ما لبث الرقص أن بدأ مرة أخرى , وأمتلأت القاعة بالراقصين ولم تعد كارن تستطيع أن تراهم, ونظرت الى لويس فوجدت أنه يراقبها, فقالت بخفة:
" أذن هذه هي روث ... أنها جميلة جدا .... أليس كذلك؟".
قال لويس وهو يقطب جبينه:
" أعتقد أنها جميلة , برغم أنني شخصيا أفضل الشقراوات ... وهي تبدو ثرثارة".
ولاحظ كل منهما كيف تحاول روث أحتكار الحديث ولفت نظر بوب اليها.
قالت كارن وهي تبتسم وتتنهد:
" أنك متحيز!".
قال لويس فجأة وهو يحتسي شرابه ويأمر الخادم باحضار شراب آخر.
" ترى ما الذي ستفعله ساندرا اذا لم تعد تلتقي مع سيمون؟ أعتقد أنها في حاجة الى يد صارمة! كان يجب على أمك أن تتزوج مرة أخرى".
قالت كارن في تكاسل:
" كان بول يسيطر عليها... وكانت تحترمه!".
وتصلب وجه لويس وهو يقول:
"أذن أستطيع أنا أن أنفعل نفس الشيء أيضا".
احمر وجه كارن وقالت:
" أشك في ذلك يا لويس".
ونظرت الى وجهه الشاحب النحيل, كانت تعرف أن لويس ليس لديه القوة اللازمة للسيطرة على فتاة دون العشرين , مثل ساندرا . لم يكن لديه أية خبرة , أما بول فقد كان يسيطر على سيمون دائما في شبابه. وكانت ساندرا تطيع بول بسبب ملامحه الداكنة الوسيمة وجاذبيته الساحرة , كان يتمتع بسحر كبير... لا أحد ينكر ذلك, وساندرا وقعت ضحية لذلك السحر , لقد تصورت أنها وقعت في غرامه, ونفذت كل رغباته وكأنها أوامر , أما لويس فلا يحتمل أن يروق لها بهذا المعنى, أضف الى ذلك أن مادلين نفسها لم تكن تستلطف لويس في حين أنها هي أيضا كانت تحب بول.
وابتسمت كارن للويس قائلة:
" لويس يا حبيبي... لا أعتقد ذلك , أن ساندرا ليستمن طرازك, كما أنك لست من طرازها, ولكنها تصورت دائما أنها مدلهة بحب بول , كانت تسير وراءه مثل كلب صغير ولا أعتقد أنها كانت ترى أي شخص غيره!".
دهش لويس , أن فكرة تدلُه ساندرا بحب بول لم تخطر على باله أطلاقا , ووجد الفكرة مقززة.
وانتهت كارن من سيكارتها , ونهضت واقفة وهي تقول:
" عن أذنك لحظة.... سوف أذهب الى غرفة خلع المعاطف ولن أغيب كثيرا".
فقال لويس بسرعة وهو ينهض واقفا:
" سوف أنتظر هنا".
ابتسمت وانسلت بين الموائد , واتجهت نحو الباب بحثا عن هواء القاعة الرطب, كانت تحتاج الى هواء طلق أكثر من أي شيء آخر. واستخدمت حقيبة السهرة كمروحة , وسارت ببطء في الردهة الى غرفة خلع المعاطف , وما كادت تصل حتى رأت بول.
كان يستند باهمال الى أحد الأعمدة وهو يدخن سيكارا ويتحدث مع رجل آخر.
سارت كارن نحوهما وعندما أقتربت منهما نظر اليها بول, ولم تبد الدهشة على وجهه الوسيم , وأفترضت أن رآها حتى قبل أن تراه, وعندما نظرت اليه تعجبت , لماذا سمحت للويس بأن يقنعها بأن الطلاق من بول كان أفضل شيء؟ لو أنها تركت وشأنها لعادت اليه... بل أنها ترغب في العودة اليه في هذه الليلة! لو أنه لم يطلقها لما فكرت أطلاقا منه ولظلت زوجته, وعندما التقت عيونهما بدا باردا بعيدا , لدرجة أنها غضبت من هدوئه الواضح.
على أنه استقام وألقى بسيكاره على الأرض وسحقه بكعب حذائه, كان واضحا أنه لا ينوي أن يتجاهلها , وشعرت كارن بسعادة بدون أن تدري سببا لها , وألتفت رفيقه أيضا ورآها , ولاحظت كارن أنها لا تعرفه من قبل.
وتمتمت لنفسها وقد غمرتها سعادة كبيرة بأنها تبدو في أجمل صورة في ثوب السهرة الجديد.
" أهلا يا بول".
كانت تريد أن يراها بول , وقد تحققت رغبتها الآن.
أومأ بول برأسه قائلا:
" أهلا يا كارن".
كانت عيناه عميقتين لا ترى لهما قاعا ... والتفت الى رفيقه وكان رجلا في حوالي الخامسة والثلاثين , له شعر أشعث أشقر, ووجه مرح صبوح , وقبل أن يقدم بول كارن ابتسم الرجل بمرح وقال:
" هيا يا بول... ألا تقدمني؟ يبدو أنك تعرف أجمل الفتيات !".
ابتسم بول نصف ابتسامة وتساءلت كارن: ترى ما الذي يدور في ذهنه؟ هل كان يفكر أن روث أجمل منها؟ وقال:
" كارن... هذا هو أنتوني ستوكر , صديق قديم من أيام الجامعة, وهذه كارن يا توني , كارن ستاسي".
وتردد لحظة قصيرة جدا عند ذكر اسم أسرتها وكأنه لا يزال يعتقد أنها كارن فريزر.
وقالت كارن مبتسمة:
" هالو".
فصافحها توني بقوة ورد بدوره:
" كيف حالك؟".
كانت يده كبيرة غليظة ولكن أظافره أنيقة جدا, كان كل شيء فيه كبيرا.
والواقع أن شخصيته تعوض عن كل نقص في مظهره , كان يبدو رجلا ودودا لطيفا , فاستراحت اليه كارن فورا , لم يكن من النوع الذي يمكن أن يجذبها اليه , ولكن يمكن أن يكون صديقا.
وأجابت بلهجة مؤدبة:
" أنني بخير , هل تستمتع بالحفل؟".
أجاب توني:
" جدا , الواقع أنني ساعدت في تنظيمه".
وابتسم لها ثم صاح فجأة:
" يا ألهي يا بول! لقد تذكرت , هل هذه... أقصد ... الفتاة التي كانت زوجتك؟".
هز بول كتفيه العريضين , وقال ببرود , بينما شعرت كارن بوجنتيها تتوهجان:
" لقد كانت زوجتي منذ سنوات طويلة".
" يا ألهي , هل تصرفت كالأحمق يا بول؟".
أجاب بول بهدوء:
" أبدا... أن كارن أمرأة جذابة جدا, وهي تعرف هذا بالتأكيد".
زادت حمرة وجه كارن , كانت تكره أن يتحدث عنها أحد وكأنها ليست موجودة , وقاطعت حديثهما قائلة:
" هل أنت بمفردك يا بول؟".
أجاب وهو ينظر اليها:
" أنني أنتظر روث في الواقع , وأعتقد أنها في غرفة خلع معاطف السيدات".
" لقد رأيتك عندما وصلت قبل ذلك".
" أعرف أنك رأيتني . لقد رأيتك عندما جلسنا الى المائدة".
وارتجفت كارن , لم تكن تعرف أنه شاهدها كما شاهدته , ترى ماذا ظن بها ؟ هل أعتقد أن الفضول كان يتملكها ؟ كان الحديث بليدا جدا وتمنت أن يخطر على بالها شيء مضحك حتى تجعلهما يضحكان , وأخيرا تمتمت قائلة وهي تنظر الى بول من خلال رموشها الغزيرة:
"على فكرة بول , شكرا لأنك تحدثت مع سيمون".
بدا بول متضايقا بعض الشيء كما توقعت , ونظر اليهما توني , وكان واضحا أنه مذهول من تحول الأحداث , ومضت كارن تقول في تصميم:
" لم تعطني فرصة أمس لأشكرك كما يجب!".
أجاب بول بجمود , بينما لمعت عيناه على نحو خطير وكأنه يتحداها أن تقول المزيد:
" لا داعي للشكر".
نظرت كارن الى توني , وتمتمت وهي تبتسم:
" لا تقلق علينا ... أنا وبول لا نزال صديقين طيبين ... أليس كذلك يا حبيبي؟ أننا أنس متحضرون في أية حال , أليس كذلك؟ لسنا بدائيين , ونستطيع أن نتصرف على نحو طبيعي بعضنا مع بعض , ألست على حق يا بول؟".
أجاب بول في برود , ولكن عينيه كانتا تبرقان غضبا:
" تماما...".
وقطع توني الحرب غير المسلحة بينهما بقوله:
" ما رأيك في أن تعودي معي الى قاعة الرقص يا كارن ؟ أود أن أرقص معك اذا سمحت".
تصلب بول عندما سمع كلمات توني , وأدركت كارن أن بول لا يريد أن ترقص مع توني لسبب ما , هل يمكن أن يكون غيورا؟ لا ... أن هذا أمر مضحك... لعله كان لا يريد صديقه أن يعرف أمرأة مثلها أو على الأصح مثل ما تصورها عليه , وتجاهلت موقفه وأجابت:
" شكرا يا توني , أنني أود جدا أن أرقص معك".
والتفت توني الى بول وقال:
" رائع.... سأراك فيما بعد أذا يا صديقي العزيز!".
وقال بول:
" طبعا".
كان بول ممتعضا , وأدركت كارن أنها ضايقته , ولكن الى أي حد؟ هذا ما لم تستطع معرفته.
أمسك توني يدها وعادا الى قاعة الرقص , واثبت أنه راقص ماهر رغم كبر حجمه, كما كان رفيقا مسليا , وقال لها أنه هو نفسه قد دعا بول وأصدقاءه الى هذا الحفل ضيوفا له , وأن رفيقته رفضت الحضور في آخر لحظة.
وأخبرها أنه يملك مزرعة في ولتشاير كانت ملكا لأسرة ستوكر على مدى أجيال , لم تكن أسرته ثرية لأن كل أموالها كانت تضيع في حرث وفلاحة الأرض , وهذا يفسر سبب غلاظة يديه.
أعجبت كارن بتمسكه بأرضه وعدم تخليه عنها, لو أنه باع المزرعة لأستطاع هو وأمه وأخته أن يعيشوا في لندن في رغد نسبي, ولكنهم أحبوا الأرض وفضلوا أن يقيموا في ولتشاير ويساعدوا مستأجريهم. ومن وصفه بدت المزرعة جميلة كما بدت أسرته من النوع الريفي العريق حتى أذا كانوا أسياد القصر , وأخبرها أن أباه قد توفي وأن أمه وأخته تعيشان في قصر قديم فسيح يطل على المزارع.
ورغم أنه كان قد عرف بول منذ أيام دراستهما في (أكسفورد) ألا أنهما التقيا مؤخرا فقط وجددوا علاقتهما , فتناولا الغداء سويا مرتين, وتعرف توني على خطيبة بول الأميركية.
وتركته كارن يسهب في الحديث فقد أثار أهتمامها على نحو غامض, ولكن ذهنها ظل يفكر في بول! كان جميلا أن تستمع الى حديثه بينما كان نصف ذهنها يفكر في شيء آخر , كان رفيقا لا يطلب شيئا فانقادت له بسهولة وبلا تفكير.
وفجأة لمحت لويس وشعرت بتأنيب الضمير, لقد بدا متوترا بل غاضبا من شيء ما, وعندما رآها أيضا ولوحت له بيدها عبس وتجاهلها, وشعرت بالقلق والذنب, وعندما انتهت الرقصة أخبرت توني أنها كانت مع رئيسها في العمل وأنه ينتظرها.
فصاح توني:
" حقا؟ حسنا... هل يمكن أن أنضم اليكما لحظة".
زمت كارن شفتيها وقالت:
" بالطبع. لويس وأنا صديقان قديمان ولن يعترض بالتأكيد ".
رد توني بحرارة:
" حسنا جدا, أنني أود أن أرقص معك مرة أخرى اذا سمحت لي".
ابتسمت له كارن وتركته يمسك يدها وهما عائدان الى المائدة التي كان لويس يجلس اليها , نهض فجأة عندما اقتربا منه وبدا قزما الى جانب توني بقامته الطويلة العريضة, وصاح لويس في صوت غاضب:
" أين كنت طوال هذه المدة ؟ ومن هذا؟".
رد توني على الفور:
"اسمي ستوكر... أنتوني ستوكر, ومن تكون أنت؟".
كان يبدو أنه ضاق بأسلوب الرجل الآخر ونبرته, ولم تفهم كارن السبب في امتعاض وجه لويس فصاحت قائلة:
" أرجوك... هذا توني يا لويس... وهذا لويس مارتن رئيسي في العمل يا توني".
تصافح الرجلان على نحو غير ودي , وتمنت كارن لو أنها لم تأت مع توني , وأخذت تشرح قائلة:
" كان توني في القاعة يتحدث مع بول عندما ذهبت الى غرفة السيدات, وقدمنا بول أحدنا الى الآخر".
قال لويس وهو يقطب جبينه:
" تقصدين فريزر مرة أخرى!".
" طبعا".
فنظر لويس اليها قائلا:
" مفهوم... والآن ألا ترقصين معي يا كارن؟".
ضاقت بغيرته وحبه لأمتلاكها , ومرة أخرى قالت:
"طبعا".
لم تكن قد أعطته مبررا واحدا ليفترض أنهما أكثر من صديقين طيبين رغم كل أحاديثه عن الزواج , وكانت تكره أن تشعر بأنه يحاول أن يتملكها على هذا النحو , لم يكن له الحق في أية سيطرة عليها! لأنها أمرأة حرة غير مرتبطة بشخص ما.
ورقصا معا فترة في صمت, ثم قال بصوت متوتر:
" يتعين عليَ أن أعتذر لك... يبدو أنني تصرفت بطريقة غير لائقة".
وافقت كارن وقالت بحدة:
" نعم... ماذا بك؟ لقد غبت ربع ساعة فقط".
وشعرت بالسعادة أنه أثار الموضوع بصراحة, وتنهد لويس وقال في صوت حزين:
"أعرف... أعرف... كان واضحا تماما أنني أغار بجنون , أنك لا تقدرين هذا الشعور , شعور شخص يريد أنسانة من كل قلبه ويعرف أنها لا تريده".
احمر وجه كارن خجلا وقالت بسرعة:
" لويس ... أرجوك... لا داعي لهذا الحديث الآن ... لا داعي له مرة أخرى".
أحمر وجه لويس أيضا وتمتم قائلا:
" أعرف... كل ما أرجوه ألا تتباهي بمعرفة الشبان هكذا أمامي, أنني لا أستطيع أن أسيطر على مشاعري , النتيجة التي وصلت أليها أنك أمرأة باردة!".
كادت كارن تنفجر ضاحكة... أن مجرد الحديث مع بول يجعل الدم يتدفق في جسمها ولكن لويس يظن أنها باردة! وارتجفت...
أخيرا قالت:
" لعلك على حق".منتديات ليلاس
فضلت أن تأخذ أيسر طريق للخروج من هذا الحديث .
ورد لويس ببطء وهو ينظر في وجهها متفرسا:
" أنا واثق من هذا... ولكنك ستحتاجين الى رجل مرة ثانية يا كارن, وسوف تجدينني اذا شئت ".
عبست كارن عندما سمعت هذا ولم ترد عليه , كان تصرف لويس غريبا هذه الليلة.