كاتب الموضوع :
..مــايــا..
المنتدى :
روايات عبير المكتوبة
الفصل الثالث
- انت كثيرة السكوت !
- مم ؟
افاقت هيلين من احلامها و نظرت الي الرجل الذي يقود السيارة بجانبها .
- آه كنت افكر فقط ..
- في اي شيء ؟
ابتسم جريج و هو يثبت نظراته علي الطريق امامه و كان سعيدا حقا بسماع صوت رفيقته بجانبه و لكنها قالت :
- آه في اشياء ليس لها اهمية ، مثلا الي اي درجة أحبك .
اوقف جريج السيارة بعنف محاولا التظاهر بالدهشة لسماعه هذا الاعتراف و لكنهما انفجرا في الضحك فاستراحت هيلين قليلا .
و لكنها قررت الا تخبر جريج بتصرفات هيرمان و احتقاره لأن خوض مثل هذا الحديث العقيم اصبح متأخرا جدا فمنذ عودة جريج من استراليا من حوالي ثلاثة ايام و هناك جو من التفاهم و الهدوء بينه و بين اخيه و لا تريد هيلين تعكير هذا الجو بلأضافة الي ان هيرمان يبدو كما لو كان قد نسي سوء التفاهم هذا .. من اؤكد انها تلقت صدمة رهيبة عندما حدثها عن هذه الشامة و لكنها تماسكت بسرعة و لم تكن ابدا تعتقد انها رفيقة غير منسية في حياة هيرمان نايت .. انها مجرد صدفة ولو انها غريبة حقا .
قال جريج :
- أخشي ان تكوني قلقة بعض الشيء بشأن دعوة هيرمان هذا المساء
- و لم ذلك ؟ اتمني يا جريج الا تكون منزعجا لفكرة ان تطلب منن اخيك ان يكون وصيفك ! اعتقد انك تحدثت اليه في ذلك في الليلة السابقة و ان كل شيء اصبح علي ما يرام .
- لقد تحدثنا عن اشياء كثيرة و الحق انني كنت اريد ان اعرف هل مازال يحقد علي بسب ما حدث بيننا فيما مضي و لكنه اخبرني انها حخكاية قديمة و كان مجرد تفكيري فيها يمثل مشكلة كبيرة بالنسبة اليه لقد قال لي بالحرف الواحد يجب ان تكتشف ذلك بعينيك ماذا يعني بذلك ؟ انا لا افهم !
- اعتقد ان الأمر اصبح ايجابيا ، اليس كذلك ؟ و ربما يريد ان يؤكد لك انه لم يعد يحقد عليك .. و انه فعلا قادر علي نسيان هذه القصة و عدم الاهتمام بها .. لماذا لا تفعل انت ايضا ؟
- لأنها لم تكن ابدا عديمة الاهمية !
فوجيء جريج بثورته هذه اكثر من مفاجأة هيلين نفسها و لكنه سرعان ما هدأ ثانية و ابتسم معتذرا ، فقال :
- اعتذر يا عزيزتي و لكن ذلك السبب الاضطراب الذي يسود حياتنا ! و لم اكن ابدا اتخيل انه سينسي ذلك و لكن لو كان ذلك حقيقيا فلماذا لا يتحدث الي بصراحة ؟ انه يعلم ان حديثه معي سيريحني كثيرا .. فأنا اشعر دائما بالاضطراب في وجوده .. الم تلاحظي الطريقة التي ينظر بها الينا ؟ كم ذلك مزعج !
- يقال ان المؤلفين اكثر الناس تأملا و ملاحظة و لابد انه هو الامر بالنسبة له و ان كان يشوب ذلك بعض التشويه للمهنة .. و مهما كان لم يكن هيرمان ليدعونا علي العشاء هذه الليلة لو كان مازال يحقد عليك كما انني اشعر انه صريح جدا .
ولابد انه يفكر في جذب انتباه هذه الــ ... التي دعاها معنا .
اضافت هيلين هذه الجملة الاخيرة و هي تبتسم و كان هيرمان ينوي مقابلتهما بصبحة صديقة قديمة تقابل معها صدفة اثناء الحديث الاذاعي قال جريج :
- لم يكن هناك داعي لأن يعذب نفسه هكذا ! ان سيان كانت دائما مغرمة به لقد عملا في الصحافة معا ، و عندما تزوج لم تكف ابدا عن ملاحقته حتي أن اليس ظنت في وقت ما انه علي علاقة بها ..
توقف جريج عن الحديث فجاة لقد قال الكثير ان اليس هذه هي زوجة اخيه السابقة و لم يعد احد يستطيع ذكر اسمها في العائلة و لم يكن هناك صورة واحدة لها في البوم الصور التي اعطته هانا لـ هيلين لتتفحصه .. تري اي نوع من السيدات هذه المرأة لكي تنال اعجاب هيرمان لدرجة انه يتزوجها ؟
و ماذا كانت اسباب الانفصال ؟
قال جريج :
- ها نحن اولاء قد وصلنا !
اوقف جريج السيارة الـ جاجوار الزرقاء اللون علي الريصيف ثم اوقف المحرك و فك حزام الامان ثم انحني نحو هيلين لكي يقبلها فاستجابت له بحرارة فجذبها جريج نحوه بشدة .
و الحق انه عندما تقابل معها لأول مرة كاد الامر ينتهي بهما الي فراش جريج و لكنها اخبرته انها عذراء فتراجع جريج و تعامل معها باحترام ولم يكن يريد منها ان تقدم علي اي عمل مالم تكن ****ة عنه ، كما انه كان يريد ان يتاكد من صدق مشاعرها نحوه و الحق ان طريقة تعامله معها اثرت فيها مثيرا ! كان هيرمان و صديقته يجلسان معا و كانت صديقته سيان ميلر ترتدي ثوبا ابيض اللون يكشف عن كتفيها و صدرها و كان شعرها يبدو كهالة رائعة حول وجهها الوضوعه عليه مساحيق التجميل بعناية لافتة جدا و عندما راتهما هيلين علي شعرت علي الفور بالحقد تجاه سيان .. شعرت بمزيج من الحسد و العجرفة في آن واحد و ان كانت بعد ان تعرفت عليه زاد عندها الاحساس بالحسد توالت الاطباق الشهية تلو الآخر و كانت هيلين تشعر دائما بالضيق و كان هيرمان يتذكر بعض الاحداث التي مرت بينه و بين سيان في بداية حياتهما الصحفية ، و كانت هيلين تجلس بجانبه هيرمان و تشعر مع الوقت بالقلق فقد كان هيرمان يتعامل معها كشقيق زوج غاية في اللطف و الأدب و بعد الانتهاء من تناول الطعام تأكدت مخاوفها عندما وضع جريج يده في جيب سترته و هو يوقول :
- حقا هيلين لقد اتيت بجاوي سفرنا من القنصلية و حصلنا علي التأشيرة و كنت اريد ان اعطيك جواز سفرك و لكنني نسيت .
قالت سيان :
- هل سترحلون الي الخارج ؟
- نعم الي البرازيل لقضاء رحلة شهر العسل .
قالت هيلين مازحة :
- شهر العسل تخيم عليه سحابة من العمل فعلي جورج الذهاب الي البرازيل لقضاء بعض اعماله و لم أكن اريد ان يرحل جرؤيج هكذا سريعا فور زوجنا وحيد .
و ما ان مدت هيلين يدها لتناول جواز السفر من جريج حتي اسرع هيرمان و استولي عليه قبلها و عندما همت بالأعتراض رفع حاجبيه قائلا :
- هل هناك ما تريدين اخفاءه عنا يا هيلين ؟
خفف هدوء صوته من حدة الموقف و ما كان منه الا تناول الكتيب الازرق و بدأ يتفحصه .
- ربما كان هناك رحلة الي كولمبيا او الي مثلث الذهبي تريدن الاحتفاظ بها سرا ؟
- كلا بالتأكيد !
ما الذي يمكنها عمله حتي لا يبدو رد فعلها غريبا الي هذا الحد ؟
اتتحجج بأنها لا تريده ان يري صورتها الموجودة في جواز سفرها عندما كانت في الثامنة عشر من عمرها ؟ و كان ذلك قبل سفرها الي المانيا لدي سوزان و جاك عندما كانت وجنتيها غائرتين و كان شعرها طويلا و مقصفا الحق انها كانت تبدو كالشبح في هذه الصورة ! فقد كانت مريضة في ذلك الوقت .
قالت هيلين و هي تراه يتفحص العلامات الموجودة بجانب الصورة :
- ليس هناك اي علامة مميزة .. لو كان ذلك ما تبحث عنه .
لحسن الحظ لم يكن من الممكن ان تظهر الشامة في الصورة !
بدأ هيرمان يتفحص جواز السفر المملوء بالأختام و هو يبتسم و فجاة ارتجف و اعاد صفحتين الي الوراء بيد مرتعشه و هنا تجمدت ابتسامته .
- كنت اعتقد انك لم تذهبي ابدا الي هونج كونج ..
- هذا حقيقي .
و بدون ان تنبس ببنت شفة مد هيرمان جواز السفر نحو هيلين و كان هناك ختمان لوازرة الهجرة التاعبة لهونج كونج .. شعرت هيلين فجأة بتقلص في معدتها و قالت :
- أنا ... لكن ذلك مستحيل ، انا لا افهم ..
علق هيرمان و هو يركز نظراته الكئيبة و المتهمة علي وجه الفاتاة :
- ربما يكون قد قام شخص بسرقة جواز السفر و استخدمه قبل ان يعيده اليك ثانية .
شعرت الفتاة برأسها يحترق و كادت تفقد الوعي .
ثم تمتمت قائلة و هي تنظر الي خطيبها مستعطفة :
- لا بد ان هناك سوء تفاهم ...
ثم اضافت :
- انا لم اذهب ابدا الي هناك يا جريج ، اليس كذلك ؟
و قبل ان يفتح جريج فمه قاطعه هريمان :
- و كيف له ان يعرف ذلك ؟ انظري الي تاريخ الختمين ...
لم تكوني قد تعتلافت علي جريج في هذه الفترة ! اظري الي التاريخ يا هيلين .
ازدادت دقات قلبها سرعة حتي كاد يتوقف فوفقا للتاريخ كانت هيلين قد ذهبت الي هونج كونج منذ خمس سنوات اي في التاريخ الذي اكده لها هيرمان عندما تقايل مع هذه الغريبة الغامضة .. كانت الفتاة تفقد وعيها تماما و كانت تحرك شفتيها بدون ان تنطق بكلمة واحدة .
منتديات ليلاس
رمي جريج شقيقه بنظرة غاضبة و قال :
- دعيني أري ذلك يا عزيزتي .
ثم تناول جواز السفر من يدي هيلين الجامديت و بعد ان تفحص الختمين بسرعة رفع رأسه مبتسما و قال :
- نعم لقد قضيت يومين في هونج كونج دون ان تتذكري ذلك و ليس هذا غريبا وفقا للظروف .
قال هيرمان متسائلا :
- اية ظريف ؟
قال جريج بلهجة جافة :
- ما هذا ؟ بأي حق توجه هذه الاسئلة الي هيلين كما لو كانت متهمة ؟
- أري فقط انه شيء غريب ان ينسي شخص ما قيامه بمثل هذه الرحلة !
قاطعته سيان و هي تنظر الي هييلين بحرارة :
- آه ليس ذلك بالشيء الغريب .. لقد كانت اقامتها هناك قصيرة ! فأنا نفسي لا اتذكر بعض الاماكن التي ذهبت اليها ... خاصة عندما افرط في تناول الكحوليات ...
فشلت محاولتها لتهدئة الجو رغم ذلك و لكن هيرمان قال بصوت جاف و هو ينظر اليها بعنين حادتين :
- فقدان الذاكرة يا هيلين ؟ هل حدث ذلك بسبب تناول الكحوليات ؟
لم تستطيع هيلين الدفاع عن نفسها و لكن جريج قال بغضب بارد :
- لو كنت تريد الحقيقة يا هيرمان فقد كانت هيلين مريضة جدا اثناء قيامها بهذه الرحلة .. ولو دققت النظر في الختم الثاني لفهمت انها ذهبت الي هونج كونج و هي في طريقها الي انجلترا لقد كانت في طريقها الي لندن لاجراء عملية جراحية انقذت حياتها .
- جريج !
لم يهتم جريج باعتراض هيين و كان سعيدا بوقف شقيقه عند حده .
- كلا يا هيلين .. فلا دخل لـهريمان بهذه القصة كما انه يتردد عن متابعة هذا الحديث مهما كان يضايقك ...
ثم وجه حديثه الي أخيه قائلا :
- نعم كانت هيلين مريضة بورم في المخ و قد أكد الاطباء انه لا علاج لهذا الورم بالتدخل الجراحي و في هذه الحالة كان العلاج كيميائي غير مجد ايضا و لحسن الحظ ظهرت انذاك طريقة اخري للعلاج بالليزر في لندن و كان هذا العلاج يلائم مرض هيلين كثيرا .. بالإضافة الي ان هذا الورم كان يسبب لها فقدانا في الذاكرة أرايت يا هيرمان ان نسيان هيلين لهذه الرحلة له مبرره .
ساد صمت رهيب بعد ذلك و شعرت هيلين بضيق فظيع كما انها كانت غاضبة جدا من جريج الذي يشعر بالإنتصار فقد كان كل ما يشغله هو مهاجمة هيرمان كثر من فكرة دفاعه عنها و لم يكن فعلا يهتم بها لدرجة انه لم يهتم بما ستسببه لها هذه الذكريات الأليمة عندما يتحدث عنها حول مائدة طعام في مطعم ما .
قال هيرمان اخيرا :
- اعتذر يا هيلين ... لم اكن اعرف ..
- لا تعتذر يا هيرمان ..ز فلم يكن بوسعك ان تعرف ذلك .
تدخل جريج قائلا :
- في المرة القادمة حاول معرفة الحقائق اولا قبل الحكم علي الاشياء .
و لكن هيرمان تجاهله تماما و قال لـ هيلين :
- لكن تسمحين لي .. هل دام هذا الفقدان للذاكرة طويلا ؟
كانت هذه الاسئلة تزعجها و لكنها لن تستطيع قول ذلك و الا اعطت لجريج فرصة مهاجمة اخية ثانية ، فتماسكت قليلا حتي قالت :
- انه يخص بعض أطلال الماضي .
ثم ابتسمت و تحاشت نظرات هيرمان الثاقبة لتوجه حديثها الي سيان :
- انه شيء محير جدا لدرجة انني اجهل ماذا حدث خلال هذه الفترة .. و لكنني اعتقد انه ليس هناك اشياء مهمة ..
و فجأة ظهرت الحقيقة جلية امام عينيها و جف فمها تماما و لم تستطيع النطق بكلمة واحدة ... هي و هذا الرجل ..
حاول جريج تصليح موقفه امام خطيبته فقال في خجل :
- الحقيقة وفقا لما قاله الاطباء لم تنس هيلين كل ذكرياتها فهناك طرق كثيرة تؤدي الي ذلك و في كلمات علمية فإن الكروموسومات التي تقترن بالخلايا العصبية تجمع هذه الذكريات و لكي تتذكرها لا بد من اعادة تفريغ هذا الجزء من المخ عن طريق كروموسومات جديدة .. اليس كذلك يا هيلين ؟
وافقته هيلين بابتسامة شاحبة ، فقال هيرمان :
- و كيف يتم ذلك ؟
- عن طريق تجميع افكارها مثلا لاحظت هيلين انها نسيت تماما فترة المدرسة الابتدائية كما لو كانت لم تمر بها اساسا ، و لكن بعض الذكريات كالبالطو الواقي من المطر و بعض الملابس الصوفية الخاصة بها اعادت الي ذكرياتها قليلا من الافكار فتذكرت فترة وجودها في الفتاء اثناء تنالها لسندويش جبنة ثم تذكرت مدرسا قديما لها عندما سمعت صوتا يشبه صوته و في النهاية عادت اليها ذكريات هذه المرحلة كاملة ..
قالت سيان مازحة :
- مم .. علي كل حال .. هناك بعض الاحداث في حياتي التي افضل الا اتذكرها نهائيا ..
قال هيرمان بهدوء :
- هذا اذا لم تكن تلك الذكريات محفورة في ذاكرة شخص اخر ربما يكون ذلك مزعجا اذن ..
فانفجرت سيان في الصحك و بدات بعض ذكريات المرحلة التي كان هيرمان خلالها مجرد صحفي مبتدئ فأعجبت هيلين بهذا الحديث و ان كانت لم تعد تريد الا العودة الي المنزل لتبدأ في التذكر و التفكير و لكن هيرمان و جريج و سيان كانو يريدون استكمال السهرة في هذا المكان و عندما ذهب هيرمان لدفع الحساب و ذهبت سيان الي دورة المياه استغلت الفتاة الفرصة لتقول لجريج انها مرهقة و لكنه لم يتفهم الموقف و قال لها :
- و لكنني لم اطلب منه بعد ان يوقم بدور الوصيف في حفل زفافي كما .. انني لم أجد الفرصة سانحة بعد ان هاجمته بشدة بسبب موضوع الجواز السفر هذا !
اعذريني لحديثي معه يا عزيزتي ولكنه يملك موهبة دائما ليضغط علي اعصابي .. كما اعدك الا ننتظر طويلا لو كنت حقا مرهقة .
لم تتوان سيان عن دعوتهم لقضاء السهرة في ملهي ليلي ممتاز و الحق ان مهنتها كصحفية سابة قد منحتها فرصة للذهاب الي افضل الناطق في اوكلاند لذلك اختارت ملهي روستيز حيث يذهب عليه القوم و اكثرهم تعقلا كما ان اسعار المشروبات هناك كانت باهضة جدا .
و ما ان جلس الجميع حتي نهضت سيان طالبة من هيرمان مشاركتها في الرقص و بعد قليل تبعها جريج و هيلين .
كان جريج راقصا ماهرا و كانت خطواته مع هيلين متناسقة جدا حتي هدات الفتاة و سعدت لكونها مرتبطة بهذا الرجل الذي تتفق معه في اشياء كثيرة ! و لكن هناك شيء واحد يشعرها بالضيق و هو انها كانت تتمني ان تكون حبيبة له و ان تكون منتمية اليه ... كما انتمت الي شقيقه في ليلة ما ..و لكنها سرعان ما استبعدت هذه الفكرة من رأسها ..
كما انه لا يوجد اي شيء يثبت ذلك و فجاة اعادها صوت هريمان الي الوقاع .
- هل يمكنني اختطاف رفيقتك ؟
و بعد قليل كانت هيلين بين ذراعي هيرمان و علي الرغم من تغير رفيق الرقصة الا انها سرعان ما شعرت بالإنسجام مع خطواته مما جعلها تشعر بخيبة الأمل .
و ما ان لف هيرمان ذراعه حول خصرها حتي ابتعجت قليلا فلم يحاول ان يقربها منه ثانية و عندما نظرت في عينيه لم تر يفهما هذا التعبير بالإنتصار و لكنها وجدت تعبيرا بالحزن مشوبا بالحنان لا حد له .
و فجاة قال لها :
- هل هناك خطورة لعودة المرض ثانية اليك ؟
لا داعي للهروب منه .. كما ان هذه الاسئلة من اهم مميزاته كصحفي ناجح فاجابته بصوت ملموء بالإحساس :
- اعتقد انني شفيت تمام .
فأغمض عينيه و لاحظت الفتاة ارتعاش جفونه ذات الرموش الشقراء الكثيفة و عندما لاحظت ضعفه الي هذا الحد ارتعدت و قالت هامسة :
- هيرمان !
- لقد اخبرني جريج انك فقدت والديك قبل سن السابعة عشرة فهل كان هناك من يتولي رعايتك اثناء هذه الفترة الصعبة من حياتك ؟ و هل جاءت شقيقتك لمد يد العون لك ؟
هزت رأسها قائلة :
- لم اطلب منها ذلك ، فقد كانت تعيش انذاك مع زوجها في المانيا و كانت متعبة جدا في بداية حملها و لك يكن باستطاعتها مجرد نغاردة الفراش خوفا من فقدان الجنين .
- اذن انت لم تخبريها بشيء ... و اخفيت عنها نبأ مرضك حتي .. اخبريني حتي متي ؟
لم تستطيع هيلين مقاومة اصراره اكثر من ذلك و سردت عليه كل شيء :
الآم رأسها التي اعادها الاخصائي الي وجو\د فيروس في جسمها و سلسلة من الفحوصات الطويلة التي لم يؤكد اي شيء و ظهور الورم اخيرا و محاولة العلاج الكيميائي و محاولة الاخصائي للحصول علي دعم من الدولة لتغطية تكاليف علاجها و رحلتها الي انجلترا و محاولتها الاتصال بـ جاك لتطلب منه اخبار شقيقتها سوزان بمرضها بدون ان يزعجها كثيرا .
و كان هيرمان يستمع اليها كما لو كان يعيش نفس الآمها و أحزانها من جديد لدرجة انها بدات تشعر بالفزع ثانية و اخيرا همس قائلا :
- كنت صغيرة و وحيدة ...
- و لكني كنت محاطة بالأصدقاء يا هيرمان كما انني لم اكن طفلة ! و هذه التجربة جعلتني قوية فلأحساس بدنو الموت جعلني ابدو متماسكة و جعلني ما احدد ما اريده بالضبط من الحياة فبدات اقيم الاشياء من الجديد كالحب مثلا .
- و لكنك لم تجدي من يحبك و يساعدك في هذه الفترة حيث كنت بحاجة شديدة الي المساعدة اليس كذلك ؟ كما ان العلاج الكيميائي قاس جدا ...
- الشعور بالغثيان و الهزال فقط لا غير كما انني لم اضطر باللشعة و لم افقد شعري .. كل ما حدث انه اصبح فقط ...
اختنقت الكلمات في حلق هيلين و لكن هيرمان قال :
- اصبح لونه اشقر
قالت بصوت خفيض :
- لقد نسيت ذلك تماما او ربما اردت نسيانه .
- كنت متأكدا ان لونه لا يلائم لون بشرتك .. كما انني لم اتصور انك تفضلين الظهور بشعر اشقر ...
اكتسي وجهها بحمرة الخجل فاخذ ينظر اليها مبتسما و فجاة قال لها :
- هل تنوين إخبار جريج ؟
- اخباره بماذا ؟
- بما حدث في هونج كونج ؟
- و لم ذلك ؟ فانا اجهل ما حدث و لا اعرف الا ما اخبرتني به لماذا فكرت في ذلك ؟
- يمكنك اخباره بالتفاصيل ، الا تريدين ذلك ؟ انت لا تتذكرين شيئا الان و لكن من يعرف فيما بعد ؟ فقد ذهبت في هذه الليلة الي ..
قاطعته هيلين :
- هيرمان ... انا اقدر معاونتك لي ، و لكن لا داعي لذلك انها مجرد صدفة فقد تلقيت تربية صارمة و لم اكن ابدا من النوع الذي يفكر في قضاء ليلة مع شخص غريب .
- و لكنها ليست مغامرة ، كما ان ذلك لا يعد خرقا لعادتك و تقاليدك ، مجرد فتاة استغلت الفرصة لتصبح امرأة ...
- و لكنها ليست انا ! مستحيل ! فأنا ما ازال عذراء .
تعثر هيرمان في وقفته و اعتذر ثم نظر الي رفيقته بثبات في عينيها .
- هيلين ، هل تظنين انك مازلت عذراء ، هذا مستحيل !
سكتت الفتاة و هي تهز رأسها غير مصدقة ثم قال ثانية في لطف :
- هذا يعني انه لم يقترب منك اي رجل غيري .
تقلص وجه الفتاة في ذعر شديد .
- لا تتشبتي بهذه الفكرة يا هيلين حتي لا تصابي انت و جريج بخيبة امل اذا تخيلت ...
- كفى يا هيرمان ! كيف تجرؤ ؟
- اجرؤ لأن ذلك ضروري يجب ان تواجهي الحقيقة لقد كنا حبيبين يا هيلين و لم يقتصر الامر علي مجرد ليلة عابرة ...
- هل قرأت قصة ملاك في الظلمات ؟
انفجرت اسارير الفتاة بعض الشيء و تجابت :
- كلا لم اجد الوقت المناسب !
- حسن يجب ان تقرئيها ! فبطلة القصة هي أنت !
- ماذا ؟
جذبت صرخة هيلين الفزعة انتباه الراقصين من حولهم .
تابع هيرمان حديثه :
- انها قصة لقائنا لقد نجحت ان تجعليني افهم خلال هذه الليلة كل معاني الحياة و الحب و الخلق انني كتبت هذه القصة تكريما لأمرأة لم تسعفني الظروف لن اشكرها بنفسي ...
حتي ذلك اليوم .
لم تصدق هيلين ما تسمعه و تمتمت :
- لماذا تتصرف معي بهذه الطريقة ؟ ماذا تريد مني في النهاية ؟
هكذا تتحدث دائما عن ماض لم اكن ابدا مسؤلة عنه بل و لا ازال غريبة عنه !
اخيرا تماسكت الفتاة و لكن هيرمان كان ينظر اليها بابتسامة غريبة علي شفتيه ثم قالت هيلين بحماس :
- ارجوك لا تحاول اتعاس جريج بهذا الحديث !
انت تريد ان تجعله يدفع الثمن و لك ما تريد و لكن لا تفعل ذلك من خلالي ! و حسب ما أعلم فهو لم يدمر حياتك تماما ... فقد تزوجت من اخري بعد رحيل خطيبتك ، اليس كذلك ؟ و انت لا تتصور ايادا ان جريج اراد تعذيبك عن عمد .. و ربما لم تخلق انت و خطيبتك لبعضكما ... ؟
رمي هيرمان رأسه الي الوراء كأنها لكمة في وجهه و قال :
- اهذا ما اخبرك به ؟
- لم يكن يقصد اي شيء مما حدث اتعتقد انه وقع في حب المرأة التي اختارها شقيقه عن عمد ؟
اجاب هيرمان ببطء :
- كلا ! لا يمكن ان يفعل احد ذلك عن عمد .
فوجئت الفتاة بتعبير وجهه و شعرت انها فهمت ما يريد هيرمان قوله و قرأت في عينيه تأكيدا هادئا و كأن الاحساس رغما عنه ... تصريح هادئ بالحرب .
قالت الفتاة بصوت مختنق :
- انا اجهل اللعبة التي تنوي القيام بها و لكنها لن تتم بواسطتي .
و كأن هيرمان و هيلين في هذه اللحظة في الطرف الآخر من القاعة بعيدا عن سيان و جريج الجالسين علي المائدة و فجأة جذبها هيرمان وراء احد الاعمدة منذ متي و هما يرقصان ؟ ان هيلين لا تستطيع تحديد هذه المدة ...
وربما كان امد الدهر .
- هيرمان ...
و لكنه اسكتها بقبلة علي شفتيها بينما تلتف يداه حول خصرها كان يقبلها بحرارة غريبة و عندما ابتعد عنها كانت وجنتاها مخضبتين باللون الاحمر و الانفاس تكاد تكون متقطعة .
و فجاة لمعت عيناها ببريق الغضب علي الرغم من نظرات هيرمان التي تشتعل برغية عارمة و قالت :
- لماذا فعلت ذلك يا هيرمان ؟
- لكي اعيد الذاكرة اليك ... لكي افتح الطريق امام ذاكرتك ...
هل تذكرت اي شيء ؟
شعرت الفتاة بسخونة و برودة في نفس الوقت .
- كلا لم اتذكر شيئا و لا اريد ان اتذكر شيئا ! و للمرة الثانية ارجوك دعني و شأني يا هيرمان دعنا و شأننا انا و هو .
فاجابها بحدة جعلتها ترتبك :
- لا استطيع يا هيلين ، لا استطيع ان اتركك ترتكبين مثل هذا الخطأ .
انهت بقية الامسية كأنها كابوس و في النهاية عندما حاولت هيلين ترتيب الاحداث في مخيلتها تذكرت انها لدى عودتها الي المائدة مع هيرمان كان جريج هادئا جدا و اخذ ينظر اليهما باستغراب شديد كانه يشك في امرهما .
و ازدادت الامور تعقيدا عندما عرض جريج علي اخيه ان يقوم بدور الوصيف في حفل الزفاف و كأنه القي بقنبلة في وجهه و كأن هيرمان كان ينتظر هذا العرض لينفجر فقال له :
- لقد قمت قبل بدور ما في قصة زواج فاشلة يا جريج ولا اريد تكرار ذلك ثانية !
صمت جريج تماما و بعد ثلاث دقائق كان قد اصطحب هيلين و خرجا من الملهي .
و عندما عادت هيلين الي المنزل جلست مع نفسها و شعرت بتوتر شديد كما ان جريج رفض ان يتحدث معها ثانية في هذا الشأن و ظل طوال الطريق شاحب الوجه مقطب الجبين و لم ينطق بكلمة واحدة حتي وصلا الي المنزل .
لقد تسببت له هيلين في الألم و تركته يعتقد ان هيرمان سيقبل عرضه و لكنها لن تتركه يتعذب هكذا بدون كلمة واحدة .
كما من حقه معرفة الحقيقة ، و لكن اي حقيقية ؟
الفصل الرابع
تنهدت هيلين و هي مقطبة الجبين بينما كانت تجلس امام المائدة الخشبية الصغيرة و قد وضعت عليها قطعا من الأقمشة المختلفة الألوان و كان ما يشغلها هو صنع بلوفر من هذه الاقمشة و لكنها لم تنجح حتي هذا الوقت .
- يا لها من ليلة سيئة !
ثم رفعت عينيها لتري الوجه البرئ الجالس امامها كانت جيني فتاة شقراء مرحة و الحق ان هيلين كانت تعشق العمل معها .
- لنقل انها كانا ليلة متعبة .
رفعت جيني حاجبيها و قالت :
- مع شخص من ظراز جريج أظن الليلة الهادئة تصيب بخيبة أمل اليس كذلك ؟
كانت ابتسامة جيني تدل علي حيوية و سعادة مما جعل هيلين تشعر اكثر ارهاقا و عندئذ سمعت الفتاتان ضوضاء في الناحية الاخري من المحل اي من وراء الستاءة التي تفصل بين الـ اتيليه و المحل فنهضت جيني و قالت و هي تتجه بحماس نحو الطرف الآخر من المحل :
- ستحكين لي كل ما حدث بالتفصيل اثناء تناول الغداء .
كانت تقصد الاحداث التي جرت لها و التي جعلتها تظل طوال الليل ساهرة بلا نوم ارتعدت هيلين بمجرد تذكرها ذلك .
لقد فكرت في حوالي منتصف الليل ان تتصل بشقيقتها في هونج كونج و فعلا اتصلت بها و لكنها عرفت ان سوزان تنوي الخروج مع زوجها لقضاء السهرة في الخارج بعد ان اطمأنت علي اولادها .
و علي الرغم من سعادة سوزان لسماع صوت شقيقتها الا انها ارادت الحديث بسرعة و كان ذلك واضحا و مع ذلك نجحت هيلين في الحصول علي بعض المعلومات من شقيقتها بشأن ماضيها .. و عرفت انها بقيت في فندق هيلتون في هونج كونج لمدة يومين مع شقيقتها قبل السفر الي انجلترا لإجراء العملية ..
و كان جاك انذاك في طوكيو يعمل في احد فروع هونج كونج المؤقتة حتي تستطيع سوزان السفر معه عائدين الي الولايات المتحدة .
و قالت لها سوزان :
- اتتذكرين عندما تكفلت الشركة بكل المصاريفك .. فقد كنت انذاك في حالة سيئة و كنت قلقة جدا بشن الجنين و بشأنك ..
ثم وصلت انت و فوجئت عندئذ بهدوئك و شجاعتك ... و كنت غاية في الضعف و كان شعرك ... ما حدث انك التي طمأنتيني و ليس العكس كما كان مفروضا ... و لكن لماذا تريدين معرفة كل ذلك ؟
اجابت هيلين :
- حسن ... لقد تعرفت علي شخص يدعي انه تقابل معي هناك في العيد ... و انا لا اتذكر ذلك .
- - آه تريدين ان تقولي انك نسيا ذلك ! و انا التي اعتقدت انك تريدين تكتم امر حماقتك هذه ...
- حماقتي ؟
- ممم ... اي ! اعذريني كنت احاول وضع دبوس في شعري بيد واحدة ... و الآن ... نعم ... لم أكن اجرؤ علي الابتعاد عن الفندق حيث كنت اعاني الغثيان ، كما كنت اخشي ان اسبب لك ضيقا و كان يبدو عليك انك تريدين قضاء وقتك كيفما تتمنين ! لذلك اععدت لك بعض النزهات و في اليوم التالي ذهبت لقضاء العيد في الخارج .. و لم تعودي قبل حلول الليل و كان الوقت عندئذ يسمح لك بالكاد باستقلال الطائرة في الصباح .
- سوزان ! لماذا لم تخبريني بذلك ؟
- لانني كنت اعتقد انك تعرفين كل ذلك ! و ما قيمة كل هذا الآن ؟ انها قصة قديمة !
- و لكن ... ربما كنت قلقة ...
- لقد قلت لي يا عزيزتي في المطار قبل سفرك مباشرة : ان العلاج الكيميائي يجعلك عاجزة عن استيعاب بعض التصرفات بصفة مؤقتة .. كانت هذه كلماتك بالحرف الواحد .
- آه !
- و انه لا داعي ان اقلق نفسي في هذه الامور و في نتائجها الصغيرة .
- انا لا اصدق انني قلت كل هذا .
- ارجوك لا تكوني غبية ! لقد كنت تضحكين و قلت لي : انك قضيت اروع ليلة في حياتك ... و كنت سعيدة اثناء ذهابك فقد كنت في الرابعة و العشرين من عمرك و لكنك ناضجة جدا ... و اعتقدت عندئذ انه من حقك ان تستغلي كل لحظة في حياتك قبل استقبال كل ما كان ينتظرك ... لو كنت اعرف وقتها من فتي الاحلام هذا لأعطيته نيشانا و لتذهب توصيات امي الي الجحيم !
اخبريني يا هلين ...
ثم اضافت بجدية :
- هيلين لا تخبري جريج بكل هذا ن فذلك خطأ كبير و نصيحة لا تحاولي ان تعرفي اي شيء عنه او عن ماضيه فلابد ان له بعض المغامرات كأي شاب اخر في مثل سنه و الزواج يا عزيزتي رحلة طويلة يجب ان تبدئيها بصدر رحب !
و علي كل حال بما انك لا تتذكرين اي شيء مما مضي لا داعي إذن لأن تعذبي نفسك بهذه القصة .
بعد انتهاء المكالمة لم تستطيع هيلين ان تهدأ او ان تتخذ قرارا يحدد تصرفاتها المقبلة .. لو تستطيع تذكر ما حدث بينها و بين هيرمان فقط خلال هذا اللقاء القصير ... ربما تتمكن بعد ذلك من نسيانه و لكن فكرة
عدم تذكرها و عدم معرفتها تزعجها امثر و تسبب لها عذابا دائما لدرجة انها اصبحت تشعر انها انسانة غريبة عن نفسها .
و في وقت متأخر من الليل سمعت هيلين جرس الباب فسعدت لعودة صديقتها جيني مبكرة من عملها لابد انها نسيت مفاتيح الثقة و لكنها عندما فتحت الباب وجدت امامها هيرمان و في يده نسخة من قصة ملاك في الظلمات ثم قال لها بسرعة شديدة قبل ان يرحل حتي لا يترك لها الفرصة لأن تعبر عن ضيقها لهذه الزيارة المتأخرة :
- اقرئيها يا هيلين فقد تفهمينني جيدا !
بدأت هيلين تجمع قطع القماش المتناثرة و تشبكها ببعضها بواسطة ابرة الحياكة و كان ذلك عبارة عن بلوفر صوف طبيعي تنفذه من اجل عميل حسب طلبه و عندئذ غرقت في افكارها .و عندما فتحت القصة بعد ذلك بطريقة تلقائية و قعت عينياهاعلي الاهدااء :
الي ملاكي الحارس ... في انتظار لقائنا .
ثم بدأت القصة بينما تعد القهوة و تأثرت كثيرا بكل كلمة لدرجة انها بكت كثيرا .. فقد كانت البطلة تشبهها الي حد كبير و كانت كأنها تؤامها في ادق التفاصيل حتي في اثر الحرق القديم الموجود في باطن قدمها اليسري .
انتهت هيلين من قراءة القصة و هي تتناول فطورها و الغريب انها لم تشعر بالارهاق علي الرغم من هذه الليلة قضتها دون النوم و لكنها كانت تشعر ببعض الارتباك فقط .
و عندئذ ظهرت جيني امامها و هي تقول :
- هناك عميل معجب بأعمالك ... رجل كندي علي ما اعتقد وفقا للهجته هل تقابلينه ام اتولي انا ذلك ؟ انه حقا شاب وسيم جدا .
فانفجرت هيلين في الضحك قائلة :
- تولي انت ذلك فانا مخطوبة ز
خطيبها نعم لا بد ان تتحدث اليه كانت عندما وت الي المحل في الصباح اتصلت بجريج و طلبت منه الحضور لتناول العشاء معها في نفس اليوم ووافق جريج علي الدعوة بعد ان تردد قليلا و لكنه تحدث اليها بصوت جاد و حزين .. من يعرف ربمل\ا يكون قد توصل الي بعض النتائج عقب لقائهما مع هيرمان في الملعي الليلي ؟
- هيلين ؟
ظهر رأس جيني من بين طيلت الستارة و قالت :
- انه يوم حظك فهو يصر علي مقابلة المصممة ن هيا اسرعي !
وضعت هيلين ادوات الحياكة و قامت لتدلف الي المحل في ابتسامة مهذبة و عندئذ قال هيرمان :
- صباح الخير يا هيلين لم اكن اعرف انك تملكين هذه الموهبة .. انها فعلا لوحات حقيقة للفن الحديث .. الم تفكري في اقامة معرض ؟
- هيرمان !
كان صوت هيلين يعبر عن اليأس اكثر من تقبل الامر الواقع .
فقالت جيني بأسف :
- آه .. انت تعرفيه ؟
- ان هيرمان هو شقيق زوجي المقبل ..
- اذن انت هيرمان نايت ؟ الكاتب القصصي ؟ لقد قرأت كل قصصك و اعجبت بها .. هل يمكنك ان تهديني واحدة ؟
- بالتأكيد ، و يمكنك طلب ذلك من هيلين ن فسنتقابل كثيرا خلال الاسابيع المقبلة ..
قالت هيلين :
- يقصد خلال السنوات المقبلة ... كما انك تعرف اننا نرحب بك دائما لزيارتنا ...
- آه ... و لكني اشك في ذلك ..
شعرت هيلين ان صديقتها تتحرق شوقا لمعرفة المزيد ..
إذن فاتغير مجري الحديث بسرعة ..
و اسرعت بقةلها :
- ما الذي أتي بك الي هنا يا هيرمان ؟
- حسن .. لقد جئت لأتحدث معك بشأن البلةفر الذي وعدتني بتصميمه .. ويمكننا التحدث عن هذا بالتاكيد اثناء تناول الغداء معا .
- معذرة لقد احضرت معي طعاما خفيفا لاتناوله هنا فكما قلت لك لدي اعمال كثيرة في هذه الفترة .
- و لكن يجب ان تتناولي طعامك ايضا .. و ليكن ذلك في نزهة في الحديقة الموجودة علي الجانب الآخر من الشارع .. لو كان يضايق جيني ان تتولي مسؤولية المحل وحدها خلال هذه المدة بالتأكيد ..
اسرعت جيني بالأجابة :
- كلا بالتاكيد ! كما انه لا يوجد عملاء كثيرون اليوم .. وسأتناول غذائي فيما بعد هيا اذهبا هيا !
قال هيرمان ساخرا و هو ينظر الي هيلين ك
- سيقينا الشرف من كل شيء !
حاولت هيلين عبثا البحث عن اي حجة تمنعها من الذهاب معه و لكن رفضها سيزيد فضول جيني بالتأكيد ..
و كان هيرمان يستغل هذا الوقت ليراقب الفتاة بعناية و لاحظ ثوبها المصنوع من القطن و كان عاديا جدا و بدون اكمام و لكنه ذو لون اصفر صارخ يلائمها كثيرا و يبرز لون بشرتها الاسمر .
و بعد دقائق قليلة كان الاثناء في طريقهما الي الحديقة بينما كانت هيلين تشغل نفسها بمشاهدة التصميمات الموجودة في المحلات المجاورة و كان هناك الملابس الباهضة الثمن المصممة علي الموضة و الملابس الرخيصة الشعبية .
كان شارع فيكتوريا بارك من الشوارع المميزة بوجود مبان قديمة مع وجود محلات كثيرة و متعددة بجانب الباعة الجوالين الذين يملئون المكان ببضاعتهم .
و اكثر ما كان يشد الانتباه في هذا الشارع محلات الاطعمة المختلفة فكان هناك منتجات مكسيكية و الصينية و الايطالية و عندئذ بدأت معدة هيلين تعترض علي الطعام الخفيف الذي احضرته نعها و المكون من الزبادي و التنفاح . و في النهاية دخل هيرمان محلا لبيع الخبز فاشتري خبزا فرنسيا ثم محلا اخر لبيع الجبن و الفطئر و اثناء لهتمامه بدفع الحساب طلب من هيلين شراء سكين .
و عندما وصلا الي الحديقة وضع هيرمان حقيبة الطعام و كان يحمل في احدى يديه مفرشا من الكتان الاصفر فنظرت هيلين باستغراب فقال لها :
- لقد سقطت الامطار صباح امس و من المحتمل ان يكون العشب مبرر في هذه المنطقة .
- و لكنها مصاريف كثيرة لنزهة صغيرة ن اليس كذلك ؟
و بدون ان تنتظر الاجابة دخلت هيلين الي الحديقة و تبعها هيرمان و االحق ان المفرش كان مهما جدا فقد كان الجو حارا جدا و لاشمس ساطعة لذلك لابد لهما من الجلوس بعيدة عن الشمس و كانت بالتأكيد مبللة و عندما اخرج الطعام من الحقيبة دهشت هيلين كثيرا و لاحظت انه احضر كل شيء فقد احضر دجاجا محمرا و زيتونا اخضر محشو بالفلفل الاحمر و بعض عناقيد النعب االطازجة ,
فقالت عاتبة :
- كأنك احضرت طعاما لكتيبة كاملة .
- انا جوعان ولا اعرف هل لاحظت ذلك ام لا ... فانا لم اكل جديا مساء امس .
- و هل تنوي تناول كل ذلك ؟
و كانت تنظر الي الخبز الرائع الذي يقطعه بيده بعين نهمة ن فقال لها :
- اتجربين معي . اري ذلك في عينيك .
ثم ناولها السكين فلم تتوان عن الموافقة بدون ان تندم علي الزبادي و التفاح اللذين احضرتهما معها .
و دهشت كثيرا عندما شعرت بالسعادة اثناء تناول الطعام في ةوجود هيرمان الذي بدا لها فجاة قريبا منها و لطيفا جدا .
و بينما كانت تنظف يديها بعد الانتهاء من تناول قطعة دجاج قال لها ك
- يبدو انك مرهقة ربما لم تتمكني من النوم جيدا بعد زيارتي المتاخرة لك ؟
- لقد قرأت قصتك .
- طوال الليل ؟
- طوال الليل .
- انت تتملقينني !
- انتظر اولا حتي تعرف رأيي .
- انا متأكد انها اعجبتك .
ثم ناولها كوبا من العصير .
- و لكنني لم اعجب في النهاية لقد انتهت القصة بطريقة غامضة جدا .
- ذلك لأنه لم ينجح في معرفة ما اذا كان هذا الملاك حقيقة ام خيالا ؟ اهذا ما تقصدين ؟
- كن امثر جدية ! ان كل هذا كان من صنع خيال البطل .
- اتعتقدين ذلك ؟
قال لها هيرمان هذه الجملة الاخيرة بابتسامة متعجرفة مما جعلها تدخل في مناقشة حول القصة و السؤال الذي تطرحه هو ك هل الامل و الخيال افض من الاستسلام للمصير ؟
نسيت هيلين تماما انها تتحدث مع المؤلف و بدأت تدافع عن وجهة نظرها بشدة كما لو كانت تعرف طبيعة الشخصيات اكثر منه .
و فجاة قال لها هيرمان :
- انت تتحدثين بجدية و اهتمام شديدين يا هيلين
كان هيرمان مستلقيا علي ظهره فاتحا ازرار قميصه كأنه يريد الاستفادة من اشعة الشمس و كان يبدو من خلال فتحة القميص صدره البرونزي المغطي بشعر اشقر و عندئذ جلست هيلين بجانبه و قالت :
- هذا ما كنت تريده ، اليس كذلك ؟
- و هل تعرفت علي نفسك ؟
- من الناحية المادية نعم ن و لكن البقية كانت من صنع الخيال اعتقد ان هذا البطل المعذب ما هو في الحقيقة الا انت ؟
- لقد طرح هذا السؤال علي كثيرا و لكنني لم اجب عنه اما انت فيمكنني تلاعتراف لك بالحقيقة .. ان كل كتبي تحمل عناصر من حياتي الذاتية و لكن هذا الكتاب حافل بهذه العناصر اكثر من اي كتاب اخر و كما تعرفين لقد كتبته بناء علي حادثة حقيقية و كل ما كنت تشعر به الشخصيات الحقيقية ذكرته في الكتاب اما البقية فقد تكقل الخيال بها ، لقد كان هذا الكتاب اسلوبا جديدا تماما في حياتي لذلك خشيت من فشله و لجأت الي .. الاسم المستعار و الحق انني وضعت عصارة روحي و امالي في هذا الكتاب يا هيلين .. لقد تعبت كثيرا في مواجهة هذه المهمة القاسية لدرجة انني فضلت وجودي في خضم الاحداث المعارك و القنابل تقذف من حولي ! صدقيني يا هيلين عندما يفتش المرء بداخل نفسه يجد وحوشا ضاربة .. و لو كان في النهاية في نظرك غامضة ذلك لأن الحياة نفسها غامضة .. و لن يتوصل الانسان ابدا لفك رموز هذا الغموض و معرفة نفسه علي حقيقتها .
قالت هيلين ساخرة :
- علي الاقل في حالتك كان ذلك مفيدا .. فقد جعلك هذا الكتاب ثريا و شهيرا !
- هل هذه مطالبة مستترة لنصف حقوق مؤلف باعتبارك الوحي الحقيقي للقصة ؟ خذي هذا العنب انه رائع !
كان يتحدث اليها بابتسامة عذبة فأخذت منه هيلين عنقود العنب لتلتهمه في هدوء .
- الم تشعري انك رأيت من قبل بعض فصول هذا الكتاب ؟
- كلا .
- حتي الفصل الخامس ؟
- كلا بالتأكيد !
شعرت فجاة بالدم يتدفق الي وجهها فاخذت تنظف المكان بسرعة .
قال هيرمان :
- انه الفصل الوحيد الذي لم يتدخل فيه الخيال ... و لم الجأ في كتابته الا الذكريات .. التي ظلت محفورة في عقلي .
حاولت هيلين تجنب نظراته و اخذت تضع بقية الطعام في الحقبية فقد كانت احداث الفصل الخامس تجري في احدي حجرات فندق في هونج كونج و كانت مملوءة بالمشاهد الجنسية التي لم تقرأ مثلها ابدا .
و فجأة
بدأت نحلة تطن حولهما و كانت هيلين غارقة في افكارها ثم حطت النحلة علي صدر هيرمان بينما كانت الفتاة تتابعها بنظراتها و عندما نهض هيرمان ليبعد النحلة قفزت الفتاة من مكانها .
- يبدو انك مهتمة بملاحظة الحشرات .. لنتحدث عن الكتاب ثانية ..
- افضل ان نكف عن هذا الحديث .
- تقصدين الفصل الخامس ؟ هل فوجئت بمقدرتي علي كتابة تفاصيل هذه النجربة الخاصة في الكتاب ؟ و لكنني لم اكن استطيع ان افعل غير ذلك حتي لا اخون حقيقة ما كنت اشعر به ! لقد غيرتني هذه التجربة تماما و شعرت بها بداخلي .. عندما اكتشف الحب وز كم كنت سعيدا بهذا الاكتشاف لدرجة انني تمنيت ان يشاركني العالم كله فيه !
نظرت اليه هيلين و كأنها تنظر الي انسان فاقد للأمل نهائيا و عندئذ فهمت السبب لرفضه هذا الوضع الحالي فالعلاقة القائمة بينه و بين اخيه لا تفسر كل شيء لقد صدق بالفعل في كلمة كتها في صفحات الكتاب و خلع علي هيلين صورة الملاك الخاص به .. المرأة المثالية التي صنعها من نسيج خياله و اضفي عليها كل فضائل المرأة .
فوجيء هيرمان بتعبير وجه الفتاة فانفجر ضاحكا و قال :
- اتعتقدين انني مجنون ؟ ضعي نفسك مكاني فقط ! لقد ظللت محبا لامرأة لم تعد ابدا لي لمدة خمسة اعوام .. و بعد كل هذه المدة وجدتها تعطي نفسها للشخص الذي لن يستطيع ابدا منحها الحب الكافي ! ولو كان هو الشخص اخر يا هيلين .. شخصا قادرا علي منحك الحب الذي تحتاجين اليه لكنت تركتك و شأنك .
- اشك في ذلك فأنا اثق بجريج و هو مثله كمثل اي شاب كان صغيرا في السن و من حقه ان يرتكب اي خطأ ..
- ان كلمة خطأ لا تلائم ما ارتكبه جريج .. فالخطأ نرتكبه دون قصد و لكن جريج كان يعرف ما هو مقدم عليه بالضبط و يعرف انه خطأ رهيب و لكنه لا يهتم كثيرا بما فعله في الماضي لذلك كذب عليك .
- كذب علي ؟ ما الذي تريد قوله ؟
- اريد ان اقول يا هيلين ان جريج لم يقع في حب خطيبتي و لكن زوجتي ... و لم يكتف بحبه لها فقط بل اقام معها علاقة دامت طويلا .
الفصل الخامس
- علاقة ... مع اليس ...
كان صوت هيلين مسموعا بصعوبة و فجأة اصبح الجو ثقيلا جدا حولها
ردد هيرمان :
- مع اليس .
- انا ...
لم تجد ما تقوله .. اليس .. لقد فهمت الآن السبب في انه مامن مرة يذكر اسمها الا و يتعكر الجو و السبب عدم ذكر هانا و نيكولا لاسم جريج امام هيرمان و السبب في ان جريج يبدو دائما منزعجا و مقتنعا ان هيرمان لن يسامحه ابدا .
اخرجها صوت هيرمان من افكارها :
- و الآن الا تحاولين الدفاع عن خطيبك ؟
جلس هيرمان و احاط ساقيه بأحدى ذراعيه و اخذ ينظف بقايا الطعام الموجودة علي سرواله بالذراع الاخري و اضاف :
- كنت حتي مساء امس اعتقد انك تعرفين ذلك لقد افترضت ان هنك صراحة متناهية بينك و بين خطيبك !
تمتمت هيلين بوهن :
- نعم .. نعم لو كنت طلبت منه ذلك لكان اخبرني بكل شيء .
- بالتأكيد و كان سيستغل ذلك ليتخلص من احساسه بالذنب و لكن هل تصدقينه بعد ان عرفت انه كذب عليك فيما مضي ؟
- لابد ان قصتك تتسم بالموضوعية و عدم التحيز .
- نعم ذلك لاني نسيت الماضي اما هو فلا و بذلك لا يبحث عن مسامحتي له بل عن مسامحته لنفسه .. و كم دهشت عندما سمعت بقرار زواجه ، فقد كنت اعتقد انه سيحرم نفسه السعادة طوال عمره .
- لم يتوان جريج ابدا عن اتخاذ القرارات الحازمة !
- في مجال الاعمال ، نعم او علي الاقل عندما يعطيه احد ما الدفعة الاولي .
صمت هيلين و ادارت ؤاسها كانت هي و ليس جريج التي اتخذت الخطوة الاولي في بداية علاقتهما .
- هل تريدين معرفة كل القصة يا هيلين ؟
جاهدت لتقول و هي تحول دون الفضول الذي يكاد يلتهمها :
- علي جريج ان يحكي لي القصة بنفسه .
- قد يحاول البعض حماية الاخرين من حقيقة قاسية و جارحة بأي ثمن و لكن الحق ان هذه الحماية تكون اكثر قسوة من الحقيقة نفسها اليس كذلك يا هيلين ؟
سألته الفتاة بصوت مرتعش :
- و هل هذا ما حدث لك ؟
لماذا نطقت بهذه الكلمات ؟ لقد وافقت علي سماعه ، علي سماع ما يعتبره حقيقة .
بدأ هيرمان يتحدث باسلوب يجذب الانتباه فعاد بذاكرته عدة اعوام الي الوراء و كان يجذبها اليه شيئا فشيئا بطريقة اخطر من محاوته استمالتها .
- عندما تزوجت اليس كنا صغيرين في السن و نفيض بالأمل و التفاؤل .. فبدأنا معا في نفس الجريدة و كان بيننا اشياء كثيرة مشتركة .. نفس الذوق ، نفس االطموح ثم تفرق طريقانا و لم تكن اليس قادرة علي القيام بالربورتاجات الضخمة و مع الوقت تحولت الي العمل في الاخبار المثيرة بينما اصررت علي متابعة هذا الطريق الوعر لأعداد الريبورتاجات و في هذه الفترة عرض علي القيام ببعض المهمات الشيقة في الخارج مما جعل شهرتي تخترق الآفاق و عندئذ كنت اتخيل ان زوجنا ناجح جدا .. حيث كانت اليس تبدو سعيدة بإقامتها في اوكلاند و في كل مرة كنت أعود كانت ترحب بي جدا و لم تتبرم ابدا من كثرة غيابي و الحق انني كنت سعيدا بذلك ..
- و كيف اكتشفت الحقيقة ؟ ربما شعرت ببعض الشكوك تجاه جريج و زوجتك ؟
- للأسف لم أحظ بذلك و كنت اعرف ان جريج يهتم بامور اليس في غيابي و في احد الايام عدت علي حين غرة اثر تغير ما في مواعيد رحلات الطيران و عندئذ فهمت الحقيقة .. اذ وجدتها معا في الفراش .. في فراشي .
- آه .. هيرمان ..
- الحق كان ذلك رهيبا و عندما قررت اخيرا ان افكر في الموضوع ثانية بعد هذه الاعوام التي قضيتها هائما علي وجهي حتي انسي .. بدأت اسأل نفسي ماذا لو .. بأختصار ربما ارادا اخباري بالحقيقة بهذه الطريقة ، ربما فكرا في ارغامي علي التصرف بدون ان يتخذ الخطوة الاولي .. فقد كانا يحبان بعضهما منذ عدة اشهر و لكنهما لم يستطيعا البوح لي بذلك و حاولا كثيرا قطع علاقتهما و لكنهما فشلا .
- ثم بعد ؟
- عادت اليس الي عائلتها في سيدني و لم يحاول جريج ان يمنعها من الرحيل .. ولو لمجرد محاولة .
- و انت الم تحاول منعها ؟ اعتقد انك كنت لا تزال تحبها ..
- لقد احببت المرأة التي تزوجتها و لكن اليس لم تكن هذه امرأة و قبل ان ترحل قالت لي : انا تمقت كل ما افعله و انها تشعر بان لا قيمة لها في حياتي و انني جعلتها تصاب بخيبة امل تماما مثلما فعلت معها الصحافة ..
- و مع ذلك ، انها لا تزال تعمل في الصحافة ..
ابتسم هيرمان بضعف و شعرت هيلين بخجل من فضولها .
- هذه قصة اخري يا عزيزتي هيلين .. ان الخيانة لا تقل فظاعة عن محاولة الكذب لأخفائها و اليس عاشت كذبة كبيرة لمدة شهور طويلة لأنها لم تكن تملك الشجاعة للاعتراف بخطئها عندما تزوجتني و سمحت لنفسها ان تتصرف بهذه الطريقة فوافقت علي مبادلة جريج الحب ولو بصفة مؤقتة ولو كانا ولو كانا يريدان تحمل المسؤولية لواجهاني بالحقيقة بدلا من اخفائها و ربما في هذه الحالة لم تكن النهاية لتصل الي هذه المرحلة المأساوية حتي والدي كانا يعرفان الحقيقة و يخفيانها عني لقد اقسمت الا أخذ بالمظاهر بعد ذلك فكانت اليس تبدو محبة جدا لي و كلما اتخيل انها كانت تمارس الحب معب بينما كانت تفكر في شقيقي !
- هيرمان ، انا ...
وضعت هيلين يدها عليه في عطف و لكنها سرعان ما سحبتها بينما انفجر هيرمان في الضحك قائلا :
- انا لست في حاجة الي شفقة احد يا هيلين حتي انا لا ابالي بهذه القصة مطلقا لقد خدعتني اليس و خدعت جريج و خدعت نفسها كما انني كنت اقل منهما معاناة فنسيت كل ذلك و اطلقت العنان لطموحي و بذلك اصبحت بسرعة شديدة ثريا و شهيرا و لكنني تركت الفراغ يضع بصمته في حياتي و نسيت نفسي في هضم امالي و حماسي لدرجة انني خشيت ان افقد احساساتي حتي اصل الي مرحلة العجز عن الكتابة و كنت الجأ انذاك الي الكحوليات لكي استرد حيوتي و فجأة بينما كنت اظن انني فقدت كل شيء وجدت من جديد سعادتي و براءتي ..
شعرت هيلين بالدوار نتيجة جلوسها في الشمس كل هذا الوقت .. من المؤكد ان ذلك بسبب حرارة الشمس و ربما كان بسبب نظراته الثاقبة التي تتسلل الي قلبها و الس اسرارها التي تجهلها بنفسها ..
- لقد منحتني الحياة من جديد يا هيلين في هذه الليلة و شعرت انني مازلت انبض بالأحاسيس .. فهل ترين حبي لك غريبا بعد كل هذا ؟
ثم لمس رأسها بخفة و رقة .
- ان شعرك يكاد يحترق .. انت ايضا تشعرين بشيء ما اليس كذلك يا هيلين ؟ شيء ما يربطك بي .
- نعم ..
هزت الفتاة راسها لتعبد يد هيرمان عنها و لكن هيهات بينما اغرورقت عيناها بالدموع .
- كلا ، كلا ، لا تبكي يا حبيبتي .
ثم ابعد يده عنها و لاحظت هيلين انها تتمني لو يبدو لها اكثر حنانا .. او حتي يجذبها بين ذراعيه ان ينتصر علي الخوف الذي يسيطر عليها .. شعور غريب بالرغبة يملأ تفكيرها .
قفزت هيلين و نهضت من مكانها و هي ترتعش و تشعر بالخجل فسألها هيرمان و هو ينهض بدوره :
- ماذا بك ؟
- انا ... لا تلمسني ! ان ذلك يضايقني .
اشرق وجه هيرمان بابتسامة اضاعت تعبير القلق الذي كان يرتسم علي وجهه .
- و ربما العكس ! و لكن ماذا حدث ؟ هل تذكرت اي شيء فجأة ؟
- انت انسان جذاب يا هيرمان بكل تأكيد و لكن هل تعرف ما اكثر شيء يجذبني فيك ؟ انك تششبه الشخص الوحيد الذي احبه ، ربما كانت لي معك مغامرة في الماضي ... و لكن مستقبلي مع جريج .
غادرت هيلين المكان بسرعة و تركته وحيدا ثم ندمت علي قسوتها هذه و فكرت في العودة اليه لتقديم اعتذارها و لكنها عجزت عن ذلك و بدت لها فترة ما بعد الظهر طويلة جدا ..
فكيف ستقابل جريج ؟ و كيف تتحدث اليه ؟ هل تبدأ حديثها معه باعترافها هي ام اعتراف جريج بنفسه ؟
حان الوقت المنتظر ولا داعي اذن لطرح هذه الاسئلة علي نفسها .
و عندما وصل جريج لديها رأي علي الفور بعد ان قبلها قصة ملاك في الظلمات موضوعة علي المنضدة فقال لها دهشا وهو يتقدم ليمسك بالقصة :
- لقد قلت لي انك لم تقرئي قصة هيرمان ؟
شعرت هيلين ان الارض تميد تحت قدميها ن فلو قرأ الاهداء قبل ان تشرح له الامر بنفسها ..
- انها الحقيقة ، لقد احصر لي هيرمان هذه القصة مساء امس و ..
- مساء امس ؟
تجمد جريج في مكانه بينما لمعت عيناه بالشك و الريبة .
- لقد حضر الي .. بعد عودتي بقليل ... و طل مني ان اقرا هذه القصة لأن .. لا بد ...
لم يتركها جريج تواصل حديثها .
- لقد اخبرك بكل شيء اليس كذلك ؟ كنت اعرف انه لن يقاوم ... لقد اخبرك بأمر اليس ؟
- بما انك كنت تظن انه سيخبرني بكل شيء لماذا لم تأخذ انت الخطوة الاولي ؟ علي الاقل كنت اخذت استعدادي لذلك .
- كنت انوي ذلك .. ولو انني كنت في حيرة كيف اخبرك بهذا ؟
فكرت هيلين حزينة للمرة الثانية يبدو عاجزا عن عمل اي شيء و لكنها فهمت انه ليس مطالبا بتوضيح الأمر لها زز الم تخف عنه هي ايضا ما حدث بينها و بين هيرمان ؟
ثم استدارت نحوه خاضعة و عندئذ قال لها :
- كنت اعرف انني لابد ان اخبرك بكل شيء عاجلا ام اجلا و لكنني اعتقدت ان الانتظار افضل و فضلت اولا الحديث مع هيرمان فلا احد يعرف بهذه القصة و بسبب الانفصال هيرمان و زوجته عدا والدينا .. كان اتفاقا صامتا بيننا و ربما كان هيرمان ينزعج بخرق الاتفاق ..
اعترضت هيلين :
- لم اكن انوي الصياح بهذا الاعتراف .
- لم ارد قول هذا ، و لكن .. الحقيقة خشيت ان يؤثر ذلك علي علاقتنا كما ان هيرمان كان يبدو كأنه لا يعلق اية اهمية علي هذا الموضوع لذلك فضلت الانتظار .. و لا اعرف ما السبب في انفجار غضبه فجأة مساء امس .. ان كل ما كان يعنيه في الامر هو : الكذب .
شعرت هيلين ان وقت الاعتلااف قد حان و فتحت فمها لتتحدث و لكنه بادرها بقوله :
- ربما تحتقرينني .. تحتقرين الانسان الذي ينتظر عقابه و الذي يبدو قويا في الخارج و ضعيفا في الداخل .
فجأة شعرت هيلين بالشفقة نحوه يا له من شخص مسكين جريج انه لن يسامح نفسه ! فهل تفعل هي ذلك بدلا منه ؟
- اعتقد ان الامر كان رهيبا بالنسبة لكم جميعا ، و حقا انا حزينة لذلك يا جريج ..
- انت لا تريدين الزواج مني يا هيلين ؟
- كلا بالتأكيد يا جريج فأنا لست حزينة علي ذلك .
ثم تقدمت نحوه و احاطت كتفيه بذراعيها .
- انا حزينة علي الالم الذي شعرت به .. كما انني لن افكر ابدا في إلغاء فكرة زواجنا لشيء ما حدث في الماضي عندما كنت انا نفسي صغيرة !
فجذبها نحوه بشدة و قال لها :
- اشكرك يا عزيزتي اعتقد ان هيرمان جعلني ابو سيئا جدا ..
- لقد قال لي في الحقيقة انه لا يبالي بهذه القصة مطلقا .
ثم اخبرته بكل ما قاله لها هيرمان و بعد ان انتهت من حديثها شعر جريج بالهدوء و بدا مذهولا جدا .
- اتعرفين ان اليس وحدها هي التي تحتاج الي الشفقة والرحمة لقد كانت تتمني ان تترك عملها لتتفرغ لبناء اسرتها و لكن هيرمان لم يكن يريد الاستماع اليها و اكن سعيدا بتجواله في جميع انحاء العالم و بينما كان ينتقل بين القطبين كانت اليس مريضة بالقلق و لم أكن في البداية سوى مجرد صديق بالنسبة لها شخص تعتمد عليه ، ثم تطورت علاقتنا بدون ان ندري و في يوم فقدنا عقلنا ..
- و لماذا لم تطلب الانفصال عنه مادامت الأمور قد تأزمت بينهما ؟
- كانت اليس لا تزال تحبه و لكن ليس كزوج بالتأكيد و في البداية شعرت انها ممزقة و كانت تتمني ان تصل معه الي حل لمشكلاتها ، و بينما كان في الخارج كانت قد قررت ان تنهي حياتها معه و تضع حدا لمأساتها و لكن بمجرد عودته غرقت في الحزن من جديد و تمنت لو امكنها انقاذ اي شيء في علاقتهما .
شعرت هيلين ان اليس كانت مذنبة و مسؤولة عن كل هذا و ربما لو كانت تصرفت بشجاعة لاستطاع جريج ان يتخلص من تردده .
ثم قال لها :
- أحمد الله انك لست من هذا الطراز و الحق انني كنت افتقد النضج في هذه الفترة حتي ازج بنفسي في قصة كهذه و لا اعرف ما الذي يمكنني عمله لو فقدتك يا هيلين ؟
لقد ملأت علي حياتي و جعلتني افهم ما كنت حقا في حاجة اليه ... الحب ، المنزل الاطفال و عندما عاد هيرمان شعرت ان كل الشياطين القديمة قد ظهرت في حياتي من جديد و لكنه لن يفرق بيننا و سنمنعه من ذلك اليس كذلك يا عزيزتي ؟
- بلي بالتأكيد !
شعلات هيلين بالضيق لرؤيته ضعيفا بهذه الصورة و لكنها لن تعيب عليه احساسه المرهف و عليها هي ايضا ان تريح ضميرها و لكنها علي الرغم من حزنها لتأجيل اعترافها الا انها لا تستطيع مفاجاة جريج بضربة ثانية الآن .
ان هيرمان نايت شبح لابد لها من التخلص منه نهائيا و لكن سيتم في وقته و علي طريقتها .
و هيلين ليست الملاك الذي يبحث عنه و يجب علي هيرمان فهم ذلك اراد او لم يرد .
|