-20-
لم يقل جازون شيئا , وكان يبدو عليه أنه فهم ما تلمح إليه , ولكنها لاحظت ابتسامة علي وجهه,وقبل أن تسأله عن سببها , صرخت عندما رأت ولدا يركض خلف كلب وتكاد العربة تصدمه, فأوقف جازون العربة وتمسكت ليزي جيدا كي لا تقع علي الأرض .منتديات ليلاس
((ليزي هل جرحت ؟ )) ووضع يده علي جبينها.
((لا ,لا )) أجابته وقد شحب لون وجهها (( ولكن يجب أن نعود فورا إلي المنزل )).
((أتسعرين بأي ألم ؟)) سألها قلقا .
(( أعتقد أن الطفل قرر أن يولد اليوم ...)).
وفور عودتهما طلب جازون الطبيب , ورافق ليزي إلي غرفتها, وساعدتها الخادمة بتغيير ملابسها, ومددتها علي السرير , وأقترب موعد الولادة وازداد ألمها , ولحسن الحظ لم يتأخر الطبيب , وطلب من الخادمة أن تحضر الماء الساخن والمناشف النظيفة .
(( أتمني أن تتصرفي بتعقل مدام , يبدو أن طفلك متسرع لرؤية العالم )).
وبعد أن فحصها .
(( سيولد الصبي بعد قليل )).
(( أهو صبي ؟)).
(( أو بنت , هيا تشجعي , يا عزيزتي , كل شيء يسير علي ما يرام , إذا كنت هادئة )).
أتبعت ليزي تعليمات الطبيب , وحاولت أن تتنفس بهدوء , وفمها مفتوح كلما أحست بالألم , وبعد الولادة أحست براحة كبيرة وكأنها ستفقد وعيها , وبعد لحظات عادت لوعيها وسمعت الطبيب يقول لها بفرح كبير .
(( أنه صبي , ألم أقل لك ذلك ؟)).
تأملت ليزي طفلها الصغير المغطى بالمنشفة النظيفة , ثم مدت يديها وتناولته , وبفرحة كبيرة اكتشفت وجهه الصغير محاطا بشعر أسود , وهو يشد علي يديه الصغيرتين , فسالت دمعة علي وجهها الشاحب .
(( آوه , شكرا لك دكتور أنا سعيدة جدا )) فضحك الطبيب .
(( لم يسبق لي أن رأيت طفلا متحمسا مثله للحياة , لابد أن زوجك رجل قوي )).
((نعم , نعم )) همست وهي تتأمل طفل جوناثان بإعجاب ومحبة كبيرين , ولأنها كانت قد قررت وبدون تردد أن تطلق عليه أسم والده , وبعد قليل خرج الطبيب , وأخذت الخادمة الطفل الصغير ووضعته في سريره , ونامت ليزي نوما عميقا من شدة تعبها ...
(( ليزي , لم يكن يجب عليك أن تغادري الفراش بهذه السرعة ؟)) قال لها جازون عندما رآها في غرفة الطعام.
(( لقد مضى أسبوع وأنا لم أغادر غرفتي , وأنا الآن بصحة جيدة )).
(( هل أنتي متأكدة ؟)).
(( بالطبع , وأخشى أن تطردني لأنني أهملتك كثيرا )).
(( لا تفكري بهذا الشيء , أبدا )) أعترض جازون بحدة.
فنظرت إليه بدهشة , وكان يتأملها بطريقة غريبة ... تقريبا وكأنه ... لا, هذا مستحيل ... أنها مخطئة , لا يمكن أن يكن جازون أكثر من المحبة والصداقة , وماذا يمكنها أن تمنحه بالمقابل ؟ أليست كل عواطفها محصورة في هذا الصغير الذي ينام الآن في سريره ؟.
(( حسنا , طالما أنك هنا , تفضلي وتناولي فطورك معي ... لقد اشتقت إليك كثيرا , وأنتي تعلمين لم أكن أدري إلي أيه درجة رفقتك تسعدني )).
لم تجبه ليزي , وسكبت لنفسها فنجان قهوة, ثم أكلت قليلا .
(( أن أبنك رائع , ليزي , وهو يشبهك كثيرا , ماذا ستسمينه ؟)).
)) كأسم والده , فهو أيضا يشبهه )).
بدا الانزعاج علي وجه جازون , للحقيقة كان غاضبا جدا , وكان يعتقد أنها ستتمكن من نسيان جوناثان هذا , وبماذا يشبه هو جازون ؟ لاشيء أنه قاسي فاسق لا يهتم سوى بنفسه ماذا فعل من أجل امرأته ؟ سوى أنه جعلها تعيسة كما وأنه لن يفعل شيئا لأجل أبنه أيضا , يا لهذه الخيبة بالنسبة لجازون , كان يأمل في أن تطلق أسمه علي أبنها امتنانا منها لمساعدته لها ...
بالتأكيد لن يتزوج جازون أبدا من مدبرة منزله , فهي من أصل متواضع , كما وأن المرأة المطلقة تعتبر فضيحة في ذلك الوقت , فهل سيفكر في أن يجعلها عشيقته ذات يوم ...؟ ولكن ليست زوجته أبدا.
(( أفضل أن أبدا بعملي من اليوم )) قالت ليزي قد أدركت طبيعة شكوكه (( وأعدك بعشاء لذيذ هذا المساء )).
(( لن أتناول العشاء في المنزل هذا المساء )) أجابها جازون بحزم .
فانقبض قلب ليزي , وخافت أن يعود عن قراره , ولكنها تذكرت جوناثان وتنهدت يا لجازون المسكين , لقد جرحته اليوم , ولكنها قررت أن تعتذر منه في أقرب فرصة .
في اليوم التالي , أمرت بتحضير الشوربا وأبدت اهتمام كبير بجازون , وبنفس المساء ارتدت ثوبا رائعا يظهر جمال عنقها وكتفيها , وكانت الأمومة زادت من جمالها , ومن إشراقها.
نعم , لقد أصبحت امرأة مثيرة ... لماذا ينتظر جازون طويلا كي يجعل منها عشيقته ؟ فهي تقيم تحت سقفه, وهي حرة ,إذا حاول إغراءها , فهي لن ترفض علي الأقل بداعي الامتنان له .
(( جازون ؟)).
(( اعذرني , كنت شاردا , ماذا قلت ؟)).
(( أتريد المزيد ؟)).
(( لا شكرا لقد شبعت )).
وكأنه يقصد انه سيشبع قريبا وبكل ما للكلمة من معنى ... وسيجد نفسه مضطر للاعتراف بأنه يرغب بليزي كما يرغب بأيه امرأة أخرى , وبمحاولة إغراءها سيتمكن أخيرا من جعلها تنسى جوناثان , وهذا بالنسبة له سيكون انتقاما مشرقا .
(( ليزي ... أنا ... أحب أن أكلمك بشيء ... أكتمه في قلبي ... أيمكنك المجيء إلي مكتبي
قليلا ؟)).
(( بالتأكيد , سأطلب لنا القهوة , أم أنك تفضل شيئا أخر ؟)).
(( نعم , أفضل البورتو , هل ستشربين معي القليل من البورتو ؟)).
ثم سكب بنفسه كأسين من الكريستال و وجلس علي الكنبة بينما جلست ليزي مقابله بالقرب من المدفأة , وأخذت تتأمل النار المشتعلة وهي تفكر بطفلها الذي يكون قد جاع الآن و يريد الحليب .
ولكن جازون رب علمها , وصديقها بنفس الوقت , ولقد أبدى معها محبة وكرما بدون حدود , فهل سترفض منحه بعض الدقائق من وقتها ؟.
اخذ جازون يدير كأسه بين يديه ويكلمها , وهي تستمـــع إليه بانتباه , وفي البدايـــة لم تفهم معنى كلامــه الحقيقي , ولكن كلامه واضح مع أنها لم تكن تتوقع منه هذا الإعلان الآن , أنه يحبها , هذا ما أكــده لها , لكنه لا يستطيع أن يتزوجـــها أبدا , وهو يتمنى أن يقيم علاقـــــة معها , وهـــو يرغــب بها بكل كيانه ...
(( كيف كان بإمكاني تخيل شيئا مماثلا ؟)) همست ليزي بصوت مرتجف .
وارتجفت يدها , فوقع بعض البورتو علي ثوبها , فأمسك جازون الكأس من يدها ووضعه جانبا , ثم ضمها إليه , وأحست ليزي برغبة قوية تجتاحها , ولكنه كان يريد انتظار الساعة المناسبة , فإذا قدمت له نفسها , سيكون انتصاره علي جوناثان شيقا.
(( لست ادري ماذا أقول , جازون )) همست بينما أخذ يداعب شفتيها بشفتيه (( فأنت كنت لطيفا جدا معي ...)).
(( إذا , أليس الوقت مناسبا لكي تثبتي لي امتنانك )) فكر جازون .
(( وأنا أكن لك محبة و احتراما )) أضافت ليزي (( لكن ليس الحب ...)).
(( وكأن الحب مهم في هذه المسألة )) قال لنفسه .
(( أنا بحاجة لك , ليزي وأنتي قلت أنني كنت طيبا معك , وجاء دورك لكي تكوني قليلا معي ...)).
(( دع لي بعض الوقت للتفكير )) توسلت إليه وهي تبتعد عنه بهدوء.
(( بالطبع )) أجابها دون أن يخفي خيبته.
فطبعت قبلة علي خده , وانسحبت .
وظل جازون وحده يشرب كأسه أن الأمور تتحسن لصالحه , وستسلم ليزي نفسها له , بالتأكيد .
بهذا الوقت كانت ليزي قد أعطت الحليب لطفلها , وعرض جازون أقلقها كثيرا , فجوناثان الصغير بحاجة ماسة لها أكثر مما تحتاج هي لجازون , يجب أن تتصرف ... بالطبع لا يزال أمامها أمكانية اللجوء إلي شقيقتها ولكن ... ألا يجب عليها أن تبدي امتنانا لسيدها ؟فإذا كان يجب عليها الخضوع لرغباته فلماذا لا تستسلم بطيبة خاطر ؟ ومع هذه الفكرة شعرت بالقلق والخوف , أيمكنها أن تخون زوجها ؟ رغم أنه من جهته خانها دون أي آسف .
(( آوه , يا الهي )) تنهدت وهي تقبل رأس طفلها , (( لا , لن أتمكن أبدا ...)).
وفي اليوم التالي , لم يلمح جازون مرة ثانية لنفس الموضوع , لكن ليزي شعرت أنه ينتظر جوابها , وسيكون من الصعب جدا أن تؤخر هذه المواجهة طويلا .
وبعد الظهر خرجت ليزي لتشتري بعض الحاجيات , وهي تحمل السلة بيدها , وكان جازون يراقبها من نافدة غرفة مكتبه , وهو يبتسم و واعترفت لنفسها أنها لن تتأخر بالاستسلام له , وهو متأكد من ذلك , لأن ليزي لا خيار أمامها .
تابعت ليزي سيرها في الشوارع والهواء البارد , ورد وجنتيها و وابتسمت عندما فكرت بجوناثان الصغير . وكان جميلا جدا , ولقد أحبته كثيرا , وأصبح هو كل عالمها , وبدأت تشعر بنفسها جميلة , ومثيرة , هل هذا يعود لعرض جازون الذي جعلها تشعر بجمالها ؟ أم أنها بدأت أخيرا تنسى زوجها ؟.
أن تنسى جوناثان ... لا , أنه لم يتوقف أبدا عن شغل أفكارها , أنها لا تفكر ألا به رجلا لحياتها , وسالت الدموع من عينيها و واستندت قليلا علي حائط احد المحلات التجارية .
وفجأة جحظت عيونها وللحظات تساءلت هل هي تحلم ؟ حقا أم أنها حقا ترى زوجها أمامها , وكان يدير لها ظهره علي الرصيف , وعرفت فورا عرض كتفيه , وشعره الأسود , وأخذ قلبها يدق بسرعة , وألتفت فجأة إلي الوراء , أنه هو نفسه .
لكنه أضعف مما كانت تحفظه في ذاكرتها ووجهه شاحب , وبينما كانت تحدق به بدهشة وقع نظر جوناثان عليها , وانتفض كأنه رأى شبحا أمامه , وأتجه بخطى سريعة .
وأمام تعابير وجهه , ارتبكت ليزي وأسرعت تركض وتصطدم بالمارة , وتطاير شعرها الأسود خلف كتفيها .
(( ليزي )).
بدا لها صوته بعيدا , فالتفتت إلي الوراء ورأته يقف خلف مجموعة من الحمالين , فأبعد أحدهم عن طريقه بعنف , وتابع تقدمه نحوها .
وبيأس كبير , انعطفت ليزي في شارع لم تكن تعرفه , ودخلت احد المتاجر , وكان محلا لعطار, كانت رائحة القوارير فيه مخنقة , فاختبأت خلف أحدى الخزانات المليئة بالقوارير , وظلت عدة دقائق , وكأنها مهتمة جدا بتأمل محتوياتها.
وكان العطار يحاول أقناع أحدى السيدات بشراء أحدى تركيباته الحديثة , وما أن خرجت تلك السيدة حتى أقترب العطار من ليزي ليسألها ماذا تريد .
لكن ليزي اعتقدت أن زوجها أضاع أثرها , فاعتذرت من البائع و وعودته بأنها ستعود مرة ثانية ثم تنهدت وخرجت من المحل , وما أن تخطت زاوية الشارع حتى التقت بجوناثان علي بعد ثلاثة أمتار فقط منها .
ألم تكن تعلم في قرارة نفسها أنها لن تتخلص منه ؟ وعندما اقترب منها , لم تحاول الهرب من جديد , بل وقفت أمامه بشجاعة.
(( هل أفهم من هذا الهرب المتعمد , أنك لا تريدين الكلام معي ليزي ؟)).
(( أنت حر باعتقاد ما تريده)).
(( ليزي . . . )).
(( لا يوجد بيننا ما نتكلم فيه , جوناثان لا شيء )) قالت بصوت مرتجف .
(( هل كان صحيحا كل ما كتبته في رسالتك ؟)).
(( نعم )) أجابته ورفعت رأسها بتحدي .
تأمل جوناثان وجهها الجميل وخديها الموردين من شدة انفعالها , وشعرها الطويل , وقامتها الرشيقة.
((أنك جميلة جدا )) همس جوناثان بابتسامة شاحبة أدهشتها .
ولم تكن تعرف هذه النظرات في الرجل الذي تزوجته , ألم يحمل له الوجود السعادة التي كان يريدها ؟ ألم تعد أنجيليكا تظهر له الحب الذي كان يتمناه ؟.
(( أيمكنني أن أعرف أين تقيمين ؟)).
(( أنا أعمل مدبرة منزل )).
ابتسم من جديد , ولكن بحرارة أكثر هذه المرة , وشعرت ليزي بأن قلبها سينفجر من شدة حبها له , ورغبت في أن ترمي نفسها بين ذراعيه وتضمه أليها ولا تبتعد عنه أبدا , وللآسف , لم يكن بإمكانها أتباع أهواء قلبها , ألا يحب جوناثان امرأة أخرى غيرها ؟.
(( هل تسير الأمور جيدا في المزرعة ؟)) سألته بصوت ضعيف .
(( تقريبا من الناحية العملية )).
(( كيف حال الجميع ؟)).
(( كلهم بخير , و أنتي ليزي ؟)).
(( أنا ؟ بألف خير , شكرا لك )).
(( أنتي بالفعل , تبدين لي مشرقة )) قال لها بلهجة العتاب , دون أن يتوقف عن تأمل وجهها باهتمام كلي .
(( ولماذا لا أكون مشرقة ؟ فأنا سعيدة )).
(( هذا واضح عليك )) أجابها بحدة .
(( أنا ... كنت اشتري بعض الحاجيـــــات , وأنا سعيـــــدة بـــــرؤيتك , وأرجو أن تكون أنت أيضا ســـعيد في حياتك )).
(( ليزي انتظري ...)).
(( آنا آسفة . جوناثان ولكن يجب علي الذهاب الآن )).
(( أترغبين بالطلاق ليزي ؟)).
انتفضت ليزي , الطلاق , فقط الأمريكيات والنساء الرخيصات هن اللواتي يجرؤن علي فسخ يمين الزواج المقدس , أو لم يقول لها جازون يوم أمس أن بيئته ترفض الزواج من امرأة مطلقة ؟.
ومن ناحية أخرى , أليس الطلاق هو نتيجة الزواج الفاشل ؟ و إذا كان جوناثان يحب أنجيليكا ويرغب بالزواج منها , كيف كان بإمكان ليزي أن ترفض منحه حريته ؟.
(( آوه , لا جوناثان هذا ... هذا ...)).
(( إذن ؟ ألم تضعي أنتي نفسك حدا لزواجنا ؟)).
(( ولكن ؟ الفضيحة ؟)).
(( لا تزالين أنتي صاحبة الخيار , ليزي , أما الطلاق أما نعود لحيـــاتنا المشتركـــة , فأنا لا أقبـــــــل بحلل الوسط)).
(( ألا يمكننا أن نتابع كما في السابق ؟)).
إذا كان هناك فضيحة , فجازون لم يكن ليتركها تعيش تحت سقف منزله , ولكان رماها هي وابنها في الشارع... ومن ناحية أخرى , كيف ستتمكن من العودة إلي مزرعة زوجها , بعد كل الذي حصل؟.
(( هذا مستحيل , ليزي يجب أن نلجأ للمحكمة , وأنا سأتولى كل شيء , و بإمكاني إثبات الخيانة الزوجية و بإمكاني أن أجد امرأة مستعدة لهذه الخدعة , علي الأقل إذا كنت لا تفضلين ... بعد كل شيء ... أن اتهمك بهجر منزل الزوجية ... لا , أليس كذلك ؟)).
ليزي لم تكن تعرفه جيدا , وبدأت تتصور عناوين الصحف الذي تنهش بأولئك الذيـــن فشلوا بزواجهم ...
(( أعطني عنوانك )) أمرها جوناثان وهو يمسك ذراعها (( سأوصلك إلي حيث تقيمين يجب أن نعقد صفقة )).
(( حسنا , حسنا سأوافق علي الطلاق , ولكن دعني سأكتب تعهدا ... لا ضرورة لن ترافقني )).
(( لست من رأيك )) اعترض وهو يمسكها جيدا (( أعتقد أنك تراوغين لأنك لا تريدين أن أعرف مكان إقامتك )).
((ما نفع ذلك ؟ )) صرخت بصوت مرتجف .
(( هيا , توقفي عن الاعتراض و أطيعي )).
ركبا عربة وعندما توقفت العربة أسرعت ليزي بالنزول وكادت عربة أخرى تسير بسرعة أن تصدمها , فتراجعت إلي الوراء ووجدت نفسها ملتصقة بصدر جوناثان الذي ضمها إليه كي يحميها , وهذه الملامسة الصغيرة أربكتها , فابتعدت عنه كالمجنونة , وشحب وجه جوناثان كأنه غارق في انفعالات عنيفة , ثم دفع الحساب للحوذي والتفت نحوها من جديد .
(( سأتبعك )) قال لها ببرودة .
(( قبل الدخول يجب أن أحذرك ...)).
(( بأنك تكرهينني ؟ أشك بذلك )).
(( ولكن لا , جوناثان )).
(( إذن تريدين بدون شك أن تعترفي بأنك تعيشين مع رجل أخر , كنت أظن ذلك , و أنا أفكر أن أعطيه الحساب الذي يستحقه )).
(( لا ليس الأمر كما تعتقد , أنا في خدمته , وأبدا لم ...)).
ولكن ألم تكن في الحقيقة علي وشك أن تصبح عشيقة جازون ؟.
(( إذن كنت تخونينني )) قال جوناثان باحتقار (( ألا تشعرين بالعار ؟)).
(( اسمعني , جوناثان)) قالت له ليزي بخوف ثم التفتت نحو جازون وأضافت بلهجة التوسل .
(( أنه لا يصدقني , جازون , قل له إذا بأنني لست سوى مدبرة منزلك )).
ولكن جازون كان ينتظر هذه اللحظة منذ زمن بعيد , ويريد أن يستغل هذه الفرصة المتاحة له , فابتسم عندما لاحظ العذاب علي وجه جوناثان , والغيرة القاتلة التي تمزق قلب منافسه .
(( لماذا الإنكار ؟)) سألها جازون بصوت هادئ , تقدم جوناثان نحو جازون كالوحش الكاسر , لكن جازون تراجع للوراء و أضاف .
(( اظهر انك لاعب جيد , جوناثان وأقبل الخسارة و ليزي هي لي وستبقى لي هل تسمع ؟ هذه المرة فشل سحرك )).
وكان صوته مليئا بالكره , فتأملته ليزي بدهشة , وفهمت أخيرا ماذا كان يخفي مظهره الطيب , وأخيرا اكتشفت حقيقته .
ودون أن يسمعه قفز جوناثان عليه , وأمسكه بصدره ورفعه عن الأرض .
(( جوناثان أنه يكذب )) صرخت ليزي مذعورة .
(( آه , أنه يكذب )) قال جوناثان وأعاده إلي الأرض (( إذن اثبتي لي ذلك ))
فوقع جازون علي طاولة انقلبت معه و وعلي هذا الضجيج دخل أحد الخدم لكن جازون أشار إليه بالابتعاد فعاد الخدم إلي المطبخ .
ألتفت جوناثان نحو ليزي و وعيونه تشع بالغضب .
(( جوناثان أرجوك ...)) تلعثمت وهي تتوسل إليه وتمد يديها إلي الأمام لكي تحمي نفسها .
(( أنه وقت العذاب , عذاب الضمير )) صرخ جوناثان بوجهها (( هل حاولت أن تضعي نفسك مكاني منذ هربك ؟ هل تصورت مدى قلقي وخوفي ... وهمي ؟ أنا , تركتك ترحلين لأنني اعتقدت أن هذه رغبتك , وبعد أن شعرت بالحقيقة , ذهبت للبحث عنك فوجدتك مع رجل أخر , وأنت مشرقة بالصحة والسعادة )).
(( هل أنت نادم صدفة لأنني لم أمت ؟)) صرخت ليزي بيأس .
(( كانت كلها خدعة فأنتي لم تكوني مريضة , أنها كذبة من اختراعك أنتي وأختك , فأنا ذهبت وسألت جان عنك , وأخبرتني أنك في سيدني , لكنها رفضت أن تقول المزيد , ووجدت الفندق الذي قضيت فيه ليلتين , و.. يا ألهي لماذا خدعتني هكذا ليزي ؟)).
(( لم تكن جان تدري نتيجة كلامها , وأنا كنت حقا مريضة , أؤكد لك ذلك ...)).
(( آه , انك تماما كالأخريات مثل آل((النجيليكا )) في العالم وأنا الذي كنت أعتقد أنك مختلفة )).
(( ولكنني لا أفهم )) قالت له بدهشة و اتهام (( فأنت كنت تحب أنجيليكا و ...)).
(( أنا أحبها ؟ ليزي ... أنتي التي كنت أحبها ...))
قال هذه الكلمات ببساطة جعلها لا تشك لحظة بصدقه وأحست بالدوار و ورمت نفسها علي اقرب كرسي .
(( أخرج من هنا )) صرخ جازون (( انك مخادع , ليزي هي لي أنا )).
لكن لا ليزي ولا جوناثان أعاراه اقل اهتمام , وكانا كأنهما وحيدين في هذا العالم .
(( لقد تعرفت علي نساء كثيرات )) قال جوناثان بصوت منخفض وعيون ليزي متعلقة بشفتيه (( وعدة مرات اعتقدت أنني وقعت في الحب ... لكن عندما أحببت حقا , كان ذلك وكأنه الصاعقة تقع علي قدمي , كنت مختلفة جدا عن الأخريات لدرجة أنني شــعرت بالحيرة , أنــــت صريحـــة وصادقة ... وبريئة , أن عدم خبرتك كانت مثيرة ... نعم )) ثم تأملها قليلا وأضاف.
(( نعم أغرمت بك , منذ تلك القبلة التي سرقتها منك علي ظهر الباخرة ... أحببتك في أثوابك البالية القديمة أحببتك رغم أهانتك لي ... وعندما كنت علي وشك الموت عند شقيقتك , أقسمت أن لا أتركك أبدا , حتى ولو لم توجه لي جان دعوة لحضور الزفاف , كنت سأعود , ورغم ادعاءاتك وعنادك علمت أننا نستطيع أن نعيش السعادة معا , وللآسف , وبسرعة اكتشفت انك لا تكنين أية عاطفة لي , فقمت بكل الوسائل لكي أثير غيرتك , ولكن بدون جدوى , وعندما رحلت عنى , توقف الزمان , وعشت في اليأس والعدم , وفكرة موتك وحدها كانت تخيفني جدا , يا عزيزتي , فأنا لم أكن لأتركك , وكنت مستعدا لخدمتك طيلة حياتي , فأنت أغلي علي من حياتي , كنت أعشقك حتى الجنون , طوال أيام الفراق لم يمضي يوم لم أفكر فيه كم أنني كنت غبيا عندما أفسدت زواجنا بطيشي وعدم إدراكي ....)).
(( انتبه )) صرخت ليزي فجأة .
وكانت قد رأت جازون يقترب من جوناثان وهو يحمل كرسيا يريد أن يضربه به , ولشدة خوفها , رمت نفسها علي جازون الذي دفعها عنه , وهو يسب ويشتم , وبهذا الوقت كان جوناثان قد جمع كل قوته وضربه ضربة قوية رمته علي الأرض .
وبعد لحظات قصيرة كان جوناثان منحنيا فوق جازون , يتأمل وجهه والتفت نحو ليزي , فقالت له بندم كبير.
(( يا الهي كنت أعتقد أنه صديقي , الآن أدركت مدى كرهه لك , ومدى غيرته منك , وقد يكون قبل بتشغيلي عنده فقط من أجل أن يثأر منك و ...))
(( سيدة بانيستر , سيدة بانيستر )).
ظهرت الخادمة علي درج الطابق الأول .
(( آوه سيدتي الطفل يبكي , لقد استيقظ ولست ادري ماذا افعل له )).
(( يا ألهي )) وأسرعت ليزي إلي الأعلى .
وفي غرفتها , كان جوناثان الصغير يبكي , فحملته بين يديها وأخذت تهزه وتكلمه بحنان كي يهدأ .
(( حسنا , ما معنى كل هذا ؟)) سألها صوت من الخلف , وكان هو جوناثان الذي تبعها .
(( لا تقل بأنه ليس منك أنت )) قالت له وقد احمر وجهها , (( فهو متسرع متسلط وقاسي مثلك تماما)).
(( اهو ابني أنا ؟)) سألها بدهشة (( ابني ابننا ... ولكن ليز أنت لم تقولي بأنك كنت ...؟)).
(( كنت أجهل الحمل حتى وصولي إلي جان , وبعد أن سمعت كلامك مع أدنا تيكر , ففكرت أنني سأصبح عاجزة ... ولم أكن أريد أن أكون عبئا عليك ... خاصة , وأنني اعلم أنك تحب أنجيليكا )).
(( الم اقل أنني قطعت كل علاقة لي بها ؟)).
(( نعم , ولكني لم أصدق , فهي كانت جميلة جدا , وكنت تبدو حزينا لأنك تخليت عنها , كما وأنني رأيتكما معا وأنت تقبلها في ذلك المساء , فضاقت الدنيا في وجهي )).
وقف جوناثان أمام النافدة قليلا وكأنه يستعد لقتل أحد , وبعد أن وضعت ليزي الطفل في السرير , ألتفت نحوها من جديد .
(( نعم كنت عشيقا لأنجيليكا , ولكن هذا لم يستمر طويلا , كانت متهورة وأنانية , وما أن دخلت أنت في حياتي , لم يعد هناك مكان لامرأة أخرى في قلبي )).
حتى الآن كانت ليزي تعتقد أنها تحلم , ولكن الآن هي تعلم أن جوناثان كان يحبها ... الم تفقده بسبب غلطة ؟ وسالت الدموع علي وجنتيها ...
(( آوه جوناثان )) واقتربت منه (( سامحني لم أكن أعلم كنت أحبك بجنون , لكنني لم أجرؤ علي أظهار حبي , هل ستسامحني ؟)).
(( أسامحك يا عزيزتي ؟ وكيف لا , وأنا الذي بحثت في كل المدينة عنك , علي أمل أن أجدك )).
فرمت نفسها بين ذراعيه .
(( آوه , جوناثان كنت تعيسة جدا بدونك و وكلما كنت أنظر إلي طفلي أعتقد أنني انظر إلي وجهك أنت )).
(( وكنت ستخفين عني إلي الأبد حقيقة وجوده ؟ أيتها البائسة )).
(( كنت أفضل ...)).
(( كفى , ليزي , أعتقد أننا أخطأنا في فهم بعض , أنا لأنني تركتك ترحلين , وأنت لأنك بقيت بعيدة عني كل هذه المــــــدة , ويجب علينا الآن أن نعوض كل الوقت الضائــع , ألــــيس كذلك , يـا حبيبتي ؟)).
(( آوه , نعم , نعم )) .
(( قولي لي من جديد انك تحبينني , يا حبيبتي , فأنا بغاية الشوق لسماع هذه الكلمات )).
(( أنا أحبك جوناثان )).
والتقت نظراتهما طويلا وفي عيونه اكتشفت ليزي سر الفرح و وأحست وكأنها تستيقظ من نوم طويل , والتقت شفاههما بشوق وحب وحنان .
بالنسبة لهما . أخيرا بدأت الحياة ...
تــــــــــــــــــــــــمـــــــــــــــــــــــــــــــــت