كاتب الموضوع :
زونار
المنتدى :
روايات عبير المكتوبة
شعرت فنّي بأنظار معظم الموجودين في غرفة الياسمين وسمعتهم وهم يتهامسون وهي خارجة من غرفة إيداع الثياب ، خاصة عندما سطعت الأنوار على ثوبها الأزرق وعقد اللؤلؤ. يعرف نزلاء الفندق أنهما في شهر العسل ويعرفون ايضا ان هراكليون من كبار رجال الأعمال اليونانيين ، ولكن بدل ان يكون ذاك الثري بدينا فانه نحيل وقاسي النظرات ، لا يتعاطى المشروبات او يتخم نفسه بالأكل ، ومما زاد في بروزهيئته ولون بشرته البرونزي مثل جميع الاسبارطه لون شعر فنّي الأشقر ولون بشرتها الناصعة .
وفيما هما يتقدمان نحو مقصورتهما أسرع وامسك بيدها وأجلسها إلى المائدة وقال:
(( دعينا نرضي فضولهم ، لماذا لا تبتسمين في وجه عريسك لنظهر لهم إننا سعيدان؟. ))
(( ماهي ضرورة قسوتك؟. ))
(( افهمي يا عزيزتي انه يجب ان انتفع من هذا الزواج إلى أقصى حد ))
وبنظرة ساخرة وجهها إليها رفع يدها إلى فمه وطبع عليها قبلة ، وكان وهو يقوم بذلك يشد على يدها حتى آلمها . برق خاتمها الزمرّدي عندما اخذ يدها وتركها. وقال:
(( انت مزيفه من الرأس إلى القدم وأنا الرجل الفخوربامتلاكك .))
(( لم تجبر نفسك على الافتخار بي ؟ اتركني فاذهب عنك ))
(( لم يحنالوقت بعد . سيكون ذلك متى عوّضت عليّ . انا يوناني ولا يقبل منطقي صفقة ان لم تكن كاملة . وانت تعرفين كل شروط هذه الصفقه التي وضحتها لك بكل بساطه . ))
(( هل حقيقة تعتبر امرأة تكرهها جديرة بان تكون أمّا لاولادك؟ .))
نظرت إليه بكبرياء واعتزازثم أضافت:
(( انا عالمة بما تفكر فيّ . ))
(( إذن ستكون حياتنا خالية من الشكوك ياسيدتي، إذ إننا لم نتزوج عن حب أعمى كغيرنا من الناس ، ولذا فإننا لن نكون ضحايا للأوهام . ))
جعلها بنظراته تتوقع المزيد من العذاب . فعليها مثلا ان تطيع اوامرة وان تعي تماما انه كلما لسعها بكلامه اللاذع فانه يزداد رضـى . العدالة الاجتماعية في جانبه ، ولكنها عدالة صارمة . ونظرا لتوتر أعصابها كانت وهي تفكر بهذا تنظر إليه تحاول ان تمزق المحرمة التي كانت في يدها دون ان تعي ذلك . وحسبت ألف حساب لكرهه لها حتى وهو بجانبها في الفراش وتصورت نفسها ملقاة خارج بيته كقطعة أثاث حلما تنجب طفلا يحتفظ به هو .
(( ابتسمي وأزيلي عن وجهك نظرة الوجوم والحزن هذه عن وجهك ، فان الحاضرين ينظرون إلينا . ))
قالت وهي تبتلع ريقها من الغصة :
(( انا قلقة بشان عمي . يجب ان يعلم مكان وجودي . ))
(( انه يعرف . فليرتاح بالك من هذه الناحية . فقد اتصلت به منذ ساعة وأخبرته ان ابنته في نيويورك وان ابنة اخيه معي )).
(( أوه ؟ماذا قال ؟ هل قلت له ان........؟ . ))
(( نعم يا عزيزتي . وبدا من صوته انه فقد اعصابه . ))
كانت ضحكة ليون وهو يقول ذلك قصيرة وكلها سخرية .
(( انت.... انت اطلعته على كل شي ؟ . ))
لم تشعر فنّي ان أظافرها اخترقت المحرمه وتابعت تقول:
((من المؤكد انه تفاجأ بالخبر . ))
(( لا بل فقد صوابه إذا صح التعبير . ))
(( هل غضب؟ . ))
(( هل يهم ذلك ؟ لم تعودي الان المقيمة المتواضعة في بيت أقربائك . فامامك مجال لان تكوني سيدة على جزيرة زوجك . هذا ما أردته وهذا ما حصلت عليه . إذن يجب ان تبتهجي رغم إنني اعرف ان دفع هذه المنافع لن يروق لك ، ولكني مصمم على ان احصل منك على هذا الثمن كاملا بغض النظر عن مشاعرك . ))
توقف عن الكلام وكانت نظرته متحجرة ثم قال:
(( ولكن مشاعرك لاتهمني كثيرا ولا قليلا ))
(( شكرا على هذه الصراحة . ))
(( يجب على ان يكون احدنا صريحا لأنني لا اثق بصحة اعمالك . وينطبق عليك المثل القائل..
{ ان ماء الجدول الهادئ يجري أسرع من ماء الشلال }
وانظرإليك كمن ينظر إلى لوحة ويتساءل عما تمثل هذه اللوحه . ))
أتى الخادم واخذ يبحث مع هراكليون في تفاصيل بعض أنواع الطعام ، بينما أشغلت فنّي نفسها بمطالعة لائحة الطعام دون ان تفضّل نوعا على آخر من الطعام لعدم قابليتها للأكل ، وكلما ركزت نظرها على أسماء الأطباق الفاخرة كلما تقززت منها.
(( هل وقع اختيارك على طبق؟))
(( لا ارغب كثيرا في الاطعمه الدخيلة . سأتناول الان قليلا من البطيخ الأصفر كبداية ، ثم قطعة او قطعتين من ضلع العجل مع بطاطس وفاصوليا ))
والتفت إلى الخادم وقال له :
(( الشي ذاته لي انا ايضا ، غير إني أريد جبنه بدل البطيخ )) .
(( حسنا يا سيدي ))
جمع الخادم لوائح الطعام وذهب وهو يستغرب كيف أن عروسين في شهر العسل يطلبان عشاء بهذه البساطه ، وخاص وان العريس مشهور بماله الوفير.
ابتسم هراكليون ابتسامته الساخره المعروفه وقال:
(( ربما تسال الخادم ما إذا كنا نتغذى بالحب فقط . ومن سخرية الأقدار أن يتصور هولاء الناس اللذين يلاحقوننا بنظرهم أن هذا اليوم اسعد أيام حياتنا وان العالم سيحسدناعلية)).
(( ماذا سيكون ردة فعل أخويك؟)) .
أرادت فنّي أن تعرف ، وتذكرت زونار ودمتري بوجهيهما البرونزيين الجذابين . هذان الأخوان توأمان ويصغران هراكليون بأربع سنوات . دمتري متزوج وأمراته في اليونان ، أما زونار فقد ترّمل عندما فقد زوجته بعد سنة واحده من زواجهما كما أخبرتها ابنة عمها . وتعرف فنّي أن الاخوه الثلاثه متحابون ومتماسكون وتخشى آن يتوتر الجو بينهم عندما يقدم هراكليون زوجته لهم ، ويفاجئهما بفنّي وليس ببينلا عندما يصلان إلى جزيرة بتالدوس غدا؛ جزيرة الفراشات.... وأحست وهي جالسة مع زوجها هراكليون كأن بعضا من تلك الفراشات كانت تطير في معدتها.
(( ستهزهما المفاجأة بلا شك . كان كلاهما معجبين ببينلا ، ولذا يجب أن تعلمي من الآن إنهما لن يعاملاك بالالفه والصداقة كما يجب وعليك أن تجعليهما يعتقدان انك تحبينني حباً جنونياً فيريا لماذا لم اقذف بك من النافذة عندما أخذتِ محل بينلا . هكذا سيرتاحان بالاً لان معتقداتهما اليونانية راسخة بهما، وهو إن النساء يجب أن يضحين بأنفسهن . وأما انا من جهتي فلا أريد أن اعلمهما بأنك رميت بنفسك في عرين الأسد لأنك وجدت فيه عظمةً سمينه على شكل زوج ثري بإمكانه ان ينتشلك من حياة بسيطة وعاديه ، ومن غرفة نوم منعزلة عند عائلة أقربائك))
أجابته فنّي بحدة:
(( اعتقد بأنك تصاب في صميم كبريائك إذا استغلتك امرأة .))
(( ان ذلك يغضبني . ))
شد على شفتيه من الغيض وكانت نظراته سهاماً تطعنها في كل مكان .
(( ستقومين بكل ما سأقوله لك فيما يتعلق باخويّ لأنهما اقرب إلى قلبي من أي امرأة في العالم . فقد اعتنيت بهما وهما طفلان بعد مقتل والديّ في غارة . كنت ابحث عن الطعام لهما حتى في جذور اللفت النتنه كي لا يموتا جوعا، وعندما كبرا تمكنت من توفير العلم اللازم لهما وهو ما لم احصّله لذاتي . ستجيدينهما ألطف خلقاً مني ياسيدتي ، وستجيدين ان لهما طباعاً مصقوله ولكنهما سيهاجمانك كأشبال الأسود إذا اكتشفا حقيقتك . هل تحذيري هذا لك كافِِ؟. ))
كانت فنّي تنظر إليه في تلك اللحظة اتضحت لها حيويته وغطرسته والقوة الكامنة فيه ، تلك القوة التي أوجدت له ولاخويه منزلة مرموقه تحت الشمس . تصورت انه كان يعمل ليل نهار كالجبابرة قبل ان يتوصل إلى هذا المركز، وهذا ماجعلها تشعر بان عظامها تذوب كلما لمسها بيديه الخشنتين، وبأن قلبها يكاد يخرج من صدرها.
(( لا أريد ان ادعي أي شي لنفسي . أريد ان أقول فقط وبدون أي خوف او كبت إني حللت محل بينلا لأني أحببتك حد الجنون .))
وجدت نفسها تتساءل عن ماهية الحب وكيف او لماذا يغزو القلب فجأة . في احدى اللحظات كان هراكليون سبياً من نصيب بينلا وفي لحظة أخرى انفتح قلبها هي ودخلهُ هراكليون وكانت هذهِ اللحظة لحظة شعور بإحساس غريب غامض ورهيب...... ادخل في قلبها عذاباً بدل السلام وألماً بدل الهدوء الرومانسي الذي يتغنى به الشعراء . كانت تفترض ان الحب جنون ولكنه عذب إذا ماتبادله اثنان .
(( كلي هنيئاً واشربي مريئاً لأنك ستدفعين هذا المساء رسم عبورالجسر الذي أدخلك حياتي .))
ارتجفت يداها عندما تساءلت عن موقفه لو كانت بينلا معه الآن . هل تبتسم عيناه الذهبيتان ؟ أم انه يحتفظ بالموقف نفسه بحضرة النساء؟ أجابته بكلمتين يونانيتين لتبين له معرفتها ببضع كلمات تعلمتها أثناء رحلتها إلى جزيرة كريت في السنة الماضية ، قبل ان تعرّف بينلا هراكليون على أفراد عائلتها.
(( هل عنيتِ هذا الطعام بكلمتيك اليونانيتين أم جسمك وسحرك؟. ))
توردت وجنتاها وارتجفت فقلبت قدح الماء على الطاولة زاد ذلك من ارتباكها وقالت وهي تتلعثم :
(( أنت... انك تسد الطرق ولا تسهل علي القيام بدور الزوجه المحبه))
(( قناع الحب غير ضروري ونحن وحدنا . هل تعرفين ان التمثيل المقنّع اختراع يوناني أنهم يعتقدون ان الجنس البشري من الرمز جانوس ذي الوجهين ولا يعرفون أيهما هو الوجه الحقيقي. ))
(( هذه فلسفة غريبة تعني انه لا يوجد طاهرون وان العالم مكوّن من مخلوقات تمثل ادواراً فقط .))
(( كلما تقدمنا في الحضارة كلما قللنا من الكشف عن أنفسنا، لا عن الجسم بل عن النفس . خذي شخصك مثلا . لكي عينان يشبه لونهما لون الدخان وأي شيء قد يختفي خلفه . وأنا أشبه زوجاً في مسرحية وقد أواجه خطر التسمم على يد زوجتي مسالينا وهي والدة اوكتافيوس وزوجة الإمبراطوركلاودوس التي حُكم عليها بالموت بتهمة أخلاقية .))
وضع الشوكه والسكين على الطاوله وطلب منها ان تمد يدها اليسرى . امسك بالخاتم الزمردي الذي بإصبعها وأداره، فاصبح حجر الزمرد داخل اليد والجزء الذهبي على قفا اليد . وأشار إلى تجويفه صغيرة في الذهب لها غطاء.
وقال:
(( يوضع مسحوق السُم في هذه التجويفه ويصب في قهوة المحب العاشق او في شرابه للتخلص منه. طريقه بارعه . أليس كذلك؟ .))
حملقت فنّي بالخاتم الذي في جماله شيئا غامضا رهيباً.
(( هل كانت بينلا تعرف شيئاً عن هذا؟. ))
سألته وهي مندهشه كيف لم تخبرها ابنة عمها عن هذا التفصيل المثير ولماذا يقدم أي رجل خاتم كهذا لخطيبته؟
(( كلا . بينلا لا تعرف شيئاً . طلبت مني خاتم من الزمرد وأشتريته وأنا في فلورنسا حيث كنت في مهمة تجاريه منذ سنتين . الحجر من أروع ما يكون ولم أرى ضرورةًَ ان اطُلع بينلا أنها تلبس خاتماً تاريخياً كان يخص لوكريس برجوا)).
حبست فنّي أنفاسها......آه من آل برجوا، تلك العائلة العظيمة الشائكة التي كرست نفسها للغش والموت الغامض . وبحركة سريعه أطبق ليون غطاء التجويفه وأدارالخاتم إلى وضعه الطبيعي وكان يبتسم ابتسامته اللعينه
(( من الأصول ان تحملي الخاتم على إصبعك ، ولكن تدوخني جرأتك يا سارقتي الحلوه على لبس خاتم بينلا .))
لم تهتم فنّي بكلامه الساخر مثلما اهتمت بعينيه العنبريتين وهو يتفحصها بوقاحة. لم تسمع في حياتها احداً يهينها بهذه التسميات ، كأنها امرأة من النوع الذي يثيرالاشمئزاز والفضول لدى الرجل.
(( انا....انا .. البسه فقط لـــ... ))
(( لتجعلي تمثيلك أكثر إقناعا . أؤكد لكي يا عزيزتي انك امهر ممثلة عرفتها ان كان على خشبة المسرح او في الحياة اليوميه . وكان من المفروض ان تصبحي أنت ممثله لا بينلا ، لأني على يقين من انك تستطيعين القيام بدور المرأه التي لا تقاوم بنجاح منقطع النظير .))
(( تريدني ان العب هذا الدور بينما قلت لي مراراً إني أقوم به بدون تمثيل ، واني ذات تأثير لا يُقاوم .))
(( نعم ، أنت هكذا . وأجد متعة في رفقة ابنة ابليس .))
كانت تفضل وخز الإبر على نظراته القاسية.
(( طريقة كلامك تأكد لي انك تقصد الاهانة بي .))
كان يؤلمها كثيراً ان ترى الرجل الوحيد في حياتها يعاملها كالنفاية . كان تأثير الرجال اللذين تعرفت عليهم كتأثير كلمات مسطوره على سطح الماء. ولكن هراكليون يختلف عنهم بصراحته وإخلاصه لمبادئه كاختلاف الماس عن الزجاج .
موقفه منها يحز في قلبها ولكنها لا يجب ان تبقى عديمة الروح او الجراءة . انه يبحث عن شجار او معركه ويعرف كيف يلسع ويهين وكيف يولع الشراره كلما تتطلع فيها ..... وفي كل مناسبة يعيد على مسامعها بعبارات ازدراء واحتقار كيف تمكنت منه
(( الاهانه أكثر صدقاً من التملق والإطراء . أجد لحم العجل هذا لذيذاً. مارايك؟ ))
(( لذيذاً فعلاً ! .))
ولكنها تأكل اللحم والفصوليا دون ان تتذوقها. وتحولت بفكرها إلى بينلا متسائله عن موقفها عندما يعلمها أبوها عن زواج فنّي ، هذا إذا اعلمها . وأما بينلا ستبحث في الجرائد عن خبر تغيّب العروس عن حضور حفل زواجها، وستفاجأ عن زواج هراكليون ! فنّي تعرف ابنة عمها.... أنها ستغضب لأن عريسها تحوّل عنها في الساعه والتجأ إلى فتاة أخرى . من يصدق ان هراكليون في حفلة زواجه وقف إلى جانب عروس لم تكن بينلا؟
أيعني هذا ان هراكليون لم يعرف بينلا حق المعرفة؟ أم انه كما قال مراراً لم يهب قلبه إلى أية امرأه ، هذا القلب الذي أقام حوله سوراً من حديد لا ينفذ منه إلا أخواه التوأمان ؟
وأرادت فنّي ان ترى في وجهه انفعالاً ما ولكنه كان كالقناع الإغريقي . لا تشك في انه يشعر ان له احساسات ، ولكن ظاهره لا يكشف أي شيء عن باطنه . مرّ بمختلف المراحل في حياته منذ ان كان صبياً معدماً حتى ارتقائه إلى عرش الثروة والجاه وامتلاك جزيرة بكاملها .. فهل يلتفت شخص مثل هذا إلى فتاة عادية لها شعر برّاق وجسد كشجرة الصفصاف؟ لقد جرحته في كبريائه وسيجهد نفسه ليرغمها على دفع الثمن.
وعندما اقترب الخادم منهما بعربة الحلويات قال هراكليون بأعذب صوت:
(( الحلوى للحلوات ! انظري إلى هذه الفطيره الشهيه و شيء من هذا الكرزفي الشراب ، وما قولك في الكعكه بالكريما؟ على فكرة انك لم تتناولي شيئا من كعكة العرس يا عزيزتي، أم انا مخطئ ؟ .))
(( انا ...انا لم استطع أكل شئ آخر . في الحقيقة لا أريد أية حلوى.... ))
(( آه ، لكني اصرّ يا سيدتي . حالما ترين تلك الحلوى اللذيذة في صحنك ستبتلعينها مثل الذئب الجائع هذه فرصتك لتتذوقي اطايب الحياة . ))
وقال متوجهاً إلى الخادم :
((نعم . امرأتي ستأخذ شيئاً من الحلوى .))
قال الخادم :
(( ربما تحب سيدتي هذه الحلوى بالدرّاق؟ نضيف عليها شراباً خاصاً مع القشدة وهذا يعطيها طعم لذيذاً جداً))
لم يتح ليون لفنّي ان تتكلم فقال:
(( حسناً . أعطنا منها . هذا يوم خصوصي في حياتنا ويجب ان يكون كل شئ خصوصياً . أضف إلى الحلوى الاجاصتين الجميلتين .))
وفيما كانت عملية تحضيرصحون الحلوى تسير بانتظام وأناقة خادميّ المحلات الراقيه ، كانت فنّي شاحبة اللون وهي تفكر كيف يحاول هراكليون ليرغمها على أكل شئ لا تريده ، ليمرضها جسديا كما أمرضته هي نفسياً، وذلك بإبعاد بينلا عنه وبأحلال نفسها محلها ........ كان هراكليون قد اختار بينلا أحبها أم لم يحبها .
انه لم يختر فنّي ويذكّرها بذلك في كل عبارةٍ يتلفظ بها في كل تنويه عن بينل ، في كل نظرة وفي كل حركة من حاجبيه وعينيه المتحجرتين . انتهى الخادم من تقديم صحون الحلوى لكل منهما وذهب بعد ان انحنى لهما احتراما . تناولت فنّي الشوكة والملعقة بيدين مرتجفتين .
(( لها نكهة لذيذة حقاً. كلي الفاكهه بالكريما ولا تتظاهري بان لكي قابلية العصفور.))
(( كفاك قسوه ! .))
(( أليست لهجتك هذه لهجة الآمر؟ .))
برقت عيناه ورأت فيهما فطرته اليونانية وراء واجهة بدلة جميله وتمشيطة شعر عصرية . وفي هذه اللحظة القصيره عاد هذا اليوناني إلى عالم البؤس والفقر في أسفل دركات السلم الذي ارتقاه حتى وصل للقمه ، ولا يصل الإنسان القمه دون ان يعرف أسفل الدركات . وفي ذلك الوميض القصير رأت فنّي غريزة الأدغال التي تسري في عروقه القويه . وفي أضواء المطعم تجسمت فجأه وحشية النمر الذي سينقض على فريسته .
((هذا انا يا سيدتي . انا هكذا. انا قاسي القلب وعصامي بنيت نفسي بنفسي ويوناني لا اهام له عن أي من الناس ويجب ان تتعلمي من هذا ان كلامي في كل مايتعلق بزوجتي يكون قانون وشريعه .))
(( لذلك يجب ان أحشو معدتي بحلوى أردتها أم لم أردها !.))
(( ويجب ان أكون انا الآخر زوجاً لفتاة أردت أم لم أرد! ))
(( ألا توجد شفقة في قلبك؟ ))
(( ولا ذرة منهما طالما الموضوع يتعلق بك . كُلي الآن وإلا تأخرنا على المسرحيه)) .
بدأت فنّي تأكل وهو يراقبها كأنه مفتش الاشغال الشاقه . سرح فكرها إلى صوت الموسيقى البيزنطية الغريبة التي تصدر عن الأجراس...والي تنوع التطريز على فستان العرس . وسرح فكرها ايضاً إلى السيارة السوداء التي ذهبت فيها مع امرأة يونانية قريبة لزوجة دمتري وكان هذا أول لقاء بين الاثنين .
|