لمشاكل التسجيل ودخول المنتدى يرجى مراسلتنا على الايميل liilasvb3@gmail.com






العودة   منتديات ليلاس > القصص والروايات > المنتدى العام للقصص والروايات > القصص المكتمله
التسجيل

بحث بشبكة ليلاس الثقافية

القصص المكتمله خاص بالقصص المنقوله المكتمله


قد يأتي الخريف , ربيـــعا للكاتبة عائدة الخالدي

السلام عليكم ورحمة الله , مساؤكم / صباحكم شوق .. أعلم أنني تواريت خلف الستار لفترة ليست بالقصيرة لكنني هنا الآن .. أحمل في يدي قلبي , وفي

إضافة رد
نسخ الرابط
نسخ للمنتديات
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 30-04-09, 01:05 PM   المشاركة رقم: 1
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: Feb 2008
العضوية: 65992
المشاركات: 389
الجنس أنثى
معدل التقييم: النهى عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 18

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
النهى غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

المنتدى : القصص المكتمله
افتراضي قد يأتي الخريف , ربيـــعا للكاتبة عائدة الخالدي

 





السلام عليكم ورحمة الله ,

مساؤكم / صباحكم شوق ..

أعلم أنني تواريت خلف الستار لفترة ليست بالقصيرة
لكنني هنا الآن ..
أحمل في يدي قلبي , وفي الأخرى مجموعة قصص آمل أن تنال إعجابكم

لصديقاتي .. لكل صديقاتي في منتدى ليلاس أهدي هذه الرواية وقريبا ستلحقها أخريات ..




لكم كل الحب ..

 
 

 

عرض البوم صور النهى   رد مع اقتباس

قديم 30-04-09, 01:07 PM   المشاركة رقم: 2
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: Feb 2008
العضوية: 65992
المشاركات: 389
الجنس أنثى
معدل التقييم: النهى عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 18

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
النهى غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : النهى المنتدى : القصص المكتمله
افتراضي

 



لحظة انعتاق

طائرة "أليتاليا" المتجهة إلى ميلانو ما زالت جاثمة على أرض المطار، والركاب ما زالوا يدلفون إليها.. الموسيقى الكلاسيكية الخفيفة تدغدغ مسامعي وأنا أنظر عبر النافذة.. التفتّ تلقائياً إلى الرجل الذي على وشك الجلوس على المقعد بجانبي.. يا إلهي كم يشبهك بشعره الأشيب!.
عاودت النظر عبر النافذة وانهمرت الدموع من عيني رغماً عني غزيرة ساخنة.
الطائرة تتهادى على المدرج والمضيفة ترحب بالركاب وتشرح لهم أمور السلامة مرفقة بحركات زميلتيها زيادة في الإيضاح: "… وسنهبط في ميلانو الساعة…".
لم أسمعها؛ فنحن سنهبط على أي حال في ميلانو في وقت ما، والطائرة الأخرى ستكون حتماً بانتظاري لأتابع السفر إلى ليلى.
لم تعد تحصى المرات التي طرت فيها على متن مختلف الخطوط.
جواز السفر.. بطاقة السفر، والحقيبة..
أنا دائماً أحزم حقيبتي وأسافر.. سياحة.. عمل.. أمور طارئة.. كمرض ابنتي الذي بسببه أسافر هذه المرة.
كم مرة وطئت قدماي أرض مطار جديد، وكم مرة عبرت الحدود، وكم مرة التقيت بحرس الحدود ببزات وسحنات ولغات مختلفة باختلاف البلاد؟!.
ما أسرع أن يمتلأ جواز سفري بالأختام فاضطر لتبديله قبل انتهاء مدته.. لم تعد تحصى فعلاً تلك المرات.
وأنت؟!.. تباً لك.. لا أريد أن أفكر بك الآن.
مسحت دموعي وربطت حزامي الذي نسيته ومددت يدي إلى الحقيبة بحثاً عن الكتاب.
عندما لمحت رواية تلك الكاتبة عند صديقتي سوسن شرعت أقلّب صفحاتها..
أثارت سطور الصفحة الأولى شهيتي للقراءة، فوضعت الرواية على عجل في حقيبتي وأنا أودّع سوسن قبل سفري.
الطائرة تسابق الريح وتنطلق بأقصى سرعتها وترتفع فجأة في الجو.. كم أحب لحظة الانعتاق هذه.
رفعت عيني عن الكتاب، ونظرت إلى السماء..
كانت زرقاء صافية.. وسماء سورية على الأغلب زرقاء صافية في الربيع.. في نيسان.
نيسان ثان، وربيع ثان..
في الربيع بدأت قصتي معك.. منذ سنة.



 
 

 

عرض البوم صور النهى   رد مع اقتباس
قديم 30-04-09, 01:09 PM   المشاركة رقم: 3
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: Feb 2008
العضوية: 65992
المشاركات: 389
الجنس أنثى
معدل التقييم: النهى عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 18

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
النهى غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : النهى المنتدى : القصص المكتمله
افتراضي

 



الربيع الأول:
سراب اسمه ضوء القمر







عدت أقرأ في الكتاب..
ما إن وصلت إلى الصفحة الرابعة حتى اكتشفت أن أحلام مستغانمي لا تروي لنا قصة بضمير "أنا-المرأة"؛ وإنما بضمير "أنا-الرجل".
إنها تتحدث بلسان رجل!.
رجل يروي لنا قصته ويفتح لنا نافذة نطلّ منها معه على ذكرياته من خلال حواره مع من كانت يوماً (أو ما زالت) حبيبته.
شعرت بالخيبة؛ فقد كنت أتوق لسماع رواية امرأة تتحدث بلسانها هي وتروي روايتها هي، علّها تتوازى أو تتقاطع في أحداثها مع قصتي أنا معك.. وقبلك وبعدك.
هل أخاطبك بضمير المخاطب أم بضمير الغائب؟.. فأنت دائماً غائب عندما تكون حاضراً، وحاضر عندما تكون غائباً!.
أقرأ في الكتاب كلاماً رائعاً: "لا تبحث كثيراً.. لا يوجد شيء تحت الكلمات. إن امرأة تكتب هي امرأة فوق كل الشبهات.. لأنها شفافة بطبعها. إن الكتابة تطّهر مما يعلق بنا منذ لحظة الولادة.. ابحث عن القذارة حيث لا يوجد الأدب".
ولذا سأكتب…
سأبدأ الرواية من هنا..
سأضيف إليها ما يستجد من أحداث ما زالت في الغيب، وأستذكر تفاصيلها الماضية..
معك..
أروي لك تفاصيلها أحياناً دون رابط زمني..
أرويها لك كما تأتيني عفو الخاطر..
***
في البناء القريب المخصص لسكن الطاقم الطبي أجلس في غرفتي الصغيرة التي استأجرتها فيه أستمع إلى الموسيقى وأكتب..
الجو ربيعي دافئ والطبيعة جميلة هنا في هذه القرية الصغيرة حيث المركز الطبي الكبير، حيث ابنتي ليلى تجلس على كرسيها المتحرك لا تقوى على الوقوف أو المشي..
لا تستطيع الكلام، ويداها المتشنجتين تؤلمانها فتضغط على راحتيها بأصابعها التي لم تعد تستطيع أن تمسك بها ملعقة أو قلماً.
تحتاج لمن يطعمها ويأخذها إلى الحمام.. تحتاج للمساعدة في كل شيء..
أما المدرسة فقد نسينا أمرها منذ أن فتحت أبوابها منذ أشهر.
يؤلمني منظرها كثيراً.. أحس كلما رأيتها برغبة في البكاء لكنني أتمالك نفسي أمامها وأنتظر حتى أغلق باب غرفتي على نفسي ثم أنفجر باكية.
ليلى.. ابنتي الصبية التي كانت تملأ حياتي فرحاً وحبوراً أصبحت معاقة إلى هذه الدرجة.
ليلى.. ابنتي الوحيدة التي أنجبتها بعد سبع سنوات من الزواج، وخمس سنوات من المحاولات حتى نفذ صبر الطبيب الشهير وقال لي ذات مرة متعجباً:
-غريب أمركما.. ربما يعاني زوجك من بعض الضعف؛ لكن المشكلة ليست صحية بحتة؛ بل مشكلة عدم انسجام فيزيولوجي!
زوجي لم يكن يرغب بالإنجاب.. كان يريدني رفيقة سفر لا يمنعها الحمل والولادة من المجازفة والترحال، ولكنني أقنعته أخيراً أن ذلك لن يكون عائقاً أبداً، وأصبحت حاملاً.. أخيراً؛ فأسرعت بكل فرحي أزف البشرى لحماتي عبر الهاتف.
-… ستصبحين جدة.
لأسمعها تجيبني ببرود:
-أوه.. أنت حامل إذن!
كانت ليلى تدهشني بأسئلتها الذكية وهي ما زالت طفلة صغيرة ونحن نطوف معها في أرجاء الدنيا.. كانت ترسم بشغف، وتركب الخيل بمهارة ثم فجأة أصابها هذا المرض العضال فلم تعد ترغب أو تقدر على القيام بشيء.
فرحة هي بوجودي معها، وأنا أقضي كل الوقت معها؛ فأنا جئت إلى هنا من أجلها فقط.. جئت لأعتني بها وأطعمها بدل المشرفات اللواتي كن يرجونني أن آخذ قسطاً من الراحة عندما يلمحن آثار الإرهاق على وجهي. في الليل عندما تنام ليلى كنت أعود إلى غرفتي لأشعر أني وحيدة.. وحيدة وقد جلبت معي أدوات الرسم والكتابة ولكن لا رغبة لي بذلك حتى الآن..
تمنيت لو أنك اتصلت ولو مرة.. ولو من باب المجاملة لتسأل عن حالها.. عندما كنت وحيدة هناك أنتظر. وحيدة أنتظر، والكوابيس تحرمني من النوم.. أبكي في نومي واستيقظ فجأة وأنا أشعر بشيء يطبق على أنفاسي، فأنهض وأمشي في الغرفة.. في العتمة.. وأبكي.
***
زوجي بيتر سافر عائداً إلى سورية؛ فنحن هنا بالتناوب من أجل ابنتنا.
لم نعد نلتقي إلا لأيام معدودة..
بيتر؟!
كيف أصبحت منذ البداية رفيقته؛ ولم أصبح أبداً حبيبته؟!..
أين هو هذا الشيء المفقود بيننا.. هذا الشيء الذي اسمه الشغف؟!
الشغف!
كيف أدعوه مفقوداً، وهو شيئاً لم يكن منذ البداية موجوداً؟!!
ذاك الحاجز اللعين غير المرئي الذي يفصل بيننا!.. أصبح مرئياً!!
كيف السبيل إلى تحطيمه؟.. وهل من أمل في ذلك بعد حوالي عشرين سنة؟!
كيف يمكننا أن نخلق عاطفة لم نعرفها أبداً؟!
إرادتنا الطيبة وحدها لا قدرة لها على خلق عواطف جديدة من العدم..
إنها قادرة فقط على خلق حياة مشتركة منسجمة بما يتيسر لها من العواطف.. من العواطف الأخرى.. ود وإلفة وعطف وحنان.
أنا وبيتر بنينا حياتنا المشتركة المنسجمة بالتفاهم والصراحة.. فلماذا أستشعر الآن، وأكثر من أي وقت مضى هذا الخلل الذي لم أكن أعيره تلك الأهمية من قبل؛ لكنه يبدو لي الآن على هذا القدر الكبير من الأهمية؟!
إرادتنا الطيبة لا تخلق عواطف جديدة من العدم..
والعواطف لا تأتي حسب الطلب..
تأتي تلقائياً..
تأتي رغماً عنا، ورغماً عن إرادتنا.
تتحدى المنطق وتفاجئنا، وقد خلقت فجأة في وقت ما، قد لا يراه العقل مناسباً؛ لكن القلب يباركه..
يخلق الحب فجأة.. من تفاعل كيميائي في لحظة خاطفة من عمر الزمن.
ألم يكن هذا هو تفسيرك، وأنت تمسك بيدي في السيارة وتضغط عليها برفق وكأنك تريد أن تؤكد لي بذلك مصداقية كلامك..
مصداقية كلامك؟!!!
***
عندما اكتشفت تلك "العقد" استفسرت عن جراح ماهر؛ فدلوني عليك، وليتهم لم يفعلوا.. ليتني اكتشفتها قبل رحيلي من هنا، وأجريت العملية هنا، ولم أتعرف عليك قط!.
كانت غرفة الانتظار تعج بالمرضى، ومعظمهم قرويون.. بسيطين.. فقراء.
كان نديم يسجل أسمائهم ويتلقى المكالمات الهاتفية التي لا تنتهي.
كنت أنت في مكتبك، وكنت أنا أنتظر دوري كالباقين..
جاءت سيدة أنيقة سرعان ما أدخلها نديم إلى الغرفة الصغيرة التي تتوسط ما بين مكتبك وغرفة الانتظار، ثم ما لبثت أن دخلت المكتب!.
استفسرت من نديم:
-هل المرضى عندكم طبقات؟!
ولم يدر المسكين بما يجيبني؛ فقال بسرعة:
-إنها دكتورة!
-يا سلام.. وأنا صحفية.. وماذا عن كل هؤلاء المساكين الذين ينتظرون دورهم؟.. كم من الوقت عليهم إذن أن ينتظروا؟!
كنت أنت في الداخل تسمع ما أقول..
لم أنتظر طويلاً جداً..
دلفت غرفة المكتب فاستقبلتني بابتسامة عريضة، ليس من وراء مكتبك؛ بل وأنت واقف قبالتي تمد لي يدك بالتحية وتدعوني باليد الأخرى للجلوس مشيراً إلى مقعدين متجاورين قرب النافذة..
قلت:
-عذراً.. فأنا لا أستطيع إدخال كل هؤلاء البائسين دفعة واحدة..
إن الاستماع إلى مشاكلهم يحتاج إلى صبر وطاقة كبيرة.. أحتاج لفترات راحة أستقبل فيها أناس آخرين!
عرفت أنك سمعت ما قلته لنديم، وعجبت كيف تحدثني بهذه العفوية وأنت تراني لأول مرة، ولست بالتأكيد بحاجة لتبرير أفعالك تجاهي.
ابتسمت وأنا أتأملك:
رجلاً أسمراً متوسط الطول.. شعرك فضي كثيف، وطويل نوعاً ما.. بحاجة إلى مقص الحلاق!.
قميصك مفتوح الصدر بلا ربطة عنق وبنطالك من الجينز الأزرق..
كنت تدخن سيجاراً أيها الطبيب!!
كان كل ما فيك غريباً جذّاباً، وكانت ابتسامتك وعفويتك أجمل ما فيك.
أحسست وكأني أعرفك منذ زمن بعيد؛ ولكني كنت مضطربة مع أني لم أكن كذلك قبل أن أدخل إليك.. كان شيئاً غريباً يتحرك في داخلي..
شيئاً لم أدرك كنهه في البداية؛ لكنه كان الحب!
كان الحب من النظرة الأولى!!
قلت لك:
-أنا آسفة.. ليس من حقي طبعاً أن أبدي ملاحظاتي لنديم.. أنا صحفية، والصحفية طويلة اللسان رغماً عنها!
وضحكنا معاً، ثم أخبرتك عن سبب الزيارة، وأريتك الصور، وتناقشنا في أمر العملية.. وشرعنا نتحدث عن أمور أخرى.
****
كنت مستلقية في السرير في غرفتي بالمستشفى عندما جئت في المساء تنظف لي الجرح وأنت تدندن..
شعرت بالفرح يدغدغني وأنا أسمعك، ثم باغتني سؤالك:
-من أين أتيت بهذا الرجل الوسيم؟!
(كنت تقصد زوجي الذي خرج لتوه لأمر ما..)
هذا السؤال..
كم سمعته يتردد على ألسنة الكثيرين؛ ولكن لماذا لم يرقني أن أسمعه منك أنت بالذات؟!
أجل.. رجل وسيم هذا الذي تزوجته.. وسيم، ويبدو أنه يصغرني بسنوات.. كبرت أنا ولم يكبر هو).
-… قولي لي يا كارمن.. عما تكتبين في المجلات؟
-إني أجري استطلاعات صحفية، وتحقيقات من بلاد العالم المختلفة التي أزورها، وأكتب عن انطباعاتي عنها، كما أني أكتب نقداً اجتماعياً وخواطر.
-هل لي بعدد من مجلة تكتبين فيها؟
فرحت جداً لطلبك، ورجوت باندفاع طفولي من زوجي أن يجلب لي أعداداً من البيت كي تختار واحداً منها.
(اخترت مجلة؛ ولكنك أضعتها فيما بعد بدل أن تقرأها.. قرأها نديم بدلاً منك!!.
قال لي نديم ذلك بحماس، وهو يذكر لي ما ورد في تحقيقي عن تلك البلاد البعيدة من معلومات وأخبار.
أما أنت، فقد اعتذرت بحجة أن نديم لديه متسع من الوقت أكثر!..
حقاً؟!!.. وهل كان يهمني أن يقرأ كتاباتي نديم أم أنت؟).
جئت إليك بعد أيام في العيادة لتفحص الجرح؛ فأخبرتني أنك مسافر إلى أمريكا الجنوبية، ثم فاجأتني مرة أخرى بسؤال خرج من بين شفتيك عفوياً للغاية:
-هل ترغبين بالسفر معي؟!
-ولمَ لا؟!… أود أن أكتب عن هؤلاء المغتربين هناك.
-وأنا يمكنني مساعدتك.. إن لي صلاتي الوثيقة هناك!
كانت فكرة مجنونة؛ ولكني تمنيت لو حدث هذا الجنون.. لو اتصلت بي ودعوتني حقاً لمرافقتك.. لم يكن لدي مانع، ولم يكن بيتر ليمانع.. بالتأكيد!!
كنت أجد دائماً سبباً ما يجعلني أزورك في العيادة، وكنت تفرح برؤيتي.. تقبّلني على الوجنتين مرحبّاً كصديق قديم وترجوني كلما نهضت مستأذنة بالانصراف أن أجلس قليلاً:
-إنك تنسيني الوقت؛ فاجلسي بعد ودعينا نتناول القهوة معاً.
عندما مرضت ليلى والتبس علي مرضها جئت إليك أستفسر عن طبيب أعصاب مختص فدللتني عليه، ورجوتني أن أوافيك إلى العيادة لأطمئنك، ولكني لم أفعل..
أردت أن أكبح جماح رغبتي برؤيتك..
أن أشغل نفسي عن التفكير بك.
****

 
 

 

عرض البوم صور النهى   رد مع اقتباس
قديم 30-04-09, 01:10 PM   المشاركة رقم: 4
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: Feb 2008
العضوية: 65992
المشاركات: 389
الجنس أنثى
معدل التقييم: النهى عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 18

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
النهى غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : النهى المنتدى : القصص المكتمله
افتراضي

 



لم يكتشف طبيب الأعصاب ما بها وهو يمعن النظر في الصور التي طلبها، وطلب مني أن أزور طبيباً نفسياً؛ فجئت ثانية إليك، وأنا أوهم نفسي أني أزورك لمجرد الاستشارة..
كتبت لي اسم الطبيب وعنوانه في دمشق على ورقة وطلبت مني أن أزوره في ذاك اليوم بالذات.. رجوتني أن آتي إليك بعد ذلك إلى العيادة، واقترحت علي أن توصلنا إلى البيت؛ فأنت مسافر إلى اللاذقية- كالعادة- مساء اليوم.
لم أستطع أن أقاوم هذه المرة رغبتي برؤيتك، وبرفقتك على الطريق؛ فدخلت العيادة..
كانت الساعة تشير إلى السادسة مساءً، وكانت قريبتك سناء تجلس في مكتبك..
تعرّفت عليها، واحتضنت ليلى باسمة وهي تقول:
-كم أحب هذا الاسم.
كان عدم الارتياح بادياً على وجهك عندما انصرفت سناء، وبادرتني قائلاً:
-في الحقيقة.. إنها ليست ابنة خالي؛ بل ابنة ابن خالي.
لم يكن الأمر يعنيني من قريب أو بعيد؛ فلم أجب.

-أتعرفين؟!.. لقد كنت في غاية الترقب أتساءل إن كنت ستحضرين أم لا.
-لقد وعدتك بالحضور، وليس من عادتي أن أخلف بوعودي.
كنت ترتب أوراقك استعداداً للذهاب، وتشاغلت أنا بتقليب الصحيفة ريثما تنتهي، وريثما تعود ليلى من المرحاض.. وجاءني سؤالك دون مقدمات:
-لاحظت أنه لا يوجد affection بينك وبين بيتر!!
فاجأني سؤالك الجريء جداً؛ فأجبتك بسؤال مغلّف بالسخرية محاولة إخفاء اضطرابي:
-هه.. هل علينا إذن أن نتعانق ونتبادل القبل علناً لنبرهن عكس ذلك؟!
(كنت أغالط نفسي، وأعرف ذلك.. ولكني أحاول أن لا أفضح نفسي أمامك).
-طبعاً لا.. ولكني أشعر أن لا شيء بينكما من هذا القبيل!!.
-…
(لم أحر جواباً.. أنا أعرف في قرارة نفسي أنك على حق.
أنا لم أشعر أبداً تجاه بيتر بالشغف.. بل بالمودة.. مجرد مودة؛ ولكن لا داعي لأن تعرف أنت بالذات ذلك).
عادت ليلى من المرحاض.. ضممتها إليك وقبلتها وأنت تريها صورتك في جواز السفر، ثم تضعه في حقيبة يدك الصغيرة قائلاً:
-هيا بنا.
لكن الهاتف ما لبث أن زعق، فسرت باتجاهه متذمراً:
-كثرت المكالمات اليوم، لأني قررت الذهاب باكراً.
أنهيت المكالمة بسرعة؛ فناولتك ونحن نهم بالخروج علبة كبيرة، وقلت لك:
-هذا الكاتو صنعته لك.. شكراً لك لاصطحابك لنا بسيارتك.
-سأحمله إلى أمي وآكله معها!
ما إن انطلقت السيارة حتى شعرت براحة يدك تلامس خدي برفق وأنت تقول:
-تبدين حزينة.
-لا شيء.. أنا شاردة الذهن قليلاً.
-لا.. هناك غلالة من الحزن على وجهك.. عيناك حزينتان.. وأنا أعرف لماذا!!
نظرت إليك بدهشة وبقيت صامتة..
(أيها الماكر.. إنك تنفذ إلى أعماقي وتقرأ ما بداخلي..
تعرّيني وتواجهني بالحقيقة.. هكذا.. بكل جرأة.. بجرأة تصل ربما حد الوقاحة، وأنا إن تفوهت فإني أخدع نفسي فقط!)
-حقاً؟!.. أتعرف لماذا أنا حزينة؟
كانت ليلى قد استلقت على المقعد الخلفي لتغفو قليلاً؛ فاستدرت إليها، وجذبت سترتك أغطيها بها..
وعدت تكرر:
There is no affection
أين هو؟!
وبسرعة، أمسكت يدي تشد عليها، وأنت تقول:
-… إنه هنا… بيني وبينك.. إنه هذه الكيمياء العجيبة التي لا يمكن تفسيرها أبداً.. هذا التفاعل الذي يحدث بين اثنين.. يحدث فجأة وبعفوية دون أن نعرف كيف ولماذا!.
-…
ارتحت للمساتك، ولم أمانع، بل تركت يدي ترتاح في يدك.
تأكدت عندئذ أن شيئاً خطيراً قد حدث لي.
شعرت بالحرارة، ثم بالعرق يتصبب مني.. يتصبب من مسامات جسدي كلها!
تمنيت لو أن الطريق يمتد إلى ما لا نهاية.. تمنيت أن لا تترك يدي تفلت أبداً من يدك..
كانت فيروز تشدو.. تذوب رومانسية، وتذيبني معها..
ونسيت من أنا، ومن أنت.. نسيت ابنتي..
نسيت كل شيء، ولم يعد يهمني إلا أني بقربك في هذه اللحظات بالذات.
-أنت لست جميلة يا كارمن!…
(يا للإطراء…) بقيت صامتة انتظر أن تكمل جملتك:
-… لكن فيك شيء غريب.. في وجهك شيء آسر يجذبني إليك.. طبعاً، لا بد أنك سمعت ذلك من غيري.
-بالفعل..
وتذكرته..
مازن.. ذلك الطيار الشاب الذي كان يلاحقني بالسيارة على طريق الجامعة..
تقدم مني مرة بجرأة وعفوية، وعرّفني على نفسه، ثم دعاني لتناول فنجاناً من القهوة، وعندما رفضت بلطف وأنا أبتسم لخفة دمه تبعني إلى مكتبة الجامعة، وظل جالساً بقربي وأنا أرجوه أن ينصرف كي لا يزعج الآخرين، ولكي أتمكن من المطالعة؛ لكنه أصر على البقاء حتى أذعنت لرغبته وتناولنا القهوة معاً في مقصف الجامعة..
تعرّفت على أهله، وتعرّف على أهلي.. كنت أجلب له من البلدان المختلفة هدايا صغيرة لطيفة، وكنا نلتقي بعفوية عندما يشعر أحدنا بالسأم فنشرب شيئاً ما ونحن نضحك ونتحدث، ثم نفترق دون وعود..
قال لي مرة أنه لم يتعرّف أبداً على فتاة مرحة وصادقة وعفوية مثلي، معترفاً أنه تعرّف على فتيات كثيرات، وكن بالطبع أجمل مني؛ لكنهن كن يفتقدن إلى جاذبيتي.. إلى هذا الشيء "الآسر" في وجهي!
عندما عدت من زيارة بيتر، وقد اتفقت معه على الزواج، كان مازن ينتظرني في المطار..
نظر إلي بحزن، وقال:
-ستتزوجينه إذن.
-أجل
-أتمنى لك التوفيق، وأرجو أن لا تبخلي علينا برؤيتك.
تمنيت في تلك اللحظة لو أنه قال لي شيئاً آخر..
لو أنه صرخ في وجهي وفاجأني بقوله:
-كارمن.. أنا أحبك!
لكنه لم يفعل، ولم أعرف لماذا تمنيت أنا ذلك؛ فليس بيننا وعود.. مجرد صداقة.
أيقظتني من خواطري وأنت تقول:
-أنت لم تمريّ عليّ مرور الكرام.. أقسم لك يا كارمن..
حدثيني عن نفسك.. انفتحي لي!.. ماذا تفعلين في الأمسيات مثلاً؟
-أقرأ وأكتب وأصنع أشياء جميلة داخل البيت، وأرسم في بعض الأحيان؛ فالرسم يتطلب وقتاً ومكاناً لا يمكن توفرهما غالباً إلا في الصيف عندما تكون ليلى في إجازتها المدرسية، ولا حاجة لتدريسها… عندئذ يمكنني أيضاً أن أسافر وأكتب تحقيقاتي الصحفية.. أما التلفاز؛ فأنا لا أشاهده إلا نادراً.
-وأنا أيضاً.
وتبسطت في الحديث معك، وأخبرتك أشياء وأشياء، وأخبرتني مثلها..
جذبت يدي فجأة إلى صدرك.. إلى قلبك وأنت تقول:

-أنا أحبك يا كارمن.. أحبك، فهل تحبينني؟!
-ربما أحبك.. ربما!
لم أدر كيف قبَّلتك بسرعة وأنا أقول:
-أنت شيطان!
-أنا؟!.. أنا إنسان مسكين..
انظري إلى هذه الأشجار تتراقص ظلالها في العتمة، وإلى هذا البدر الرائع يتلألئ في السماء، وينير لنا الطريق.. يا لها من أمسية ربيعية رائعة.. تعالي نجن معاً؛ فنحن لا نؤذي أحداً!.
-لا.. بل نؤذي أحداً بالتأكيد.. أرجوك كن عاقلاً ولا تفقدني صوابي!
لاحت مشارف المدينة من بعيد، وأتاني صوت ليلى وقد استيقظت للتو تسأل:
-هل وصلنا؟
أوصلتنا للبيت، ودعوتك من باب المجاملة للدخول وتناول القهوة، وأنا أتمنى ألا تفعل..
ولم تفعل؛ بل صافحتني مودّعاً.
فتح لي بيتر الباب وسألني عنك؛ فقد كان يتوقع أن أدعوك- حسب الأصول- لتناول القهوة.
قلت لـه أنك اعتذرت لأنك متعب، وتشاغلت بمساعدة ليلى للذهاب إلى الفراش كي تهدأ نفسي قليلاً، ولا يلاحظ بيتر مدى اضطرابي..
جلست في الغرفة أمام التلفاز مرهقة ساهمة.. أستعيد في بالي تفاصيل مشوارنا.. سألني بيتر:
-هل ترغبين بشرب الشاي؟
-نعم.. شكراً لك.

وذهب بيتر إلى المطبخ ليعد الشاي، وتركني لشرودي ومشاعري المضطربة..
****
كان شخير بيتر يرتفع فأربت على ساعده برفق كي يستدير إلى الجانب الآخر..
لقد استسلم للنوم بعد أن مسّدت له رأسه كالعادة، أما أنا.. فكيف أجد للنوم سبيلاً؟
عيناي تحدق في الظلمة.. أفكر بك وأتساءل:
أينبغي للمرء أن يكون متطلباً هكذا؟..
أنانياً هكذا؟..
أليست الحياة أولويات؟
شعرت بالرغبة أن أوقظك أيها الشرقي العابث من أحلامك الوردية وأحرمك من النوم الذي حرمتني منه؛ ولكني أشفقت عليك، وانتظرت ساعات حتى أتصل.
كنت بحاجة للتحدث إليك.. بحاجة لأن أضع النقاط على الحروف، وأبرر حماقة لم أرتكبها من قبل..
جاءني صوتك عبر الهاتف يغالبه النعاس.
(ماذا كنت أتوقع بحق السماء؟.. أن تساهر النجوم من أجلي؟!..
أقسمت لي أن لقائك بي لم يكن لقاءاً عابراً، وأنا أخشى أن يكون ضوء القمر مجرد سراب تلألئ في عينيك ذات مساء ثم.. اختفى!)
***
اتصلت بك ذات مساء:
-مساء الخير.. كيف حالك؟
-آ.. أهلاً بك كارمن.. كيف حالك؟
-بخير..
-ذاك المساء كان كالحلم.
-دعه يظل كذلك.
-ليتك ترافقيني كل مرة في ترحالي ما بين دمشق واللاذقية.
-غير ممكن، فإن لي التزاماتي.. أريد أن أتحدث إليك في أمر هام.
أدركت بسرعة ما الذي أود التحدث إليك بشأنه؛ فأجبتني:
-أراك إذن في العيادة بعد أيام.
-إلى اللقاء إذن.
-إلى اللقاء يا حبيبتي.
***
اتفقنا أن أزورك في العيادة الساعة الثانية عشر والنصف ظهراً.
كنت أشعر بالذنب…
أردت أن أوضح لك الأمور، وأقول إن ما حدث لم يكن سوى نزوة عابرة.
كنت أسرع الخطى قاصدة عيادتك عندما بدأ المطر ينهمر بغزارة؛ فأسرعت إلى أحد المتاجر لأشتري مظلة.. أردت أن أتصل بك لتعلم أني في طريقي إليك، ولكني نسيت رقم الهاتف وأعطتني عاملة الاستعلامات رقماً لم يكن رقمك!.
عندما وصلت العيادة كان الباب مغلقاً، وعدت إلى المنزل حانقة.
في المساء حزم بيتر حقيبة السفر وودعنا وسافر كالعادة..
سافر إلى بلاده لمتابعة عمله هناك.
ذهبت في اليوم التالي لأشتري بطاقة سفر إلى دمشق لأزور أمي بمناسبة عيد الأم.
ألقيت نظرة إلى الساعة في معصمي لأراها تشير إلى الحادية عشر.
إنه موعد قدومك إلى العيادة..
فكرت أن أزورك سريعاً وأعاتبك بشأن البارحة.
وفجأة.. التقيتك في الشارع، عند مدخل المبنى، وقد ترجلت لتوك من السيارة..
وقفنا نتحدث تحت المطر:
-لقد انتظرتك ولم تحضري… I miss you
-ولكني حضرت، وكانت العيادة مغلقة مع أني لم أتأخر سوى خمس دقائق عن الثانية عشر والنصف.. ألم يكن بوسعك انتظاري بضع دقائق إضافية؟
-كنت في هذا الوقت أجري عملية جراحية.. لقد انتظرتك حتى الساعة الثانية عشر إلا ربعاً.. ظننت أن موعدنا كان الساعة الحادية عشر والنصف!.
-لا بأس.. لقد أردت لقاءك لأقول لك أن علينا أن ننسى ما حدث.. إنها مجرد غلطة لا ينبغي أن تتكرر.
- كيف تقولين ذلك؟.. نحن لسنا أطفالاً.. إلى أين أنت ذاهبة الآن؟
-ذاهبة لأشتري بطاقة سفر؛ فغداً عيد الأم وعلي أن أزور أمي.
-لماذا لا ترافقينني على الطريق؟.. أنا ذاهب غداً الساعة الثالثة بعد الظهر، وليس في الصباح الباكر كعادتي.
-حسناً.. علي أن أتدبر أولاً أمر ليلى، ثم أتصل بك هاتفياً.
-ولم لا تتركيها عند والدها؟
-لقد سافر البارحة.
-انتظر مكالمتك غداً.. سأكون عند والدتي.. ها هو رقم الهاتف..
لقد أكلت الكاتو مع أمي ودعونا لك.. كان لذيذاً.. ليتك تأتين إلى القرية غداً!.
-لا أستطيع.. سأتصل بك لنتفق على مكان اللقاء.
-أتعلمين؟!.. من حسن الحظ أني لم ألقاك البارحة في العيادة.. سأحظى برفقتك غداً، وهذا أفضل.. إلى اللقاء إذن.
-إلى اللقاء.

 
 

 

عرض البوم صور النهى   رد مع اقتباس
قديم 30-04-09, 01:13 PM   المشاركة رقم: 5
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: Feb 2008
العضوية: 65992
المشاركات: 389
الجنس أنثى
معدل التقييم: النهى عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 18

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
النهى غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : النهى المنتدى : القصص المكتمله
افتراضي

 



اليوم يوم عطلة..
تركت ليلى في رعاية أم فادي؛ فهي لم تبد على أي حال حماساً للسفر معي، وهرعت إلى سيارة الأجرة.. ما إن ترجلت منها في المكان المتفق عليه حتى سمعت السائق يناديني؛ فقد نسيت من لهفتي بلقائك الحقيبة في السيارة!.
وقفت أنتظرك، وأنا أتخوف من أن تنسى الموعد وتنساني..
كان الجو ما زال مشبعاً بالرطوبة، والنسمة باردة..
الأرض مبتلة، والسماء ما زالت ملبّدة بالغيوم تبشّر بالمزيد من الأمطار.
لم يطل انتظاري؛ فقد لمحت سيارتك قادمة من بعيد..
كان يجلس بجوارك رجل سرعان ما ترجل من السيارة وجلس في المقعد الخلفي ليترك لي مكانه..
ابتسمت لي محيياً، وفتحت باب السيارة الخلفي لتضع حقيبتي فيها..
عند أحد المنعطفات ترجّل الرجل وودعك شاكراً.
(الحمد لله.. كنت أخشى أن يرافقنا طوال الطريق!).
وانطلقت السيارة بنا..
أنا وأنت.. لوحدنا.
شعرت بيدك تداعب وجنتي وأنت تسألني:
-كيف حالك؟
-بخير..
(وصمتّ.. لم أعد أرغب أن أطلب منك نسيان شيء لا أرغب أنا بنسيانه!).
-لا أعرف إلى أين أهرب بك يا كارمن.. كل العيون ترصدنا؛ فأين يهرب المرء بحبيبته في هذا البلد اللعين؟!
بقيت صامتة أبتسم لك.. فرحة بملامساتك الرقيقة.
ثم قلت لك:
-أتعرف؟.. لقد أوحيت لي بخاطرة كتبتها وجلبتها لك لتقرأها.
-اقرئيها لي.
-سأنفعل وأنا أقرأها.. اقرأها أنت.
-لا.. اقرئيها لي، فأنا أحتاج لنظارات من أجل ذلك.
-ها هي النظارات.. ضعها على عينيك واقرأ.
-يا لك من عنيدة.. هيا اقرئيها لي!
-نعم أنا عنيدة؛ ولكن لا بأس.. سأقرأها لك إن كنت مصراً على ذلك.
وقرأتها وأنا في غاية الانفعال.. صوتي مضطرب، والعرق يتصبب مني.. من جديد!
كنت تسمع وتبتسم وتلامسني بلطف.
غريب ولذيذ هذا الشعور بالأمان الذي يمنحني إياه الجلوس بقربك.. شعور لم أختبره من قبل، ولا أريد أن أفتقده.
كانت الشمس تغمر الأشجار على جانبي الطريق بأشعة الذهب، وقلبي تغمره مشاعر شتى.
كان يخفق بشدة، وكأنه يريد أن يخرج من صدري!.
مراهقة عدت أنا من جديد..
مراهقة كانت تجلس تحت شجيرة الياسمين لترسم وتكتب شعراً وتحلم..
كان يوم الغسيل هو أسعد أيامي!.
كنت أهرع إلى أمي أعرض عليها مساعدتي، وكانت أمي تتجاهل الأمر، وكأنها لا تعرف.
تتركني أصعد إلى السطح لأنشر الغسيل وأرى جاري الممشوق القامة يبتسم لي ويرشقني بزهرة فل ثّبتها بملقط الغسيل كي تصل السطح بسلام وترتمي عند قدمي؛ فالتقطها فرحة واحتفظ بها بين صفحات كتابي.
كان قلبي يخفق بشدة كلما رأيته، وكأنه سيخرج من صدري، وكنت يومها في السابعة عشر..
فما بالي اليوم تنتابني نفس المشاعر وقد بلغت الأربعين؟!!.
غربت الشمس وراء الأفق، واصطبغت السماء بلون أرجواني، ولاحت من بعيد سلسلة الجبال، وقد كستها طبقة رقيقة من الثلج، تلمع بلون فضي يعكسه بعض من ضوء النهار المتبقي قبل أن يحل الظلام.
كان الجو بارداً في الخارج، وقد دخلنا مدينة النبك.
قلت لي أننا سنتوقف هنا لنزور سريعاً أحد معارفك.
استقبلنا الرجل وابنته الجامعية بالترحاب، ودخلنا غرفة الضيوف وأنا أرتجف من البرد –وربما من الانفعال- في سترتي الصوفية الرقيقة، فخلعت سترتك ووضعتها على كتفي..
شعرت بالدفء وغمرتني السكينة، وأنا أجلس بقربك..
سترتك تلفني فأشتم منها بعضاً من رائحتك، وأتلذذ بالاستماع إليك وأنت تحاور صديقك.
كان الظلام قد أرخى سدوله، ونحن نتابع طريقنا.. قلت لي:
-خسارة.. لقد أوشكنا على الوصول وأنا لم أقبّلك بعد!
-لا بأس.. نؤجلها للمرة القادمة.. لقد تأخر الوقت ومنزل أمي ما زال بعيداً.
-وهل أنا حافلة نقل عام؟!

(فاجأتني عبارتك.. بل صدمتني.. ماذا كنت تقصد بقولك هذا؟!).
نظرت إليك باستغراب:
-طبعاً لا.. أنا آسفة.
والتزمت أنا بالصمت، وأنت تقود سيارتك حتى العيادة.
ترجلنا من السيارة وأنت تسرع في مشيتك.. تسبقني في السير..
تصعد الدرج وتفتح الباب، وأنا أتبعك صامتة وحقيبتي في يدي، وأنا أشعر أني لست أنا..
أحاور نفسي وأضع اللوم عليها.. كل اللوم:
"ماذا كنت تظنين إذن يا مجنونة؟!.. أنت وافقت على اللعبة، وعليك إتمامها".
أغلقت الباب دوننا، ثم احتضنتني بسرعة.
كنت مستعجلاً..
احتويتني بذراعيك القويتين، وغمرتني بقبلات محمومة.
عندما استعدت وعيي كنت تحضر لي فنجاناً من القهوة.. تساءلت:
-لمَ القهوة؟.. أنا لست من محبيها.
-كي تصحي!
-أنا صاحية من دون قهوة.. و..
قطع رنين الهاتف كلامي؛ فأردفت ساخرة:
-ألا تريد أن ترد على الهاتف؟.. هناك من يطلبك، وأنت مستعجل على أي حال.
كنت مدعواً للعشاء في إحدى السفارات، وتركتني أرتشف القهوة المرة وحدي، ودخلت إلى تلك الغرفة الداخلية ترتدي على عجل ثياباً أخرى تليق بالحفل!.

فتحت لي الباب بعد أن تأكدت من خلو الدرج من الجيران، وودعتني عنده:
Call me tomorrow!
-ربما.
وأسرعت أهبط الدرج.
طلبت سيارة أجرة لتقلني إلى حيث تقطن أمي، وتركت لدموعي أن تنساب في عتمة الطريق على خدّي دون حرج.
****
كان أخوتي مجتمعين هناك يتبادلون الأحاديث.. سألوني عن أحوالي؛ فأجبتهم باقتضاب، ولذت بالصمت، سألتني أمي:
-ما بك يا ابنتي؟
-متعبة.. متعبة يا أمي، لقد سافر بيتر، وليلى تتعبني، خاصة عندما يسافر والدها، ومعالجة الطبيب النفساني لم تعط نتيجة حتى الآن.
(كان هناك سبب آخر.. سبب مباشر لا أجرؤ على البوح به).
-إنها فترة ما قبل المراهقة، وعليك أن تتحلي بالصبر.
-أعرف يا أماه.. أعرف؛ ولكن طاقتي تنفذ أحياناً.
عاد أخوتي إلى بيوتهم..
فتحت أمي خزانتها لتريني ما أشترته من جديد الثياب، ثم سألتني بحذر:
-كارمن.. لماذا لا تتجمّلين من أجل بيتر؟.. أنت لا تهتمي بأدوات التجميل والعطور‍!
-إن بيتر لا يحبها.. إنه يسخر مني إن وضعت أحمراً للشفاه قد يراه فاقعاً.
-تجمّلي إذن من أجلك.. كما أفعل أنا.
-…
-.. كما أن ثيابك دائماً "سبور".
-أنا أحبها هكذا.
-ولكن يا ابنتي على المرأة أن تتجمّل من أجل رجلها.. إنه يحب أن يراها في ثياب جميلة.. في ثياب مثيرة!.
-عن أي رجل تتحدثين يا أمي؟!
بوغتت أمي المسكينة بردة فعلي المفاجئة، وبوغتّ أنا..
لقد أخرجتني ملاحظتها عن طوري، وقد عدت من عندك متعبة النفس..
قلت لها بصوت متهدج:
-إن بيتر لم يأبه أبداً لملابسي.. أتظنيني بلهاء ولم أحاول أبداً أن أثيره بملابس مثيرة؟!
كنت أرتدي الثياب وأقف أمامه أسأله رأيه.. وأنت تعلمين يا أمي أن قوامي كان وما زال جميلاً متناسقاً..
-نعم.. وماذا كان يفعل؟!
-كان يكتفي بأن يقول لي: جميل جداً، ثم يعود لينشغل بما كان به مشغولاً!
لقد حاولت كثيراً حتى مللت ورضيت بالأمر الواقع.. أنا لا أثيره أبداً.. آه يا أمي دعينا من هذا الحديث.
لكن أمي لم تدعني وشأني حتى عرفت كل شيء، وبدأت تعاتبني أني لم أخبرها بذلك منذ البداية…
منذ تسعة عشر عاماً، وقد كانت من قبل أمينة سري.
(هل كانت معرفتها بالأمر ستغيّر منه شيئاً؟!..
ربما كانت شجّعتني، وقد كان مفتاح التغيير في يدي وحدي؛ ولكني شغلت نفسي في مجالات كثيرة وجدتها أمامي: الدراسة والعمل والسفر، وكل تلك النشاطات والهوايات.. ربما لأني خفت..
خفت مما سيقوله الناس عني، أنا المعتدّة بنفسي، إن عدت لأهلي صبية مطلّقة).
أمضيت الليلة عند أمي أحاول أن أستسلم بصعوبة للنوم.
استيقظت متعبة، والهاتف بجانب السرير يذكّرني بك: Call me tomorrow
لا.. لن أفعل.
***
عدت إلى المنزل..
حاولت أن أشغل نفسي عن التفكير بك.. فلم أستطع.
حاولت أن أنسى كلامك.. فلم أستطع.
ماذا تظنني بحق السماء؟!.. لقد أزعجتني كلماتك واستعجالك.
لماذا لم تدرك أنني لو لم أحبك لما…
"أرأيت حب المرأة؟!.. إنها تحب بقلبها، والرجل يحب بشهوته؛ فحبها باق وحبه متحول"*
أردت أن أراك في العيادة..
كانت غرفة الانتظار تفيض بالناس ينتظرون حضورك، وقد وقف بعضهم خارجاً لضيق المكان.
طال انتظاري وأحسست بالاختناق؛ فخرجت إلى الشارع.
كانت ليلى برفقتي، تحدثني فلا أسمعها..
أنظر إلى واجهات المحلات فلا أراها.
وفجأة تناهى إلى سمعي صوت ينادي: ليلى.. ليلى.
التفتّ لأراها مقبلة نحونا تبتسم..
قريبتك سناء!
تحدّثنا، وأعطتني رقم الهاتف، وقالت إنها ستسعد بزيارتي لها في القرية.
(يا لها من فرصة سانحة..
سأزورها في القرية لأراك؛ فزيارتها ليست سوى حجة كي أزورك دون أن ينتبه أهلك أني جئت فقط لأراك.. ألم تكن تلحّ علي دائماً أن أزورك، وأرى عريشة الياسمين في حديقتك؟).
***
جاء العيد، وجاءت معه "الفرصة الذهبية".
كان بيتر مسافراً، وذهبت مع ليلى إلى القرية.
سألتني سناء:
-هل زرت الدكتور؟
-لا.. ليس بعد.
-بإمكاننا الاتصال به وزيارته.
-لا بأس.
كانت الساعة تشير إلى السادسة إلا ربعاً عندما اتصلت بك سناء:
-آلو.. مدام كارمن في زيارتنا وتود أن تزورك.
اقترحت علي سناء أن نزور سريعاً ابنة أختك لتعرّفها علي؛ فلم أمانع أن أتعرّف على ريما "الطويلة العريضة.. مرافقتك في رحلاتك ما بين دمشق واللاذقية.
كان لا بد من رفقة ريما وسناء حتى لا يبدأ الغمز واللمز لو جئت أزورك وحدي.. وكم كنت أتمنى ذلك!
حانت الساعة السادسة مساء..
كانت ليلى تلهو مع الأولاد في الحديقة فرفضت مرافقتنا عندما ناديتها، وكنت أحاول إخفاء اضطرابي ونحن نمشي بضعة أمتار تفصل ما بين بيت أختك وبيتك ونلج حديقتك الواسعة المهملة.
استقبلتنا في غرفة صغيرة لها شرفة تطل على البحر، ولحظت في عينيك أنك لم تستيقظ من النوم إلا منذ قليل…
ربما أيقظك من أحلامك هاتف سناء.
كنت ترتدي بيجامة رياضة وخفين، وتحمل بيدك فنجاناً كبيراً ترتشف منه ماءاً ساخناً!
تساءلت ضاحكة متعجبة؛ فقلت:
-لقد مللت من شراب الزهورات، والشاي والقهوة محظورة بسبب ضغط الدم، ولذا أشرب ماءاً ساخناً للتغيير!!
ابتسمت.. غمرني نحوك شعور من العطف والحنان.
جلت بنظري في أنحاء الغرفة الصغيرة أتأمل كتبك المصفوفة، وبعض القطع التذكارية، وصورة لبافاروتي.
-تفضّلي.
-مددت يدك بعلبة الحلوى.. لم أكن راغبة فيها؛ لكنك أصررت أن أتذوق حلوى العيد.
(لم أكن أرغب في الحلوى، ولا في القهوة.. كنت أرغب فقط أن تمر الدقائق ببطء شديد).
-كيف حال زوجك يا كارمن؟
-إنه مسافر.
-أيسافر، ويتركك في العيد وحدك؟
-…
(لم أكن وقتها وحيدة تماماً.. كانت ليلى ما تزال هنا).
كانت سناء تمسك بناصية الحديث معظم الوقت.. تثرثر وأنت تجيبها باقتضاب، وأنا صامتة، وكذلك ريما.
قلت لها فجأة:
-أريد ترميم المنزل قليلاً.. ربما بواجهة خشبية جميلة كما فعلت كارمن بمنزلها.. هل رأيته؟
-..ولكن ما جدوى ترميم منزلك؟.. إنه سيبقى بارداً لا حياة فيه طالما لا توجد فيه أنفاس امرأة تدفئه!
-…
بقيت صامتاً؛ فقد فاجأك كلامها.
أما أنا فقد شعرت بالحرج.. وشعرت بالحزن من أجلك.
لقد كان جوابها مباشراً وقاسياً جداً..
إنها على حق؛ ولكن صراحتها لم تكن أبداً في محلها، خاصة وأني أطأ عتبة منزلك للمرة الأولى.
(لم تخبرني عن تلك التي كانت زوجتك؛ ولكنني عرفت عنها وعنك وعن طلاقكما دون أن أتساءل، ودون أن أسأل..
كانت الصدفة فقط تجمعني بأناس يتحدثون عنك تلقائياً أمامي عندما يعرفون أني أسكن بالقرب منك..
اكتشفت أن معظم الناس الذين أعرفهم يعرفونك مباشرة..
ممرضة العمليات التي تعمل معك بنفس المشفى، والدكتور الذي يدرّس في الجامعة..
حتى معلمتي أيام البكالوريا حدثتني عنك عندما ذهبت أزورها بعد عشرين سنة.. تصوّر!)
قطعت دقائق الصمت بقولك:
-تعالوا نخرج إلى الشرفة.
كان الجو دافئاً وعابقاً بأريج أزهار الليمون، وشجرة غار نضرة باسقة تمتد فروعها إلى ما فوق الشرفة.. كانت آلة التصوير في حوزتي، ورأيت ليلى تعدو نحو بيتك فناديتها..
جلست سناء على حافة الشرفة إلى يسار ريما، وأمعنت النظر عبر العدسة إلى وجهك الحبيب، وأنت تقف ما بين ريما إلى يسارك وليلى إلى يمينك.. كنت تحيط ليلى بذراعك وتبتسم لي وتقول:
-كارمن فنانة.
انتهى وقت الزيارة بسرعة؛ فقد حسم الأمر وصول رجلين يريدان زيارة الدكتور..
قلت لك وأنا أهم بالخروج وأمد يدي بمغلّف أخرجته من حقيبتي:
-أرجو أن تقرأ هذا "التقرير الطبي" وتعطيني رأيك به!
لم يكن ذاك التقرير المزعوم –أمام سناء وريما- سوى رسالة..
رسالة كانت أولى رسائلي إليك.
فرحت كثيراً بزيارتك، ورغم ذلك كنت مصرّة على تسليمك تلك الرسالة..
ثمة أمور ينبغي إيضاحها.
****

 
 

 

عرض البوم صور النهى   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
ربيـــعا ، للكاتبة عائدة الخالدي, قد يأتي الخريف, قد ياتي الخريف ربيعا
facebook




جديد مواضيع قسم القصص المكتمله
أدوات الموضوع
مشاهدة صفحة طباعة الموضوع مشاهدة صفحة طباعة الموضوع
تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة



الساعة الآن 05:14 PM.


 



Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية