كي يتلامس القمر والغروب, ولكن دون أن يلتقيا أبدا , هه ؟
صمتها كان الرد , وللحظة كان كل شيء خطر بينهما , صوت الطيور والبحر على حافة السكينة .. وكأنه رعد من بعيد .
- وهل أنت واثقة أن حفيد دون سيسرو سيتصرف كسيد مهذب ؟ لن يكون هناك من يشهد على ما أفعله معك , في كهف الراهبات .
كان هذا صحيحا , لديه القوة والجسارة , وقد تنجرف وراء ما يسميه مخاطرة الانجذاب . وشعرت بالرعدة في أعماقها عندما انزلقت أصابعه على عنقها .
- لاتفسد شيئا أحب أن أتذكره .. لا تجعله شيئا قد أحب أن أنساه .
- أترغبين في نصف تفاحة فقط يا مايا ؟
- لقد انقلبت جنة عدن إلى صحراء يا براد , ولا يجب أن يحدث هذا لنا .
- إنه كهفنا .. والبحر يعزف الموسيقى لنا .
وفجأة أصبحت ذراعه قوية ودافئة حول كتفيها , وأدارها لتواجه الأمواج الفضية التي تتحطم فوق الصخور, ناثرة زبد المياه فوق الرمال وإلى أعالي المرتفعات الصخرية التي تسطع الشمس على جوانبها .
واشتدت قبضة أصابعه عليها ... وشعرت بالارتجاف , كشعلة عميقة في داخلها . النار تندفع , والرمال حارة تحت قدميها , والشمس تلسع بشرتها , والبحر والسماء منسجمان في جمال صافي . كانت مدركة لبعض الأشياء , لمشاعرها الحية , للفرح والمأساة. في داخلها كانت كالبحر, دون قرار, لا تخترق , وبدائية .
وشعرت بيده على كتفها وكأنها جناح طير كبير .
- أريدك أن تأخذي هذا .
ورفع يده إلى رقبته وانتزع السلسلة والميدالية الذهبية .
- لقد كانت حول رقبتي لزمن طويل وأصبحت وكأنها جزء مني . خذيها مني على الأقل ... هه ؟
- أوه .. ولكنني لا أرغب في أن أغير حظك ...
- أنا أصنع حظي بنفسي يا مايا .. هل ستقبلين بالميدالية ؟ محفور عليها رسم سانت جايمس , سيد البحر , و سأكون سعيدا لمعرفتي أنك تضعين في رقبتك شيء مني .
- إذا كنت واثقا .. فلا بأس .
ووقفت جامدة وتركته يمرر السلسلة الرقيقة فوق رأسها ويضع الميدالية بين فتحتي قميصها, وأخذت تلمع على بشرتها البيضاء , وأحست بدفء جسده عليها , وكان للهدية قيمة مميزة , وكأنه يقصد أن تفكر به كلما أحست بتحرك الميدالية على جسدها.
- شكرا لك يا براد ... ولكنني لا أملك شيئا أعطيك إياه بالمقابل .
- لديك القهوة والسندوتشات , أليس كذلك يا سيدتي ؟
وابتسمت له ، وسارا فوق الرمال إلى حيث سلة الغذاء في ظل النخيل . وانحنى ملتقطا نظارتها , متلاعبا بها بين أصابعه وهو يتمدد على الرمال . وركعت مايا لتصب له القهوة . إضافة إلى السندوتشات سلطة من البندورة والخس والفلفل الأحمر . وقدمت له حصة أكبر من حصتها من الطعام .
- شكرا .. هذه مكافئة الأولمبي على مجهوده. .
- هل تقوم بمثل هذه المقامرة المرعبة عادة ؟ أنت رجل محير .. ألست كذلك ؟
- معظم المقامرين هكذا ... آه ... هذا اللحم رائع , أظن أن غلوريا ستجن لو أنها رأتني الآن . أشارك مأكولاتها مع ابنتها , التي لم تبدو جذابة هكذا من قبل . بشعرها المربوط والقميص .. وساقيها الطويلتين العاريتين .
- لا أظن أنني شعرت بالذنب هكذا من قبل .. لو أنها علمت بأمر هذه النزهة .. لن تصدق أبدا أن لديك أخلاق الفرسان .
- وهل تصدقين هذا يا مايا ؟ لا تحاولي نزع سلاحي بغرس صفات البطل في رأسي . أنا رجل فقط ولست قديسا ولا مخادعا . وأستطيع أن أكره بقوة لو اضطررت , وكذلك العكس . واجهي الأمر يا مايا .. لا أحب كحلوى بعد الطعام أكثر من شقراء فضية , بعينين صفراوين واسعتين . لذلك أنصحك أن لا تعتمدي على مزاياي الفروسية .
- مهما يكن .. سأعتمد عليها .. أنا لست غبية ، وأعرف أنك رجل عركت الحياة وواجهت الشياطين .. ولكن هناك شيء .. خيط رفيع من التفاهم بيننا , أحب أن يبقى في ذاكرتي ..
- يا إلهي .. أنت تتكلمين كامرأة حياتها أصبحت خلفها بدل أن تكون على وشك أن تبدأ .
- حياتي ستبدأ حقبة جديدة عندما أتزوج باد ...
- أنت لا تحبينه !
- بل أحبه .
- كأخ لك . سيكون الزواج محرما روحيا .
- لا تقل هذا!
- ألا يهمك سماع الحقيقة ؟ ما هو الشيء المشترك بينكما ؟
- لن أتجادل معك يا براد .
- لا .. فمن الصعب المجادلة ضد الحقيقة. وفكرة المرأة عن المنطق معرضة للانكسار مثل سلة من البيض .
- شكرا .. من الواضح أن لك رأيا ممتازا عن تفكير النساء .
- لدي رأي ممتاز أكثر عن إحساس النساء تجاه التضحية . هل اسم الدلع لك في ساتانيتا.. الضحية. ؟
- أوه .. تناول بعض الفلفل .. إذا كنت بحاجة إليه .
- حمقاء صغيرة .. لماذا لا تعترفين بأنهم باعوك الى ذلك المغرور كي يتسنى لغلوريا آرثر أن تنشب أسنانها بالفطيرة السياسية . إنه جواز سفر لها إلى أوساط مجلس الشيوخ عبر زواجك من ابن السيناتور .
كم ستنجح مثل بروثوس !
- أوه . توقف عن هذا ! أنت تفسد غدائي .
- الأفضل إفساد غدائك بدلا من حياتك .
- ماهذا الهراء!
- زواجك من باد دينغول سيصبح مستحيلا لو أنني عرضتك للشبهة .. أليس كذلك ؟
- لن تستطيع أن تفعل هذا ...
- هل تراهنين.. !
- أنت تبدو لئيما بينما أملت أن تكون لطيفا ...أوه ... هذا بعيد عن أملي فيما يتعلق بك . أنت لست رجلا لطيفا .. ألست كذلك ؟
- لم أدعي أبدا هذا . ولايجب أن تتركي الشمس تؤثر على عينيك بحيث ترين هالة القداسة حيث لا توجد .. خذي ..
وأعطاها نظارات الشمس بابتسامة ساخرة , مضيفا :
- ربما تشاهديني على حقيقتي من خلال الزجاج الداكن .
- لماذا عليك أن تكون ساخرا هكذا .
- وهل تفضلين أن أكون مليئا بالخطيئة ؟ سيكون هذا من دواعي سروري , مع أو بدون تعاونك .
- ماذا تحاول أن تفعل يا براد ؟ أن تجعلني أكرهك ؟ هل هذا نوع من الدفاع ضد الناس ؟ أتخاف أن تسمح لأحد أن يدخل معقلك حتى لا يجد هناك رجل من الممكن أن يتألم كالآخرين .
- ياحلوتي .. لقد تعلمت منذ زمن بعيد أن أفضل دفاع هو الهجوم , وهذه قاعدة أعيش عليها في أعمالي ومتعتي . وهذا مايجعل من القرش شيئا رائعا , فهو لا يتوقف ليتساءل ما إذا كان إطباق فكيه على ساق سيكون مؤلما أم لا.
- أرجوك لا تذكرني بهذا ! .. هذه فلسفتك إذا... أن لا تخاف من أن تكون دون شفقة , وأن لا تطلب الشفقة عندما تنقلب الأمور وتخسر اللعب ؟
- ها أنت قد قلتي الحقيقة , انظري إلى الأمر من وجهة نظري . أجد منزلا يعجبني , فاشتريه , ثم أرسل البنائين لإصلاحه , يتبعهم عمال الديكور لتجميله . وماذا يحدث ؟ عرابتك تسمع أن المنزل بيع وعلى وشك أن تسكن , وهذا سيكون أمرا رائعا , طالما أن من سيسكنه رجلا مثلي . أمريكي ايطالي الأصل صنع نفسه بنفسه , من يجب أن يكون غير شريف لأن واحدا من عائلته كان فيما مضى مهاجرا وصل إلى أمريكا في زمن سيء ولم يستطع إيجاد عمل لائق , فانضم إلى عصابة . ولسوء الحظ كان قاسيا وقائدا بطبيعته ووجد نفسه يوما يتولى الأمور كلها , وكان المال رائعا وهو لم يحصل عليه من قبل ... ولكن كل هذا كان في الماضي ويجب أن يكون منسيا , وربما مغفور له , لأنه دفع ثمنا غاليا لذنوبه .. ولكن لا ! لقد دار الزمان إلى أن أصبح برناردو دونللي المالك الجديد لقصر فخم , وملوك المال سيحاولون طردي منه .
وصمت قليلا ثم أردف:
- المحاولة هي كلمة فعالة , ولاشك أبدا أن غلوريا آرثر, سوف تستخدم كل خدعها لمحاولة إثبات أنني شخصية بغيضة . ولكنني أستطيع أن أقاتل وأرد الضربة , وسأضرب تحت الحزام لو اضطررت , ولن أتردد في ضرب تلك المرأة المتعجرفة على انفها . لأمرغه في الباحة الأمامية حيث ترمى النفايات تحت أشجار الورود .
- كان يمكنك أن تشتري منزلا في أي مكان ... با سادينا ليست المنطقة الجذابة الوحيدة في جنوبي كاليفورينا , وسوف يكلفك إرجاع ذلك المكان القديم إلى حالة الأصلية ثروة كبيره , فلماذا أتيت إلى هنا ؟
- ولماذا لا ؟ لقد اكتسبت الحق لأن أعيش حيثما أشاء , ولن تملي علي سيدة من الطبقة الراقية ماتريد , أو تحاول أن تشوه سمعتي .. إنها لا تخيفني يا مايا .. ولا يجب أن تخيفني ..
- أنا .. لا... أخيفك .
- ألا تخيفيني ؟ أنت الآن متوترة , وتتساءلين عما إذا كان لديها كرة زجاج سحرية , تحدق بها لترى كل شيء يحدث هنا .
- لن أستمع إليك ... لقد كانت غلوريا كريمة ولطيفة معي جدا . وهي تهتم بمستقبلي . والفتيات بالنسبة لك مجرد نزوة عابرة .. كل ما تريده أن تقوم بغزو آخر , والأفضل أن يكون مع واحدة مثلي .. فأنا أمثل لك تحديا أكبر , لأنني لست من النوع الأشقر المعتاد عليه .
- أتعتبرين نفسك فوق ذلك الصنف من الفتيات يا مايا ؟ ومع ذلك فقد كان من الممكن أن تكوني واحدة منهن ... ولكن غلوريا تدخلت ... هه ؟ لقد أخذتك لأنه لم يكن هناك شك أنك طفلة مسلية , وربتك , وتأكدت من أن تستعبدك . وتستطيع أن تفعل هذا كما تشاء وأنت ستتعاونين معها , حتى لو رمت الوحل علي , وحتى يوافق الجميع على أن الشر مطبوع في عظامي , وأنني رجل خطير لا يجب أن أكون في الجوار .
وتحرك إلى قربها أكثر , حتى شعرت بضغط ذراعه , مما أجبرها تقريبا على وضع ساكن على الرمال .
- لن يصدر عنك أي همسة احتجاج , وأستطيع أن أعانقك الآن وأجعلك ترغبين بي وأنت تصرخين .
- براد... لا تفعل ؟ أنت تفسد متعمدا ما كان يمكن آن نحصل عليه ...
- وماهو ؟ الصداقة ؟
- الصداقة .. لايجب أن تسخر منها وأنت تعرف هذا . أنت لست رجلا تقيم صداقات في كل مكان , أنت لا تثق بالناس كفاية , ولكن يبدو أننا أسسنا نوعا من الألفة بيننا .
- يا صغيرتي الآنسة .. المحروسة مثل الشعلة المقدسة إلى أن تنطفئ بين يدي الشاب المختار , الذي كله دم أزرق وعضلات مثل كرات التنس .
- أنت .. أنت لست رجلا مهذبا .
وأخذت تقاوم بين ذراعيه بيأس حيوان صغير يتنفس فوق رقبته نمر مفترس ... وجذبها متعمدا إليه أكثر .
- آه .. إنك حلوة ... لقد صنعوك من الزهور والعسل .. أليس كذلك ؟
- أتمنى لو أنني تركتك تذهب. لما كنت شعرت بوخز الضمير لو أنني كنت أعرف أنك ستنقلب إلى متوحش!
-هذا ما أنت بحاجة إليه ... يا سيدتي الجميلة ... أن تستيقظي من نومك السحري قبل أن يفوت الوقت ...
وبكل قوتها, ضمت ركبتها اليمنى , وضربته بها , وأمسكت يديه بها واستطاعت أن تشاهد الألم في عينيه , ثم تأوه وأخذ يتلوى مبتعدا عنها واستلقى فوق الرمال وعضلات ظهره متكورة .
وأسرعت مايا تقف على قدميها, تمنع نفسها من البكاء بوضع قبضتها على فمها . كانت قد تعلمت كيف تفعل هذا في سنتها النهائية في المدرسة ، ولكنها لم تحلم أبدا بأن تكون بهذه الفعالية . لقد أحست بركبتها تغوص في جسده , ولم تهتم بشيء في تلك اللحظة سوى أن لا يقترب منها أكثر , ويكشف كل الريبة التي تتوارى في كل خلية من خلايا جسدها ... وأنها كانت تريده كما لم ترد الرجل الذي ستتزوجه...
كان يرقد هناك , على ظهره الآن , يحدق بها وعيناه مثل مثقاب ألماس .
- أنت كلبه صغيرة يائسة .. وتستطيعين أيضا أن تضربي تحت الحزام عندما تضطرين .
- لقد دفعتني إلى هذا .. أنت تتحدث عن الناس الذين يديرون حياتي .. والدي تحطم على يد واحد من صنفك . .اتركني وشاني ! ابتعد عن طريقي , ولا تضع يدك علي ثانية !
- وبارعة بالكاراتيه أيضا .
- اذهب إلى الجحيم يا براد !
وأخذت ترمي الأغراض في سلة الغداء, وقد ابيض وجهها بعد أن فعلت ما كان يجب عليها أن تفعل , وانتزعت البساط الملون عن الرمال , وهربت .. هربت دون أن يكون أحد يلحقها نحو الدراجات الخشنة المنحوتة على جانب المنحدر الصخري , صاعدة إلى القمة ولم تقف إلى أن وصلت إلى فوق , حيث يصل صوت ضرب الموج على الصخور متوافقا مع ضربات قلبها , وبللت الدموع عينيها , والتفتت لتنظر إلى حيث تركت براد , وأسرعت كالعمياء نحو السيارة , ومضت بضع دقائق قبل أن تسيطر على دموعها وأعصابها . ومسحت وجهها بمنديل ونظرت إلى نفسها في المرآة الأمامية. يا إلهي .. لن تستطيع العودة إلى المنزل وهي بهذه الحالة . وبيد مرتجفة , مشطت شعرها ، ووضعت بعض الأحمر على شفتيها .. وبينما هي ترتب قبة قميصها لمست أصابعها الميدالية التي أعطاها إياها براد. وبلحظة مجنونة , مالت لتقطعها وترميها من النافذة . أمسكت أصابعها بالميدالية ونظرت على الصورة المحفورة عليها ... لم يعد هناك سوى هذه القطعة المستديرة من الذهب والذكرى الجريحة لبراد مستلقيا على الرمال , وتلك الابتسامة الباردة الفظيعة في عينيه. ووضعت المفتاح في قفل السيارة وأدارتها . لم يكن أمامها مكان تذهب إليه سوى المنزل . ومع ذلك لا تستطيع مواجهة الأمر, أن تدخل إلى ساتا نيتا وكأن شيئا لم يحدث , وكأنها أمضت صباحا هادئا , ومرتاحا عند الشاطئ ... وشعرت بالطاقة المتوترة في داخلها وكان عليها إما أن تسترخي أو أن تنفجر , وهذه العملية لا يمكن أن تتم إلا في المنزل , ولا يمكن أن تحدث لو أنها التجأت إلى غلوريا , فهي بارعة في قراءة أفكارها ومزاجها وستحزر فورا أن مايا متوترة وأن شخصا ما قد سبب لها هذا التوتر , وستبدأ تسأل أسئلة . ولقد اشترى براد دونللي الآن منزل آل بنروز , وتعلم غلوريا أنه يروح ويجيء في المنطقة , وهي غاضبة بما فيه الكفاية الآن لأنه تجرأ على أن يشتري ملكا ليس بعيدا عن ساتا نيتا نفسها . وهكذا قررت مايا , واتجهت نحو النادي ، ستمضي هناك ساعتين من النشاط قد تساعدها على استعادة توازنها.
وأمضت مايا نصف ساعة مرحة مع أحد لاعبي التنس , وبعد أن تركها , جلست في الظل على التراس , وهي لازالت متوترة . تمضية الوقت في النادي أصبح دون جدوى , وكانت السماء تغيب عن الملاعب عندما خرج عدة أزواج من النادي إلى الملاعب ليلعبوا التنس في الهواء العليل , الحي بـأصوات الطيور وأريج الزهور البرية التي بدأت الآن ترفع رأسها بعد أن أخذت حرارة النهار تتبدد .
وانحنت إلى الأمام , غير مصدقة ما ترى . لم تستطع أن تصدق الدليل الواضح أمام نظرها . وفي الوقت الذي شاهدت فيه رجلا آخر من المجموعة , واستطاعت أن تعرفه ، مما جعلها تتحرك من مكانها . ولكن كل ما استطاعت أن تفعله أن تبقى في مكانها وتراقب المباراة.
المباراة التي لا تصدق ... بين خطيبها مواجها نور الشمس , ضد الرجل الذي تركته على الرمال عند كهف الراهبات , وعيناه باردتان شريرتان كعيني القرش القاتل .
وخفق قلبها ... إنه لن يدع الأمور تنتهي عند كهف الراهبات . وبحسه الساخر الشيطاني سيجد طريقة ليؤلمها , وهجومه سيكون أكثر وحشية من هجومها عليه .
وجلست هناك وكانها مربوطة بالسلاسل , ولم تستطع أن تزيح عينيها عنه وهو يلعب ضد باد , الذي لا بد أنه تحداه في وقت ما خلال النهار . ومن المعروف أن باد كان فخورا بقدراته الرياضية .
وتعلم مايا جيدا أن براد دونللي يستطيع جعل كل شيء يحدث , وكانه ساحر أسود من عهد "ميدبتشي" في العصور الوسطى , لا بد أنه اتصل بباد , وراهنه على دفع شيك ضخم لمصلحة مؤسسة السيدة دينغول الخيرية , وهناك جانب طفولي في خطيبها جعله يشعر بعدم قدرته على مقاومة هذا التحدي .
كان براد يلعب وكأنه يقصد قتل الرجل الذي ستتزوجه , وصلت بصمت أن لايهزم باد . وشعرت وكأنها تحررت من رجفة المفاجأة فتركت التراس وركضت نازلة الدرج الذي يقود إلى ملعب التنس . وانضمت إلى المجموعة التي تجمعت لمشاهدة اللحظات الحاسمة من المباراة , وقد أذهلها أن أحد أفضل لاعبي النادي يواجه ندا مماثلا له هو هذ1 الغريب . وتحركت مايا من مكانها إلى أن لم يعد بمقدور براد أن يتجنب رؤيتها . والتقطت اللمعة التي صدرت من عينيه وهو يراها , ثم الطريقة الفجائية التي سدد بها ضربته , بحيث أنه أخطا في إصابة الكرة التي مرت كالسهم من فوق الشبكة .
وأضاءت وجه مايا ابتسامة سريعة , وتمنت أن يعود خطيبها إلى لعبه الممتاز كالعادة . ورآها باد كذلك وعلم انها موجودة هناك لتشجيعه وفور أن رآها , بدا يمارس براعته ضد براد دونللي ويسدد الضربات القوية .. واحد منهما يجب أن يعاني من الهزيمة .
وصرخت فتاة من مكان غير بعيد عن مايا بإثارة:
- واه ...! لم اشاهد باد أبدا يعاني كل هذا الضغط . من هو هذا الرجل الذي يلعب ضده..
انظروا إلى الطريقة التي يبرز فيها أسنانه! إنها أسنان بيضاء حادة وكأنها أسنان الذئب!
كان باستطاعة مايا أن تتركه يربح ... او ان تذهب إلى سكرتير النادي لتبلغه أن واحدا غير أعضاء النادي يستفيد من التسهيلات المتوفرة للأعضاء فقط ... ولكن بدلا عن ذلك , تخلت مايا عن مشاهدة التحدي وذهبت نحو موقف السيارات , واستقلت سيارتها متجهة إلى ساتا نيتا وهي تشعر وكان خنجرا يحفر في قلبها ... إنها ليست سوى جبانة صغيرة هربت من باد وتركته ليهزم على يد رجل لا يرحم . يستخدمه كوسيلة إنتقام منها.
ولم تكن جائعة كثيرا , ولكنها تناولت البيض المقلي كي ترضي الشعور العميق الذي بداخلها . وبعد ذلك , وعندما لم تستطع أن تنزع عنها ذلك الشعور بالكآبة , ارتدت سترة فوق كتفيها وبدات تتمشى في الحديقة , متجولة بين الأشجار , صاعدة ونازلة فوق درجات توصل إلى أماكن مخفية , كانت تعرفها منذ الطفولة .
ومرت ساعة بهذه الطريقة , وجلست تحت عريشة تطل في ضوء النهار على واد صغير مليء بالأزهار الملونة , ومر في نافذة المكان الذي تجلس فيه طيف ما . ثم توقف عند الباب .
- لقد قالت الخادمة إنني قد أجدك هنا .
وشعرت بلحظة رعب , ولكن عندما خطا باد إلى الداخل أسرعت لترمي نفسها بين ذراعيه وتلف ذراعيها على رقبته.
- لقد كرهت أن اهرب من أمامك, ولكنني لم أستطع تحمل المزيد من تلك اللعبة الكريهة .
- لا بأس يا مايا, لقد انتهى الأمر . لقد تحولت اللعبة إلى صالحي بعد ان ذهبتي ... وكانه قد إنطفأ ... وانتهت المباراة بالتعادل .
- أردتك أن تربح ...
- حبيبتي .. أنت تأخذين الأمر بشكل مؤلم ؟ لم تكن سوى مباراة رياضية .
- رياضية ؟ كانت وكأنها قتال بين كلاب متوحشة , لمشاهدة من يعض الآخر أعمق حتى العظام .
- أنت متوترة حول الأمر !
وضمها إليه قليلا بتحبب , وشعرت بالذنب في أعماقها ...
- أتمنى لو أننا متزوجان ... باد ...
- وأتمنى ذلك أيضا .. يا حلوتي .. ولكن علينا الانتظار حتى تمتع أمي وغلوريا نفسيهما بالجهاز , والدعوات , والتخطيط للرحلة إلى أوروبا , والموسيقى وقالب حلوى الزفاف . لا نستطيع أن نفسد عليهما سعادتهما , ونحن نعني الكثير لهما .
- التفكير بكل تلك المظاهر يثير بي الرعب .. اتمنى لو أننا نفعل كما يفعل الكثير من الأزواج . أن نقفز إلى سيارة ونعبر الحدود إلى المكسيك ونتزوج هناك , بهدوء وسرعة .. دون ضجة أحد أبدا .
- أحب هذا أيضا يا حبيبتي , ولكن لا أستطيع أن أخيب امل أمي . كوني الابن الوحيد يحملني بعض المسؤولية. بعد أن تنتهي الترتيبات ستحبين أن تكون عروسا بالثوب الأبيض , تتألقين في الحرير وتحملين الورود البيضاء . ستبدين رائعة يا مايا . وسيحسدني كل الرجال ... هاي .. تبدين في مزاج رومانسي الليلة . وانا من كنت أظن أنك فتاة لست مجنونة بفكرة الزواج . ولكنني لا أعرفك حقا .. ألست كذلك يا مايا ؟
- بالطبع تعرفني يا باد .. لقد التقينا عندما كنت في الثالثة عشر من عمري , وكنت أنت في السادسة عشر , عندما دعتني امك إلى حفلة عيد ميلادك . وأتذكر كم كانت غلوريا سعيدة .
وصرخت مايا في أعماقها : أريد أن أكون سعيدة , أريد أن أكون مجنونة , أريد أن أكون واقعة في الحب . أريد أن أشعر "بشيء" عندما أفكر بأنني سأتزوج .
- تعالي ... يا حبيبتي... لقد حان وقت ذهابك إلى فراشك .
- أنا لست طفلة يا باد !
- ومن قال أنك طفلة ؟
- أنت ... بالطريقة التي تكلمني بها , وكأنما أنا بحاجة إلى التهدئة لأنني كرهت تلك المباراة الشرسة بين رجلين يحاولان إثبات تفوقهما . الرجال يتصرفون مثل أطفال كبروا قبل الأوان أحيانا .
- اوكي .. لقد كانت نوعا من اللعب المجنون , ولكن دونللي اتصل بي واقترح هذا الرهان واردت ان أهزمه , وخاصة عندما تذكرت ما قالته غلوريا عنه بأنه اشترى منزل بنروز بأموال مشبوهة .
- وكيف تعلم أنها مشبوهة ؟ لا أعتقد أن أمواله قذرة بقدر أموال أي إنسان آخر .. أوه .. لماذا لا تدع غلوريا الكلاب نائمة ؟ من بين كل الناس , هي من تخرج الفضائح من الخزائن المغلقة بينما أنا لدي ما يكفيني منها .
- عما تتكلمين ؟
- عن الطريقة التي خسر بها والدي أمواله , والطريقة التي عاش بها في كوخ عند الشاطئ , إلى أن اختفى يوما في البحر . إنه ليس بالأمر السري . وأخذتني غلوريا وجعلتني مقبولة لأمثالك ...
- أوه طبعا , لأمثالي , نحن لسنا قديسون .
- أنا سعيدة لأسمعك تعترف بهذا .
- ولكن هناك شيء حول دونللي يزعجني . جو من السخرية في نظرته إليك . وكان له عينان مثل الرادار , وأنت أيضا لا تحبينه يا مايا , وهذا مؤكد .
- لا .. إنه لايعجبني ..
- إذا لننسه , أظن ان غلوريا حصلت على ماتريد فسوف تكون الأمور قاسية أمامه إلى ان يصبح سعيدا بالهرب إلى مكان آخر , كي يمثل هناك دور السيد المهذب , المزيف .
- المزيف ليست الكلمة اللائقة .
- إذا ما هي ؟
- إن لديه ماولد اللاتين عليه وما يجب أن يكتسبه الرجال الآخرون .
- هكذا إذا ؟ اخبريني بما يمتلكه هذا "القهوجي" الإيطالي ولا أملكه أنا .
- الجرأة بأن يكون كما هو عليه ... هل تذهب الآن لأستعد للنوم ... في سريري الخشبي ... الذي هو فالواقع ليس صغيرا جدا , وهو السرير ذو الأربعة قوائم العائد للملكة آن والذي استوردته غلوريا من انكلترا .
- أتعلمين يا مايا ... تبدين وكأنك غاضبة .
- صحيح ؟ .. حسن ، لقد قلت إنك لا تعرفني أليس كذلك يا باد ؟ ولكن هل يعرف أيا منا نفسه حقا ؟
- ربما لا.. ولكن هناك شيء أراهن عليه . شيء تملكينه يا حلوتي .. شيء يتناسب مع أخلاقك العالية بالنسبة للعديد من الفتيات في هذه الأيام .
- وما هو يا باد ؟
- الطهارة .
- الطهارة .. وهل هذه جوهرة تضعها فوق فضيحتي المخفية في الخزانة ؟
- أعتقد هذا .. فتلك الفضيحة لا علاقة لك بها يا مايا . كنت يومها طفلة صغيرة حلوة وبريئة تماما من أي شيء فعله والدك .
- صحيح ..
وكذلك كان براد دونللي , طفل صغير , بريء من معرفة ما هو الرجل اللطيف الضاحك الذي حمله على كتفيه , وأنه في الحقيقة ليس سوى دون سيسرو , الرمز القائد للعصابات السرية في شيكاغو .. في العشرينات . فالأحداث البعيدة تعطي ظلالها بالفعل , لتصنع ما يسمى "بالليل المظلم للروح".
أجل . هذا ماتحمله وكأنه الندبة , وما يحمله براد .. ظلال مظلمة فوق روحيهما . والناس تحس بما فيه لأنه شديد السمرة , ولكن بياض بشرتها وشعرها الأشقر هو المظهر الزائف الذي ترتديه مثل الحرباء .
يوم زفافها سترتدي الساتان الأبيض اللماع , وستحمل الورود البيضاء العاجية , ولن يرتاب أحد بأن قلبها ليس في المكان الذي يجب أن يكون فيه ... في برج شمس مرتفع , يدفئ نفسه في لهيب محرم .
- هل لي أن أضمك ؟
- طبعا .
ورفعت رأسها وكأنها طفلة مطيعة... ما تبقى منها كان مدفونا في عمق لا قرار له من الجليد ... بارد .. لا يمكن أن يذوب , وهي تدخل , ثم تخرج من بين ذراعي خطيبها ..
ولم يسألها عن سبب تحفظها البارد في التجاوب , فبالنسبة له كانت فتاة طاهرة, وهذا هو, وقبل كل شيء , ما يقدره باد دينغول في عروسه القادمة , بالإضافة إلى ما يكفي من سحر الوجه والشخصية, ليكون محسودا من أقرانه .
لم يكن يتوقع , هذا إذا لم يكن يرغب , بخطيبة حارة بشكل يائس . لقد تعلم أن " السيدة" المهذبة لا تظهر مشاعرها , وبينما كان يسير هو ومايا باتجاه المنزل , كانت ذراعه مشبوكة بذراعه ومشاعرها لا يعرفها سوى هي بنفسها.