قالت بروك بحزم :
" من اجل لوسيا فقط . اننى احبها , خاصة وانها لا تملك السلاح الكافي لمواجهة اناس مثلك . فمع انك ابنة عمها , الا انك تفعلين كل ما بوسعك من اجل تدمير ثقتها بنفسها "
احتقن وجه كارلا بالغضب وهى تقول :
" كلام سخيف .. فأنا اداعبها فقط . اننى لست ابنة عمها , رغم اننى وصلت الى مرحلة كدت ان اصبح فيها خالتها زوجة ابيها "
" انا مسرورة لان الزواج لم يتم , لانك غير قادرة على التعامل معها بحنان ومحبة .
لست افهم كيف جئت معها فى هذه الرحلة ؟ فهى تتكلم باحترام شديد عن عمتها وزوجها واولادهما .
ولاشك انهم قبلوا مرافقتك لها لاعتقادهم بانك ستهتمين بها كثيرا "
سألتها كارلا بتهكم :
" ... وانا غير مهتمة بها ؟ لقد طلب منى بول الحضور شخصيا يا آنسة هاول ... ولعلك لاحظت اننى مستعدة لان افعل كل شئ من اجل بول " . ترددت للحظات قبل ان تكمل ضاحكة : " وكما ترين , عدنا الى الأيام الخوالى "
واجهت بروك التهكم بلهجة واثقة :
" اعتقد انك غير سعيدة على الاطلاق لانه ينوى الزواج منى ؟"
ردت كارلا بحدة :
" المهم متى يحدث الزواج ؟ انت لست من طراز النساء اللواتى يرغبهن بول . كيف تتوقعين ان تتعايشى مع رجل من نار وانت مجرد فتاة لا خبرة لها فى الحياة . لن تكونى قادرة على فهمه واسعاده , بل ستدمرين حياته من أساسها "
أجابت بروك بنعومة رغم ان قلبها يخفق بشدة :
" لا اظن ان بول يرى الامور مثلما ترى انت "
هزت كارلا رأسها بشكل لم تفهم له بروك معنى ., وقالت :
" بول ليس راغبا فيك ,. بل هو طامع للحياة الاجتماعية الراقية . انه يريد هذا البيت الضخم الذى يحمل الكثير من الابهة والعظمة . فمنذ ان كان طفلا صغيرا وهو يحلم بالمجد .
لقد صنع نفسه بنفسه واصبح مليونيرا , ومن هنا خبرته الواسعة .
اصبح الآن الرجل الثري الذى يستطيع شراء كل شئ ... لكنه لم ينس طفولته البائسة . لاشك عندى بانك تملكين شيئا بالمقابل . وانت تعرفين تماما ما هو "
اجابت بروك ببرودة قائلة :
" اذن وافق شن طبقة . انا سعيدة بهذه الصفقة لان بول يملك اشياء كثيرة ليقدمها لى "
سألت كارلا وكأن افعى سامة لسعتها فجأة :
" مثل ماذا ؟ "
ردت بروك بحزم :
" الامر لا يعنيك ابدا "
وعندما شاهدت لوسيا قادمة قالت بصوت خافت :
" اقترح ان نعلن هدنة مؤقتة الآن , فها لوسيا قد عادت , وانا لا اريدك ان تزعجيها .. انت تعرفين ان بول لايحب ذلك "
جمدت كارلا فى مكانها للحظات , ثم هبت على قدميها وقالت بعجرفة :
" اعذرانى الآن , فلقد مللت من هذه الرحلة المتعبة . سأراك فيما بعد يا لوسيا "
ردت لوسيا بعد تردد :
" شكرا لحضورك يا كارلا , سأراك فى الشقة مساء , اذ ان ابى سيحضر لاصطحابنا إلى الأوبرا "
بعد رحيل كارلا جرت الأمور على أحسن ما يرام ، وان كانت بروك لم تستطع ان تنزع من ذهنها صورة كارلا وبول ولوسيا معا فى الاوبرا . فمهما حاولت ان تراقب الايطالى الجذاب ،فهناك دائما امرأة ما إلى جواره . أولا كاثى بينتون واليوم كارلا .... ولله وحده يعلم كم يوجد غيرهما .
انهت لوسيا ارتداء قميص اختارته لها البائعة فى المحل ، ووقفت تنتظر حكم بروك التى قالت بعد تمعن طويل :
" رائع . تبدن فى قمة الأناقة . والآن ما رأيك فى شراء بعض ملابس الرياضة ؟ فنحن نستطيع ان نسبح ونلعب كرة المضرب فى هذه المنطقة .أنا شخصيا لاعبة ممتازة فى كرة المضرب ، وعندنا فى وينترسويت ملعب خاص .... فما رأيك بذلك ؟ كما وأننى أريد أن أقيم حفلة لمجموعة من تلميذاتى وهن فى مثل سنك "
لاحظت بروك ابتسامة لوسيا القلقة ، فقالت تطمئنها :
" لا ضرورة للقلق .سأكون إلى جانبك دائما .أؤكد لك أن الأمر سيكون ممتعا حقا " ثم ادارت رأسها نحو البائعة وقالت :
" انت تعرفين نوعية الملابس التى اقصدها : قمصان وتنانير واحذية تناسب الشابات الصغيرات ، وذات ألوان متناسقة أيضا "
فى هذه الأثناء اقتربت منهما صاحبة المحل التى كانت مشغولة فى مكان آخر ، وقالت بعد تفحص القميص الذى اشترته لوسيا :
" جميل جدا . انه يناسب الشابات الناعمات . وبالمناسبة يا آنسة هاول ، لقد استلمنا للتو بضاعة جديدة أريدك أن تلقى نظرة عليها ... كأنها صنعت خصيصا لك "
ابتسمت بروك ووافقت على القاء نظرة عابرة برغم انها عاجزة عن دفع الثمن المطلوب فى مثل هذه المحلات .صحيح ان ليليان ولويز زبونتان دائمتان للمحل ، لكن بروك لا تستطيع استعمال عبارة " اضيفيه إلى الحساب " مهما كلف الأمر . أما لوسيا فهى غير مضطرة للتفكير بهذه المشكلة ، فبول على إستعداد لدفع ثمن ما تشتريه بدون اعتراض .. وهذا ما تدركه صاحبة المحل المسرورة جدا بخدمة ابنة بول كوريللى الشهير .
بعد الانتهاء من شراء اللازم والاتفاق على موعد وطريقة إرسال الأغراض إلى البيت ، تناولت بروك ولوسيا غداء خفيفا مع فنجان من القهوة فى احد المقاهى . وطوال الوقت كانت لوسيا تحتج محرجة بأنها تأخذ الكثير من وقت بروك ..... لكن هذه الأخيرة أكدت لها انها تستمتع برفقتها إلى حد بعيد .
القى مصفف الشعر ريموند نظرة متفحصة على شعر لوسيا ، التى جلست فى صالون الحلاقة وهى مرعوبة تماما . بينما جلست بروك فى المقعد المجاور وهى تقول :
" الشعر جميل وغزير ، وانا على ثقة من انك ستبرز روعته بشكل ما يا ريموند "
قال ريموند ويداه تنزعان الدبابيس من شعر لوسيا الذى انهمر غزيرا ناعما :
" اولا يجب التخلص من الشعر الزائد . فهذه التسريحة تناسب السيدات المتوسطات فى العمر "
ابتسمت بروك للوسيا التى فوجئت بكلمات ريموند ، ثم قالت لمصفف الشعر :
" لقد التقطت الفكرة سريعا " ثم استدارت نحو لوسيا قائلة : " سأغيب عنك حوالى الساعة تقريبا . ستكونين بأمان بين يدى ريموند فهو أحد أفراد العائلة تقريبا "
قال ريموند :
" بالمناسبة ، كيف حال أمك ؟ كانت التسريحة التى صممتها خصيصا لها جميلة جدا "
ابتسمت بروك موافقة ، ثم نهضت وهى تقول :
" بالنسبة للوسيا ، اعتقد ان القصة المتوسطة الطول التى تبعد الشعر عن وجهها تناسبها تماما "
رد ريموند مازحا :
" دعى الأمور لى أيتها الآنسة الصغيرة "
غادرت بروك صالون الحلاقة وهى تشعر بالاطمئنان والارتياح .فريموند هو الوحيد القادر على إبراز روعة جمال شعر لوسيا . وقد تأكد هذا عمليا عندما عادت بعد ساعة تقريبا لتجد أن ريموند حول زبونته الشابة من فتاة عادية إلى مراهقة جذابة جدا .فوجئت بروك بالتغيير ، بينما لم تسطع لوسيا اخفاء ابتسامة الرضا عن شفتيها .... وحتى ريموند بدا سعيدا جدا بما انجزت يداه .
وفى الطريق إلى البيت ، بعدما لاحظت لوسيا نظرات الاعجاب الموجهة نحوها ، رفعت الشابة رأسها بارتياح وهى تدرك لأول مرة انها تملك جمالا يستطيع أن يلفت الانظار .كما ادركت بروك ان لوسيا بدأت تتصرف وكأنها انسانة جديدة تماما .
العيون نوافذ القلب
أما وقد التزمت بموعد محدد مع بول ، فلم يعد أمام بروك أى مجال للتراجع .كانت وكأنها على متن زورق بخارى لا تملك هى دفته ، يسير بها نحو المجهول بدون ان تستطيع منعه أو حتى التفكير فى المصير الذى ستؤول إليه . وجدت نفسها فجأة فى خضم لا ينتهى من الدعوات . لقد انتشر نبأ خطوبتها ، وبات الجميع راغبين فى التعرف إلى العريس المنتظر . صحيح ان اسمه على كل شفه ولسان ، لكنهم يريدون لقاءه قبل ان توجه اليهم الدعوة الرسمية لحضور حفل الزفاف .
وبصفته الخطيب السعيد الحظ ،كان بول يرافقها إلى كل مكان بدون أن يحاول استغلال وجوده معها ،بل كان يتصرف بكل أدب وفروسية ....... وفى احيان كثيرة بنوع من الحذر .كان الجميع يتصورون ان خطبة بروك وبول مع هذا هى تتويج لاجمل قصة رومانسية فى المنطقة ، وقد تجاوب بول مع هذا التصور وراح يتصرف وكأنه غارق حتى أذنيه فى الحب علنا على الأقل ، لأنه لم يكن يظهر ذلك أبدا وهما لوحدهما .
عادت ليليان مرة أخرى إلى لعب دور المضيفة بعد ان بات تحت تصرفها مبالغ لا تعد ولا تحصى . فإلى جانب الحفلات المنوعة التى اقيمت بمناسبة أو من غير مناسبة . فقد بدأت التحف والأثريات التى بيعت خلال الفترة الماضية تجد طريقها مجددا إلى وينترسويت .وفى هذه الأثناء ، حدد بول موعد الزفاف فى الحادى عشر من شهر كانون الثانى المقبل ، وهو ذكرى ميلاد ليليان . ولم يعد أمام بروك مجال للتراجع ، فكل الذين تعرفهم سعداء بالحدث ..... باستثناء كارلا طبعا .
كانت حفلة الخطبة رائعة جدا ، حضرها ما يزيد عن ثلاثمائة مدعو ، وهو ما لم يحدث حتى فى زمن الجد الأول . وبعد الحفلة انهمك جميع الأهل والأصدقاء بالاستعداد للزواج . لقد انشغلت ماجى بالبحث عن التحف والاثريات التى بيعت ، وراحت تعرض على اصحابها الحاليين اسعارا لا يمكن ان يرفضوها . وكل ذلك من أجل اعادة وينترسويت إلى سابق مجده قبل حلول موعد الزفاف . وإلى جانب عمل ماجى ،كان هناك عشرات من العمال الزراعيين البنائين للعمل فى الحدائق وبعض الغرف الداخلية . هذا بالاضافة إلى مئات الهدايا التى انصبت على البيت قبل الزفاف على عادة اهل استراليا فى هكذا مناسبات .
ووسط دوامة العمل هذه ، اكتشفت بروك فى بول الجانب العملى الذى جعله يقوم بالعديد من القضايا بدون أن تظهر عليه علامات الارهاق والتعب . فهو يرافق بروك إلى كل مكان ، ويوجه ماجى فى سعيها لاعادة التحف ، ويزور وينترسويت كل يوم للاشراف على سير العمل .... بالاضافة الى متابعة شؤون وشجون شركاته واعماله المتنوعة .
تم التوصل إلى تسوية بين ليليان وبول بدون علم بروك التى وجدت انه من غير المناسب الاستفسار عنها ، خاصة وان ليليان ولويز كانتا سعيدتين للغاية وهما تعدان كل ما يلزم للحفلة الموعودة . ومع ان بروك كانت تشعر بالمرارة إلى حد ما ،الا انها لم تظهر مشاعرها هذه علنا ... فبول لا يمكن ان يتحمل غضبها ومشاكلها .
فى الليلة التى تسبق موعد الزفاف ، انعزلت بروك فى غرفتها وغرقت فى نوبة بكاء حادة . وكانت تتمنى لو تبقى هناك إلى الابد ، لولا ان امها وقفت خارج الباب وهى تقول :
" افتحى لى الباب يا حبيبتى "
ارادت بروك ان تصم اذنيها عن صوت امها ، لكنها تعرف ان ليلان لا يمكن ان تتراجع ابدا . لذلك مسحت دموعها بسرعة وفتحت الباب لامها التى كان يبدوعلى وجهها القلق البالغ :
" ابنتى الغالية ! لا تبكى يا عزيزتى ، يجب ان تكونى فى اجمل حلة تمهيدا لحفلة الزفاف "
وبدلا من ان تخفف هذه الكلمات من الجو المأساوى ،ازدادت الحالة سوءا .... وعادت نوبة البكاء إلى بروك التى انطرحت على الفراش وهى تنتحب بشدة . فى هذه الأثناء ، دخلت لويز الغرفة لتشاهد أختها على هذه الحالة ، فصرخت :
" ماذا حدث يا أمى ؟ ماذا فى الأمر ؟ "
ردت ليليان بنعومة :
" لا شئ ، مجرد شعور بالحزن المفاجئ يحدث دائما قبل الزفاف "
توجهت لويز إلى شقيقتها وراحت تمسح على رأسها وهى تقول :
" سيكون زفافا رائعا يا بروك .فستانك وفستانى من صنع افضل المصممين .ولا تنسى ان تعطينى باقة الورد عندما تنتهى مراسم الزفاف"
ابتسمت ليليان :
" لا تقلقى يا حبيبتى . جمالك سيبهر الابصار فى لندن .ارى ان نذهب إلى هناك أولا . فالسفر يعطى المرء متعة ما بعدها متعة ،وقد وعدت بول بزيارة شقيقته فى كينيا .اعتقد ان لديهم املاكا شاسعا هناك .... واغلب الظن انهم لا يعترفون بلوسيا . لقد فعلت المعجزات مع هذه الصغيرة ،فهى تبدو صارخة الجمال هذه الأيام "
نادى لويز أختها :
" بروك ؟ "
جلست بروك فى سريرها تمسح الدموع عن وجنتيها وتقول :
" لا باس الآن ، اذهبا إلى النوم . فأنا أبكى دائما عندما أكون فى حالة من السعادة الغامرة "
كانت يداها ترتجفان ، لكنها حاولت اخفاءهما عن امها واختها . نهضت ليليان وهى تقول :
" اجل . يجب ان نذهب إلى النوم " . ثم سارت نحو ابنتها الصغرى وقبلتها قائلة :
" فليباركك الله يا حبيبتى .اعرف اننى سأبكى غدا ،فنحن عائلة واحدة مترابطة ...."
قاطعتها بروك من بين شهقات البكاء :
" ارجوك يا أمى "
" انت متعبة يا صغيرتى بعد كل ما جرى لك مؤخرا . انزلى الى المطبخ يا لويز واحضرى لاختك كوبا من الحليب "
ابتسمت بروك وهى تقول :
" افضل شيئا ساخنا "
قالت الأم :
" اسرعى يا لويز , فصغيرتى الحبيبة تحتاج إلى شئ يهدئ أعصابها "
" هذا صحيح , فأنا على وشك الانهيار "
جمدت لويز فى مكانها للحظات وقد عقدت الدهشة لسانها , ثم قالت :
" انت تحبينه يا بروك , أليس كذلك ؟ "
انفجر فى داخل بروك كل ما تعتمل به نفسها من غضب وحزن , وقالت :
" طبعا يا عزيزتى . هل أنت متأكدة ان ذلك لا يزعجك ؟ لم يمض وقت طويل عندما كنا نخطط لعرسك أنت "
ردت لويز بلطف بدون ان تتأثر من كلام شقيقتها :
" لم اكن مناسبة لبول , أما انت فقادرة على التعامل معه . انت تعرفين اننى لا اغار منك . اعتقد ان بول مريح كصديق , لكن من الصعب العيش معه كزوجة ... على الأقل بالنسبة لي . كل الناس يحسدونك . لماذا برأيك سافرت كاثي بينتون الى الخارج ؟ لم تكن قادرة على البقاء هنا ومشاهدتك وانت تفوزين بافضل رجل فى المدينة . بول رائع وساحر ... لكننى أحبه اكثر عندما يكون صهرى "
اكدت ليليان كلام ابنتها قائلة :
" امك يا عزيزتى تعيش فرحة لا توصف . عندما اخبرتنى فى بادئ الامر ان بول يريد الزواج منك لم اصدق اذنى , لكننى ارى اليوم ان الامور تسير الى النجاح الباهر . فانت تتعاملين بامتياز مع لوسيا التى تحبك كثيرا , وكل ذلك بسبب خبرتك السابقة كمدرسة . اقسم لك اننى سأحب زوج ابنتى , اساسا لانه حفظ وينترسويت للعائلة . على الشبان المقبلين على الزواج ان يبدأوا حياتهم فى بيت خاص بهم , وليس افضل من وينترسويت لك وله . لا شك ان جدى سيكون سعيدا جدا لهذه الترتيبات "
اغرورقت عينا ليليان بدموع الحزن والفرح , ثم تابعت تقول :
" والآن يا عزيزتى سأتركك تنامين . فأمامنا يوم حافل عند الصباح "
وضعت ذراعها حول خاصرة لويز وقالت بلطف :
" دورك قريب يا حبيبتى ... امك ستتدبر كل شئ "
بدا على وجه لويز نوع من الشك بقدرة امها , وقالت :
" نسيت ان اخبرك ان باتريك طلب منى الزواج "
ردت ليليان وهى تجر ابنتها معها :
" مسكين باتريك ... انه غير مناسب لك على الاطلاق "
اجابت لويز وهى تغلق الباب :
" ستستغربين كثيرا اذا ما حدثتك عن التغيير الذى طرأ عليه "
ضحكت بروك بهدوء عندما وصلتها عبارة لويز الأخيرة .. فهى لم تجد الوقت الكافى لكى تلاحظ كيف ان اختها الكبرى باتت اكثر قوة وارادة خلال الاشهر القليلة الماضية.
غصت الكنيسة بحشد كبير من الأهل والاصدقاء والمعارف اللذين دعيوا الى حفلة الزفاف . كان الوقت بعد الظهر , والطقس مشمس جميل . تهادت الصبايا بازيائهن المتنوعة الجميلة وقد حملن باقات الورود المتناسقة والمزينة باشرطة ملونة . بدت ليليان اصغر من عمرها بسنوات كثيرة , وقد وقفت الى جانبها لويز ثم ايما وجين كارينجي وهما صديقتا الطفولة ... واخيرا لوسيا بثوبها الوردى الرائع . ومن جهة الرجال وقف الدكتور الأنيق اليساندرو بويتو ورجل الأعمال البارز روس ماكلاري ابن الثري الكبير جورج ماكلاري .
فى آخر الكنيسة كانت بروك ترتجف وكأنها تعيش فى جليد القطب الشمالي . وجهها شاحب , متوتر ... واكثر جمالا من اى وقت مضى . اما فستانها فقد سرق انظار الجميع بجماله وحسن تصميمه والتطاريز العديدة التى تزينه . واخيرا حان وقت السير باتجاه المذبح حيث ينتظرها الرجل الذى سيصبح زوجها .
مرت المراسيم بدون ان تفقه بروك اى شئ مما يجرى حولها . كانت مشاعرها مرتبطة بالرجل الطويل الغامض الذى يقف الى جانبها . فهى غير قادرة على الذهاب معه الى الفراش بالرغم من انه اصبح زوجها شرعيا . لم يحن الوقت بعد . اذ انها ما تزال تعانى من صدمة ما اقدمت عليه قبل قليل , من ربط نفسها وجسدها برباط الزوجية مع بول كوريللي .
وقف جنبا الى جنب فى وينترسويت لاستقبال المهنئين الكثر . على وجه بروك ابتسامة صفراء بينما الغصات تمسك قلبها بقبضة من حديد . وظلت على هذه الحالة لعدة ساعات لمحت كارلا خلالها وهى تنظر اليها شذرا فى اكثر من مناسبة . وعندما حانت لحظة فراغ , تقدمت كارلا من العروس قائلة :
" تهانينا ايتها الصغيرة . لقد حصلت على رجل غير عادي كما تعرفين , انا اؤكد ذلك لانه كان لى قبل ان تحصلى عليه "
ردت بروك بعنف وكأنها ترفض الشك بصدق زوجها الجديد :
" اننى لا اصدق كلمة مما تقولين "
فوجئت كارلا بعنف جواب بروك , فقالت :
" لماذا لا تسألينه بنفسك ؟ "
ابتسمت بروك امام الاعين التى تحدق فيها وقالت :
" لا حاجة لذلك . استميحك عذرا يا كارلا , فلوسيا تؤشر لى كي اراها "
وبالفعل كانت لوسيا تحاول لفت انتباه بروك كي تمنع كارلا من الانجراف وراء غيرتها ... فتزعج العروس فى احلى ليالى العمر .
قالت لوسيا :
" هل كل شئ على ما يرام يا بروك ؟ ارجو ان لا يزعجك ما قالته كارلا , فهى غير مدركة لما تفعل الآن "
وقبل ان تجيب بروك , عاد بول الى جانبها , طويلا جذابا ساحرا . اقترب منها هامسا :
" حان موعد ذهابنا يا حبيبتى "
تضرجت وجنتا بروك بالدم وهى تحس ان اللحظات الحاسمة قد دنت . اما لوسيا فقد القت نفسها بين ذراعي ابيها الذى ضمها اليه وعانقها بابوة حانية وراح يكلمها بالايطالية . وبعد لحظات ابتعدت الصبية عن ابيها واقتربت من بروك قائلة :
" اننى فى قمة السعادة لاننا اصبحنا عائلة واحدة الآن "
التمعت عينا بروك بدموع الفرح وهى تلاحظ صدق كلمات لوسيا وسعادتها , وقالت :
" شكرا لك يا حبيبتى "
كان البيت ما زال مزدحما بعشرات المدعوين الذين توزعوا فى الغرف والقاعات حول الموائد العامرة بما لذ وطاب من طعام وشراب , رغم ان الساعة قد قاربت العاشرة مساء تقريبا . وبدا عليهم انهم غير مستعجلين لمغادرة هذا البيت المميز وهذين العروسين الرائعين .
امام اصرار بول , وافقت بروك مسبقا على تمضية شهر العسل القصير فى الخارج . وتم الاتفاق ايضا على ان يمضيا ليلة الزفاف فى شقته , ثم يسافرا فى الصباح الى مدينة سان فرانسيسكو لتمضية اسبوع فقط . ذلك ان التزامات بول العملية لا تسمح له بالغياب اكثر من هذه الفترة . لكنهما سيذهبان فيما بعد فى رحلة طويلة حول العالم يكونان فيها بعيدين عن الاعمال والمتاعب .
ظلت التهانى تنهمر عليهما حتى اقلعها بالسيارة مغادرين وينترسويت . وآخر شئ شاهدته بروك كان وجه شقيقتها لويز الملئ بالسعادة والمحبة , والى جانبها باتريك . عندما اجتازت السيارة البوابة الخارجية , اراحت بروك رأسها وكأنها تنفض عن نفسها متاعب اليوم كله .
قال بول بهدوء :
" انتهى الامر الآن "
اجابت بصوت هستيرى :
" لا , انها البداية الصعبة "
رد بمرارة :
" اهدأى يا حبيبتى . اننا زوجان الآن وانا مرتاح لذلك . لقد وعدتك باحترام كل رغباتك وتلبية كل طلباتك "
ادارت وجهها الى الخارج وهى تسأل :
" متى موعد السفر غدا ؟ "
حدق فيها لثوان قليلة ثم قال :
" ليس باكرا , عند الظهر تقريبا , لقد كنت فخورا بك جدا "
لم تجب بروك على الفور , اذ ان شيئا عاطفيا عميقا فى صوت بول مسها فى الاعماق . ولو ان زوجها حاول لمسها فى تلك اللحظات لكانت انفجرت باكية تنفض دموعها كل ما احتقن فى نفسها خلال اليومين الماضيين .
اغمضت بروك عينيها وكأنها تسجن مشاعرها فى الداخل ... وعندما فتحتهما مرة اخرى كانا قد وصلا الى شقة بول .
خفق قلبها بشدة غريبة , لكنه ظل يتصرف بلطف وحنو , قال لها :
" تعالى ايتها الطفلة الصغيرة قبل ان تتخلى عنى "
ترددت للحظات ثم اعطته يدها , فسحبها من السيارة وضمها الى صدره بلطف وراح يحدق فى عينيها الخضرواين اللامعتين .
قالت :
" ارجوك دعنا نصعد . ان ثوب الزفاف يزعجنى "
رفع احد حاجبيه متسائلا :
" حقا ؟ اننى احبه . فلولا ثرثرتك النسائية لكنت ساحرة الجمال فعلا . قولى لى : لماذا لم تتغيرى ؟ "
ردت بقسوة :
" لم يكن هناك مجال لذلك "
كانت بروك تخشى هذا الرجل , لكنها تخشى اكثر ضعفها امامه . وعندما وصلا الى الشقة سألته هامسة :
" هل عاد جيانى ؟ "
جاءتها ضحكة بول ساخرة عالية وهو يقول :
" ارجوك يا حبيبتى . سوف تصدمينه فعلا بمثل هذا السؤال . فهو يعتقد اننا غارقان فى الحب حتى الاذنين "
أنار بول الاضواء , فسبحت الشقة فى شعاع ملون زادته جمالا اللوحات الموزعة بفن وتنسيق . ظلت بروك للحظات تتأمل هذا المنظر البديع , ثم راحت تزرع القاعة الرئيسية جيئة وذهابا وكأنها تريد الهرب من خيالاتها وافكارها المركزة حول الرجل الواقف يراقبها عند الباب .
انهمرت الدموع غزيرة من عينيها بدون ان تحاول ايقافها او مسحها . انها امرأة متزوجة الآن , وبدلا من ان تتمتع بحياتها الجديدة هاهى ضائعة فى عذاب نفسى اليم . اذ لا مجال لاقامة علاقة عادية مع بول , فهو يريد كل شئ او لا شئ .
قال :
" ماذا بك ايتها الصغيرة ؟"
ردت بدون ان تلتف اليه :
" لا شئ . اننى متعبة فقط "
انضم اليها قرب النافذة وراح يتأمل المدينة الساهرة التى تطل عليها الشقة من علو شاهق . فبدا الى جانبها وكأنه تمثال جميل نحته فنان مبدع .. لكن التماثيل لا تملك مثل هاتين العينين السوداوين , ولا تتكلم بمثل ذلك الصوت العميق الذى يمكن ان يذيب الصخر .
سألها فجأة :
" هل أنت خائفة منى ؟ "
اجابت بروك باستسلام :
" وكيف لى ان اخاف , فأنت زوجى وعلى ان اثق بك ؟"
" اذن استديرى نحوى يا عزيزتى "
اغلقت عينيها عندما احست بكفيه القويتين على كتفيها . سألها بهدوء :
" لماذا هذا التوتر العصبى ؟ هل تعتقدين اننى ساهاجمك مثل البرابرة كما قلت فى احدى المرات ؟ "
قالت بنعومة :
" كلا يا بول "
" اذن افتحى عينيك "
فتحت عينيها لتجده امامها آسرا جذابا مسيطرا . كانت تعتقد دائما انها امرأة عصرية متفتحة , لكنها تكتشف الآن انها مجرد شابة لا خبرة لها فى الحياة . هناك هوة سحيقة بينهما من ناحية الطباع والسلوك . وبقدر ما هى جاهلة فى الشؤون العاطفية , بقدر ما هو سيد وصاحب باع فيها .
كانت ترتجف تحت يديه , لكنها جاهدت كي تظل عينيها فى مواجهة عينيه الحادتين . لمس شفتيها السفلى باصبعه وقال بلطف :
" عندى هدية خاصة لزوجتي . كان يومى رائعا ايتها الصغيرة فلا تفسديه الآن . بعد لحظات ستغرقين فى النوم . غرفتى لك , اما انا فسأنام فى غرفة الضيوف "
مسحت بروك الدموع عن وجنتيها وقالت :
" عندي لك هدية خاصة ايضا , لكننى نسيتها فى هذه الظروف "
رد بمرح :
" لا بأس . انا اتوقع الحصول عليها فى وقت لاحق , وسوف أعتز بها كثيرا "
" لكنك لا تعرف ماهى ؟ "
قال بصدق :
" المهم انها منك , أليس كذلك ؟ "
تراجعت بروك الى وسط القاعة , فى حين توجه بول الى خزانة حائط مخفية خلف احدى اللوحات . ثم عاد بعد لحظات حاملا علبة كبيرة مغطاة بالمخمل الأسود وقال :
" انها تحمل توقيع كارتييه ... فانا لم أشا تقديم شئ عادى لك "
فتح العلبة أمام عينيها المندهشتين , واخرج عقدا من الماس المرصع بالزمرد على اطار من الذهب والبلاتين مع قرطين مماثلين .
همس وهو يعلق العقد والقرطين :
" انها باهرة ... أليس كذلك ؟ "
لم تستطع بروك السيطرة على اضطرابها , فقالت بدون وعى :
" لايمكن ان اضعها ابدا "
رد بصوت عميق هادئ :
" على العكس , ستضعينها الآن . اسمحي لى ان اعلقها يا حبيبتى . استديري ايتها العزيزة , وبعد ذلك يمكنك الذهاب الى غرفة النوم "
لامست اصابعه الدافئة رقبتها وهو يضع العقد , ثم جرها الى المرآة لكى يريها المجوهرات وقد زينت صدرها واذنيها . لم تكن بروك تتخيل ان يستطيع رجل ما ان يقودها كما يفعل هذا الرجل ... زوجها الذى لم يصبح زوجها بعد .
قال بصوت هامس :
" انها اجمل من كل الكلمات . لكن عليك ان تثقبى اذنيك , ويمكننا ان نفعل ذلك فى سان فرانسيسكو . انها اجمل مدن العالم , واظنك ستحبينها خاصة واننى سآخذك الى كل المعالم المهمة فيها . على فكرة اخى يقيم هناك . وفى المدينة جالية ايطالية كبيرة ... واؤكد لك انهم اناس شرفاء وليسوا من المافيا . فى البدء فكرت فى الاقامة هناك , لكن سيدنى تعجبنى اكثر , مع ان المدينتين تتشابهان فى كثير من المميزات "
لم تستطع بروك ان تتجاوب معه , رغم انها تعرف انه يحاول ازالة الكآبة عن نفسها . فهناك اشياء كثيرة تجهلها عنه , اشياء لم تسأله عنها بعد . فقد كان يعيش حياته حتى العمق بينما هى متقوقعة حول ذاتها تحمى البيت الكبير من تجارب العالم . ابعدت يده عن عنقها ببطء وقالت :
" شكرا لك "
رد عليها بتحد واضح , لكن دون غضب :
" الا يمكنك ان تفعلى اكثر من ذلك ؟"
قالت بنعومة :
" ليس الآن . كل شئ جديد بالنسبة لى يا بول . فأرجو ان تقدر ذلك وتصبر ؟ "
وضرب جبينه بباطن كفه وقال مبتسما :
" يا الهى . الصبر ليس من مميزاتى . واتمنى ان لا تطلبى منى الانتظار لمئة سنة ؟ "
" سبق لنا واتفقنا على التفاصيل "
قال بصوت ناعم ساحر :
" معك حق , فأنا لا اريد التنصل من وعودي . على كل , عناق عابر من عروستى ثم اذهب الى فراشي فورا " . وعندما لاحظ ترددها تابع قائلا :
" تعالى اكتشفي الامر بنفسك "
وعندما لاحظ الدموع تترقرق فى عينيها , تجهم وجه قليلا وهو يقول :
" حسنا ايتها الصغيرة ., يبدو ان ضميرى تغلب على " . ثم رفع يدها الى شفتيه وتابع قائلا : "
من اجلك انا على اتم الاستعداد لاعادة ترويض نفسى ... لكننى رجل ضعيف وفضولي , ولايمكن ان انام قبل ان احصل على عناق صغير "
رفعت بروك وجهها نحوه وهى مغمضة العينين ولثوان قليلة شعرت انه نقلها الى عالم آخر لم تعرفه من قبل . لكنها سرعان ما عادت الى هواجسها فابتعدت عنه قائلة :
" ارجوك يا بول "
نظر اليها بمحبة قائلا :
" حبيبتى "
" اريد ان اذهب الى النوم "
رد بصوت متهدج :
" وانا كذلك ايتها العزيزة ... حسنا يا صغيرتى , فعندما تصممين على شئ فلاشك انك تقفين عنده "
ارخى ذراعيه من على كتفيها , لكنها لم تتحرك من مكانها . قال لها وقد لاحظ ارتباكها :
" آمل ان تكونى قادرة على تغيير ملابسك لوحدك ؟ فلست ارغب فى القيام بدور المربية فى ليلة عرسي "
ثم رفعها بين يديه وادخلها الى غرفة النوم قائلا :
" قولى انك لا تقصدين فعلا كل ما قلته الليلة "
عندما انزلها بول من بين يديه الى السرير , راحت تتأمل تقاطيع وجهه الاسمر وهو واقف الى جانبها . فى تلك اللحظات احست انها بدأت تحبه بشكل او بآخر . قالت له بعد لحظات :
" تصبح على خير يا بول "
اجابها بجفاء :
" وانت بخير يا سيدة كوريللي . اذا سمعت صراخا فى الليل فذلك سيكون ناتجا عن كوابيس تصيبنى فاياك ان تذهبي للاهتمام بى , فقد اعتبرها خطوة ايجابية "
امضى العروسان اسبوعا حافلا فى سان فرانسيسكو , واشتري لها بول معطفا من الفرو وحذاء جلديا سميكا لمواجهة موجة البرد هناك . لكن البرودة لم تمنعهما من التسوق والسياحة وزيارة جبل تامالبيس الذى يطل على المدينة بأسرها . كما زارا المطاعم الشعبية المنتشرة على الشاطئ وتناولا فيها الاسماك الطازجة المطبوخة بمهارة , وتجولا فى المعارض والمتاحف والحى الصينى حيث اشتريا الكثير من الهدايا . وقام بول برفقة زوجته ايضا بزيارة صديق فنان يقيم فى شارع الفن القريب من جسر سان فرانسيسكو المشهور .
وفى الليلة التى تسبق عودتهما الى سيدنى , اقام شقيق بول واسمه ماركو حفلة عشاء خاصة على شرفهما فى واحد من المطاعم العديدة التى يملكها فى الحى اللاتيني . وعندما وصل بول وبروك الى المطعم , كان المكان قد ازدحم بالضيوف الذين اتوا لتهنئة العروسين . لم يكن بول يشبه شقيقه ماركو الا فى شئ واحد الديناميكية والطاقة الخلاقة ... والقدرة على جمع الثروات . كان ماركو اقصر من اخيه , لكنه ممتلىء القامة اكثر . سبق له الزواج مرتين , وفى المرتين انتهى الزواج بالطلاق . اما الآن فهو بصحبة شابة شقراء رائعة الجمال كانت تقف الى جواره فى الحفلة .
كان الجو الحماسى يملأ المطعم , وكثيرون يتكلمون باللغة الايطالية مما يظهر عمق العلاقة التى تربط الايطاليين ببعضهم البعض . ولم تجد بروك صعوبة فى ملاحظة انها حازت على رضا الجميع ... ولذلك وجدت نفسها على مائدة واحدة مع ماركو وعدد من الايطاليين . ثم بدأت الحفلة .
هذه هى المرة الأولى التى تتناول فيها بروك مثل هذا الطعام اللذيذ وبهذه الكمية . كانت الاطباق تروح وتجئ مثلما تدور الاحاديث الضاحكة الطريفة على ألسنة الجميع . وعندما حان موعد الرقص , اقترب بول منها داعيا اياها الى الساحة .
قالت مبتسمة :
" لاشك ان ماركو كان كريما معنا , اذ لم يسبق لى ان تناولت مثل هذا الطعام "
" لقد اثرت فيه بجمالك الخلاب ... لكن تذكرى انك زوجتى انا "
وبدون وعى , رفعت بروك يدها وراحت تداعب وجنة زوجها الناعمة . كانت هذه هى المرة الأولى التى تقدم فيها على مثل هذه الخطوة ... لكن التأثير كان سريعا وواضحا :
" اياك ان تلعبى بى يا بروك "
ابعدت يدها عنه بارتباك :
" انا متأسفة "
قال بحدة :
" يجب ان نعود الى الفندق بعد نصف ساعة فقط "
ارادت ان تؤذية عامدة بعد اسبوع من السياحة والفرح و ... الهدوء , فقالت :
" اعتقدت انك مستمتع هنا ... مثلى انا تماما . طلب منى صديقك دينو ان ارقص معه , لقد وعدته برقصة "
سألها وعيناه لا تحيدان عنها :
" وهل تريدين الرقص معه ؟ "
كذبت عليه قائلة :
" طبعا ... طبعا . فالايطاليون راقصون ماهرون بالسليقة "
خاطبها بلهجة تحذير :
" اياك من السير فى هذا الطريق الوعر "
عندما انتهت الموسيقى , اقتربت فتاة شابة رائعة الجمال وامسكت ذراع بول قائلة :
" هل استطيع ان ارقص مع زوجك ؟ "
" لوقت محدد فقط "
وما ان ابتعدت الفتاة مع بول ، حتى اقترب دينو يسأل بروك عما إذا كانت تسمح له بالرقصة التالية . وافقت بروك على الفور وكأنها تريد الانتقام من علاقتها غير الطبيعية ببول . ووسط الساحة ، راح الشاب الايطالى يدندن فى اذن بروك لحنا عاطفيا معروفا . سألته ضاحكة :
" هل هناك شخص ايطالى يجهل الغناء ؟ "
رد مبتسما :
" طبعا ، هناك الكثيرون . ان بول محظوظ جدا لأنه عثر على زوجة جميلة مثلك "
فتحت عينيها الخضراوين بدهشة :
" ألست أبدو غريبة إلى حد ما ؟ "
وافق بحماس :
" طبعا .اذكر ان بول كان يحب دائما ذوات الشعر الأحمر "
" حقا . اخبرنى المزيد عنه ارجوك "
قال دينو وكأنه غير متحمس للحديث عن بول :
" انه رجل عملاق ... فعلا عملاق . وهو يحب اللون الأحمر كما يحب الفنان التشكيلى اشهر لوحة عنده "
ابتسمت بروك وهى تستمع إلى كلام دينو . لكن البسمة ماتت على شفتيها عندما لمحت من فوق كتف رفيقها فى الرقص زوجها وهو بين ذراعى الشابة الجميلة .
انه ينظر إليها بابتسامة ساحرة ، ربما ردا على شئ همسته فى اذنه .وفجأة أحست بأن النيران تأكل أعصابها وشرايينها .فهى لا تريده ان ينظر إلى امرأة أخرى غيرها ... واستغربت من أين جاءها هذا الشعور بالغيرة العمياء .عاد دينو ليهمس فى اذنها اغانيه العاطفية . اما بول فلم يكلف نفسه عناء الالتفات نحوها ولو لمرة واحدة . وفى لحظات تحولت فرحتها فى الحفلة إلى ضيق لم تستطع تفسير اسبابه . ودون وعى منها راحت تسأل دينو عن مختل تفاصيل حياته ، من غير ان تنتبه فعلا إلى أجوبته المطولة .
منتديات ليلاس
وأخيرا جاء بول يطالب بزوجته مخاطبا دينو بجفاء :
"هل تسمح لى الآن يا دينو "
انسحب الشاب بهدوء وهو يقول :
" بالتأكيد يا صديقى العزيز . لقد سحرتنى زوجتك الجميلة الرائعة "
أجاب بول بنعومة :
" شكرا على اهتمامك بها " . ثم التفت إلى زوجته بعد ابتعاد دينو وقال :
" حان وقت الذهاب إلى الفندق يا صغيرتى "
ردت عليه بحدة :
" لا أريد ان امتدح نفسى .... لكنك تغار على "
اجابها بلطف :
" دعك من هذا .لماذا أغار عليك ؟ من سيهتم بامرأة ذات شعر أحمر ..... وقلب كالجليد ؟ "
قالت وهى تخفى غضبها :
" ماركو ينظر نحونا ... فلا ضرورة للشجار أمامه رجاء "
شبك يدها بيده ، وسارا معا باتجاه ماركو وهو يقول :
" لا ....... فقد ينقلب الجميع ضدك "
ابتسم ماركو وهو يحتضن اخاه وزوجته :
" عليك ان تحضر لوسيا فى المرة المقبلة . بل يمكنك ان ترسلها لوحدها لقضاء عطلتها معنا . اشكرك على الفرصة التى اتحتها لى للتعرف إلى نسيبتنا الجديدة ، انها رائعة وتناسبك تماما "
شكرته بروك مبتسمة ، ثم غادرت المطعم يدا بيد مع بول الذى راح يودع الاصدقاء ملوحا بيده الطليقة . وقد اقتصر دورها فى هذه اللحظات على رد الابتسامات للمودعين وهى تسير فى ظل زوجها الطاغى بحضوره وجاذبيته . كانا أمام الناس العروسين السعيدين ، لكنهما ليسا كذلك فى الواقع . وطيلة الوقت كان شعور بالكبت والضيق من جراء حياتها الزوجية غير الطبيعية ينمو بصورة غير معقولة تنذر بأخطار عديدة .
فى طريق العودة إلى الفندق افتعلت بروك جدالا لا معنى له . وكانت تشعر بنوع من الضيق فى صدرها ..... فهى تريد أشياء كثيرة من زوجها بدون أن تعرف طبيعة هذه الأشياء .
لقد تصرف معها بلطف وأدب طيلة الوقت ، وكان صبورا إلى أبعد الحدود ، فماذا تريد أكثر من ذلك ؟ جلس بول بعيدا عنها فى سيارة التاكسى ، تاركا إياها فى حديثها المنفرد ..... ولكنه قبض على يدها بشدة عندما غادرا التاكسى وسارا باتجاه المصعد فى طريقهما إلى الشقة الفاخرة فى ذلك الفندق الفخم .
دخلت بروك إلى غرفة نومها على الفور بدون أن تحاول إغلاق الباب فى وجه زوجها . فاذا كانت العيون هى نوافذ القلب فعلا ، فإن بول يتأرجح الآن على حدود الانفجار الشامل . فهو صاحب كبرياء وكرامة ، ويرفض ان تعامله اى امرأة بمثل هذا الأسلوب .
ألقت معطف الفرو عن كتفيها ، ثم مدت يدها إلى السحاب لتنزله ...... لكنه علق بعناد ولم تفلح كل محاولاتها ، فصرخت بنفاد صبر . قال لها بول الذى كان يقف عند الباب :
" لماذا لا تدعينى أفك السحاب ؟ "
أجابته وهى تواصل محاولاتها الفاشلة :
" شكرا لك ..... لا ضرورة لازعاج نفسك "
علق قائلا :
" سوف تمزقين الفستان"
توترت أعصاب بروك وهى تراه مقبلا نحوها , وقبل أن يمد يده قالت بخوف :
" أرجوك يا بول "
دعك من هذه السخافات "
وبقوم غير متوقعة ، ادارها بعيدا عنه وانزل لها السحب حتى نهايته .
قالت له بسرعة :
" شكرا لك .... هذا لطف منك "
" الن تنزعى الفستان الآن ؟. "
" ليس قبل ان تذهب "
وجه اليها نظرة حادة وقال :
" انت خجولة جدا حسب ما لاحظت ؟ لماذا تحاولين دائما اخفاء نفسك عنى ؟ فانا اعرف كيف هن النساء "
تملكتها موجة غضب عارمة وقالت :
" هذه هى مشكلتك الأساسية "
حذرها بول بصوت حاسم :
" لا ضرورة لمثل هذه الكلمات "
واجهته بتحد وهى ترفع شعرها عن وجهها :
" وما المانع ؟ "
" لأن الكلام غير صحيح ، وانا لا اطيق سماعه . هل ستعمدين إلى التشهير بى طيلة العمر لأننى أب لطفلة غير شرعية ؟ لم احب لوسيا ، لكنها احبتنى بعمق " . حدق بها والغضب يشرقط من عينيه ، ثم اضاف :
" اذهبى إلى النوم ايتها الصغيرة الغبية فأنا لا أريد أن ألمسك ابدا "
اجتاحتها رغبة فى ايذائه كما اذاها فى كلماته الاخيرة :
" انا سعيدة لهذا الموقف ...... فلست استطيع تحمل لمساتك ابدا "
قال :
" اعرف ذلك ، فأنا لم أتزوج من اجل الحب "
صدمتها كلماته بشدة ، بحيث لم تجد نفسها الا وهى تسقط على الأرض غائبة عن الوعى . وعندما استفاقت بعد قليل وجدت نفسها بين ذراعى بول ، الذى سألها بصوت قلق :
" ماذا حدث ؟ "
نظرت اليه بعينين ضعيفتين :
" لست أدرى ! لااشعر باى شئ على الاطلاق "
رفعها الى السرير وهو يقول :
" لقد اثرت الرعب فى قلبى . اعترف اننى اردت جرحك ...... ولذلك فأنا أعتذر "
ردت بضعف :
" أنا أعتذر أيضا . لقد أمضينا اسبوعا رائعا ، ولست أدرى لماذا أثرت كل هذه المشاكل الليلة "
قال بهدوء :
" انتهى الأمر ، لعلنا اجهدنا انفسنا فى هذه المدينة ،فأنا ألاحظ انك متعبة جدا "
قالت بدون ان تترك يده :
" لقد احببت رحلتنا هذه . ارجوك لا تغضب يا بول ، فأنا لا أثير مشكلة اوسيا أمامك دائما . كيف يمكن ان أفعل ذلك وأنا أحب ابنتك كثيرا ؟ انها فتاة طيبة القلب ، وأريد ان اساعدها وأحميها واؤمن لها حياة سعيدة مريحة "
سألها بلطف :
" اين قميص النوم ؟ "
" انه معلق فى الخزانة "
" سأحضره لك "
جلست فى مكانها وهى تقول :
" أصبحت فى وضع أفضل ، وعلى أن أغسل أسنانى ووجهى قبل النوم "
عاد إليها بقميص النوم الفاخر الذى اشترته لها امها خصيصا لشهر العسل وقال :
" سأتركك الآن ..... تصبحين على خير "
همست وقد شعرت انه يبتعد كثيرا :
" تصبح على خير يا بول .... هل انت غاضب منى ؟ "
نظر إليها مليا ثم قال :
" لا ، لست غاضبا منك "
قالت بنفسها بأسى : " يا لى من فتاة تافهة ، لقد اثرت غضبك لأسباب غير معلومة " ، كانت تصرفاتها الليلة طفولية ساذجة ، أثارتها تلك المرأة التى راقصت زوجها فى السهرة .
وسواء اعترفت بذلك ام لم تعترف ، فان شعورها بعدم الاطمئنان هو السبب فى كل متاعبها ؟ فشهر العسل هو وقت للمحبة والحنان ..... وقد حقق لها بول كل رغباتها ، وكان فعلا محبا ورقيقا للغاية .
قال وهو يغلق الباب خلفه :
" اذا احتجب إلى ، فنادينى بسرعة "
ذهب وتركها وحيدة فى اضطرابها وخوفها .... انها متعبة ، متعبة ، متعبة !
وكما يحدث عادة بعد ليلة من المفاجآت والمشاكل ، غطت بروك فى نوم متقطع قلق تخللته الاحلام والكوابيس المزعجة . لم تكن لتعترف حتى داخليا بانها مرتاحة إلى وجود زوجها . وفى الوقت نفسه لم تنس اعلانه صراحة انه تزوجها بدون ان يحبها . فى البداية كانت الاحلام متناثرة تضم اشخاصا وامكنة واحداثا لا علاقة تربط فيما بينهما على الاطلاق . ثم اتضح الحلم ، وعاد بها إلى اللحظات التى سبقت حادث الغرق الذى تعرضت له فى المرفأ . اخذت تحس وكأنها تعيش المغامرة مرة أخرى ، وبشكل حقيقى جدا . فضاق نفسها بشدة وراحت تنتفض فى فراشها محاولة الخلاص من عذاب الحلم . كل أبواب السيارة مغلقة باستثناء الباب المجاور لها ، ومع ذلك لم تستطع الخروج منه . انطلقت صرخة رعب هائلة منها وهى تقاتل من اجل نسمة هواء منعشة فى ذلك الكابوس الثقيل . فجأة أضاء نور ساطع الغرفة المجاورة لغرفتها ، ثم دخل بول مسرعا وقال لها بعد أن ايقظتها صرخة الرعب أيضا :
" ماذا بك بحق السماء ؟ "
ردت بصوت واهن :
" انه كابوس مرعب "
اضاء بول نور الغرفة ، ثم اضاء ايضا مصباحى الطاولة المجاورة للسرير واقترب منها بلطف وهدوء . قالت له :
" آسفة لازعاجك فى هذا الوقت "
اجاب :
" لم أكن قد نمت بعد "
رفعت يديها نحو رأسها وهى تسأل :
" كم الساعة الآن ؟ "
" الوقت المعتاد الذى تستيقطين فيه ...... لقد تجاوزت الثالثة صباحا "
كانت عيناها تعكسان الخوف العميق الذى ما زالت تشعر به من جراء الكابوس . اقترب بول وجلس على حافة السرير قائلا :
" بماذا كنت تحلمين ؟ "
رفعت يدها تبعد الشعر عن جبينها ، فامسك بها بلطف وكأنه يحاول اعطاءها دفعة من القوة والارتياح . قالت وشفتاها ترتجفان بشدة :
" كنت أحلم بحادث الغرق "
ولكا شاهدها وقد اشرفت على البكاء ، صاح قائلا :
" لا تبكى "
فاجأها صوته الحاد ، وقالت :
" لا اظنك تعتقد اننى احاول جرك إلى فراشى "
" سواء حاولت أم لم تحاولى ، فانك تلعبين بالنار "
قالت وهى تحس النار تحرق وجهها :
" لا يمكن ان اكون بلا حياء إلى هذا الحد "
اجابها بحدة :
" حتى مع زوجك ؟ هل تريديننى ان اذهب ام ابقى ؟ والارجح اننا سنذهب الى النوم فورا "
جمدت عيناها فى عينيه وكأنها منومة مغناطيسيا وقالت :
" هذا أفضل "
غابت البسمة الساخرة عن شفتيه ورد بغضب :
" ترفضيننى ايتها المخادعة . وانت تتشوقين إلى "
صاحت بألم قاس :
" اذن ها أنا بين يديك "
وعلى حين غرة رفعها بين يديه قائلا :
" لا داعى للصراخ . ليس الآن يا صغيرتى ، بل فى يوم آخر ، انا استطيع ان اخرج من داخلك المرأة الناضجة المحبة ، لكننى لن أفعل ذلك وأنت فى هذا الحالة المزرية
توقف للحظات وهو يتأملها وتابع :
" انت جميلة جدا ومرغوبة جدا ..... فقط يجب أن تتعلمى معنى الحب أولا "
قالت وهى تريح رأسها على صدره العريض ، وفى الوقت نفسه تحس ذراعيه القويتين تسندان جسمها :
" حاول ان تتذكر انك لا تحبنى كما قلت "
سألها بجفاء :
" أنا لا أحبك ؟ يا لك من فتاة جاهلة "
ثم وضعها على السرير وسحب ذراعه من تحت رأسها قائلا :
" يوما ما ستهمسين فى أذنى الكلمة التى اتوق إلى سماعها . من أجل تلك اللحظة انا اضبط اعصابى بهذا الشكل .... وايضا لأقنعك باننى مختلف تماما عن الصورة التى رسمتها لى فى مخيلتك "
ردت والنعاس يغالب جفونها :
" ارجوك ،دعنى لوحدى "
" لو فعلت ذلك الآن لما استطعت النوم ابدا "
انحنى بول نحو زوجته وقبلها فى جبينها ، ثم وقف للحظات يتأمل وجهها المتعب . واخيرا احكم وضع الغطاء عليها وهو يقول :
" ايتها المرأة ، لااريدك ان تكونى الزوجة ، الضحية "
- دائما كنت لى
خلال الأسابيع القليلة التى تلت شهر العسل ، لاحظت بروك تغيرا واضحا فى تصرفاتها ، وشعرت كأن انسانة أخرى تختلف عنها تماما تولد من جديد . ومع انها لم تكن تتمتع بأوقات مرحة ومسلية ، الا انها كانت فى احسن حالاتها . فقد حل فصل الصيف باشعته الحارقة ، وسرعان ما تلونت بشرتها باللون البرونزى الجميل الذى تناسب مع عشرات قطع الملابس والمجوهرات التى أغرقها بول بها . كما وان رحيل ليليان ولويز فى جولة حول العالم لم يشعرها بالفراغ ، اذ كانت هناك لوسيا تؤنس وحدتها وترافقها فى معظم روحاتها وغدواتها . وبكلمة واحدة ، كانت بروك فخورة جدا كونها زوجة بول كوريللى وسيدة وينترسويت فى آن واحد .
شهد البيت الكبير الكثير من الحفلات واللقاءات الاجتماعية . ولكنها لم تكن مجبرة على القيام باعمال البيت وحدها ، فهناك إلى جانب لوسيا كل من جيانى والجنيناتى اللذين كانا يحضران ثلاثة أيام فى الأسبوع . ومع الوقت راحت بروك تكتشف ان اعمال زوجها الواسعة تبتلع معظم وقته ، فهى لا تعرف متى يغادر عند الصباح أو متى يعود عند المساء . وادركت ان السعادة الاكبر التى يحصل عليها بول هى وجوده بالقرب من زوجته الجميلة الشابة وابنته التى بدأت تخرج من قوقعتها وعزلتها . ومع انه كان محط انظار النساء فى كل الحفلات ، الا انها باتت اقل غيرة من قبل ..... فهذا الرجل هو زوجها الذى يسعى جاهدا من اجل سعادتها ، ولن يسمح لاى شئ بتعكير صفو بيته.
شاهدت بروك وهى فى غرفة نومها سيارة كارلا تعبر البوابة الامامية للبيت , فاحست بانقباض خفيف فى صدرها . والواقع انها لم تستطع الارتياح لوجود كارلا , رغم ان تصرفات هذه الاخيرة منذ انتهاء شهر العسل كانت طبيعية وصحيحة ومحترمة . فقد قررت ان لا تعود الى كينيا بعد الزواج , بل تريد البقاء فى استراليا التى وجدتها مريحة ومسلية على الاقل لمدة سنة . الفكرة الاولى التى خطرت على بال بروك عند سماعها بهذا القرار ان هذه الفتاة الايطالية ما زالت تسعى وراء بول . ولكنها لم تستطع شيئا حيال ذلك . فبما انها قريبة العائلة فقد كانت بروك مضطرة الى دعوتها لكل الحفلات واللقاءات التى كانت تقام فى وينترسويت او خارجه .
لم تكن كارلا مدعوة هذا الصباح , ومع ذلك هاهى داخل البيت . وعلى عجل سرحت بروك شعرها , واسرعت لتقابل الزائرة فى المدخل الرئيسى . وعندما التقتا قالت كارلا بنوع من التحدى :
" صباح الخير يا عزيزتى "
" كيف حالك يا كارلا . كم انا سعيدة برؤيتك "
اجابت كارلا بحدة :
" دعك من هذا الكلام ايتها الصغيرة , انت تعرفين وانا اعرف اننا لا نحب بعضنا بعضا "
سألتها بروك على الفور :
" اذن لماذا انت هنا ؟ "
رفعت كارلا حاجبيها بلا مبالاة وقالت :
" جئت اعيد ولاعة بول التى نسيها فى الشقة مؤخرا ولم يعد لاخذها ... انها ولاعة ثمينة كما تعرفين "
فى هذه اللحظة اطلت لوسيا على السلم , لكنها توقفت فى منتصف الطريق عندما شاهدت كارلا , ثم قالت وهى تنظر الى بروك :
" كيف حالك يا كارلا ؟ "
ردت كارلا ساخرة :
" كيف حالك ايتها القطة الصغيرة ؟ اقتربى منى . فأنا لن آكلك "
قاطعتها بروك بجفاء :
" هل ترغبين فى مشاركتنا بفنجان من القهوة , فأنا ولوسيا كنا نستعد لذلك ؟ "
قالت كارلا :
" لا مانع ابدا " . ثم اضافت وهى تنقل بصرها فى اللوحات والتحف التى تملأ القاعة :
" اننى الاحظ تغييرا ملحوظا فى البيت مقارنة مع آخر مرة شاهدته فيها ؟ "
ردت بروك بارتياح :
" هذا صحيح , فبول ينفق الكثير على البيت "
اخفت بروك مشاعرها المتأججة فى صدرها كى لاتعطى غريمتها مجالا للشماتة بها . فكارلا امرأة صعبة المراس وخطيرة , وهى لا تخفى ابدا مشاعرها تجاه بول . ومع ان بروك مطمئنة الى ان زوجها لا يشعر بشئ تجاه قريبته , الا ان كل الاحتمالات واردة طالما ان العلاقة الزوجية الشرعية بينهما لم تأخذ مجراها الطبيعى بعد .
قالت لوسيا فى محاولة لكسر حدة الموقف :
" هل اخبر هارييت بطلباتنا ؟ "
ابتسمت بروك بلطف قائلة :
" اجل يا عزيزتى , سوف نتناول القهوة على الشرفة , فهناك الطقس ابرد "
هزت لوسيا رأسها موافقة وتوجهت الى المطبخ مسرعة . فى حين التفتت بروك الى كارلا قائلة :
" تفضلى الى الشرفة . وارجو ان تعطينى الولاعة الآن "
فتحت كارلا حقيبة يدها وهى تقول :
" طبعا ... ها هى , فأنا لا اريد الاحتفاظ بها , فهذه مسؤولية كبيرة نظرا لقيمتها الباهظة "
قالت بروك بهدوء بعدما لاحظت ان الولاعة هى تلك التى قدمتها لزوجها فى احدى المناسبات :
" انها قيمة جدا , ذهب من عيار 18 قيراط "
وبينما هى تضع الولاعة فى جيب سترتها , اذ بكارلا تقول بسخرية :
" لا تغضبى يا عزيزتى . انت فتاة حلوة ومتزوجة شرعا من بول , لكنك لن تستطيعى تلبية احتياجاته , او لنقل انك لا تحاولين ؟ "
حدقت بروك مطولا بالمرأة التى تقف امامها , ثم قالت وقد شحب وجهها :
" هل تريدين القول ان بول يزورك باستمرار ؟"
" هذا صحيح تماما "
ردت بروك وهى لا تصدق اذنيها :
" اننى لا اصدق , فذوقه اعلى من ذلك بكثير "
هاجمتها كارلا بلهجة ساخرة :
" الاصح انك لا تريدين التصديق . ان زواجكما ليس طبيعيا , أليس كذلك ؟"
جمد الدم فى عروق بروك وهى تقول :
" ان ما تقولينه يا كارلا خطير جدا . لست ادرى لماذا تتكلمين هكذا , ولن اكون مراعية بعد اليوم ؟ بل اقول لك انك شخص غير مرغوب فيه فى هذا البيت "
ابتسمت كارلا بلا مبالاة وقالت :
" يالك من فتاة ساذجة . فعلى الرغم من ذكائك ومركزك المرموق فى المجتمع , فانك متعطشة الى حب زوجك . صحيح انه يعطيك الثورة الطائلة لتلعبى دور سيدة البيت الكبير ... لكن الواقع مؤلم ومبك فعلا "
تعمدت بروك الكلام بهدوء , وان كانت تتمنى لو ترمى غريمتها خارج البيت بلمح البصر :
" ولماذا ابكى واتألم ؟ زوجى يعاملنى بلطف وتفهم , لوسيا الصغيرة سعيدة جدا بعيدا عنك , وانا غير ضعيفة امامك ! لا اريد ان اطردك الى الخارج ., لكننى اتمنى ان ترحلى على الفور ... فنحن لا نناسب بعضنا ابدا "
ألحت كارلا فى الكلام متجاهلة طلب بروك :
" ايتها العروس الحزينة ... اننى سعيدة لهذا الحديث الممتع " . تمهلت للحظات قبل ان تتابع : " لا ضرورة لطردى , سأذهب من تلقاء نفسى "
ثم اطلقت ضحكة مجلجلة قبل ان تنهض وتسير باتجاه السلالم , ثم الى خارج البيت .
ظلت بروك واقفة هناك تراقب رحيل كارلا الى ان جاءها صوت لوسيا من الخلف :
"هل ذهبت ؟ "
" طلبت منها شخصيا ان تذهب "
قربت لوسيا مقعدا خشبيا من بروك وقالت :
" انا سعيدة . والآن نستطيع تناول القهوة بمفردنا . كانت كارلا دائما صانعة مشاكل , حتى ان آنا لم تكن تحبها ابدا . صحيح ان ابى دفع تكاليف رحلتها , لكن كان من المفروض ان تعود منذ مدة "
" حسنا , دعينا نتناول القهوة "
كان عليها ان تخفى عن تلك الصغيرة البريئة ما يعتمل فى داخلها من حقد وغضب , لذلك قالت :
" ما رأيك بدعوة كيت وميليسيا بعد الظهر ؟ لقد نظف جياني حوض السباحة ويمكننا ان نطلب من هارييت اعداد غداء سريع لكن ؟ "
ظهرت بشائر الفرحة على وجه لوسيا التى هتفت :
" هل استطيع فعلا "
ردت بروك بعطف وحنان :
" ليس من الضرورى ان تطلبى . هذا بيتك بقدر ما هو بيتى , وانا اريد رؤيتك سعيدة بين صديقاتك "
فى هذه الاثناء وصلت هارييت حاملة صينية القهوة , وقالت عندما وجدت ان الضيفة قد رحلت :
" هل تريدان القهوة فى الغرفة الشمالية ؟"
هزت بروك رأسها بهدوء :
" اجل , شكرا لك يا هارييت . ما رأيك بتناول القهوة معنا ؟"
تناولت هارييت مقعدا وقالت بسرور :
" لن ارد طلبكما . والآن ماذا اسمع عن مجئ بعض الضيوف بعد الظهر ؟ "
ردت لوسيا وهى تدور حولها :
" صديقتان فقط يا هارييت "
اجابتها هارييت مبتسمة :
" اننى اسأل فقط كى اعد الطعام اللازم ... فلا مشاكل فى هذا البيت "
لقد كان هناك شئ ما يشغل بال سيدة البيت , لكن هارييت لم تجد من المناسب طرح الاسئلة فى هذا المجال .
حل بعد الظهر وجاءت الصديقتان كيت وميليسيا لزيارة لوسيا . وبينما الفتيات الثلاث ملتهيات فى حوض السباحة , دخل جياني ليعلن لبروك ان السيدة سيمونز جاءت فى زيارة للأسرة . نهضت بروك مضطرة لترحب بالزائرة غير المتوقعة وتمضى معها بعض الوقت فى احاديث متنوعة . وبعد حوالى الساعة تقريبا تلقت اتصالا هاتفيا من صديقتها ماجى التى يبدو انها احست بما يشغل العروس الجديدة . اذ لم يمض وقت طويل الى الاتصال , حتى كانت تصعد سلم وينترسويت للقاء بروك .
قالت بروك مرحبة :
" اننى سعيدة جدا لهذه الزيارة يا ماجي "
قبلت ماجى وجنتى صديقتها وقالت بصوت متلهف :
" صوتك على الهاتف لم يعجبنى . والآن هيا اخبريني بمشاكلك . فليليان ولويز ليستا هنا , وانا صديقة حميمة وحافظة اسرار ايضا "
قالت بروك وهى تفكر :
" انك اكثر من طيبة معى يا ماجى . على فكرة , لوسيا تود ان تشكرك على الهدية الجميلة التى تلقتها منك "
قالت ماجي بلطف :
" لا داعي لذلك ابدا , فقد شكرتنى هاتفيا قبل ايام . انها فتاة طيبة وجميلة , وانت تحسنين معاملتها كثيرا "
ردت بروك :
" الامر سهل , فهى بحاجة الى من تنتمى اليه وتبنى معه علاقة متينة . لقد استطاعت اقامة علاقات صداقة مع عدد من تلميذاتى . انهن فى حوض السباحة الآن , وهارييت تعد لهن طعاما خاصا ..... لكننى لااستطيع التمتع بالاكل معهن ؟"
قربت ماجى كرسيها من مقعد بروك وهى تقول :
" وما السبب فى ذلك ؟ "
سرحت بروك بنظرها بعيدا ثم قالت :
" زارتني كارلا هذا الصباح . ومع ان لقاءنا كان قصيرا الا انها ازعجتنى للغاية ... فطلبت منها مغادرة البيت فورا "
بدا الاهتمام على وجه ماجي التى علقت قائلة :
" اننى لا ارتاح لتلك المراة . فهى جذابة جدا , وهناك شئ ما فى شخصيتها "
اجابت بروك بجفاء :
" بل دعينا نقول اشياء كثيرة غير واضحة "
حثتها ماجي على الحديث بقولها :
" اذن حدثينى . هل الامر متعلق ببول ؟ "
نظرت بروك الى صديقتها بحزن :
" اجل . هل اقدم لك شيئا قبل مواصلة الحديث ؟ "
هزت ماجي رأسها :
" لا , فقط اخبرينى بما يثقل قلبك وعقلك "
" هل الامر واضح الى هذا الحد ؟"
" اننى اعرفك تمام المعرفة . لقد حاولت كارلا الاساءة اليك , اليس كذلك ؟"
ضمت بروك يديها الى بعضهما وراحت تحدق بهما وهى تقول :
" لعلها كانت تقول الحقيقة العارية . لا استطيع ان اخبر احدا غيرك يا ماجي , لكننى غير قادرة على تحمل المزيد ... ان زواجى ليس على ما يرام , واظن ان كارلا تعرف "
صرخت ماجي وهى غير مصدقة :
" ايتها الطفلة العزيزة , انا اعرف ان زوجك يحبك حبا جما "
" لا يا ماجى "
" اذا لم يكن يحبك فعلا فهو يستحق اكبر جائزة فى التمثيل "
تنهدت بروك قائلة :
" كل الايطاليين بارعون فى التمثيل "
عادت ماجى تتساءل :
" هل تقصدين ان كارلا تدعى ان بول مهتم بها ؟ "
اجابت بروك بصوت متهدج :
" اجل . انت تعرفين يا ماجي ان زواجى هو زواج مصلحة وليس زواج عاطفة . ومنذ البداية كان يريد منى بعض الاشياء ... "
قاطعتها ماجي :
" يريدك انت "
" انه يريد بيتا وعائلة "
" وماذا فى ذلك "
انفجرت بروك وقد اعياها الصبر :
" اننا لا نمارس حقوقنا الزوجية "
نهضت ماجي من مقعدها وقد فاجأها كلام بروك :
" لكن من هو صاحب هذه الفكرة يا عزيزتى ؟ من المؤكد انه ليس بول ؟ اذا لا يمكن تكوين عائلة وكل من العروسين ينام فى غرفة منفصلة "
قالت بروك بلهفة :
" اريده ان يحبنى اولا يا ماجي ... فهو لم يذكر كلمة الحب امامى ابدا "
" وهل استعملتها انت ؟ "
انتفضت بروك باستنكار :
" طبعا لا . وسأكون غبية اذا فعلت . الا تلاحظين ان النساء يحمن حوله دائما ... فلماذا ارمى نفسى عليه ايضا ؟"
اجابتها ماجي بجفاء :
" نصيحتى لك ان تفعلى اذا ما اردت الاحتفاظ بزوجك "
همست بروك بضيق :
" تتكلمين وكأن الامر فى منتهى البساطة "
ردت ماجي بلطف :
" هو بسيط جدا اذا كنت تحبينه فعلا . فهل تشعرين بالحب نحوه يا عزيزتى ؟ "
هزت بروك كتنفيها بحيرة :
" لست ادرى . اننى اشتاق اليه عندما يكون غائبا , واحب نظراته وصوته واغانيه التى يرددها من اجلي . انه رجل مدهش , يدور فى كل الانحاء , ويعمل فى كل الاوقات دون ان يشعر بالتعب . انه يحب لوسيا وهى متعلقة به .. لكنه يعاملنى وكأننى اخته الصغري "
صرخت ماجي غير مصدقة :
" يا الهى , يبدو ان الوضع كله سئ للغاية . قولى ما تريدين يا عزيزتى , لقد شاهدت بول وهو ينظر اليك ... ولو ان رجلا نظر الى مثل نظرته اليك , لامضيت بقية عمرى فى سعادة طاغية "
" وماذا لو ان ما تقوله كارلا صحيح ؟"
" حتى الآن لم تقولى لى ما حدثتك به "
ارتجفت شفتا بروك قبل ان تجيب :
" لا اعتقد انه يستحق الاعادة مجددا , لكنه كان كافيا لهز اعصابى . ولا استطيع ان ازيله من فكرى ابدا "
بدا على وجه ماجي الاهتمام الكبير , ثم ربتت على يد بروك قائلة :
" يظهر من كلامك انك تحبين زوجك حبا جما . واذا كان ذلك صحيحا , فيجب عليك ان تحاولى انجاح زواجك . خاصة واننا جميعا نعتبره زواجا ناجحا . كل منكما يشكل جبهة لها مميزاتها الخاصة ... ولا اعتقد ان بول لم يحاول التقرب منك "
حدقت بروك بوجه صديقتها مستغربة :
" وهل انا مجنونة لكي اهتم بما اذا كان يحبنى ام لا ؟"
واجهتها ماجي بتحد :
" اظنه يحبك . اسمعى جيدا يا عزيزتى . لا تستطيع اى امرأة ان تبقى زوجها خارج غرفة نومها , هذا اذا كانت فعلا تريد لزواجها ان يستمر . النصحية الوحيدة التى اقدمها لك هى ان تتجاهلي كارلا وتحاولي غزو قلب زوجك . هناك نار تشتعل فى داخلك فلماذا لا تدعيه يراها ؟"
ردت بروك بهدوء :
" لربما حصلت على اكثر ما اريد ... فبول رجل غير عادي على الاطلاق "
قالت ماجى وهى تريد الترويح عن صديقتها :
" أليست هذه هى الحقيقة ؟ صحيح ان كارلا جرحت كرامتك , ولكننى اتجاهلها تماما لو كنت مكانك "
" كانت تملك ولاعة بول , وهى الولاعة التى قدمتها له بعد عودتنا من اسبوع العسل "
ردت ماجي بغضب :
" اغلب الظن انها تغير منك . ولربما حصلت على الولاعة بطريقة غير مباشرة , ولعلها اخذتها عندما كانت فى الحفلة الاسبوع الماضى "
قالت بروك بلهجة جادة حزينة :
" وهذا يعنى ان بول لا يهتم بهديتى اليه . لا استطيع ان اغير طبيعتى يا ماجي . اعرف ان الزواج مسألة مهمة , وان متطلباته كثيرة , ولكننى ارفض بصراحة ان اشارك زوجى حياته بدون قناعة "
علقت ماجي قائلة :
" هذه طبيعة بول ايضا . ان كرامته تمنعه من ان يقع فى احابيل امرأة مثل كارلا . لا يمكن ان تواصلى استجوابه ليلا ونهارا لمجرد كونه جذابا . ومن المؤسف انك لا تملكين ثقة اكبر بنفسك . انك رائعة الجمال هذه الايام , ولن يتطلب الامر منك كثيرا كي تحصلي على قلب زوجك . انا متأكدة انك لم تحاولى حتى "
" كلا لم احاول لاننى اعتقد ... الامر غير مهم فى اية حال "
راقبتها ماجي بتمعن ثم قالت بهدوء :
" خذي بنصيحتى ايتها العزيزة ... وارتدى الليلة اجمل قميص نوم عندك "
عندما حان وقت النوم , كانت بروك قد وصلت الى حالة من الارهاق يرثي لها .
فقد ظلت صامتة طوال العشاء , فى حين راحت لوسيا تراقبها بقلق بدون ان تجرؤ على سؤالها عما بها . كان بول قد اتصل هاتفيا ليبلغ زوجته انه سيتأخر فى العودة الى البيت , لأن المهندسين سيعقدون اجتماعا طارئا لبحث بعض المشاكل المتعلقة بمشروع البناء الذى ينجزه فى احدي ضواحي المدينة . تلقت بروك المكالمة بقلق غريب , لكنها لم تحاول ان تستوضح منه اكثر . فهذه هى النتيجة الطبيعية لزواج من هذا النوع ... ومع ذلك فقد اضطربت اعصابها لمجرد التفكير بما سبق وقالته كارلا لها .
بعد ان آوت لوسيا الى فراشها , قرع جرس الهاتف فرد عليه جياني . وعندما استفسرت بروك عن الهاتف قال الخادم الامين ان احدا لم يرد بل وضعت السماعة من الطرف الآخر على الفور. بعد عشر دقائق قرع الهاتف مرة اخرى فتناولته بروك هذه المرة . احست ان هناك انسانا ما على الطرف الآخر غير راغب بالحديث . وعندما همت بوضع السماعة تناهت الى اذنيها قهقهة ناعمة ساخرة ... ثم اغلق الخط .
سألها جياني الواقف الى جانبها :
" هل هناك ما يسئ يا سيدتى ؟ "
" مخابرة سخيفة يا جياني "
اكفهر وجه الخادم وهو يقول :
" هكذا اذن . دعينى اهتم بالموضوع شخصيا يا سيدتى "
هزت بروك رأسها مبتسمة :
" شكرا لك يا جياني "
" انا بالخدمة يا سيدتى , هل تريدين شيئا آخر ؟"
" لا , اعتقد اننى سأذهب الى فراشي مثل لوسيا . تصبح على خير يا جياني , فانت تجعل الحياة سهلة فى هذا البيت "
انحنى جياني باحترام شديد ثم قال :
" انا سعيد برأيك هذا . هل سيعود سيدي قريبا ؟ "
قالت باقتضاب :
" لا اظن ذلك "
لم تنفع مواقف جياني الطيب فى ازالة التوتر والضيق عن نفسها .
فاذا لم تخدعها اذناها , فان تلك الضحكة هي لكارلا . لقد سمعتها تطلق مثل هذه الضحكة فى احيان كثيرة . هل اتصلت لمجرد السخرية منها . كي تؤكد لها ان الوضع غير سليم ؟
واخيرا قررت ان تستحم , لعل الماء الدافئ ينعشها ويبعد عنها الافكار المتضاربة التي تضج فى رأسها . وضعت كمية من صابون الحمام الوردي اللون , ثم انزلقت فى الحوض عندما وصلت الرغوة والفقاقيع الى اطرافه الداخلية . وهناك حاولت ان تريح جسدها واعصابها , لكن افكارها ظلت تدور حول كارلا وبول .
وفجأة سمعت صوت بول ينادي من الخارج :
" حبيبتي ؟ " فانتصبت فى مكانها , ثم عادت لتخفي جسدها فى الماء .
" أين انت يا بروك ؟ "
كان صوته ملحا وآمرا . ولا شك انه دخل عبر الباب الجانبي , لانها باتت تسمع وقع قدميه فى غرفة نومها .
ردت قائلة :
" اننى فى الحمام "
انزلقت اكثر فى الماء كي تخفي جسدها عن عينيه وهي تشعر بالخجل الشديد لانه سيدخل عليها خلوتها .
وعندما دخل قال بنعومة ومحبة وهو يسند ظهره على طرف الباب :
" من قال ان اللون الزهري لا يناسب ذوات الشعر الاحمر ؟ "
تضرجت وجنتا بروك بالدم وقالت :
" سأكون معك بعد قليل ؟ "
" طبعا يا عزيزتى , فأنا انتظرك على أحر من الجمر . كان يوما متعبا , لكن وجودك هنا يجعل العودة الى البيت هى السعادة بعينها "
صرخت بضيق وقد شعرت بعينيه وكلماته تثير مشاعرها واحاسيسها :
" ارجوك دعني لوحدي "
قال وعيناه تلمعان ببريق غريب :
" اعرف انك خجولة جدا , لكننى زوجك ولا اظن ان هناك ما يمنع وجودي هنا "
بدأت اعصابها تتوتر وهي تقول :
" هناك ما يمنع طبعا "
ظل للحظات يحدق فيها , ثم قال ضاحكا :
"عليك بالاسراع , فانت تعرفين اننى اكره البقاء وحيدا "
وما ان غادر الحمام , حتى هبت بروك واقفة من الحوض تنشف جسدها بمنشفة وردية اللون كانت بمتناول يدها . وكم كانت دهشتها كبيرة عندما لاحظت انها لم تحضر معها قميص النوم او حتى روب الاستحمام .
" ماذا يؤخرك يا عزيزتي ؟"
ومع الصوت دخل بول الحمام مجددا . كان قد خلع ربطة عنقه والسترة , وفك بعض ازرار القميص بحيث بان الشعر الكثيف فى صدره .
قالت له فورا :
" لقد عدت ابكر مما كنت اتوقع ؟ "
اقترب منها ينشف لها شعرها وهويقول :
" هل من الضرورى ان تكلميني بهذا الاسلوب ؟ كان يوما متعبا مرهقا , وقد اشتقت اليك كثيرا "
همست بتعب :
" ارجوك ابتعد عني "
قال لها :
" اهدأى الآن "
ثم حملها بسهولة بين ذراعيه وادخلها غرفة النوم ليضعها على السرير الواسع . وكانت طيلة الوقت تنظر اليه بعينين خائفتين وكأنها حيوان أليف يواجه وحشا مرعبا .
قال بدون ان يحاول الاقتراب منها :
" ما هذا التعبير على وجهك ؟ مما انت خائفة حقا ؟ "
ردت بسرعة محاولة اخفاء اضطرابها :
" لعلي اشعر بالبرودة قليلا "
تحول هدوء صوتها الى لهجة غاضبة ساخرة :
" تبدين جذابة ومغرية "
وفجأة حانت منها التفاتة عابرة الى الغرفة , فوجدت انه احضر معه باقات عديدة من مختلف انواع الزهور فقالت :
" شكرا لك . انها لطيفة وجميلة "
اقترب منها قائلا :
" ها قد لاحظت وجودها . هل تشعرين بالخجل ؟ "
قالت بارتباك :
" انا لست مناسبة لك يا بول . انت تعرف حقيقة مشاعرى , ولا استطيع ان اتقمص ما لست احسه "
رد عليها وهو يجلس الى جانبها فى السرير :
" انا اعرف ما تحدثيننى به فقط . هل هناك شئ غريب , شئ تريدين ان تخبريني عنه ؟"
قالت بصعوبة بعد ان لاحظت عينيه تتأملان وجهها وكتفيها العاريتين بشغف :
" ابدا ... ابدا , لا شئ على الاطلاق "
اجابها بلطف :
" اخبرني جياني انك كنت مضطربة ومتوتة . اما الآن فانت تشعين كوردة رغم اننى لم المسك بعد . هذه الورود لكلانك تفضلينها وتحبينها "
اشاحت بوجهها عنه وهى تريد الهرب منه :
" انا آسفة يا بول ... اننى لا اناسبك ابدا "
وافق بمرارة :
" حتى الآن نعم , ومهما كان الامر فانت لى ولست فى وارد التخلي عنك ابدا "
" لكن الصفقة عقدناها ... انا غير قادرة على اعطائك اى شئ ... ابدا "
قال ساخرا :
" ارجوك , دعينا نتخلى عن الدراما للحظات . ما لا تستطعين اعطائى اياه سآخذه بنفسى . انا اعرف انك لا تحبيننى , لكنك ستحبين ابننا "
لم تجب بروك على الفور , لكنها تحركت عندما اقترب منها , وقالت :
" لا اعتقد انك نسيت وعدك "
قال بصوت قاس ساخر :
"عانيت الامرين من هذا الوعد . لقد اثرت غضبي كثيرا ... كل هذه النار وهذا الجليد . انت رائعة , وكل ما اريده هو ان احبك , ومع ذلك تواجهيننى بهذا الموقف الغريب . انت لا تستطيعين اعطائى شيئا .. يا لك من طفلة غبية بينما انا اريد امرأة ناضجة "
احست بالغيرة تنهش قلبها , فقالت بمرارة :
" انك تمزح ولا شك ؟ اقصد كم امرأة تحتاج فى اليوم الواحد ؟"
انتفض بحدة :
" انت مجنونة بلا شك ؟"
نظرت اليه بحدة قائلة :
" لست مجنونة على الاطلاق . انت تعتقد نفسك ذكيا ومراوغا , لكننى اكتشفتك اخيرا يا بول كوريللي "
ظل للحظات يحدق في عينيها بحدة , وقد تقلصت عضلات وجهه غضبا ثم قال :
" انت مجنونة فعلا "
وبحركة غاضبة ابعدها عنه فوقعت على السرير كأنها كومة من القش ثم قال :
" لا املك صبرا كبيرا دائما , والافضل ان توضحى اقوالك فورا "
ابتعد عن السرير قليلا وتابع قائلا :
" والان ماهى هذه الثرثرات والشائعات التى اثارت غضبك الى هذا الحد ؟"
قالت بغضب :
" اريد ان ارتدى قميص نومى اولا "
رد بسخرية :
" ولماذا ؟ "
" توقف عن هذه اللهجة يا بول "
" هذا بيتى أليس كذلك ؟ واذا اردت ان انظر الى زوجتى فسأفعل . لا اعتقد انك تريدننى ان اغادر البيت ؟ وحتى لو اردت فلن افعل . والآن يا آنسة هل تودين اخبارى عن حقيقة تصريحاتك الاخيرة ؟ "
قالت وفمها يرتجف بشدة :
" ارجوك . انا اقول دائما انك تعرف كيف تجعل المرأة تعاني وتتعذب ؟ "
اقترب منها مجددا وهو يقول بلهجة ساخرة :
" حقا . اعتقد اننى كنت لطيفا جدا فى التعامل معك "
قاطعته صارخة :
" اذن افعل ما اطلبه منك : اذهب ودعني لوحدي "
" ابدا "
وفجأة ادركت انه ابعدته عنها ما فيه الكفاية , وانه قد وصل الى نقطة اللاعودة فى نفاد صبره وغضبه .
واصل بول كلامه قائلا :
" لقد جربت كل الوسائل الممكنة من اجل تلبية احتياجاتك . والآن حان دورك لتلبية احتياجاتي "
اخذ قلبها يخفق بشدة , وهى تقول :
" واذا لم استطع ؟"
وقف الى جانبها وبدأ فى فك ازرار قميصه , ثم قال :
" مهما كان الامر فنحن رجل وامرأة يربطنا الزواج "
همست بعد ان لاحظت اصراره العنيف :
" سوف اقاومك بكل ما اوتيت من قوة "
استلقى الى جانبها يضمها الى ذراعه قائلا :
" قاومينى يا حبيبتى ... فالأمر لم يعد مهما "
ظلت ذراعاه حولها الى ان خارت قواها , ولم تعد قادرة على المقاومة .
وماهى الا دقائق حتى تحولت الرغبة فى المقاومة الى رغبة فى المشاركة والحب والحنان .
قال لها بصوت متهدج :
" انت لى , دائما كنت لي , قوليها ايتها الحبيبة "
كان قلبها يخفق بشدة واعصابها مشدودة كالوتر , لكنها استطاعت القول :
" لا "
" مهما كان , فعيناك تقولان العكس . سأتركك فورا اذا اردت ذلك "
" ايها القاسى ... "
قاطعها بضمة قوية قائلا :
" انت تقولين ذلك ! انت التي عذبتني يوما بعد يوم وليلة بعد ليلة , قولي انك تحبينني وتريدينني "
قالت بصوت ضعيف هامس :
" اجل "
وهكذا بدأت الحياة بينهما , جميلة مثيرة ومليئة بالعواطف الملتهبة الرائعة
- أنت جوهرة حياتي
استيقظت بروك متأخرة فى صبيحة اليوم التالي لتجد نفسها وحيدة فى السرير . وكم كانت دهشتها كبيرة عندما أحست بالوحدة والفراغ لغياب بول ... وراحت تتساءل فى سرها عن السبب الذى منعها بالامس من الاعتراف لزوجها بحبها الكبير العميق . انها مشتاقة اليه , وها هي تتحسس الوسادة والغطاء حيث كان يرقد قبل قليل .
ستتصل به هاتفيا على الفور , تتكلم اليه , تعترف له بحبها واشتياقها .
كانت العواطف تجتاح نفسها وتدفعها الى التفكير فيه كل لحظة . تمطت بروك فى سريرها بكسل وارتياح وهى تتذكر تفاصيل الليلة الماضية . كان بول عنيفا فى البداية , لكنه تحول الى اللطف والحنان فور سقوط الحواجز بينهما . وهي الآن تريده معها باستمرار , وستظل تريده حتى يتوقف قلبها عن الخفقان . لم يعودا شخصين غريبين متخاصمين , بل اصبحا روحا واحدة وقلبا واحدا وجسدا واحدا ... ومن الضرورى ان تتصل به على الفور لتأكيد هذه الحقيقة .
التمعت عيناها بالفرحة وهى تقفز من فراشها مسرورة مرتاحة . غطت جسدها بقميص نوم خفيف , ثم فتحت النافذة لتستنشق الهواء العليل الآتى من الحدائق الشاسعة الخلابة . ولأول مرة منذ اشهر ترى جمال الحدائق من منظار جديد ملئ بالامل والتفاؤل . لقد اصبحت كارلا وكلامها وثرثراتها بعيدة كل البعد , وباتت نفسها مطمئنة الى حب زوجها وتعلقها به .
خبأت بروك شعرها خلف قبعة من البلاستيك ودخلت الى الحمام لأخذ دوش منعش . فاليوم يحمل المثير من المفاجآت , وفى المساء سيحضر بول الى البيت مشتاقا ... أجل , بول زوجها الحبيب .
وكما هو متوقع , لم تستطع بروك ان تعثر على زوجها فى مكتبه اذ كان جواب السكرتيرة الدائم انه توجه الى احدى العمارات قيد الانجاز بدون ان يحدد موعد عودته الى المكتب . وابلغتها السكرتيرة انه دعي الى تلك العمارة لمعالجة بعض المشاكل العالقة , وانه بامكانها الاتصال به هناك اذا كان الامر ضروريا وملحا . لكن بروك قالت ان الامر غير ملح وانها ستنتظر زوجها على العشاء . كانت تريد فقط ان تقول لبول انها تحبه , وانها سعيدة ... وقد ظهرت سعادتها على شكل ابتسامات وزعتها على كل الذين التقت بهم فى البيت هذا الصباح المشرق .
مضى كل شئ على ما يرام هذا النهار . فقد حمل بريد الصباح رسائل من ليليان ولويز تتحدثان فيها عن تفاصيل رحلتهما , والاماكن التى زارتاها , والاشياء التى اشترتاها , والحفلات التى اقامتاها .
بدت التفاصيل مملة لبروك , لكنها ولاشك مناسبة لطبيعة امها التى اعتادت فى حياتها نمطا محددا من العلاقات الاجتماعية الراقية .
كانت بروك تجلس فى الشرفة تتمتع باشعة الشمس المنعشة , وفى الوقت نفسه تراقب لوسيا فى حوض السباحة ... عندما قرع جرس الهاتف . لم تعرف من الهاتف , لان جياني هو الذى تولي الرد , لكنها عندما شاهدت تعابير وجهه بعد لحظات ادركت ان شيئا ما حدث وصاحت بلهفة :
" بول ؟ "
اسرع جياني لاسناد سيدة البيت التي هزها الموقف وهو يقول :
" ارجوك يا سيدتى , يقولون انه نقل الى المستشفى لمعالجة اصابته .
كان هناك حادث عارض , وقد اسرع لمساعدة احد العمال فاصيب ايضا . والحقيقة اننى لم اسمع جيدا ما حدثني به السيد كولينز لان الحادث اضاع صوابي . السيد كولينز هو المشرف على العمل ... وللوهلة الاولى اعتقدت "
قاطعته بروك قائلة :
" لا ارجوك يا جياني "
نزعت بروك نظاراتها الشمسية , فبدت عيناها الخضراوان فزعتين غائرتين وقد زاغت نظراتهما , تابعت تقول وشفتاها ترتجفان :
" يجب ان اذهب الى المستشفى حالا يا جياني . وعلينا ان نبلغ لوسيا بالخبر . انا خائفة جدا . لماذا لم تتركنى ارد على الهاتف ؟ "
" طلب منى السيد كولينز ان انقل لك الخبر بلطف . لقد كان هو نفسه مضطربا وعليه القيام بأعمال كثيرة عاجلة "
همهمت بروك بصوت خافت :
" لا بأس يا جياني , أننى أفهم الوضع . لقد استيقظت سعيدة هذا الصباح وحاولت كثيرا الاتصال به . ارجو ان تطلب من بوب تجهيز السيارة , ثم عد الى فراشك كي ترتاح من وقع الصدمة , فأنا اعرف كم انت مرتبط بزوجى . سوف اتصل بك من المستشفى , ولعل اصابته غير خطيرة . اتمنى من الله ان يكون بخير ... لاننى لا استطيع العيش بدونه "
نظر جيانى الى حوض السباحة قائلا :
" وماذا عن لوسيا الصغيرة ؟ "
" سوف اخبرها الآن , ويمكنها ان ترافقنى الى المستشفى ... فلاشك انها تريد رؤية ابيها "
ثم نادت على لوسيا , التى التفتت نحوهما وهي تلوح بيدها فرحة وسعيدة .
قال الخادم الأمين :
" لماذا لاترتاحين قليلا , واتولى انا مهمة ابلاغ لوسيا ؟ "
انهارت بروك فى مقعدها وهى تتنهد :
" آه يا الهى ! "
وضع جياني يده على كتف بروك لمواساتها , ثم سار باتجاه الحوض وهو ينادي على لوسيا بالايطالية . وعندما وصل اليها , مد يده لمساعدتها على الخروج من الماء ... وبعد ذلك رأته بروك وهو يحتضن الفتاة الصغيرة التي أجهشت ببكاء حاد .
قالت بروك بنعومة عندما وصلت لوسيا الى جانبها :
" ايتها الصغيرة الحبيبة . يجب ان نستعد للذهاب الى المستشفى ,. انك تريدين مرافقتى , أليس كذلك ؟ "
" طبعا ... طبعا "
حاولت لوسيا ان تضع على وجهها قناعا من الشجاعة , لكن بروك استطاعت ان تلمح في عينيها خوفا عميقا وتوترا ملحوظا .
كان جو الوجوم فى البيت يعكس نفسه بوضوح على وجه بروك . فقد كانت تضبط اعصابها كي لا تنفجر بالبكاء امام هارييت التى راحت تهتم بلوسيا وجياني المتوتري الاعصاب . لم يكن بول فى حالة خطيرة , لكن الافكار السيئة ظلت تراودها وترعبها حتى وهى ترتدي ثيابها بسرعة . من غير المعقول ان يخطف الموتبول منها وهى فى بداية السعادة ؟ انها تحبه بشغف , ومع ذلك لم تقل له الكلمة التى انتظرها طويلا . ولو حدث مكروه له لاقدر الله , فهي لن تسامح نفسها طيلة الحياة . لم يعد يعنيها شئ فى الكون سوى بول . لقد كان يريد طفلا منها , ويريد محبتها ومشاركتها فى كل شئ ... اما هي فظلت تتجاهله رغم انه اغرقها واغرق عائلتها بالهدايا القيمة المتنوعة . حتى انها اتهمته زورا بعلاقة ما مع كارلا فى الوقت الذى تعرف فيه انه مخلص لها حتى الموت . لعل ما حدث الآن هو عقابها ؟ ولعلها ستبقى وحيدة فى وينترسويت مع وريث بول الوحيد ... لوسيا ؟ لقد احبت لوسيا ولاشك , لكن حبها لبول اعمق بكثير ...انه الحب الاكبر فى حياتها , وبدونه ستعيش وحيدة حزينة كل ايامها الباقية .
انهمرت دموع غزيرة على وجنتيها فاسرعت تمسحها بظاهر كفها كي لا تفضح حزنها امام الأخرين . عليها ان تكون القوية فى البيت , على الاقل حتى الوصول الى المستشفى . فلوسيا ليست الا طفلة متعلقة بابيها , ولا شك انها تعانى الامرين الآن . كم تتمنى لو انها تكلمت شخصيا مع السيد كولينز , فالارجح انه يعرف تفاصيل اصابة بول ... فقد تكون جراحة داخلية ؟ عند هذا الحد من التفكير , اطلقت بروك تنهدة الم واسرعت الى حيث ينتظر الجميع .
كان السير كثيفا طيلة الطريق , واكثر من مرة شعرت بروك برغبة عارمة لاطلاق صوتها بالصراخ ضد كل السائقين ورجال المرور . لكنها لم تفعل ... فقد خيم الصمت عليها وعلى لوسيا وكأنهما سارحتان فى افكار عميقة بعيدة . لا شئ يقال الآن ... مجرد الانتظار والترقب والدعاء .
فلم تكن تتصور ان تجد بول الشامخ الممشوق القوام طريح الفراش جريحا
وجد السائق مكانا للتوقف قريبا من المدخل الرئيسى للمستشفى , فأسرعت بروك الى مكتب الاستعلامات للاستفسار عن مكان وجود زوجها . حولتها الموظفة هناك الى ممرضة أخرى طلبت منهما ان تتبعاها .
أمسكت بروك يد لوسيا بحزم وسارتا معا خلف الممرضة بخطواتها الواسعة الواثقة . وادركت بروك على الفور ان الممرضة تقودهما الى جناح الطوارئ , وهذا يعنى ان بول لم ينقل بعد الى غرفة خاصة . ومع المضى قدما وسط الاصابات العديدة الموجودة فى ذلك الجناح , بدت على لوسيا علامات التأثر والاضطراب مما دفع بروك الى الضغط على يدها بشدة فى محاولة لتشجيعها وتهدئة أعصابها .
قالت الممرضة فجأة :
" انتظراني هنا من فضلكما "
استدارت الممرضة نحوهما وابتسمت مشجعة , ثم اشارت عليهما بالجلوس فى مقعدين مجاورين ... ففعلتا بانصياع تام وابصارهما شاخصة الى الباب المجاور . مضت عدة دقائق , قبل ان يطل عليهما رجل متوسط العمر قائلا:
" السيدة كوريللي ؟ "
قفزت بروك واقفة وقلبها يخفق بشدة لدى سماعها النداء وواجهت الطبيب بشجاعة مصطنعة متسائلة :
" كيف حال زوجى الآن يا دكتور ؟ "
تنهد الطبيب وهو يرفع النظارات عن عينيه قائلا :
" اعتقد ان عليك ايتها السيدة توجيه الدعاء والشكر لله العلي القدير لانقاذه زوجك . انه بخير الآن , لكننى اود ابقاءه قيد المراقبة ليوم او اثنين . فمن الافضل مراقبته لانه مصاب بجروح فى الرأس . لاوجود للكسور مثل تلك التى أصابت العامل المسكين ... فقد ذهب زوجك لمساعدته عندما اصيب هو الاخر , لكنه انقذ حياته فى النهاية "
ردت بروك بلهفة :
" هل استطيع رؤيته يا دكتور ؟ " . ثم تذكرت انها فى لهفتها نسيت لوسيا فأردفت تقول : " هذه لوسيا ابنة بول "
هز الطبيب رأسه تأدبا وقال :
" للحظة واحدة فقط , ثم سآمر بنقله الى غرفة خاصة . لقد استعاد وعيه لفترة قصيرة ثم عاد الى غيبوبته . لا وجود لعلامات تدل على اصابة الدماغ , وعلينا فقط الانتظار حتى يعود الى طبيعته . اما العامل الآخر فاصابته غير خطيرة نسبيا , ولكنه يعانى من آثار الصدمة لانه يعتبر نفسه مسؤولا عن الحادث ... ولا اعتقد انه سيشفى تماما حتى يشاهد زوجك مجددا على قدميه . والآن ارجوكما لحظة واحدة فقط , فانا اعرف انكما ستعشران بالتحسن بعد رؤيته . لقد اضطررنا الى حز بعض الشعر لوضع الضمادة على رأسه " .
خفق قلب بروك بشدة عندما شاهدت بول مطروحا على طاولة الجراحة ورأسه محاطا بالضمادات الطبية . كان رأسه مائلا الى الجهة الاخرى وقد شحب وجهه تماما بحيث بانت عظامه تحت الجلد المشدود .
لم تستطع بروك ان تحبس تنهدة ألم وهى تشاهد زوجها الجريح . ثم اقتربت من الطاولة لتتمعن جيدا فى الوجه , فى حين اتخذت لوسيا موقعها من الجهة الاخرى .
قال الدكتور بصوت خافت :
" الجرح فى الرأس سطحي . وتقدير الاشعة يؤكد ان كل شئ على ما يرام . مع ذلك يجب مراقبته . انه رجل محظوظ جدا وقوته الجسدية ساعدته كثيرا فى تحمل الاصابة . سأذهب الى البيت الآن ولكننى سأظل على اتصال هاتفى مع المستشفى . ولا داعى لأن تقلقا ابدا "
أجابته بروك بالنيابة عنها وعن لوسيا :
" لا نستطيع منع القلق . نحن نشكرك يا دكتور لانه بين ايد امينة "
جاهدت بروك طيلة بقية اليوم والليلة كي تعيش على الأمل الذى أعطاه لها الدكتور . صحيح انه بين ايد امينة , فقد عرفت فيما بعد ان طبيب زوجها هو واحد من اشهر جراحى الاعصاب فى استراليا , ومع ذلك لم تستطع ان تغمض لها عين , اذ ظلت تتوقع ان يقرع جرس الهاتف بين لحظة واخرى . وفى النهاية راحت تردد فى سرها : " كل شئ سيكون على ما يرام ... كل شئ سيكون على ما يرام "
استيقظت بروك صباحا وهي تعاني من صداع حاد . كان البيت في حركة هرج ومرج , ولذلك تناست متاعبها لتسيطر على الجو كله . بعد ذلك اتصلت بالمستشفى حيث تلقت أنباء سارة تقول ان حالة زوجها مستقرة وانه استعاد وعيه خلال الليل , ثم سألت عن امكانية زيارته ومواعيد الزيارة .
فى هذه الاثناء كان الجميع محلقين حولها وعيونهم شاخصة مترقبة .
سألتها لوسيا :
" كيف حاله الآن ؟ "
رددت بروك الرسالة التى تلقتها من المستشفى ... ثم انفجرت باكية .
قالت هارييت وهي تربت على كتفها :
" رويدك الآن ... سوف اعد فنجانا من الشاى . انا على ثقة ان كل شئ سيكون على ما يرام "
أحست بروك بموجة عارمة من الارتياح تجتاح جسدها , فأمسكت بيد لوسيا التى قالت بحنان :
" سوف ابقى هنا عندما تذهبين لزيارة ابى ... فلاشك انه يريد رؤيتك على انفراد "
" ما هذا الكلام ؟ سنذهب لرؤيته معا , واذا كان وضعه جيدا سنسمح لجياني برؤيته ايضا "
انحنى جياني لبروك معربا عن امتنانه وقال :
" اشكرك يا سيدتى , لقد صليت كثيرا , ولاشك ان العلى القدير استجاب لدعواتي "
مضى الوقت بطيئا من جراء ازدحام السير , لكنهما وصلتا الى المستشفى اخيرا , واصرت لوسيا على ان تدخل بروك اولا . كان بول قد نقل الى غرفة خاصة فيها كل مستلزمات الراحة . ومع ان عينيه كانت مغلقتين , الا انه سمع وقع خطواتها فقال على الفور :
" بروك "
وعندما حاول الجلوس فى سريره أسرعت اليه بروك وهي تقول بلطف :
" لاتفعل يا بول . ارجو ان تظل مستلقيا "
اعترض بصوت واهن :
" ولماذا أظل مستلقيا ؟ "
نظرت اليه بعينين ظهرت عليهما آثار السهر والقلق , قائلة :
" انت الآن فى المستشفى بعد ان اصبت بضربة قوية على رأسك . كيف حالك الآن ؟. ارجوك لا تتحرك , ستؤذى نفسك اذا فعلت . لوسيا فى الخارج تنتظر دورها لرؤيتك . لقد سببت لنا حالة من الفزع لاتوصف "
جاهد بول كي يخرج صوته قويا ثابتا :
" ارجوك ايتها الصغيرة . سأرى لوسيا بعد لحظات . والآن اخبرينى لماذا انت فى هذه الحالة ؟ "
" انت تعرف , لقد كنت فى غاية القلق والتوتر"
احاط وجهها بيديه وقال :
" تعالي الى صدري "
" قد يسبب لك ذلك الألم الشديد "
قال وهو يضمها الى صدره بحنان ورفق :
" ايتها المغفلة الصغيرة ... تعالي "
همست وهي ترتاح بين ذراعيه :
" انني احبك "
سألها وعيناه تحدقان فيها :
" هل تحبينى فعلا ؟ "
اجابت :
" حتى الموت .... وارجو ان تسمح لي ان اعبر لك عن حبي عندما تعود الى البيت "
ابتسم بلطف وهو يقول :
" طبعا ... طبعا . انا آسف لاننى سببت لك الخوف يا زوجتي الصغيرة الجميلة . يبدو عليك وكأنك مررت في حالة من الضياع والتشتت , أو بمعني آخر أزمة صغيرة عابرة "
ردت عليه بصوت متهدج :
" بل أكبر أزمة فى حياتي . يجب ان استدعي لوسيا , فهي قد عاشت الظروف الصعبة نفسها ايضا "
قال دون ان يرفع عينيه عن وجهها :
" ادخليها يا حبيبتى , فأنا مشتاق لرؤيتها . واذا ما سارت امورى على ما يرام فسأكون فى البيت غدا صباحا "
قالت بروك بحماس وهي تستدير نحو الباب :
" آه كم أتمنى ذلك "
دخلت لوسيا متوترة خائفة , ولكنها عندما شاهدت أباها جالسا بشكل طبيعى , عادت الروح الى نفسها وألقت برأسها على كتفه قائلة :
" الحمد لله على السلامة يا أبى "
وبالفعل خرج بول من المستشفى في اليوم التالي , بعد ان اكد الطبيب لبروك ان كل شئ على ما يرام . كان بول قادرا على تذكر الحادث , حتى اللحظة الحاسمة التي ابتعد فيها مع العامل المصاب عن منطقة الانهيارات الخطرة . لم يعد هناك سبب للقلق , وقد استغل بول الساعة الاخيرة من وجوده فى المستشفى للاطمئنان على صحة العامل الذى كان موجودا معه فى المبني نفسه . وكم كانت راحة العامل كبيرة لرؤية رب عمله سليما معافي , وان كان يعرف ان عليه الاجابة على عدد من الاسئلة الهامة عندما يماثل الى الشفاء .
ظل الهاتف يرن فى البيت طيلة النهار . بعض الاصدقاء الذين كانوا يريدون مواساة بروك على مصابها تحولوا الى التهنئة عندما علموا ان بول قد عاد الى البيت بخير وسلامة . وعند الظهر تلقى جياني مخابرة كارلا , فأشار بعينه الى بروك يعلمها بهوية المتصلة ... وعندها أصرت ربة البيت على أن تجيب بنفسها .
أخذت بروك السماعة بحزم قائلة بصوت واضح :
" هنا بروك يا كارلا "
قالت كارلا بحدة :
" متي سيعود بول الى البيت ؟ "
" اليوم "
" هل انت جادة ؟ "
ردت بروك بهدوء :
" اقصد ان هناك اشياء اخرى اود ان اوضحها لك . لقد حاولت التلاعب بنا , وفشلت , زوجي عائد بعد الظهر الى البيت ويمكنك التحدث اليه فى اى وقت تريدين . ولأنه رجل محترم وقريب لك , فهو مجبر على الرد عليك ... لكن ليس اكثر من ذلك . ولا اعتقد يا كارلا انك ستضطرينني الى ابلاغه بكل آكاذيبك ؟ والآن ارجو ان تعذريني , فلدى اشغال كثيرة فى البيت ... فنحن نعيش جو الاحتفال والفرح هنا "
حاولت كارلا ان تقاطعها قائلة :
" لكن يا بروك ... "
ردت بروك وهي تشعر بالنص والتشفى :
" وداعا يا كارلا "
تناول الجميع الغداء وسط اجواء من الفرحة العامرة . فجياني كان يبدو وكأنه عاد فى العمر عشرين سنة الى الوراء , اما لوسيا فلم تتوقف عن الكلام واطلاق النكات وكأنها تحاول التعويض عن اليومين الماضيين . فى هذه الاثناء كانت بروك تتأمل الجميع بهدوء , بحيث بدت وكأن القلق والتعب قد استهلكا كل قوتها .
لاشئ يهم الآن طالما ان بول خرج من الحادث سليما , وها هو على رأس الطاولة يوزع ابتساماته فى كل اتجاه . وتساءلت بروك فى سرها : " تراه يعرف كم كان قلقها كبيرا عليه ؟ "
عندما حان موعد النوم , ارتدت بروك قميص نومها الحريرى بعد ان وضعت قطرات من عطرها المفضل على معصميها وخلف اذنيها . لقد ظل بول ينظر اليها بشكل غريب طيلة السهرة , لعله لم يصدق اعلانها الصريح عن الحب ؟ لعله اعتقد ان كلامها كان بتأثير الصدمة والخوف ؟ والحقيقة ان كل شئ كان سيتغير لو حدث مكروه لبول , فهو العمو الفقري للبيت والعائلة . الجميع يعتمدون عليه , حتى ليليان ولويز فى جولتهما حول العالم .
ترددت قليلا امام باب غرفته قبل ان تدخل بخجل :
" بول ؟ "
استدار نحوها متسائلا :
" نعم يا حبيبتى ؟"
خفق قلبها بشدة وهي تقول :
" هل تريد مني شيئا ؟"
رد بنعومة :
" اريدك الى جانبى , كي تنهي اعترافاتك أمامي "
" انت تعرف الآن كل أسراري "
" اعرف انك قلت لي انك تحبينني , ولكنني أريد التأكد مما اذا كان هذا الحب وليد اللحظة الطارئة حين شعرت بعدم الاطمئنان ... ام انك تقصدين ذلك فعلا ؟ "
لم تستطع الاجابة على الفور , بل شعرت بغصة خانقة فى حنجرتها منعت عليها حتى التنفس .... فراحت ترتجف دون ارادة , ثم قالت بعد لحظات :
" استغرب ان لا تصدقنى بعد كل الذى حصل ؟ "
قال آمرا :
" اقترب مني . لعلي لا اجرؤ على تصديقك ؟"
سارت بروك نحوه وكأنها منومة مغناطيسيا , ثم جلست على حافة السرير بالقرب منه تماما . سألها وهو يدير وجهه نحوها :
" هل أنت نادمة لزواجك مني ؟ "
" كلا ... لقد اخبرتك "
" اسكتي يا حبيبتي . لقد انتظرتك زمنا طويلا , وقد حان الوقت لترددى عبارات الحب على مسمعي حتي زمن طويل أيضا "
" وهل ستكون حياتنا كلها سعادة فى سعادة ؟"
قال وهو يتنهد بعمق :
" أنت تحبيننى , ومع ذلك تشعرين ببعض الشك تجاهي ؟ "
قالت بتردد :
" أليس لي الحق في ذلك ؟ "
" لايحق لك أبدا . هل تعتقدين اننى ابحث عن غيرك طالما أنك معي دائما ؟ "
أغمضت عينيها وهي تقول :
" لكنك لم تقل لي ابدا انك تحبني "
" انت يا حبيبتى لا تفهمين الكثير من العادات الايطالية . ففي الحياة أشيائ لا نسيطر عليها . لقد اردتك منذ ان وقعت عيناي عليك لأول مرة , ولاشك اننى صبرت طويلا الى ان حققت رغباتي "
" أرجوك , ضمنى الى صدرك "
" ألن تقاتلينى ؟ "
" قلت لك اننى احبك "
" أرغب فى التأكد يا حبيبتى . فأنا أريدك روحا وقلبا وجسدا ايتها العزيزة الغالية . هيا افتحى عينيك , اود ان ارى اعماق نفسك "
حدقت فيه بعينين غائمتين ساحرتين :
" ماذا يمكن ان أقول لك أكثر مما قلت ؟ "
" يمكنك ان تفكري بأشياء كثيرة . هل تستطعين العيش من دوني ؟ "
تهدج صوتها وهي تقول :
" مستحيل . قبل وقوع الحادث حاولت ان اتصل بك هاتفيا . كنت اريد ان اعبر لك عن حبي , واخبرك عن الاشياء الكثيرة التى تعلمتها منك ... لكنك لم تكن موجودا . ثم جاء الخبر المرعب . عندها ظنت للوهلة الأولى اننى خسرتك فى اللحظة نفسها التي وجدت فيها حياتي معك "
رد عليها بسرعة :
" لا تقولي لي مثل هذه التعابير اذا كنت لا تقصدينها "
حدقت فيه بتوسل :
" لكنها الحقيقة المطلقة . انا لا استطيع ان اخفى عليك شيئا بعد الآن .. بل لا ارغب فى اخفاء اى شئ .. أننى اسعى للوصول الى نفسك مهما كلف الامر . أريدك لى وحدى , سواء كنا على انفراد او بين الناس او حتي عندما يكون عندنا أولاد ... كل ما استطيع تقديمه هو ملك لك "
التمعت عينا بول ببريق الأمل وهو يقول :
" لو تعرفين كم هو تأثيرك علي ؟ في حياتي كلها لم تأسرني امرأة مثلما فعلت انت . لقد ضعضعت توازني منذ اللحظة الاولى للقائنا , واعتقد اننى كنت ابحث عنك طيلة حياتي ... ابحث عن المرأة التي تحمل صفاتك . وحتي عندما وجدتك , جابهتني بالرفض المطلق القاسي "
ردت بروك بلهجة الاعتذار والاسف :
" لا استطيع تخيل تلك الايام , دائما كنت انظر اليك كرجل مغامر , لكنني رغبت فى حبك لي لوحدي . نساء كثيرات رمين انفسهن عليك بدون ان يحفظن كرامتهن وكبرياءهن لقد شاهدت تصرفاتهن , ولم اكن اريد ان أكون واحدة منهن . ما كنت لاتحمل الحياة لو انك عاملتنى بأسلوب مهين غير مقبول "
ضمها الى صدره بحنان وهويقول :
" ايتها الصغيرة المغفلة . حاولت جهدي كي اراقب طريقة تصرفي معك . فأنت جوهرتي الغالية ... ولاشك انك تعرفين ذلك الآن ؟ "
ردت بلطف :
" لم اكن اعرف من قبل , حتى اننى كنت اغار من كارلا "
صرخ باستغراب شديد :
" كارلا ؟ "
اجابت مبتسمة :
" اجل كارلا , فقد ذكرت لى امورا كثيرة واعادت الى الولاعة الذهبية التى اهديتك اياه "
نظر اليها بتمعن قائلا :
" هكذا اذن . للأسف لم أخبرك عن الولاعة فى وقتها , لقد تركتها فى مكان ما ولم اعد أتذكر أين ... ومع ذلك كنت أمل ان اجدها فى اى وقت , واؤكد لك اننى لم استعمل الولاعة فى مكان آخر خارج البيت "
" انتهى الامر الآن يا حبيبى ... انا اصدقك "
" يجب ان تصدقى لان كارلا صاحبة مشاكل معروفة , ليس دائما لكن فى بعض الاحيان "
قالت بروك :
" انها كذابة كبيرة "
" حسنا , انها كذابة كبيرة . وماذا يهمنا فى الامر؟ فنحن لن نراها كثيرا , وسترجع الى كينيا فى اقرب وقت ممكن . كان عليك ان تخبريني بأنها تزعجك كي اتولى امرها بنفسى "
قالت بصوت هامس دافئ :
" بول ... خذني بين ذراعيك يا حبيبي "
" حتى آخر العمر ايتها العزيزة الغالية "
والتقت عيناه السوداوان بعينيها الخضرواين في عناق حار يحمل فى طياته كل معاني الحب والأمل والمستقبل ...
منتديات ليلاس
( تمت بحمد الله )وللامانة منقولة ارجو ان تعجبكم