كاتب الموضوع :
dede77
المنتدى :
روايات احلام المكتوبة
وكان هذا كل ما قاله ، دون أي ابتسام على وجهه ، وعاد للاهتمام بحذاء ركوبه ، طويل وطري ، ولون الجلد أحمر لماع . ومرر يده فوق الجلد ، وأحست مايا بتوتر الأعصاب الدقيقة في صدرها . ولم تكن ساذجة حتى لا تعرف سبب هذه المشاعر وهي تنظر الى تلك اليد وكأنها يد السياف ، بأظافرها المقلمة .. ماذا كان يا ترى في وجوده السابق ؟ ساحر ، أم أحد أبناء طبقة النبلاء في بلاده ؟ واستدار إليها مبتسمآ .
-ما رأيك ؟ هل هو أنيق أكثر من اللزوم على مدير فندق ؟
-إنه يشبه حذاء " الكوندوتيير".
-آه .. الجنود المرتزقة ... ؟ أعتقد بإمكانك أن تقولي إنني نسخة عصرية من واحد منهم .
وتركا المحل ، حاملين الرزمتين . وفي الخارج عند الرصيف شعرت مايا بميل متوتر لأن تقول له أنها غيرت رأيها بشرب الشاي معه . ونظرت إليه ، وتوقف النفس في حلقها ، لأنه بدا وكأنه يقرأ افكارها .. و قال لها :
-كم أنت جميلة بشكل شيطاني .. أنت مخلوق نادر يا مايا كولين ..
-أوه .. و لماذا ؟
وتصاعد الدفء إلى وجنتيها ، وتسارعت ضربات نبضها عند أسفل حنجرتها لا شيء أكثر خطرآ من أن يفكر هذا الرجل بأنها جذابة ...
ولاشيء أكثر غباء من البقاء رغم إدراكها أنها راغبة بأن يطول هذا اللقاء المر الحلو .
-لديك زوج من الأذنين الرائعتين ، ألا تلاحظين هذا لا يملك مثلهما الكثير من الناس .
-براد ...
-لا تتجرأي على قول ما أراه مكتوب في عينيك . تستطيعين ترك سيارتك حيث هي وسنذهب إلى المكان الذي في ذهني لنتناول الشاي . هل هذا كثير علي .. بينما باد دينغول سيحصل عليك لإفطاره وغذائه وعشائه ؟
-وهل هذا أمر حكيم ؟
-انها يا مايا ، أدركت هذا براءتك المطلقة ام لا ، ملاحظة استفزازية . اذا كنت تريدين التساؤل عن الحكمة من وجودك معي .. ياعزيزتي .. في المرة الأخيرة أنا من تلقيت الضربة بركبتك .
-أنت لاتنسى أبدآ ، أو تغفر بسهولة . أليس كذلك يا براد ؟
-لازلت أملك الروح الايطالية يا مايا ، وليس لدي الوقت للنساء اللواتي دون أخلاق . قد آلمني ذلك ، ولكنني كنت أستحقه ...
وهذا جيد لك .. يا إلهي هذه الشيطانة الرقيقة كيف تملك ركبة حادة بهذا الشكل !
-براد .. كان يمكن أن تقتلني !
-في تلك اللحظة الثمينة ؟ تعالي ، سيارتي عند المنعطف وسأسحبك تحت ذراعي إذا لم تسيري معي .
واشتدت قبضة أصابعها على الصندوق الذي تحمله ، كانت محنة بالنسبة لها أن تذهب معه أو لا تذهب . وخطا نحوها خطوة تهديد . إنه قادر على تنفيذ تهديده . وسارت مايا معه إلى سيارته . وهي تشعر بأن الأرض تميل تحت قدميها ... وسارت السيارة بهما عبر بولفار "سان سيت " باتجاه أودية بيفرلي هيلز ، ثم خرجت الى شارع عريض يقود نحو لاس بالماس . إنهما متجهان نحو فندق " برج الشمس ".
_انت مضطربة كقطة متواجدة على الجانب الخاطئ من السياج ... أرتاحي .. وستتمتعين بالمشوار ... نا فأنا لن اختطفك ، على الرغم من أن الفكرة مغرية . أتعلمين ، في مناطق معينة من إيطاليا عندما يكون هناك إعتراض عائلي على زواج محبوبين ، يقم الشاب باختطاف الفتاة ويهرب معها . وبعد قضاء ليلة معه ، لا يعود هناك إي اعتراض على الزواج ، وهكذا يتم تزويجهما لاستعادة سمعة الفتاة ... هل تظنين أن مثل هذا ينجح في أميركا ؟
-لا أنصحك بالمحاولة .. فالفتيات الأميركيات لسن ، رومنسيات هكذا ، إذا كان هذا ما يجري في تلال ايطاليا المجنونة ...
-ألايبدو مثل هذا الهروب رومانسيآ لك ؟ وهل أنت متمسكة جدآ بكل التعقيدات و الطقوس لما يسمى بالزواج الحديث ؟ انك متحفظة كثيرآ يا مايا ، و لا أستطيع تصور أنك تحبين فكرة كونك نجمة ملفوفة بالساتان لزواج ضخم ، يدعى إليه العديد من الناس ، والعديد من الهدايا ، و العيون الحاسدة عليك منذ اللحظة التي تأخذين فيها مكانك إلى جانب العريس ، وكأنك شبح جميل .. أعتقد أنك تفضلين الهرب عبر الحدود إلى بلدة هادئة ، وتنهين الأمر بأسرع وقت ممكن .. هل أنا على حق ؟
-أنا واثقة أنك تظن نفسك محقآ
-لقد راقبت التعبيرات على وجهك وأنت تشاهدين حذاء الزفاف . هل شاهدت فيه ابتسامة سندريللا ؟
-لديك مخيلة نشطة يا براد، وموهبة اللاتين في صنع الغموض حيث لا يوجد أي غموض .
-لقد فهمت ، أنت لا تثقين سوى بقلبك .. هه ؟
-صعب علي ان أثق بك .
-لا أستطيع فهم لماذا لآ .. في وقت أملك فيه حب اللاتين للتكتم . هل هناك أشياء في قلبك لا يجب أن تقوليها لي ، يا ماريا ؟
-قلبي يا سنيور ، شأني الخاص ، وإذا كنت ستمثل دور المحقق ، سأضطر للإصرار على أن تعيدني بسيارتك إلى حيث تقف سيارتي ...
-آه ... ألن يكون ملائمآ لو تناولت الشاي معك وتبادلنا حديثآ مهذبآ ، وأبقيت نفسي بعيدآ عنك ؟ كم هو ممل يا مايا .. كم هو مثير للضجر أن تمتنعي عن قول ماهو محرم .. على كل الأحوال من سيعرف لو فعلتي ؟
-أنا سأعرف ..
-أليس هذا عناية زائدة بالطهارة ؟ أنا واثق أن خطيبك الشاب ماهر في تسديد ضربة في التنس ، ولكنني اشك في قدرته على قراءة مافي فكر امرأة .. على الأقل فكرك يا مايا ...
-أنا لا أملك فكرآ مخادعآ ، شكرآ لك ، لا أملك فكرآ اسود مشابهآ لما في داخل سمكة نهرية .
-وهل يعرف باد دينغول أن لك طبع غاضب ، ولسان صغير سليط بعض الأحيان ! بالطبع لا يعرف ! إنه لا يعرف شيئآ حقيقيآ عنك . سوف يصدم حتى العظام لو عرف أن عذراء الثلج تستطيع أن تغلي بالغضب وتعرف بالضبط أين تجرد الرجل من سلاحه ... آه كم هذا مضيعة للطاقة ! كرجل أعمال أكره أن أرى أي شيء يعمل بنصف طاقته .
-شكرآ ، إذا كانت طاقتي هي منخفضة لهذا القدر ، إذآ أستطيع القول إنك ستكون سعيدآ للعودة إلى نوع النساء اللواتي يتنازلن أكثرمما أفعل أنا ... بعد أن تكون قد أرضيت فضولك عني ... وهل كنت تظن أنني سأخوض تجربة مجنونة قبل أن أتزوج ... معك ؟
-السماء لا تسمح بأن أكون محظوظآ لهذه الدرجة .
كان يقول هذا ويدخل بسيارته إلى باحة فندقه ، إنه قصره الفضي .. ونزلت من السيارة ووقفت تحدق في المبنى المضاء الذي تختفي بروجه العليا في الضباب . آخر مرة كانت هنا برفقة غلوريا ، ولم تكن تعرف أن المكان ملك براد دونللي ، ولم تكن تحلم بأنه قد راقبها و تساءل ما إذا كانت من النوع الذي يقيم علاقة معه .
واستدارت لتواجهه ... وخفق قلبها عندما التقت بعينيه ، اللامعتين كالكريستال في وجهه الأسمر النحيل ، و قال :
-ماتفكرين به ليس صحيحآ أبدآ أنا أحسد الرجل الأمريكي الذي سيمتلكك ، ولكنني لم أفكر قط ولو للحظة واحدة انك قد تنغمسين في الملذات ، أكان في اللحظة الأخيرة أم العكس .. أتدرين ... ليت أن صنارة تنتزع حلقي لو استطعت أن أصدق أنك مثل بقية النساء لا تهتمين بأن تخادعي ، فاسدة ، تتمسكين بيومك ، ولا تهتمين بغيرك . ولكن يبدو ، علي أن أبتلع تلك الصنارة ، أو أعلق بها .
-لا تتكلم هذا .. هل سنذهب إلى المطعم ؟
وتحركت كأنما تريد أن تعبر إلى الدرج الرخامي الذي يقود إليه الرواق المفروش بالكراسي و السجاد العجمي .. ولكن أصابعه أمسكت بمعصمها .
-بل إلى شقتي .. ولا ترفضي يا سيدتي .. ستكونين آمنة ، وأقسم على هذا !
لمسته كانت دافئة على بشرتها ، حميمة مطمئنة أكثر من أي شيء ، أحست به .. وتمتمت مايا "لا بأس" ورافقها إلى المصعد المكشوف للفندق ، المصنوع من الزجاج و الفولاذ ، الذي حملهما إلى شقته عند قمة تاج المبنى . وأطبق الضباب من حولهما ، وشعرت وكأن نسرآ قد أمسك بها وحملها نحو السماء .
وقطعا ردهة صغيرة مكسوة بالخشب الذهبي اللماع ، وفتح بابآ يوصل إلى غرفة استقبال فرشت أرضيتها بقطع من السجاد الصوفية الخشنة ، من النوع الذي يمكن أن يكون أتى به من ايطاليا . وشاهدت زوجآ من المقاعد الرائعة مكسوة بالأبيض وكأنها مخبأة في فجوات من خشب الماهوغوني الأسود اللماع ... وعلى الجدار ، قناع برونزي مثير ، له وجه شيطاني .. ولم تكن بحاجة لأن تسأل لمن هذه الملامح الإيطالية فيه تلك الشفاه لها نفس الانحناءات التي لبراد عندما يبدأ في سخريته .
وأحست به خلفها ، قريب جدآ كي يشعر به بكل عصب في جسدها . وهمس بها :
-أجل .. هذا دون سيسرو .. أترين شبهي الشديد بجدي الشهير ؟ أتتساءلين مجددآ ما إذا كان الشبه يتجاوز البشرة الداكنة ؟ وما إذا كنت عضوآ في تلك العصابة ومن هناك حصلت على مالي ؟ أهذا ما غرسته عرابتك في رأسك .. هه ؟ وهل تصدقينها ؟
-لا .. صحيح أنني أظن أن لك تفكيرآ قاسيآ لا يرحم ، ولكنك تفضل التحدي بالحصول على مالك بنفسك بدل أن تسرقه .. وأن والدك ووالدتك قد تأذيا أيضآ بسمعته .. ولكن لماذا صنع هذا القناع ؟ ولماذا تلقه على جدارك ؟
-لقد صنعه والدي بناء لطلب سيسرو ، ليذكرني دائمآ ، وأنا حفيده ، بأن الجريمة لا تقود إلى نهاية معروفة ، فقط إلى الموت . كان من المؤسف أنه ترك ايطاليا .. هل يبدو لك أن له وجهه الكافر ؟
-لا .. ولكن الوجوه ممكن أن تكون مخادعة .. أليس كذلك ؟
-وهل تجدين وجهي مخادعآ ؟
ووضع يديه على كتفيها وأدارها لتواجهه ، وحدقت به ، وبدا لها أن له وجه الغازي ، بشعره المنسدل على جبهته ، بأنفه الروماني ، وبفكيه اللذين يمتلكان قوة حادة لا ترحم . ولم يكن لديه أية شكوك حول قواه ، ولم يكن بحاجة أبدآ لأن يكون عضوآ في عصابة .. إنه يقف وحيدآ أمام التحدي ، و "برج الشمس" هو رمزه عن نفسه .
-أنت هنا معزول .. كما النسر ، وهنا وكرك .
-أهلآ بك في وكري .
وقادها عبر الغرفة وفتح بابآ زجاجيآ نحو تراسه الخاص . حيث في وضح النهار هناك منظر رائع للاس بالماس ، وفي الامسيات هناك سحر خيالي من الأضواء و الظلال وكأن المرء عالق في زجاجة جميلة ..
-لا تزالين متوترة .. ألا يعجبك الجانب الآخر من السياج عندي ؟
-كلانا نعرف أنني ألعب دور الهاربة من المنزل ، أليس كذلك يا براد ؟
-لقد ألتقينا صدفة .. ولم نخطط لهذا اللقاء وكأننا متآمران .
-اليست الصدفة تسمية المغفلين للقدر ؟ هناك شيء مقدر بالطريقة التي نلتقي فيها و .. هذا ما يخيفني .. ما كان يجب أن آتي إلى هنا ! كان علي أن أرفض عندما سألتني ...
-القدر لا يسمح لنا دائمآ أن نرفض .. هل لي أن أخذ عنك معطفك .
كان قد صمم على أن يجعلها تبقى وهكذا بأصابع مرتجفة بدأت تفك أزرار معطفها واعطته له . وبما أن التراس عنده مغلق كله بالزجاج فلن يكون هناك أي أثر للبرد ، مع أن البناء الشماخ بدا وكأنه يسبح بين الغيوم ...
-ألن تشتاق إلى هذا عندما تنتقل إلى قصرك الريفي ؟
-لن يبدو ريفيآ بعد أن ينتهي البناؤون وعمال الديكور منه . على كل الأحوال ، سأستخدمه على الأرجح كمركز ريفي ، وسأمضي معظم وقتي هنا .. وهل تعتقدين أن لدي خططآ لاصبح رجل أسرة ؟
-وهل سيكون هذا أمرآ مفاجئآ ؟ حتى النسر عليه أن يشارك في يوم ما بوكره .. أليس هذا قانون الطبيعة ؟
-بالتأكيد .. هذا إذا وجد من تناسبه . فالنسور عنيدون عندما يصل الأمر إلى المشاركة في وكرهم وإذا لم يجدوا رفيقة مختارة يفضلون أن يطيروا لوحدهم .
-وهل هذا ينطبق على نسور ايطاليا ؟ أظن أنه جزء من طبيعتهم أن يرغبوا في ابن يرثهم ويحمل اسمهم .
-على الأرجح هذه رغبة كل رجل طبيعي . ولكنني قيدت رغبتي في نوع خاص من النساء ... هل فكرتي بهذا ؟
مع براد .. تستطيع أن تقول كل ما يجول في رأسها ... وهذا أمر يجب ان تتهرب منه .. ولكن إلى أين ؟ لقد اصطادها في مكان مرتفع فوق العالم الآخر حيث ، الساتان و الفضة ، والأحجار اللامعة ، تتألف معآ لتصنع سلاسل ستربطها بشاب اجتماعي مرغوب ، قلبه لطيف ولكن عيناه لم تجعلاها أبدآ تشعر بالضعف عندما ينظر إليها .
وبدأت العينان الرماديتين تمزقان القميص الحريري عن جسدها النحيل ، ونظرت إليه نظرة ضعيفة .
-لا تفعل هذا يا براد ، لقد وعدتني أن تكون طيبآ ...
-بالنسبة لي .. أنا الآن قديس .. اجلسي بينما أتصل ليجلبوا لنا الشاي .. هل أنت جائعة ؟ لقد حضرت اجتماعآ وفاتني الغداء . وبصراحة أشعر أن علي أن أتناول أكثر من صحن الحلوى العادي المقدم مع الشاي .. ما رأيك ؟ لم تكن قد تناولت غداءً مناسبآ لأنها كانت قلقة على غلوريا .
وهناك بالأحرى شعور فارغ في معدتها . وبدا لها أن براد لو انشغل في تناول الأكل فقد ينشغل عن النظر إليها بهاتين العينين المفترستين .
-أنا جائعة قليلآ .. ماذا في ذهنك .. بالنسبة للطعام .. أعني !
-اراهن أنك في ساتا نيتا لم تتناولي أبدآ الطعام الإيطالي . ولدي رئيس طباخين ماهر ، فهل تتركين الطلبات عليّ ؟
-سأكون مسرورة .
-حسنآ ! اجلسي ، وحاولي أن ترتاحي .. وأنت واقفة هكذا تبدين كفراشة تحاول الهرب .
وابتعد نحو غرفة الجلوس ثم إلى المدخل بعيدآ عن مجال نظرها .
ووقفت مايا جامدة لفترة . وبدا لها الصمت وكأنه يتصاعد مع دقات قلبها .. أرادت فقط أن تذهب ، لأنها لن تستطيع البقاء إلى الأبد ..
وشعرت وكأنها السجين المذنب فغرقت في أحد المقاعد على التراس .
وألقت رأسها إلى الخلف ، وأغلقت عينيها ، وحاولت أن لا تفكر بما سيأتي ، حين يكون عليها أن تواجه عرابتها وتقدم تفسيرآ مناسبآ لوصولها إلى المنزل متأخرة أكثر مما وعدت .. وشعرت بطعنة في ضميرها عندما فكرت بغلوريا وهي مستلقية تعاني صداعآ نتيجة لانهيار عصبي ، سببه القلق على الزفاف ، وذلك الاهتمام المحموم بكل تفصيل دقيق .
وأمسكت مايا بذراعي المقعد ، وتمنت لو تستطيع الاختباء وأن لا تكون النجمة الجذابة في الزفاف . فكيف ستستطيع مواجهة كل هؤلاء الناس . وتلك الأنوار الساطعة لماكنات التصوير والتي ستضيء وجهها لتكشف الظلال التي تحيط بعينيها ؟ وكيف ستقدر أن تبعد ذلك الظل الأسمر ؟ وأقبل ذلك الظل عبرالباب الزجاجي ليقف وينظر إليها .
-أظن أن هذه أول مرة منذ أيام تجلسين دون أن تسمعي في اذنيك الاصوات الجهنمية للنساء في حمى هستيريا الزفاف . أليس كذلك يا مايا ؟
وحركت رأسها بالموافقة ، أذ لم يكن هناك مجال للإنكار بأنها تشعر وكأنها معلقة بين الزمان و المكان ، حيث لا يستطيع أي كان أن يجدها ، حيث تستطيع أن تنسى لفترة بأنها ليست حرة لتكون لوحدها ... كما هو براد حر ، وسيكون دائمآ حرآ ، مثل النسر .
-وكأنك تستعدين للسير نحو الأعدام .. هه ؟
-اوه .. ليس الأمر مخيفآ إلى هذه الدرجة .. ماهذه المخيلة التي عندك يا براد ! أنت ترى الأشياء بالأبيض أو الأسود ، أليست كذلك ؟
-ليس بالكامل .. فأنا أيضآ أرى الأشعة الذهبية و الفضية ... وأظن أنني وإياك سوف نتناول شيئآ لنشربه قبل وصول الطعام . شيء خاص أحتفظ به للأصدقاء .
-إنها صداقة يجب أن تنتهي بعد ساعة .
-عندما لا يعود هناك وقت لدى أميرة الثلج لفارسها ؟
-أنا لست أميرة .. وأنت لست بفارس .
-ماذا أنا إذآ ؟
ونظر مباشرة إلى عينيها ، وتذكرت أول لقاء لها معه ، وكم اعتقدت أنه شرير خطر . كل شيء كان ممكنآ أن يكون صحيحآ حوله ، ما عدا الحقيقة المطلقة ... إنه بالنسبة لمن يحب ، يكون من الكرم بحيث يتركهم يرحلون عنه ... إنه بالنسبة لمن يحب ، يكون من الكرم بحيث يتركهم يرحلون عنه ... والداه في ايطاليا .. شقيقتاه بعيدتان وهو يعيش وحيدآ في برجه العاجي ..
-أنت رجل وحيد .. أراهن أن أمك وأبيك يقولان لك دائمآ أن تجد فتاة ايطالية لتستقر معها .. أتمنى لو أنك تفعل يا براد .
-وهل تتمنين ذلك حقآ ؟
-إنه أفضل من الوحدة .
-إذآ سنتشارك في الوحدة .
ومد يده ، وسحب يديها عن ذراعي المقعد وأمسكها .
-ألن أكون صديقآ إذآ .. حتى هذا ؟ أتحرميني من أكون عمآ لأطفالك الدينغول ؟
-لا تقل هذا يا براد ؟
-لن أفعل .. ولكن كلانا سيفعل .. أنت في طريق مسدود يا مايا .. وقطعة قطعة سوف تتمزقين إلى أن لن يعود باقيآ منك سوى قلبك الباكي .. أنت لا تحبين الرجل الذي سيمتلك كل قطعة حية فيك .
وأدرات رأسها ، غير قادرة أن تلتقي بعينينه . وساد الصمت حولهما مثل ذلك الضباب حول البرج ، واستطاعت أن تشعر بأصابعه تشد حول أصابعها ، والألم من ضغط خاتم باد على عظام أصبعها . أرادت ان تصرخ برعب للصورة التي أثارها ، فهي مخلوقة لأن تكون لرجل واحد فقط ... وذلك الرجل ليس باد دينغول ...
-أنت لا تحبينه ، ولكن هذا لا يهم كل هؤلاء الذين يحضّرون للزفاف ويتمنون لك وله الفرح و السعادة .
-هذا سيجعل غلوريا سعيدة ... أنا مدينة لها ... كثيرآ .
-لتذهب غلوريا إلى الجحيم .!
-لا.. كنت سأوضع في دار للأيتام لولاها ، والدي كان سكيرآ لا أمل فيه .. ولم اكن أحصل على كل ما قدمته لي ... تعليمي ، كسائي ، اصدقائي ... إنه ثمن صغير عليّ أن أدفعه .
-ولن تتوقفي عن الدفع . أنت مدركة لهذا كما أعتقد ؟
-لن تكون حياة سيئة لهذه الدرجة ...
-وهل ستكون حياة سعيدة ؟ يا للسماوات المقدسة ، هل ستكون حياة مثيرة ومكافئة .. شيء تريدين أن تستيقظي عليه ، فرح سوف تتوقين اليه عندما يهبط الظلام ؟
-وهل الرغبة هي كل شيء ؟
-أجل .. إذا التقطها الإنسان في زوج من العيون !
-وهل تظن أنني فعلت هذا ؟
-أنا لا أظن .. يا سيدتي ، بل أعرف .
وحدقت مايا خارج نوافذ التراس ، بعد أن تركها ليصب الشراب ، وأحست كأن الضباب قد بدأ يضغط أكثر على الزجاج ، وبدأت قطرات الماء تنساب عليه مثل الماس ، وجعلها المنظر الغامض الكئيب هذا مسلوبة الإرادة ، وكأنها هنا مع براد قد جنحت فوق قمة الجبل . اوه .. كم من السهولة أن تتمسك بهذا الحلم الغريب ، ولكن كل الأحلام تتبدد أمام الواقع .
وعندما عاد براد قالت :
-يبدو ان الضباب يشتد .. أنا .. أنا في الواقع يجب أن أعود بعد قليل ... قد ينقلب هذا الضباب كثيف يحجب الرؤية .
-سوف أوصلك .. لا تقلقي .. سوف ترين الجحيم و الشهامة في عينيّ قبل أن ينقضي النهار .
ونظرت في عينيه ، ثاقبتان كحد الفأس على رقبتها النحيلة . وأتكأ براد على جدار التراس ، وانعكس وجهه على الزجاج المبلل من الخارج ، وبدا أن بخار الماء يتكثف كلما مرت اللحظات . والرؤية تتلاشى . والأصوات من الأسفل تبتعد وأكثر مما مضى كانا وكأنهما قد انفصلا عن بقية العالم .
-أنت منعزل جدآ هنا .. هل يعطيك هذا شعورآ بالقوة ، وكأنك أمير في قصرك الخاص ، سيد قدرك . الساحر في معقله ، يتآمر لحركته التالية في لعبة مختلفة .. بقدرة عالية الكمال ؟ هل تنظر إلى لاس بالماس وتشعر وبأنك تمتلك روحك الخاصة بك ؟
-شيء من هذا القبيل .. وماذا عن روحك يا مايا ؟ هل هي مغلولة بالقيود ؟
-لا ...
-لا يمكنك الإدعاء معي ، وأنت تعرفين ذلك ، وتعرفين منذ البداية أننا نتشارك في خصائص أكثر فعالية ، أكثر سحرآ ، أكثر أثارة . هل بإمكانك حقآ أن تنكري كل هذا لتلتصقي بمجرد صبي .. سينظر إليك كملك خاص له أكثر فائدة وجاذبية . مثل مضرب التنس أو مضارب الغولف وجياد البولو المدربة ؟ لقد شاهدتيه يلعب ضدي في ملعب التنس ، وجعلته يبدو مضطربآ .. صدقيني .. ليس لديه فكرة عن كيفية التعامل مع امرأة حساسة ، إنه يظن الأمر مجرد أخلاق جيدة وتبريرات بيولوجية .
-إن لك لسانآ حادآ يا براد ، ولكنك لن تجعلني أغير رأيي ، ولن تغلبني ، ولن تصبح سيدي لن أسمح لك !
-وماذا إذا لم تستطيعي المقاومة ؟ .. هيا .. أنت تعرفين أنني سيدك من اللحظة الأولى التي تلاقت فيها عيوننا .
-كم أنت ديك متعجرف واثق من نفسه يا براد !
ورفعت رأسها ، وبدأت تلعب لعبتها ، لأنها كانت لعبة ولن تكون شيئآ غير هذا .
-أنت سيد الكلمة و النساء إضافة الى أنك ساحر مالي . وأنا أعلم ماذا تحاول أن تفعل .. ولكن هذا لن ينجح .
-وماذا أحاول أن أفعل ؟
-أن تشعل شكوكي ، وتزيد من مخاوفي ، وتهمس كالشيطان في أذني .. توقف عن هذا في الحال يابراد .
-وماذا سيحدث إذا لم أفعل ؟ هل سأحرم من النعمة الالهية ؟
-أظن أنك قد تحرم .
-في هذه الحالة ستشاهدين إبليس يسقط كالقذيفة من السماء ... ماعدا أنني لم أكن هناك أبدآ . لقد استرقت النظر عند الأبواب ثم لمعت عينا ملاك ذهبية وأمرني أن أذهب .
ووقف هناك ، حر من أي سيطرة لأي أحد ، سيد نفسه ، ثم اصبح صوته خفيفآ .
-لماذا لا تتوقفين عن أن تكوني شهيدة ؟ وابدأي أن تكوني امرأة . امرأة ترغب في رجل .. وليس بصبي يافع لعين ...!
-ارغب.. وخذ .. واركب الحياة وكأنك القرصان ! أنا لست أنت يا براد ! أنت ذو قلب وثني ! أنت تدفعني لأن أنكث بالوعود ، وأن اخذل الناس ، وأنكر واجباتي التي يجب أن أتممها كي أحافظ على كبريائي . لم يعد لدي سوى هذا . وهذا ماتبقى لي من حياة والدي التي دمرها بيده .
-كل هذا نبيل يا مايا ، ولكنك سوف تتزوجين ضد إرادتك ، وليس هناك في الدنيا أشق على المرأة من ان تعطي نفسها بقلب بارد لرجل ...
-انا .. انا لن أستمع اليك ! سأذهب .. الآن ...
-لن تذهبي إلى أي مكان .. الهروب ثانية من الحقيقة المرة .. مايا ، لن تستطيعي أن تتخلي عن الحب .. أنه أمر رهيب وسوف تبقين مثل شجرة الزيتون بين الصخور .
-ولكنها لن تطرح الثمار ..
-ولكنها ستحمل الذكريات يا مايا بين أوراقها الفضية المرتجفة . لا أنت ، ولا أنا ، ولا باد دينغول ، يستطيع منع نموها ، سوف تكونين مذهولة كيف تستطيع الذكريات أن تنمو مع السنين ، وخاصة في قلب امرأة تنكر حقيقة نفسها ، قدرها الحقيقي ، وتجعل من نفسها لعبة اجتماعية ميكانيكية . تستفيق عند الصباح على القهوة المّرة ، وتستعيد قوتها عند منتصف الصباح بقليل من المشروب ، وتدهن نفسها بالمساحيق عند العشاء أو على حفلة لعب الورق ، أو حفلة راقصة في النادي .
كان يتكلم بعنف يسيطر عليه بقوة ، ولكن عيناه هي التي كانت ترعب مايا . لقد أصبحتا كالفضة الذائبة في وجهه الأسمر وبؤبؤهما فيهما لهيب غريب .. لهيب الحب ! وقال تلك الكلمة أخيرآ .. واخترقتها الكلمة وكأنها شوكة ، مثبتة نفسها في قلبها ، متسببة بألم شخصي حاد .. فهي لا تجروء أن تحبه ... إلا في أعماقها ، في الزوايا السرية في جسدها وفكرها . ولم يبق لها سوى فرحة أنه يحبها .. فرح حلو ومر لا تستطيع أبدآ أن تكشف عنه .
كان عليها أن تجد مافي نفسها لترمي الماء البارد على حماسته ، وتراقب اللهب ينطفئ فجأة في عينيه الملتهبتين هاتين العينين اللتين تظهران لها ان الحب قد يكون رغبة لا مجال فيها لمرور العواطف بين الاصدقاء .. هذا مايجب أن تضحي به لمصلحة شعلة خاصة لا تضيء اي لهيب في دمها . يجب ان تطفئ هذا بينما كل شيء خاص فيها يتوق لأن يذوب في دفء براد القوي و المتقد ، و الذي يعرضه عليها .. نشوة مشاعر لن تستطيع بعدها العودة إلى طهارتها التي تتمسك بها اكثر من اي شيء . طيران مع نسر ليس لها . واستجمعت قواها تحضيرآ للمواجهة بين الحب و الواجب انتهى الفصل الخامس
|