5-الزجاج له وجهان
بعد حوالي أسبوع كان بول على وشك مغادرة مكتبه ليتناول الغداء, عندما رن جرس التلفون الداخلي , وقطب بول وجهه وهو يرفع السماعة, وفوجىء بصوت سيمون يقول:
" يسرني أنني وجدتك, هل أستطيع رؤيتك الآن؟".
نظر بول الى ساعته , كان لديه موعد مع تاجر نسيج من ميلاند, فقال وقد نفذ صبره قليلا:
"وهو كذلك يا سيمون , تعال".
ترى ما الذي يريده سيمون الآن؟".
وضع سيمون سماعة التلفون , واسترخى بول في مقعده, ونظر مفكرا الى التلفون, وتمنى ألا يكون سيمون قد تورط في متاعب أخرى, وعندما تذكر موضوع سيمون وساندرا , استعاد آخر لقاء بينه وبين كارن, كان دائما يتذكرها منذ أن رآها ويتساءل ترى ماذا فكرت؟ ماذا يحدث لو أنه قبَلها في شقتها كما فعل معها في منزل يريفاين؟ في الشقة سيكون وحده معها , بدون أن تقاطعهما السيدة بنسون بصينية الشاي , وشعر بالدم يتدفق في عروقه وهو يتذكر عناقه لها , كان من السهل أن يقول لنفسه بهدوء وتعقل أنه لن يعتزم التورط عاطفيا مع أية أمرأة ثانية , ولكن عندما توضع النواحي العملية لمثل هذه الفكرة موضع الأختيار , فأن الحل لا يبدو بهذه البساطة , ولكنه كان مقتنعا بأن روث لن تثير عواطفه مهما واجها من أوضاع.
وعندما وصل سيمون بدا قلقا مضطربا , وسأله بول:
" حسنا يا سيمون, ماذا حدث؟".
ونظر بول بعينيه الباردتين الى وجه أخيه الذي احمر , وغاص سيمون في المقعد المقابل قائلا:
"نعم... أقصد... أنني يا بول لا أرى هذا الموضوع سهلا , وأنت لا تحاول أن تسهل لي الأمور".
رد بول بلهجة جافة بعض الشيء".
" يؤسفني هذا, أن لديَ موعدا يا سيمون , أخبرني بصراحة ماذا حدث؟ هل الموضوع يتعلق بالنقود؟".
رد بسرعة:
" كلا... أنه يتعلق بساندرا ستاسي... فقد كنت أقابلها ".
" ماذا؟".
رد سيمون ببلادة:
" لقد سمعت ... كنت أقابلها منذ أن ... حدثتني عنها آخر لقاء".
قال بول بلهجة لا تقبل المهادنة:
" أوه...".
ثم سكت, وسأله سيمون في يأس:
"ألا تقول شيئا؟".
أجاب بول ببطء:
" أنني أعطيك فرصة لتقول لي سبب هذا... لا بد أن يكون عندك تفسيرا!".
" نعم... ولكن... قد لا تظنه كافيا".
قال بول متبرما :
" حسنا... استمر".
" لقد بدأت ساندرا تتصل بي تلفونيا , بل تمادت الى حد أن تتصل بي تلفونيا في المنزل ... وكتبت لي أيضا رسائل ... وتستطيع تصور نوعية مثل هذه الرسائل , وبدأت جوليا تغضب, وواقفت على مقابلة ساندرا وأنهاء كل شيء".
أخرج بول سيكارة من علبة السكائر الموضوعة على مكتبه وأشعلها, وأعاد الولاعة الى جيبه, واستمر يتفحص وجه أخيه الذي استطرد قائلا:
" حسنا, عندما تقابلنا بدأت تهددني بكل شيء اذا أنهيت علاقتي بها, كنت غبيا, ولكنني تركتها تملي أرادتها , أن الأمور في أية حال بدأت تفلت من يديَ الآن. أنها تريد أكثر مما أنا مستعد لأعطائه ... أنها تريد الزواج!". منتديات ليلاس
قال بول وهو يهز رأسه:
" الواقع أنني لا أستطيع أن أفهم عقليتك .بحق السماء ما الذي أعجبك فيهاأولا؟ أنها ليست من طراز الفتيات الذي يعجبك , أنها ترتدي ثياب كريهة!".
رد سيمون بحرارة:
" هذا هو رأيك فقط ... أنها في الواقع فتاة حلوة".
قال بول ببرود:
" أذن تزوجها ".
تململ سيمون قلقا في جلسته , ومدَ أصابعه الى ربطة عنقه ثم قال في حرج:
" أن جوليا... لا يمكن أن تطلقني!".
" يمكن أن تطلقك اذا عرضت عليها تسوية سخية, ألم تلاحظ أن المال هو الذي يهم جوليا ؟ أنك وسيلتها للحياة في الوقت الحاضر, ولكن اذا كانت غنية بحيث تستطيع تكفًل نفسها , فلا أحد يعرف ما يمكن أن تفعله!".
تمتم سيمون:
" وهو كذلك , لقد أوضحت وجهة نظرك".
" الواقع أنني أوضحتها , أنك لا تريد أن تطلق جوليا لأنك تحب وضعك الحالي المريح بلا روابط تقيدك, كن أمينا مع نفسك واعترف بذلك".
قال سيمون:
" وهو كذلك , وهو كذلك ... أنا موافق , ساعدني أذن".
سأله بول بأمتعاض:
" لماذا يتعيَن علي أن أساعدك ؟ يجب أن أتركك تدير شؤونك بنفسك, ولو كانت أية فتاة أخرة غير ساندرا ستاسي لتركتك وشأنك".
" أعرف , ولكنك ستفعل شيئا بالتأكيد لأنها أخت كارن".
بدا الغضب على بول الآن , وصحح له قائلا:
" بل لأنها في السابعة عشرة من عمرها, وبلا حكمة".
وقال سيمون وهو يهز كتفيه:
" فليكن , المهم أن أخرج من هذا المأزق , هل تفهم؟".
" أفهم تماما , أذن لا تقابل ساندرا من الآن فصاعدا , ومهما قالت لك , سوف أعد الترتيبات لك لتغادر لندن لفترة , وعندما تعود سأكون قد سويت المشكلة وأنتهيت منها".
" رائع... ولكن حاول أن تبعد هذه... عني".
تنهد بول وقال:
" لا أعرف ما الذي يعجبها في شخص ضعيف مثلك".
" أنه سحر آل فريزر! أم أنك لا تمارس سحرك يا أخي العزيز؟".
كانت عينا بول باردتين , وهو يقول مهددا :
" أخرج من هنا فورا قبل أن أفقد أعصابي حقا".
رد سيمون ساخرا:
" سأخرج ... شكرا على وقتك".
وصفق الباب وراءه .
وتنهد بول بعمق , كان يسره أن يصبح سيمون قادرا على تدبير شؤون حياته بطريقة أكثر ذكاء , وحملق شاردا في الفضاء, كان لا بد من الأعتراف بأن سيمون هذه المرة لم يكن الملوم وحده , كانت ساندرا مخطئة أيضا ... أن الرجل في العادة لا يتقرب من أمرأة الا اذا وافقت , وعندما تاح لأي رجل هذه الفرصة فأنه بالطبع ينتهزها... ترى هل هذا هو ما حدث في حياتهما ؟ هل كانت ساندرا هي التي ألقت بنفسها عليه منذ البداية ؟ والى أي حد تمادت؟ ودعا ألا تكون ساندرا قد تمادت أكثر مما يجب , هل هي حمقاء الى هذا الحد؟ لعلها ظنت حقا أنها تحبه؟ أن نساء كثيرات يعتبرنه جذابا ... وبالنسبة لفتاة دون العشرين مثا ساندرا , فربما بدا سيمون فتى الأحلام!".
وقطب جبينه وسحب نفسا من سيكارته , ولكن سيمون متزوج , ولا يصح العبث مع رجال متزوجين حتى ولو كانت العابثات من سنهم, ناهيك عن المراهقات!.
ورغم حالة ذهنه المشوشة ذهب بول لمقابلة أرنولد جيسون, وطوال الغداء ظل صامتا منطويا على نفسه على عكس طبيعته عندما يكون في حالة عادية , وكانت النتيجة أنه لم يصل معه الى أي أتفاق , ولم يجر معه أي نقاش هام , وكان لا بد من ترتيب مقابلة ثانية... وشعر بول بأنه لم يكن ليدهش لو أن جيسون قر أن يذهب الى شركة أخرى لينفذ عمله , كان بول وقحا وكان من حق جيسون الأعتراض , وأن يتوقع منه معاملة أفضل , ولكن من حسن الحظ أن جيسون كان رجلا متفهما وأدرك تماما أن شيئا ما يزهج رفيقه, فافترقا على نحو ودي بعد أن رتبا مقابلة في يوم آىخر.
كان بول في حالة مضطربة جدا , عندما عاد الى مكتبه في الساعة الثالثة ., واضطر أن يعتذر لسكرتيرته , بعد أن ثار في وجهها بدون سبب, فتمتم قائلا , وقد لاحت على وجهه أبتسامة أعتذار:
" سامحيني ... آسف اذا كنت تصرفت بوقاحة".
ابتسمت الآنسة هوبر وقالت:
" لا عليك يا سيد فريزر , أعرف أن السيد سيمون كان هنا منذ قليل".
ابتسم بول بدوره , لقد استطاع الآن أن يفهم كيف قدرت الأمور .
كان كل من يعمل في الشركة يعرف حماقة سيمون , فلم يبذل أية محاولة ليجعل شؤونه الخاصة سرا.
وبعد أنصراف الآنسة هوبر, أشعل سيكارة , كان عليه ايجاد حل لمشكلة ساندرا, كان من عادة سيمون التورط في مشكلة, ثم يتوقع من شخص آخر أخراجه منها.
وبدأ حل يتكون في ذهنه بعد الظهر , وتحسنت حالته النفسية لذلك, لو أستطاع الأنتهاء من تلك المشكلة فأنه سيرتاح تماما, بدلا من أن يفكر ويتساءل ويخشى ما يمكن أن يحدث بعد ذلك, وفجأة مال الى الأمام ورفع سماعة تلفونه الخاص خارج الخط, وأدار رقم شقة كارن بشعور غريب أشبه بعدم رغبة , كان لا بد أن يتحدث اليها , فلماذا لا يفعل وينتهي؟ ورن جرس التلفون على الطرف الآخر من الخط.
وبعد فترة بدت وكأنها دهر, وبعد أن فكر بول في أعادة السماعة الى مكانها , سمع صوت كارن تقول لاهثة:
" نعم, من المتحدث؟".
تردد بول لحظة , ثم قال بلهجة جافة بعض الشيء:
" أنا بول يا كارن".
شعرت كارن بقلبها يقفز بين ضلوعها عندما سمعت الصوت الأجش يخاطبها , ترى لماذا طلبها اليوم؟ لا يمكن أن كون هذا بخصوص ساندرا!".
أجابت وهي تحاول أن تبدو طبيعية وهادئة:
"أهلا يا بول , آسفة لأنني جعلتك تنتظر , فقد كنت في الحمام".
" بالتأكيد لم تكوني نائمة في الحمام!".
كان المرح يبدو في نبرات صوته.
وضحكت كارن وقالت:
" لا ... على الأقل لا أعتقد ذلك, آسفة يا بول".
وتنهد بول وقال لها بطريقة جادة:
" حسنا ... أحرصي على ألا تفعلي شيئا بهذا الغباء!".
صاحت مقاطعة:
" حبيبي... قل ما تريد , أنني أتجمد, فلم أرتد ثيابي كاملة ".
وقال مؤنبا:
" أوه كارن... هل أتصل بك بعد دقائق؟".
قالت مفكرة:
" تستطيع الحضور بعد دقائق , سأكون قد أرتديت ثيابي بالطبع".
" لا ... شكرا".
كان بول مصمما ... ويعرف أنه اذا خضع لأغراء الذهاب الى شقتها , فلا يعلم الا الله ماذا يمكن أن يحدث! لعلها تتعمد أثارته ... وقالت كارن:
" وهو كذلك يا حبيبي... سوف أتجمد بعد لظات ... ماذا حدث لسيمون وساندرا؟".
" أنهما يتقابلان".
قالت كارن في دهشة:
" ماذا؟".
" نعم... أعرف أنهما كانا يتقابلان حتى اليوم في أي حال, أعتقد أنني أستطعت أقناع سيمون الآن, هل تعتقدين أنك أنت وأمك تستطيعان أن تفعلا الشيء نفسه مع ساندرا؟ من الواضح أنها تجري وراءه في المكتب وفي المنزل وتكتب له رسائل أيضا".
صاحت كارن:
" يا ألهي. هل تعتقد أنها يمكن أن تتعقل؟".
" لا أعرف , أنها أختك , وأنت تعرفينها أفضل مني , لا شك أنها مجنونة بحبه ... لقد جاء سيمون وقابلني اليوم... وهكذا عرفت...".
بدا الضيق في صوت كارن عندما قالت:
" لا أستطيع التفكير في شيء أقوله لها, وأنت تعرف موقف أمي منها".
" أعرف ... أسمعي , ألا تستطيع أمك هي وساندرا أن تقوما بأجازة في أي مكان خارج لندن؟ أن بضعة أسابيع يمكنها أن تتيح لسيمون العثور على فتاة أخرى , وبالأضافة الى ذلك قد تجد ساندرا لنفسها شيئا جديدا يثير أهتمامها , من الواضح أنها صغيرة وتمتلىء بالحياة , رغم أنه يبدو أن الفتيان في سنها لا يروقون لها , والا فلماذا تعجب بسيمون".
قالت كارن وهي تتعمد أغاظته :
" مثلي... ولكن بصراحة يا بول أن أمي ليست غنية كما تعرف , ولا أعتقد أن بأستطاعتها القيام برحلة الى أي مكان في الوقت الحاضر".
قال بول بهدوء:
" أنني على أستعداد لتمويل الرحلة".
صاحت كارن غاضبة:
" كلا... كلا... لا تقل شيئا من هذا القبيل يا بول , أن هذا الموضوع لا يخصك!".
" أوه... ولكنه يخصني... فأنا أريد ساندرا أن تترك سيمون بقدر ما تريدينها أنت ... أنها أصغر منه بكثير ولا أريد أن تصاب بأي سوء".
" حسنا , لا أعرف ماذا أقول , يبدة الأمر وكأنني أطالب بنقود".
" أنني أستطيع دفع نفقات الرحلة يا عزيزتي كارن".
" أعرف .... ولكن...".
وخفت صوتها ثم عادت تقول:
"في أي حال أتصل بأمي واعرض عليها الفكرة , أنها ستفرح جدا , فكبرياؤها تتلاشى عندما يأتي حديث النقود!".
قال بول وقد بدا سعيدا:
" لا تكوني متباعدة هكذا يا كارن ومستقلة , أنني أود المساعدة, أود أن أساعدكم جميعا".
قالت في محاولة أخيرة:
" ولكن هذه مشكلتنا ".
قال بنعومة:
" لقد جعلتها مشكلتي أيضا ... هل تذكرين؟".
شعرت بأنه غلبها فقالت باستسلام:
" حسنا... أفعل ما تشاء يا بول".
بدا بول قلقا وقال:
" اسمعي يا كارن , سأمر عليك في الشقة حوالي الساعة الثامنة هذا المساء , ونذهب معا لرؤية مادلين وساندرا ... هل توافقين؟".
تنهدت كارن وشعرت بمقاومتها تضعف , كان وضع المشكلة في يدي بول شيئا رائعا, لقد بدا الوضع وكأنه أبا روحيا لها , واضطرت الى الأستسلام.
واعترفت بهدوء قائلة:
" أنها فكرة عظيمة ... ولكن ... الا ... تعترض روث؟".
تساءل بول بسرعة:
" لماذا تعترض ؟ كفي عن أقحام أموري الشخصية في هذا . أن الموضوع يتعلق بأمك وساندرا فقط... وليس بأي شخص آخر".
صاحت كارن:
" وهو كذلك يا حبيبي, لا تغضب مني, ولكن ألا تتوقع روث أن تراك الليلة؟".
أجاب في تهكم:
" لا ... لقد طارت الى الولايات المتحدة منذ بضعة أيام لتحضر أبويها للزفاف...".
شعرت كارن بالألم المعتاد في معدتها وقالت:
" أوه... حسنا يا بول, هل ستصعد الى الشقة أم أنتظرك أمام العمارة؟".
أجاب وقد بدا صوته مرحا مرة أخرى:
" سأصعد الا أذا توقف المصعد في منتصف الطريق بالطبع!".
وضحكت كارن وأعادت السماعة الى مكانها , رغم أن موضوع ساندرا وسيمون كان مشكلة, الا أنها شعرت بشيء من الأمتنان نحوهما لأنهما كانا السبب في لقائها مع بول مرة أخرى ! ولكن ألا تثير المشاكل لنفسها بهذه الطريقة؟ من يدري لعل بول أعتبر المسألة مجرد حلقة مسلية في حين أنها تتورط عاطفيا على نحو أكثر كل دقيقة.