كاتب الموضوع :
زونار
المنتدى :
روايات عبير المكتوبة
7-الصفقة
فتحت فني عينيها فرأت الأشياء مغبشة . ولم تتأكد من الوجه المنحني فوقها إلا أنها رأت عرقا يتحرك في رقبته وشيئا لامعا يتدلى منها . عبست لأنها لم تستطيع تمييز الأشياء . ولكنها ثبتت نظرها أخيرا واتضح لها الآن أن الوجه المنحني فوقها نحيل نوعا ما . وبدأ الضباب ينقشع من عينيها ولكن الألم الداخلي ظل يذكرها بشيء لم تكن تميزه بعد.
ابتسم زونار وأخذ كلتا يديها ورفعهما إلى شفتيه قائلا:
(( تحياتي ! هل تعرفينني ؟هل تميزين الأشياء الآن ؟.))
أومأت برأسها وظنت لأول وهلة أن المتكلم شخص آخر . وأنها تلفظت باسم ذلك الشخص. وتكلم زونار بصوت حنون وهو مازال يحمل يديها :
(( يسعدنا أن نراك بين ظهرانينا . هل أنت مسرورة بعودتك يا فنيلا ؟))
(( اشعر... كأني آتية من بعيد....بعيد ))
دارت بعينيها في الغرفة فعادت إليها صور الأشياء المألوفة ، مثل القنديل المدلى أمام أيقونة في الكوة . وسألت :
(( ماذا جرى يا زونار؟ ))
ميزت وجهه وملامحه الجميلة رغم بعض التجاعيد الخفيفة .
(( كان المنحدر قويا عند المنعطف عندما برز كلب أمام سيارتك فجأة وأنت تقودينها ، وقد أنقذك صبي من السيارة قبل انفجارها . انه بطل صغير هذا الصبي .))
(( أنا شاكرة له صنيعه .))
تذكرت تلك اللحظة عندما فقدت السيطرة على السيارة واصطدمت بالصخور. ارتعش جسمها فأحس بذلك زونار فضغط على يديها.
(( لاتفكري في ذلك . كل شيء انتهى وأنت الآن بيننا معافاة وفي تحسن مستمر .))
لم تبعد نظرها عن عينيه لتتبين ماعناه بعبارة (تحسن). قالت :
(( التحسن ممّ؟ منذ متى أنا في...أنا...مريضة؟ .))
(( منذ عدة أيام . كنت نائمة معظم الوقت وأخذت تعودين إلى رشدك تدريجيا. وكانت الممرضة تغذيك بحساء الدجاج فقط .))
(( منذ عدة أيام...! لا أتذكرها مطلقا. ربما فقدت ذاكرتي .هل أصيب راسي بضربة؟ ))
(( اجل ، عند الاصطدام . هناك جرح في راسك ولكنه لن يترك ندبة .))
(( ندوب. انظر، هذه ندوب .))
(( كلا ))
قال وهو ينحني فوقها ثم تابع :
(( لم يصب وجهك شيء يا عزيزتي .))
يقول (عزيزتي ). أعادت إليها هذه العبارة ذكريات وذكريات ، منها الحلوة ومنها المرة ، ومنها مرأى يدين أقوى واخشن.
(( إني غير مهتمة بوجهي.))
برزت الحقيقة الآن بكل بشاعتها وهولها. أرادت أن تصرخ ولكنها قالت وهي تضبط أعصابها بصعوبة كبيرة :
(( فقدت طفلي ، أليس كذلك؟ .))
انتفض الشريان في رقبته وقال وهو يبلع ريقه :
(( آسف يافنيلا . هذه هي الحقيقة . يجب قولها لك . وانتدبني الطبيب لأنوب عن هراكليون في اطلاعك عليها .))
(( فهمت. هل هو غاضب علي ولا يتصل بي؟ .))
كان فقدان الطفل عليها أصعب من فقدان حياتها. لم تبك لان مآقيها جفت وحياتها جفت وفرغت من معناها.
(( لا يا حبيبتي . لا نستطيع تعيين مكان وجوده . رحل على ظهركرينيا ونحاول منذ أيام الاتصال به . ذهبنا إلى كل المحلات التي يرتادها ..))
((هل حاولتم الاتصال بصديقاته القديمات؟ هل فكرتم بالاتصال بنيويورك حيث ابنة عمي ؟.))
صعق زونار لهذه الصراحة وقال بعينين لا تصدقان :
(( أنت تعتقدين انه...كلا هراكليون لن يفعل ذلك .))
((هراكليون يحبها ، وتشاجرت معه يوم رحل وكان الفراق مؤلما . ووضعي الآن يضيف مادة أخرى إلى شكواه مني . أنا زوجة لم يرغب فيها مطلقا وها قد قتلت طفله . هذا يكفي ليكرهني ...))
(( آه يا فنيلا . ماذا يمكنني أن افعل كي أعزيك؟ .))
شد زونار على يديها تعبيرا عن مشاركته حزنها . وبالفعل رأت في وجهه نظرة الرجل القوي الذي هزمه الألم وجعله عاجزا عن التفكير. وتابع يقول:
(( كاساندرا وحدها كانت تعرف انك كنت حاملاً . وهي التي اهتمت بأمرك ريثما يأتي الطبيب. لكننا سمعناها تتمتم كلاما بمعنى أن هناك فرصة واحدة لا غير...هل عنت أن هذه الفرصة قد تنقذ زواجك؟))
تذكرت فنّي ما تنبأت به كاساندرا وهو أنها ستنجب طفلا واحدا فقط . وخسرت الطفل....
(( هل يعلم هراكليون بالطفل أم أنك لم تخبريه؟.))
نفت ذلك بان هزت رأسها . كان شعرها كله جديلة واحدة للتخفيف من الحرارة ، والاسوداد تحت عظام وجنتيها تكاتف وبانت ذراعاها هزيلتين . أما وجهها فحافظ على نضارته ولكن الألم ترك لآثاره في نظرتها.
لم يبق لها شيء تتمسك به منذ الآن تهيم على وجهها...تحطمت حياتها الزوجية وأصبح كل شيء مستحيلا .
فقط لو...لو أن هذا التشبث بلهفتها إلى هراكليون تلاشى مع الطفل . هذا الشوق ينخر في عظامها ويصرخ إلى هراكليون...وهو الذي ستأخذه معها من بتالدوس .
(( لو أطلعته على أمرك لما رحل على ما أظن ولتولاه فرح عظيم .))
((حقا ؟! انه يبقيني عنده ريثما اهديه طفلا . هذه هي الصفقة التي ابرمها معي . أبقى زوجة له لحين أصبح أما لابنه ثم يتركني . ولذا لم أرد أن يعرف باني قد ألد طفلا حسب تركيبته الحسابية الدقيقة التي كانت تسير عواطفه . أردت أن يكون لي سر ثمين لا يشاركني فيه احد ، ونويت أن أهرب به ! هل يثير هذا اشمئزازك يا سلفي؟ وكان توقيت فراري مع رحيل هراكليون على متن سفينته . في انكلترا كنت سأعيش منزوية بحيث يستحيل عليه العثور علي وأنا في إحدى القرى النائية غربيّ البلاد . لسوء حظي تدخل القدر مرة أخرى في مخططي . وهاجمني في شكل كلب يحرس الماعز للرعاة...إنها شخصية (بان) ، رمزالراعي الذي نصفه إنسان ونصفه ماعز . لم اعتقد ابد في الأساطير والخرافات ، ولكن هنا يرى المرء نفسه مدفوعا إلى الاعتقاد بها . هل تؤمن بها يا زونار، أم انك رجل دنيويات لا تهمه أمور كهذه؟ .))
(( أنا يوناني قبل كل شيء ، وأؤمن بان الإله يأتمننا على مواهب ومزايا يتوجب علينا دفع ثمنها .))
(( أنا سرقت ميزة فعوقبت عليها عقابا صارما...أصبحت الآن خالية خاوية ، وأتألم كثيرا إذا بكيت .))
رفع يديها ووضعهماعلى وجنتيه بحنان وقال :
(( البلداء لا يبدعون قصة او تمثيلية ، لكنهم يحبون ويتألمون بفتور. ولكنك فتاة عاطفية ، معطاء ، رقيقة وجميلة ، ولذا فأنت تضعين روحك وقلبك في كل ما يحدث لك . أدخلت هراكليون إلى قلبك...ويمكنك طرده الآن .!))
شعرت في أطراف أصابعها بشرايينه الخافقة في وجنته ورأت في عينيه لهفه عليها . انه لمن السهل عليها أن تتحول من برودة واستبداد ذاك إلى عطف وحب هذا . انزل زونار يديها من وجنته ووضعهما على عنقه فأحست بدفئه وبنبضات قلبه .
(( سنرحل معا . ما عليك إلا أن تقولي كلمة واحدة فقط .))
(( لا.))
خرجت هذه الكلمة من قلبها برنة قوية .
(( لا...لا أريد أن اسرق شقيقا وأضيف سرقة على سرقة فأزيد من جرائمي يا زونار. ارفض أن أكون سببا لحقد وكراهية بين اخوين . هراكليون ربّاك...أنت وديمتري . اعتنى بكما . حرم نفسه من الغذاء من أجلكما. عمل في المحاجر وعلى السفن لتأمين الملبس والمأكل لكليكما، أرجوك ، اترك يدي ، وكف عن التفكير في هذه الأشياء ...))
(( تقوّي الآن يا فنيلا ، وسنتكلم عن ذلك بعد أن تخف أحزانك وتعودي إلى نفسك . لنا حياة يجب أن نعيشها. وأنا أريدك لشخصك . أنت! يا حلوة، يا ناعمة .!))
فتح يديها وقبل راحة اليد التي رأت كاساندرا فيها المستقبل . تنهدت فنّي يأسا لعجزها عن إقناع زونار، وتنفست الصعداء عندما دخلت الممرضة بلباسها الرسمي وعاملت زونار بصرامة مهنّية قائلة :
(( السيدة ما زالت تعبة جدا ، ستتحسن كثيرا غدا صباحا .))
(( إذاً استودعك الله .))
ابتسم في وجه فنّي وعند الباب انحنى للممرضة ونظر إليها هازئا. وبعد خروجه رتبت الممرضة وسائد السرير وناولت المريضة قدحا من عصير الليمون.
(( انه سلف لطيف . لقد قلق عليك ، ودمعت عيناه عندما قيل له انك أجهضت . اليونانيون يتأثرون بأشياء كهذه .))
بدا وجه فنّي عبوسا تحت وطأة التفكير. وسالت الممرضة :
(( هل هناك أمل في أن احمل ثانية؟.))
(( اسألي طبيبك يا سيدتي .))
والتفتت إلى الناحية الأخرى لتتهرب من الإجابة الصريحة. وأخذت ترتب الأشياء على السرير.
(( هلاّ قلت لي؟ أنت قابلة وتعرفين ، واعدك أني لن ابكي .))
(( لماذا الست من نساء اليوم العصريات اللواتي لا يهتممن بتأسيس عائلة؟.))
((على العكس ، لكني لا أحب أن أبقى على جهل بأمور مهمة كهذه .))
مدت يدها وأمسكت بكم الممرضة المنشّى وقالت مستعطفة :
(( أنت تعرفين ، أليس كذلك؟ .))
(( من الصعب التأكد من هذه الأشياء في بضع سنوات...))
(( في بضع سنوات؟ أخشى أن لا أتمكن من الانتظار كل هذا الوقت .))
(( بالطبع لأنك مازلت شابة . دعيني اقل لك هذا. لو أكملت مدة الحمل لكنت مررت بفترة كلها تعقيدات ولكانت الولادة كلفتك الكثير .))
(( حياتي ...! أهذا ماعنيته؟ .))
لطمتها هذه الحقيقة في الصميم . معنى هذا أنها لو هربت بجنينها ووضعت لماتت... وانتهى الطفل في دار الأيتام .
(( لا أحب أن أقول هذا ، ولكننا نعرف الأمور رغم أن الأطباء يأنفون من الاعتقاد بأننا نملك المعرفة. نعم . لكنت قد مت .))
(( هل استطعتم معرفة جنس المولود ذكرا أم أنثي ؟. ))
(( كان ذكرا يا سيدتي .))
أغمضت فنّي عينيها.. يكون هراكليون قد حصل على ولد على صورته ومثال هوفيه الشيء القليل من أمه . هذا الولد الذي لن يكون قد عرفه أبوه لو انه ولد . والوالد الذي لن يقع نظره عليه لأنه قد أُجهض . سيطلع على آخر ما جرى حين عودته. عندما تنتهي رحلته البحرية التي ابتدأها دون أن يترك كلمة واحدة لشقيقيه ليتصلا به في حالة الطوارئ .
حتى أعماله التي يضعها فوق كل شيء لم تستأثر باهتمامه فترك الجزيرة فجأة ليهرب من الجميع . ولكن لماذا الجميع؟ طلبت فنّي من زونار ولو ساخرة أن يتصل بالمسرح في نيويورك حيث تعمل بينلا ، وليس مستغربا أن يكون هراكليون هناك . إذا كان يريد بينلا بكل جوارحه فلن يسمح لزوجة لا يريدها بان تقف في طريقه خاصة أن ابنة عمها تفضل معاشرة الرجل المتزوج على الأعزب .
(( لا يجب أن يستولي عليك الحزن وإلا فلن تتحسني.))
وضعت الممرضة يدها على جبين فنّي وقالت :
(( عندما يعود زوجك يجب أن يراك معافاة لا صفراء هزيلة . علينا أن نواجه النوائب بشجاعة . كفاه انك تنتظرينه .))
ضحكت فنّي ضحكة جوفاء كقلبها وقالت :
(( انا انتظره؟ لن يغفر لي ماحدث ، وسيلومني على كل شيء .))
(( من الطبيعي أن يخيب أمله يا سيدتي . ولكنه سيفهم انك لم تقصدي الحادث . لا نلام على ما كتب أن يحدث لنا . ولكل ملذة سعرها ولكل الم علاجه .))
(( ليتني استطيع أن أؤمن بما تقولين . هناك فراغ في قلبي ، وألمي اكبر من أن يشفيه علاج ...أكاد الحق بطفلي .))
(( حاولي إبعاد الكآبة عنك يا سيدتي . لو كتبلك أن تقضي مع الطفل لقضيت .))
(( أنت تؤمنين بالقدر. قسا القدر علي وانتزع مني الطفل الأوحد الذي كان يجب أن ألد ه . وبخلاف ذلك ربما قرر أن يخطف حياتي ليبقي على الصبي . كان هذا الطفل ثمرة حب...حب للرجل الذي أعطانيه ))
أدارت فنّي رأسها ودفنته في الوسادة . كان حلقها يؤلمها وتجمدت دموعها في مآقيها فلم تبك على الحب الذي فقدته عندما فقدت طفلها.
(( نامي الآن وستريك الأمور وجها أكثر بهجة غدا. وبعد أن تستعيدي قوتك ونشاطك ستتساءلين لماذا رغبت في الموت . تصبحين على خير ياسيدتي .))
(( طابت ليلتك... اشكر لك لطفك .))
أطفأت الممرضة المصباح الموجود قرب السرير. وخرجت تاركة مصباح الجدار بنوره الخافت يضيء وحد ه. وبقيت فنّي وحيدة مع تكتكة الساعة ومرارة الذكرى التي أصبحت في خبر كان...عندما كانت لينة طيعة بين ذراعي هراكليون . وذكرى الفرحة وهي في فستان عرس غيرها ظنا منها أنها فرحة دائمة. وجاء القدر لينتزعها منها في حادث سيارة. وكان هذا عقابها . تنازعها النوم واليقظة في هذا السكون المخيم على القصر.
وكان على صخور أساسه المتين راسخا في سيطرته على الجزيرة وحتى على سكانها الضعفاء الذين رغم قوتهم الظاهرة ليسوا إلا لبنات في جسمه. هذا القصر لا يرحب بالحب . فقد بغض زوجة زونار الشابة والآن ابن هراكليون الأوحد الذي جاء كالطعنة وكان ذكرى قصيرة وعابرة...أما هي فيرفضها.
(( آه ياهراكليون.!))
أخذت الوسادة وأخذت تعصرها بين ذراعيها . إنها وحيدة في هذا القصر تنظر إلى المستقبل بعيون ملؤها الخوف . ورن في أذنها صوت زونار وهو يقول :
(( تعالي معي . سأعتني بك .!))
وانتظر الجميع حتى تحسنت صحة فني وأصبحت قادرة على الجلوس في الغرفة الخارجية ليخبروها بأنهم وضعوا بلاطة تذكارية باسم طفلها في كنيسة القرية. وأبدت لهم رغبتها في زيارة الضريح :
(( أحب أن أرى البلاطة .))
وذات يوم عندما رأى الطبيب أنها تستطيع الخروج صعدت إلى الكنيسة برفقة زونار وأدلينا في السيارة . ومشت معهما بين أشجار السرو حتى وصلت إلى حيث اللوحة النحاسية . كانت فيها بضع كلمات والاسم هراكليون مفراكيس الأصغر منحوتة باليونانية .
ولكنها ما زالت بلا دموع لا تستطيع البكاء . وضعت بعض الأزهار على القبر الصغير وانحنت حتى لمست اللوح بأصابعها وسألت عن معنى الكلمات . فسرها لها زونار:[ قطف زهرة الحياة]. وانحنى ليرفعها على قدميها.
(( ولكن كيف قطف زهرة الحياة ولم تسنح له أي فرصة في الحياة ؟ كان جنينا وضربه مقود السيارة وهو جنين . كم أود أن اصرخ من اجله واشد شعري وأنزل اللعنة على جزيرتكم .))
قالت ادلينا :
(( انظري يا عزيزتي إلى الجانب الآخر من الأمور. كدت تقضين معه. مدّي يدك والمسي جسمك . أنت بعد على قيد الحياة تتمتعين بالشمس وحرارتها. تأملي في نفسك...جميلة وجذابة في هذا الطقم الرمادي . من حسن حظنا أن أتى بمقاسك. أليست فاتنة يا زونار؟.))
ورمقت زونار بنظرة خاصة بينما كان يتأمل شعر فنّي كان يفضل بان يجيب بما يروق لعاطفته ولكنه كبت هذه الرغبة وأجاب :
(( نعم . افهم شعورك يا فنيلا ، ولكن صدقيني إن الألم والغضب يتلاشيان مع الزمن ويبتلعهما النسيان. وعندما تصبح الحياة أثمن شيء لدى الإنسان.))
تأبطت ادلينا ذراع فنّي وقالت معلقة على كلام زونار:
(( هذا صحيح . تعلمي طرق التسلية والاستمتاع بتوافه الأمور. سيأخذنا زونار بعد يوم او يومين إلى أثينا وسنحاول أن ننسيك أحزانك . يا مدللتي ...لا ترفضي . بما أن هراكليون يقوم بلعبة السيد المتغيب فلا يلزم استئذانه. كان يتوجب عليه أن يعلمنا بتحركاته وبدلا من ذلك توارى كالأسد الذي انغرزت شوكة في جنبه. آه من الرجال . إنهم السبب في جميع آلامنا .))
(( يا امرأة أخي العزيزة ، متى تعذبت؟ زوجك ديمتري كله صبر وهو من غير طينة هراكليون وطينتي . عددي نعمك لا تذمراتك .))
(( أردت يا زونار أن أتزوج من رجل لين العريكة وبسيط القلب . كان رأي والدي أن أتزوج من هراكليون ، ومع عقلية أخيك الحازمة وخفة روحه ونشاطه أعلمت والدي أني أفضل دخول عرين الأسد على دخول البيت الزوجي مع هراكليون مفراكيس . ثمة أمر لا ينكر . تعلمت فينلا المسكينة درسا قاسيا ))
ابتسمت فنّي ابتسامة عدم اكتراث لأنها تعلمت كيف تخفي ألامها بحيث يكسبها مناعة . ابتعدوا عن ضريح الطفل وشعرت فنّي كأنها تركت جزءا من قلبها في التربة . اخذ زونار ذراع فنّي وضغط عليها بأصابعه على يدها. انه يفهمها لأنه تزوج عن حب مثلها.
وساروا بين أشجار الكنيسة مارّين بالقبور. رأوا كتابات وصورا منحوتة في شواهد القبور الحجرية. وشعرت فنّي أنها تذرف دموعا منحجر. وفي طريق عودتهم رأوا طيور السمّاني ترفرف بأجنحتها بين شجيرات التل . واستنشقوا رائحة الزعتر والصنوبر التي حملها الهواء إليهم . وتوقفوا حيث جرى الاصطدام فشاهدو آثار الحريق .
(( آمل أن تكونوا كافأتم الصبي الشجاع الذي أنقذني.))
أجابت ادلينا :
(( كلبه هو الذي تسبب بالحادث . الصبي نفسه اقر بذلك أمام الرجال الذين أتوا بك إلى البيت في عربة احد المزارعين . على فكرة زونار، ما تزال جزيرتنا بدائية ، ليس فيها مستشفى واحد على الأقل .))
|