لمشاكل التسجيل ودخول المنتدى يرجى مراسلتنا على الايميل liilasvb3@gmail.com






العودة   منتديات ليلاس > القصص والروايات > روايات عبير > روايات عبير المكتوبة
التسجيل

بحث بشبكة ليلاس الثقافية

روايات عبير المكتوبة روايات عبير المكتوبة


إضافة رد
نسخ الرابط
نسخ للمنتديات
 
LinkBack (7) أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 06-05-09, 06:07 PM   3 links from elsewhere to this Post. Click to view. المشاركة رقم: 11
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: Nov 2008
العضوية: 103835
المشاركات: 336
الجنس ذكر
معدل التقييم: زونار عضو سيصبح مشهورا قريبا جدازونار عضو سيصبح مشهورا قريبا جدازونار عضو سيصبح مشهورا قريبا جدازونار عضو سيصبح مشهورا قريبا جدازونار عضو سيصبح مشهورا قريبا جدازونار عضو سيصبح مشهورا قريبا جدا
نقاط التقييم: 502

االدولة
البلدKuwait
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
زونار غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : زونار المنتدى : روايات عبير المكتوبة
افتراضي

 

4- في القصر الأزرق









هذه لحظة لايحظى بها الا من كان يطير فوق البحار . سكون فوق جمال البحر عند المغيب والشمس التى توزع خيوطاً ملونه في كل اتجاه قبل أن تختفي وراء الأفق . اقتربوا من الجزيرة وحامت الهليكوبتر فرنسية الصنع التي أقلتهم من انجلترا فوق القصر وهبطت بهم على هضبة بين بساتين الفواكه ، والقصر الأبيض اللون الذي يعلو الجزيرة.




نبهها صوت هراكليون من تأملاتها عندما سمعته يقول بلهجة كلها سرور وارتياح :


(( بيتنا! وأخيرا وصلنا!).




رأته ينظر إليها بقرف لأنه لا يريدها أن تشاركه فرحته بعودته إلى ارض الوطن ، ولأمنها حدقت إليه برفعه وهدوء عازمة على المجابهة كيلا يمزق ما تبقى منها من إحساس . أخذت النجوم في الظهور وأصبحت فنّي الآن تبعد أميال الأميال عن بيت عمها الأنيق بمروجه الخضراء وأزهار الحديقة المنمقة.





هي الآن واقفة في ارض جزيرة بتالدوس ، الجزيرة اليونانية الصخرية الغنية بفواكهها وأعشابها العطرة ، تملأها ليلا أصوات الأزيز وينتشر في أرجائها أريج اليونان التاريخي وظلال أطلاله . رفعت رأسها ورأت قصر(الباشا) للجزيرة . ودائما لا يحلو لزوجها أن يتركها سارحة في أفكارها كما يحلو لها فأنه دائماً يقطع عليها ذلك بالتفوه بكلمات فيها أمثال او عبر قديمة وفلسفة .




قال هراكليون :



((على الإنسان أن يعيش ليومه كما لو كان يومه الأخيرالذي يتمتع بشمسه)).




فلسفة أبولّو هذه يمكن أن يقال أنها فلسفة هراكليون الذي تراه فنّي شاذاً في بعض تصرفاته وذا بأس في معاملاته ، وترى نفسها تتجاوب مع كل عضلة فيه ومع مشيته ولون جلده وحتى لباسه. تراه سيد نفسه وسيد الموقف وتتساءل عن احتمال حدوث تغييرات بعد أن دخلت حياته وهزّت إلى حد ما كيانه وكبرياءه ، رفعت نظرها مرة ثانيه وتبين لها القصر الأبيض منتصباً بين أشجار الزيتون والحمضيات والسرو ، ويعود طراز بنائه إلى عهد الأتراك ، فنوافذ مقوسة وجدرانه من الحجر القاسي وله هيبة صاحبة. يرى من يقف فيه مناظر البحر والسماء وبيوت سكان الجزيرة .




رحّب زونار بفنّي قائلا :


(( أهلا بك في القصر الأزرق)).




لماذا يسمونه الأزرق بينما هو ابيض ؟ فهمت فيما بعد أن التسميه تعود إلى كون القصر موجود على ارتفاع من كل جانب . كان لجوابه مغزى خاص فأغاظها وصعد الدم في وجهها . وتوقعت أن ينظر إليها ككل مرة نظرة التعنيف والسخرية .




((هل تعتقد أني قفزت من فوق الحائط قبل أن يفتح الباب لي ؟ اليوناني يفضل أن تقف بجانبه أمام المذبح عروس بكر وطاهرة كالكتان الأبيض الناشف وكالثلج المتساقط وكالرز الأبيض الطري))




وحاولت أن تكيل له كما كال لها هزءا وسخرية فقالت :


(( ولا يهم إذا كان العريس ضليعا في فن..... الإغواء ؟ ))




لم يعلق على ذلك على الفور لانشغاله بأكل بندورة محشية وتلذذه بمضغها وهو يحدق فيها:


(( أية فتاة ترضى بأحمق يتحسس طريقه في ظلام الجهل في أول ليلة في شهر العسل ؟ ألا يسبب ذلك عذابا للعروس إذا نقصت عريسها المعرفة والدقة في هذا المجال ؟ يجب أن تعترفي يا جميلتي أني لم اجعل منك حطاما ))




توردت وجنتاها ولكنها امتنعت عن خفض عينيها كالبنت الخجول الحمقاء فهزت رأسها وقالت :


(( لا يتهمك احد بأنك وحش . ولكنك دائما تتغنى بتفوق الذكر))




(( صحيح ؟ الرجل أقوى من المرأة جسمانيا وأحيانا له عقل ثاقب وأكثر منطقا ، ولكن نحن معشر اليونانيين نحترم واقعاً مهماً وهو أن المرأة تستطيع أن تحمل..... صورة طبق الأصل للرجل الذي يمتلكها . هل هذا يحولني إلى رجل متطرف... كما يقول الأمريكان ؟ ))




ابتسمت فنّي لوقاحة هذا الرجل الذي يعتبر المرأة دمية او قطعه لتسلية. ولكن هذه ليست عقيدته او عقيدة اليونانيين . هذه عقيدة العلم الغربي القائل بأن الحياة لعبه والمرأة تمثل دورا فيها .
(( لك بعض النواحي المدهشة يا هراكليون . نحن سائران على طريق تبادل المعرفة الواحد عن الآخر))




قطع خبز بالزنجبيل والعسل وقدمها لها قائلا:


(( من المحتم أن يعرف أحدنا الآخر . كلي هذه من يدي دون أن تتأكدي من أنها مسمومة أملا ))




تناولتها شاكرة . وذكّرتها هذه القطعة بقصة الحلوى في الهليكوبتر. وامتدحت طباخه عندما أكلت منها وقالت :



(( طباخك ممتاز . وأنت تحب أطايب الأكل ))




(( أحبها ، وإذا كانت في متناول يدي الآن فذلك بفضل العناية الإلهيه وعرق جبيني . وعلى الإنسان أن يكتسب الأشياء الحسنة لا أن تقدم إليه على طبق من فضه . ولا يجب أن ننسى أن أفضل عسل في العالم يأتينا من النحل البري العائش في أجمات اليونان . وفي ربيع تلك الأنحاء تكون الأرض مفروشة بشقائق النعمان وزهرة الريح والأعشاب المزهرة ، وحيث يدوس الإنسان بقدمه تفوح رائحة الأعشاب العطرة . وترين جمالا حتى في الأماكن القاحلة حيث تهدمت الأبنية التاريخية وواجهاتها المزخرفة وتساقطت رؤوسها السوداء وأصبحت غباراً ))




(( أظن انك تحب بلدك ))




(( آه ، حب الوطن . لن اقبل لوطني بديلا بالرغم من الخلافات وعدم الاستقرار فيه . لا أحيا او أموت إلا في بلدي ))




كانت تغتنم كل فرصة لتعرف المزيد عن زوجها . قالت :


(( أطلعني على شيء من عاداتك وعرفكم ))




إذاعرفت شيئاً عن بلده ربما تعرف أشياء عنه . فلا يكفي أن تكون بين ذراعيه . غايتها أن تنفذ إلى قلبه و روحه ، ما وراء هذا الجسم الصلب الذي تلتحم به وتفشل مع ذلك في إزالة الحاجز القائم في أعمق أعماقه .




رماها بتلك النظرة الساخرة المؤلمة التي اعتادت عليها ، وتناول قنينة شراب معدني وصب منه في قدح من البلور الصافي ، فأخذ الشراب يتراقص كاللآلئ الصغيرة في فقاقيع الهواء الخارجة من وشرب كفايته.





(( إذاً يهمك معرفة شيء ما عن نوعية الرجال الذين أنا منهم . اشرب هذا على صحتك ! ))




صبت لنفسها من الماء المعدني وكررت تمنياته باليونانية بلكنة انكليزية. واسند ظهره إلى كرسيه مادا كلتا يديه على المائدة وهو ينظر إليها وقال :


(( الكثير من عاداتنا قديمة قدم الزمن وهي ما تزال حيه . نتمسك بها لأننا شعب كأرضنا، خشن وصبور ، لنا قسوة المرمر بقلب من نار . والمولود البكر الذكر في كل عائلة يعرف أن طريقه في الحياة أقسى وأشقى من طريق إخوته وأخواته . وعلية تقع مسؤولية حمايتهم وتوفير حياة مريحة لهم . أما فتياتنا فيكبرن مع الفكرة الراسخة فيهن أن كل واحدة منهن ستشارك رجلاً في بنا البيت وفرحتهن الكبرى هي عندما يلدن ولدا . نحن لا نحترم الألقاب والتقليد الأعمى لما هو شائع . نحن نحترم النجاح وحدة . وشعورنا وأحاسيسنا عميقة وأكثر أمانه وإخلاص من أحاسيس الغرب السطحية المنمقة . لا تنزل دمعتنا سهلة لأننا واقعيون ونعرف أن الحزن جزء من حياة الروح البشرية . سترين كيف أن الرجال في غالبيتهم العظمى يحملون مسبحة بين أصابعهم الخشنة . نحن نسميها مسبحة الهموم وهذه ورثناها عن عادات قديمه وهو يعد همومه يعد أيضا حبات غيرها هي حبات البركة))




حمل قدح الماء وكان ينظر إلى فنّي من خلاله وأصابعه تتلاعب به ، وابتسمت عيناه لانتباه فنّي التي تستمع إليه بكل حواسها كالطفل يتبع حوادث قصه مثيرة. قال هراكليون:


(( أنتي تذهلينني . هل تعرفين الأسطورة التي تقول بأن افروديت ، رمز الحب ، تجدد طهارتها في البحر؟ كلما نظرت إليك أرى فيك وهم الأسطورة..... عسل في شفتيك وأصابع رشيقة لم تغرز أظافرها في لحمي بعد ))




(( مع كل أمنياتك في الحياة لن تجعل مني تلك المبتذلة التي تريدها . هل كل شيء لليونانيين ابيض على اسود بدون أي لون آخر بينهما ؟ هل أحكامك منقوشة على لوحة من حجر ؟))




(( في الحياة البشرية قام شهداء وسحرة وكانوا وهم يحرقون أحياء يؤكدون براءتهم حتى النفس الأخير . قد تكونين شهيدة او ساحرة ، سأتمتع بلعبة اكتشاف ذلك . الست مثل تلك الفتاة التي قاومت الأسد ؟ هل اعتقدت يا مخادعه انه من السهل عليك العيش مع يوناني وتحويله إلى أحمق يتعلق بحب شعرك الذهبي وجسمك الرشيق ؟ إن ذلك لمن أصعب الأمور))




(( لم يرد إلى ذهني أن العيش معك سهل ))




تضايقت من إطالة نظره إلى فتحة الفستان تحت عنقها ، فنظره وقح يدل على انه سيتصرف بها كما يتصرف بثمرة يقطفها من شجرة . هذا رجل لا يغازل المرأة بكلام معسول او برقه ليلطف من خوفها. شعورها بالنسبة إليه ينحصر في إبقاء الثمرة مكانها او قطفها لابتلاعها
اسمعي ما سأقوله لك . أنت لا تتذللين أمامي ، بل تتحدينني . هل تحديك هذا هو الأمل أم اليأس بعد أن وجدت أن زوجك الثري صعب المراس ؟ ))




(( انك تضحكني حقا . الغبي وحدة يعتقد انك سهل الانقياد . جسمك ليّن ولكن عقلك صلب . أنت كحد السيف الذي يجرح بسرعة ولا تشعر بالنزع الا بعد ذلك بثوان ))




(( نزع ؟ ))




مد يده على علبة من خشب الأرز واخرج سيكارة منها وأشعلها.


((هل يضايقك دخان السيكار ؟ ))




(( وهل يهمك أمري إن تضايقت منه ؟ ))




(( لست متواضعة وبسيطة كما تحاولين إيهامي ، اعتقدت بذلك مرة في السابق، غير أني اكتشفت أن مظهرك الخارجي المتحفظ والمتواري ما هو إلا قناع تختفي وراءه فنّيلا الحقيقية لتبرز في الوقت المناسب . وفي ظني أني بدأت افهم تلك الفتاة الحقيقة صاحبة التمشيطة البسيطة والتي تخفض عينيها خجلا . فقد مثلت دور البنت العازبه المتخفية وراء عدم الاكتراث بالرجال تمثيلاً بارعاً ))




(( هذا صحيح!))




بدا ظل من العذاب في عيني فنّي لا يستطيع غيره إثارته كما لا يستطيع غيره إيلامها لأنه الشخص الوحيد الذي تعلقت به . الرجال ؟ كانوا ظلالا في هامش حياتها ، عديمي الشأن وغير مرغوبين . وفي النهاية عندما استجابة لنداء الحب جلب لها هذا الحب الآلام والمذلة بدل النشوة والسعادة .




(( كنت عزباء ، ولكن الم يجد الرجال فيك جاذبية كما وجدوا في بينلا ؟ ))




(( لم أعطي بالاً مطلقا لا لجاذبية بينلا ولا لجاذبيتي ، ولم انظر إلى الرجال على أنهم شيء يجب الجري وراءهم....أمور كهذه كنت اتركها لبينلا))




تجهم وجهه وسألها :


(( تعنين بذلك أن بينلا تحب المغازلة ؟ وإذا لم تكن بهذه الجاذبية في شعرها اللامع وطبيعتها المشعة لما لفتت الأنظار . ومن الطبيعي أن يتغاضوا عنك عندما يرونها هي))




(( وهل اعتقدت جديا باني كنت أتأثر بذلك ؟ ))




لم تحسد فنّي ابنة عمها على ذلك ولم تفكر في مجاراتها أبدا. وهي الآن تسخر ممن كان يظنها تريد لنفسها ما تحصل عليه بينلا . عاشت في بيت عمها لأنهم رحبوا بها مرغمين وبدورها أرغمتها بينلا على سماع القصة تلو القصة عن مآثرها الغرامية وانتصاراتها على الرجال ، او خذلانها في المقاعد الخلفية للسيارات . وسئمت فنّي من كل هذا وفكرت في استئجار شقة صغيرة . إلا أنها لم تفعل ذلك لاستحالة الحصول على شقة تلائمها في حي محترم . فلازمت غرفتها الموجودة على سطح المنزل وكأنه عزاؤها الوحيد أن المنظر من هناك يشرف على حديقة الورود وأنها تعيش فيها مستقلة بوحدتها ولها عالمها الخاص.




دام هذا الحال دون أي تفكير إلى أن التقت بهراكليون مفراكيس في بيت عمها فعكر عليها صفاء قلبها . واضطربت مشاعرها عندما بدأ هذا الرجل الذي لم يعرها اهتماما يدخل أحلامها في المنام واليقظة بينما كانت بينلا محور نظراته وانتباهه .




(( اعتقد انك كنت تتأثرين في الحقيقة وأضعت الفرص إلى أن أتتك فرصة اختطفتِ فيها ما تخلت عنه بينلا.... وهذه هي نقطة الخلاف التي ستظل تسمم جو حياتنا وتجعل مذاقه مراً))




لم تجد ما تقوله إذ توجد في كل ذلك حقيقة مرة لا تنكرها، ولكي تدخل إلى قلبها بعضا من قوة المجابهة أخذت تتلهى بقضم شيء من الطعام ولكن ذلك كله لم يكن يفيدها كثيرا . كانت كمن يمشي على الماء . ثلاثة أشياء لا تنسجم معاً في غرفة النوم ، الهدوء وتكتكة المنبه ودخان سيكارا .




وأحست بثانيها يضرب أعصابها وبثالثها يدير رأسها ، ولكنها رأت أن تكتكة ساعة المنبه تلهيها نوعاً ما عن تعاستها المتجسمة في رأي هراكليون فيها والذي أصبح راسخا في رأسه كالاسمنت لا يمكن إزالته. وأملها في إزالته كأمل إبليس في الخروج من الجحيم ، ونظرة إليه تكفي لان تكشف عن تصلبه في هذا الرأي. وكلما حاولت أن تكشف من وجهه ما يدل على مافي قلبه برز لها وجه مقنع لا حركة فيه. ولكنها تعرف أن كل فكرهِ متجه إلى بينلا ومرحها وطلاقتها.

 
 

 

عرض البوم صور زونار   رد مع اقتباس
قديم 06-05-09, 06:08 PM   المشاركة رقم: 12
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: Nov 2008
العضوية: 103835
المشاركات: 336
الجنس ذكر
معدل التقييم: زونار عضو سيصبح مشهورا قريبا جدازونار عضو سيصبح مشهورا قريبا جدازونار عضو سيصبح مشهورا قريبا جدازونار عضو سيصبح مشهورا قريبا جدازونار عضو سيصبح مشهورا قريبا جدازونار عضو سيصبح مشهورا قريبا جدا
نقاط التقييم: 502

االدولة
البلدKuwait
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
زونار غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : زونار المنتدى : روايات عبير المكتوبة
افتراضي

 

أمضى حياته في شقاء وجد ولما أرسلت له الشمس شعاعا في شخص بينلا تشبث به بكل قواه . وفي اللحظة التي كاد أن يمتلكه افلت من يده واتت فنّي لتقف في طريقه فحالت بينه وبين اللحاق بابنة عمها إلى نيويورك .




هراكليون يوناني أولا وأخرا ومهما عظم تلهفه إلى امرأة فان ذلك لايؤثر في احترامه للشرف والكرامة الشخصية والإخلاص للشرائع . فالزواج رباط مقدس ، وقد يتلهف شوقا إلى بينلا ولكن فنّي هي الزوجة الوفية المحبة التي يعاملها بالمثل أمام الناس . رغم أن الأمر يختلف كلياً في حياتهما . كان هراكليون واقفاً يدخن سيكارا وعيناه ترميانها بسهامه النفاذة ، ويبدو انه عازم على عمل ما ، فأطفأ سيكاره وقال :


((هل من الضروري أن تعطي وجهك شكل وجه الملاك الكئيب ؟ تكفيني مشاكل البيت وهموم العمل ، فابتسمي وتحملي)).




(( لماذا تتخذ مواقف كلها تصنع لا تظهرك في خلقك الأصيل ؟ ))




إنها تحبه وتكرهه معا لخشونة معاملته لها وتود لو تصرخ في وجهه لتقول بأن بينلا لم تكن ملاكاً كما يتصور.




(( تؤدي بي مواقفي هذه إلى الاحتفاظ بك والإبقاء عليك سليمة دون أن اقصف رقبتك ))




(( انك متعلق بتكرار هذا النوع من التهديد ياهراكليون . نفذه إذاً ))




(( تنفيذه يغريني ، صدقيني ))




رأت الغضب في التصاق شفتيه بأسنانه ثم انفرجتا عن ابتسامه هازئة لتزيد من وزن كلامه .





(( أكرهك وأنا مالك لأعصابي فقط ، ولكن عندما أفكر فيما قمت به لتحتالي علي يتملكني سرور لا يوصف بأن أمد يدي وألوي رقبتك . وكما أفهمتك سابقاً لا استفيد من وزه ميتة ))




اقترب منها ورفعها بعصبيه جعلتها تترنح .


(( ماذا دهى رجليك ؟ ))




أزاح حمالات ثوبها عن كتفها ودفن رأسه عند رقبتها الناعمة وقال :


(( أنت شيطان ابيض الجلد مخادع ، ولكني أريدك! أنت امرأة ووجودك هنا معناه أنني هذه الليلة بالذات على ارض جزيرتي حيث النجوم تشع ناراً والهواء يعج بالحياة....هنا سيخرج إلى النور ابن اليونان ، ابن هراكليون . هل فهمتِ قوة قولي ومعناه ؟ ))




فهمته واستوعبته ، وولادة صبي له تعني نهايتها هي ونهاية حياتها الحلوة المرة بجانب هراكليون على جزيرته. تولَتها رغبة جامحة في مقاومته وبدأت تعاكسه وصرخت قائله :


(( لا ياهراكليون. أرجوك ، اتركني! أرجوك ، أتوسل إليك! ))




(( توسلي ما طاب لكي ولكني لن أتركك))




حملها بين ذراعية بحركة وحشيه ومشى بها.... ولكنها قاومته بكل قواها وكانت تضربه بقبضة يديها وتحاول أن تصده عنها بكراهيته والاشمئزاز من تهكمه فيمل منها ويتركها وحدها . وهكذا لا يصب كل اهتمامه على الشيء الوحيد الذي سيفصل بينهما لا لليلة واحدة بل دائماً.... وهو إنجاب ولد له .




(( أنا...أنا تعبه جدا . أريد أن أنام.... ))





(( تعبه ؟ قد أكون عديم التفكير شرساً ، ولكنك اخترت هذا الطريق بنفسك ولا تلومي إلا نفسك ))




مسحت دموعها بقفا يدها وقالت :


(( اعرف ذلك . لماذا تذكرني دائماً ؟ ارتكبت خطأ جسيما ويجب أن أدفع الثمن ))

رفع وجهها إليه ورآه في ضوء المصباح فتياً جدا ولكن بلا روح . وكانت الدموع تسيل وتبلل شعرها عند صدغيها . أما شفتاها فدلتا على الم كمين لم يشك في صحته .




(( تدفعين الثمن بطريقة او أخرى . ولكن يبدو لي هذه المرة انك لا تمثلين ، فإن خوفك ودموعك حقيقة وأنا لم أجبر امرأة في حياتي ))




نهض من السرير وارتدى عباءة النوم وقال :


(( نامي لوحدك..... هذه الليلة . طابت ليلتك ))




لم تتمكن من الرد عليه لألم في حلقها . أطفأ هراكليون النور ورأته ينسحب كطيف ويدخل إلى شقته من الباب السري . دفنت فنّي رأسها في الوسادة وأخذت تئن من عذاب في الذهن وألم في الأعضاء . واعتبرت انسحابه بهذه الصورة هزيمة لها لا نصرا . المحزن في هذا أنها تحب شخصا ينظر إليها كسلعة لا أكثر ولا اقل . ويحز في قلبها أنها تحاول المستحيل لتبعده عنه ا. النتيجة هي الفراق لا غير.




وارتعدت لمجرد التفكير في أنها قد تكون حاملا الآن لأنها استسلمت له مرتين منذ زواجهما . أما هراكليون فأصبح على يقين من أنها تكره اندفاعاته العاطفية . تنهدت ونادته هامسة . وأحست بحاجتها إلى يديه الخشنتين اللتين تتلمسانها كأنها شيء ثمين ، والى عاطفته الجياشة التي تصل إلى حد الجنون ورغم ذلك لا تتسبب له في أذى .




استولى عليها قلق شديد ورغم ضعف جسمها نهضت من فراشها وانتعلت خفها المطرز بطيور وفراشات من حرير. وتوجهت إلى الخلوة فاستندت إلى إفريز الشرفة . وبدت لها النجوم قطعا من الفضة البراقة او جواهر لا تطالها يد إنسان...وفاحت رائحة البرتقال والليمون في أرجاء الحقول فاختلط برائحة الغار...وكان ينبت بكثرة في حديقة القصر الواقعة تحت الخلوة مباشرة.


وبينما هي واقفة هناك كتمثال من المرمر كان يأتي إلى سمعها صوت قيثارة يعزف أنشودة يونانية للأطفال . شغف أذنيها هذا اللحن الحنون ترى من الذي يعزفه ؟ هل يعزفونه لطفل زونار المحروم من الأم ؟

ملا اللحن سكون الليل بسحره ، وعندما توقف شعرت فنّي بوحدة غريبة وبانفصال كلي عن العالم بعد أن عاشت لحظات اللحن وخيل إليها أن هذا اللحن العذب الذي يعبر عن أفراح وأتراح عائلة مجهولة شاركتها حياتها عن بعد...إنما يذكرها بانفصالها وحسب.




أخذت الآن بعد أن انفردت بنفسها تفكر بقلق في المستقبل...وسط هدوء الليل الذي لم يعكر صفوه إلا تلاطم أمواج البحر . ويبدو انه قدر لها أن تعيش لتأتي إلى هذا المكان المسمى بتالدوس ، دون هاجس ينذرها مقدما بان عليها أن تدفع ثمنا باهضاً مقابل تحقيق حلمها. إنها تذكر كلام هراكليون الساخرعندما قال لها :(( ليس الأمر هينا كما تصورت...انك ستخسرين هذا الزوج اليوناني)).




هل كانت تأمل حقا أن تلقن زوجها الحب ؟ إذا كان هذا صحيحا فأملها هذا لم يتحول إلا إلى عبء ثقيل على قلبها . وبينما يعاشرها هراكليون بجسمه كان يناجي بينلا في نيويورك بفكره وقلبه.





عادت إلى غرفتها وانسلت تحت غطاء السرير دون أن تضيء النور. ودعت الله أن يمنحها جزءاً من السعادة...ولكن دون ان تؤمن بأنها تستحق ذلك . فكما لم تلائمها أحذية بينلا...كذلك المكان الذي تحتله الآن ، يرفض أن يعطيها الراحة المشتهاة . لا يستوعبها تماما. والنتيجة هي أن الحذاء الزجاجي لم يكن بمقاس سندريلا . لملمت نفسها في فراشها أخيرا...وشيئا فشيئا استسلمت لموجة من الأوهام أخذتها بعيدا عن كل شيء.







( نهاية الفصل الرابع )

 
 

 

عرض البوم صور زونار   رد مع اقتباس
قديم 06-05-09, 06:11 PM   المشاركة رقم: 13
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: Nov 2008
العضوية: 103835
المشاركات: 336
الجنس ذكر
معدل التقييم: زونار عضو سيصبح مشهورا قريبا جدازونار عضو سيصبح مشهورا قريبا جدازونار عضو سيصبح مشهورا قريبا جدازونار عضو سيصبح مشهورا قريبا جدازونار عضو سيصبح مشهورا قريبا جدازونار عضو سيصبح مشهورا قريبا جدا
نقاط التقييم: 502

االدولة
البلدKuwait
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
زونار غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : زونار المنتدى : روايات عبير المكتوبة
افتراضي

 

-حياة مليئة بالتحدّيات...









اعتادت فنّي على حياة القصر في الأسابيع التي تلت وصولها إلى الجزيرة ، ومع مرور الأيام وجدت متعة في هذا القصرالأبيض الواقع على قمة تل يطل على البحر... حيث الطقس الرائع لم تشهد له مثيلا في حياتها...والبحر ذو الزرقة الصافية يبعث الأمل في قلوب أكثر الناس تشاؤما ، وفنّي ذاتها لا تشكو من ضجر او حزن تحت أشعة الشمس الإغريقية ، سيّما وأنها الآن زوجة هراكليون مفراكيس المقبولة من قبل الجميع.




أما زوجها فعامل لا يكل ولا يمل وكم من مرة يطير بالهليكوبتر في صباح يوم باكر ولا يعود إلا بعد بضعة أيام...لانشغاله بأعمال في أثينا او قبرص و أحيانا في اسطنبول .




وغالبا ما يرافق زونار في سفراته فتبقى إدارة الجزيرة في يدي ديمتري القويتين الرصينتين . ولكن ديمتري هذا لم يهضم بعد فكرة قبول فنّي في حياة العائلة . أما زوجته فقد وجدت فيها امرأة من الطرازالحديث ظريفة جدا ولكن متبرمة تنظر إلى فنّي بفضول . وهذه الزوجة ، واسمها أدلينا ، لم تصادق فنّي تماما ولكنها أبدت استعدادها لمعاشرتها أكثر من زوجها .




مضى على زواجها من ديمتري خمس سنوات ولم يرزقا بطفل...إلا أنها تعترف لفنّي أنها تفضل هذه الحال على عناء تربية الأطفال وزوجها لم يتذمر من عقم امرأته التي يحبها حبا جما، لذا لم يفرض عليها حقه في صبي تنجبه كباقي اليونانيين .




وقالت بصوتها الحالم :



(( إنهم يبالغون كثيرا في تمجيدهم لام الأولاد . وهذا الأمر وحده يشوه صورة الرجل اليوناني ويحوّل أنظاره إلى الأولاد فقط)).




ابتسمت فنّي مجاملة ولم تبد رأيها . فهي تعرف مخاوفها السرية من إنجاب طفل لهراكليون .. لذلك فأدلينا آخر امرأة تأتمنها على سرها.




و(اليكو) ابن زونار بهجة الأنظار ولكن مربيته تحب الاستئثار به وتظهر درجة ولو صغيرة من العداء لفنّي . وربما راودتها فكرة أنها قد تكون واقعة في حب زونار وهو شاب جذاب جدا.





وبالرغم من تمتعها بالعيش في القصر الأزرق فحياتها فيه مليئة بالتحديات. ولكنها لا تبالي بذلك . لأنها لا تريد الظهور بمظهر الانهزامية المقهورة أمام هراكليون الذي لا يحبها . هناك بارقة أمل في أن يلين ويغير معاملته لها ولكنها تعرف أن أملها هذا ريشة في مهب الريح ومع ذلك تتمسك به . وإذا تخلت عنه لن يكون مستقبلها إلا فراغا مظلما لا تدخله الشمس .





تبدأ حياتها اليومية بالنهوض من نومها وسط جمال طبيعي أخّاذ يعطره أريج الليمون . وتستغرق في النظر إلى الأيقونات او سماع صوت الهليكوبتر وهي تترك المطار حاملة هراكليون الذي يسافر دون كلمة وداع ، ولكنها تتقبل ذلك بشهامة وتدفن انزعاجها في ثوب الحرير الصيني المفضل لدى بينلا والذي يلائم شقرتها الفاترة .




بعد تلك الليلة الأولى في القصر اخذ هراكليون يتجاهل مزاجها فكان يأتي إلى غرفتها ويخرج منه حسب هواه . وافهمها ذلك بقولة في صوت حازم :


(( أنت زوجتي ، ولا تتوقعي أن اعتبرك صورة عزيزة علي لأقبلها وأعيدها إلى مكانها . أنت امرأة ويتوجب عليك أن تتعلمي كيف تقدمين البهجة والسرور لي أردت أم أبيت)).




وهكذا وبالرغم من سر مخاوفها ، على فنّي أن تتقبل ما يخبئ لها القدر... فبعد سبعة أسابيع على قدومها إلى القصر الأزرق عرفت أنها حامل من هراكليون . ولكنها لا تريد أن تطلعه على ذلك وعزمت على كتمان السر أطول مدة ممكنة ما دام هو يقصيها عنه ، لأنها تتعلق بخيط واه من الأمل في انه قد يعفو عنها يوما ويستبقيها زوجة محبوبة ومكرّمة . وإذا أرادت أن تستمتع بحياتها على هذه الجزيرة قدر ماتستطيع ... فمن اجل المخلوق الصغير الذي ينمو في أحشائها .





وكلما نظرت إلى المشاهد الخلابة أحست بشعور عاطفي يجيش في صدرها ونشوة تعتري حواسه فجأة . والعبير النفاذ يملا الهواء ويفعم حتى مسام جسمها . وعرفت فنّي لماذا سمو الجزيرة بتالدوس ... فأغصان الأشجار تعج بالفراشات ذات الجمال الهندسي الذي لا يوصف ، وكلما حركت الريح غصن شجرة طارت هذه الفراشات في باقة ساحرة من الألوان كما لو كانت أجنحتها مرصعة بالجواهر .




قلبها ينتشي بالجمال حتى أنها تقول بنفسها بان الحياة هنا مهما كانت صاخبة جديرة بان تعاش وسط الطبيعة وسنة واحدة تساوي العمر كله .


لبست ثوبا قطنيا فضفاضا ونزلت حافية القدمين تحمل صندلها بيدها إلى بيت صيفي بني على الطراز التركي فوق صخرة مرتفعة عن الشاطئ .


ويتكون أثاثها من بضع طاولات ووسادة ضخمة تستعمل ديوانا وتغطي أرضيته سجادة مشغولة باليد تنتثر عليها جرار من خزف مزخرفة بمختلف الصور والرموز . كانت فنّي تجد في هذا المكان راحتها الوحيدة . وكلما غاب هراكليون عن البيت كانت تقصد محلها المفضل فتقضي ساعات طويلة تصغي إلى الموسيقى اليونانية وغيرها، وتقرا المجلات الإنكليزية التي يأتي بها زوجها من أثينا ، وتراقب طيور النورس والشاهين . وغالبا ما تبقى هناك حتى الغسق ثم تنزل إلى الشاطئ للسباحة في برودة الشمس الغاربة. وكانت افروديت رمز الحب في الأساطير اليونانية تسبح في الماء لتستعيد عفتها...
تعتبر فنّي هراكليون رفيقا لها لأنه لا يتبع مسلك الأزواج في علاقته بها. فهو لا يطلعها مطلقا على أعماله ونشاطاته ولا مخططاته للمستقبل . ماهية إلا وصلة في حياته كما يؤكد لها ذلك كلما تمدّد بجانبها ونال منها مآربه وأحيانا يضيف قائلا:
(( قد افتقدك يا مزيفتي الصغيرة عندما أتخلص منك فتذهبين لترتمي في أحضان ثري تجعلين منه غبياً آخر يليق بك)).
في ظروف كهذه تحاول ألا تدخل معه في جدال..لأنها لا تكون إلا كمن يضرب بيديه في الجدران .
ووجودها في القصر ينحصر في استقبال القادمين وتلبي طلباتهم، كما في أية محطة وهراكليون يرحل عن القصر عندما تدعوه مشاغله وعندما يعود يأتي إليها لحاجته ثم يتركها إلى إحدى كبريات المدن حيث قد يجد امرأة أخرى تنتظره وتفهمه أحسن مما تفعل هي وبين كل سفرتين تسبح في ماء البحر تحت النجوم المتلألئة الساحرة لتخفف من ضجرها وآلامها كثيرا ما تكون احتضارا لا تتحمله ولا يبعدها عن هذا الوضع المؤلم صوت الهليكوبتر وهو يقترب من القصر وسط أضواء ساطعة تنير له الطرق . وعندما تستلقي فنّي على ظهرها وتتمتع بمنظر الهليكوبتر التي تقوم بدورة او دورتين كمناورة للهبوط . وقد عاد زوجها من رحلته الأخيرة قبل الموعد المحدد . مع أن زونار قال لها قبل الرحلة أن عليهما حضور مؤتمر في قبرص .

لم تتحرك فنّي من مكانها كعادتها في كل مرة او تهرع لاستقباله كأي زوجة محبة. ظروفها لا تسمح لها بإظهار ما يكنه قلبها من حب. هو الذي يفرض عليها المظاهرالخداعة أمام أخويه وأمام الناس .


كانت جالسة على رمل الشاطئ ويداها على ركبتيها تنظر إلى أمواج البحر عندما سمعت وقع أقدام على الحصى تتجه نحوها. فتسارعت ضربات قلبها لعل القادم يكون هراكليون وقد أتى بحثا عنها، وظلت تحدق في البحر متظاهرة بعدم المبالاة. وكانت تتلهف بكل جوارحها أن يكون هو القادم لا غيره، وأخذت تستنشق الهواء بقوة لتريح أعصابها.




ولكنها فوجئت بصوت رجل جهوري يحييها :


(( كالسبيرا ، مساء الخير يا سيدتي ))




خاب ظنها لان صاحب الصوت لم يكن هراكليون كما كانت تأمل. وأغاظها هذا حتى أنها غرزت في جلدها دون أن تشعر . وعرفت في القادم شخص زونار الذي توقف أمامها وابتسم ابتسامة ود . فردت عليه :


(( مساء الخير يا سلفي . عدتما مبكرين ...هل أتيت بمفردك وتركت زوجي يعمل في مكتبه ؟))




وبدلا من أن يرد على ابتسامتها بكلمة لطيفة ظل واقفا دون أن يتفوه بكلمة واحده ، فرفعت فنّي رأسها وتطلعت في وجهه الجميل واستطاعت أن تميز فيه على ضوء النجوم المنعكسة في الماء نظرات صارمة فتوجست شرا، وقفزت من مكانها فأمسكت بأكمامه وسألته خائفة :


(( ما الأمر ؟ هل حدث شيئ لهراكليون ؟ يجب أن تخبرني... أسرع ، وإلا جننت!)).




غطى وجهه العبوس فشابه وجه هراكليون وقال :


((هل انفعالك هذا بسبب ما قد يحل به من سوء؟ هل ستموتين إذا فقدته؟)).




(( يشهد الله على كلامي . طبعا سأموت ! لا تعذبني مثله ! لماذا رجعتما بهذه السرعة ؟ )).




(( وقع لنا عارض بسيط .. بالله عليك لا تستسلمي للإغماء الآن !)).




امسك بها قبل أن تسقط مغشياً عليها . وحملها بين ذراعيه إلى الغرفة الصيفية حيث مددها على الديوان بلطف لم تعهده في أخيه هراكليون . وركع على الأرض بجانبها وأزاح الشعر المبلل عن وجهها واخذ ينظر في عينيها المرتعبتين .




تطلعت فيه وسألته بصوت لا يكاد يسمع :


((عارض ؟ هل أصابه شيء ؟)).




(( نعم... لا تصرخي)).




وضع يده على فمها وتابع :



(( انه قاس كحجر الصوّان اليوناني أغمي عليه من جراء الانفجار ولكن لمدة قصيرة . وأجرى الطبيب له عملية جراحية فاخرج شظايا الزجاج من ذراعه وظهره)).




توقف قليلا ليلتقط أنفاسه ثم قال :



(( كنت على موعد غداء مع .. مع احد الناس ، ولذا لم أكن هناك في مبنى الإدارة الرئيسية عند انفجار القنبلة . وهراكليون كان احد المحظوظين إذ قتل غيره من الرجال او شوهوا وبترت أجزاء من جسمهم))




كان كل جسمها يرتعد ولم تعي ما تقول :


(( يا الهي ، لماذا تحدث أشياء كهذه ؟ لم لا يسلك الناس مسلك المدنية ؟ هذه بربرية...إلقاء القنابل والتسبب في إيذاء الناس لمجرد اختلاف في العقيدة السياسية. أريد أن أراه.... ))




(( انه بخير ، صدقيني . أعدناه بالهليكوبتر وهو الآن في غرفته يستريح . ولا اعتقد انك تستطيعين التكلم معه لأنه يغط في نوم عميق بسبب الأدوية))




(( يجب أن أراه... أريد أن اطمئن)).




وعندما حاولت النهوض لم يترك زونار لها مجالا لتتحرك وابتسم لها ثم قال :


(( أؤكد لك انه كامل الجسم ولا ينقص منه شيء يا فنيلا . وسيعود غدا الرجل الآمر الناهي ولكنك سترينه يتألم من رأسه ويحمل ذراعه في لفائف بيضاء مما يعطيه مظهر الرجل المحارب ، وعندها تستطيعين التحكم به وإرغامه على أن يتبع إرشادات الطبيب وذلك بالاستراحة مدة أسبوع كامل بعيدا عن مشاغله المعقدة ، إني لا افهم حقا كيف يترك رجل امرأة جميلة مثلك على جزيرة لتسبح وحدها في مياه الأيجة وتنفرد بنفسها في المقصورة التركية كإحدى البنات المهملات . لا يليق بك مصير كهذا!)).




((هذا مصيري وأنا لا أشكو منه))




ارتعشت شفتاها عندما تكلمت وخفضت جفنيها كي لا يلاحظ النظرة الماثلة في عينيها ، وقالت:


(( اشكر الله على أن هراكليون لم يتشوه كثيرا...إذا كان ما قلته لي حقيقة يا زونار . انه بخير إذا استثنينا الجروح التي أصابته ، أليس كذلك ؟ )).




(( لا اكذب عليك أبدا )).




تناول يدها ومسح شفتيه بطرف أظافرها ، وتابع يقول :


(( أن أخي جدير بك في بعض النواحي وليس في بعضها الآخر. لا يجب أن يهملك هكذا....))




(( ليس بالدرجة التي تتصورها . كلما هناك انه يحتاج إلى عمله أكثر مما يحتاج إلي . وقد اعتدت على تذمره انه ليس سعيدا برفقتي . لست المرأة التي يحبها...هذا هو الفرق وأنت تعرف ذلك تمام المعرفة ، لا أريده بان يتظاهر بحب لا وجود له ، إذ ليس من طباعه أن يتلون أمام الناس . انه مستقيم عملا وقولا ))




(( لا تقصدين أن تقولي انه يبالغ في نزاهته)).


((لا أحب هذه العبارة إنها لا تنطبق عليه)).

(( لا تنطبق؟ أنا اعرف هراكليون أكثر مما تتصورين يا سيدتي . واعرف مدى بطشه إذا شك في نزاهة شخص ما ، خاصة إذا كان هو المقصود .))




(( كانت لعبتي غشا . ولذا من غير المتوقع أن تكون معاملة هراكليون لي معاملة حب .))




(( ولكن لا أحب معاملته الخشنة لك .))




اختلس نظرة خاطفة إلى جسمها نصف العاري إلا من لباس السباحة .



(( أنت خلقت لحب رجل لايشغل نفسه وعقله وجسمه بعمله فقط كما هو الحال مع أخي . بالرغم من احترامي لجرأته وشجاعته . تستطيعين أن تقدمي أكثر مما يقدمه هيكل جسمك ... )




(( أرجوك يا زونار لا تتكلم هكذا. ..)




(( هذا هو أوان القول وإلا فلا .!))




(( انك تستغل ضعف هراكليون الآن وهذا ليس من الإنصاف بشيء. يجب أن اذهب إليه .!))


حاولت أن تنهض غير انه ضغط بيديه على كتفيها وأبقاها حيث هي ثم قال :
(( ليس الآن . يجب أن تسمعيني حتى انتهي مما أريد أن أقول . أنت تساوين عشرة أمثال من ابنة عمك المتبهرجة . حاولت أن تغازلني ، هل عرفت ذلك؟ وان تغازلني خلف ظهر هراكليون! نويت أن ألقنها درسا قاسيا بضربها .!))

(( هراكليون يحبها والحب خالي من كل منطق ولن يكون فيه أي منطق . والآن اتركني يا زونار قبل أن تتفوه بأشياء قد تندم عليها.))

(( أنا أعرفك يا فنيلا، ولا يصيبني أي ندم على حديث معك .))

وضع يديها بين يديه وضغط عليها وأضاف قائلا :
(( سحرك غريب وتحاولين إخفاءه واسمحي أن أقول لك عيني لم تقع في حياتي على سحر مثله . وأؤكد لك انك تذهبين سدى في حياة رجل يقدم مشاغل أعماله على متعة الحياة وهي احتواء امرأة مثلك .))

أخافها تحديقه بها ونظرة عينيه الخبيثة . قاطعته وصرخت في وجهه قائلة وهي تسحب يدها بعنف :
(( لست من الفتيات السيئات كما تظن ! فبينما تتباهى باحترامك لأخيك هراكليون توسوس لي بأفكار شيطانية ! لقد خاب ظني فيك . فقد كنت اعتبرك سيدا رقيقا .))

(( أهانك كلامي ؟ وجدتك جذابة وأريد إسعادك .!))

(( أنا سعيدة بما فيه الكفاية...وأكثر مما استحق .))

(( هل تعتقدين ذلك ؟ كثيرا ما راقبتك على غفلة منك وأنت تلهين هنا على الشاطئ كالطفل الوحيد . وتقلبين ما تقذفه الأمواج وتنظفين الرمل من صدف البحر، وكل مرة كنت أهم باللحاق بك ولكنني امتنع عن ذلك . ألا يدل ذلك انه يهملك كثيرا؟ حياتك هنا عبودية .))

(( حياتي تخصني أنا لا غيري واعرف ما أنا فيه يا زونار. ولا يحق لك أن تقلب صفحات حياتي وتتقصى شعوري كما تتصفح كتابا او تبحث في زوايا غرفة مغلقة .))

(( اهتم بك كثيرا وهذا ما يعطيني الحق .))

قرب وجهه منها ورأت فيه وجها أثرت فيه أحزان الحياة . له شفتان ممتلئتان وذقن إغريقية ، وعينان سوداوان وشعر اسود فاحم يزيد من خطورة جاذبيته.



تملكها رعب شديد من هذا الرجل الذي يسري في عروقه عشيرة مفراكيس التي لا قلب لها . كيف تتصرف وهي وحدها معه في المقصورة الصيفية؟


(( كما يتلاشى النهار في ظلمة الليل هكذا تلتجئ المرأة إلى ذراعي رجل يريدها بكل قلبه . ونقطة الضعف في الرجل هي حبه للمرأة .))




(( لي القوة أن أتغلب على المصاعب بدون العلاقة الخطرة التي تنوه بها . فقد يضربك هراكليون لأنك تتكلم ... مع امرأته بهذه الطريقة .))




(( بلا شك ، ولن تكون المرة الأولى التي يذيقني فيها ضرباته . هل يمكنك أن تتصوري أن كنت سهل التربية والانقياد؟.))




(( أنت قطعة من إبليس يا زونار . احبك ويحزنني جدا انك تحطم الصداقة القائمة بيننا . لا اصدق انك تريد إقامة علاقة سرية معي . ربما هذه عادة فيك تتقرب بها إلى كل امرأة تتعرف عليها .))




(( قولك هذا خبيث . أنت تعرفين إني أجدك جميلة جدا واعتبرك ينبوع ماء رقراق في وسط حياة كلها رمال حارة . أنا احسد هراكليون حسدا أعمى خاصة إذا كنت تحبينه .!))




ردت عليه بصوت ناعم فيه تأكيد قائلة :


(( أحبه واعتقد أن حبي له سيدوم .))




(( تحبينه بالرغم من معاملته السيئة لك؟ في الكثير من علاقاته بالناس يتصرف هراكليون بخشونة وعدم لياقة ,. والفارق بيننا هو أنني وشقيقي ديمتري نشأنا في ظروف أحسن من ظروفه صقلت تربيتنا . ولولا ذلك لكنا من رعاع الشارع . فقد عمل هراكليون في مصنع الرخام الذي يملكه الآن وهو الذي أنشأ أسطول الزوارق التي تنقل بضاعته إلى المئات من الموانئ . منحه الله قوة الإرادة وقوة إدراك الأمور وهذا كل ما يهمه في أعماله وحياته . وفي ظني أن إعجابه بدفتر حسابات مرتب ترتيبا حسنا اكبر من إعجابه بامرأة ذات شكل حسن . وتقولين انك تحبينه .!))




لم تجب فنّي لا بكلمة نعم . وعادت بفكرها إلى هراكليون فانقبض قلبها لمجرد التفكير في انه قد يكون في حال أسوأ من الحال التي قالها لها زونار.


وفكرت بالجنين الذي تحمله في أحشائها من هراكليون بيديه القويتين الخشنتين اللتين طالما عملتا بكد واجتهاد لإطعام وإلباس أخويه الأصغرين .
(( أنت تدين له بالكثير يا زونار . لا تنس ذلك .))

كيف أنسى ذلك ؟ انه شخصية فذة ، وذو قلب كبيرولكن له طرقا لا يعرف اتجاهها ، كما لا نعرف ما يعبر عنه وجهه فنيأس منه . ولكني قد ارتكب جريمة قتل للدفاع عنه .!))




(( ومع ذلك... أنت تحاول أن توقعني أنا زوجته في هواك .))




(( نعم ، وسيلعنني الناس بسبب ذلك لان امرأة الأخ مقدسة في العرف اليوناني . أنا انجذبت إليك ولا استطيع أن أقاوم ذلك . وأنت من النوع الذي لا يقتحم قلوب الناس ، إلا أن هدوءك وعظمة قلبك استوليا على روحي وتملكاها واطلب دمج روحينا معا .))




(( أرجوك ، لا تحاول أي شيء .!))




(( أنت موسيقى أفكاري تلعبين بأوتارقلبي فتذيبينها .))




(( ولكن هذه الموسيقى مشؤمة ولعينة ، وأنت تعرف ذلك .))




(( حتى الأشياء المشؤمة فيها شكل من أشكال اللذة . فهل سينشأ ابني أليكو على منوالي؟ .))




(( ابنك طفل جميل ولذا يجب أن تكون له والدا صالحا .))




(( آه يافنيلا ، بالرغم من كل شيء ما زالت فيك بعض المزايا الصغيرة ، ولا يثير غضبي أكثر من حب امرأة جميلة لرجل آخر وهي تعلم أني أحبها .))




(( أرى أن اعوجاجك لايصحح .))




وفي لحظة غفلة منه نهضت وكانت الآن خارج المقصورة فأخذت تصعد الطريق إلى القصر ومشى هو وراءها . نثر هواء البحر شعرها حول رأسها وكانت شفتاه ترتعشان قليلا وعيناها تتلهفان لتريا هراكليون وتطمئنا على سلامته من الانفجار. وعندما صار زونار بجانبها لم تر فيه قوة الرجولة التي تبرز في منكبي زوجها ومشيته الحثيثة التي تميزه عن غيره من الرجال . زوجها...هراكليون ، ملقى جريحا من انفجار قنبلة...


جريحا في الفراش . أرادت أن تطير لتصل إليه وترمي نفسها عليه . لاشيء يبعدها عنه الآن حتى ولا طبيعتها الانكليزية المتحفظة . اكتسبت شيئا من حرارة هراكليون منذ زواجها وهذا الشيء يسري الآن في دمها. أصبحت له روحاً وجسدا سواء أحبها أو لم يحبها . وحتى إذا فصل المستقبل بينهما ، فستظل مرتبطةً به كارتباطها بالحياة .




وعندما وصلا إلى قمة الصخور توقفا قليلا ونظرا إلى البحر. وعندما تذكرت أنها نسيت ثيابها في المقصورة الصيفية ولا تعرف كيف ولماذا حاولت أن تغرز قدميها في الرمل وتمنت لو أنها تتحول إلى شجرة تين او شجرة زيتون تغوص جذورها في أعماق التربة.




(( يبدو كأنني أتنفس التاريخ الإغريقي مع كل حركة من أمواج بحر ايجة ، هذا التاريخ المليء بالأساطيروالحقائق حتى يكاد الإنسان لا يميز بين ما هو أسطوري وما هو واقعي . أجد أرضكم فاتنة .))




(( وأهلها؟ وعشيرة مفراكيس بالذات؟ .))




(( مجموعة متغطرسين ، ومعتزين بذاتهم كثيرا .))




(( نحن على صواب . فالصعود من مجاري الشارع إلى قصور فاخرة لا يستهان بها . ومن ينظر إلينا الآن لا يصدق أننا لم نكن في يوم من الأيام من المملوكين .))




(( من يفكر في ذلك؟ انظر، أنت في ثياب كغيرك من الناس والفارق هو انك تحمل ساعة من ذهب وخاتما ثمينا. وهنا في اليونان لا يميز الملوك عن المتسولين إلا الملبس . وجوهكم فقط ممتازة .!))




(( كيف ؟ شكرا وأنا أحب ذلك فيك .))




لاحظت أنها أربكته وانه فقد قليلا من الاعتزاز بالنفس . فأرادت أن تصحح الأثر الذي تركته فيه فقالت :


(( لا تسيء فهمي . أنت بهي الطلعة ولكن هذا لا يعني أني سأرتمي عند قدميك .))




(( أنا لست هراكليون لتفعلي ذلك .))




(( لا هراكليون ولا غيره . انه الحب.))




(( كنت أحب زوجتي يا فنيلا والإنسان لا يحب الموتى . هل يتوجب علي كأرمل أن آكل العشب وأنكر ذاتي ؟ كلا ، لن أذوب في الطبيعة .))




(( ابحث عن فتاة طيبة وتزوج منها ، فان أليكو بحاجة إلى أم .))




(( كل الفتيات الجميلات متزوجات من رجال شرسين . لا افهم كيف يجتذب الرجال الشرسون الفتيات الحسناوات . أنا لست منهم وستجدين فيّ محبا حنونا .))




(( حقا؟ هل تملك شهادة بذلك معلقة في غرفتك تشهد فيها النساءعلى مسلكك في الحب؟ .))




(( جربي تري .!))




عندما وصلا إلى حدود بساتين الفواكه المجاورة للآثار التفتت إلى زونار وقالت :


(( زونار . أريد وعدا منك .))




(( أعدك بكل ما تريدين )).




رفع من طريقها غصن شجرة فمرت من تحته ورأته يبتسم ابتسامة غريبة .


(( أعطني وعدا صادقا بأنك ستتخذني صديقة لك وامرأة لأخيك . لا أريد مغازلات او مداعبات .))




(( هل سبب ذلك انك تجدينها مقرفة أم خطرة؟ .))

 
 

 

عرض البوم صور زونار   رد مع اقتباس
قديم 06-05-09, 06:13 PM   المشاركة رقم: 14
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: Nov 2008
العضوية: 103835
المشاركات: 336
الجنس ذكر
معدل التقييم: زونار عضو سيصبح مشهورا قريبا جدازونار عضو سيصبح مشهورا قريبا جدازونار عضو سيصبح مشهورا قريبا جدازونار عضو سيصبح مشهورا قريبا جدازونار عضو سيصبح مشهورا قريبا جدازونار عضو سيصبح مشهورا قريبا جدا
نقاط التقييم: 502

االدولة
البلدKuwait
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
زونار غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : زونار المنتدى : روايات عبير المكتوبة
افتراضي

 

(( أنت تعرف مدى خطورتها . أنا ملك لأخيك.))




(( من قمة راسك إلى أخمص قدميك يا امرأة أخي؟ .))




(( اجل ))




اعترفت بذلك وهي تشعر بان هذا الامتلاك أثمن شيء لديها.




(( تابعي حياتك هكذا وستصبحين أمّاً في فترة وجيزة ))




(( أحقا ماتقول؟ )).




(( هذا واقع زوجات اليونانيين . هل هذا ما ترغبين فيه أكثر من أي شيء آخر؟ )).




لا ليس أكثر من أي شيء آخر! هل تريد ولدا يفصلها عن زوجها إلى الأبد؟ وضعت يدها على بطنها ، كان الشيء الذي سيفصلها عن ليون موجودا هناك ينمو يوما بعد يوم وانه جزء لا يتجزأ منها ويبقى لها إذا هي تخلت عن زوجها باختيارها وإلا سينتزعه منها إذا بقيت. هي تعلم أن جنينها صبي لان رجال مفراكيس لا ينجبون إلا صبيانا على شاكلتهم عصاميين وأشداء.




(( تعالي يا ساحرتي الحزينة. دعيني أرافقك إلى القصر))




تأبط ذراعها ولم تسحبها منه . لقد صنع هراكليون من أخويه رجلين مهذبين يعرفان انه سيقتلهما إذا فقد ثقته بهما . وتجد متعة في الحديث مع زونار لأنه الوحيد الذي لم يحكم عليها بأنها دخيلة .




(( يعتبر اليوناني ابنه مشعلا يضيء طريقه عندما تنطفئ شعلة حياته ، ومن الأهمية بمكان أن تكون الزوجة أمّا لولد زوجها ، وأنا على يقين من أن هراكليون سينسى تحايلك عليه لتتزوجيه... هل هذا ما تريدين؟ )).




زوجها ينسى ؟! ارتعشت عندما وضعت قدمها على عتبة القصر ودخلت البهو الكبير الذي يضيئه المصباح البرونزي كما يضيء أقواس منافذه .




(( أسرعي وغيري ملابس الحمام . أسرعي! )).




كان زونار يراقبها وهي تصعد السلم . وفجأة توقفت والتفتت إليه . وابتسمت له ابتسامة امتنان لأنه كان يجد في صحبتها بهجة له ، وأرفقت ابتسامتها له بكلمة لطيفة :


((أنت ترفع من معنوياتي))




(( لا من مسلكك ))




بادلها ابتسامة جذابة لها معنى وهو ينظر إلى جسمها الذي لم يختلف لونه عن لون العسل الأشقر.




وفيما هما كذلك سمعا صوت المربية تنادي سيدها زونار . ففوجئا بظهورها قريبا منهما بلباسها الأسود الأنيق وياقته البيضاء المنشّاة . وشعرا بالذنب عندما تحولا بنظرهما إليها . فتوجهت بالكلام إلى زونار متجاهلة كلام فنّي قالت المربية :


(( سيدي . إن ابنك أليكو لا يرغب في الأكل ... ربما كان ذلك بسبب موجة الحر . ولكن من جهة أخرى ....))




قاطعها زونار وسألها منفعلا :


(( ومن جهة أخرى ؟ معرفة الأطفال إحدى مسؤلياتك ولهذا استخدمناك)).




تجمدت المربية في مكانها ورمت فنّي بنظرة سريعة وقالت :


(( نعم يا سيدي . اعرف مرتبتي في هذا البيت)).




وانسحبت ببطء . وتساءلت فنّي لماذا تكرهها هذه الفتاة حتى تعتبر الابتسامة المتبادلة بينها وبين زونار ابتسامة غير بريئة ! إلا انها ربما اغتاظت لان زونار لم يستقبلها بابتسامة لطيفة تبرهن لها انه يلتفت إلى جمالها او يفكر بها كامرأة .

تعرف فنّي أن الرجال يقسون في كثير من الأحيان ، وتعرف أيضا أن بين النساء من يحقدن إلى درجة التسبب في الدمار . توترت أعصابها وأخذت تضغط بيدها على الإفريز دون وعي حتى نبهها صوت زونار وهو يقول:

(( أسرعي إلى زوجك ))




تركته ولكنها رأت وجهه عابسا قليلا وهو يتوجه إلى غرفة ابنه . عندما وصلت فني إلى غرفة هراكليون دهشت لأنها وجدت الباب مفتوحا . وما إن دخلت حتى توقفت . كانت كاساندرا واقفة بجانب السرير تمعن النظر في وجه النائم .




(( ماذا تعملين ؟ )).




التفتت المرأة بسرعة. وبدا وجهها بيزنطيا أكثر من ذي قبل ، مع الأنف النازل بخط مستقيم من جبينها وشعرها القاتم والجلد الذي حرقته شمس اليونان . هذه المخلوقة التي تتجول في ضوء القمر وهي تتمتم لنفسها او تعزف على القيثارة بأنامل سحرية هي نفس المرأة التي اشتركت في مقاومة العدو عندما كانت تأتي بالطعام والمعلومات والأخبار للثوار المختبئين في الجبال .




((هل السيد بخير؟)).




اقتربت فنّي من السرير ونظرت إلى هراكليون بقلق . هذه المرة الأولى التي تراه فيها بلا حول ولا قوة . كان وجهه مرتاحا وخاليا من تلك التجاعيد التي كثيرا ما أرعبتاها عندما ينظر إليها بشراسة . كانت إحدى ذراعيه خارج الغطاء تغطيها اللفائف من معصمه حتى مرفقه .





مرت بيدها على شعره بحنان وقالت بتأوه :


(( آه يا هراكليون! )).




ولكن هراكليون لم يتحرك . صحيح أن زونار قال إن الطبيب أعطاه دواء منوّما ، ولكن هدوءه التام أقلقها ، بل أخافها . وجفلت فنّي عندما لمستها كاساندرا وتكلمت معها باليونانية . وكانت تعلمتها بسرعة فائقة حتى أن زوجها نفسه مدحها على ذلك بالرغم من لهجته الساخرة . كان يعني أنها عبثا تأمل في البقاء طويلا بين اليونانيين .
قالت كاساندرا :


(( السيد قوي . رأيت أشباهه في الحرب...لهم قلوب الأسود ، وهذه الكنية تنطبق عليه)).




(( ما اعمق نومه ! كم يبدو بعيدا عنا . فانا المسه ولكنه لا يعرف أننا بقربه)).




ابتسمت كاساندرا لفنّي وقالت :



(( هذا يفيده خاصة وانه لا ينام كثيرا . انه يكدح ليؤمن لقمة العيش لعائلته بعمله المتواصل ليل نهار . ولماذا ؟ لأنه كان يتضور جوعا وهو صبي . هل كنت تعرفين ذلك ؟ كان يحرم نفسه من الطعام ليؤمن الغذاء لأخويه. صدف وان عرفته آنذاك عندما وجدني ملقاة على الأرض نصف ميتة فاعتنى بي ببعض ما كان يستطيعه او يقترضه او حتى يسرقه . والناس يحبونه لهذا لا لحسن وجهه . وأنت تحبينه ، أليس كذلك ؟)).




انهمرت الدموع من مآقي فنّي . وفجأة ارتمت بجانب السرير وأخذت تبكي بقلب كسير مطوقة رجليه بذراعيها . وكان إجهاشها في البكاء متقطعا ومتشنجا تأثرا له .. وتحسرا على نفسها لأنها ليست المرأة التي يريد .




كانت كاساندرا في تلك الأثناء تواسيها وتربت على كتفها وتنصحها قائلة :


(( ابكي ولكن لا تتمادي ، من اجل طفلك )).




ثم انسحبت من الغرفة وأغلقت الباب وراءها . إذاً كاساندرا تعرف ! يا لها من امرأة غريبة حقا ، فقد كشفت سرها . يا إلهي! ماذا لو اطلعت هراكليون على سرها ؟




ظلت فنّي جاثمة بجانب زوجها ولم ترفع عينيها عن وجهه . أتاح لها هذا أن تتعرف على كل تفصيل من تفاصيل وجهه وملامحه كما هي .. دون أي انفعال يغير من شكلها . كان يتنفس بانتظام وجسمه خامد كشجرة عملاقه اقتلعت من جذورها وبقيت حية بأوراقها الخضراء .



ولم تصدق أن هراكليون ممد على السرير وهي خارجة إذ لم يصادف أبدا أن استيقظت فوجدته بجانبها . كان نهوضه من الفراش بعد بزوغ الفجر، يتبعه فطور الصباح الذي يتناوله وحده . ثم يقضي فترة من الوقت في السباحة قبل البدء في عمل يومه او رحلة يقوم بها . والمؤلم في كل هذا انه بعد تمضية ليلته بجانبها في السرير لا يظهرعليه مطلقا انه يحتاج إليها في أي شيء آخر غير صحبتها في الليل ورغبته العارمة في تجاهلها بعد ذلك.




إلا أن حياتها التعيسة المليئة بالألم والإتهام لم تؤثر في حبها له . لم يزعج هدوء الغرفة غير تكتكة ساعة الحائط المسرعة بدقائقها إلى الأمام بينما لم تتحرك فنّي من مكانها وهي تستمتع بجو لم يكن هراكليون يسمح به في يقظته . أي أن تنسى عزة نفسها وتستسلم لعواطف قلبها فتكشف له عن حبها العميق وتسمح ليدها أن تتلمسا وجنتيه متى عنّ لها ذلك .




وظلت تمعن النظر فيه وهي تعرف انه لن يفتح عينيه ويفاجئها في هذا الوضع . كانت مطمئنة إلى أن تلك العينين الرهيبتين مغمضتان في الوقت الحاضر لن ترعبها... وقفت على قدميها وتنهدت ، ثم انحنت فوقه وطبعت قبلة خفيفة على وجنته . تململ قليلا فانقطعت أنفاسها خوفا وأخذت تبتعد على رؤوس أصابعها خشية أن يفيق على غفلة ويراها واقفة كالعاشقة المدلهة البلهاء . ولكنه عاد إلى نومه العميق فخرجت مطمئنه وذهبت إلى غرفتها.




وجدت خادمتها تعمل في الغرفة وتحضر لها غرفة الحمام . ابتسمت فنّي لهذه الفتاة وقالت لها بالانكليزية التي تفهمها :


(( بقيت برهة بجانب زوجي )).




كانت الفتاة تعمل في الخدمة لكاتبة أجنبية قبل أن تدخل بيت مفراكيس . اسمها( آن) ويعني أمّا في التركية . كانت مهذبة وذات جلد ناعم وعينين سوداوين . ولما أصر هراكليون على استخدام وصيفة لها سرت بأنه لم يأت بامرأة كأدلينا او أخرى تدفع بفنّي إلى التزين والبهرجة . لأنها تحب البساطة والاعتدال في الملبس والزينة .




سألتها آن إذا كانت ترغب في ارتداء فستان خاص للعشاء . التفتت فنّي إلى دولاب الثياب التي أصبحت ملكا لها مع شبح بينلا ماثل في كل قطعة وقالت :


(( كلا يا آن أريد تناول عشائي في غرفة الفراندا كما تعرفين . لا أريد عشائي رسميا مع العائلة هذه الليلة))




(( فهمت يا سيدتي)).




ابتسمت الفتاة التركية وأخرجت من الخزانة قفطانا طويلا من الحرير وقالت :


(( نحمد الله على سلامة السيد ، ولكن من الحزن أن لا يعيش شعبانا بتفاهم وانسجام )).




(( انسجام ! ما أحلاها كلمة وما أبعدها عن التحقق . لا اعرف ماذا كان يعمل السيد في مبنى الإدارة العامة في قبرص لأنه لم يقل لي انه سيحضر المؤتمر او المحاضرة هناك . هل سمعت يا آن شيئا مما يقوله الخدم او الموظفون بهذا الخصوص؟ )).




لم تظهر آن أي دليل على أنها تعرف او تجهل حقيقة أن هراكليون لا يطلع زوجته على أسراره . أجابت الفتاة :


(( سمعت يا سيدتي أنهم انتخبوه إلى رئيسا إلى لجنة مهمة جدا في قبرص. فالشعب يثق في رجال من نوعه أكثر مما يثق في السياسيين ، وللسيد شهرة في العدل والاستقامة)).




(( هكذا إذاً. لم اعرف ذلك . هل تعتقدين أن له طموحات سياسية ؟))




((لا يعرف للرجال قرار يا سيدتي ، ويقول الرجال أننا معشر النساء سر غامض لا يفهمونه مع أن العكس هو الصحيح في اغلب الأحيان . والرجال لن يقبلوا بالتساوي بين الرجل والمرأة فيما يتعلق بالعقل ، وهم يفضلون اعتبار المرأة أهلا لتسكن البيت فقط فلا باس من ذلك ففيه بعض المتعة)).





دخلت فنّي الحمام وغطست في الماء الدافئ المعطر وهي تقول :


((صحيح . لا يخلو من المتعة . فالنساء بطبيعتهن لا يملن إلى مجابهة وقائع الحياة الصعبة ولاغنى للرجال عنهن . وهذه هي رومانسية حياتهن . هل يعتبرونني جارية السيد ؟))
هل يهمك لو جعلوك في هذه المنزلة ؟))




كان هذا الحديث يجري والوصيفة منهمكة في مساعدة فنّي على الاستحمام ، واستطردت :


(( السيد رجل حقيقي وكل أهل بتالدوس سيقدمون الشكر لله على نجاته من الموت وبقائه حيا من اجلهم)).




تأثرت فنّي كثيرا بهذه الفكرة وقالت :


((هل يفعلون ذلك حقا ؟ هل للسيد هذه الأهمية في أعينهم ؟)).




(( لا تنسي يا سيدتي انه مصدر رزقهم ))




صبت الفتاة سائلا زيتيا معطرا على جسم فنّي وأخذت تدلكها بيديه الناعمتين . وكانت فنّي سهلة الانقياد بين يديها وسعيدة بان ترى أحدا يقوم على خدمتها ويعتني بها هذه العناية . ومما زاد من سرورها اطمئنانها على سلامة زوجها . وفي نظر الناس هي زوجته...امرأة هراكليون...هذا له أهميته الكبرى . احتواها شعور بالسرور والمتعة من عدة نواحي ... سلامة زوجها ، اعتبار الناس لها ولزوجها . لهذا لم ترد أن تفسد هذه اللحظة بتفكيرها في المستقبل ، إذ لا تجرؤ على التعمق كثيرا في المجهول...




(( قولي لي يا آن . كيف يمكنني تقديم الشكر مثل أهل الجزيرة ؟))




(( اذهبي إلى الكنيسة وقدمي شيئا له قيمته مثل ذهب او فضة )).




(( للدلالة على أن الممتلكات الأرضـية لا قيمة لها إذا قارنّاها بالحب بين البشر؟))




(( نعم . هو كذلك )).




خرجت من مغطس الحمام ولفتها آن بمنشفة كبيرة . سألتها فنّي :


(( الكنيسة على سفح التل فوق القرية أليس كذلك ؟))




(( نعم يا سيدتي . لكن لا تذهبي الليلة ، فقد يزعج هذا زوجك)).




(( سأذهب في ساعة مبكرة في صباح الغد بالسيارة الصغيرة))




فكرت فنّي في نوع التقدمة للكنيسة . كل ما تمتلكه من نفائس هو عقد اللؤلؤ وإسوارة افروديت ملكة الحب الطاهرة . ستقدم الإسوارة لأنها لا تعطي أية قيمة للعقد الذي لم تلبسه منذ أن أهداها لها زوجها . أما الإسوارة فإنها تحبها وكثيرا ما تستعملها في المساء . وشعرت بشيء من الأسى لفكرة التخلي عنها. وبينما كانت آن تسرح شعر سيدتها لم تنقطع فنّي عن التفكير فيما عساها تفعل بخصوص الهبة فقالت :


(( هل ما نقدمه يجب أن تكون له قيمة في نفسنا فقط ؟ هل يجب أن يكون شيئا أحبه أنا كثيرا وأحب أن البسه ؟))




(( لا يجب أن تكوني صارمة في تقديرك لهذه الأمور يا سيدتي . فكلما ارتفع ثمن التقدمة زادت الفائدة التي يحصل عليها الكائن من بيعها ))




((هذا يريح بالي وهو منطقي . سيكون عقد اللؤلؤ أحسن تقدمة)).





ابتسمت فنّي وعزمت على تقديم العقد مثل الإسوارة التي قد تكون في يوم من الأيام كل ما تملكه على هذه الأرض . بواسطتها تستطيع أن تتصل به روحيا وعن بعد عندما لا تستطيع الوصول إليه .




(( أشكرك يا آن . يمكنك الآن أن تذهبي سأتعشى على الفرندا تحت النجوم)).




(( أسعدت أوقات يا سيدتي ))




بقيت فنّي جالسة لحظة بعد خروج آن ، ثم فتحت الجارور وأخرجت منه إسوارة افروديت ولبستها لتستمتع بملمسها على جلدها الدافئ . ولكن اغتم قلبها فجأة واخفت وجهها بين يديها عندما غزا فكرها المستقبل المجهول وأهواله. أنها تختلف عن بينلا وغيرها ممن عرفتهن . لم تقع في حب احد كحبها لهراكليون ولن يضاهي حبها لزوجها حبا آخر أبدا...
( نهاية الفصل الخامس )

 
 

 

عرض البوم صور زونار   رد مع اقتباس
قديم 06-05-09, 06:14 PM   المشاركة رقم: 15
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: Nov 2008
العضوية: 103835
المشاركات: 336
الجنس ذكر
معدل التقييم: زونار عضو سيصبح مشهورا قريبا جدازونار عضو سيصبح مشهورا قريبا جدازونار عضو سيصبح مشهورا قريبا جدازونار عضو سيصبح مشهورا قريبا جدازونار عضو سيصبح مشهورا قريبا جدازونار عضو سيصبح مشهورا قريبا جدا
نقاط التقييم: 502

االدولة
البلدKuwait
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
زونار غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : زونار المنتدى : روايات عبير المكتوبة
افتراضي

 

- بدايةالنهاية









مد الخدم طاولة في الغرفة الخارجية التي يضيئها دائما مصباح كهربائي معلق على الجدار يشع منه نور هادئ . كان غطاؤها ابيض ناصعا والأدوات من الفضة ويزين الطاولة إناء صغير فيه أزهار.




كان عشاؤها أكلة يونانية يسمونها موسّاكا وهي تشبه اليخنه عند العرب فيها باذنجان ولحم مفروم وجبن وبندورة مع البيض ورؤوس بصل بحجم الكشتبان .أما التحلية فكانت حلوى بالسكرالمحروق مع الجوز.


تنشقت فني نسيم المساء الذي يحمل أريج الأزهار المتفتحة ، وعلى غير عادتها أخذت تستمتع بوحدتها وانفرادها.




وانتهت من الطعام فوقفت عند الشرفة واتكأت عليها بقفطانها الطويل وخفها المطرز و كأنها أليس في بلاد العجائب . وفيما هي كذلك سمعت وقع أقدام آتيه نحوها . كانت القادمة ادلينا مرتدية قميصا كله ثنيات وتنوره حمراء طويلة. ولما التفتت إليها فني انتبهت إلى تسريحة شعرها المعقوص إلى الوراء والى سحنتها التي يخفق المرء في قراءة تعابيرها.. إذ لا فرق بين هذا الوجه والقناع . وشبهتها فنّي بصورة الخارجه من القبر الفرعوني..




عندما تعرفت على زوجة ديمتري للمرة الأولى تكوّن لديها انطباع بأنها متكبرة ولاذعة... ولكنها وجدت ان فيها خصلة التنكيت حتى في كلامها الذي قد يعتبر مرّاً لأول وهلة...لا تخفي ادلينا عن الناس انها تهتم بنفسها لدرجة كبيرة . ولكن ذلك لا يؤثر في حب زوجها اللامتناهي لها. ومن العبث توجيه النقد إليها طالما زوجها يتقبل ذلك .




وتجد ادلينا ان الحب انفعال غير مألوف كالألم الممزوج بالنشوه ودخلت في الحديث مع فنّي فقالت:


(( اخبرني زونار انك تناولت عشاءك في أبهة خالية من الرفقة ، فقلت لنفسي انه لابأس إذا مكثت معك برهة من الزمن هل يضايقك ذلك؟))




تقدمت ادلينا نحوها بخفة القط وبين أصابعها سيكار. وأضافت تقول :

(( لن أزعجك بحديثي .. وهكذا تضرر جلد الأسد في بعض نواحيه . يمكنك اعتبار حياتك محفوفة بالخطر))

كانت فنّي تزن كلماتها في حديثها مع ادلينا. فهذه الأخيرة لا تزّل في كلامها لشدة احتراسها في ما تقول ، وحرصها على مظهرها وتصرفاتها. وهي تحب ان تكون موضوع حب وإعجاب الجميع، ولكنها لاترد الثناء بالشكر او بكلمة لطف . أما موضوع الحب فهو انه يسبب القلق والهموم والتجاعيد في وجه المحب . ولذا تبتعد عنه قدر المستطاع .




لم تفهم فنّي معنى عبارات ادلينا عن الخطر فقالت :


(( حياتي في خطر؟ لماذا؟ ))




((هراكليون رجل خطر. ورغم كونه مثيرا للاهتمام فهو صعب المراس كأي حيوان مفترس . وأنا اعرف موقفي من زوجي الذي له شكل هراكليون ولكن من دون صفاته الممقوته . فديمتري لا يهتم مثلا باني لا ارغب في إنجاب أطفال له. وارى ان حياتك مع هراكليون حياة اختبارات شاقه . منها لا يتسامح مع من يرفض او من يستعمل كلمة ,لا ))




لم تعلق فنّي على قول ادلينا بشيء إذ لا تحب ان تحشر حياتها الخاصة في نقاشات عميقة. وهذا مما اغاظ ادلينا التي ابتسمت ابتسامة صفراء وقالت :


(( تغيظني بعض الانكليزيات بسبب تحفظهن .هل تعرفين ان فيك جمالا أحسدك عليه ، وقد أغار منك إذا حاول ديمتري التودد إليك كما يفعل زونار))




كانت وهي تتكلم تتفحص بعينين شبه مغمضتين شعر فنّي المتهدل على حرير القفطان . وعنقها الكثير البياض بالمقارنة مع لون الحرير العنبري .




اما فنّي فانها تململت في مكانها وتصاعدت ضربات قلبها.. ولكنها قالت :
(( زونار يقع تحتتأثير معظم النساء ، وهذا لا يعني شيئا بالنسبة إلي ....))


(( من المستحسن ألا يعني شيئا يا عزيزتي . هراكليون شيطان كريم ولكنه وضع خطاً فاصلاً بينه وبين من يحاول مشاركته امرأته حتى لو كان الشريك أخا له . وعاطفة الرباط العائلي عند اليونانيين أقوى رباط في العالم . فهل تحبين ان تنتمي إلى سلالة يونانية حتى لو كانت عصامية بنت نفسها بنفسها؟ ))
((هذا مدهش جدا ومثير للفخر))


(( لا تنسي اندفاع العاطفه . والمزعج لدى اليونانيين هو الحب . فإذا غزا الحب قلب احدهم فانه يقع فريسة لهياج عاطفي لا يرحم ، ولذا فأنهم يفضلون الزواج بالتسوي . فزواجي بديمتري تم على أساس اتفاق بين عائلتي وهراكليون . قدمت بائنة او مهر لزوجي كما هي العاده عندنا . وهذا يمنحني صفة الاستقلالية لا تحصلين أنت عليها ))




فكرت فنّي بحبها لهراكليون على انه المهر الوحيد الذي قدمته لهراكليون... ولكنه تجاهله كلياً واهتم بمهر من نوع اخر... جسمها الذي يثير فيه البهيمية اليونانية الفطرية.




(( أرى في الزواج التسويه او الاتفاق عملية تجارية خالية من أي إحساس . فما هو مصير الفتاة التي لا تملك مهر؟ ))




(( يقضي عليها بالبقاء عانساً... او تصبح عاشقة خفية لرجل متزوج . اليونان بلد قاس ويلزم الاجنبية درجة كبيرة من الاقدام لتتزوج يوناني خاصة أجنبية مثلك أنت ))




ظلت فنّي تنظر إلى الظلام في الخارج وقالت بشرود :


(( مثلي أنا؟ هذا صحيح فقد سلكت طريق معقد ووعر ))




ضحكت ادلينا للتشبيه عندها قالت :


(( قصتك تشبه تمثيليه اغريقية . طبعاً، نحتفظ بذلك سراّ في العائلة وفيما بيننا يا فنّي . ولم أجد صعوبة في معرفة كل شيء من ديمتري . هل مازال هراكليون مولعا بابنة عمك؟ ))




((عندما يحب اليوناني فانه يحب إلى النهاية . الم تقولي ذلك؟ ))




(( وعندما تحب امرأة انكليزية؟ ))




توقفت قليلا لترى مدى تأثير هذا الكلام في فنّي، ثم قالت :


(( أنت تحبينه أليس كذلك ؟ وما القوة التي دفعتك للقيام بهذا العمل الجريء الا استلهام من حبك القوي له . ولولا جمالك الفتان لدك هراكليون عنقك لانتحالك شخصية بينلا . مسكينه أنت ! مهرك جسمك ))




ها قد أوضحت ادلينا بالعبارة الصريحه ما كانت تفكر به هي في الخفاء.




(( لا يا فنّي . ليس الوضع بالسوء الذي يتخيل لك . هل تخجلين من ذلك؟))




أجابت فنّي بالنفي وشيء من الشراسة :


(( اخجل ؟ كلا ! إنا لا اخدع هراكليون في أي حال من الأحوال . لذا لا يؤنبني ضميري مهما كانت أسباب .. عذابي ))




(( من يسمع ذلك منك يظنك يونانية . تضحيتك بنفسك . اشكر الله على إني في وضع يدفعني إلى التضحية بكل شيء في سبيل الحب . انت تسببت في الكآبة لنفسك . كوني مثلي ! اقلبي صفحة حياتك وتعلمي ان تأخذي أكثر مما تعطي . وهذا مايحبه الرجال في المرأة . الا تعرفين ذلك ؟ أنهم يتضايقون من المسلك الملائكي ))




تصورت فنّي زوجها خاضعا لنزواتها فابتسمت.. وبعد برهة قالت :


(( يتهمني هراكليون باني ممثلة من الدرجه الأولى . وإذا قلدتك واتبعت مشورتك فسيتهمني باني اطمح إلى الحصول على جائزة اوسكار للتمثيل ))




سألتها ادلينا مدهوشه :


(( اوسكار؟ ماهوالأوسكار؟ ))




(( جائزة تمنح لأحسن ممثل او ممثلة في فيلم سينمائي ))




(( فهمت .إذن يعتبر سلفي انك تلعبين دور الزوجة المحبة وماهو اعتقاده في زواجك منه؟ ))




(( لأصبح غنية... كنت أعيش في بيت عمي وكنت طبعا ابنه الأخ المحرومه . وفي نظر هراكليون اما ان يكون الشيء ابيض او اسود . لا لون بينهما . تماما مثل نور الشمس الذي يجعل ظل الاشياء قاتماً ))

(( بما ان هذا رأي هراكليون النهائي فيك ويعتبرك امرأة مرتزقه ، عليك إذن ان تستغلي تقديره لك . اخبريه بأنك تحتاجين إلى ثياب جديده ، وسأخذك معي بالطائرة إلى قسطنطين خياطي الخاص في أثينا . انه خياط ماهر وبوسع هراكليون ان يتحمل المصاريف . ما رأيك؟ ))




ارتاحت فنّي إلى هذا التغير في مجرى الحديث وقالت بحماس ظاهر:


(( كم اشتهي ان ازور أثينا . لست ممن يعبدن الثياب ولكن زيارة العاصمه أحلى شيء لدي ))




(( لا توجد مدينه أخرى تضاهيها . ربما صعدنا إلى الاكروبول المدينه الاثريه الواقعه على ارتفاع . ولو ان ذلك سيجهدنا قليلا . وهناك باثار البارتنون الذي شيد إكراما لأثينا رمز الحكمة والبساله . وأفضل ساعه لمشاهدته هي ليلا في ضوء القمر عندما تبدو الاعمده بيضاء . لا احبذ زيارة هذا المكان في النهار إذ تبدو كلها في النهار رمادية اللون . وينزعج الإنسان من ازدحام السياح الذين يأخذون صور تذكارية لبعضهم البعض أكثر من الأماكن التاريخية ))




(( هل تعرفين لندن؟ ))




لم تكن ادلينا في لندن يوم زواج هراكليون ، وذكر لندن عاد بفنّي إلى ذلك اليوم العصيب الذي تقرر فيه مصيرها فاصابتها رعشه ، لم تقوي على البقاء واقفه فجلست على كرسي من الخيزران . وكانت تحس بإطراف أصابعها تؤلمها لأنها دائما تغرزها في أي شيء عندما تكون متوترة الأعصاب . لا تستطيع ان تكون مثل ادلينا التي تبقى غير متأثرة بشيء.



مسترخية لا تجهد نفسها أبدا بإبداء عاطفة او انفعال اشبه بقطة كسولة.




(( أفضل باريس ، واعترف لكي بان لي هوى كبيرا هو هوى الملبس . ومن حسن حظي ان والدي يمنحني دخلا مستقلا يأتيني من أعمال البواخر وإلا لأفرغت جيب ديمتري . قولي لي هل خطر لك ان تتساءلي عن زواجي منه؟ ))




(( أصدقك القول ان هذا لميخطر ببالي . انه يعبدك وأنت شيء خاص في نظره . كيف تقاومينه؟ ))


(( شيء جميل ان تكون المرأة على هذا المستوى الرفيع في عيني زوجها . هل تحسدينني على ذلك؟ ))




لاحظت فنّي ان ادلينا تتفحص اسوارتها المرصعه . ولكنها كانت منشغله بكلماتها ولم تستطع تصور هراكليون وهو يرتمي على قدميها . كله كبرياء ورجوله ، شيئان فيه لا ينزلانه عن قاعدته ويرفعان امرأته عليه ، وتعرف فنّي انها سترتمي بين ذراعيه بدل من ان يرتمي هو بين ذراعيها.




قالت ادلينا بذكاء :

(( نحن امرأتان تختلف الواحدة منا عن الأخرى . تنقصك انت تعابير امرأة فيها عاطفة الرجل . واكتفي أنا بأن يعجب الناس بي . ولكني لا اعتبر إنجاب طفل إلى زوجي أسمى درجة من درجات الانوثه. ربما تقبلين بذلك. ولا شك ان هراكليون يطالبك به ))





اقتربت ادلينا من فنّي وقالت وهي تمعن النظر فيها :


(( لاحظت فيك شحوبا ظاهرا في وجهك في المدة الأخيرة... هل انت في وضع خاص؟ ))




(( كلا ! ))




أجابت فنّي بالنفي لعدم ثقتها في ادلينا التي قد تبوح لديمتري بأنها حامل . لا تريد ان يعلم هراكليون في الوقت الحاضر . لأنها تنفر من حديثة الذي سيدور في كل ساعه وكل حين عن ما في أحشائها . وسيري في ذلك ليس ثمرة حب لزوجته بل انتصارا واخذ بثأر رجل احتالت عليه امرأة .




والسخريه المره هي ان هذا الطفل سيفصل بينهما . فحياته ستكون بداية النهاية بالنسبة للعلاقه القائمه بين والديه .




(( تبدين متأكدة من قولك ، وماذا يعني هذا الظل الداكن الموجود تحت عظمة الوجنة ؟ أم انك تزيدين حمية في الأكل كما يظهر لي من هذه الأطباق الفارغة ؟ ))


(( ربما اثر الحر وافقدني شيئا من وزني . طقسنا غير هذا في انكلترا))

 
 

 

عرض البوم صور زونار   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
دمية وراء القضبان, روايات, روايات مترجمة, روايات مكتوبة, روايات رومانسية, روايات رومانسية مترجمة, روايات عبير المكتوبة, روايات عبير القديمة, the child of judas, عبير القديمة, violet winspear, فيوليت وينسيبر
facebook




جديد مواضيع قسم روايات عبير المكتوبة
أدوات الموضوع
مشاهدة صفحة طباعة الموضوع مشاهدة صفحة طباعة الموضوع
تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة


LinkBacks (?)
LinkBack to this Thread: https://www.liilas.com/vb3/t110362.html
أرسلت بواسطة For Type التاريخ
طµظˆطھ ظ‚ط·ط© ظ…طھظˆط­ط´ط© This thread Refback 02-03-16 05:23 PM
112 - ط¯ظ…ظٹط© ظˆط±ط§ط، ط§ظ„ظ‚ط¶ط¨ط§ظ† - ظپظٹظˆظ„ظٹطھ ظˆظٹظ†ط³ظٹط¨ط± - … - ظپظˆظ„ط§ط° ط­ظ‚ظٹظ‚ظٹ This thread Refback 02-03-16 09:09 AM
ظ…ظˆط³ط§ظƒط§ ظٹظˆظ†ط§ظ†ظٹط© This thread Refback 07-08-14 06:12 AM
ط¯ظ…ظٹط© ظˆط±ط§ ط§ظ„ظ‚ط¶ط¨ط§ظ† ظپظٹظˆظ„ظٹطھ ظˆظٹظ†ط³ظٹط¨ظٹط± ط±ظˆط§ظٹط§طھ ط¹ط¨ظٹط± ط§ظ„ظ‚ط¯ظٹظ…ط© ط§ظ„ظ…ظ†طھط¯ظ‰ This thread Refback 06-08-14 11:48 PM
ظ…ظˆط³ط§ظƒط§ ظٹظˆظ†ط§ظ†ظٹط© This thread Refback 06-08-14 09:54 PM
ظ…ظˆط³ط§ظƒط§ ظٹظˆظ†ط§ظ†ظٹط© This thread Refback 02-08-14 05:29 PM
sosoroman's Bookmarks on Delicious This thread Refback 27-12-09 12:55 AM


الساعة الآن 10:25 PM.


 



Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية