2- رجل يقطر مرارة
بعدما أوصل بول كارن الى مكاتب شركة لويس مارتن , عاد بسرعة الى مكتبه في الشركة , والواقع أن عملا كثيرا في أنتظاره , ولكنه فقد حماسه للمضي في أنجازه , كانت أفكاره مشتتة , لم يتوقع أطلاقا أن يذهب لؤية كارن فقد قتلت حبه لها , ومع ذلك لا تزال قادرة على أثارته عاطفيا , أغضبته هذه الحقيقة , لقد التقى في حياته نساء كثيرات أجمل منها , فما الذي يأسره في كارن هكذا؟
في الواقع نسي مدى جاذبيتها, وكانت لمواجهته لها فجأة أثر لا يستهان به عليه , عاد الى مكتبه بمزاج معتل, ودهش عندما وجد روث في المكتب تنتظره, لم يحدث أن أتت روث الى المكتب من قبل, وشعر الآن ببعض الضيق لسبب ما عندما رآها ورفض ربط شعوره هذا بلقائه مع زوجته السابقة قبل ذلك. منتديات ليلاس
ولكن بعد أشارة كارن المتعمدة الى شهر العسل الذي قضياه في ناسو, عادت الى ذاكرته كل تفاصيل علاقتهما السابقة بوضوح مؤلم, لقد استعادت كارن الذكريات أعتقد أنها كتمت في طي النسيان, الا أن كلمة واحدة من كارن بعثت الحياة في كل شيء, لقد جعلته يتذكرها ويشعر بها كأمرأة , أمرأة مغرية لها تأثير مدمر عليه دائما من اللحظة الأولى التي دخلت فيها مكتبه مع رئيس المصممين, ليشكرها الى التصميم المبتكر الذي وضعته للسجادة.
في بداية الأمر جمالها وسحرها الواضح هما اللذان شدَاه اليها, ولكنه بعدما أزدادت معرفته بها وقع في غرامها , لأنها أمرأة ذكية شابة مليئة بالحيوية مرغوبة وقادرة على التحدث معه في أي موضوع يريد مناقشته, وكان يعرف تماما أن أمواله أضافت الكثير الى ميزاته, وعندما رفضت كارن التورط في علاقة غرامية معه وجد تلك التجربة جديدة عليه تماما , فالفتيات في العادة رهن أشارته , وشعر بالأهانة عندما وجد أن كارن يمكنها رفض علاقته, وضايقه أيضا أكتشافه أن أهتمامه بالنساء الأخريات تلاشى , وأدرك أن كارن وحدها هي القادرة على أرضائه الآن, وعلى مر الأسابيع أصبح يحتاج اليها أكثر مما يحتاج ألى أي شخص آخر, ويعرف أنها تبادله شعوره ولكنها لم ترضى الا بالزواج فقط, ومن الغريب أنه وجد أنه لا يعارض , والواقع أن تلك الشهور القليلة الأولى من زواجهما حققت كل أحلامه الجامحة.
ولكنها عندما تحدَته وحصلت على وظيفة من دون أستشارته في شركة لويس مارتن , شعر بأنها أهانته , وغضب بعد ذلك عندما حدث الأنفصال النهائي بأن الكيل طفح, لم يصدق أنها تستطيع ايلام مشاعره على هذا النحو, وعندما أكد مارتن أنها لا تريد رؤيته ثانية فقد الأمل تماما.
في أول الأمر فقد القليل من وزنه , يأكل قليلا ويشرب كثيرا , وظل شهورا يعاني من أرق حاد , وفقد اهتمامه بالحياة , وقد أثَر ذلك على عمله بالتالي , وأخيرا نصحته أمه بأن يأخذ أجازة طويلة , لأنه لم يستطع القيام بأي عمل للشركة وهو في تلك الحالة.
وعندما علم بأنها على علاقة عاطفية مع لويس مارتن , لم يصدق ذلك, لم يستطع الأعتراف لنفسه بأن كارن يمكن أن تكون لها علاقة مع رجل آخر, وخاصة مع رجل مثل مارتن الذي يكبرها كثيرا, وعندما يتصورهما سويا يشعر بالغثيان والغضب, كان لا يزال غارقا في حب كارن , ولو أبدت أية رغبة للعودة اليه لقبلها على الفور, وبالشروط التي تضعها هي.
ولكنه عندما علم أن لويس كان يقضي الأمسيات مع كارن , ونام ليلة في شقتها , أضطر لأن يعترف بأن كل القصص السابقة التي سمعها عنهما كانت صادقة, وهكذا أنتهى زواجهما بلا رجعة.
لقد أنهى الطلاق كل شيء بالطبع وكان الخاتمة الأخيرة , وأقتنع بول تماما بألا يسمح لأية أمرأة أخرى بغزو عواطفه ثانية , وأصبح يسخر بشدة من الحياة والنساء , وعاش بدون تفكير كثير في الغد.
بعد ذلك التقى بروث ديلاني منذ ستة أشهر في حفل كوكتيل في نيويورك , حيث كان يحضر معرضا للنسيج , وفي الحال أتجهت اليه مباشرة , فقد أدركت أنه أكثر رجل جاذبية من بين كل الرجال الذين قابلتهم أو الذين يمكن أن تقابلهم , كانت روحه الساخرة تضيف لمسة قاسية الى شفتيه , ونعم هو أكثر نحولا مما كان عليه قبل الطلاق ويقطر مرارة... ومنذ تلك اللحظة , أصبحت ظله تظهر في كل الحفلات والمناسبات التي يحضرها , حتى أرغمته على أن يلتفت اليها, كان أبوها هيرام ديلاني من كبار رجال البترول وأمواله الطائلة يمكن أن تساعد شركة بول, كما أن مدير العلاقات العامة في شركة بول نصحه بأن يكون لطيفا مع الأميركيين , ووجد بول أن من السهل عليه الأستجابة لهذه الرغبة , وروث فتاة لطيفة, كما أن روحها الشابة يمكن أن تضفي تألقا ومرحا على صورته.
في بداية الأمر كان بول يستغلها فقط ويستفيد من سذاجتها , ولكنها استطاعت أن تنال ثقته بالتدريج , وأخيرا روى لها كل شيء عن زيجته التي أنتهت بالطلاق, وأظهرت روث تعاطفا كبيرا وأشفقت عليه, وجعلته يشعر بأنه رجل شاب نسبيا بلا هدف كبير في حياته , كان بول يعلم جيدا أن روث تعتزم أن تكون هي نفسها هذا الهدف في حياته.
وكرست نفسها له, وعندما عاد الى لندن, استطاعت أقناع والديها بزيارته هناك, والنتيجة أن بول وجد نفسه مع ثلاثة ضيوف بينهم أثنان على الأقل يتوقعان منه أن يتزوج روث! وسمح لنفسه بأن ينجرف مع التيار , وعندما أصبح التيار موجة عارمة , وكان لا بد من القبلة للمحافظة على الأنسجام , قرر أنه لن يحب اطلاقا مرة ثانية , ولذلك فمن المستحسن أن يتخذ لنفسه زوجة ومضيفة , واذا حدث أن أنجب أطفالا بعد ذلك, فأن مأساة زواجه الأول قد تختفي , وهكذا أصبح هو وروث خطيبين , وشعر والداها بالرضى أخيرا, فعادا الى الولايات المتحدة , وتركا روث في رعاية بول.
كانت روث ترتدي اليوم معطفا من الفراء الثمين , وقبعة أنيقة بها ريش وردي وتبدو أنيقة جدا بملابسها الثمينة , ولكن بول تنهد بعمق وهي تنهض لمقابلته , واتجهت نحوه وسط سحابة من العطر الفرنسي المثير , وقالت بلهجة تأنيب:
" أهلا يا حبيبي , لم تخبرني أنك ستتناول الغداء في الخارج, أنني أنتظرك هنا منذ ساعة تقريبا".
سمح بول لشفتيها أن تلمسا خده قبل أن يبتعد ويخلع معطفه, ثم قال:
"آسف يا روث... لم يكن أمامي الا الذهاب".
ووضع معطفه فوق أريكة منخفضة , ثم سار نحو مكتبه وألقى بنفسه على المقعد وراءه , ومد يده ليأخذ علبة سكائره, ورفعت روث معطفه وهي تبتسم ابتسامةلها معنى , وعلقته فوق المشجب قبل أن تجلس على الكرسي أمامه , ثم تمتمت قائلة:
" والآن ما هو هذا الشيء الهام جدا الذي جعلك تترك كل شيء وتخرج لتناول الغداء ؟ عندما طلبت منك مساء أمس أن نتناول الغداء اليوم سويا قلت أن وقتك لا يتسع لشيء".
أجاب بول وهو يسحب نفسا من سيكارته:
" كان هذا صحيحا تماما ".
قالت روث:
" لماذا تبدو متوترا متجهما , ولا تبدو عليك السعادة لرؤيتي؟".
هز بول كتفيه وتمتم وهو يقطب جبينه:
"آسف يا روث ... كنت أفكر فقط".
حملقت فيه روث بعينيها البنيتين العميقتين , وأخيرا قال بول:
" لقد تناولت الغداء مع كارن".
اتسعت عينا روث وقالت:
" كارن ... هل ... هل تعني...؟".
" نعم ... أعني زوجتي السابقة".
ذهلت روث وبدا عليها الوجوم ... كانت كارن حتى الآن أشبه بطيف غامض يلوح في الخلفية ولكنه لا يتجسد ... وحاولت روث أن تحتفظ برباطة جأشها , وهتفت قائلة:
" لا بد أن ما حدثتك عنه كان هاما جدا".
وضمت قبضتيها , وهي تتساءل في قرارتها: ما معنى هذا؟ لا يمكن بالطبع أن يعتزم التورط مع كارن مرة أخرى! ولأول مرة بدأت تساءل عن شكل كارن , أن بول لم يحاول أن يصفها لها , ولم تبد هي في الواقع أي أهتمام بذلك.
وقال بول ببطء:
" نعم كان شيئا هاما... أختها ساندرا التي لا تتجاوز السابعة عشرة من عمرها تخرج مع سيون ... الأخ العزيز سيمون!".
تراخت قليلا أعصاب روث المتوترة وقالت:
" ولكن سيمون رجل متزوج يا بول . لقد قابلت زوجته جوليا في الأسبوع الماضي فقط... ولم يظهر عليها ما يجعلني أعتقد أن هناك نزاعا بينها وبين زوجها أو أنهما ينويان الأنفصال".
تجمد تعبير ساخر على وجه بول , وصاح وهو يهز رأسه:
" يا عزيزتي روث , أنهما لا ينويان الأنفصال , أن سيمون يتصرف هكذا دائما , وكذلك جوليا ... أعتقد أن بينهما أتفاقا مريحا جدا!".
ابتسم أبتسامة ساخرة وأضاف:
" صحيح! من الواضح أن الحياة جنبتك الأشياء الكريهة يا روث, تنبهي... أن مثل هذه الأمور تحدث دائما".
فصاحت وهي تعض شفتيها :
" حسنا, أعتقد أنه وضع مقزز , أننا في القرن العشرين ولم يعد الناس يفكرون في عشاق أو محظيات! قد يلتقي شخصان مثلنا ويكتشفان اذا كانا منسجمين أم لا, ولكن التصرف على هذا النحو... حسنا ... أني أعتبره وحشية... أبعد ما يكون عن التحضر!". منتديات ليلاس
هز بول كتفيه وأجاب:
" أنني أعرف أن سيمون يبدو زير نساء في نظرك, ولكن حياته الخاصة لا تهمني في الواقع وما دام عمله لا يتأثر بتصرفاته , فأنه يستطيع أن يفعل ما يشاء , ولا شأن لي به, على أن الوضع مختلف في حالة ساندرا ... لقد طلبت مني كارن نيابة عن أمها أن أتدخل , أن ساندرا صغيرة حمقاء بل طائشة اذا شئت, وهي تتورط في وضع فوق طاقتها اذا تورطت مع سيمون...".
بدا الغضب على روث وأعترضت على محاولة كارن الأستحواذ على زوجها السابق , وقالت في غضب:
"أذا كانت هذا الساندرا مثل كارن فأنني أعتقد أنها قادرة جدا على أن تعنى بنفسها , ولعلها تستحق ما يحدث لها".
بدا وجه بول باردا , وأدركت روث أنها تفوهت بالأمر الخطأ ...
وسألها ببرود:
" وما الذي تعرفينه عن كارن بالضبط؟".
مدت روث أصابعها , وركزت عينيها على خاتم الخطوبة الزمردي الذي يتلألأ حول أصبعها , محاولة الدفاع عن نفسها :
" لقد روت لي جوليا الكثير عن كارن".
نفض بول سيكارته وقال:
" حقا؟ لم أكن أعلم أنكما تتحدثان معا حديثا وديا ... ماذا قالت لك؟ ... أخبريني؟".
احمر وجه روث خجلا وقالت:
"لا تكن مجنونا يا بول , أن جوليا لم تقل لي أكثر مما خمنته من كلماتك أنت بنفسك عن الموضوع , بحق السماء لقد أنتهى الأمر الآن, آسفة اذا كنت تلفظت بكلمات غير مناسبة , ولكنك لم تعد خادمها الآن؟".
هز بول كتفيه وقال:
" أقترح أذن أن تنسي أي شيء قالته لك جوليا عن كارن , أنها تعرف جيدا أن كارن أفضل منها بكثير , وقد أظهر سيمون دائما أن كارن تأسر لبه , أنني أعرف أن له نساء أخريات ولكن جوليا لا تعرف أطلاقا من هن, وقد كانت صدمة كبيرة لها عندما وجدته يحاول التقرب من زوجة أخيه".
أمتقع وجه روث , وقالت:
"وهو كذلك يا بول , لا بد أنها أمرأة رائعة".
ولكن السخرية بدت واضحة في عبارتها الأخيرة , وتمتم بول وهو يفكر:
" نعم".
ثم عادت روث الى الهجوم وسألته:
" في أية حال ... ألم تكن تستطيع أن تتصل بك تلفونيا , ألم تستطع حتى أمها أن تتصل بك؟".
" لقد أتصلت تلفونيا بالفعل , ولكنني لم أفضا مناقشة الأمور العائلية في التلفون , الذي أشك في سريته".
وهزت روث كتفيها وقالت ببرود:
" لعلك على حق... ولذلك تناولتما الغداء معا على نحو أليف".
ابتسم بول في جفاف وتمتم قائلا:
" لا أستطيع أن أصفه بأنه أليف".
ووقفت روث قائلة:
" حسنا ... لقد أنتهى كل شيء... أعتقد أنك ستقوم بدور الأب الصارم مع سيمون".
" سأحاول , كانت ساندرا فتاة لطيفة , صحيح أنها مدللة ولكنها لطيفة , ولا أحب أن يحدث لها أي ضرر".