لمشاكل التسجيل ودخول المنتدى يرجى مراسلتنا على الايميل liilasvb3@gmail.com






العودة   منتديات ليلاس > القصص والروايات > روايات احلام > روايات احلام > روايات احلام المكتوبة
التسجيل

بحث بشبكة ليلاس الثقافية

روايات احلام المكتوبة روايات احلام المكتوبة


إضافة رد
نسخ الرابط
نسخ للمنتديات
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 21-08-09, 09:49 AM   المشاركة رقم: 6
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: Mar 2008
العضوية: 66854
المشاركات: 2,022
الجنس أنثى
معدل التقييم: safsaf313 عضو سيصبح مشهورا قريبا جداsafsaf313 عضو سيصبح مشهورا قريبا جداsafsaf313 عضو سيصبح مشهورا قريبا جداsafsaf313 عضو سيصبح مشهورا قريبا جداsafsaf313 عضو سيصبح مشهورا قريبا جداsafsaf313 عضو سيصبح مشهورا قريبا جدا
نقاط التقييم: 585

االدولة
البلدEgypt
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
safsaf313 غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : safsaf313 المنتدى : روايات احلام المكتوبة
افتراضي

 

5 ـ دعوة على العشاء




في الأسابيع التالية، اكتفى بسؤالها باختصار عن ميلودي، مبقيا علاقتهما مركزة على العمل.

كان التقرير المالي قد عاد خلالا يومين من صديق للوكاس، حائر نوعا ما، وكان ذلك أجمل حدث يمكن للوكاس أن يتوقعه.

مرّ شهر شباط بمزيد من الثلوج، ووقت قلق في المكتب بسبب العقد بينهم وبين كلاركسن. وكان الجو في آذار ألطف، ولكن مع نهاية الشهر وجدت كيم نفسها تتساءل عما إذا كانت علاقتها مع رئيسها المفعم بالحيوية هي فعلا من البرودة والانضباط كما تظنها.
منتديات ليلاس
لقد استطاع أن يتغلغل في أعماقها بشكل ما، فهو يملك روح فكاهة بالغة المكر، ولم يكن لينفر من السخرية على نفسه وهذا ما كان غريبا على كيم بعد غراهام المعتد بنفسه. ووجدت نفسها تضحك عشرات المرات يوميا.

وكان أحيانا يذكر حقائق صغيرة شخصية عنه وعن أسرته حتى في أكثر أوقات النهار انشغالا. أصبحت تعلم أن والديه يعيشان حاليا في فيلا تغمرها الشمس، وأن العديد من الأخوال والخالات وأبنائهم يقيمون حفلات عائلية جنونية عندما يزورون والديه في فلوريدا، وأن والده كان وحيد والديه وأقاربه الانكليز قليلي العدد.

كانت كيم تعلم أن لوكاس يقيم في منزله الريفي الواسع القائم بعيدا عن حدود المدينة، مع مدبرة المنزل وتشكيلة من القطط لمارتا، وكلبين ضخمين للوكاس.

لم تكن تعرفه مغرما بالحيوانات قبل أن يذكر لها وضع بيته، ولم تتوقع أن يكون من الرجال الذين يتعاطفون مع السيدات المسنات.

صورة ذلك الرجل الأعزب المستقل، الهادئ البارد المسيطر على مشعره والبالغ الثراء، اهتزت، وعندما ارتكبت تلك الغلطة بإظهار دهشتها والرأي الذي كونته عنه، اعترف لوكاس، بكل ظرف، بأنها لو عرفته منذ سنوات قليلة، لصُعقت.

كانت تريد، بل كانت بحاجة ماسة، للاحتفاظ به في صندوق أنيق في ذهنها ولكن ما يبدو واضحا أنه مصمم على الهروب منه. وبشكل ما، ودون أن تعرف كيف فعل ذلك، استطاع أن يرسم صورة في ذهنها مختلفة كليا عن تلك التي تريد أن تراها حين تنظر إليه. لو أنه يتحداها بشكل مباشر، لعرفت كيف تواجه لوكاس الرجل وليس لوكاس ملك المال الخالي من الرحمة. لكنه كان يتسرب إلى نفسيتها قطرة قطرة..

كان بالغ الذكاء، متصلبا في وضع الخطط. لقد رأته يفعل ذلك مرات كثيرة في العمل وعجبت كيف أن خصومه لم يكونوا واعين إلى ما يفعل، ولكن ما لم تدركه أنه لوكاس يمارس الشيء نفسه معها.

ولكن ألا تتصور كل هذا؟ وجلست في سيارتها عدة لحظات تفكر قبل أن تفتح الباب.. فمهما يكن، هي لا تستطيع أن تتخلى عن حذرها مع لوكاس... حتى ولا لحظة. كان هذا واضحا كالبلور.

كان الجو رطبا معتدلا لكن الهواء عاصف. ورغم أن موقف سيارتها كان على بعد ياردات قلائل من الباب الرئيسي للشركة إلا أن الريح أفلتت خصلات عدة من شعرها الذهبي الذي كان مربوطا بإحكام كالعادة على رقبتها.

كان تشارلي، الحارس، يقف في ردهة الاستقبال الخالية الهادئة... فقد كان الوقت مبكرا بالنسبة لبقية الموظفين، فقال لها على الفور:" الكهرباء مقطوعة، مع الأسف، يا سيدة ألن. كل الأنوار مطفأة والمصاعد متوقفة. لكنهم طمأنوني إلى أن الانقطاع لن يطول"

ـ شكرا. يبدو أن علي أن أستعمل السلم.

ومنحت الرجل العجوز ابتسامة عريضة قبل أن تتوجه إلى السلم خلف مكتب الاستعلامات المظلم على غير عادة، لتصعد السلم راكضة، وذهنها مشغول بأول ما عليها أن تفعله في الكتب من أمور ذلك النهار.

خرجت من باب الحريق إلى ممر الطابق الأعلى المضاء بمصباح الطوارئ الخافت، وما زال ذهنها مشغولا بعملها الوشيك، وإذا بها تندفع مباشرة إلى ذراعي رئيسها بقوة دفعتهما معا إلى الجدار البعيد. طوقها بذراعيه يحميها بحركة غريزية فالتصقت بصدره، وعندما رفعت إليه وجهها المتوهج اللاهث، وشعرها الذي شعثته الريح يحيط بخديها المتوردتين، لم يحاول أن يفلتها من بين ذراعيه.

الممر الخالي، الغياب الكلي لكل صوت أو حركة، جعل هذه اللحظة غير واقعية، أشبه بذكرى حلم غمض، وبدت جزأ من الحلم عندما أحنى رأسه وبدأ يعانقها عناقا طويلا، زاد من احتضانها ضاغطا بكفه رأسها من الخلف يحثها على مزيد من التجاوب مع عناقه الجائع... ولكنها في الواقع لم تفكر للحظة في مقاومته.

لقد استطاع ببراعته الفائقة أن يأخذ موافقتها بدون استئذان وبدون أن تستطيع الرفض. والآن، في آخر هذا الممر المعتم الساكن، امتزج الحلم بالحقيقة بفرح مدمر.

سرى الدم ساخنا في شريينها وألهب كل عصب في كيانها وعندما غمرت الفرحة قلبه وراح قلبها أيضا يعبر عن فرحته بنوع من الارتباك بسبب هذه الشاعر التي تملكتها فقدت كل فكرة عن المكان الذي تقف فيه. فقد كان عقلها ومشاعرها مأسورة تماما بالأحاسيس التي حركها فيها بسهولة فائقة. إنها العناق الذي لطالما حلمت به وهي مراهقة رومانسية قبل أن تعلمها الحياة أن هذه الأشياء غير موجودة إلا في دنيا الأوهام. لكن هذه كانت حقيقية. كانت موجودة الآن.

كانت تبادله عناقه بالطريقة التي كانت تقوم بها في أحلامها، من دون تحفظ.

إن ما تشعر به الآن فوق إدراكها... إنها السعادة... السعادة التي لطالما قرأت عنها ولم تتصورها قط بهذه الحرارة الملهبة، والمخيفة إلى هذا الحد.

لم تنتبه إلى تألق الأنوار المفاجئ بسبب أجفانها المغمضة، لكن صوت المصعد جعلها تفتح عينيها ذاهلة، أو ربما السبب هو أن لوكاس قال بصوت أبح وهو ما زال يحتضنها:" لقد عادت الكهرباء"

كانت ترتجف، كانت تعلم أنها ترتجف. شعرت برعب متزايد لاستسلامها لعناقه بمثل هذا الشغف، وبسبب شعورها بالحرمان... حرمانها من كل هذه المشاعر الآن.

ـ دع.. دعني.

وكان هذا همسا خافتا لكنه لم يناقشها، وبدت عيناه كالفضة اللامعة وسط خطوط وجهه الصلبة القاسية.

ـ كان هذا عملا غير مقصود يا كيم.

عندما انتفضت مبتعدة عنه، رافعة يديها إلى وجهها، طرقت سمعها هذه الكلمات. أتراه يقول إنه نادم؟ وحملقت فيه بعنف، وعيناها بركتان عميقتان من الحبر الأسود في وجهها الناعم المتوهج. ربما لكنها، من ناحية أخرى، قدمت له نفسها على طبق من وقليل من الرجال يمكنهم مقاومة هذه الفرصة.

ماذا كان ليحدث لو أن الكهرباء لم تعد في الوقت الذي عادت فيه؟

شدت يديها المرتجفتين بعنف إلى جانبيها، وهي تلحظ، بمزيد من الخزي، أن لوكاس كان هادئا تماما ومرتاحا، وجعلها شعورها بالإذلال تقول بصوت مر متوتر:" أتعني أنك شعرت فقط بحافز مفاجئ يدفعك لعمل سريع؟"

حالما أفلتت هذه الكلمات من فمها، تمنت لو لم تقلها... صدمها عدم تهذيبها، لكن الوقت كان قد فات. قالتها، نتيجة للألم والكرب... لكنها قلتها.

وثار غضب لوكاس. عرفت ذلك من إظلام ملامحه وتوتر فكه. لكن صوته كان مناقضا لوجهه وهو يقول ببرودة الثلج:" إذا كنت تعتقدين هذا فأنت تقللين من قدرك"

ردت عليه بحدة:" بل أنت الذي يقلل من قدري"

ـ أنت إذن مخطئة. لو كنت امرأة أخرى لما توقفت عند حدود العناق، صدقيني.

ماذا يعني بهذا؟ هل توقف لأنها لم تعجبه كثيرا أم لأنها سكرتيرته. أم ماذا؟ فقالت وحدة ومرارة:" هل تتوقع مني أن أكون شاكرة لك لأنك لم ترغمني؟"

ـ لم أرغمك على شيء فقد تجاوبت معي في كل لحظة منذ عناقك.

أصبح صوته الآن ناعما ساخرا بينما عيناه تتحديانها أن تجرؤ على الإنكار. فانفجرت متهكمة:" لا أظن ذلك!"

فقال وعيناه في عينيها:" لكنني أعلم هذا. إنما عندما ستتطور الأمور فلن يكون ذلك أثناء العمل وهذا وعد مني بذلك"

حدقت إليه وقد فوجئت وشعرت بخوف لم تعرفه في حياتها. ولكن ليس من لوكاس، وإنما من الشعور العميق الذي أثارته كلماته البطيئة. أرادت أن تكرهه أو على الأقل أن تنفر منه لكنها لم تستطع. كما أنها لم تستطع أن تدعي أنه ليس سوى شخص تعمل عنده ثم تصرفه من ذهنها حالما تغادر مبنى الشركة. فقد تسلل إلى حياتها بشكل أكثر مهارة من أن تستطيع منعه.

رفعت رأسها بتمرد:" سأستقيل"

ـ لا تكوني طفلة

وقبل أن تتمكن من قول شيء، مر بجانبها وفتح الباب المؤدي إلى السلم، تاركا إياها وحيدة ترتجف.

طفلة؟ وحدقت إلى الباب، وقد حيرتها هذه النهاية المفاجئة لما اعتبرتها أهم لحظة في حياتها. طفلة! كيف يجرؤ؟

وقفت لحظة أخرى، ثم أرغمت ساقيها المرتجفتين على السير إلى مكتبها حيث توجهت رأسا إلى غرفة استراحتها الصغيرة.

الفتاة المتوهجة الوجه المتألقة العينين في المرآة، هذه فتاة لا تعرها. وحدقت إلى نفسها دقيقة كاملة قبل أن تستطيع إقناع يديها المرتجفتين بأن تحاولا ترتيب مظهرها المشعث.

طفلة... لقد التصقت هذه الكلمة بذهنها ولم تعد تستطيع سلخها عنه. ربما لأنها اضطرت إلى الاعتراف، بأسف، بعد خمس دقائق فقط من التقييم المؤلم بأن هذه الكلمة لا تخلو من الحقيقة.

لقد تصرفت بشكل خاطئ منذ اللحظة التي لمسها فيها. ما الذي كان ينبغي أن تفعله؟ ما الذي كانت ستفعله أي امرأة طبيعية متزنة ذات تجربة لو كانت مكانها؟ هل كانت ستتقبل العناق بمرح، ثم تخرج من بين ذراعيه برشاقة بعد لحظة أو اثنتين لكي تلقي بتعلق عفوي عما حدث؟ بدلا من ذلك، كادت تأكله حيا، ثم بعد ذلك، اتهمته... لم تشأ أن تفكر في ما اتهمته به. وتأوهت وهي تعيد لفت خصلات شعرها المنفلتة بشدة آلمت جلدة رأسها.

لا بد أنه يظنها على شيء من الجنون. حدثتها المرآة أنها عادت مرة أخرى إلى شخصية السيدة ألن الهادئة الأنيقة الكفؤة، ظاهريا على الأقل. في الواقع، إنها تظن نفسها على شيء من الجنون عندما يتعلق الأمر بلوكاس كين. من المؤكد أن لديه القوة لتحويلها إلى امرأة لا تعرفها. امرأة مختلفة جدا عن تلك المرأة الباردة المتحفظة الحذرة التي كانت تعرفها في نفسها قبل أن تشتغل عنده.

كانت تعمل على الآلة الكاتبة، وعندما سمعت صوته في الممر في الخارج يتحدث إلى شخص ما، قفز قلبها في صدرها لكنها أرغمت يديها على متابعة الطباعة وكل حس فيها في انتظار اللحظة التي يدخل فيها من الباب.

ظنت الصوت الثاني يعود لمدير لوكاس العام الذي كان مكتبه في الطرف الآخر من الممر، لكنها لم تكن واثقة. ذلك أن معظم الأصوات تنخفض في حضور لوكاس.

ثم انفتح الباب. ورغم أنها أبقت عينيها على عملها، إلا أنها أدركت أنه ينظر إليها.

ـ كيم؟

كانت ترجو، لشدة جبنها، أن يتابع سيره وكأن شيئا لم يحدث، ولكن كان عليها أن تدرك أن لوكاس لا يخرج من الأمر بسهولة. فرفعت عينيها بالرغم منها لتقابل عينيه النافذتين وخفق قلبها.

ـ تعلمين أن علينا أن نناقش الأمر بشكل صحيح.

كان هذا بيانا وليس طلبا، لكنها أجابت، فقالت وصوتها من البرودة والحياد بقدر إمكانها:" لا شيء يستوجب النقاش"

ضاقت عيناه وقال:" إذا كنت من الاضطراب بحيث تتقدمين بذلك الاقتراح السخيف عن الاستقالة، فهذا يعني أن هناك ما يستوجب النقاش"

قال هذا عابسا وهو يجلس على زاوية مكتبها كعادته ولكن هذه الحركة كانت ترسل الحمى في أحاسيسها.

لماذا هو جذاب إلى هذا الحد؟ جذاب بهذا الشكل المدمر الذي لا يمكن تصديقه؟ إنها تراهن على أنه ما من امرأة في المبنى، وفي كمبردج كلها، تهدر فرصة للتقرب من لوكاس كين.

أترى لديه صديقة يخرج معها حاليا؟ لم يكن هذا التفكير ملائما على الإطلاق في هذه الظروف ولكنها لم تستطع منع نفسها من ذلك. وأخيرا قالت:" لقد... لقد غيرت رأيي'

ـ طبعا غيرت رأيك. ومع ذلك علينا أن نناقش ما حدث.

قال هذا وكأن فكرتها عن الاستقالة كانت من السخافة بحيث لا تستحق الذكر.

احمر وجهها مرة أخرى. وشعرت به يلتهب، ومع ذلك بدا من البرودة وعدم الإحساس كالصوان المصقول الذي صيغت منه عيناه. لكنه لم يكن باردا ولا غامضا عندما أحاطها بذراعيه. تفكيرها هذا زاد في التهاب وجهها.

قالت بثبات أشعرها بالزهو:" اسمع لوكاس، أنا مستعدة لاعتبار هذا غلطة تحدث غلبا عندما تشتغل امرأة ورجل معا مثلنا. وهذا لا يعني شيئا..."

ـ فليذهب رأيك هذا إلى جهنم.

لم يكن هذا الجواب الذي توقعته وقد قطع خط الرجعة على كل تعليل منطقي:" ماذا... ماذا قلت."

ـ كيم أي نوع من الرجال تظنينني؟ عندما عانقتك تأكدت من أن ذلك كان يعني شيئا بالنسبة لينا، نحن الاثنين.

قال هذا بنعومة، وأهدابه الكثيفة تحجب الغضب في عينيه.

ـ لم أعن أنني لم أتمتع بذلك.

قالت هذا بسرعة ومن دون تفكير، وعندما سمعته يجذب نفسا سريعا بصعوبة عادت تقول:" أعني..."

ثم تلاشى صوتها بضعف.

أنقذها لوكاس من ارتباكها بهدوئه الطبيعي:" أنت تشتغلين عندي منذ خمسة أشهر، وقد رغبت في معانقتك منذ أول يوم. لماذا تظنينني لم أخرج مع امرأة طوال ذلك الوقت؟"

قال لها هذا بنفس اللهجة التي يطلب بها طباعة رسالة، فسألته:" لم تخرج؟"

وسكتت فجأة. لم تكن التمتمة اللاهثة هي الطريقة التي تواجه بها هذا الأمر. وتابع يقول بصبر هادئ أكثر مما تعرفه عنه:" وكنت صابرا"

ـ ولكن...

ـ نعم؟

ـ أنا أعمل عندك.

تجاهل لوكاس كل المبادئ التي يعمل بها، وقال بهدوء:" أهكذا؟ أنت غير مرتبطة وأنا أيضا. هذا هو الشيء الوحيد المهم، أليس كذلك؟"

أتراه مجنونا؟ لقد أمضت خمسة أشهر تكافح مشاعرها، هذه المشاعر التي تخشى أن تدمرها... والتي كانت تخيفها أكثر مما كانت تبهجها، أو أن طاقته القوية التي تخيفها؟.

السبب الوحيد الذي جعلها تستمر في العمل عنده هو أنها أقنعت نفسها بأن الانجذاب كان من طرف واحد. ولكن أن تتورط في علاقة مع رجل مثله هو جنون ومن المستحيل حتى التفكير فيه.

حدقت إليه، شعرة بالضيق فجأة وهي ترى عرض كتفيه تحت قميصه الحريري، ثم رأت عينيه لا تفارقان وجهها فهبت العواصف في قلبها وهذا يثبت أكثر فأكثر أنه لا يمكن أن تفكر بعلاقة مع لوكاس، ما دام بإمكانه أن يؤثر فيها بهذا الشكل. فقالت بصوت مرتجف:" هذا مستحيل يا لوكاس"

أجاب على الفور:" أنا لا أقبل هذا. أنا لا أطلب منك أن تنامي معي..."

صرخ ضميره به بصمت (كذاب) بينما كان يتابع:" أريد فقط أن نتعرف إلى بعضنا البعض من دون ضغط العمل"

ـ لا... لا يمكنني ذلك هناك ميلودي.

ـ ميلودي ليست مشكلة.

تنفست بعمق وقد صفا ذهنها فجأة:" ليس هذا فقط. لا أريد أن أتورط بعلاقة مع رجل مرة أخرى لقد جربت ذلك فلم أنجح"

ـ أتعنين زوجك؟

سألها بلطف، وعندما أومأت هز رأسه وقل بصوت منخفض أجش:" لا تدعيه يفسد عليك بقية حياتك، يا كيم"

ـ أنا لا أفعل ذلك. لكنها حياتي الآن، وهي تعجبني.

واشتبكت عيناها البنيتان بعيني لوكاس بجد صبياني تقريبا:" لا أظنني... من ذلك النوع الذي يمكنه أن يعيش مع رجل"

وكان غراهام قد قذف هذا في وجهها وهو ثمل لكن السهم انغرز في عقلها.

ـ هراء... من أخبرك بذلك؟ الحلزون ذك؟

رفعت رأسها متحدية:" حلزون...آه غراهام؟"

قال غاضبا:"آه، لا تحكمي على كل الرجال بأسوأ نموذج يا كيم. وطبعا لا تحفظي عندك كل ما كان يقوله. كان رجلا مجنونا فلا تعجبي بما كان لديه"

ـ أنت لا تعرف كيف كان الأمر. ليس غراهام فقط، فقد كان..آه، أنت لا تعلم.

تنفس بصمت. إنها المرة الأولى التي تتحدث إليه.. تتحدث إليه حقا، ولم يشأ أن تسكت، فقال بهدوء:" لا... أنا لا أعرف كيف كان الأمر، فلماذا لا تخبرينني؟"

ـ لا أستطيع.

وشحب وجهها. كيف يمكنها أن تجعل رجلا مثل لوكاس يفهم كيف كانت حياتها، طوال تلك السنوات في ملجأ للأطفال؟ راغبة متلهفة إلى أن تكون لها أسرة، أن يكون لها من تدعوهم أهلها؟ ثم عندما دخلت طور المراهقة، وأدركت أن هذا لن يحدث، انطوت على نفسها، محدثة نفسها بأنها لا تهتم لذلك، وأنها ستصنع أسرتها بنفسها وتهجر بقية العالم. ثم تعرفت إلى غراهام في أول سنة من دراستها الجامعية، غراهام الوسيم الساحر فأغرقها بالعواطف والاهتمام.

لقد ظنته يحبها، وصدقت كل ما قاله لها. ولم تدرك إلا بعد زواجهما، أنه لم يتزوجها إلا لأن عددا من أصدقائه كانوا يريدونها. وقد اعتاد غراهام دوما أن يكون محط الإعجاب والحسد.

لكن غراهام منحها ميلودي، بالمصادفة، والحق يقال. وميلودي تستحق ما عانته هي مع غراهام مئة مرة فقد أصبح لديها أسرتها الآن ولا تريد شخصا آخر. لن تدع نفسها تحتاج شخصا آخر، فحاجتها إلى غراهام جعلتها ضعيفة ولن تعود فتمنح رجلا آخر هذه السلطة عليها أبدا.

وكان لوكاس يراقب تقلب المشاعر على وجهها الشاحب الضعيف، وعلم أنها لن تزيد على ما قالت.. ليس الآن ولا هنا على أي حال، فهي لا تثق به. حتى إنه ليس واثقا من أنها توده كثيرا لكنها لا يمكن أن تنكر الانجذاب بينهما. وتوقفت كرامته المجروحة عند هذا التفكير لكن هذا كان تعزية تافهة.

لم تعامله امرأة قط من قبل كما عاملته كيم. في البداية ظن أن التحفظ الذي حولها سيتبدد عندما تستقر في الوظيفة، لكنه أصبح أقوى. وتلك الليلة في بيتها شعر وكأنه يسير على البيض.. تبا لذلك. كل ما ظن أنه توصل إليه في الأسابيع الماضية، يبدو له الآن وكأنه غير موجود إلا في مخيلته. قد تبدو ضعيفة هشة، لكنها في داخلها بقوة الحديد. لماذا إذن لا يدعها وشأنها، ويهنئ نفسه على السكرتيرة الكفؤة الرائعة الجمال التي يبدو واضحا أنها لا تهتم بسوى وظيفتها، ويقف عند هذا الحد؟ فلديه ما يشاء من النساء، نساء ناجحات جميلات وواثقات من أنفسهن، نساء من دون معوّقات ولا كبت.

تصاعد طرق قوي على باب كيم الخارجي، ودخل جون باول الضخم، وهو المدير العام في الشركة، ما أنهى حديثهما بشكل فعال. وقف لوكاس بينما كان جون يلوح بملف قائلا:" هل هذه هي العقود الفرعية التي تريد من ذلك الحقير أن يتابعها؟ كنت على حق يا لوكاس، ما كان لنا أن نلمسها"

إنه توقيت رائع كالعادة يا جون.

فكر لوكاس في هذا في سره، لكنه قال بصوت موجز:" تعال إلى مكتبي يا جون وأخبرني بما لديك"

وأضاف مخاطبا كيم بنفس اللهجة:" قهوة عندما تكونين مستعدة لذلك، يا سيدة ألن"

جلست كيم عدة ثوان دون حراك بعد أن انغلق الباب المؤدي لى مكتب لوكاس وأصبحت وحدها.

العناق، حديثهما.. وكل المشعر التي ظهرت في النصف ساعة الأخيرة لم تعن شيئا بالنسبة إليه. فهو يعتبرها مجرد تحد له. إنها لم تقع بين ذراعيه بصفتها امرأة ميالة إلى لوكاس. لقد تجاهلت حقيقة أن ذلك كان بالضبط ما فعلته، جسديا ومجازيا ذلك الصباح...

نهضت ببطء، غضبة من نفسها ومن لوكاس. هل صدقت أنه لم يخرج مع نساء منذ بدأت العمل في شركته؟ أخذت تفكر في الأمر أثناء عدادها القهوة، ويداها الرشيقتان تتحركان بشكل آلي والعبوس يكسو وجهها. نعم،إنها تصدق ذلك، ولوكاس لا يكذب.

لوكاس لا يكذب؟ ما ن دخلت هذه الكلمة عقلها، حتى هاجمته. كون رئيسها صادقا إلى حد التحجر أحيانا بالنسبة إلى معاملاته التجارية، لا يعني أنه يتصرف بهذا الشكل مع النساء.

تذكرت كيم غراهام فجأة، لقد صدقته ووثقت به، فأين انتهى بها ذلك؟ غلطة واحدة مفهومة، أما الثانية فتدل على الغباء... وهي ليست امرأة غبية. وأغمضت عينيها فاستطاعت أن تسمع صدى المشاجرات الماضية. كان غراهام قاسيا، قاسيا بشكل بالغ حين يكون تحت تأثير الكحول. يُقال إن الإفراط في الكحول يكشف عن حقيقة الشخص التي يخفيها التهذيب الاجتماعي. وفي حالة غراهام لم تكن حقيقته سارة.

وعندما دخلت كيم إلى مكتب لوكاس، كانت تمثل خلاصة المرأة الشقراء الباردة بحركاتها المهذبة. وعندما وضعت الصينية على المكتب، رفع لوكاس رأسه ينظر في عينيها مباشرة:" شكرا"

وبالرغم من ضيقها البالغ، شعرت كيم بأن هناك اهتماما حقيقيا في عينيه الضيقتين اللتين كانتا تتفحصان وجهها.

وحالما عادت إلى مكتبها، أخذت تعنف نفسها لضعفها. لقد قالت سكرتيرة لوكاس السابقة عن رئيسها، إنه" زير نساء"... حسنا، ليس هذا بالضبط، وإنما كانت تعني أنه يبدل نساءه بسهولة، وقد تجاهلت هي ذلك أثناء مجازفتها هذه.

أخذت ترشف قهوتها ورأسها يدور، ثم رحت تتأمل كومة الأوراق التي تستدعي عنايتها وهي تلوي فمها آسفة. إنها هنا لأداء عمل وهذا بالضبط ما ستقوم به. ما جرى هذا الصباح كان أمرا مزعجا لكنه لم يكن أكثر من ذلك، وعليها أن تسيطر عليه.

لوكاس كين هو رئيسها لا أكثر. وعليها أن تضاعف حذرها وألا تتعدى على عزلته من الآن فصاعدا.. رغم أنها لا تظن أنها فعلت ذلك من قبل، وذلك كيلا تعطيه فكرة خاطئة عنها.

وما قاله عن رغبته في عناقها منذ أول يوم رآها فيه؟ رغبته في أن يزداد معرفة بها؟ حدثها بذلك صوت في أعماقها فتنهدت ببطء بالغ وهي تضع إصبعها على مفاتيح الآلة الكاتبة رافضة أن تدع الشعور بالذعر يتملكها. إنها لا تريد التفكير في ذلك. قد تكون هذه طريقة سهلة للهرب ولكنها ضرورية لسلامتها العقلية!

لقد أوضحت للوكاس شعورها نحو أي علاقة شخصية بينهما. وكان هو رجلا ذا كبرياء وهذا ما سيجعله يتجاهل كل ما حدث اليوم وكأن شيئا لم يحدث، وربما يركز اهتمامه على امرأة جميلة يتباهى بها أمامها ليثبت لها أن من السهل أن ينسى. نعم، هذا ما سيفعله.

غدر جون باول مكتب لوكاس بعد ذلك بعشر دقائق. وما هي إلا دقيقة أو نحوها، حتى أطل لوكاس من الباب الموصل بينهما:" لقد حجزت مائدة لاثنين في مطعم صغير لهذه الليلة. كوني مستعدة في الثامنة"

وانغلق الباب دون مزيد من الكلام.





***

 
 

 

عرض البوم صور safsaf313   رد مع اقتباس
قديم 21-08-09, 09:50 AM   المشاركة رقم: 7
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: Mar 2008
العضوية: 66854
المشاركات: 2,022
الجنس أنثى
معدل التقييم: safsaf313 عضو سيصبح مشهورا قريبا جداsafsaf313 عضو سيصبح مشهورا قريبا جداsafsaf313 عضو سيصبح مشهورا قريبا جداsafsaf313 عضو سيصبح مشهورا قريبا جداsafsaf313 عضو سيصبح مشهورا قريبا جداsafsaf313 عضو سيصبح مشهورا قريبا جدا
نقاط التقييم: 585

االدولة
البلدEgypt
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
safsaf313 غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : safsaf313 المنتدى : روايات احلام المكتوبة
افتراضي

 

6 ـ تلك هي اللعبة




إلى أن وجدت كيم نفسها على عتبة صديقتها ماغي تسألها إن كان بإمكانها أن تجالس ابنتها الليلة، لم يكن لديها نية في الخروج مع لوكاس للعشاء.

وكانت قد أخبرته بهذا عدة مرات. شكل ذلك اليوم محنة حقيقية لها. ولم تعرف كيف تتعامل مع عناده. بهذا اعترفت لنفسها وهي تعود من بيت ماغي.
منتديات ليلاس
في السنتين اللتين تلتا موت غراهام، كان عليها أن ترد عدة خاطبين أرادوا الزواج بها. لكن ذلك كان سهلا. كلمة رفض مؤدبة مع الشكر، وإذا لم يكف هذا لإقناع أحدهم، هناك نظرة عنيفة ينتهي بعدها كل شيء. ولكن ما نجح في السابق، لم يستطع أن يحطم الجليد بالنسبة إلى لوكاس كين.

لقد حاولت ذلك النهار أن تجعل كل حديث بينهما قاصرا على العمل وحده. ولكن يبدو أن لوكاس وجد في تصرفها هذا مجرد شيء يبعث على التسلية.

لكنها ستصارحه الليلة بأنها لا تريد أن تبدأ علاقة مع أحد في المستقبل القريب، خصوصا مع لوكاس كين. الأفضلية في حياتها كانت لميلودي، أولا وأخيرا. وهي لا تريد أي شخص آخر.

عندما سألتها ماغي، بشكل طبيعي تماما، إلى أين هي ذاهبة ومع من، وذكرت لها اسم لوكاس كين، كادت عينا ماغي تخرجان من محجريهما.

وحين وصلت ماغي أخذت بذراع كيم وقادتها إلى غرفة الجلوس وهي تسألها بلهفة:" حسنا، ماذا هناك بينك وبين ملك المال هذا؟"

ـ أتعنين لوكاس؟

ـ هل هناك أكثر من رجل واحد رائع وأسطوري الثراء يدعوك للخروج معه؟

ـ إنه ليس رائعا.

كان جوابها بالغ السرعة وقد أدركت الاثنان هذا. وعندما رأت كيم عيني ماغي تضيقان متفحصة، قالت بمزيد من الحذر:" أعني أنه رئيسي فقط وهذا كل شيء"

فسألتها ماغي بشيء من التهكم:" وهو دعاك إلى العشاء لأي سبب؟ مجرد دعوة بسيطة لإحدى موظفاته؟ دعي عنك هذا، يا كيم. لا تنسي أنني ماغي. وأنا أسألك مرة أخرى، ماذا هناك؟"

قالت كيم بصوت كالنواح:" آه..ماغي يا لها من ورطة..."

ـ شعرت أنك تبدين متوترة في الأشهر الأخيرة، لكنني ظننت أن ذلك عائد إلى المسؤولية التي ألقيت على عاتقك في الوظيفة... لماذا لم تخبريني من قبل؟ لعلي أفدتك.

قالت هذا متعاطفة معها فرفعت كيم إليها عينين مأساويتين:" أعلم هذا، وربما أنا سخيفة في مخاوفي. فأنا ذاهبة لتناول العشاء معه فقط، ويسر أي فتاة أخرى الخروج مع لوكاس كين"

قالت ماغي برقة:" لكنك لست أي فتاة أخرى. وربما هو من الإحساس بحيث يدرك كذلك. ربما هو جاد في أمرك، يا كيم"

قالت كيم بصوت أصبح حازما فجأة:" أرجو ألا يكون ذلك. إنها وظيفة رائعة وسأكره أن أتخلى عنها"

ـ هل ستفعلين ذلك رغم إعجابك البالغ به؟

تنهدت كيم وقالت:" لا أريد رجلا في حياتي، يا ماغي. لا الآن ولا لاحقا. الضربة التي تتلقاها حاذر منها في المرة التالية"

قالت ماغي برقة:" لكنه لن يكون مثل غراهام. أنت تدركين هذا، أليس كذلك؟ إياك أن تدعي غراهام يدمر حياتك، يا كيم"

ـ غريب. هذا بالضبط ما قاله لي لوكاس.

وابتسمت كيم لماغي ابتسامة صغيرة مرة وأضافت:" لكنني لا أرى الأمر بهذه الطريقة. وهناك أمر آخر... إلى متى سيبقى رجل كلوكاس كين مهتما بفتاة مثلي؟ مدة شهر.. أو ربما اثنين؟ وربما ستة أشهر وإذا اقتضت الضرورة. أنا لست من عالمه يا ماغي"

ـ وكيف تعلمين هذا دون تجربة؟

ـ أنا أعلم هذا جيدا.

وشعرت كيم فجأة بأنها تريد إنهاء الحديث:" على أي حال، هناك ميلودي التي علي أن أضعها نصب عيني، أيضا. لا تنسي، لا أريد أن تشغف بشخص ثم تفترق عنه بعد فتره" قصيرة. وأنا لا أريد أن تعاني ابنتي من هذا كله"

كانت ماغي من الحكمة بحيث تعرف متى تتوقف عن الحديث، وقالت:" لا بأس، لا بأس على كل حال، إنها السابعة والنصف تقريبا والأفضل أن تبدئي بارتداء ثيابك"

حالما خرجت كيم من تحت الدوش، طرقت ماغي الباب، فنظرت في ساعة الحائط ثم صرخت برعب واندفعت خارجة من غرفتها وهي تنادي:" حليب وبسكويت ميلودي على صينية في المطبخ. طلبت منك أن تقرئي لها حكاية بينما تتناول عشاءها"

ـ لا مشكلة.

لاحقت نظرات ماغي صديقتها لحظة قبل أن تدخل المطبخ الأنيق، وقد بان القلق على وجهها. لقد قالت إن ما من مشكلة، ولكن ن لم تكن مخطئة كثيرا، فهناك مشكلة... ومشكلة كبيرة تختمر هنا.

كيم جميلة جدا، لكن الأهم من ذلك أنها جميلة من لداخل. غير أنها ضعيفة إلى حد مؤلم، وهي تخفي ذلك الضعف خلف سلاح تمكن لوكاس كين من اختراقه بشكل ما... سواء اعترفت كيم بذلك أم لا.

حملت الصينية وصعدت بها عابسة تفكر في أن عليها إمعان النظر جيدا إلى هذا الرجل الثري الذي لا يمكن مقاومته، فإذا رأت أنه من النوع الذي يريد أن يستغل كيم لمتعة عابرة... حسنا ستعرف الخبر اليقين...

لم تكن كيم في الطابق الأسفل عندما دق لوكاس جرس الباب عند الثامنة. وهكذا سارت ماغي إلى الباب لتفتحه بعد أن طلبت من ميلودي البقاء في سريرها.

ابتسم لوكاس للمرأة الصارمة الوجه التي استقبلته على العتبة:" مساء الخير. أنت ماغي بلا شك. أنا لوكاس كين"

ومد يده بباقة أزهار ضخمة وهو يضيف:" هذه الأزهار لك من باب الشكر لمجالستك الطفلة"

بادلته ماغي الابتسام وهي تأخذ منه الأزهار، وشعرت بلحظة ندم لاستسلامها السهل، ولكن كان عليها أن تعترف بأن لوكاس قد خطف أنفاسها بروعة شكله... واستطاعت أن تقول بصوت لاهث قليلا:" ألا تتفضل بالدخول؟ ستنزل كيم بعد دقيقة"

ـ إنها تحاول أن تجفف أظافرها لكن ذلك سيستغرق دهرا.

الكلام الأخير كان من ميلودي التي تركت سريرها وجثمت على قمة السلم تتحدث إلى لوكاس بعينين واسعتين.

وعندما نظر لوكاس وماغي إلى أعلى، أشرق وجه لوكاس بابتسامة عريضة وقال لها:" حقا؟ وكذلك أظافري تأخذ دهرا لتجف"

قال جملته الأخيرة برزانة فضحكت ميلودي بصوت خافت؛" يا للغباء! السيدات فقط هن اللاتي يصبغن أظافرهن"

فقالت ماغي باضطراب وهو شعور جديد عليها:" المفروض أن تكوني في سريرك، يا صغيرة. عودي وسأتبعك بعد دقيقة لإكمال الحكاية"

ـ انتظري خذي هذا قبل أن تذهبي.

ومد لوكاس يده إلى جيبه وأخرج شيئا ملفوفا قذفه إلى ميلودي، التي تلقته بمهارة. بينما تابع:" هذا لأنك فتاة طيبة مع الخالة ماغي. ستكونين فتاة طيبة، أليس كذلك؟"

ـ ميلودي فتاة طيبة دوما.

شعرت ماغي بأنها فقدت، لسبب ما، السيطرة على لوضع.

ـ أنا واثق من أنها كذلك.

وابتسم لوكاس لماغي مرة أخرى. وعندما صرخت ميلودي مبتهجة بالدب الصغير الرائع الذي كان في العلبة، أضاف بهدوء:" اصعدي أنت واهتمي بميلودي يا ماغي. أنا بأحسن حال هنا، في انتظار كيم"

حدقت إليه ماغي بارتباك:" حسنا، سأضع هذه الأزهار في المطبخ أولا"

ونظرت إلى هذه المجموعة الرائعة من الورود، ثم عندما نظرت إلى لوكس مرة أخرى، رأت فمه ملتويا. فقال بنعومة وقد قرأ أفكارها:" أعترف بأنني أحاول أن أكسبك إلى صفي. فأنا بحاجة إلى عون لكي أكسب ودّ كيم"

قالت وقد احمر وجهها:" سوف... سأضع هذه الأزهار في المطبخ"

وحالما غادرت الغرفة أخذت تعنف نفسها لأنها لم تسأله عن شعوره نحو كيم. لكنها لم تجرؤ على ذلك... وهذا، يدل على جبنها البالغ...

وفي غرفتها، كانت كيم تتأمل نفسها في مرآتها الكبيرة. لم تكن تعرف ما عليها أن تلبس... ما الذي تلبسه النساء في موعد مع ملياردير، على أي حال؟ كانت تفكر في هذا هازلة.

وأخيرا ارتدت ثوب سهرة اشترته منذ أشهر بعد أن منحتها شركة كين الكتريكال بدل ملابس. إنه ثوب أخضر بلا كمين مصنوع من الحرير والكاشمير وقد كلفها مبلغا ضخما. لكن عندما رأته كيم في إحدى واجهات المتاجر أدركت أنه مناسب تماما لأي عشاء عمل قد تحضره مع لوكاس بصفتها سكرتيرته. كان أنيقا محكما على جسدها ولونه يبرز التناقض بين لوني شعرها وعينيها، كما يظهر لون بشرتها العسلي الذهبي.

بماذا سيفكر لوكاس حين يراها؟ رفضت أن تفكر في هذا. ومع ذلك، بهجة الإثارة التي تبعثها الملابس الجميلة في النفس استمرت بالرغم عنها. وعندما وضعت عطرا على معصميها، وقرطين بلوريين في أذنيها كانت يداها ترتجفان.

مرت على ميلودي لتقبلها قبلة المساء، وما إن دخلت إلى الغرفة حتى اتسعت عينا ابنتها وسرور:" تبدين جميلة للغاية يا أمي، كالأميرة في حكاية العمة ماغي"

ـ شكرا يا حبيبتي.

وجلست كيم على حافة سرير ابنتها، واحتضنتها غير عابئة بثوبها الجديد. وفاضت نفس كيم حبا عندما طوقت ميلودي عنقها بذراعيها، فأغمضت عينيها وهي تضم ابنتها إلى قلبها ثوان قبل أن تعيدها إلى سريرها.

ـ تبدين رائعة. لكنك ستبدين كذلك حتى لو لبست كيس خيش.

ابتسمت كيم لصديقتها، فهي تعلم أن ماغي تجدها قليلة الثقة بنفسها وبمظهرها، لكنها لا تستطيع منع نفسها من ذلك. السنوات التي أمضتها في ملجأ الأطفال وما تبع ذلك من زواج مشئوم وشتائم، أتلفت شيئا في نفسيتها.

لكنها بدت بحالة جيدة الليلة، وشعرت بالرضا عن نفسها وهي تقول لماغي بصوت منخفض:" حسنا، ما رأيك؟"

فأجابتها ماغي على السؤال الصامت عن لوكاس بأن هزت أصابعها وكأنها احترقت:" أووو..."

ثم التفتت المرأتان إلى الصغيرة بذعر، وهي تقول بصوتها الحاد:" أظن أن لوكاس ممتاز"

وكلمة ممتاز تستعملها ميلودي لكل ما تراه جميلا.

ونظرت كيم إلى ماغي بقلق، فهزت هذه كتفيها:" ذكاء ملفت. ونحن نستحق هذا لأننا نظن أن بإمكاننا التحدث بالشفرة وهي موجودة"

أدركت ميلودي أنهما يعنيان بطلها الجديد بالحديث، فقالت:" نعم أظن أن لوكس ممتاز. انظري ماذا أحضر لي ي أمي"

ـ هذ جميل يا حبيبتي.

فقالت ماغي بصوت جامد إلى حد غريب:" لقد أحضر لي أزهارا"

نظرت إليها كيم بحيرة:" أحقا؟ لكنني لم أخبره بأنك ستجالسين ميلودي"

تبادلت المرأتان النظرات لحظة طويلة، ثم قلت كيم باستسلام:" الأفضل أن أنزل إلى أسفل"

كان باب غرفة الجلوس مفتوحا. وعندما وقفت كيم بالعتبة، التفت إليها منتبها من تأملاته الهادئة فشعرت برعشة عندما نظر إليها بعينيه الفضيتين الكثيفتي الأهداب. بقي صامتا دهرا لا يقول شيئا... كان يحدق إليها وعلى وجهه الصلب الجذاب قد ارتسم تعبير غريب للغاية.

حاولت كيم الابتسام بدت كرجفة في شفتيها:" مرحبا"

ـ مرحبا. تبدين جميلة بشكل غير عادي.

قال ذلك برقة بالغة اهتز لها كل عصب فيها.

ـ شكرا.

عنف نظراته ملأ جسدها شوقا، ولكي تحارب هذا الشعور وسحر جاذبيته الطاغي، قالت بهدوء:" جميل منك أن تحضر أزهارا لماغي وأن تفكر في ميلودي، لكن ذلك لم يكن ضروريا"

فقال مازحا:" هذا يعني أنها لم تعجبك"

ـ لم أقل هذا

ـ لست مضطرة لذلك.

بدا عليه عدم الاهتمام إلى حد آلمها للغاية. حدقت إليه، غير واعية لما تكشف عنه ملامحها، وفوجئت عندما تقدم نحوها بخطوات واسعة ثم أخذ ذراعها قائلا:" إذن سكرتيرتي الصغيرة الحساسة مستعدة للسهر مع الذئب الكبير السيئ. هل لديك معطف؟ البرد قارس في الخارج"

ـ إنه في الردهة.

كان ها قد تشنج عندما لمسها فرأت فمه يتوتر، لكنها لم تستطع منع ذلك. فقد كان...

بدت سيارته المتوقفة أمام البيت نافرة مع هذا المحيط المتواضع. ووجدت نفسها تأخذ عدة أنفاس عميقة صامتة وهت تصعد إلى السيارة ثم تنتظر صعود لوكاس.

ـ هل أكلت شيئا منذ وقت الغذاء؟

ـ ماذا؟

والتفتت تنظر إليه، فسأل:" الطعام. هل أكلت شيئا مؤخرا؟"

كان صوته الآن صبورا، وهذا ما جعلها تريد أن ترفسه.

ـ أكلت شيئا من العكرونة التي طهيتها لميلودي. آخر لقمة في المقلاة فقط.

ألقى عليها نظرة جانبية ساخرة:" إنها عادة خطرة. ستصبحين سمينة إذا اعتدت أكل بقايا طعام ميلودي"

ردت عليه بتوتر:" ليست بقايا بالضبط، وقد كنت جائعة"

في الحقيقة، كانت تظن أن الأكل قد يهدئ من خفقان قلبها الناتج عن التفكير في خروجها معه. ولكن ذلك لم ينجح.

ـ ذلك شيء حسن على أي حال، لأن أكلنا سيتأخر.

وتحرك بالسيارة وهو يقول ذلك إلى أن وصل بها إلى الطريق العام الهادئ خلف حديقة بيت كيم الأمامية.

أرغمت كيم نفسها على البقاء جامدة رغم أن كل حس فيها كان يصرخ بسبب رائحة عطره الزكية المثيرة.

رفعت رأسها وقالت بحذر:" هل سنجري ذلك الحديث أولا؟"

قال برفق:" إننا ذاهبان إلى المسرح أولا"

ـ إلى المسرح؟

كان سؤالها أقرب إلى الصراخ فقطب لوكاس جبينه:" نعم إلى المسرح"

ـ ولكن... لكنك لم تقل شيئا عن المسرح.

شعرت كأن هذا قد استحال إلى موعد غرامي حقيقي. فقال ونظراته على الطريق:" اعتبري ذلك مفاجأة سارة"

ـ أنا لا أحب المفاجآت.

كان في قولها هذا شيء من سوء الخلق لكن كيم لم تعد تهتم. ما الذي جعلها تجلس هنا بجانب لوكاس كين بينما هو يأخذها إلى مكان لا يعلم به سوى الله؟إنه يبغي ما يبغيه كل رجل، والمنطق يخبرها بأنه رجل ثري خطر وقوي وجذاب جاذبية صارخة.

ـ كفى ذعرا يا كيم! سأصحبك إلى المسرح ومن ثم إلى العشاء.

نظرت إلى جانب وجهه، لكن وجه لوكاس كان جامدا.

فتحت فمها لتنكر اتهامه لها بالذعر، لكنها عادت فأطبقته. لا يمكنها أن تربح معركة كلامية مع لوكاس. إنه يربح المعركة دائما. وعضت شفتيها بعنف وركزت نظراتها بغضب على الطريق أمامها. يبدو أنه على حق... كالعادة.

لا بأس، فهي لا تستطيع منافسته، كما أنها لا تنكر تأثيره فيها. ولكنها يمكنها أن تحفظ كرامتها طوال المساء. ستكون المرأة الثلجية التي تتحدث قليلا وتنظر كثيرا ولا ينتج منها سيء.

كلما ازدادت معرفته به ، ازدادت معرفة بالسبب الذي يجعله يختار نساءه من ذوات المهن المشابهة بأهميتها لمهنته. فهو ذكي بشكل رهيب، وهي ليست بليدة الذهن رغم ما حاول غراهام أن يقنعها، ولكنها أيضا لا تمتلك ما تمتلكه تلك النسوة.

أحبت دائما أن تكون لها مهنة، لكنها كانت تعرف أن البيت والأسرة يأتيان في المقام الأول. إنها، في نظره، مجرد تغيير لطعامه المعتاد... ولكل جديد لذة، كما يقال، وسرعان ما سيجدها مملة.

وهكذا... ضاقت عيناها أمام أنوار الشارع المتألقة عندما وصلا إلى قلب المدينة. ستتصرف بحسب شخصيتها ولكن بقدر كبير من التحفظ. وإلى أن تنتهي السهرة يكون الضجر قد استبد بلوكاس فيسرع بها إلى بيتها.

كانت المسرحية رائعة، لكن كيم لم تكن واعية إلى ما يحيط بها. كان لوكاس مثلها مرتديا ملابس السهرة، وعندما خلع معطفه في الردهة اضطرت، ووجهها يلتهب، إلى تحويل عينيها عنه بحزم لأنها أدركت أنها كانت تلتهمه بنظراتها، متظاهرة بأنها تظهر إعجابها بجمال الزخارف الرائعة.

عندما استقرا في مقعديهما، دفنت وجهها في البرنامج، مانعة نفسها من إظهار أي رد فعل كلما لمسها عرضا.

مال نحوها قليلا عندما ظهرت صور ممثلي المسرحية في البرنامج:" هل رأيت مجموعة الممثلين هذه من قبل؟"

ـ لا.. لم أرهم.

ـ إنهم جيدون.

وعندما عاد يستقر في مقعده، تنفست الصعداء بصمت وتمنت لو تبدأ المسرحية.

كيف يمكن لشخص محاط بالناس أن يشعر وكأن لا وجود للعالم من حوله. أخذت تتساءل بقنوط.

لم تكن تريد أن تشعر بهذا الاضطراب البالغ. لم ترد أن تكون مع لوكاس كين، فهو مثير للاضطراب.

ـ كفى عبوسا، لأن الناس سيضنوننا متخاصمين.

ألقت عليه نظرة جانبية فقابلت نظراته الساخرة، وقالت متزمتة:" أنت رئيسي وأنا سكرتيرك ولا يمكننا أن نتخاصم"

قال متأملا:" أحقا؟ ما الذي حدث إذن بعد أن عانقتك؟ صححي كلامي إذا كنت مخطئا. إذ لم يكن ذلك خصاما، إذن فلن أقترب منك عندما تكونين غاضبة حقا"

نظرت إليه بعنف. لم تشأ أن يذكرها بذلك العناق.

ـ أنت لا تريدين قامة علاقة مع أي رجل آخر مرة أخرى. وهذا من السخافة بحيث لا يمكن أخذه على محمل الجد.

ـ سواء كان سخيفا أم لا، فهذا ما أشعر به.

كان جوابا حادا... كل ما صممت عليه من هدوء وتحفظ وبرودة، ذهب مع الريح.

بدا الانتصار في العينين الفضيتين:" لا. أنت لا تشعرين بذلك، أنت تريدينني يا كيم، كيانك كله أخبرني بهذا هذا الصباح"

نظرت حولها متوترة:" لوكاس"

تابع يقول برقة:" وهذا ما سيحدث عاجلا أم آجلا"

أظلمت عيناه، وشعر بضيق بالغ وهي تزم فمها بعناد:" هذا لن يحدث، يا لوكاس. لدي ميلودي وهي الوحيدة التي أريدها في حياتي"

قال بحذر وحرص على ألا يدع الغضب يبدو في صوته:" ميلودي فتاة صغيرة رائعة، لكنها طفلة، وأنا أتحدث عن علاقة طبيعية بين شخصين راشدين"

ـ إذا كان شيء كهذا موجودا.

أفلتت هذه الجملة من فمها دون تفكير، وشعرت بقلبها يخفق ذعرا. كيف جعلها تقول أشياء كهذه؟

قال برقة بالغة وعيناه على وجهها المتوهج التعس:" بل هو موجود فعلا. وعندما يكون جيدا فهو أعظم شيء في العالم"

قالت بجفاء وبرودة:" لا أعلم شيئا عن ذلك، وبصراحة، لا أريد أن أعلم"

ـ بل تريدين. لكنك من الخوف والانطواء على نفسك بحيث تخافين الاعتراف بذلك. أنت تريدين مني أن أحتضنك يا كيم، وأن أعانقك وأعانقك وأعانقك...

ـ كفى يا لوكاس. لا تقل هذا.

كانت مشوشة مضطربة بسبب المشاعر التي حركها في كيانها صوته العميق.

كان من القرب منها بحيث شعرت بقوته وجاذبيته. فأخذت ترتجف.

ـ أرجوك يا لوكاس.

ـ أريدك يا كيم. أريدك أكثر مما أردت امرأة في حياتي. وبعد هذا الصباح، علمت أنك تريدينني أنت أيضا. لن أدعك تحرميننا، نحن الاثنين من ذلك.

جلوس شخصين بجانبهما، وبدء المسرحية أنهى كل حديث بينهما، لكنها بقيت ترتجف لدقائق. لم تستطع دفع ذهنها إلى الانتباه للمسرحية. وعند الاستراحة، كان المقصف مزدحما لكن كيم لم تهتم لذلك فقد منع أي حديث حميم بينهما.

ركزت أفكارها على العصير الذي في يدها آملة أن تبدو هادئة رابطة الجأش. ولكن مع ذراع لوكس التي أحاطت بخصرها بشكل عفوي، وجسمه الصلب الذي مال ضاغطا على جسمها بسبب الزحام، أصبحت رباطة جأشها سطحية فقط.

في ساعات قليلة فقط، استطاع لوكاس أن يحول علاقتهما من مجرد مخدوم وموظف إلى... وتوقف ذهنها عن التفكير. تحولت علاقتهما إلى ماذا بالضبط؟ سألت نفسها بصمت، حسنا، مهما كان، فهذا غير مهم. عليها أن تعيد علاقتهما إلى ما كانت عليه.

ـ عدت إلى العبوس.

واحتكت شفتاه بأذنها وهو يهمس في شعرها الحريري فشعرت بقلبها يتخبط بين ضلوعها:" أحقا؟"

ونظرت إليه بطرف عنيها وسكتت.

فقال بلطف:" نعم وأجرؤ على القول انك كنت تفكرين فيّ".

ـ رغم غرابة هذا، فأنا لا أفكر فيك دوما.

فقال بحزم:" هذا خطأ أنوي أن أصححه من الآن فصاعدا".

أخذت كيم رشفة من عصيرها، متمنية أن يمنحها الله الشجاعة والفطنة لكي تضعه في مكانه.

لكن هذا لم يحدث. مالت نحوه قليلا عندما داست امرأة بدينة، على قدمها اليسرى، مما أثبت أن لوكاس لم يكن بالبرودة والتحكم في المشاعر كما يبدو عليه فقد ارتجف كله لأنها لمسته رغما عنها.

أجفلتها خيانة جسده التي ارتسمت على وجهه، وبدت على فمه ابتسامة ملتوية جعلتها تعلم أنه كان واعيا لما تفكر فيه.

علمت أن وجنتيها تلتهبان، وتمنت من أعماق قلبها لو كانت من النسوة المحنكات المجربات اللاتي اعتاد عليهن. لكنها لم تكن كذلك. وعندما مد لوكس يده خلف ظهرها ليضع كأسه الفارغة، أخذها بين ذراعيه، مريحا يديه على خصرها.

ثم همس فوق جبينها:" يا لك من امرأة غير عادية، متمردة غاضبة حينا، وخجول مرتبكة حينا آخر. لم أعرف امرأة أخرى يحمر وجهها مثلك. أنت مميزة بحيث أشعر أن كل النساء بين ذراعي، ثم إذا بك تصبحين باردة لتمثال من الثلج. لقد خلبت لبي، يا كيم، هل تعلمين هذا؟"

ـ لا أريد أن أخلب لبّك.

قالت هذا بيأس مع أنها تعلم أن هذا ليس صحيحا. وهذا ما جعلها مجنونة، لأن التورط مع لوكاس كين يعني انتحارا عاطفيا بكل تأكيد.

تمتم لوكاس، وهو يميل إلى الخلف لينظر في عينيها البنيتين:" ربما هذا جزء مما جذبني إليك في البداية. العالم مليء بالباحثات عن الذهب يا كيم. أو بالرجال والنساء الذين يختارون شركاءهم في الحياة من ذوي المراكز لتنعكس عليهم المسألة احتراما وشهرة. تلك هي اللعبة"

ـ ليست لعبتي.

وحاولت التخلص من ذراعيه، ولكن لم يبد عليه أنه لاحظ.

قال رافعا حاجبيه بسخرية:" أعلم هذا. أحيانا تبدين بسن ميلودي. ولكن وجودها يعني أنك لست طفلة، وأنك كنت متزوجة وأنجبت طفلة. أنت امرأة من دون رجل، تعيل أسرتها بمفردها"

كان في صوته نبرة غريبة وكأنه لا يصدق ما يقول. كان عليها أن تشعر بالإهانة ولكن ذلك لم يحصل:" معظم الناس يختلفون في داخلهم"

وشعرت بيده تلامس خصرها الرشيق فتثير في جسمها مشاعر هي في غنى عنها.

أجاب بجفاء:" ربما، ولكن نحو الأسوأ عادة"

ـ ربما هذه حالتي.

قالت ذلك بمرح، ولكن في الأعماق كانت تشعر بهشاشة ثقتها بنفسها. وبدلا من جواب ذكي أو ساخر توقعت أن يقوله لوكاس، لم تسمع منه شيئا للحظات بل ضاقت عيناه فقط على وجهها الجميل.

ـ لو لم يكن ميتا لقتلته.

قوله هذا كان أشبه بوخزه في الصدر، وعندما نظرت في عينيه جمدت مكانها، وأصبحت كالخشبة بين ذراعيه.وشتم لوكاس بصوت منخفض لتسرّعه. لكنها ما لبثت أن استرخت مرة أخرى ببطء، وأزاحت خصلة شعر عن عينيها وهي تقول بهدوء بالغ إلى حد كان عليه أن يحني رأسه ليسمعها:" اعتاد أن يقول لي هذا، إنه يريد أن يقتلني. كان يعلم أنني سأتركه فكان يهددني..."

ـ ماذا؟

تحيّر لوكاس لسماعها تتحدث بهذا الشكل، وخاف أن يتكلم كيلا تعود إلى قوقعتها.

ـ اعتاد أن يقول إنه سيقتل ميلودي أولا، ثم أنا بعدها. وأنه سيعثر علي في أي مكان أذهب إليه. كان... كان يفقد اتزانه حين يسكر ويصبح قادرا على أي عمل. ولكنه، في أحيان أخرى، عندما يكون متزنا، كان يأخذ ميلودي إلى الحديقة العامة ويتصرف كأي أب طبيعي. لكنني ما شعرت بالراحة قط. وذات مرة خرج متزنا ثم عاد وفي أنفاسه رائحة الكحول. لم يكن ثملا لكنه كان يشرب وهو يرعاها.

رفعت عينين معذبتين إلى وجهه المذعور وهو يتأوه.

ـ لم أعد أتركهما وحدهما بعد ذلك. لم أعد أتركها لحظة بعيدة عن نظري. لم يعد مأمونا.

سألها برقة:" هل التمست المساعدة؟ المساعدة الرسمية؟"

هزت رأسها بمرارة وقد أظلمت عيناها:" ما كان غراهام ليعترف بأن لديه مشكلة. فأنا بنظره المخطئة دوما، فأنا مملة. وقد اعتاد أن..."

وسكتت فجأة وقد انتبهت إلى أنها قالت كثيرا، فهناك أمور، أمور سرية أقسمت ألا تخبر بها مخلوقا.

ـ اعتاد أن ماذا؟

ـ هذا غير مهم.

بدأت تبتعد عنه لكنه لم يستطع شيئا وسط مقصف المسرح.

ـ أيمكنني الحصول على كوب آخر من العصير؟

وكانت قد أنهت آخر جرعة في كوبها ثم ناولته إياه بابتسامة سريعة. لم تكن تريد حقا كوبا آخر لكنها أرادت أن تفعل ما يبدد هذا الشعور الذي تملكها لوضعه ذراعه حولها. هذا الشعور الذي جعلها تكشف عن أكثر مما نوت البوح به.

في الدقائق الأخيرة التي سبقت العودة إلى المسرح، أبقى لوكاس الحديث مسليا. وحاولت هي التجاوب معه بشكل ما، لكنها في داخلها كانت متوترة.

الآن وبعد أن تبدد السحر الذي أثاره قربه منها، لم تستطع أن تصدق كيف حدثته بكل ذلك... فهو الشخص الوحيد المفروض أن تبقيه بعيدا عنها. لم ترد أن يعلم شيئا عن حياتها، الماضية والحاضرة.

بالرغم من شكوكها ومحاسبتها لنفسها، وجدت نفسها تستمتع بالنصف الآخر من المسرحية، ثم أضيئت الأنوار واتخذا طريقهما إلى السيارة. الجو القارس في الخارج بعد الدفء في الداخل، جعل كيم ترتجف.

ـ أتشعرين بالبرد؟

ولم ينتظر جوابا، فجرها إلى جانبه بسهولة وخبرة بدا معهما الأمر طبيعيا. لكن تصرفه هذا كان مريحا للغاية وودودا وغير مزعج أبدا.

كان العشاء لذيذا في ذلك المطعم الإيطالي الصغير الرائع غير البعيد عن المسرح. وعلى عكس توقعاتها، وجدت نفسها مرتاحة ومستمتعة بطعامها.

وجد لوكاس نفسه يتحول بشكل جذري إلى إحدى شخصياته العديدة، وهذه المرة كان مرتاحا ظريفا لا يوحي بأي رهبة.

لم يأت على ذكر ما أفضت به إليه في المسرح، وكانت كيم من الإرهاق العاطفي ما منعها من الإتيان على ذكر الغرض الأساسي لموعد العشاء هذا.

كان لوكاس أكثر الرجال الذين قابلتهم إثارة للاضطراب والسخط، فهو متغطرس مستبد. بهذا كانت تحدث نفسها عابسة، واعية بألم إلى كل حركة تصدر عن هذا الرجل.

منذ أن بدآ رحلة العودة إلى البيت، لم ينطق بأكثر من كلمة أو اثنتين، فقد بدا أن انتباهه كله مركز على قيادة السيارة. لكن هذا الصمت لم يكن هادئا ولا مريحا بالنسبة إلى كيم. في الواقع كان جو السيارة مشحونا بتوتر انتقل إليها فجعلها منفعلة متوترة الأعصاب.

شعرت بضعف مخيف لأنها كشفت عن ماضيها، ولأنها استمتعت بوجودها معه. والأهم لأنها عرفت بأن قريبا، وقريبا جدا سيعانقها مرة أخرى. لكنها ستتمكن من التحكم بهذا العناق هذه المرة... نعم ستتمكن من ذلك. مهما كانت توقعات لوكاس، ستحرص على أن يكون عناقهما مجرد شكر مهذب، ثم تخرج من السيارة...وهي لن... تدعوه إلى الدخول لشرب فنجان قهوة.

كانت كيم تشعر بتوترها يزداد، ثم وصلت السيارة إلى الطريق المؤدي إلى الكوخ.

لقد وصلت إلى بيتها. سحبت نفسا عميقا، فالحديث القصير المهذب الذي تمرنت عليه طوال الدقائق الماضية، يحوم فوق لسانها. وفجأة ذهب جهدها هباء عندما قال لوكاس بلهجة هادئة سارة:" كانت سهرة رائعة، يا كيم. أشكري ماغي عني مرة أخرى لأنها ساعدتنا بالبقاء مع ميلودي"

هل انتهى الأمر؟ هذا غير ممكن أبدا وأخذت تنظر إليه بعدم تصديق وهو ينزل من السيارة ليفتح لها الباب ويساعدها على النزول.

ـ تصبحين على خير، يا كيم.

وكان وداعهما أكثر اختصارا مما صممت عليه من قبل، لكن من تحكم في ذلك هو لوكاس.

ـ تصبح على خير.

علقت هذه الكلمة على شفتيها عندما عاد إلى سيارته، ودخل إليها بابتسامة هادئة.

تملكها غضب صامت، كيف يجرؤ؟ بعد كل ما قاله، كيف جرؤ على ألا يعانقها؟

لم يكن هذا يعني أنها ستسمح له بعناق كذاك السابق. ولكن كيف جرؤ على ألا يحاول ذلك؟

كانت واقفة هناك، تغلي من الذهول عندما خرجت السيارة إلى الطريق العام، وقد اكتنفها الليل الرطب القارس بظلمته.

لماذا لم يعانقها؟ يعانقها عناقا حقيقيا؟ أتراه لم يعد يريدها؟ ربما تملكه السأم الليلة، ولكن أليس هذا ما تمنته؟ يقولون إن على الإنسان أن يكون على حذر مم يتمنى. تنفست تعبّ في رئتيها الهواء البارد المفعم برائحة التراب. وعضت شفتها كيلا تصرخ. هذه الطريقة تعفيها مما ستشعر به من حرج لاضطرارها إلى صده، ولإبعاده عنها قسرا.

إبعاده عنها قسرا؟ وابتسمت بمرارة. حسنا، لقد انتهى الأمر بينهما.

تابعت الوقوف عدة دقائق إلى أن انتبهت إلى أن معطفها أصبح مبتلا من رذاذ المطر الخفيف، فاستدارت فجأة ونصبت قامتها وسارت إلى الباب ثم أخرجت المفتاح من حقيبتها.

غدا هو يوم عمل عادي.





***

 
 

 

عرض البوم صور safsaf313   رد مع اقتباس
قديم 21-08-09, 09:52 AM   المشاركة رقم: 8
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: Mar 2008
العضوية: 66854
المشاركات: 2,022
الجنس أنثى
معدل التقييم: safsaf313 عضو سيصبح مشهورا قريبا جداsafsaf313 عضو سيصبح مشهورا قريبا جداsafsaf313 عضو سيصبح مشهورا قريبا جداsafsaf313 عضو سيصبح مشهورا قريبا جداsafsaf313 عضو سيصبح مشهورا قريبا جداsafsaf313 عضو سيصبح مشهورا قريبا جدا
نقاط التقييم: 585

االدولة
البلدEgypt
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
safsaf313 غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : safsaf313 المنتدى : روايات احلام المكتوبة
افتراضي

 

7 ـ نعمة النسيان




أمضت كيم ليلة تعيسة، تقلبت فيها في فراشها حتى تخلت أخيرا عن كل محاولة للنوم ونزلت إلى المطبخ لتحضر لنفسها كوبا من الشوكولا الساخن.

لم تشأ أن يخالجها هذا الشعور. لم ترد أن تتأثر بأي رجل مرة أخرى. ولكن، بشكل ما، استطاع لوكاس أن يقلب دنياها رأسا على عقب في الأشهر الخمسة التي عملت فيها عنده. وكانت هت تحارب هذا الانجذاب الغريب، هذا الافتتان المهلك الذي اكتسحها منذ اليوم الأول.
منتديات ليلاس
ما كان لها قط أن تقبل وظيفة سكرتيرة لوكاس هذه. كان ذلك جنونا، تهورا. ولكن، من ناحية أخرى، ما كانت لتتمكن من الحصول على هذا البيت الجميل، ومن وفاء ديونها نهائيا لتصبح مسئولة عن حياتها مرة أخرى.

يمكنها أن تسيطر على هذا الأمر، فهي بحاجة فقط إلى تدريب وطبعا سيكون الأمر أسهل إذا قرر أنها لا تستحق هذا الجهد.

طعنتها هذه الفكرة في قلبها، وأحنت رأسها وقد بدت الوحشة في عينيها. حدثت نفسها بتعاسة بأنها ستجن، وأن عليها أن تتمالك نفسها، فهي لن تفكر في تعريض نفسها وابنتها للخطر بإقامة علاقة مشئومة أخرى، وهذا سواء أكان لوكاس يريدها أم لا، فهذا عير هام.

بعد فنجان آخر من الشوكولا، قررت كيم بأنها اكتأبت بما فيه الكفاية. رسمت الحزم على وجهها، وقررت القيام ببعض الأعمال المنزلية لتلهي نفسها.

عندما انتهت كان ضوء النهار قد انتشر، فأعدت الحمام واستمتعت بالماء الدافئ والصابون المعطر.

أرادت أن تبدو اليوم في أفضل حالاتها. ولم تسأل نفسها لماذا، فهذا ما كانت تريده وحسب.

عندما أصبحت في غرفتها، أخذت تتأمل ملابسها مفكرة. إنها بحاجة إلى أن تبدو هادئة كفؤة ومسيطرة على نفسها. لا يهم إذا لم تكن تشعر بذلك. فمعظم الناس يجتازون الأزمات في حياتهم بالدعاء، وهذه هي أزمتها. لن تدخل المكتب هذا الصباح زاحفة كجرو جلد السوط. بل ستبدو امرأة ناضجة قادرة معتزة بنفسها.

بعد أن بعثرت ملابسها على السرير، شعرت بالذعر. فقد حان الوقت لكي تعد ميلودي للمدرسة.

وقد تأخرت. أغمضت عينيها ثم أخذت تتنفس وتزفر عدة مرات، علها تهدأ. إنه مجرد يوم عمل عادي لا أكثر.

ـ إلى من تتحدثين يا ماما؟ ولماذا هذه الكومة الكبيرة من الثياب على سريرك؟

قالت ميلودي هذا وهي تطل برأسها من الباب وتنظر إلى أمها بعينين متسعتين.

ـ ماما تفرز ملابسها.

ـ هل يمكنني أن آخذ إدوارد إلى المدرسة لأريه لسوزان وكيري؟

رأتها كيم تحمل تحت إبطها الدب الصغير، ولم يكن لهذا تأثير حسن على كيم، فقالت بما تستطيعه من الهدوء:" لا أظن ذلك يا حبيبتي. ماذا لو ضاع أو اتسخ؟ لماذا لا تضعينه مع بقية ألعابك؟، وعندما تعودين الليلة يكون هنا؟"

لوت ميلودي رأسها جانبا تفكر في الأمر، ثم قالت بحزم:" سأضعه على وسادتي، وهكذا ستعرف ألعابي أنه الرئيس"

ابتسمت كيم بضعف. بدا وكأن هذا يلخص كل شيء بشكل ما.

حملقت في صورتها في المرآة، ثم جمعت شعرها وضمته إلى الخلف بعنف، ثم وضعت على وجهها زينتها الخفيفة المعتادة، وعادت تتفحص نفسها في المرآة لترى النتيجة.

طقمها الكحلي الحسن التفصيل الرزين كان أنيقا وعمليا معا، وكل إنش فيها يشير إلى أنها سكرتيرة خاصة، وهذا ما كانت تريده.

ستذهب إلى العمل هذا الصباح كالعادة، وتؤدي عملها على أحسن وجه، ثم تعود إلى بيتها ****ة عن نفسها لأنها اكتسبت كل قرش من راتبها الممتاز بعرق جبينها. وإذا طلب لوكاس منها موعدا آخر، فسترفض بحزم وأدب. وهذه المرة لن تتزحزح عن موقفها.

دخلت كيم موقف سيارات شركة " كين الكتريكال" الفسيح في وقتها المعتاد، ثم حدقت بدهشة إلى مكان سيارة لوكاس الخلي. هذا يعني أن لوكاس غير موجود!

وعندما وصلت إلى مكتبها اتضح لها السبب. وجدت على مكتبها مغلفا كتب عليه اسمها بخط لوكس... وكانت الملحوظة الموجودة في المغلف مختصرة تتطرق إلى صلب الموضوع.

( كيم، اتصل بي أبي قبل منتصف الليل من المستشفى حيث أخذوه مع أمي بعد أن انفجر إطار عجلة سيارة كان يقودها بسرعة عالية. وقد أصيب الاثنان ببعض الكسور. لكنني فهمت أن الشجرة التي كانت من الحماقة بحيث وقفت في طريقهما، حالتها أسوأ. سأستقل لطائرة إلى هناك لأطمئن عليهما، راجيا أن أتمكن من العودة غدا. رقم هاتفهما في دفتر العناوين في درج مكتبي فيما لو احتجت إليّ)

وتحت المغلف وجدت قائمة بإرشادات للعمل. وهذا كان كل شيء.

أخذت تحدق في الكتابة بعض الوقت وضميرها يؤنبها لأنها بغيضة فظيعة إذ تفكر في لهجة الرسالة الرسمية في ظرف كهذا.

والداه في المستشفى، والواضح أنه قلق عليهما كثيرا ولعله لم يذق نوما وطعاما أو أي شيء آخر، بينما هي هنا منزعجة لأن الرسالة تبدو... باردة، جافة... ولكن لماذا لا تكون كذلك على كل حال؟ فهي سكرتيرته وهذا كل شيء. مجرد سكرتيرته، كما أخذت تعنف نفسها.

مر النهار طويلا مملا. ولم تعرف كي ما إذا كان ذلك لأنها لم تنم الليل، أم لكثرة المراسلات التي كان عليها أن تنهيها. لكن عندما غادرت مبنى الشركة كان رأسها ينبض، وكانت من الإرهاق بحيث ذهبت مباشرة إلى السرير حالما نامت ميلودي.

في الصباح التالي حاولت جاهدة أن تتجاهل التوقع الذي كان يرسل أحاسيس في جسدها وهي في طريقها إلى الشركة، ولكن مع مرور النهار من دون كلمة من لوكاس، وجدت نفسها تقفز كلما رن جرس الهاتف، وتحبس أنفاسها في كل مرة تسمع فيها أصواتا في الخارج.

حلت لساعة الخمسة أخيرا، وغطت كيم الآلة الكاتبة رافضة أن تسمح للسحب التي كونتها خيبة الأمل وجرح الكرامة ومئات الأحاسيس المشوشة بأن تظلم نفسها.

حدثت نفسها بحزم بأنها مسرورة لأن كل هذا حدث الآن. ربما... ربما حماقتها جعلتها تتأثر ببعض الأشياء التي قالها لوكاس أو فعلها.. رغبته فيها، رقته وعطفه عندما كشفت له قليلا مما عانته مع غراهام.و كيف أمضى الوقت أثناء العشاء وهو يحاول إضحاكها وبعث السرور إلى نفسها...آه، ومليون شيء آخر.

وتنهدت بضيق. ما زال أمامها كثير من الأشباح التي عليها أن تتخلص منها قبل أن تنسى الماضي. ومواجهة بعض تلك الأشباح ستكون صعبة للغاية.

نعم، كل هذا يصب حتما في مصلحتها، لأن لوكاس عندما يعود إلى المكتب، سيستأنف العلاقة التي بدأ ببنائها قبل ذلك العناق المشئوم، وكل شيء سيعود إلى حالته الطبيعية، وهذا ما لا تريده هي.

عندما نزلت مع ميلودي من السيارة بعد ذلك بقليل، وقفت كيم لحظة أو اثنتين على طريق المنزل تنظر حولها.

كان اليوم هو أول نيسان، والمساء كان رطبا منعش البرودة والنسيم يحرك أغصن شجرة البتولا الفضية القائمة في الحديقة الأمامية.

كان المنظر جميلا سارا. وهذا ملك لها، كما أخذت كيم تفكر باتزان. ولديها وظيفة، وهي وميلودي في صحة جيدة ومكتفيتان ماديا لأول مرة منذ سنوات.

لماذا إذن تشعر بهذا الثقل في قلبها وهذا الشعور بعدم الراحة؟

وتعاظم هذا الشعور عندما رن جرس الهاتف، وكانت المتصلة ماغي. ومن لهجة صديقتها أدركت كيم على الفور أن شيئا ما قد حدث:" سآخذ تلك الوظيفة في أمريكا مدة ستة أشهر يا كيم"

وكانت ماغي قد حدثتها منذ أسابيع عن ذلك العرض الرائع، لكنها كانت مترددة في مغادرة انكلترا.

فكررت كيم ما قالته لصديقتها منذ البداية:" إنها فرصة رائعة يا ماغي. ما الذي جعلك تقبلين بذلك؟"

قالت ماغي بفتور:" (بيت) لقد تحملت ما فيه الكفاية منه يا كيم. أخبرته بأنه حر في غيابي، ولكن إذ أرادني بعد عودتي فهذا يعني الزواج ولا شيء سواه. أريد أولادا يا كيم، وفي أقرب وقت"

فسألتها كيم قلقة:" هل أنت واثقة؟"

ـ لا. أنا خائفة حتى الموت من أن ينهي العلاقة. لكنني لا أستطيع الاستمرار بهذا الشكل.

تابعتا الحديث فترة قصيرة، وعندما وضعت كيم السماعة من يدها بقيت جالسة مكانها على أسفل السلم وهي تحدق في الفراغ.

ستفتقد ماغي، لكنها شعرت في أعماقها بأن صديقتها تقوم بالعمل الصواب. ستكون هذه مجازفة، ولكن في كل شيء هناك مجازفة.

قطبت جبينها فجأة، واعية إلى أن عقلها يحاول أن يخبرها بشيء لم تستطع أن تحدده. ثم قرع جرس الباب، فنظرت كيم إلى ساعتها. إنها السابعة. من الذي سيزورها في السابعة؟ تساءلت بضجر.الشخص الوحيد الذي يزورها هو ماغي، وماغي كلمتها منذ قليل.

جرّ ننفسها، وسارت نحو الباب تفتحه ورفض مؤدب يحوم حول شفتيها:" لوكاس"

وشعرت بوجهها يتوهج لكنها لم تستطع منع ذلك.

ـ مرحبا يا كيم

ـ لكنك في أمريكا.

ابتسم متعبا:" أحقا؟ يا لي من ساحر!"

ـ أعني ظننتك في أمريكا.

قالت هذا بسرعة وقد انتبهت فجأة إلى بنطلون الجينز القديم وقميص القطن الرقيق الضيق اللذين ارتدتهما قبل أن تحضّر الشاي.

ـ هل يمكنني الدخول؟

شعرت بحدة نظراته على شعرها الذي جعلته مسترسلا على كتفيها فازداد احمرار وجهها:" نعم، طبعا، تفضل بالدخول"

كانت من الاضطراب بحيث كادت تقع أرضا، وإذا بميلودي تنطلق من غرفة الجلوس كرصاصة صغيرة وقد أشرق وجهها:" لوكاس"

ودون أي كبت، هرعت إليه ورفعت وجهها إليه باسمة تسأله بكل ثقة:" هل جئت لتراني؟"

ـ بكل تأكيد.

وإذ تسمرت نظراته على ابنتها، استطاعت كيم أن تتأمله فرأت علامات الإرهاق على وجهه. بدا منهكا كل الإنهاك.

قالت ميلودي بسعادة:" هذا حسن. كنا أنا وأمي نحل لغزا يتعلق بهدية العيد. يمكنك أن تساعدنا إذا شئت. إنه صعب جدا"

قالت هذا مقطبة، فقالت أمها بسرعة:" يا عزيزتي، السد كين ـ لوكاس ـ متعب"

ـ ولكن ليس إلى الحد الذي يمنعني من تجربة حظي بحل اللغز.

قال لوكاس هذا بسرعة، مادا ذراعه إلى ميلودي التي أمسكت بيده على الفور وجرته إلى غرفة الجلوس.

كان اللغز ملقى على صينية كبيرة على البساط أمام النار، فأخذت كيم تنظر بما يشبه عدم التصديق إلى رئيسها اللامع الوقور وهو يخلع سترته ويفك ربطة عنقه قبل أن يجلس على الأرض بجانب ميلودي.

كان الضوء يتألق على شعره الفاحم وشعر ميلودي الأشقر فشعرت كيم لحظة بحافز مذعور يحثها على أن تركض إلى ابنتها ثم تختطفها وتأخذها بين ذراعيها.

سألته بضعف من عند العتبة:" هل تريد... هل تريد شرابا؟"

ـ يسرني هذا. قهوة سوداء من فضلك.

التفت ينظر إليها، فأظهر وهج المدفأة خطوط الإنهاك التي تحيط بفمه وعينيه.

كان مرهقا للغاية. فاستمرت كيم تنظر إليه:" هل أكلت؟ يمكنني أن أعد لك شيئا إذا شئت"

نظر إليها لحظة بهدوء ثم قال:" سيكون هذا رائعا يا كيم. شكرا"

ـ هل والداك على ما يرام؟

تذكرت، متأخرة، أنها لم تسأله عنهما. ولكن هذه كانت المشكلة مع لوكاس، كما حدثت نفسها بامتعاض فهي، في وجوده، لا تستطيع التفكير أو تذكر شيء.

قال بجفاء:" سيعيشان. أبي يعاني من لسان أمي اللاذع أكثر مما يعاني من ساقه المكسورة وعضلاته الممزقة. إنه دوما يسرع في قيادة السيارة وهي واثقة من أن هذا سبب الحادث"

لم يعجبها الشعور الذي أحدثه في نفسها الدفء البادي في صوته، ولم تشأ أن تفكر فيه كابن محب لوالديه، فهذا يجعله يبدو أكثر إنسانية، وهذا شيء خطر.

عندما طالبت ميلودي، وهي تشد لوكاس من كمه، بالانتباه إليها، أمها قالت بسرعة:" سأحضر القهوة".

وقفت في المطبخ جامدة وقلبها يخفق. إنه هنا. لقد جاء. ماذا يعني هذا؟ وخفق قلبها بقوة دفء فأغمضت عينيها. لكن ذلك لم يفعل سوى توضيح صورة لوكاس وهو متربع بجانب ميلودي.

الطعام! رفعت كفيها تصرف هذه الصورة، مخاطبة نفسها بأن تركز على إعداد الطعام.

في السابعة والنصف أحضرت شرائح لحم مشوية مع الليمون والخضار، وأخرجت ميلودي من الغرفة لكي يتمكن من تناول طعامه بسلام.

ـ هذا يبدو لذيذا. شكرا.

الصوت الرقيق العميق استوقف كيم فالتفتت تشير إلى ميلودي لتتابع صعودها إلى أعلى، قبل أن تعود وتنظر إلى لوكاس قائلة بابتسامة خفيفة:" هناك حلوى التفاح والتمر بعده، أو إذا شئت، كعك بالشوكولا الذي تحبه ميلودي"

ء بل كعك بالشوكولا محضر في البيت.

أومأت بينما تمتم هو مسرورا:" منذ سنوات لم أذق كعكا بالشوكولا شغل البيت"

ـ فليكن كعكا بالشوكولا إذن.

بعد أن أغلقت كيم الباب خلفها، اضطرت إلى الاستناد إليه لحظات، كان جذابا للغاية، كما حدثت نفسها بقنوط، كيف يستطيع أن يبدو مزيجا من رجل جلف شارد الذهن وطفل صغير ضائع، في نفس الوقت؟

كما أنها لم تسأله لماذا جاء إليها، حتى أنها لم تتصرف وكأن ظهور رئيس العمل على عتبة سكرتيرته الساعة السابعة مساء هو أمر غير عادي. فقد قدمت له القهوة ثم طهت له عشاء بكل بساطة! بعد أن استحمت ميلودي ورقدت في فراشها، تركتها كيم ووعدتها بأن تعود إليها لتقرأ لها حكاية قبل النوم بعد أن تنتهي من إعداد الحلوى للوكاس.

سخنت الكعك كما تفعل لميلودي، ثم أخذته له بعد أن وضعت فوقه القشدة.

كان لوكاس جالسا يحدق في النار عندما دخلت ومرفقاه على ركبتيه والطبق الفارغ بجانبه، فلاحظت على الفور بأنه خلع ربطة عنقه وثنى كمي قميصه. كانت الرجولة الساحقة تفيض منه، وشعرت كيم بمعدتها تتقلص.

ـ كان يجب أن أتصل قبل أن آتي.

قال هذا فجأة وهو يقف حين دخولها.

ماذا يتوقع منها أن تجيبه؟ تبادلا النظرات لحظة، ثم قالت كيم بهدوء:" ولماذا لم تفعل؟"

ـ لأنك كنت ستمنعينني من القدوم، قائلة بأنك سترينني غدا في المكتب. وأنا لا أستطيع الانتظار ذلك الوقت الطويل.

كان يتكلم وهو يقترب منها، آخذا الصحن من بين أصابعها التي راحت ترتجف فجأة، واضعا إياه على كرسي قبل أن يقف مشرفا عليها بقامته الفارعة الصلبة وعيناه تتفحصان الذهول الذي بدا في وجهها:" لوكاس"

ـ كل ما فعلته منذ ثماني وأربعين ساعة حتى الآن هو توبيخ نفسي على حماقتي لأنني لم أعانقك عندما سنحت الفرصة لذلك. فلتذهب الشهامة ومنحك فرصة للتفكير، إلى جهنم. أنا أريدك يا كيم.

ـ لوكاس، أرجوك...

أسكتها بعناقه، بعناق من نار. ولكن سرعان ما تدخل التحكم القاسي بنفسه، الذي لازمه في حياته، فخفف من وطأة عناقه ولكنه لم يتركها. احتضنها معانقا إياها برقة وكانت هي تتجاوب معه والحقيقة أنها لم تنتبه أن يديها ارتفعتا إلى كتفيه العريضتين، وأن أصابعها اشتبكت بشعره الأسود.

كان قلبها وروحها وكيانها كله يتجاوب معه.

لم تكن تتصور أن بإمكان الإنسان أن يشعر بمثل هذه السعادة.

تمتم في أذنها برقة:"أنت جميلة بشكل لا يُصدّق، ويخلب اللب".

وانتقلت أنامله برقة إلى عنقها الحريري، فدفعت برأسها إلى الخلف واندفع شعرها الكث كستارة لامعة. أحست بأن ما يشعر به يماثل ما تشعر به.

وفجأة، سمع الاثنان من غرفة صوتا صغيرا لكنه حازما:" أمي، أمي، أريد منك أن تقرئي لي الحكاية الآن"

رفع رأسه ببطء بالغ وتمتم ساخرا إزاء خدها المتوهج:" أنقذك الصوت"

حدقت إليه، غير قادرة على سلخ نظراتها عن وجهه وعن الشعر الأسود الذي ينمو على ذقنه.

ثم قالت بصوت فاتر:" الحلوى... جئت لك بالحلوى"

ـ كم يبدو هذا لذيذا.

قال هذا برقة زائدة، وكانا، هما الاثنين، يعلمان أنه لم يكن يتحدث عن الشوكولا.

فقالت وعيناها متعلقتان بوجهه الصلب:" علي أن أذهب. ميلودي تنتظرني"

ابتسم من دون أن يخفف من احتضانها مثقال ذرة:" أنا أعرف شعورها. فأنا أشعر وكأنني كنت أنتظرك طوال حياتي. جئت مباشرة الليلة من المطار. ولو لم أجدك هنا لجلست أمام الباب إلى حين عودتك. ما الذي جعلك تفعلين هذا بي يا امرأة؟"

كان في صوته حيرة حقيقية جعلتها تبتسم، تقريبا. إنما الآن بعد أن تركها اندفعت الحقيقة إلى ذهنها ما جعلها تنتبه إلى أنها كادت تفقد السيطرة على نفسها. وأخذت توبخ نفسها بعنف. كانت حتما ستفقد سيطرتها على نفسها لولا نداء ميلودي.

قالت وهي تحاول تخليص نفسها من بين ذراعيه:" لوكاس، أنت لا تعرفني"

فقال برقة وحزم:" إلى جهنم بفكرة أنني لا أعرفك. ماذا تظنين أن الأشهر الخمسة الماضية فعلت إذن؟ أنا أعرفك وأنت تعرفينني يا كيم، فلا تحاولي أن تخدعي نفسك. لقد أمضينا معظم الأيام الماضية معا، وتبا لذلك"

قالت دون تفكير:" ولكن ليس بشكل ودي حميم"

ـ أنا أكثر من مستعد لتصحيح هذا النقص في أول فرصة.

فقالت بضعف وقد استطاعت الابتعاد عنه امتثالا لنداء ثان من ميلودي:" أنت لا تعرف شعوري"

قال بثقة تامة:" بل أعلم، وهو مختلف تماما عما تخبرينني به، أليس كذلك يا كيم؟"

ـ لا.

كان صوتها ضعيفا وأبدت العينان الفضيتان معرفتهما بذلك.

ـ أنت تريدينني يا كيم وأنا أريدك. الأمر بهذه البساطة.

بادلته النظر وهي ترتعش:" لا شيء بهذه البساطة. ليس لديك فكرة. أن تظن أن إقامة علاقة ثم قطعها مجرد لعبة شخصين ناضجين لكن الأمر ليس كذلك. لا. أنا لست من هذا النوع"

قال بغضب وحدة:" أي نوع تعنين؟ أنا لا أقترح علاقة لليلة واحدة، وبمناسبة خوضنا هذا النقاش، أنا لم أتعود قط المزج بين العلاقات، كما لم أقف قط في الصف، أو أتشاجر مع أحد في سبيل امرأة"

ـ لم أكن أعني...

تلاشى صوتها عندما أخذ يتفحصها بعينين ضيقتين لا تطرفان، فقالت وهي تشير إلى الكعك بأصابع ترتجف:" كل هذه، فأنا علي أن أصعد إلى ميلودي"

وعدما استدارت هاربة من الغرفة سمعته يتمتم بكلمات غير مهذبة، لكنها لم تتوقف.

كانت ميلودي غاضبة مستاءة تماما عندما دخلت كيم غرفتها. ولكن بعد أن قالت لها أمها أنها ستحكي لها الحكاية وتبقى معها حتى تنام اندست الطفلة في فراشها ونامت.

ما الذي فعلته؟ جلست كيم في الغرفة تتأمل ميلودي النائمة.

عليها أن تخبره، حلما تنزل إلى أسفل، أنها تريد أن تترك العمل في الشركة.

أخذ قلبها يخفق بعنف عدة ثوان، مذكرا إياها بأنها بحاجة إلى ذلك، والحقيقة أن هذه الفكرة جعلتها تشعر بالغثيان. لكنها ستفعل ذلك لأن في هذا النجاة لها، فقد أصبحت علاقتهما أكثر حميمية.

لم تعرف تماما كيف ومتى حدث ذلك، لكن هذا لم يعد مهما الآن، فالنهاية هي نفسها. لقد تركته يتسلل إلى حياتها، وهذا يعني الألم والتعاسة. وهذه طريق لا تريد أن تسلكها.

جلست في الغرفة الهادئة خمس دقائق أخرى، تستمع إلى أنفاس ميلودي المنتظمة، متأملة وجهها المطمئن. كان دب لوكاس الصغير تحت ذراع ابنتها، فأثبتت اللعبة هذه كل مخاوفها. على هذا أن ينتهي الآن هذه الليلة.

هبطت السلم بخطوات هادئة، وعندما فتحت باب غرفة الجلوس كانت الكلمات ترتجف على شفتيها.

كان لوكاس مستلقيا على الأريكة التي تتسع لشخصين، إحدى ذراعيه مدلاة إلى الأرض قرب صحنه الفارغ، والثانية ملقاة على الوسائد. وكان مستغرقا في نوم عميق.

وقفت فجأة داخل الغرفة، كما تقف الطريدة أمام الصياد، ثم سارت بحذر إلى جانبه.

كانت عيناه، غير العاديتين الآن، مغمضتين ووجهه ساكنا ما أمكنها أن ترى مبلغ إرهاقه. أخذت تحدق إليه مستوعبة بظمأ كل ملامح وجهه الصلب الفياض بالرجولة. حاجباه الأسودان الممتدان بشكل مسيطر، وجنتاه العنيدتين وفمه الحازم، كلها تنطق بالسلطة والقوة والرجولة المكتملة.

كان وجها يخبر من يراه أنه شخص ل يقهر وأن الهزيمة غير مقبولة لديه ولا يعرفها، وأن الجسم الكبير هذا وعضلاته الواضحة القوية جذابة إلى حد لا يوصف.

كان غائبا عن الدنيا، فتشوقت إلى ضمه بين ذراعيها. يجب أن توقظه وتخبره بأن يذهب.

وانحبست أنفاسها وشعرت فجأة بالذنب، لكنها ما زالت غير قادرة على سلخ نظراتها عن هذا العملاق النائم أمامها.

ماذا سيكون شعورها لو استيقظت في الصباح وهو بجانبها؟... وفجأة، فاض كل الرعب الذي رافق أيام زواجها وغمرتها الذكريات. تنفست بعمق عدة مرات، ولكن الشعور بأنها وقفت في الفخ بقي ساحقا وتملكتها المخاوف.

لا يمكنها أن تتحدث إلى لوكاس الآن. ليس الآن. إنها بحاجة إلى وقت تقتنع فيه بما يحدثها به عقلها. وقفت لحظة أخرى ثم تسللت خارجة من الغرفة لكي تحضر لحافها الاحتياطي لتغطي به لوكاس ثم أطفأت نور غرفة الجلوس قبل أن تعود فتغلق الباب عليه.

عندما أصبحت في غرفتها، جلست على حافة السرير وأخذت تحدق في الفضاء.

لوكاس كين ممدد على أريكتها ويبدو أنه سيبقى هناك حتى الصباح. وهزت رأسها بحيرة. لقد حدث المستحيل الذي لا يمكن تصوره. وماغي لن تصدق ذلك!

استعدت للنوم وأذناها مرهفتان لأقل حركة من غرفة الجلوس. ولكنها لم تسمع شيئا.

حاولت أن تقرأ، لكنها لم تستطع أن تتذكر كلمة مما قرأت.

مرت الساعة الحادية عشرة، ثم جاء منتصف الليل. لوكاس سيمضي الليلة هنا. وضعت كيم الكتاب من يدها، وشربت كوب ماء ثم اندست تحت الأغطية وشعور مفاجئ بأن ما سيكون سيكون.

لم يكن بإمكانها شيئا، لذا الأفضل لها أن تحاول النقم قليلا. فقد كان يوما شاقا، ومساء أشق. وتملكها شعور بأن اليوم التالي لن يكون أفضل.

 
 

 

عرض البوم صور safsaf313   رد مع اقتباس
قديم 21-08-09, 10:02 AM   المشاركة رقم: 9
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: Mar 2008
العضوية: 66854
المشاركات: 2,022
الجنس أنثى
معدل التقييم: safsaf313 عضو سيصبح مشهورا قريبا جداsafsaf313 عضو سيصبح مشهورا قريبا جداsafsaf313 عضو سيصبح مشهورا قريبا جداsafsaf313 عضو سيصبح مشهورا قريبا جداsafsaf313 عضو سيصبح مشهورا قريبا جداsafsaf313 عضو سيصبح مشهورا قريبا جدا
نقاط التقييم: 585

االدولة
البلدEgypt
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
safsaf313 غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : safsaf313 المنتدى : روايات احلام المكتوبة
افتراضي

 

8 ـ منجم الحنان




عندما استيقظت كيم على رائحة اللحم المقلي، ظنت أنها تحلم.

كان الفجر قد بدأ يلوح حين استغرقت في نوم متقطع، ولاحظت وهي تنظر إلى المنبه بجانبها، أنها تأخرت في النوم ساعة على الأقل.

وبسبب الارتباك الذي تملكها الليلة الماضية، نسيت أن تربط المنبه. أخذت تفكر في ذلك بشكل سريع وهي تنزل قدميها إلى الأرض.

من سوء حظها أن لوكاس اختار تلك اللحظة لكي يحمل إليها كوب شاي. أما بالنسبة إلى لوكاس فكان منظر كيم بقميص نومها، وشعرها المنثور حول وجهها، وعينيها المتسعتين ذهولا، أحسن بداية ليومه، بداية لم يعرفها منذ زمن طويل.

ـ لوكاس!

نظرت إليه وهي تندفع عائدة إلى السرير رافعة الأغطية إلى ذقنها، ولكن ليس قبل أن ترى شررا حارا في العينين الفضيتين.

فقال بهدوء:" هذا ما أرجوه. هل كنت تتوقعين غيري؟"

فقالت بحدة وقد احمر وجهها:" لم أكن أتوقعك. وأنا تأخرت فقد نسيت ربط المنبه"

ـ استريحي، لديك وقت كاف لإعداد ميلودي للمدرسة. وإذا تأخرت عن عملك، فرئيسك سيسامحك.

وسار نحو السرير فتصاعدت خفقات قلبها... ومدت ذراعها من تحت الأغطية تتناول منه كوب الشاي بإيماءة شكت، بينما شدت بيدها الأخرى الملاءة حول عنقها.

وقال بكسل:" ملعقة سكر واحدة. ميلودي تساعدني على تحضير الفطور وهي منجم معلومات لما تحبين أو لا تحبين. لديك طفلة غية في الذكاء"

ـ أعلم هذا، لكن اذهب، اذهب فقط.

ـ تبدين رائعة لمن يستيقظ على رؤيتك.

لم يكن لوكاس مستعجلا للذهاب. وتركزت نظراته على وجهها المتوهج، وفمه الحازم يبدو رقيقا.

فقالت تحتج بسرعة:" أنت لم تستيقظ على رؤيتي"

ـ لكنني استيقظت وأنت هنا...

وتلاشت كلماته لأنه مال إليها يعانقها. فاهتز فنجان الشاي في يدها. كان عناقا مختصرا وحلوا بشكل لا يصدق. وعندما انتصب واقفا تأمل وجهها لحظة ثم قال بنعومة:" رائعة"

ـ لوكاس... ما كان لك أن تكون هنا. ميلودي ستظن..

أكمل جملتها:" لا شيء أبدا، فأنا أعلم كيف يفكر الأولاد الذين في سن ميلودي"

ذلك هو السبب إذن في ألفته للأولاد. وحملقت كيم فيه وقد أدركت، بشيء من السخط، أنها كلما عرفته أكثر، كلما تبدد جزء من صورة الرجل القاسي الآلي... أرادت أن تكتشف أنه دنيء مع السيدات المسنات، وأنه لا يحب الأولاد، وأنه يرفس القطة ويضرب الكلب.. أي شيء!

وسألته دون تفكير:" أتحب الأطفال؟"

لم يبد عليه أن وجد السؤال غريبا:" عندما يكونون فقط مثل الأولاد في أسرتنا أو مثل ميلودي. أما العفاريت، فلا"

ثم ابتسم ساخرا:" ليس هذا ما "أردت سماعه أليس كذلك؟"

ـ لا أدري ماذا تعني؟

وعاد وجهها يتوهج. يا له من رجل صعب!

فقال ساخرا بلطف:" طبعا لا تدرين"

إنها لن تنتصر عليه الآن، فحاولت أن تبدو جادة متصلبة، فسألته:" أين ميلودي؟"

ـ تتناول المثلجات قبل اللحم والبيض.

ولمس أنفها بإصبعه ثم خرج من الغرفة وهو يقول من فوق كتفه:" يمكنك أن تدخلي الحمام أولا ولكن أسرعي. الفطور سيكون جاهزا في غضون خمس دقائق"

تدخل الحمام أولا؟ رباه، من يسمعه يظن أنه يسكن هنا.

وقبل أن تجد وقتا تعدل فيه ملامح وجهها الساخطة، انفتح الباب مرة أخرى وأطل منه رأس لوكاس:" نسيت أن أشكرك على استضافتك لي. وأنا لا أستطيع التعبير عن مقدار شكري يا كيم"

كان رقيقا وهو يقول هذا، وبدا الهزل في عينيه وهو يرى التعبير البادي على وجهها.

استطاعت أن ترسم على وجهها ابتسامة مهذبة جديرة بالفخر:" لا بأس. كان واضحا أنك كنت بغير وعيك. وكنت سأفعل الشيء نفسه لأي شخص آخر"

ـ والآن، لا تفسدي ما فعلته. وبالمناسبة بقي أمامك أربع دقائق وثلاثون ثنية لكي تنزلي.

أخذت دوش سريعا ولفت شعرها قبل أن تهرع، إلى المطبخ.

كان لوكاس وميلودي جالسين يتناولان الفطور وقد بدا عليهما الانسجام إلى أقصى حد. كانت ميلودي تتحدث عن المدرسة. ولوكاس يصغي إليها بانتباه فتملكها الذعر.

ـ أمي، قال لوكاس إن بإمكاني أن أتناول فطوري مع كعكة. هل يمكنني هذا يا ماما؟

ـ نعم، بشرط أن تأكليه كله.

قالت كيم هذا وهي تسير إلى ميلودي تقبل رأسها بشكل آلي، بينما جذب لوكاس لها كرسيا وأشار إليها بالجلوس. أكلوا بينما كانت ميلودي تنظر إليه بإعجاب سافر.

حدثت كيم نفسها باستياء أن ابنتها تعتبره أحسن من يعد شرائح الخبز، وأن لوكاس يمثل دور رجل الساعة باستمتاع بالغ. لكنها ما لبثت على الفور، أن اعترفت بأنها لم تكن عادلة في ظنها هذا، لأن لوكاس هو لوكاس نفسه.

ـ هل يمكنني طلب خدمة؟

عندما صعدت ميلودي راقصة إلى الطابق الأعلى لكي تغير ملابسها، جلس لوكاس مكانها فأصبح أقرب إلى كيم من قبل.. بكثير. فأجابته كيم بشيء من الحدة:" نعم؟"

ـ هل لديك موسى للحلاقة؟

لم يكن هذا ما توقعته، وهو بالتأكيد يعلم ذلك جيدا. كانت تعلم بأن وجهها توهج احمرارا ومع ذلك بقي صوتها هادئا وهي تقول:" ليس عندي سوى الشفرات الخفيفة التي أستعملها لساقيّ، وأخشى ألا تكون صالحة للحية رجل"

ـ سأتدبر الأمر.

وقبل أن تنتبه إلى ما يفعل، أدار كرسيه نحوها وقال:" ثمة فتات كعك على ذقنك"

قال هذا برقة فائقة وهو يمد يده يمسح ذقنها.

كانت تعرف ما يريده... كان هذا مكتوبا على وجهه... عانقها ببطء متمهلا، وعندما بدأ تشنجها يزول راح قلبه يتجاوب. شعرت بالفرح لأنها بين ذراعيه. وعندما جذبها عن مقعدها لتقف أمامه، لم يعد لديها قوة على المقاومة.

سمعت دقات قلبه عنيفة كمطرقة الحداد. ثم وببطء، شعرت بالعناق يتغير.

رفعت عينين ذابلتين، وكانت العينان الفضيتان في انتظارها، فقال بصوت خشن غير ثابت:" ميلودي في الطابق الأعلى"

وعندما رآها ذاهلة مشوشة الذهن تابع يقول:" دقيقة أخرى وسأعجز عن التوقف، لما تفعلينه بي، يا كيم. إنه يعصف بالعقل"

ـ أحقا أفعل هذا؟

سألته بفتور، شعرة بالمنشفة تنزلق عن رأسها فيسقط شعرها حرا.

همس بصوت أبح:" سننسجم تماما.. أنت تعلمين هذا، أليس كذلك؟ قولي هذا... قولي إنك تعلمين هذا أنت أيضا"

نعم، سينسجمان بشكل لا يصدق. ولكن ماذا بعد أن تنتهي علاقتهما؟ تساءلت بصمت. كيف يواجه الإنسان نتائج انفجار القنبلة الذرية الذي يحوّل كل ما كان آمنا ومألوف إلى حطام؟

لم تكن تريد هذا أبدا، لم تكن تريد أن تقع في الحب مرة أخرى. عند ذلك جمدت مكانها، وشحب وجهها لأنها وجدت الحقيقة التي بقيت أسابيع تحاربها، وهي أنها تحب لوكاس. تحبه.

ـ كيم؟ ماذا حدث؟

كان يراقبها عن قرب. فأجابت:" لا شيء"

كل المشاعر والرغبات التي كان يبعثها في كيانها تلاشت وتركتها باردة كالثلج.

قال وهو يحاول التمسك بالهدوء:" تبدين وكأن شخصا ما لكمك على أسنانك"

ـ قلت لا شيء، وهذا يعني لا شيء.

قالت هذا وهي تحاول التملص من بين ذراعيه بقوة أدهشته:" فقط دعني وشأني يا لوكاس"

فقال غير مصدق:" أدعك وشأنك؟"

فأجابت بهدوء رغم أنها كانت تصرخ وتصيح في داخلها:" نعم، وأريدك أن ترحل الآن"

ـ آه، لا... يا حلوتي. لا سبيل إلى ذلك. لقد سرنا طريقا طويلا منذ تشرين أول، وأنا واثق من أننا لن نتراجع. تكلمي.

كان التصميم البادي في صوته أقوى من الغضب.

ـ لا يمكنك أن ترغمني على فعل أي شيء.

كان رأسها مرفوعا، لكن الخوف والتمرد في وجهها يعارضان ما يطلب منها. حدق لوكاس إليها، مدركا أن لهذه المعارضة جذورا أعمق من حديثهما هذا الصباح. ورغم كل هدا التجهم، بدت له الآن بعمر ميلودي.

تلاشى غضبه وقال بهدوء:" لا. الحق معك. فأنا لا أريد ولن أتصرف بهذا الشكل. العنف أو أي نوع من الابتزاز ليس من عادتي يا كيم، ولكن، مع ذلك، سنتحدث. أتعرفين لماذا؟"

حدقت إليه بعينين واسعتين وسط وجهها الشاحب. فقال برقة فقال برقة:" لأنني أحبك"

ـ لا! هذا غير صحيح.

جاء هذا جوابا منها لكنه ليس الذي كان يرجوه. وشعر وكأن مياها مثلجة صُبت عليه، لكنه لم يظهر أي رد فعل. بل قال ببرودة:" بل هو كذلك. فقد بقيت معك مدة طويلة تكفي لأعرف الشيء الحقيقي عندما يحدث، يا كيم. ولمعلوماتك فقط، لم أقل هذه الكلمة قط لامرأة أخرى، حتى في أكثر الأوقات... حميمية"

انتفضت وبدا العنف في عينيها وانتفخت أوداجها تريده أن يرحل:" وكان هناك كثيرات منهن"

قال بنعومة بالغة:" لم أكن راهبا"

قالت ببطء:" لا أريد علاقة معك"

وكانت تسكت بين كل كلمة وأخرى. وشعر لوكاس بغضبه يتصاعد مرة أخرى وهو يرى العناد الخالص في وجهها. وقال بنفس بطئها وهو يصرف بأسنانه:" إذن عليك أن تقولي السبب. أنت مدينة لي بهذا على الأقل وأنا لن أتزحزح قبل أن نتحدث معا، يا كيم. خذي ميلودي إلى المدرسة ثم عودي إلى هنا. أنا أعني هذا"

لقد سمعت هذه اللهجة بالذات في صوته مرات كثيرة أثناء الأشهر الأخيرة، ما يجعلها لا تشك فيها. لكنه لن يستطيع تغييرها هي، لا الآن ولا لاحقا. لكنها ستتحدث إليه. ربما إذا سمع حديثها سيدرك أنها جادة في ما تريد. وهي جادة فعلا. آه، نعم... إنها جادة... كما أخذت تحدث نفسها بقنوط. كيف سيمكنها أن تخبره عن الإذلال والفظاعة اللذين عاشتهما؟ ولكنها ستكون مضطرة إلى ذلك، فهي الطريقة الوحيدة.

ـ لا بأس.

كان جوابها كئيبا لا حياة فيه، فمحا أي شعور بالانتصار شعر به لوكاس.

كانت ميلودي بالغة لمرح والابتسام والضحك عندما نزلت كيم من غرفتها وعندما ودعت ابنتها لوكاس، مصرة على أن يحملها بين ذراعيه لتقبله على خده، قفزت بمرح خارجة إلى السيارة كنسيم الربيع.

سبب حيويتها هذه اتضح ومها في طريقهما إلى المدرسة.

ـ هل سيصبح لوكاس بابا الجديد؟

طرحت ميلودي على أمها هذا السؤال باهتمام، فكادت أمها تصطدم بزاوية الشارع:" ماذا؟"

كان صوتها عاليا ثاقبا فحاولت كيم أن تلطفه قليلا وهي تتابع:" ماذا تعنين يا حبيبتي؟ طبعا لا"

عبست ميلودي بها مستاءة:" سوزان أصبح لديها أب جديد وكيري أيضا. ووالد كيري يحضر لها فطورها، ويحضر لها هدايا أحيانا"

جذبت كيم نفسا طويلا صامتا وهي تفتش عن الكلمة المناسبة، ثم قالت بحذر:" الناس يحضرون دائما هدايا للآخرين، يا حلوتي"

ـ وهل يبقى الناس ويطهون الفطور أيضا؟

ـ أحيانا.

ـ أنا أحب لوكس

كان هذا مزيجا من التمرد والأمل والارتباك معا.

وهفا قلب كيم إلى هذه الطفلة الصغيرة. فقالت تطمئنها:" وهو أيضا يحبك يا عزيزتي"

ـ <لكن ليس إلى حد أن يصبح بابا الجديد.

نظرت إليها كيم بعجز:" أن يكون الشخص بابا أمر يتطلب أكثر من هذا. إنها أمور تتعلق بالكبار وهي معقدة كثيرا. لكن لوكاس يحبك كما تحبينه بالضبط"

راحت ميلودي تحدق إليها فأعدت كيم نفسها لما قد يأتي بعد ذلك. ولكن بطريقة الأولاد المزاجية، شعرت ميلودي فجأة بالتعب من هذا الموضوع، فقالت تغيره:" حفظت كل الأحرف الهجائية أمس، يا ماما، حتى الأحرف الصعبة"

ـ هذا جميل جدا يا حبيبتي

ـ لكن كيري لم تفعل.

ومدت كيم يدها تمسك بيد ابنتها تعتصرها لحظة، فستجتازان هذه المحنة، بشكل ما.

شعرت كيم وهي عائدة إلى البيت بأنها ترتجف، فأوقفت السيارة جانبا لتستعيد هدوءها، فهي لا تعرف كيف ومتى أصبح الوضع بهذه الخطورة. عليها أن تقنع لوكاس بأنها لا تبحث عن علاقة غرامية. ولكن قد تكون علاقة جادة كما يبدو من قوله انه يحبها. هل هذا صحيح؟ أصحيح أنه يحبها؟ أخذت تفكر في ذلك وهي تغمض عينيها بعنف.
منتديات ليلاس
كيف يمكن للمرء أن يرغب في شيء إلى هذا الحد ثم يخافه في الوقت ذاته إلى حد أن يشعر بالغثيان؟ أخذت تتساءل عن ذلك بصمت وهي تسحب الهواء من بين شفتين مرتجفتين.

الحب يعني خيبة الأمل والخيانة والآلام المرة. إنها تعرف ذلك، ود عرفته. إنه يعني انتقال السلطة من شخص إلى آخر. إنه يعني عبودية وقهرا هما أسوأ من أي شيء آخر لأنه يمس القلب والمشاعر وجوهر الشخص نفسه.

إنها لا تتذكر من والديها سوى صوت رجل عميق ممزوج برائحة خفيفة من دخان سيجار، والشعور بحنان أمها ودفئها. إن ذكراهما أشبه بحلم بعيد... ولكن بإمكانها أن تتذكر عمتها" مابيل" وتتذكر تطمينها لها بأنها ستكون آمنة، وبأن عمتها ستحبها وتعتني بها كما كان والدها يفعل. ثم وجدت نفسها في ملجأ فبكت وصرخت. إنها تتذكر ذلك الآن وكأنه حدث أمس.

ولم تدرك إلا بعد وقت طويل، أن عمتها مابيل التي احتضنتها وكانت ملجأها الوحيد مدة عامين، رحلت وتركتها تحت رحمة الأقارب الذين انقضوا كالنسور على مزرعتها.

فتحت كيم عينيها على اتساعهما وأخذت تحدق أمامها مباشرة... ثم جاء غراهام... وتصلبت ملامحها، وأدارت السيارة بحركة حدة من يدها.

عندما أوقفت السيارة أمام كوخها، كان لوكاس في انتظاره.. بدا خشنا شاردا، لكنها كانت تعرف أن شروده هذا سلاح فتاك يستعمله بخبرة ومهارة لمعالجة موقف معين.

قال بلطف:" القهوة جاهزة"

وحدثت نفسها بأنه يتعمد الرقة واللطف. فقالت بسرعة:" لوكاس، لا فائدة من أن نتحدث بهذا الشكل"

فابتسم متهكما:" أنا غير موافق"

جربت كيم طريقة أخرى، فقالت تذكره:" اتفاقية مارسدن معلقة بخيط. والمفروض أن تتصل بمايلز مارسدن الساعة التاسعة هذا الصباح"

حدق ليها وقد ضاقت عيناه، وبادلته التحديق لحظة قبل أن تصبح العينان الفضيتان غير مقروءتين.

وعاد يقول بصوت جامد:" قهوة. لقد اعتدت على قهوتي اليومية ولا يمكنني إغفالها، أو ربما المفروض أن أقول إنني لا أريد إغفالها"

لم يكونا يتحدثان عن القهوة. سارت كيم إلى الردهة عندما دعاها إلى الدخول، ومرة أخرى شعرت بأنها الضيفة وهو رب البيت. شعرت بالمرارة لكنها رحبت بروح التحفز التي تملكتها... ستتسلح بكل ما لديها من شجاعة لتجتاز هذه المحنة.

أكملت سيرها إلى المطبخ فرأت على الفور أن لوكاس قد رتب المكان، والدليل الوحيد الباقي من فطورهم كان رائحة اللحم المقلي الخفيفة. قالت:" ما كان لك أن ترتب المكان. لا حاجة لذلك"

تجاهل قولها ولحق بها إلى المطبخ ثم استند إلى الجدار وقد دس يديه في جيبيه وبدا في عينيه العقم والتصميم. وكان في غيابها قد حلق ذقنه واستحم لأن شعره ما زال مبتلا.

رأت نفسها ترتجف وهي تسكب القهوة، بسبب نظراته العنيفة التي تمنعها من الشعور بالراحة. وعندما ناولته كوبه غصت بريقها.

انتصب في وقفته وهو يتناول كوبه، وشعرت بحواسها تتجاوب معه بسرعة مذلة بينما كن يشكرها:" شكرا، وهكذا..."

لم يحاول أن يقف جانبا وهي لم تكن لتستطيع التحرك إلا إذا اصطدمت به، فانحبست إلى زاوية المطبخ الصغير بينما كان يتابع:" أخبرتك بأنني أحبك، فكان جوابك أن طلبت مني أن أخرج من بيتك. هل لك أن تخبرينني لماذا؟"

سألها هذا ببرودة وجمود، فأجابت بألم:" هل كنت ستصغي لي لو أنني قلت لا؟"

ـ لا

ـ هذا ما ظننته

من أين تبدأ؟ أخذت جرعة كبيرة من القهوة الساخنة ثم أجفلت إذ أحرقت حلقها. سألته بهدوء، عالمة بأنها تراوغ:" أتريد مني أن أستقيل؟"

ـ لا يا كيم، لا أريد منك أن تستقيلي بل أريدك أن تتحدثي إلي.

كان يطلب أصعب شيء في العالم.. حدقت إليه بوجه متوتر، ثم نظرت إلى قهوتها الساخنة وهي تقول بنعومة:" إنها قصة طويلة وهي لن تغير شيئا من الأمر"

ـ سأكون أنا الحكم.

عند ذلك نظرت إليه وهي تفتش في ذهنها عن طريق للنجاة، لكنها لم تجد. فقد قرر أن يحصل على ما يريد. وبما أن لوكس هو لوكاس، فذلك بالضبط ما سيحصل عليه. بصرف النظر عن ألمها، وذله، وعارها...

جذبت نفسا عميقا، ثم راحت تتكلم. بدأت بوصف حزنها على موت عمتها وكيف أُخذت بسرعة إلى الملجأ، ثم وصفت بدقة كفاحها لمواجهة الوحدة والعزلة اللتين كانت تشعر بهما. ثم قالت:" ثم ذهبت إلى الجامعة وتعرفت إلى غراهام"

سألها برقة:" هل أحببته؟"

فابتسمت بمرارة:" هذا ما ظننته. كان محيرا للغاية أن يكون معي كل دقيقة، وأن يحبني بذلك القدر. لم يحدث لي ذلك قط من قبل. ثم تزوجنا"

وسكتت فجأة إذ تملكها شعور فظيع بأنها وقعت في الشرك، فأخذت تنتقل متململة في تلك الفسحة الصغيرة:" هل يمكننا أن نذهب إلى غرفة الجلوس؟"

ـ بكل تأكيد.

ومس خدها بيده الكبيرة برفق قبل أن يقف جنبا ليدعها تمر. كانت أصابعه باردة ثابتة، والأحاسيس التي سرت في كيانها حبست أنفاسها فجأة. وجعلتها تهرول إلى غرفة الجلوس بسرعة. وعندما التفتت لتواجهه مرة أخرى، رفع حاجبيه:" لم أكن لأتهجم عليك"

ـ أعلم هذا

ـ أنت لا تكذبين جيدا. أكملي قصتك. أن الآن متزوجة..

ـ لم يكن غراهام يحبني. في الواقع، لا أظنه كان قادرا على الإحساس، بدا في الجامعة ذا شخصية جيدة وكنا دوما محاطين بالناس هناك، وكانت الحياة رائعة للغاية. كما أن ولعه بالشراب لم يكن ظاهرا.

أومأ لوكاس بجفاء:" وأنا أيضا كنت فتى صغيرا ذات يوم"

ـ مول والداه عملا صغيرا له، فكان مسرورا لهذا في البداية، مختالا بذلك بين أصدقائه وأقرانه. لكن ولعه بالشراب ازداد. حاولت أن أساعده لكنه حملني مسؤولية ذلك، قائلا انه مضطر إلى أن يشرب لأنني زوجة عديمة النفع، خصوصا في الفراش.

حولت أن تتابع الكلام بهدوء، لكن الألم الناتج عن رفض غراهام لها ما زال جرحا لم يلتئم بعد.

ـ كان قد مضى على زواجنا سنة ونصف عندما اقترح...

جلست كيم على كرسي مطأطئة رأسها وشعرها يغطي وجهها كالنقاب. لقد شعرت بضعف كبير هذا الصباح قبل أن تأخذ ميلودي إلى المدرسة، لكنها مسرورة الآن من تلك الحماية القليلة من تينك العينين النفاذتين.

سألها لوكاس متوترا:" ما الذي اقترحه، يا كيم؟"

ـ طلب مني... أراد مني أن أنام مع أحد زبائنه المهمين، وقد غضب عندما حملت بميلودي بسرعة بعد زواجنا. وطلب مني أن أجهض، اعتبرني مسئولة عن فشله في العمل لازدياد مسؤولياته بهذا الحمل. وقال إنني مدينة له.

شتم لوكاس بصوت خافت. كان يعرف هذا النوع القذر من الرجال، رجال دون ضمير، رجال يستغلون ضعف ورقّة أناس آخرين ليتسلطوا عليهم. وكانت كيم هدفا سهلا نتيجة نشأتها وخلفيتها. ولا شك أن جمالها جعله يظن أنه سيكسب الكثير.

ـ كانت ميلودي في الشهر الخامس من عمرها وكنت حتى ذلك الحين أحاول أن أقنع نفسي بأن بإمكاني أن أصلح زواجنا لأجل ابنتنا على الأقل.

فعلت كل شيء لكي أجعله يحبني. حاولت أن أسره من كل ناحية أعرفها.

سكتت مرة أخرى وذكرى الإذلال الذي تلقته في تلك الأيام ما زالت حية فيها. كم من المرات، في الأسابيع والشهور التي تلت ما طلبه السافل منها، حدثت نفسها بأنها لا بد كانت مجنونة إذ لم تر حقيقته من قبل؟ لكنها لم ترها.

وبالرغم من محاولتها السيطرة على صوتها، بقي يرتجف وهي تتابع:" لكنني ذلك اليوم، فقدت صوابي. فقدته حقا. هجمت عليه، ضربته، خدشته، فبدلني الضرب، وبقوة فقدت معها وعيي بعض الوقت"

ـ رباه! يا كيم.

أدرك أنها لن تحب أن يلمسها فالذكرى الأليمة ما زالت حية... لكنه لم يستطع أن يراها جالسة، صغيرة نحيلة محطمة، من دون أن يحتضنها مواسيا. ضمها ليه. وعندما تصلب جسدها، قال لها برقة:" لا بأس في ذلك، لا بأس في ذلك. كل ما في الأمر أنني أردت أن أضمك للتخفيف عنك كما يخفف إنسان عن آخر، ولا شيء أكثر من ذلك، يا كيم، أقسم لك"

لو أن ذلك الخنزير القذر لم يكن ميتا، لدفع كل ما يملك في سبيل خمس دقائق يمضيها معه. كان سيجعله يتألم بقية حياته، لأنه قتله في النهاية أسرع مما يجب لحياته القذرة.

وهمست كيم ووجهها مدسوس في قميصه:" عندما عدت إلى وعيي، كان جالسا أمامي وميلودي على ركبتيه. قال لي إنني إذا أخبرت أي إنسان عما حدث فسيقتلها، ثم يقتلني، وقد صدقته، يا لوكاس. فبإمكانه ذلك، عندما يثور طبعه. قال إن من المهم، بالنسبة إلى العمل، أن يراه الناس رب أسرة، ولهذا، إذا حولت أن أتركه، فسيعثر علي أينما ذهبت. لكنه وعدني بألا يضربني مرة أخرى أبدا"

ـ كان عليك أن تتركيه. هناك أمكنة

نظرت إليه بعينين دامعتين:" لا. لأنه كان سيعثر علينا. لكنني منذ ذلك اليوم، انتقلت إلى غرفة ميلودي وصرت أنام فيها. لم أعد أستطيع أن أتحمل لمسته. شيء ما مات في داخلي إلى الأبد، ذلك اليوم، يا لوكاس. وقد عرفته. وهو أنني لم أعد أثق بأي رجل مرة أخرى"

فقال عابسا:" لكنني لست( أي رجل)"

وجلس على الأريكة وكيم بجانبه، وكان يشدها إليه كلما حاولت التملص منه.

تابعت تقول وقد تصلب جسمها:" أصبحت لأمور أسوأ فأسوأ. أصبح.. كالشيطان. وجاءت الليلة التي وقعت فيها الحادثة، عندما حنث بوعده وضربني مرة أخرى. فقد هجم علي قائلا إنني أحرمه من حقوقه الزوجية وسيأخذها بالقوة إذا اضطر لذلك. لكنني قاومته وضربته على رأسه بالمقلاة، وأخيرا حبست نفسي في غرفة ميلودي. ظننت أنه سيحطم الباب، لكنه ذهب إلى حفلة شراب صاخبة، وأنت تعرف الباقي"

وجذبت نفس عميقا:" ما عدا أنه ترك لي ديونا.. ديونا كثيرة. وكنت من الغباء بحيث وقعت على سندات الدين فأصبحت مسؤولة عنها مثله"

قل لوكاس برقة وصوته متهدج بالمشاعر:" ولهذا قبلت بالوظيفة في شركة "كين الكتريكال" بسرعة. وظننت أنك وقعت صريعة فتنتي التي لا تقاوم"

كان يحاول أن يلطف الأمور بالمزاح. كانت تعلم هذا، لكن التصاقه بها كان أكث مما تستطيع احتماله، فقالت وهي ترتجف:" أرجوك أن تتركني، يا لوكاس. ولا تشعر بالأسف لأجلي، فأنا لم أخبرك بقصتي مع غراهام من أجل ذلك"

رفع ذقنها لكي تستطيع النظر إلى وجهه، فرأت الغضب البالغ يتصارع مع حنان جعلها تريد أن تبكي.

ـ أصغي إلي يا كيم. أنا لا أنكر أنني أريده أن يعاني من عذاب جهنم لما فعله بك، ولو كن حيا لبحثت عنه ولقنته درسا لن ينساه بقية حياته. هذه هي طباعي. ولكن عليك أن تنسي ذلك المعتوه، فقد مات وانتهى... ولا أعني فقط أنه مات جسديا.

كانت ترتجف ورأسها يدور بسبب قربه منها، وتابع يقول:" إذا تركته يصنع لك مستقبلك حتى بعد مقته، فيكون قد انتصر عليك حقا. ألا تفهمين ذلك؟ أنت تستحقين أكثر من الحثالة التي تركها لك. وميلودي أيضا"

قالت بتوتر، خائفة من أن يقنعها:" ميلودي من الأسباب التي تجعلني لا أريد إقامة علاقة مع أحد على الإطلاق. نحن بأمان هكذا، وهذا كل ما أطلبه من المستقبل يا لوكاس. أن نكون آمنتين"

قال مزمجرا بهدوء:" إلى جهنم بذلك. آسف، لا تنظري إلي بهذا الشكل، فأنا لا أريد أن أجرحك بحق الله، لكنني، كما قلت لك من قبل، لست ( أي رجل). وما بيننا غير طبيعي. أنت تريدين أن تكوني آمنة، لكن الحياة تحتوي أكثر من مجرد الأمان، يا حبيبتي. لا تلقي بكل آمالك وأحلامك وطموحاتك على قبر ذلك الجرذ. يمكنني أن أجعلك حية بطريقة لم تحلمي بها قط"

حبيبتي. لم تستطع كيم أن تفعل غير النظر إليه، لكن عينيها كانتا حافلتين بالخوف وعدم الثقة، وقرأ الذعر والإنكار في وجهها بإحباط عميق صامت.

ـ أنا أريدك يا كيم، ولكن ليس لليلة أو أسبوع أو شهر...

ـ لا.

وقبل أن يقول شيئا آخر، كانت قد قفزت بعيدا عنه، ثم وقفت وهي ترتعش قائلة:" عليك أن تفهم، يا لوكاس، أرجوك. لا أستطيع... لا أريد أن ألتزم"

كم من المرات قال هذا بالضبط للجميلات اللاتي يدعوهن إلى سريره؟ كان يفكر في ذلك ساخرا من نفسه، وهو يرى أنه وقع في الفخ نفسه الذي نصبه لغيره. ولكن عليه اللعنة إذا كان سيدعها تفلت من يده، فهي له. وعليه فقط أن يقنعها بذلك.

لكنها نالت ما يكفيها طوال حياتها من القوة الوحشية وهو لن يلجأ إلى هذا معها. إنه لا يشك في أنها ستستسلم له، لكنه يريد أكثر من جسدها... يريد أكثر بكثير.

ـ لا بأس

ووقف ببطء يواجهها، داسا يديه في جيبيه ليذكر نفسه بألا يضمها إليه.. لشدة ما يريد ضمها...

ـ لا بأس؟

كانت الدموع تتألق عل وجنتيها الشاحبتين، ثم سحبت نفسا مرتجفا:" ماذا تعني بكلمة (لا بأس)؟"

ـ قبلت شرطك بأن نكون مجرد صديقين. وأنا مسرور لأنك وثقت بي إلى حد أن تخبريني عن ماضيك. وأول شروط الصداقة هو الثقة.

حدقت كيم إليه، شاعرة وكأنها أليس في بلاد العجائب. أتراها ذكرت شيئا عن صداقة؟ تساءلت عن ذلك بارتباك. ومن أين جاءته فكرة أنها تثق به؟

ـ وهكذا، سنستمر من هنا، دون عداوة بيننا، أليس كذلك؟

كانت لهجته رقيقة وهو يرى تصلب جسدها الضعيف، ووجهها الشاحب وعينيها المعذبتين، فأنذره ذلك بأنها وصلت إلى أقصى حدود الاحتمال... وفي هذه اللحظات أرادها أكثر من أي وقت مضى.

ـ لا... لا أعرف.

قالت هذا متلعثمة، شاعرة فجأة بأنها لا تعرف بالضبط ما يجري بينهما من حديث.

ـ كيم، أخبرتني بأنك تريدين أن تعملي لكي تسددي ديون غراهام، وأنت تريدين حتما أن تؤمني لميلودي أحسن معيشة. وعملك عندي هو أمر جيد لكلينا. فقد حصلت على شخص جدير بالثقة. وأنت حصلت على راتب ممتاز.

ـ ولكن... ولكن ما قلته...

ـ عن أنني أحبك؟ وأريدك؟ هذا ما زال قائما، مع الأسف. لكنني لست فتى غرا مراهقا لا يستطيع التحكم بنفسه. والحياة تستمر حتى مع كبريائي الجريحة. أنا رجل أعمال في المقام الأول، يا كيم. وعليك أن تعلمي أن كل شيء آخر يأتي في المقام الثاني.

قال هذا وهو يعترف لنفسه بسخرية مرة أن هذا كان رأيه ذات يوم.

ـ الأشهر الأخيرة الماضية كانت... مجهدة نوعا ما... أليس كذلك؟

ورفع حاجبيه ساخرا، وعندما أومأت بخفة، أشار برأسه موافقا:" إنما الآن، أصبحنا نعرف أين نقف دون مشاعر عنيفة. اتفقنا؟"

ـ اتفقنا.

ابتسم وهي تقول ذلك، لكن كيم لم تبادله الابتسام. فتحت عينيها على اتساعهما عندما وضع يديه على كتفيها النحيلتين، لكنها وقفت أمامه هادئة مرغمة نفسها على ألا تبتعد عنه... وعندما أحنى رأسه الأسود الشعر ومسح قمة رأسها بشفتيه بخفة، بقيت واقفة دون حراك، متسائلة باستغراب لماذا تشعر بأن قلبها أخذ يتحطم؟

 
 

 

عرض البوم صور safsaf313   رد مع اقتباس
قديم 21-08-09, 10:03 AM   المشاركة رقم: 10
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: Mar 2008
العضوية: 66854
المشاركات: 2,022
الجنس أنثى
معدل التقييم: safsaf313 عضو سيصبح مشهورا قريبا جداsafsaf313 عضو سيصبح مشهورا قريبا جداsafsaf313 عضو سيصبح مشهورا قريبا جداsafsaf313 عضو سيصبح مشهورا قريبا جداsafsaf313 عضو سيصبح مشهورا قريبا جداsafsaf313 عضو سيصبح مشهورا قريبا جدا
نقاط التقييم: 585

االدولة
البلدEgypt
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
safsaf313 غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : safsaf313 المنتدى : روايات احلام المكتوبة
افتراضي

 

9 ـ ملكة الثلج




لم تذهب كيم إلى العمل ذلك النهار رغم أن لوكاس غادر بيتها مباشرة بعد حديثهما.

أمرها بأن تعود إلى فراشها وتحصل على قسط من النوم قبل أن تذهب لإحضار ميلودي. لكنها وجدت النوم هو آخر ما تريده. وبعد ساعة ونحوها من التململ والتقلب في الفراش، ألقت عنها الأغطية وعادت ترتدي ثيابها، ثم أخذت تقوم بتنظيف شامل للبيت.

خفف العمل الشاق من متاعبها النفسية. على الأقل شعرت بالنعاس حالما لمس رأسها الوسادة تلك الليلة، كما لم تر أحلاما، أو على الأقل لم تر أحلاما مزعجة.

حين رأت لوكاس لأول مرة بعد ذلك الصباح وجدت قلبها يخفق بشدة حتى كادت تشعر بأنها تختنق. لكنه قد عاد مرة أخرى ذلك الرجل الثري الجاف النائي الجذاب الذي عرفته لأول مرة. وتملكتها الحيرة وهي تجد نفسها، بعد ساعة أو ساعتين، وقد تلاشى توترها. وعند نهاية النهار كانت من الارتياح بحيث ضحكت عندما قال لها شيئا مضحكا عن الحياة.

وفي الصباح التالي، عرفت نفس الرعشة وخفقان القلب كاليوم السابق. ولكن عندما لم يحول لوكاس التقرب عادت علاقة العمل القديمة تلك تدريجيا لتستقر في مكانها الأول.

ما زالت العينان الفضيتان تسمرانها أحيانا، ولكنها كانت تطمئن نفسها في كل مرة تلحظه ينظر إليها بطريقة معينة بأنه لوكاس وعادته في قراءة أفكارها تقريبا. ولكن ذلك لم يكن يشعرها بالراحة، إنما متى كان الارتياح والسكينة من مزايا الجو المحيط بلوكاس على كل حال؟

وجدت كيم أنها تفتقد ماغي أكثر مما توقعت وذلك مع مرور الأيام والأسابيع.

ومع حلول شهر حزيران، اعترفت كيم مرغمة بأنها تعاني من الوحدة. إنها تحب ميلودي كثيرا لكن افتقارها إلى الأصدقاء الراشدين أثر فيها. ولكن هل هذا كل شيء حقا؟ أرغمها صدقها الفطري على طرح السؤال في اللحظة التالية.

لم يكن شعورها بالوحدة الذي يعذبها بقدر شوقها إلى لوكاس ولكن الفرق بينهما كان دقيقا غامضا.

منذ تقبلت فكرة أنها تحبه، أصبح لا يفارق ذهنها. لم يكن الأمر سيئا جدا حين يكون في العمل، لأن بإمكانها أن تراه حينذاك، على الأقل، وتسمعه يتكلم وتضحك على نكاته.

يا للفتاة الحزينة! كانت فكرة مزعجة لكنها حقيقية. وقوست كتفيها وقطبت جبينها بسبب وهج الشمس.

كانت مرغمة على رؤيته على ضوء جديد عندما يأخذها إلى أحد المطاعم الصغيرة التي يفضلها أو إلى مكان عام. ورغم أنه أكد لها أن هذه هي الطريقة التي يعامل بها سكرتيراته، إلا أنها شعرت بألم صامت في فؤادها، وهذا ما شعرت به أيضا عندما ذهبت مرتين إلى بيته، وقابلت مارتا مدبرة منزله، ورأت الحيوانات التي تعيش في بيته الكبير الرائع الجمال. ومرة أخرى، كان هناك سبب وجيه لذهابها إلى هناك. المرة الأولى، مر على بيته وهو عائد معها إلى المكتب بعد تناولهما الغداء وذلك ليحضر ملفا نسيه. وفي المرة الثانية طلب منها أن تحضر له بعض الأوراق عندما كان يعمل في البيت. ولكن، في كل مرة، كانت مارتا تصر على كيم أن تشاركها القهوة والبسكويت وكانت تعاملها... كيف بالضبط؟

أخذت كيم تسأل نفسها بصمت. كرفيقة؟ كصديقة؟ ولكن ليس كواحدة من موظفات لوكاس.

أما علاقة لوكاس بمدبرة منزله فمثيرة بشكل خاص. الدفء والحنان في صوت لوكاس والإخلاص اللافت للنظر في مارتا عندما تتحدث ليه بلهجتها الاسكوتلاندية، كل ذلك كان يقلقها ويثير أعصابها.

وهذا لا يعني أن لوكاس تجاوز حده معها لحظة واحدة. آه، لا... ليس هذا الرجل الثلجي. لكنها ما لبثت أن وبخت نفسها، معترفة بأنها غير عادلة أبدا. كل ما في الأمر هو أنها لم تتوقع أن يلتزم بقراره بهذه الصلابة أو بهذه السهولة!

هذا يكفي. دعي التفكير في لوكاس وانصرفي إلى شيء آخر... هذا ما حدثت به نفسها برزانة قبل أن تخرج من باب المطبخ إلى أشعة الشمس المتألقة في الحديقة.

ـ أتحبين الذهاب إلى بركة الماء يا حبيبتي؟

صاحت بهذا تنادي ميلودي فكان الجواب صيحة ابتهاج. وخلال نصف ساعة، كانت البحيرة ممتلئة، فأخذت ميلودي تعبث في الماء فيما جلست كيم على مقعد في ظل شجرة زان وفي يدها فنجان قهوة.

كان عالما بعيدا عن ذلك الكابوس الذي عانتا منه مدة عامين طويلين. واغرورقت عينا كيم بدموع ساخنة وجدتها سخيفة في الوقت الذي عليها أن تبتسم فيه. لوكاس جعل كل هذا ممكنا، إذ أعاد إليها استقلاليتها، ومنحها فرصة بناء حياة جيدة لها ولابنتها، وكانت شاكرة له إلى حد لا يصدق، لكنها لم تخبره بذلك في الحقيقة.

غالبت دموعها بصعوبة. عاجلا أم آجلا ستصطاده امرأة جميلة. إنها لا تعرف إن كان يخرج مع نساء، ولكن هذا ممكن وهي لا تلومه على ذلك، فالعزوبة، كما قال مرة، ليست عادته.

وإن خسرت الفردوس فالذنب ذنبها. وحدقت كيم أمامها، لكن الحديقة تلاشت لتحل مكانها هاوية مظلمة من الأفكار. إذ جاءها الحظ مرة أخرى، فسيكون تصرفها هو ذاته بالضبط. لعلها تخسر بذلك الفردوس، لكن جهنم التي عانت منها مع غراهام، تمنعها من الارتباط مرة أخرى بعلاقة. كن لديها، مع غراهام، عذر هو أنها لم تكن تعلم ما تفعل، ولكن لن يكون عندها عذر إذا عادت فخطرت بنفسها وبابنتها مرة أخرى عن طيب خاطر.

إنه نفس الصراع الذي أخذ يدور في ذهنها في الشهرين الماضيين. وعندما ربتت ميلودي على ذراعها بفروغ صبر قائلة بأنها تسمع جرس الباب يدق، استغرقت منها العودة إلى واقعها عدة ثوان.

ابتسمت للوجه الصغير العابس وتناولت عباءتها ثم نهضت وتوجهت إلى الباب الأمامي تفتحه دون أن تفكر في من قد يأتي لزيارتها في الساعة العاشرة من صباح يوم مشمس من حزيران.

ـ لوكاس؟

أخذت تحدق ببلادة إلى الجسم الطويل الذي كان يرتدي قميصا أبيض وبنطلون جينز أسود.

ولكن عندما ضاقت العينان الفضيتان وبدا فيهما الإعجاب بملابسها، أو بالأحرى بقلة ملابسها، تبلجت لها الحقيقة بشكل طوفان ساخن بدأ من أصابع قدميها صعودا إلى أعلى.

قاومت كيم دافعا يحثها عل أن تشبك ذراعيها فوق صدرها تستره، وقالت بصوت هادئ قدر الإمكان:" ماذا حدث؟ هل من خطب؟"

أجاب متمهلا:" حدث الكثير. أول شيء هو أنني أعنّف نفسي لأنني لم أزرك قبل فصل الصيف هذا"

حاولت أن تبتسم، وكان هذا خطأ منها لأن الابتسامة تحولت إلى التواء متوتر لشفتيها، ثم، عندما سمعت صيحة الإثارة من ميلودي خلفها، تأوهت في داخلها. ما تعرفه عن حسن ضيافة ابنتها، جعلها واثقة من أنها ستدعوه إلى الدخول ليشاركهما الجلسة عند البركة.

ـ لوكاس!

اندفعت ميلودي على أرض الردهة منزلقة بقدميها الصغيرتين الحافيتين. وعندما انحنى لوكاس مادا ذراعيه قفزت الطفلة بينهما مباشرة:" كنت أسأل أمي دوما متى ستأتي فكانت تقول إنها لا تعلم. قالت إنك مشغول جدا"

ـ لست مشغولا إلى الحد الذي يمنعني من أن أزورك.

قال هذا وهو ينتصب واقفا والطفلة بين ذراعيه، وأخذ ينظر إلى كيم. راح يتفحصها بعينين لا تطرفان، فتنهدت كيم مذعنة للطلب الصامت، وقالت بلهجة فيها أثر من خشونة:" تفضل بالدخول"

لم يكن بإمكانها مقاومتهما مها الاثنين. شكرها بعرفان جميل ساخر، فعاد وجهها إلى التوهج غضبا. يا له من رجل صعب مزعج! وسرعان ما تلاشت كل المشاعر الدافئة التي شعرت بها نحوه.
سارت أمامه واعية إلى شفافية العباءة التي اشترتها منذ أسابيع.

كان لوكاس قد أخذها إلى الغداء في اليوم السابق، وعندما كانا يغادران المطعم، سمعا صوتا خافتا متحفظا يناديه من إحدى لموائد، ثم تقدمت امرأة ووقفت بجانبهما.

قدمهما لوكاس، حينذاك، إلى بعضهما البعض. كانت المرأة الأخرى متبرجة بشكل كامل، ولمعت شفتاها المصبوغتان بشبه ابتسامة وهي تسأل لوكاس إن كان سيأتي إلى حفلة ما في تلك العطلة الأسبوعية:" سنمضي وقتا مرحا للغاية، يا عزيزي. عادة كلاريس في جمع الأصدقاء لم تتغير..."

وكانت الجملة الأخيرة موجهة إلى كيم.

لا بد أن وجهها نطق بالكثير لأنها تذكرت ابتسامة لوكاس السخرة وهما يودعان المرأة. ثم يغادران المطعم ممسكا بمرفقها.

قاومت رغبتها في السؤال عن امرأة حتى اقتربا من المكتب:" هل هي صديقة قديمة؟"

هز لوكاس كتفيه حينذاك:" نوعا ما"

قالت كيم ببشاشة ممزوجة بالكراهية له:" يبدو أن الحفلة ستكون صاخبة نوعا ما"

نظر إلى وجهها المتوهج لحظة، هازلا:" ليس تماما. كلاريس تحب دوما أن تكون مميزة عن سواها"

فعلقت كيم بجفاء:" لا بد أن المنافسة تصبح عنيفة"

ـ هذا ما لن أعرفه.

وكانا قد وصلا إلى مبنى شركة " كين الكتريكال"، فتحول بالسيارة إلى موقفه الخاص، قبل أن يلتفت إليها، مادا ذراعه بعفوية على مسند مقعدها:" أنا شخصيا أفضّل أن أكون على الطبيعة، ولكن إذا كان علي أن أرتدي شيئا فبنطلون جينز قديم يكفي"

الصور التي توهجت في مخيلتها حينذاك أخذت تعمل عملها، ولكن عندما تركت مبنى الشركة استطاعت السيطرة على أفكارها لمشوشة.

على كل حال، صورة الجميلة ذات الشعر الأحمر والعينين الخضراوين بقيت في ذهنها.

ـ إذا ذهبت إلى الحديقة مع ميلودي، فسأحضر أنا صينية القهوة.

قالت كيم له هذا عندما أصبحوا في المطبخ... بجانب الباب الخلفي.

فرد لوكاس الواقف قرب الباب الخلفي، رائعا، ساحرا كحاله دائما في أحلامها:" لا داعي للعجلة"

وكانت ميلودي الآن مستقرة بين ذراعيه ورأسها تحت كتفه ووجهها ناحية أمها.

بدا واضحا أنه مستمتع بالنظر إلى وجهها، وكانت كيم محرجة من ثوب السباحة ومن ضمه ميلودي إلى قلبه. بدا لوكاس وكأنه أب لميلودي، وهذا أرسل في كيانها ألما كاد يوقع إبريق القهوة من يدها.

عندما أصبحوا في الحديقة، جلس لوكاس عند قدميها مما سبب مشاكل لتوازنها النفسي. كان ينظر إلى ميلودي وهي تعبث في مياه البركة، فقال:" طفلة الماء"

بدا صوته العميق كسولا هازلا، فشعرت بالمرارة لرباطة جأشه.

ـ ميلودي تعشق الماء.

جاءت كلماتها صلبة متوترة لكنها أحسن ما استطاعت عمله. سكتت لحظة محاولة أن تجعل صوتها طبيعيا قبل أن تسأله:" لماذا هذه الزيارة، يا لوكاس؟"

ـ لأنه نهار رائع. ماغي في أمريكا، ففكرت أنك بحاجة إلى صحبة الأصدقاء.

قال هذا بهدوء وما زالت نظراته متجهة إلى الطفلة أمامهما. لقد فعلها مرة أخرى، فقرأ أفكارها. ولم تعرف ما إذا كان عليها أن تكون غاضبة أم مبتهجة، ولكن بسبب كل التعقيدات التي بينها وبين هذا الرجل، قررت اعتماد الغضب:" هذه شهامة بالغلة منك. ولكن..."

ـ لا ليست شهامة يا كيم

ورفع بصره إليها، فشعرت بأنفاسها تنحبس بسبب حدة المشاعر الكامنة في العينين الفضيتين الرائعتين، بينما كان يتابع:" أنا أريد أن أكون معك في كل عطلة أسبوعية لعينة. وهذا الصباح قررت أن كلمة يكفي تعني الكفاية"

حدقت إليه وقد توقف ذهنها كل تفكير مترابط. وسألها ببطء:" ما قولك في قضاء اليوم معا؟"

شعرت كيم بقوة شخصيته تحتويها، بدا لها أسمر صلبا وجذابا وبدأت ترتجف.

وتابع يقول بهدوء:" فكرت في أن نذهب لنتغذى في مكان صغير أعرفه، ثم نقضي العصر في النهر وبعد ذلك نذهب للعشاء في بيتي... مارتا ستكرس نفسها لأجل ما تحبه ميلودي وما لا تحبه"

ـ لوكاس..

ـ مجرد صديقين يا كيم. إذا كان هذا ما تريدين.

وتأملها بعينين لا يسبر غورهما:" لا يمكنك أن تنكري أن بإمكانك أن تتخذي صديقا الآن"

الصديق شيء، ولوكاس كين شيء آخر تماما. ومع ذلك، التفكير في قضاء يوم معه كان أشبه بمزج عيد الميلاد مع رأس السنة في عيد واحد وشعرت بتصميمها الحازم يتراخى. إذا بميلودي تتخذ القرار عنها عندما جاءت لتقف أمامهما، وقد وضعت يديها الصغيرتين على وركيها النحيلين:" هل بإمكان لوكاس البقاء للغداء معنا؟ أرجوك أمي"
منتديات ليلاس
ترددت كيم لحظة، لكنها كانت كافية لكي يحس لوكاس بترددها، فاستغل ذلك بعدم رحمة هي جزء منه، وقال بمرح:" لدي فكرة أفضل. سنخرج جميعا لتناول الغداء في المطعم، ثم يمكنك ركوب زورق في النهر.. هل يعجبك هذا؟ إذا كنت فتاة طيبة جدا..."

ـ ماذا؟ ماذا؟

وأخذت ميلودي تقفز فرحا، فقال برقة:" ذا كنت فتاة طيبة فيمكنك أن تأتي لتري بيتي، وتتعرفي إلى جاسبر وسلطان"

ـ ومن هما جاسبر وسلطان؟

ـ هما كلباي، وهما كبيران جدا.

ـ هل يعضان؟

ـ إنهما لا يعرفان كيف يعضان. يعرفان فقط كيف يلعقان.

أومأت ميلودي، وقالت بلهفة:" أنا أحب الكلاب"

نظرت كيم إليهما بعجز، وعندما رفع عينيه ليها، سمرها بنظراته وهو يقول بهدوء:" اذهبي وغيري ملابسك فأنا بانتظارك هنا"

استمرا ينظران إلى بعضهما البعض للحظة. وكان قلب كيم قد قفز من مكانه عندما قال الكلمات الأخيرة. يا له من غامض، في كل مرة تظن أنها فهمته، يفعل ما يحيرها.




***
كان يوما ساحرا. وبدا أن لوكاس يتبع النبرة الصائبة في حديثه مع ميلودي، فلا حزم بالغ ولا إطلاق العنان لها.

أحبت ميلودي منزل لوكاس الأسطوري كما شعرت بسرور كبير في اللعب مع كلبي لوكاس الضخمين، كما أحبت كل واحدة من قطط مارتا. وأحبت مارتا نفسها، فبادلتها المرأة المسنة شعورها كليا.

أما لوكاس فكان نموذجا للمضيف بلطفه ومراعاته لأحاسيسهما.

بعد هذا السبت، حاولت كيم أن ترفض أية دعوات أخرى، لكن لوكاس كان يتجاهل احتجاجها ببساطة وبغطرسة منطبعة فيه. لكنها بقيت مصرة على عدم قضاء الليل في بيته لأنها كانت تشعر بعدم الارتياح للاستيقاظ في الصباح في بيت لوكاس.

وهكذا كان الصيف رائعا جزئيا، لأن شيئا خفيا في عقلها الباطني كان يوقظها أحيانا في منتصف الليل وقد غمرها العرق.

لكن في أوائل أيلول، حدث أمران فصلت بينهما عدة ساعات مزقا عالم كيم الهش.

بدأت العطلة الأسبوعية بمكالمة من ماغي تقول فيها إن بيت جاء إلى أمريكا ومعه خاتم الخطوبة:" لا يمكنه العيش من دوني، يا كيم. وحين غادرت انكلترا، أخذي راجع نفسه بشأن مخاوفه من الالتزام بالزواج واسترجع في ذاكرته أشياء كثيرة ومواضيع كان قد دفنها لسنوات وكلها تعود إلى طفولته. وهكذا، أدرك أنه سيفقدني إذا لم يتصرف... وهذا ما فعله!"

ـ أنا مسرورة للغاية يا ماغي.

تابعت المرأتان الحديث عدة دقائق أخرى قبل أن تنهيا المكالمة. هذا الخبر جلب الدفء إلى نفس كيم طوال يوم السبت التالي، الذي أمضته مع ميلودي في منزل لوكاس. ويوم الأحد أخذهما لوكاس لتناول الغداء في المطعم قبل أن يعودوا باكرا إلى البيت لأن ميلودي شعرت بصداع.

وحل صباح الاثنين الذي بدأ بشكل سيء حتى أنها تأخرت عن موعد المكتب نصف ساعة... وما كان هذا سيهمها كثيرا لولا الاجتماع الذي سيعقد في التاسعة في مكتب لوكاس.

منذ بدأت رحلات عطلات الأسبوع، حرصت كيم على الوفاء بمسؤولياتها كاملة في العمل. كان آخر ما تريده هو أن يظن لوكاس أنها تستغل علاقتهما التي ما زالت مترددة في أن تدعوها صداقة. لأن الصداقة يجب أن تكون سهلة مريحة يسودها الاطمئنان وعلاقتها بلوكاس ليس فيها هذه المواصفات.

كانت كيم متوترة دوما معه، تعي كل شيء فيه مهما كان بسيطا، وأقل نبرة من صوته تخبرها بطبيعة مزاجه. وسجلت كيف أن ذكاءه الرهيب لا يتوقف أبدا عن اختزان المعلومات، وكيف يوجه ضربته بدقة. ومع ذلك فقد سمح لها بأن ترى الناحية الخاصة منه أيضا، تلك الناحية المغرية الآسرة التي هي أكثر خطورة من كل ما تكشف عنه حياته العملية.

عندما وصلت إلى الموقف التابع لشركتها، كان المطر قد استحال عواصف رعدية، فابتل معطفها الخفيف كله. وراح المطر يسيل إلى رقبتها ويقطر من غرتها عندما كان المصعد يعلو بها. الساعة التاسعة وعشر دقائق وهي تبدو كجرذ غريق.

وفي مكتبها سمعت أصواتا في المكتب الآخر، فأسرعت إلى غرفة استراحتها الخاصة حيث خلعت معطفها المبتل، وسوت شعرها بسرعة قبل أن تنظر في المرآة إلى وجهها الرطب.

ـ كيم. هل أنت بخير؟

وكان هذا صوت لوكاس مصحوبا بطرقة على الباب فشعرت بغضب عارم ولم تدر ما الذي أشعل فتيل غضبها هكذا، أهو الضيق والذعر اللذان عانتهما هذا الصباح أو هو شعورها بأنها تعيش على أعصابها منذ بدأت العمل في هذا المكتب؟

فتحت الباب بعنف وحملقت في وجه لوكاس وهي تقول:" أنا طبعا بخير. أنت لم تتركهم جميعا لتجيء ولتسألني هذا، أليس كذلك؟ ما الذي سيظنونه؟"

ـ يظنونه؟ ما الذي تتحدثين عنه بحق الله؟

ورأت على وجهه أن لهجتها لم تعجبه.

ـ أتحدث عن هرعك إلى هنا. سيظنون أنك تراقبني متحكما بي، أو أن بيننا علاقة.

حملق فيها وكأنها جنت، ثم قال ببرودة:" أولا، أنا لم (أهرع) إلى أي مكان في حياتي، وثانيا، هذه هي المرة الأولى التي تتأخرين فيها عن الثامنة والنصف منذ اشتغلت هنا. وعندما قرعت لك الجرس دون أن تأتي، تساءلت عما إذا أصابك حادث في الطريق بسبب حالة الجو الفظيعة"

ـ حسنا، لم يحدث لي شيء.

ـ هذا ما يبدو. أما بالنسبة لرأي الآخرين في ما يتعلق بتصرفاتي مع سكرتيرتي، فهذا ما لا شأن لأحد به.

ـ بكلمات أخرى، لا يهمك ما الذي سيظنونه.

قالت هذا ببرودة بالغة، بينما كانت قطرة تسيل على جبينها.

ـ لا تكوني سخيفة.

كان غاضبا حقا فقد التهبت عيناه.

ـ لست سخيفة بهذا القول.

علمت أن عليها أن تسكت، لكن لسانها لم يطعها، فتابعت:" قد تظن أن لا بأس بأن يعتقد الناس أن بيننا علاقة، لكنني لا أوافقك! وربما يتحدث الجميع بأننا نتقابل خارج العمل. ماذا تظن رأيهم في هذا؟"

فقال بصوت ناعم يدل على غضب مستتر:" أننا معجبان ببعضنا البعض؟"

ردت بحدة وتوتر:" أنت تعرف ما قد يظنون، خصوصا بالنسبة إلى سمعتك"

بدا وكأنه على وشك أن يمسكها ويهزها:" هذا يكفي يا كيم"

ـ لا ، هذا لا يكفي.

لم تستطع أن تتذكر كيف بدأ هذا كله، لكنها أدركت فجأة أنه يختمر في داخلها منذ أسابيع، إن لم يكن شهورا، وربما منذ الأيام الأولى لعلاقتهما عندما بدأ يتسلل إلى حياتها وقلبها.

لم يكن لديها القوة والإرادة أو الشجاعة لكي تواجه الألم والنبذ إذا ما تركها. فقد غرس غراهام في ذهنها أنها ذات جمال سطحي فارغ لا لب فيه، وأنها باردة لا خير فيها في العلاقة الزوجية... وظل يكرر الأمر حتى بدأت تصدق ذلك بالرغم عنها.

ـ عندما تهدئين، تعالي إلى مكتبي لنبدأ العمل. وسنتحدث عن هذا لاحقا.

قالت بصوت ثابت ووجه بالغ الشحوب:" أنا أقدم ليك استقالتي، واعلم أنني هادئة الآن"

فقال بارتياب:" أتستقيلين لأنني سألتك إن كنت بخير؟"

ـ لا، نعم. أعني أنني لا أريد أن أعمل هنا بعد الآن.

ومنعت نفسها من الصراخ وأخذت تغالب دموعها بجهد خارق.

فقال عابسا:" لا تريدين أن تعملي عندي؟ وماذا بشأن ميلودي؟"

فرفعت رأسها متحدية:" ماذا بشأنها؟ لقد دفعت كل الديون وسأجد عملا يغطي نفقاتنا وهذا كل ما أريده"

فقال بخشونة:" أعني ماذا بشأني أنا وميلودي؟ هل غاب عن ذهنك أن ابنتك أصبحت مولعة بي فإذا اختفيت فجأة من حياتها فماذا سيكون تأثير ذلك فيها؟ إنه لا يختلف كثيرا عن تأثير فراقك أنت لها"

نفضت رأسها إلى الخلف، وقد توهج وجهها بمزيج من التمرد والذعر... الذعر الذي جعلها تنطق بكلمات كحد السيف، كلمات قاسية، كلمات لم تكن تعنيها حتى وهي تنطق بها:" إذن، كل ذلك كان مكيدة لكي تجذبني إلى سريرك.. لقد جعلت ميلودي تتعلق بك، أليس كذلك؟ أتراك ترضى بأن تهبط إلى هذا المستوى بحيث تستغل طفلة لتحقق مآربك؟"

قالت هذا بصوت متحجر تغطي به نحيبها في داخلها. بقي لحظة ينظر إليها غير مصدق، وذا بها ترى ثورة غضب لم تر مثلها قط في وجه إنسان، فقد أظلمت ملامحه كعاصفة شتوية هوجاء. دخل إلى غرفة الاستراحة الصغيرة صافقا الباب خلفه، فيما عيناه تنفثان لهبا في وجهها الخائف:" لقد تقبلت منك أشياء لم أتقبلها من أي امرأة أخرى، فانظري إلى أين انتهى بي هذا. فكرت في أنك بحاجة إلى وقت، إلى حنان ورفق، مثل الحصان الأصيل المتوتر الأعصاب الذي أساء شخص مغفل معاملته لكي يحطم إرادته. حاولت أن أريك من أنا وما هو نوعي.. لقد عرّيت روحي لك، يا كيم، وهذا ما لم أفعله قط لامرأة أخرى، فيا لي من غبي أحمق"

ـ لوكاس، أرجوك

كان الهلع والخوف يتملكانها، بدا في وجهه من المشاعر ما ظنت معه أنها ستموت رعبا.

وكان هو يتابع مزمجرا بغضب:" بينما أنت طوال الوقت تعتبرينني رجلا منحطا مريضا يحتال على طفلة لكي يحصل على أمها. أهكذا ترين تصرفاتي؟ لا مشاعر سامية، لا حب في القلب... وإنما حاجة جسدية تتطلب الإشباع"

همست بيأس:" أنا لم أقل هذا"

ـ بل هذا ما قلته بالضبط. حسنا، ربما تفضلين أن أكون كما تصفينني لكي تشعري بالرضا لأنك كنت على صواب.

ودون إنذار جذبها إليه بوحشية جعلت رأسها ينتفض إلى الخلف بحدة، كاشفا عن عنقها ورافعا وجهها إلى وجهه. التحكم بأعصابه تلاشى الآن بفعل القنبلة التي قذفته بها. وعندما أخذت تقاومه أحنى رأسه معانقا إياها بالقوة.

ذكرى ما قاسته مع غراهام، أصبحت حقيقية فجأة، ولكن بدلا من ذلك الرجل المقيت الذي كان يثير اشمئزازها، وتينك اليدين اللتين كانتا تحطمان ضلوعها، كان هذا لوكاس. كان في عناقه تسلط ولكنه مع ذلك أشعل نيران قلبها ولم يعد هناك خوف أو اشمئزاز عل عاصفة هبت في كل كيانها مهددة إياها بالغرق. استمرت في المقاومة عدة لحظات أخرى شاعرة بالكرب والضيق وتشتت الذهن.. لكن عناقه هذا غزا عقلها وجسدها ما جعلها تتوقف عن المقاومة.

قال صارفا بأسنانه:" أنت تريدينني يا كيم. قد لا يعجبك هذا، وقد لا أعجبك أنا... ومع ذلك أنت تريدينني"

كان يشدها إليه واضعا يديه خلف رأسها، فشعرت بحرارته وتحديه لها.

ـ لا...

نطقت بذلك بوهن وتخاذل، فلاحظ ذلك وقال بنبرة أهدأ:" بل هو كذلك، نعم، يا سكرتيرتي الصغيرة الباردة، يا ملكة الثلج المراوغة"

لم تستطع أن تقاوم تأثيره فيها... وأخيرا تخلت عن كل محاولة في الكذب على نفسها وعلى لوكاس فأخذت تبادله عناقه بشغف.

كان شوقها كبيرا إلى هذا الرجل الذي تحب... لم يكن هناك ماض ولا مستقبل وإنما مجرد تقارب واستغلال لمشاعرهما القوية المتبادلة.

ثم شعرت به يعيدها إلى الخلف ففتحت عينيها على اتساعهما. إنهما هنا يتعانقان والاجتماع قائم في الغرفة الأخرى ومن الممكن لأي شخص أن، يدخل ليبحث عنهما.

ولا بد أن الفكرة نفسها خطرت للوكاس إذ تجمد في مكانه لحظة وتمزقت أنفاسه وهو يجاهد للسيطرة على نفسه. ووجدت كيم نفسها تنظر إلى وجهه مباشرة، فرأت العينين الفضيتين صافيتين متألقتين ولمعانهما يلهب عقلها.

عندما ابتعد عنها، كان ذلك ببطء، ما منحها وقتا لتمالك نفسها. تراجع خطوة، مسويا شعره عدة مرات قبل أن يعدل من ياقة قميصه ثم ربطة عنقه فيما كانت هي تحدق إليه بعينين واسعتين غير مصدقتين.

رأته يفتح الباب ثم يستدير خارجا، ولكن حتى بعد أن انغلق الباب مرة أخرى وبقيت وحدها، بقيت جامدة. ثم أخذت ترتجف، ليس بسبب الشعور بالخزي الذي شعرت به عندما بدأت تفيق إلى نفسها، بل لأنه ذهب، ولأنه لا يريدها، ولولا ذلك لما استطاع الابتعاد عنها.

10 ـ نعم يا حبيبة





عندما عادت إلى شخصية السيدة ألن الهادئة المنضبطة، خرجت من غرفة الاستراحة ثم تابعت سيرها خارجة من المبنى.

كان خروجها بهذا الشكل جبنا... ولكنها لم تستطع فعل شيء آخر... أخذت تسوق سيارتها في الطريق الذي جاءت منه منذ ساعة. لكن التفكير في مواجهة لوكاس مرة أخرى كان مستحيلا. ستكتب استقالتها الرسمية الليلة، ومن باب اللياقة سترد السبب إلى ظروف عائلية قاهرة.

وفيما بعد، فكرت ساخرة في سهولة الكذب وحالما وصلت إلى البيت رفعت سماعة الهاتف من مكانها، ثم جلست والتعاسة تملأ قلبها وأجهشت بالبكاء. وبعد عاصفة البكاء التي تركتها شاحبة الوجه حمراء العينين، حضرت لنفسها فنجان قهوة سوداء ثقيلة وجلست تدرس وضعها.

لقد أحرقت مراكبها مع لوكاس، فوصلت إلى نقطة اللارجوع.

وكان ذلك مدمرا... لقد أراها بشكل موجز وواف أن بإمكانه أن يأخذها أو يتركها، ثم قرر أن يتركها وهي لا تستطيع أن تلومه، لا تستطيع حقا.

وتأوهت بصوت خافت فتجاوب الصدى في أنحاء الغرفة كصرخة حيوان صغير يتألم.

لم يكن لوكاس مثل غراهام. وقفت ثم صعدت إلى غرفتها حيث ملأت مغطس الحمام. شعرت بأنها قذرة، ليس بسبب المشاعر التي سمحت بها لنفسها مع لوكاس بل بسبب اتهاماتها.. فحتى وهي تقذفه بها كانت تعلم أنها لا تعني ما تقول حقا. لكن لوكاس لم يعلم ذلك، وهو لن يصدقها الآن مهما قالت، ولا بد أنه كرهها. وتأوهت مرة أخرى ودموع ساخنة تنهمر على خديها.

استمرت في البكاء طول الوقت الذي أمضته في الحمام. ولكن عندما ارتدت ثيابها، حدثت نفسها بأن عليها أن تتماسك.

وكعادة الجو الانكليزي، استحالت عاصفة الصباح الممطرة العنيفة إلى نهار معتدل هادئ مشمس. ونظرت كيم إلى ساعتها وهي تنزل إلى الطابق الأسفل، إنها الحادية عشرة ولنصف وما زال أمامها ست ساعات قبل أن تذهب لإحضار ميلودي، ولكنها ستجن إذا أمضت هذا الوقت في المنزل غارقة في أحزانها.

نظرت إلى الهاتف، وعندما مدت يدها لتعيد السماعة إلى مكانها، عادت فمنعت نفسها.

ستكتب استقالتها الآن، ثم تضعها في البريد حين تخرج لتتمشى، وسيتلقاها لوكاس غدا صباحا. وإذا كان يحاول أن يتصل بها الآن فهي لا تريد أن تعلم فالتحدث إليه هو آخر ما تريده. فهي ستنهار وتذل نفسها أكثر مما فعلت، ستتوسل إليه أن يسامحها أو ما شابه، بينما هو قد أفهمها، قولا وفعلا، أنه انتهى منها.

كيف حدث أن فقدانه جعلها تعتبر نفسها أكبر حمقاء في العالم؟ ولكن، من ناحية أخرى، لعلها لم تحصل عليه قط منذ البداية؟ ولماذا يريدها رجل مثل لوكاس كين؟ وفاضت في نفسها كل شكوكها القديمة ومشاعر عدم الثقة والأمان. حاولت أن تقنع نفسها بأنها قامت بالعمل الصواب لكنها لم تقتنع تماما بذلك كما اعتادت.

كان عليها أن تمنحه، وتمنح نفسها فرصة. وبلغ منها الاضطراب حدا أشعرها بالغثيان لأنها أدركت فداحة غلطتها. لقد فعل كل ما هو صواب، فقذفته به في وجهه.

وكان لوكاس على صواب. فقد انتصر غراهام حتى في قبره. وهي تركته ينتصر، بل ساعدته وشجعته على ذلك. لقد اعترف لها لوكاس بحبه. ولا تدري ما إذا كان ذلك سيتطور أكثر ليصل إلى الزواج. لكنها الآن لن تدري أبدا.

أخرجت دفتر رسائلها ومغلفاتها، وقبل أن تفقد أعصابها، كتبت رسالة إلى لوكاس تخبره بشعورها بالضبط. هدمت كل الحواجز وعرّت روحها، كشفت عن نفسيتها كليا ما جعلها تشعر بأنها عادت طفلة مرة أخرى، طفلة ضعيفة غير آمنة. لم تتضرع أو تتوسل. لم تطلب أن يعيدها إليه سواء إلى قلبه أو إلى مكتبه. أخبرته فقط بشعورها نحوه. وأنهت الرسالة بقولها إنها تضع استقالتها مع هذه الرسالة، فإذا قبلها فهي تتفهم ذلك وتعذره. أما إذا شاء أن يمنحها فرصة أخرى، فليمزقها وليخبرها بذلك.

وعندما كتبت استقالتها وأقفلت المغلف على الورقتين، شعرت بتحسن.

ستذهب لتتمشى، فقد مضى دهر منذ تمشت وحدها في الهواء الطلق، وستضع الرسالة في البريد.

لقد أحدثت فوضى هائلة لا تغتفر، فرقت بينها وبين الرجل الوحيد الذي قد تحبه في العالم. وإذا لم يكن حب لوكاس لها كافيا لكي يصفح عنها، فما عليها إلا لوم نفسها، فقد منحته القليل في هذه العلاقة التي كانت من جانب واحد. أملها الوحيد كان لوكاس نفسه، لأنه لم يكن كغيره من الرجال، بل هو أفضل حتى من أحسنهم.

غادرت المنزل بسرعة وقد عادت الدموع تنهمر من عينيها، ولكن عندما سارت في جو أيلول المعتدل جفت دموعها. بعد أن وضعت الرسالة في البريد، تمشت قرب أرض مشجرة تحتوي على ملعب للأولاد، وجلست لبعض الوقت على أحد المقاعد الخشبية، بينما أشعة الشمس الضعيفة تدفئ وجهها.

وفي الساعة الرابعة عادت إلى البيت. وعندما دارت حول زاوية الشارع رأت سيارة واقفة أمام بيتها، فألقت عليها نظرة سريعة، لأنها لم تتعرف عليها.

وما إن وصلت إلى طريق بيتها، حتى انفتح باب السيارة وناداها تشارلي، بواب الشركة.

ـ تشارلي؟

أخذت تحدق إليه بحيرة بالغة ثم سارت إليه تحدق إلى وجهه المغضن تسأله:" ما الذي تفعله هنا؟ وكيف عرفت مكاني؟"

ـ أعطاني الرئيس عنوانك فقد كان يبحث عنك منذ فترة، واتصل بك مرارا هذا النهار. وبعد أن جاء إلى هنا ولم يجدك، قلت له إنني سآتي وأنتظرك أمام بيتك.

ـ أحقا؟ لا أفهم.

كانت كيم ضائعة تماما. ولكن كان في وجه الرجل العجوز شيء ما جعلها تنتبه.

ـ أراد العودة بنفسه لكنه فكر في أنه سيكون أكثر نفعا في المستشفى. ولم يشأ أن يتدخل أي شخص أخر، لكنك تعرفين طريقة حديثه معي فأنا أعرفه منذ كان طفلا صغيرا.

كان يتحدث بشكل غير مترابط، ثم، وكأنه تذكر شيئا ما، قال بهدوء:" إنها صغيرتك، لا تدعي الذعر يتملكك، لكنها في المستشفى. فقد ساءت صحتها قليلا في المدرسة"

شحب وجهها:" ميلودي، أين هي؟"

ـ في المستشفى، وسآخذك إلى هناك، هذا ما قاله الرئيس.

ـ أواه، يا تشارلي.

ووجدت نفسها تتمسك بسطح السيارة وكأنه حبل النجاة. أخذها تشارلي إلى المستشفى، ومن ثم اصطحبتها ممرضة ذات وجه عطوف إلى قسم الأطفال. ولم تقل الممرضة أكثر من أن ميلودي كانت مريضة في المدرسة، وهم يجرون لها الآن الفحوصات اللازمة. لكن الممرضة المسؤولة كانت أكثر عونا فقالت برقة بالغة:" هناك اشتباه في أنها مصابة بالتهاب السحايا وهي الآن في غرفة معزولة حيث الأمراض المعدية.هل كانت صحة ميلودي سيئة منذ يوم أو يومين؟"

ـ كانت متعبة قليلا وتعاني من صداع. لم أشأ أن أرسلها إلى المدرسة هذا الصباح، لكنها بكت وأصرت على الذهاب. كانوا يختارون أطفالا لعرض سيقام الأسبوع القادم.

كانت كيم تتحدث، شاعرة بأنها أسوأ أم في لعالم، فأومأت الممرضة المسؤولة متفهمة وقالت بهدوء:" لقد ساءت صحتها في منتصف النهار. وبما أن المدرسة تبلغت بأمر طفلة أخرى مريضة، قرروا عدم إرجاء الأمر. وعندما لم يستطيعوا الاتصال بك أدخلوها المستشفى، وكان قرارا حكيما. ستكون بأحسن حال فلا تقلقي، فهذا المرض سهل المعالجة إذا اكتشف باكرا. لكن بعض الحالات تسوء بسرعة خصوصا بالنسبة إلى الأطفال الرضع ومن هم في سن ميلودي"

سألت بشبه إغماء:" هل تمكنني.. أن أراها؟"

ـ طبعا. خطيبك جالس معها منذ أحضروها تقريبا. لم تكن وحدها عندما أجرينا الفحوصات، يا سيدة ألن. أظن أن فصل صغير الدب عن أمه أسهل من فصل ميلودي عن السيد كين.

خطيبها؟ وحدقت كيم في المرأة الصغيرة الجسم الرشيقة الحركات، ولم تقل شيئا.

عندما دخلت كيم الغرفة الصغيرة المعقمة، نهض لوكاس على الفور من كرسيه بجانب السرير، ولكن ليس قبل أن تراه وهو يمسك باليد الصغيرة. ميلودي غارقة في النوم، وشعرها الأشقر منتشر على الوسادة، وأهدابها الكثيفة منسدلة على وجنتيها المتوهجتين. فكرت كيم بوهن بأنها لا تبدو مريضة أبدا...وسارت إليها ووقفت تنظر إلى الجسم الصغير، والدموع تنهمر على خديها الشاحبتين.

ـ لا بأس عليها. ألم يخبروك بأنها على ما يرام؟

قال لوكاس لها هذا برقة وهو يتقدم ليقف بجانبها وذراعه حول كتفيها.

ـ أواه، يا لوكاس.

ارتمت بين ذراعيه وهي تشهق من دون وعي، فاحتضنها بشدة إلى أن هدأت في حين غادرت الممرضة المسؤولة الغرفة وبقيا وحيدين.

أبعدها عنه قليلا ونظر إليها بحزم وهو يقول:" ستشفى حقا يا كيم. هذا القول ليس للتهدئة. فقد سألت كل المسئولين، لأنهم تداركوا المرض في بدايته"

ساد صمت آخر ولكنها ظلت عاجزة عن الكلام، وكانت الدموع تتألق على خديها كاللآلئ.

ـ أنا آسفة.

قالت هذا همسا ولكنه سمعه. فقال:" هذا ليس ذنبك يا كيم، فما كنت لتعلمي بمرضها"

ـ أعني... أبني عنا، نحن الاثنين هذا الصباح، وكل شيء. أنا... أنا لا أصدق أنني قلت كل ذلك.

ـ أنت آسفة؟ عندما عانقتك رغما عنك؟ عندما أرسلتك هاربة إلى مكان لا يعله سوى الله؟ لن أصفح عن نفسي أبد...

قال هذا برقة مرّة، حدثتها عن عذاب داخلي، فردت بصوت متهدج:" لم يكن الأمر بهذا الشكل. أنا التي كنت فظيعة وأنا التي قلت أشياء شنيعة"

وشعرت بأحداث النهار وما تخللها من مشاعر، تشلها، لكنها لم تستطع أن تدعه يتحمل اللوم على خطأ ارتكبته هي.

قال بفظاظة وصوته يهتز:" جعلتك تقولين هذا. أنت لم تكذبي علي قط، يا كيم، بل كنت صادقة منذ أول يوم، موضحة بأنك لا تريدين التورط مع أي رجل. ولكن، بغطرستي، ظننت، لأنني أحببتك كثيرا، أن بإمكاني أن أجعلك تحبينني، لم أستطع أن أصدق أن بإمكاني أن أحبك دون أن تحبيني. استعملت الانجذاب بيننا لأحاول لفت انتباهك إلي كرجل وليس كرئيسك في العمل"

ـ ود... وقد حصل ذلك معي.

ـ بصفتي صديق، أعرف هذا.

وتنفس بعمق وصعوبة، لكنهما جمدا فجأة عندما تنهدت الطفلة في السرير برقة قبل أن تعود إلى النقم بشكل أعمق.

لقد قال إنه أحبها.. أتراه ما زال يحبها؟

قالت كيم بهمس مهتز:" ليس بصفة صديق، فأنا... أنا أحبك يا لوكاس. لقد حصل ذلك منذ تعارفن تقريبا، لكنني كنت خائفة كثيرا... وما حدث معي في الماضي أحبطني وجعلني لا أستطيع أن أصدق أن هذا سينجح. غراهام.. ما قاله وفعله جعلاني لا أستطيع أن أصدق أن أي رجل سيرغب فيّ إذا عرف حقيقتي. قال إنني باردة، جميلة ظاهرا وخاوية في الداخل"

كان ينظر إليها وعدم التصديق على وجهه الصلب الوسيم. وهذا ما أقنع كيم بمقدار ما كانت عليه من خطأ وضلال لأنها قارنت غراهام ولوكاس ببعضهما البعض ولو لحظة واحدة.

لوكاس من الرجال الذين يحبون إلى الأبد. وقد سحقت كبرياء رجولته هذا الصباح، فجعلته يكره نفسه. ومع ذلك، وفيما هو يعتقد أن كل شيء انتهى بينهما وأنها أصبحت تشمئز منه، فإذا به يأتي إلى المستشفى ليكون مع ميلودي لأنه عرف أن ليس بإمكان أمها ذلك. قد يكون رجلا صلبا قاسيا، لكنه معها ومع ميلودي رائع.

ـ كيم، أنا أحبك أكثر مما أستطيع أن أقول، وسأحبك على الدوام. أريد أن أتزوجك وأنجب منك أطفالا، وأشيخ معك. أريد أن أعلم أنك زوجتي وأن لي الحق في أن أدللك وأحميك وأعتني بك وبأسرتي. أحبك أكثر من الحياة يا كيم. التفكير في ما عانيته يقتلني، لكنني سأمضي بقية حياتي وأنا أعوضك عما حدث لك، إذا سمحت لي.

ـ ظننتك لم تعد تريدني هذا الصباح. عندما توقفت...

ولم تستطع أن تكمل لكنها لم تكن بحاجة إلى ذلك.

ـ لقد توقفت لأنني أدركت فجأة ما كنت أفعل.

قال هذا برقة فائقة، وصوت أبح، واللكنة الخفيفة التي تتخلل كلماته تمنحها نغما غامضا:" لقد فقدت سيطرتي على نفسي، وكنت غاضبا، وللأسف لم أكن أفضل من غراهام..."

ـ لا، لا تقل هذا أبدا. فأنت الأفضل بين الرجال.

ووضعت إصبعها على فمه وصوتها يرتجف.

ضمها إلى قلبه، يطمئنها برقة في البداية، ثم شدها إليه وهو يهمس بحبه:" قد تتلاشى الأرض والسماء يا حبيبتي، وقد يتوقف القمر عن اللمعان، وقد تسقط السماء في البحر، لكنني لن أكف قط عن حبك"

تمتم بذلك بعد أن افترقا قليلا لينظرا إلى بعضهما البعض.

تحدثا وتبادلا العناق. بعد ذلك قال لوكاس:" أشعر وكأنها ابنتي، أنا أيضا"

همس بذلك بلطف، وهو يرفع ذقن كيم بإصبعه وينظر في عينيها:" منذ رأيتها لأول مرة، وأقسم أنها شعرت نحوي بالشيء نفسه. كدت أجن حقا عندما جئت إلى هنا قبل أن يقولوا لي إنها ستشفى"

تمتمت بهدوء:" هل قلت إنك خطيبي؟"

ـ علمت أن الأقرباء فقط يسمح لهم بالجلوس مع المريض.

ـ أواه، يا لوكاس.

ـ أحب أن أتبناها قانونيا، يا كيم، وبهذا تحمل اسمي بعد أن نتزوج.

فقالت وهي ترتعش:" أواهي يا لوكاس"

وبعد ذلك بوقت طويل، استيقظت ميلودي بشكل طبيعي، فوجدت كيم ولوكاس جالسين بجانب السرير، وذراع لوكاس تضم كيم إليه بشدة، ورأسها ملقى على كتفه وهي نائمة.

تأملتهما ميلودي بعينين ناعستين، فابتسم لها لوكاس قائلا:" مرحى، يا حبيبة، هل تشعرين بتحسن الآن؟"

فأومأت ورأسها يدور، وعيناها تتوهجان مرة أخرى إلى يديهما المتشابكتين ووجه أمها النائم.

ـ لوكاس؟

ـ نعم يا حبيبة؟

ـ هل ستكون بابا الجديد؟

ـ نعم يا حبيبة.

ـ ممتاز.

***


تمـ بحمد الله ـت

 
 

 

عرض البوم صور safsaf313   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
أحلام, أنين الذكريات, helen brooks, دار الفراشة, روايات, روايات احلام, روايات احلام المكتوبة, روايات رومانسية, the irresistible tycoon, هيلين بروكس
facebook




جديد مواضيع قسم روايات احلام المكتوبة
أدوات الموضوع
مشاهدة صفحة طباعة الموضوع مشاهدة صفحة طباعة الموضوع
تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة



الساعة الآن 07:18 PM.


 



Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية