4- حبي لك يشبه وردة حمراء
كانت لورين تجلس في غرفة الطعام تصلح دفاتر الأنشاء لتلاميذها دخل جان دون أستأذان وسألها:
" هل أنت مشغولة؟".
" هذا واضح , أليس كذلك؟".
وقف خلفها يطل من فوق كتفيها وبدأ يقرأ في دفتر تلميذة صححت لها لورين وأعطتها علامة كاملة, كان جان يقرأ ويده تمر فوق شعرها المنسدل حول كتفيها ... لقد تركته مسترسلا بعد أن أعياها عقده بشرائط لكثرة ما عاكسها جان... وأخيرا استسلمت للفكرة.
أبعدت لورين يده بنزق من فوق شعرها , نظر اليها جان نظرة ساخرة وهو يبتسم ابتسامة غامضة, كان واثقا مما يفعل ... وقد لاحظت لورين تغيرا في الأستراتيجية المتبعة, لقد انتهى من فترة ابعاد أصدقائها عنها, وبدأ خططا جديدة.
كلما اقترب منها أحست شعورا جديدا يخيفها , هي لا تستطيع أن تتحمل قربه منها لما يثيره فيها من أحاسيس غريبة عليها, قربه منها يجعلها مرتبكة وعصبية وبالتالي يختل توازنها وهدوء بالها , وهي لا تستطيع أن تفعل أي شيء حيال هذه الأحاسيس التي يثيرها في داخلها.
" لقد أعطيت هذه الأنشاء علامة كاملة!".
" نعم, أعتقد أنها جيدة".
" هل تعرفين كيف أصححها ؟ (أخذ القلم من يدها وبدا) هكذا...(شطب بعض الكلمات) وهكذا( حذف جملة هناك) وأسلمها للفتاة لأعادة كتابتها(ترك القلم) عليها أعادة صياغتها من جديد, لغتها بغيضة ووحشية".
أخذت لورين ممحاة لأعادة الأنشاء كما كان وقالت معترضة:
" أنظر الى هذه الفوضى, لو تهتم بشؤونك فقط وتتركني أهتم بعملي!".
وبدلا من أن يدافع عن نفسه سحب كرسيا الى الطاولة وجلس عليه:
" أعطيني انشاء آخر:
وضعت لورين يديها فوق الكراسات تحميها وقالت بعصبية:
" لا يحق لك أن تلمسها , هذا عملي وأنا أصلحها وليس أنت".
" حسنا . أعدك بأن لا أكتب عليها بالقلم ولا أحذف منها ولا كلمة... مع أنني أرغب كثيرا في ذلك . ولكن أرجوك أسمحي لي بقراءتها . أنا لم أقرأ ما تكتبه المراهقات منذ سنوات, وهذا يفيد روحي وينعش ذاكرتي ( مد يده راجيا أن تسمح له) أرجوك. لقد وعدتك...".
وبعد تردد سمحت له لورين بقراءة المواضيع الأنشائية التي كتبتها الطالبات في صفها , اقترب بكرسيه من لورين , ولكنها حاولت أن تبتعد عنه , ترك ذراعه تلامس ذراعها وحين لم تعد تحتمل قربه بدأت تبتعد من جديد , ولكنه ربط رجليه برجل كرسيها ومنعها من التحرك بعد أن أمرها:
" ابقي سامنة أرجوك, أريد أن أركز تفكيري في القراءة , آه و هذا مجهود جبار.( قلب الصفحة وقرأ العلامة المتدنية التي وضعتها لورين) ماذا؟ أنت حتما بدون تفكير يا امرأة ... هذا الموضوع الأنشائي ممتاز .
" وكيف ذلك؟ التراكيب خاطئة والقواعد رديئة واللغة عادية ومستعملة في حياتنا اليومية , لغة الشارع , لقد تجاهلت جميع القوانين المرعية في كتابة موضوع أنشاء..",
" انظري اليها من جديد. أنها تستعمل لغة حديثة لاذعة وتعابيرها مستجدة, أنها اللغة التي نسمعها حولنا كل يوم, لقد صممت أذنيك عن سماعها بأرادتك".
" ولكن اللغة المحكية لا يمكن أن نستعملها في كتابة الأنشاء , تراكيبها مفككة ومزرية".
" ولكني أعتقد أنها جيدة بل مبتكرة وغير عادية, هذه الفتاة تكره الطرق التقليدية في التعليم ولا تريد اتباع
الوسائل القديمة التي تشربينها لهن كدواء فاسد مر عليه الزمن. أنني مستعد أن أمنح هذه الفتاة وظيفة مراسل مبتدىء في جريدتي اذا تقدمت تطلب عملا...".
بدأ جان يقرأ موضوعا آخر. قال:
" هذا القول غير صحيح , ألا تصرين على كتابة الحقائق؟ أول قواعد الكتابة الصحيحة هي كتابة الحقائق".
" ولكنني معلمة لغة وأنا لا أهتم بالحقائق كلها قدر اهتمامي بالخيال وصحة التعبير عن الرأي".
" أي رأي ؟ عليك تلقينهن الحقائق كلها ومن ثم يتكون لديهن الرأي الصحيح".
هزت رأسها متعجبة:
" لقد أعطيتهن الحقائق المتعلقة بكتابةالموضوعات الأنشائية والمقالة, واذا أثرت موضوعا يحرك عقولهن وتفكيرهن فأن الأهالي يتساءلون عن السبب وربما يعتقدون أن مستوى المدرسة قد بدأ ينحدر , وربما يعتقد البعض أن هذا الموضوع يعود لأنحدار في أخلاق المعلمة بالذات , وربما يرمي حولها ظلالا من الشك".
" أذن عليك تثقيف الأهالي أولا , اليس كذلك؟ (نظر اليها مشككا) طريقتك في تصحيح المواضيع الأنشائية تشير الى مقدار ما ينقصك من شجاعة كمعلمة للغة الأنكليزية , لقد قرأت الكتاب الذي أعرتك أياه ولكن شجاعتك الأدبية ليست كافية بما يسمح لك بتطبيق نظرية واحدة جديدة".
احمر وجهها خجلا وهو يراقبها عن كثب:
" أنت تشبهين المعلمين الذين جعلوني أهرب من مهنة التعليم . لم أحتمل شدة تعصبم وعدم استعمال عقولهم وتزمتهم".
ضربت لورين يدها على الطاولة بحركة عصبية غاضبة , لم تعد تحتمل استفزازه وتهجمه عليها.
" يمكنك أن تخرج وتتركني وحدي".
بدأت لورين تفقد ثقتها بنفسها , وسائل التعليم التي تتبعها لا تفي بالقبول وأهتزت مبادئها جملة وتفصيلا , أحست أن كل شيء قد أختلط في عقلها.
" عندما أنتهي من عملي معك سأخرج(ابتسم وهو يرى كراهيتها واضحة في عينيها) ما هذا؟ ( مد يده وأمسك بمقالة كتبتها لورين) مقالة(قرأ اسم الكاتبة وابتسم بخبث ظاهر) موضوع من تأليف معلمة اللغة الأنكليزية نفسها(فرك يديه) سيكون مسليا للغاية".
" هذا المقال مطلوب من مجلة المدرسة (حاولت أن تهرب المقال من بين يديه عبثا , ضحك كثيرا وهو يقرأ) وأنت مديرة التحرير, حتما أنها قصة العام".
" لا أسمح لك بقراءته!".
" لا بأس فأنا لم أسألك السماح".
بدأ يقرأ وهي تتقوقع قربه خجلا , قرأ المقال حتى النهاية وهي صامتة تنتظر ردة فعله أو تقييمه".
سألته بلهفة:
"هل هو جيد؟".
" ماذا أستطيع أن أقول؟".
"اذن المقالة رديئة!".
ضحك كثيرا لتلهفها , كانت كطفلة صغيرة تنتظر بعض التشجيع .
" نعم (مد يده ليمسك القلم: أنها رديئة . هذا ما كنت أنتظر , ولكن الآراء جيدة ومبتكرة(بدأ يشطب بالقلم جملة هنا وأخرى هناك, يحذف ويبدل... وأخيرا رفع حاجبيه وسألها) : هل أستطيع تصحيحها؟".
هزت لورين رأسها موافقة, كانت تعلم ما الذي سيحصل للمقالة .
" عندما أنتهي لن تتعرفي الى مقالتك...".
كان جان يعمل بموضوعية فائقة , يحرك القلم ويغير في ترتيب الكلمات في كل جملة, كانت كالمريض يشاهد عملية جراحية تجرى له... راقبته وقرأت ملاحظاته القاسية في الحواشي, كانت واثقة أنه تعمد جرحها قدر المستطاع ولكنها لم تحس ألم الجراح, وأخيرا ناولها المقالة بعد أن أنتهى من عملية التصحيح وعادت لكامل أحاسيسها من جديد.
لقد تحسنت المقالة أكثر مما انتظرت , نظرت اليه محدقة لا تصدق نظراته الساخرة وهو يقول:
" هل ستسامحينني على فعلتي؟ (مشى نحو الباب) بعد تفكير , أريد الخروج من هنا قبل أن أنال نصيبي من الأهانات الضارية, لقد قررت أن أقاضيك أمام المحاكم لكثرة أستعمالك الشتائم والأعتداءات على شخصي".
ابتسم جان ابتسامة عريضة ثم غادر الغرفة.
كانت لورين تستعد لزيارة صديقتها آن لمساعدتها في تقصير ذيل فستانها, ارتدت تنورة جديدة واسعة وفوقها كنزة بيضاء ذات ياقة عالية .
دخلت والدتها الى غرفتها وسرت من شكلها الجديد , وقالت:
" أنت جميلةوجسمك متناسق وهذه الكنزة الجديدة تبرز معالم جمالك, لماذا لا تضعين بعض مساحيق التجميل على وجهك؟".
وللحال باشرت لورين بوضع بعض مساحيق التجميل على وجهها من ظل للعينين وبعض الكحل حول العينين ثم رشة بودرة خفيفة على الوجه , ثم خططت بقل الحواجب فوق حاجبيها وبدأت تمشط شعرها وترتبه.
فتح جان باب غرفته ونادته بريل على الفور طالبة منه الحضور:
" تعال يا جان الى غرفة لورين وانظر لجمال ابنتي!".
" لماذا يا ماما؟".
ولكنه حضر على الفور ولم ينفع اعتراض لورين.
مد جان رأسه الى داخل الغرفة وابتسم بمكر وهو يراقبها ترتب شعرها الأملس المنسدل بأغراء حول كتفيها.
" استديري يا لورين ليراك جيدا".
بدت تعابير وجه جان شبيهة بما شاهدته أول مرة عندما خطا على عتبة البيت , تفحصها مليا ... حللها وجزأها ثم أعاد تركيب أجزائها خلال ثوان قليلة. وجدت لورين صعوبة في تفسير نظراته , خجلت واحمرت وجنتاها واستدارت من جديد تواجه مرآتها وتكمل ترتيب نفسها.
" هناك أنقلاب كلي وتحول سحري وتغير ظاهر".
نظر جان الى داخل الغرفة يتفحص محتوياتها , نظر الى سريرها وخزانتها وطاولة الزينة وما تحويه من أدوات تجميل وسأل:
" هل ستخرجين؟".
قالت بريل تجيب بالنيابة عنها:
" ستخرج لزيارة صديقتها آن".
" بلغيها حبي".
ثم خرج على أعقابه.
وصلت لورين لعند آن واستقبلتها صديقتها مهللة ومرحبة بانحناءة تمثيلية وهي تطري أناقتها وجمالها وقالت:
" أنت فتاة مختلفة عما تعودت , بدأت تنافسين مارغو في أناقتها وترتيبها , هل هناك تغير في منزلكم؟".
فهمت لورين قصدها , احمرت وجنتاها خجلا قبل أن تجيب قائلة:
" لقد قال أنني تحولت وتبدلت...".
" هل قال ذلك... لقد لحظ شكلك الجديد , نصحتك ونفعت معك النصيحة وأدت الى نتائج ملموسة".
" ولكنه حتما لا يعني بكلامه أي شيء يا آن ... هيا دعينا ننتهي من خياطة ذيل الفستان فهذا هو المهم الآن".
صعدت آن فوق طاولة صغيرة واستدارت ببطء , بدأت لورين تشبك الذيل بدبابيس صغيرة للطول المطلوب, وبعد أن أنتهيتا من عملهما صنعت آن بعض الشاي وشربتاه سوية ثم عادت لورين الى بيتها وتركت آن لتكمل خياطة فستانها.
دخلت لورين البيت وسمعت موسيقى تنساب برفق من غرفة جان , كانت المقطوعة الموسيقية التي تحبها كثيرا, وقفت بالممر أمام غرفته تستمع صامتة دون حراك, انخفضت الموسيقى بشكل ملحوظ وتحركت لورين فوق الأرضية الخشبية فصدرت بعض الأصوات والأهتزازات في الأرضية , حبست أنفاسها وهي تتمنى أن لا يكون جان قد سمعها , ولكن باب غرفته فتح بسرعة وظهر جان بادي الأنزعاج وهو يسأل بعصبية:
" ماذ تفعلين عندك؟".
" آسفة, كنت أسمع القطعة الموسيقية".
بدأت السير باتجاه غرفتها ولكنه تبعها وأمسك بها وجذبها الى داخل غرفته دون أن تدري ماذا يحصل, ثم أغلق الباب وراءها وأجلسها على كرسي مريح وقال:
" اصمتي الآن ودعيني أسمع الموسيقى...".
أغلق جان عيتيه وسرح مع الموسيقى بينما لورين تراقبه قلقة مرتبكة, بدا صامتا رزينا وطيبا للغاية , عاد الصبي الهادىء بل الرجل المثير في حياتها, الرجل الذي يثير ويحرك عواطفها أكثر من أي رجل في العالم ... فتح جان عينيه ونظر اليها نظرة مطولة كأنه يقرأ أفكارها.
أدارت لورين رأسها الى الناحية الأخرى للتحاشى نظراته النفاذة, تمنت لو ترتمي بين ذراعيه وتطلب منه أن لا يبتعد عنها أبدا, ولا يسمح لها أن تخرج من حياته, تمسكت بكرسيها وتحركت بقلق ظاهر... وصلت المقطوعة الموسيقية الى نهايتها ولكنها لم تستطع أن تسترخي في جلستها أو تطرد ارتباكها وتهدىء من تشويش أفكارها, انتهت الموسيقى وأقفل جان الراديو, نهضت لورين تريد مغامرة الغرفة هاربة, قال جان برقة واضحة :
" لا , لا تذهبي, أريد أن أسمعك هذه الأسطوانة . أنها أغنية شائعة جميلة الموسيقى تدعى, حبي يشبه وردة حمراء... هل تعرفين الأغنية؟".
هزت لورين رأسها موافقة.
" أريدك أن تأخذي بالك من كلماتها الجميلة".
أدار الأسطوانة وأنساب اللحن المغني يقول:
أنت يا فتاتي حسناء جميلة
وأنا غارق في حبك
سأحبك أكثر يا حبيبتي
سأحبك حتى تجف مياه البحار
سأحبك حتى تذوب الصخور تحت أشعة الشمس
سأحبك أكثر يا حبيبتي
سأحبك ما دامت الحياة تنبض في عروقي
أغمضت لورين عينيها وهي تستمع بكل جوارحها الى الأغنية العاطفية الجميلة , وحين انتهت الأغنية فتحت عينيها وألتقت نظرات جان وهو يبحث في تعابير عينيها ليقرأ أحاسيسها الداخلية, ارتبكت حين التقت عيناها عينيه واختل توازنها , حاولت جاهدة أن تستعيد رباطة جأشها وهدوء روحها ... توقف قلبها عن الحركة بعد أن ضرب ضربات عنيفة , ران صمت ثقيل يشبه السحر , واذا به يقطع الصمت قائلا بلهجة تهكمية:
" كلمات الأغنية تشيد بالأخلاص ... كما تؤمنين أنت حين قلت أنك ستخلصين للرجل الذي ستتزوجين(مال نحوها وقال) اسمعيني مرة ثانية رأيك في الموضوع".
رددت لورين طائعة وكررت كلماتها على مسمعه قائلة:
" لو تزوجت سأخلص لرجلي طوال حياتي معه... اذا كان رجلا طيبا ".
هز جان رأسه موافقا وغرق في كرسيه مرتاح البال.
" ولماذا تريدني أن أكرر رأيي عليك؟".
" لماذا؟ لأن ذلك أصبح عملة نادرة, فتيات هذا العصر لا يؤمن بهذه المبادىء , وفي السنوات المقبلة, واذا كنت لا أزال على معرفة بك, ربما سأذكرك برأيك هذا وأجبرك على الأخلاص والوفاء للرجل الذي ستختارينه زوجا لك".
" وانت... الا تزال تدخل الفتيات الحسناوات الى حديقتك وتعتني بتربيتهن , ثم تقطفهن عندما يزهرن وينضجن وبعد ذلك ترميهن...".
"تماما, أقطفهن حين يزهرن".
" كم أنا مسرورو لأنني لست زهرة في حديقتك...".
" لا, لن تكوني زهرة في حديقتي أبدا, مبادئنا في العشق لا تتشابه".
وابتسم ابتسامة ساخرة:
" ولكنني كما تعرفين صحافي, وأنا لا أختلف عن زملائي الصحافيين , نحن شياطين دون أخلاق أو مبادىء...".
حاولت النهوض لتخرج وتحتمي في غرفتها ولكنه منعها قائلا:
" هل تشاركينني شرابي؟".
" لا بأس, سأشرب كأسا من شراب الكرز".
فتح زجاجةالشراب وصب لها كأسا وناولها اياها قائلا:
" لا تجزعي فأنا لا أخطط للنيل منك( ونظر اليها نظرة حالمة) مع أن الفكرة تراودني ... تخيلي لو حصل ذلك, ستصدر صحف المساء بعناوين عريضة تتصدر الصفحة الأولى, ستكون قصة الموسم( عاد لجديته وسألها) أخبريني عن المدرسة".
سردت له لورين ما طرأ على خاطرها حول أحوال المدرسة والتعليم, كانت مسرورة جدا لأنها دخلت غرفته واستمعت الى الموسيقى معه ودعاها لمشاركته الشراب وتجاذب واياها أطراف الحديث... تماما كما فعل مع أصدقائها من قبل, لقد استمتع برفقتها وتقبل صداقتها ... ولكن ربما يكون قد اختار بينها وبين أن يمضي أمسيته وحيدا ضجرا, وجودها يبدد من ضجره وحسب".
قالت:
" المدرسة قديمة البناء وتتميز بالمحافظة على التقاليد في طرق التعليم , مديرة المدرسة أمرأة مسنة تحاكي عمر البناء المدرسي في قدمه(ضحك كثيرا) وتلميذاتها فتيات يانعات جميلات , لقد دربن أفضل تدريب".
هل تدربن في العقل والجسم, العقل السليم في الجسم السليم؟".
" هذا صحيح".
" تدربن في التقليد دون الأبتكار ".
هزت رأسها موافقة وأخفضت رأسها وهي تفكر بجملته الصحيحة.
" النظام المدرسي الصارم لم يتبدل منذ نصف قرن".
" وربما سيبقى على حاله للنصف المقبل".
" صحيح , أن المعلمين والمعلمات يتمتعن بنظرة ضيقة للحياة, لا خيال أو بعد نظر...".
" نعم, جميعهم من طينة واحدة, عقول صغيرة وخيال مفقود".
" كما كنت قبل أن أعرفك".
أحست لورين بما يرمي اليه في كلامه, الأراء التي تفوهت بها هي أراؤه وأفكاره وتعاليمه , لقد تمكن من تغييرها بمهارة فائقة ودون أن تدري أصبحت تتشدق بكلماته وأفكاره...".
أحست لورين بما يرمي اليه في كلامه, لآراء التي تفهوت بها هي آراؤه وأفكاره وتاليمه, لقد تمكن من تغييرها بمهارة فائقة ودون أن تدري أصبحت تتشدق بكلماته وأفكاره...
قال:
" قبل أن أعمل على تغييرك , لقد أيقظتك من سباتك وجعلتك تؤمنين لأن الزمن يمشي الى الأمام ويغير كل شيء... ألست على حق؟".
لم ترد عله , تريد الخروج من قبضته, نظرت اليه وقد بدا الأنزعاج جليا في تعابيره, أستدارت بسرعة مودعة:
" مساء الخير يا سيد داربي , أشكرك على الشراب".
انحنى لها أنحناءة تمثيلية ساخرة وقال:
" مساء الخير يا آنسة فارس, سررت برفقتك , جلوسي معك كان ممتعا, أنت ولا شك مسرورة لخلاصك من براثني سالمة دون ـية خدوش. ولكن في المرة المقبلة لن يكون الحال كهذه المرة... لا تنسي أنك بصحبة صحافي رديء . أليس كذلك؟".
تركته ودخلت غرفتها وأغلقت بابها وهي تحاول أن تبعده عن أفكارها .
وفي المدرسة, سألتها صديقتها آن:
" هل ذكر لك جان اللأحتفال المئوي لجريدته؟ (نظرت اليها لورين نظرة تعبر عن رأيها بالموضوع) ستقيم الجريدة سهرة بمناسبة الأحتفال بالذكرى المئوية لتأسيسها في فندق كبير في المدينة ولقد دعاني لرفقته اليها".
أخفت لورين غيرتها وسألتها:
" وهل ستذهبين معه؟".
" لا يا عزيزتي. أنا لا أحب ذلك, ولقد طلبت منه أن يدعوك بدلا مني".
" وماذا كان رده؟".
" آه, لا أعتقد أنه سيفعل , لقد ذكر أن الشجار بينكما سجال ولا يريد أن يفسد سهرته تلك بالجدال المكرب... لقد قدَم لوالدتك تذكرتين وأخبرني أن هوغ سيصحب مارغو الى السهرة وعليه أن يجد زميلة لترافقه...".
شحب وجه لورين وحاولت جاهدة أن تتحكم بأعصابها وتحفظ أتزانها , قالت آن:
" لا أعتقد يا لورين أنك ستفلحين معه... أنه ليس من النوع الذي يريد الأستقرار أو الزواج".
" أعرف ذلك(تنهدت بعمق) وأنا أتفهم الموضوع جيدا".
" من المؤسف أن هذه هي الحقيقة , وكنت آمل أن تتفاهما ... عندما زرته في غرفته كنا نمضي معظم الوقت نتحدث عنك , وأعتقدت أنه...".
" ربما لأنني أثير أعصابه وأفضل طريقة ليخرجني من تفكيره هي في الكلام علي ولو من وراء ظهري...".
عبست آن وقالت بهدوء:
"لم يكن الأمر كما تقولين يا لورين... ( ونظرت الى ساعتها) حان الوقت لندخل الى صفوفنا...".
حاولت لورين جاهدة أن تحسن طرق تعليمها , وهي في عملها ذلك تريد أن ترضي جان قبل كل شيء, ربما يسر بعملها ويعرف أنها ليست معلمة متحجرة متزمتة , بل بدأت تتقبل نصائحه وتقدم لطالباتها أساليب جديدة في التعليم مما يشجعهن على الخيال والأبتكار , وهن بدورهن تقبلن طرقها الجديدة برغبة واهتمام , وبدا التفكير الصحيح ينضج في بعض تقاريرهن أو مواضيع الأنشاء...
منتديات ليلاس
وفي ليلة تالية بينما كانت لورين تصحح أوراق تلميذاتها قالت لها والدتها:
" لورين , خذي تذاكر الحفلة الراقصة بمناسبة الأحتفال المئوي للجريدة, فأنا لا أريدها , لقد سألت جيمس أن يرافقني اليها ولكنه أعتذر عن حضور مثل هذه الحفلات الراقصة... الذهاب الى الحفلة يفيدك فأنت شابة صغيرة ونادرا ما تخرجين من البيت في الليل, يمكنك دعوة أحد المعلمين معك في المدرسة لمرافقتك".
أرادت لورين أن ترفض عرض والدتها ولكنها غيرت رأيها بسرعة وقالت:
"حسنا يا أماه , سأذهب الى الحفلة الراقصة سأشتري ثوبا جديدا للمناسبة".
فرحت بريل كثيرا بقرار ابنتها وقالت مبتهجة:
" كم أنا مسرورة لقرارك يا عزيزتي , ستكون فرصة سانحة لك لتتمتعي بوقت طيب وتلتقي الشباب من جيلك".
قررت لورين أن تأوي باكرا الى فراشها في المساء, استعدت للنوم ودخلت سريرها وبدأت تقرأ حين سمعت نقرا خفيفا على باب غرفتها.
" أدخل".
كان جان بالباب, بادرها قائلا:
" ما الأمر؟ لقد أويت باكرا الى فراشك؟".
ارتبكت لورين لوضعها وحاولت أن تلف كتفيها بروب المنزل.
" ماذا تريد؟ لماذا حضرت الى غرفتي؟".
بدأ جان يتفحصها في وضعها المغر ي حتى أضحى لون وجهها بلون ثوب نومها الأحمر الرقيق.
" قبل أن تنامي , أريد أن أتحدث قليلا معك أيتها الفتاة تاحفيصة الرزينة الطاهرة...".
جلست لورين في سريرها وجلس جان على حافة السرير , وأحاطها بذراعيه بحركة عفوية يريد أثارة أعصابها ونرفزتها قال:
" لا لزوم للخوف, ليس في نيتي الصدام معك رغم أن المكان والزمان مناسبان لذلك(نظر اليها متمتما) الا اذا رغبت في ذلك...".
ضحكت لورين على طريقته في المزاح وشاركها ضحكها وقال :
" أنت ضاحكة أجمل بكثير مما أنت عابسة , والآن اليك هذا الكتاب ( دفع اليها بكتاب كان قد جلبه معه) ربما يروقك أيضا... أنه يبحث في أمور الصحافة والطباعة والتحرير وهو مؤلف خصيصا ليفيد طلاب المدارس...".
فتحت لورين الكتاب باهتمام وتصفحت فصوله:
" أنه ممتاز وسيساعدني كثيرا في مهنتي , أشكرك , لقد غيَرت كثيرا من طرق تعليمي في صفوفي بعد أن تعلمت بعض أقتراحات كتابك السابق".
" أنظري الى هذا الفصل ... أنه يتناول مصادر المعلومات والأخبار التي يحصل عليها الصحافي ويشرح بالتفصيل تبويب الجريدة, سيتعرف التلاميذ الى أبواب الجريدة الدائمة وسيكتشفون طرقا مختلفة لكتابة القصة الواحدة وما هية سياسة التحرير , سيتمكنون بعد ذلك من تقييم الجريدة وأهدافها...".
" سيكون موضوعا شيقا للبحث في غرفة الصف وسيشارك الجميع في الرأي".
شاهد جان حماسها وأندفاعها واهتمامها وهو يقول:
" الصحافة قسم من حياتهن اليومية وسيهمهن التعرف اليها, سيتعلمن كيفية كتابة تقرير عن الحوادث اليومية بكلمات مختصرة وسهلة , كل مراسل صحافي يتعلم الكتابة المختصرة (قال ساخرا) مما يجعل عمل المحرر عملا شاقا مميزا. (صمت قليلا ثم أكمل) سأحاو أن ألخص لك بعض الملاحظات الهامة التي يجب مراعاتها في غرفة الصف ... ما رأيك؟".
فتح الباب الخارجي وحضرت السيدة فارس من الخارج , صعدت على الفور الى غرفة ابنتها تريد الأطمئنان عليها كعادتها.
قالت لورين:
" ملاحظاتك تلك ستساعدني ولا شك , شكرا جزيلا".
هز جان رأسه موافقا وقال:
" طبعا".
صرخت السيدة فارس وقد فوجئت بوجوده جالسا على حافة سرير ابنتها , قال جان مبررا وجوده:
"لا شيء مهم يا سيدة فارس, فأنا لم أتحرش بأبنتك مع أنني فعلا سألتها(قال مازحا) ولكنها رفضت بالطبع".
ابتسمت بريل وقالت:
" أنا لا أفكر بك على هذا النحو يا جان , فأنا أعرفك جيدا".
" صحيح , أنا مسرور لثقتك الغالية".
" بالمناسبة أن لورين تريد أن تذهب الى الحفلة الراقصة التي ستقام بمناسبة مرور مئة سنة على تأسيس الجريدة التي تعمل بها عوضا عني, جيمس لا يحب الحفلات الراقصة ولورين ستستمتع بحضورها , أليس كذلك يا صغيرتي؟".
هزت لورين رأسها موافقة , قام جان من جلسته في طريقه الى الخارج وقال:
" هذا سيوفر علي عناء التفتيش عن رفيقة, عمتما مساء".
وبعد أن خرج جان , خرجت بريل أيضا وأغلقت باب الغرفة دونها وتركت لورين لتستري , ولكن النوم جفاها ... وكيف تنام وقد غمرتها الفرحة... سترافق جان الى الحفلة الراقصة كصديقته...".
وجدت لورين صعوبات جمة في تبويب مجلة المدرسة وترتيب عناوينها, حاولت بمساعدة آن خلال فترة الظهيرة ولكنهما لم تفلحا, تنهدت آن تعبة وقالت:
" أنها ليست كما يجب, عليك طلب مساعدة جان في هذا العمل, اطلبي نصيحته وأطلعيه على محاولتنا الفاشلة... لن يتأخر في مد يد المعونة...".
لم توافق لورين على طلب أية خدمة من جان, ولكن آن أقنعتها بالضرورة الملحة لهذه الخدمة وقالت:
" في أسوأ الحالات سيرفض مساعدتك... لن يأكلك".
وفي المساء بقيت لورين تعمل في غرفة الطعام وتصحح بعض المواضيع الأنشائية في انتظار جان لتعرض عليه ما أنجزته في ترتيب مجلة المدرسة , وحين وصل حملت اليه مشروع الجريدة ودخلت غرفة الجلوس... دخل جان بصحبة مارغو فرنش... ابتسمت مارغو ابتسامة ساخرة وهي تسلم على لورين وتتفحصها بنظرة خبيثة من أخمص قدميها الى قمة رأسها , ثم خطت خطوات كلها غنج ودلال نحو السلالم في طريقها الى غرفة جان...
حاولت لورين أن تخفي خيبة أملها وهي نعود أدراجها الى غرفة الطعام, شاهدها جان على هذا الحال وسألها عما تريد...
كانت مارغو لا تزال في غرفة جان حين صعدت لورين لتأوي الى فراشها , بقيت تسمع ضحكاتها وثرثرتها مختلطة بالموسيقى... وفي النهاية غلبها النعاس ونامت قبل أن تغادر مارغو المنزل.
وفي الصباح التالي عاود جان سؤاله لها:
" ماذا كنت تريدين؟".
ولكن لورين أصرت على أن لا شيء مهم... بدا عليها الأنزعاج والغضب , قالت في نفسها... هو حر في استقبال من يشاء من الضيوف في غرفته, ثم أن والدتها لم تحدد له أوقات الزيارات ومواعيد انتهائها...
وفي المساء حضر باكرا وأمسك بها وجها لوجه وأعاد سؤاله:
" يجب أن أعرف ماذا كنت تريدين؟".
حاولت أن تفلت من قبضته وقالت:
" لا شيء مهم...".
هربت الى غرفة الطعام , تبعها وشاهدها تفرغ حقيبة العمل وتخرج منها ملف مشروع الجريدة , ثم تدفعه من جديد الى داخل الحقيبة , ولكنه لاحظ حركتها وأخرج الملف بالقوة ورأى أجزاء الجريدة...
" الآن عرفت ...( بدأ يتصفح المقالات المبوبة ويتعرف الى عملها وابتسم ساخرا) أنت لست ****ة عن ترتيب الجريدة , أليس كذلك!".
" نحن لسنا صحافيين , نحن معلمات لا نفهم الكثير في عمل الصحافة,( رفع حاجبيه) بذلنا جهدا جبارا دون فائدة".
" وماذا تريدين؟".
" أرجوك, هل تستطبع مد يد المساعدة لنقوم بعمل أفضل؟".
أخرج كرسيا وجلس الى الطاولة , أصبح هو الأستاذ وهي الطالبة , بدأ يشرح لها أسس توضيب المجلة وتبويبها وعمل رئيس التحرير , يشطب ما يلزم, ويختصر متى وجب الأختصار , ويشير الى القصص التي يمكن تفصيلها أكثر.
وحين أنتهى من عمله, أخبرته أن ثمار جهوده ستظهر قريبا في اخراج مجلة المدرسة كأفضل مجلة ظهرت حتى الآن.
ابتسم وقال:
" وأنت مديرة التحرير ستنالين كل المديح والأطراء , بينما أنا الذي قمث بالعمل المضني".
" وهل تريد أن أشكرك على جهودك ونشير الى كونك ساعدت في التحرير؟".
"كمساعد لمديرة التحرير؟".
كاد جان أن ينفجر غيظا وهو يردد:
"أنا مساعد مديرة التحرير ؟ وتقولينها بملء فمك...".
خرج من الغرفة مقهقها وقال:
" أنت فتاة لعوب وشيطانة ووقحة".
اشترت لورين حقيبة يد جديدة وأخرجت محتويات حقيبة يدها القديمة فوضعتها في الحقيبة البنية الجديدة, وصلت الى المدرسة تحمل الحقيبة الجديدة التي نالت اعجاب المعلمات وحسدن.
اهتمام لورين بهندامها أصبح ملموسا من الجميع حتى أن هوغ بدأ يطري ذوقها في اختيار ثيابها , ويحاول التودد اليها من جديد , أعتقدت لورين أنه على خلاف مع مارغو التي عادت لمصاحبة جان وتركته يلهث خلفها وحيدا, ولكن ذلك غير معقول لأنه سيرافقها الى الحفلة الراقصة... من الواضح الآن أن مارغو تستطيع أن تحتفظ برجلين تحت سيطرتها , تشدهما متى ترغب, وتبعدهما متى تريد, أنها تتمتع بأنوثة تحسد عليها.
عادت لورين من المدرسة وقد رتبت أمرها على تمضية أمسيتها منفردة, لقد ذهبت والدتها برفقة جيمس الى فرع للشركة التي تعمل بها يبعد أميالا قليلة عن المدينة, وكذلك جان كان عليه أن يعمل متأخرا في الليل.
وصلت الى البيت وفتشت عن مفتاحها في الحقيبة الجديدة ولم تجده, لا بد وأنها تركته يقع في جيبة صغيرة في الحقيبة القديمة, وأغفلت أن تنقله الى الحقيبة الجديدة , جلست على عتبى الباب الخارجي تفكر بوسيلة تمكنها من دخول بيتها , الشبابيك محكمة الأغلاق من الداخل ولا منفذ لها الا بواسطة المفتاح الخارجي.
حاولت أن تجد وسيلة ممكنة للخلاص من ورطتها , لا بد لها من الذهاب الى جان في مكتبه بالجريدة لتستعير مفتاحه..
هذا هو الحل الوحيد لمشكلتها السخيفة والمربكة... قامت على الفور ودخلت منزل الجيران وتكلمت مع جان بالهاتف , وبعد أن تعرف الى صوتها انفجر ضاحكا.
" اذا كنت تعتقد أن ذلك مضحك لهذا الحد فلن أزعجك".
كادت أن تقفل السماعة.
" لا تكوني غبية , بالطبع يمكنك الحضور الى المكتب , تعالي بالباص , سأنتظرك".
وضعت لورين سماعة الهاتف وذهبت الى مكاتب الجريدة , وحين وصلت قالت لها موظفة الأستقبال:
" خذي المصعد الى الطابق الثالث , المكتب هو أول باب الى اليمين".
دخلت لورين المكتب واستقبلها ستة شبان بعيونهم النهمة, والتفوا حولها محدقين كأنهم يرون فتاة جميلة لأول مرة , الغرفة واسعة ودافئة ومنيرة, جالت ببصرها في الحاضرين تفتش عن جان حتى وجدته, ركضت اليه تحتمي من نظرات الشباب الجائعة , قدم لها كرسيا لتجلس ولكنها بقيت واقفة تريد أن تأخذ المفتاح وتركض هاربة من الغرفة بأقصى سرعة... ولكن جان يريد أن يتسلى بوجودها وبدأ يقول:
" ما سبب زيارتك؟".
" أنت تعرف جيدا أنني حضرت في طلب المفتاح".
" آه , تذكرت.( ابتسم وفتش في جيوله) ولكنك لم تطلبيه بعد, اجلسي واستريحي".
بدا عليها الأنزعاج والأرتباك وهذا ما ضاعف سروره , اقترب أحدهم منها , جلست على الفور من خوفها, أحاط بها آخران وجلس رابع فوق مكتب جان يحدق بها.
قال جان مبتسما:
"ما هذا ؟ هل نحن في مؤتمر صحافي أم أنكم تجرون مقابلة مع الآنسة؟".
أحاط بها الشباب وقالوا تباعا:
" هيا يا جان , عرفنا".
قال أحدهم:
" هل هي صديقتك؟".
سأل آخر:
" هل هي آخر صديقة لك؟".
رد آخر:
" أشك في ذلك".
تمتم آخر:
" أنها ليست من النوع الذي يستهويه".
قال الأول:
" هيا يا جان, تكلم, اعترف, كل ما ستقوله سيبقى سرا ولن نذيعه أو ننشره في الجريدة".
قال أحدهم :
" العصافير يحمن حوله باستمرار وكل يوم عصفورة جديدة . نحن لا نرى العصفورة برفقته مرتين...".
قطب جان حاجبيه ووجد أن لا مفر أمامه سوى أن يعرفها اليهم قائلا:
" الآنسة فارس. معلمة اللغة الأنكليزية في مدرسة للبنات في المدينة".
قال أحدهم:
" معلمة مدرسة؟".
قال جان:
"أنني أستأجر غرفة في منزل والدتها".
قال أحدهم :
" تعيشان تحت سقف واحد".
قال آخر:
" صديقان حميمان".
قال جان:
" أنتم مخطئون , نحن لسنا صديقين ... أليس كذلك يا آنسة فارس؟".
ضحك الجميع.
"سأقول لكم يا شباب أن هذه الفتاة تعض ...( حاول الشباب الأقتراب منها) وأنا أعني ذلك بالمعنى الحقيقي وليس بالمعنى المجازي فقط. رأيها في الصحفيين لن يعجبكم...".
صرخ الشباب:
" أوه".
قال جان:
" هل تعرفون ما قالته لي يوم وطئت قدماي عتبة بيتهم لأول مرة؟".
قالت لورين:
" أرجوك , لا تتكلم...".
ولكنه صمم أن يكمل حديثه بالرغم من رجائها فقال:
"سأقول لكم, ولكن عندما أنتهي لا تعتدوا عليها لأنني لن أسمح لكم بذلك . ( وبدأ يعد على أصابعه) قالت : أن وجود صحافي في البيت كوجود جاسوس , وأنه قد وضع مسجلا في المنزل يحصي الأقوال والأفعال , وقالت: باعتقادي أن الصحافيين يتقاضون أجورا مرتفعة مقابل عمل لا يحتاج الى مهارة.( حبست لورين أنفاسها بانتظار العقاب الذي ستناله من الجميع. وأكمل جان) وأن المراسلين الصحافيين ينقبون في الحياة عن الدبابيس الصدئة العفنة وينشرونها على العالم كحقيقة يجب تقبلها ".
ضحك الجميع... لم يغضب أحد منها , بل على العكس شاهدت نظرات الأعجاب تلفها مما زاد من أستغرابها .
قال أحدهم:
" أنها ليست مخطئة".
قال آخر:
" لديك فتاة ملتهبة تعيش معك في منزل واحد وتقول أنكما لستما ...".
قال جان:
" أقسم لكم , أننا لم نمسك بأيدي بعض ... أليس كذلك يا آنسة فارس؟".
قال أحدهم:
"كن صادقا.. لا بد وأنكما تتفاهمان ولو لبعض...".
قال جان مقاطعا:
"يا شباب , حضرت الآنسة لمقابلتي وليس لمقابلتكم ".
نظر اليهم نظرة آمرة صارمة وعلى الفور تفرق كل الى عمله.
طلب جان فنجان شاي من الموظفة المسؤولة وللفور لبي طلبه.
قال جان :
" استريحي وتناولي فنجان الشاي فسيساعدك في طريق العودة".
أخرج بعض الأوراق من درج المكتب وقال:
" أقتربي بكرسيك وأقرأي هذا التقرير".
فعلت لورين كما أمرها وهي تتناول فنجان الشاي.
" سأعلمك أول درس في قواعد التحرير, أقرأي وقولي اذا كانت المقالة تحتاج لبعض الأختصار".
وبعد أن قرأتها وضعت كفها وغطت بها آخر ثلاثة أسطر...
" تفعلين ذلك؟ المعلومات الأساسية موجودة في الثلاثة أسطر الأخيرة...".
قرأت المقالة من جديد وقالت:
" آسفة , لم أنتبه".
" عملية الأختصار تتناول الكلمات , عليك أن تستبدلي بعض الكلمات الكبيرة بأخرى صغيرة سهلة تستعمل كل يوم, مثلا , أرتدى ثيابه تصبح لبس ثيابه , راقب البرج تصبح نظر ... وهكذا ...( كان يشطب أمامها ويغير وهي تراقبه باهتمام) وأذا لزم الأمر تعاد كتابة المقالة من البداية...".
كانت لورين تستمع الى شرحه باهتمام وتفهم , تمنت لو تبقى وقتا أطول تتعلم منه دروسا في التحرير, نظرت الى ساعتها تستطلع الوقت.
قال:
" أفهم أنك تأخرت وتريدين المفتاح".
أخرجه من مجموعة مفاتيحه ووضعه في كفها , وضغط بكفه فوقها فترة أطول مما يجب... بدأ قلبها يسرع في ضرباته وهو ينظر اليها نظرات تعبر عن الرقة والحنان, وقال مازحا:
" طالما أنك تطلبين مفتاح قلبي...".
وصلت الى باب المكتب حين ناداها قائلا:
" ألن تقولي وداعا يا آنسة فارس؟ ربما نكون من أكلة اللحوم , ولكننا لا نأكل لحوم البشر...".
نظرت اليه تودعه ورأت خيبة الأمل بادية على محياه ولم يبتسم مودعا ... ولكنها ضحكت ضحكة بريئة وهي تراه على هذا النحو , التفت الشباب على رنة ضحكتها , وبدت السعادة على وجوههم كأن الشمس قد أشرقت دون أنتظار...