمي الأبصار , تفضل معنا يا هيو".
وفي الخارج , التفت الطبيب الشاب نحو تيريزا وقال:
" هل تعرفين أن الصغيرة جورجيا غريبة الأطوار ؟ تعبت كثيرا لأحملها على الكلام...".
" أنها خجولة جدا , يا هيو , وتحاول أخفاء ذلك بالتظاهر بالجدية وعدم الأهتمام , ثم... أريدك أن تتوقف عن وصفها بالفتاة الصغيرة , فهي شابة صبية وأنت لا تكبرها الا بخمس سنوات, أيها الطبيب العجوز!".
" آه , أنت على حق, فتلك الجدية المصطنعة ذابت الى درجة كبيرة عندما حدّثتها عن الطبابة والتمريض , ولكنني لا أتصور أنها...".
" دع التصور لها, يا هيو, كانت مساعدتها لي أثناء ولادة ليلي قيّمة جدا , وأعتقد أن تصرفاتها التي تسمونها صبيانية تخفي وراءها طبيعة عاقلة وحساسة..".
قاطعها سكوت, قائلا بصوت ناعم ساخر:
" المحللة النفسية القديرة!".
لم تأبه بملاحظته , بل مضت الى القول بلهجة قوية:
" كنت سأحدثك عن مؤهلاتها المحتملة في هذا المجال , أما أذا قررت عدم التخلي عن مواقفك المتكبرة والسخيفة بالنسبة الى سنها, فأنني سأبحث لها عن عمل في مكان آخر".
ابتسم سكوت , وقال لجاره المذهول :
" أحذرك , أيها الطبيب العزيز , من الوقوع في شرك تنصبه لك جارتنا الجميلة ... ذات الكلام المعسول".
" لا تسمع كلامه , يا هيو , قل لي بربك , هل تبدو جورجيا الليلة كأحد الشبان... كما يحلو لك وصفها؟ تأملها بدقة وعناية , ولاحظ كيف يحيط بها شبان من خيرة أبناء المنطقة... ويعتبرونها قمة في الجمال ... والأنوثة , ولكن عجوزا مثلك لا...".
" أنا لست عجوزا و...".
" أذن فسوف تطلب منها بطريقة مهذبة تليق بالراشدين أمثالك أن تعمل كمساعدة لك, ستدفع لها جيدا وتعاملها كشابة تستحق هذه الوظيفة , هل ستفعل ذلك , أيها الطبيب؟".
تردد هيو لحظة , ثم قال لها بصوت هامس تقريبا:
" أذا كنت توصين بذلك, أيتها الممرضة".
" من صميم قلبي, شكرا لك, هيو , وأؤكد لك بأنك لن تندم على هذه الخطوة".
هم هيو بالذهاب , وهو يتمتم بعض كلمات تيريزا عن العمل والمعاملة , سألته عما أذا أتى الى الحفلة بمفرده , وعندما رد عليها بالأيجاب , قالت له:
"أذن , فأنا واثقة من أنك قادر على أيصال الآنسة ماسترز الى بيتها , ستحتاج مليندا الى المقعد الخلفي لتنام في طريق العودة , وسيكون سكوت ممتنا لك...".
" أوه , نعم , يا هيو , شكرا".
" بكل سرور , ولكن... بما أن منزل جورجيا قريب من منزلك , يا سكوت , فما رأيك لو أخذتها أنت في حين ...! لا, لا ... سأذهب الى قدري! الى اللقاء".
ابتسمت تيريزا بأرتياح بالغ, ورددت كلمة قدر مرات عديدة , ضحك سكوت , وسألها بنعومة ما أذا أشتركت كثيرا في السابق بمثل هذه الألعاب التي تتعلق بحياة الأنسان ومصيره".
" أنها المرة الأولى, يا سكوت".
" ولكن , ألا تعتقدين أنك على عجلة من أمرك؟ أليس ممكنا أن يبتعد هيو عنها ... نهائيا؟".
" أضرب حديدا حاميا , أذا أعطينا جورجيا فترة للتفكير , فسوف تخاف وتتراجع الى قوقعتها , سيتمكن هيو الآن من وضع حد لذلك, بدعوتها للعمل معه, وعليه , فلن تتصور أبدا أن الغرام سيكون جزءا لا يتجزأ من هذه الصفقة".
أوصلها سكوت الى منزل صديقتها , فقالت له:
" أمضيت سهرة رائعة جدا , يا سكوت , والفضل عائد لك , شكرا".
" هذا من دواعي سروري , يا آنستي العزيزة".
أمسك بيدها وأقترب منها كثيرا , فشعرت بوجود صراع قوي يتفاعل في أعماقه , هل يريد عناقها ؟ أغمضت عينيها وأعدت نفسها لذلك , ولكن لحظات طويلة مرت لم تسمع خلالها سوى دقات قلبها , نظرت اليه , فرأته يبتسم ثم يقول:
" كان من الممكن جدا أن تكون سهرة ممتعة , ولكن ... لنترك الأمور الى وقت آخر , أريد فقط التأكد من حضورك غدا ".
" لا تطلق العنان لخيالك وتصوراتك , يا سكوت ميلوارد , كنت ستصاب بخيبة ؟أمل شديدة , فيما لو مضيت في خطوة توقعتها ... سهلة".
نزل من السيارة وأستدار حولها ليفتح الباب الآخر , هل يميل اليها , يا ترى؟ وقف أمامها , فأحست بضعف وأرتعاش قويين في قدميها ورجليها , سألها بلهجة جافة وباردة:
" هل أحضر غدا لآخذك؟". منتديات ليلاس
خرجت من السيارة ورفعت رأسها بعنفوان , ثم قالت:
" يمكنك الحضور بعد الغداء , أذا كان ذلك يناسبك".
" نعم يناسبني , شكرا".
كانت سهرة رائعة للغاية , فلماذا أفسدها بهذه الملاحظات المتغطرسة والساخرة الفارغة؟ كيف ستعيش مع هذا الرجل في بيت واحد؟ ستكون قوية وستجابه جاذبيته القاتلة! سوف تتجنبه قدر الأمكان! نعم, هذا ما ستفعله!.