سألتها ماجى بلهجة ذات معنى :
" لا أظنك تعتبرين ذلك نقيصة فيه ؟دائما هناك بداية لجمع الثروة .تأملى الشبان الذين تعرفينهم فى المنطقة ، قلة منهم يعملون حتى أوقات الحاجة .... والثروة التى يتمتعون بها جمعها اباؤهم وأجدادهم . المال يصنع المال يا عزيزتى طالما أننا نستثمره بحكمة . أما بول كوريللى فهو قصة نجاح قائمة بذاتها ..... لقد صارع ونجح . والصراع يساعد فى بناء الشخصية "
منتديات ليلاس
قالت بروك بحزن :
" قد لا يكون هو الشخص الذى أرغب فى رؤيته زوجا لشقيقتى "
اتجهت ماجى إلى احدى الخزائن وهى تقول :
" انت فى العادة كريمة جدا يا بروك . ولا شك أن هناك شيئا حول كوريللى يجعلك تخافين منه "
ردت بروك المنشغلة بتأمل بعض الخواتم الأثرية :
" لعل عناده وشخصيته القاسية هما السبب "
" انه ليس عنيدا يا عزيزتى . وانت تخطئين فى اعتبار الثقة الزائدة بالنفس والنجاح عنادا . من الطبيعى ان يعتز بنفسه وبافكاره وبعصاميته . الا تعتقدين ان الايطاليين جنس وسيم وجذاب فى الأساس ؟ "
انطلقت الكلمات من فم بروك بسرعة :
" اننى لا ارتاح اليه " ثم رفعت يدها إلى ماجى متسائلة :
" اى من هذه الخواتم تفضلين ؟ "
تمعنت ماجى فى الخواتم قائلة :
" من الصعب الحكم . اعتقد ان الخاتم الذهبى المرصع بالياقوت يليق بيدك المناسبة لعرض المجوهرات . وعلى فكرة هذا الخاتم ايطالى الصنع ،صنعه صائغ ايطالى اسمه كاستيلانى عاش فى لندن خلال عصر الملكة فيكتوريا . امس بعت قلادة من صنعه أيضا .... إنها قطعة رائعة .والآن ما رأيك فى تناول بعض الطعام "
انتزعت بروك الخواتم من أصابعها وقالت :
"لا مانع عندى .فأمى ولويز ذهبتا لتناول الغداء عند عائلة واتلينغ "
" ولماذا لا تتزوج لويز بنيجل ؟ "
نظرت بروك إلى نفسها فى مرآة الحائط وقالت :
"لا تستغربى ، فالمسألة خطيرة جدا . ذلك أن نيجل لا يستطيع مساعدتنا فى أهم نقطة وهى الحفاظ على وينترسويت .فعائلة اشتون هى التى بنت البيت قبل قرون ،وامى تريده ان يبقى فى العائلة "
ابتسمت ماجى بهدوء :
" انا لا الومها على موقفها هذا . قلة من الناس قادرون حاليا على بناء بيت مثل وينترسويت " . ثم التفتت إلى بروك قائلة :
" لكن من العار ان تعرض امك لويز للبيع لمن يدفع ثمنا أعلى "
نظرت بروك إلى صديقتها باضطراب واضح :
" امى تحبها كثيرا . والمضحك فى القصة ان لويز مستعدة للمشاركة فى مخطط الزواج .... حتى وان كان لعريس هو كوريللى نفسه .ومع انها تشعر بالخوف من هذه الخطوة ، الا انها تعتقد نفسها قطعة اثاث ثمينة فى البيت الكبير ..... معروضة للبيع ايضا "
" هذا صحيح . ولست أدرى ما رأى حركة التحرر النسائية فيها . واعتقد ان ليليان لم تسمع عن نشاطات الحركة ابدا . والحقيقة ان ذكاءها يمكنها من ابعاد أية افكار لا تريد ان تعترف بوجودها . لقد بذلت جهدى للحفاظ على اسرار عائلة اشتون ،ولكن اذا لم تتزوج احداكما رجلا ثريا وبسرعة ،فإن وينترسويت لن يصمد طويلا . اذ من الصعب أن تقيم العائلة فى بيت كبير فارغ ،وانا بصراحة لا ارغب فى رؤيتكن تفقدن المزيد من اثاثكن ثم تنتقلن إلى بيت أصغر حجما . هناك من اقدم على مثل هذه الخطوة . امى باعت بيتها بعد وفاة ابى الذى تركنا وحيدتين فى مواجهة المصاعب المالية . اننى اتعاطف مع امك فى مشاعرها ،لكنها إلى حد ما فى وضع أفضل من غيرها "
قالت بروك ببطء شديد :
" معك حق . لكننى لا اريدها ان تعاقب بسبب كونها تعيش فى عالم من الاحلام . فجدى لم يعدها لمواجهة ظروف الحياة العادية ،وهى بدورها لم تعد لويز . ان شقيقتى جميلة جدا ورائعة جدا ،لكننى لا اعتقد ان كوريللى يريدها . لقد صرفوا اموالا طائلة على الحفلة من اجله شخصيا ..... وربما لن يحضر ابدا "
ردت ماجى بحزم :
" سوف يأتى . دعينا نتفق على شئ وحيد على الأقل ، أنه رجل يحصل دائما على ما يريد
الوحش يخرج من الغابة
راحت بروك تأمل فستان السهرة الجميل الذى ارتدته خصيصا للحفلة . لم تكن قد ارتدت فى حياتها كلها فستانا مثله ، ولذلك شعرت بالارتباك من جراء المظهر الجديد الذى ظهرت فيه ، خاصة عندما وضعت المجوهرات الشرقية التى اعارتها اياها ماجى . كما وأنها سمعت نصائح صديقتها الخبيرة فاستعملت بعض الماكياج الخفيف . ..... بحيث تحولت بقدرة قادر الى قطعة جميلة وجذابة لم يكن يتوقعها الآخرون ابدا . لقد تركت المجوهرات والفستان والماكياج اثرا واضحا عليها . وادركت لأول مرة ان لها جسدا متكاملا فاتنا اذا ما وضعته فى الاطار الصحيح . دائما كانت لويز تفوقها بالذوق والاناقة .... ولكن ليس هذه الليلة . فبعد الذى صنعته ماجى ، لا يمكن لأحد ان يشك فى جمال بروك الاخاذ . كل شئ تغير حولها .قوامها الرشيق يشع فتنة ودلالا وشعرها الأحمر الفوضوى تجمع فى خصل حريرية الملمس ..... والمرآة التى تنظر إليها فى غرفة النوم تعكس شكلا لابد ان يدير رؤوس معظم الرجال .
سمعت بروك طرقا على الباب ثم رأته فى المرآة يفتح ، فالتفتت نحو شقيقتها التى دخلت مبتسمة وقالت لها :
" انك جميلة جدا "
عجزت لويز عن الجواب ، بينما راحت عيناها تقيسان بروك من أسفل إلى اعلى وكأنها تراها للمرة الأولى ، ثم وجدت الكلمات المناسبة قائلة :
" من أين لك كل هذا يا بروك ؟ "
ردت بروك بمرح :
" احد المعجبين قدمها لى "
" اتمنى ان تسمح لك امى بارتدائه .... "
انزعجت بروك من كلام اختها وقالت :
" ماذا تقصدين بكلامك ؟ "
ادارت لويز رأسها إلى الجانب الآخر :
" ليس هذا هو الطراز الذى ترتدينه اجمالا "
توقفت عن الكلام قليلا وهى تتامل الفستان والمجوهرات ثم تابعت قائلة :
" ان الفستان يبدى الكثير من فتنتك وجمالك "
فكرت بروك فى الاستمرار بلعبة القط والفأر بدون أن تفقد اعصابها ، لذلك سألت بهدوء :
" وهل يعنيها ذلك ؟ "
" انها لا تحب هذا الذوق المكشوف "
" موقف سخيف ، لقد قررت الا اخجل من نفسى ومن جمالى بعد اليوم على الاطلاق "
قالت لويز بلطف :
" لقد حذرتك سلفا ... " ثم اقتربت من شقيقتها ووقفت إلى جانبها أمام المرآة وتابعت بلطف : " كم نحن نختلف "
وجدت بروك نفسها تعلق قائلة :
" يجب ان تراقبى وزنك جيدا "
انفعلت لويز قائلة :
" يقول باتريك ان قوامى رشيق كافضل ما يكون "
" انت كذلك فعلا يا عزيزتى . ولم اقصد ان اسئ اليك "
عاد الهدوء إلى لويز وقالت :
" لا بأس عندما تنتهين من ارتداء ملابسك ، فان أمى تريد أن تراك . واعتقد انها لن تحب فستانك والطريقة التى صففت فيها شعرك .فانت تبدين مختلفة تماما "
ابتسمت بروك وسألت اختها :
"هل ترين ذلك حقا ؟ "
أجل . انت مختلفة كثيرا ... اظن ان الشعر الاحمر يعطيك سحرا خاصا "
علقت بروك بلطف :
" لعلى اريد ان احصل على شئ رائع فى الحياة .فالكل يتجاهلنى عندما اكون الى جانبك "
تخلت لويز عن جديتها للحظات قليلة ،وابتسمت لشقيقتها بدون ان تجيب . فهى تبدو رائعة وساحرة كحلم وردى انيق فى فستانها الحريرى الواسع . هذه ليست المرة الأولى التى يقارن الناس بينها وبين أختها . لكنها غير مستعدة الآن للانسحاب إلى غرفتها والتخلى عن فستانها الجديد وارتداء الزى الحريرى البنى الذى اختارته لها امها . صحيح ان اختيار امها لا يخلو من شئ ، لكن اختيار ماجى يناسبها اكثر ، وهى تثق بصديقتها اكثر من أمها فى هذا المجال .
بعد عشرين دقيقة تقريبا بدأ الضيوف يتوافدون إلى البيت ، بحيث لم يعد أمام بروك مجال لتغيير فستانها كما اقترحت امها والحت علها بعصبية وغضب .تجاهلت بروك راى امها وغادرت الغرفة بهدوء ، ثم نزلت السلم الخشبى الكبير متجهة إلى القاعة ومنها إلى المطبخ ... واخيرا الحديقة الخلفية . لقد انهت شخصيا واجباتها العائلية . ولتدع امها ولويز تقومان بمهمة استقبال الضيوف بدون ازعاج .
كان من الواضح ان أحدا من الموجودين فى المطبخ لا يشارك الأم رأيها السلبى فى مظهر بروك . التى ارتاحت لنظرات الاعجاب. فألقت نظرة اخيرة على فستانها استعدادا للمواجهة الحاسمة .فهذه الحفلة هى نقطة التحول التى ارادتها ليليان ان تكون ذروة الحفلات وختامها ايضا . الاموال التى صرفت عليها باهظة ،افضل الخدم ،اغنى الموائد ، ما لذ وطاب من طعام وشراب ،زهور من مختلف الانواع والاشكال والالوان وغيرها الكثير . وعمدت امها إلى اعادة ترتيب ديكور غرفة الاستقبال وغرفة الطعام الواسعة بحيث لا يظهر أى اثر لفقدان التحف واللوحات الثمينة .
التقت بروك فجأة بالمسؤولة عن الخدم ، وهى امرأة انيقة فى الخمسين من عمرها تقريبا ،فقالت على الفور :
" عذرا يا آنسة هويل ، لكننى لا استطيع منع نفسى عن القول انك رائعة جدا "
ابتسمت بروك بحياء وتابعت طريقها نحو الباب . ثم توقفت لتقول :
" لم اقصد ان ابدو بهذا الشكل "
قاطعتها السيدة الخمسينية باستغراب :
" وما المانع ؟ انك رائعة فعلا ، والفستان مناسب لك تماما "
شكرتها بروك بلطف :
" اشكرك كثيرا . اننى اسمع اصواتا فى الداخل ، واعتقد انه من المناسب ادخال المرطبات الآن "
وافقت مسؤولة الخدم بهزة من رأسها ،ثم نادت أحد الأشخاص الموجودين بالمطبخ واعطته التعليمات اللازمة . تركتهما بروك لشؤونهما وهى تطرد فكرة الهرب من الحفلة كلها . فالترتيبات معدة من أجل لويز ، والمدعوون كلهم من الطراز الذى ترتاح إليه سيدة البيت الكبيرة .فهم من علية القوم والعوائل العريقة ... باستثناء بول كوريللى الذى يبدو فى هذا الجو وكأنه كائن غريب هبط من الفضاء الخارجى لتوه . واخيرا وصلت بروك إلى مدخل القاعة وهى على أتم الاستعداد لكل الاحتمالات .
حلت الساعة التاسعة والنصف بدون أن يظهر بول كوريللى ، فبدأت أعصاب لويز تتوتر ، مما أثر على جمالها الهش أساسا . ومع أن باتريك لم يتركها للحظة إلا أن عينيها ظلتا معلقتين فى المدخل الكبير المطل على الحديقة الأمامية المترامية الأطراف بانتظار أن يدخل كوريللى مثل النمر كما يحلو لبروك أن تصفه . كما ظلت ليليان تتطلع نحو المدخل بين الفينة والأخرى وكأنها تريد ان تعلن بنفسها وصول نجم الحفلة بلا منازع ..... لكن كوريللى لم يظهر بعد .
لم تهتم بروك بغياب كوريللى ،بل واصلت التصرف الطبيعى فى مثل هذه المناسبة . كان البيت مناسبا للحفلات الكبيرة ، وقد توزع المدعوون على حلقات لتبادل الطرائف والأخبار والشائعات وغيرها من الثرثرات المعهودة بين أفراد الطبقات العليا من المجتمع الاسترالى العريق . كلهم يعرفون أن لويز معروضة فى المزاد العلنى ، وبالطبع لم يتركوا المناسبة تمر بدون تعليق . فأصحاب وينترسويت يعيشون الآن فى الوقت الضائع ولا شك أن المدققين من المدعوين لاحظوا غياب بعض التحف الثمينة من القاعة الرئيسية .
والغريب ان بروك وجدت نفسها محاصرة من قبل نيجل واتلينغ الذى يعتبر أحد المعجبين بلويز . فقد دعاها عدة مرات للرقص ، ولم يترك فرصة إلا واستغلها للانفراد بها والتمتع برفقتها . واخيرا انتقلا إلى الشرفة التى ازدادت سحرا فى ضوء القمر البدر فى تلك الليلة .
قال نيجل هامسا :
" اننى لا أمزح .أنت صارخة الجمال هذه الليلة ،وكأنك خارجة لتوك من مجلة للجمال والأناقة "
ابتسمت بروك :
" أنا سعيدة لأن جهدى لم يذهب سدى "
وفجأة جذبها نحوه بشدة وقال :
" بربك ، لماذا لا نغادر هذه الحفلة فورا ؟ "
نظرت إليه بحدة وتسائلت :
" غريب .كنت أعتقد انك صديق شقيقتى لويز ؟ "
" اننى سعيد بوجودى معك . دائما كنت أقول أنك جذابة وفاتنة .انت ساحرة بشكل لا يمكن ان تجاريه لويز . ولسوء الحظ ، هذه الحفلة غير مجدية ،اذ لا أعتقد ان كوريللى سيحضرها "
جاهدت بروك كى يبدو كلامها طبيعيا :
" وحتى إذا لم يحضر ؟ "
اجابها نيجل بحدة :
" عندها سنعرف ماذا فى رأس أمك "
شعرت بروك باشمئزاز من كلامه ،فابتعدت عنه قائلة :
" اسمعنى جيدا يا نيجل "
قاطعها بحركة من يده :
" اصمتى .ليس الآن " . واشار نحو عدة أشخاص استرعى انتباههم صوت بروك المرتفع ،ثم قال متابعا : " اننى آسف لما قلت . ان أحدا منا لا يلومها على مخططاتها . لكننى أعتقد أنه غير مهتم بلويز ،والسبب واضح . فهى جميلة جدا وصافية جدا لكنها لاتملك شخصية مميزة تجذب الآخرين "
واجهته بروك بغضب :
" انها مناسبة لك على ما أعتقد "
" رويدك أيتها الجميلة ، أنا لست كوريللى حتى تثورى ضدى . لقد لاحظت من قبل حدة أعصابك ،لكننى لم أكن أتصور ان الغضب جزء من شخصيتك "
هزت بروك كتفيها بلا مبالاة :
" أعتقد أن لويز لطيفة جدا ،بحيث لا يستحقها كوريللى "
وافق نيجل على كلامها :
" وأنا أعتقد ذلك أيضا .لكن الحفلة أقيمت لتحقيق التقارب بينهما . أقصد أن الحفلة رائعة ، والبيت ساحر ، والجهد الذى بذل كبير ، لكن هل يكفى ذلك للفت انتباه كوريللى وتشجيعه على امتلاك البيت ؟ " . ابتسم ساخرا قبل أن يتابع : " انت تفهمين ما أعنيه ! ويظهر لى انك تقدمين كل التضحيات من أجل العائلة "
ارادت بروك أن تغير دفة الحديث ، فقالت :
" البيوت الكبيرة تحتاج إلى جهد ضخم "
" لماذا لا تبيعونه اذن ؟ "
تنهدت بروك ببطء :
" لا نستطيع ان نرى اسم وينترسويت مرتبطا بأى اسم خارج العائلة "
رد نيجل بتنهيدة مماثلة :
" صحيح .لكن لا فائدة من أن تعلق لويز أى أمل بالنسبة لى . أنا ناجح فى أعمالى ، غير أننى لست من مستوى بيت مؤلف من أربعين غرفة على الأقل .فمثل هذه البيوت باتت خارج التاريخ الآن "
خيم الحزن على عينى بروك الخضراوين وهى تقول :
" اننى أهتم بالبيت ، وأريده أن يظل فى العائلة "
ثم لاحظت أن نيجل ما زال ملتصقا بها ، فقالت بجفاء وهى تبتعد عنه :
" لا أظن أنك ستتحول من أختى إلى ?"
أجابها بجدية :
" كنت أراقبك دائما يا بروك دون أن تلاحظينى . من السهل القاء الكلام المعسول تجاه لويز التى تحب الاطراء كثيرا .... أما أنت ،فتبدين وكأنك من عالم آخر مختلف "
تساءلت باستغراب شديد :
" لماذا يا نيجل ، لماذا ؟ "
" احتاج إلى عدة دقائق فقط لاقناعك "
كان يتكلم بنعومة وكأنهيهمس . لكن بروك صممت على الابتعاد عنه ووضع حد لاغرائه .وعندما حاول أن يداعب خدها بيده ، أبعدت رأسها بقوة قائلة :
"لا ! "
بات صوته أكثر حدة وحركاته أكثر قوة وهو يقول :
" يا لك من قطة متوحشة ........ ساحرة "
لاحظت بروك أنه يحاول أخذها إلى مكان منعزل ، فقالت :
" هيا بنا إلى الداخل "
" ألا تثقين بى ؟ "
نظرت إليه مباشرة بعينين ملؤهما التحدى :
" كلا "
" تذكرى اننى الصديق العزيز نيجل ، وليس النمر المتوحش كوريللى ؟ ألم تلاحظى طريقته فى السير وكأنه وحش هارب من الغابة ؟لا شك أنه يحوز على اعجابك ، أليس كذلك؟ "
وقفت بروك فى مكانها مندهشة بشكل لا يصدق :
" لا اظننى سمعت ما قلت بوضوح "
رفع نيجل يديه وكأنه يستغرب دهشتها ،ثم نظر إليها بتحد وقال :
" ألا يحوز اعجابك فعلا ؟ "
تحولت دهشتها إلى ثورة عارمة مدمرة :
" لم أسمع فى حياتى أسخف من هذا الكلام .... فالذى أعرفه عن السيد كوريللى اننى غير معجبة به اطلاقا "
وفى موجة الغضب العارمة ، لم تلاحظ بروك نظرات نيجل الشاردة التى راحت تحدق فى شئ ما خلفها .... وعندما استدارت بعد لحظات وجدت بول كوريللى واقفا هناك وكأنه يستمتع بالحديث الذى سمعه قبل قليل .
قال بصوته العميق :
" ارجوك اكملى حديثك ،فأن أحب أن استمع إلى رأيك المحترم "
كانت لويز تقف إلى جانبه شاحبة الوجه،فتدخلت قائلة :
" كيف يمكنك اطلاق هذه الأقوال يا بروك "
خفق قلب بروك بشدة من فعل المفاجأة ، لكنها استعادت رباطة جأشها وسلمت على كوريللى قائلة بصوت عذب :
" أنا متأكدة بأن السيد كوريللى لا يتأثر بمثل هذه العبارات "
" اننى غير مبال بالاهانات يا آنسة "
كان يتكلم بصلابة وغرور كعادته دائما . ولو أن الحادث وقع مع رجل آخر ، لشعرت بروك بالاحراج العميق . لكن بوجود كوريللى نفسه ، فان التحدى المتبادل والعداء السافر جعلاها تأخذ موقفا حازما لوضعه فى مكانه الصحيح ، حتى وان كان يبدو كوحش من غابة .
بدا على لويز الاضطراب الشديد وكاد أن يغمى عليها وهى تقول بالحاح :
" اقترح عليك الاعتذار من السيد كوريللى ، والا فإن أمك ستغضب كثيرا "
اعترضت بروك وقد زادت مشاعر التحدى والكبرياء من نفسها :
" لا أستطيع الاعتذار . ولا يمكن للسيد كوريللى ان يحصل على كل ما يريد بسهولة "
رد عليها بكسل :
" ساحصل على كل ما أريد .... "
قالت لويز والألم يعتصرها :
" يسعدنى أنك صبور يا بول . ففى بعض الأحيان ،تكون بروك غير معقولة "
همس قائلا وعيناه تتجولان فوق وجه بروك وفستانها :
" يجب أن اعترف بأن الزمن الذى كانت فيه الفتيات الصغيرات يظهرن بدون أن يتكلمن .... كان زمنا أفضل "
احست بروك بموجة عارمة من الغضب تجتاحها للحظات .كيف يمكنه ان يعتبرها فتاة صغيرة ، وكأنه يعرف كل شئ عنها ؟ قالت :
" اذا كنت راغبا فى الرقص ،فأرجو ألا تدعنا نؤخرك على ذلك ؟ "
أجابها بسخرية واضحة :
" انه لشرف عظيم لى "
وقبل أن تعى ما يجرى ، كان كوريللى يضمها إلى صدره بلطف ، ثم التفت إلى لويز قائلا :
" لا تغضبى يا عزيزتى . فشقيقتك الصغرى لا تزعجنى أبدا .فأنا أعتقد دائما أن الفتيات ذوات الشعر الأحمر يملكن ألسنة سليطة وقاسية "
سأل نيجل لويز عما إذا كانت راغبة فى الرقص ، ولما لم تعطه جوابا أمسك ذراعها بحزم وقال :
" هيا نرقص يا لويز "
سارت لويز مع نيجل وكأنها منومة مغناطيسيا ،وعيناها تتابعان بروك وكوريللى ..... تماما كما تفعل معظم عيون الحاضرين . ويبدو ان بروك كانت مستمتعة بهذا الحو ،لذلك قالت بلطف :
" هل من الضرورى أن تؤذينى لمجرد كلمة أطلقتها عرضا ولم أكن أقصدها ؟"
نظر كوريللى إليها مليا ثم قال مبتسما :
" أريد أن أؤكد لك شيئا يا آنسة . كم أتمنى لو أؤذيك فعلا ،لكننى لن أفعل ذلك الآن "
رفعت رأسها نحوه ،واغتصبت ابتسامة فى محاولة لكسر حدة التوتر :
" نحن سعيدون لانك استطعت الحضور الليلة "
" انت لا تتوقعين منى جوابا ،أليس كذلك ؟ "
كانا فى هذه الأثناء قد احتلا وسط الساحة على وقع أنغام موسيقية حالمة .
ثم قال :
" ارتاحى , أجل , هكذا أفضل . يجب ان تتعلم المرأة كيف تسلم أمرها للرجل " .
التقت عيناها الخضروان بعينيه السوداوين الحادتين وقالت :
" كم أن أفكارك ممتازة يا سيد كوريللي " .
" يسعدنى ان اراك على حقيقتك يا آنسة . فدائما كنت أعرف أى طراز من النساء أنت "
بدأت تشعر بالاضطراب من جراء وجودها إلى جانبه ، وأحست بحمرة الخجل تلون خديها ، فقالت :
" حقا أننى لا أفهمك "
رفع حاجبيه باستغراب :
" فعلا ؟ منظرك الليلة يبدو وكأنك امرأة جاءت تصطاد كل الرجال "
انفجرت غاضبة :
" بالطبع لا . وأنا أعرف تماما موقفك منى مسبقا "
تحداها بابتسامة ساخرة :
" هيا خبرينى "
" لست مضطرة لذلك ، فهذه المشاعر متبادلة عادة "
" أية مشاعر ؟ "
" دعك من هذه الأمور الآن "
رفعت عينيها إلى وجهه مباشرة ،فصدمتها الجاذبية التى يتمتع بها هذا الرجل الايطالى الوسيم .فى الماضى كانت تنظر إليه من بعيد ، اما الآن فهى وجها لوجه مع النمر النائم .
قال لها :
" يمكننى القول ان هذه المرة الأولى التى تنظرين فيها إلى مباشرة "
كانت هناك رنة سخرية فى صوته ، لذلك ردت بروك بقوة :
" هذا غريب حقا . فدائما كنت أشعر انك صديق اختى "
اجابها بلا مبالاة :
" اظن انك تصورت واتلينغ كذلك أيضا ؟ "
احتقن وجهها غضبا :
" نيجل صديق لويز "
" بدا لى أنه يريد حبك أنت "
" ستكون معجزة إذا ما تحقق الأمريا سيد كوريللى ؟ "
" حسنا وعندها لن أضطر إلى قتله "
انتظرت بروك حتى زال وقع المفاجأة عنها ،أمسك كوريللى يدها بلطف وقادها عبر السلم إلى الحديقة الخلفية بدون أن تستطيع رفع عينيها إليه أو حتى سحب يدها منه .
قال عندما وصلا إلى الحديقة :
" من المؤسف ان تكون التماثيل قد ذهبت . فالحديقة جميلة ، لكن الاهمال شوه منظرها ،خاصة الأعشاب والنباتات البرية التى نمت فى كل مكان "
اجابته بمرارة :
" لست مضطرا لإقناعى .فالحدائق واسعة ، ومن الصعب الحصول على عمال مزارعين بسعر معقول "
" معك حق طبعا "
لم تر السخرة فى عينيه ، لكنها سمعتها بوضوح فى صوته فقالت :
" لم يعد سرا كون عائلة اشتون تعيش فى ضائقة مالية خانقة "
" يظهر أننى أزعجتك بذكر هذه الأمور"
" هل كنت تتوقع منى أن أمزح ؟ "
هز رأسه الأوسد بهدوء قائلا :
" لماذا تعتقدين أننى قاسى القلب ؟ "
واصلت سيرها وهى تشعر بلسعات البرد الخفيفة :
" لقد تطلب بناء وينترسويت جهدا كبيرا ومبالغ طائلة . ولا يمكن لأحد أن يلومنا على رغبيتنا فى الحفاظ عليه "
" انت توافقين اذن على فكرة امك فى بيع ابنتها ؟ "
فاجأها السؤال بحيث لم تجد وسيلة مناسبة للتعبير عن غضبها العارم ،سوى أن ترفع كفها باتجاه خده العريض . لكن الصفعة لم تحدث ،إذ أنه أمسك يدها وهى فى الهواء واعادها إلى مكانها بحزم قائلا :
" اهدأى أيتها فتاة "
" عليك أن تنتبه للكلمات التى تقولها "
" يجب أن تتوقعى فى مثل هذه الظروف بعض الملاحظات الجارحة "
سألته بحدة :
" ولماذا حضرت إلى الحفلة ؟ "
شعرت بالخوف من ضعفها الشديد تجاهه ، خاصة وان قبضته لم تخفف الضغط عن يدها . ادارها نحوه بدون ان تبدى اعتراضا وقال :
" جئت بهدف الحديث إليك "
هزت رأسها بعنف وراحت تردد كلمة " لا " بدون وعى .
قاطعها بحزم :
" لقد صممت على هذه الخطوة منذ مدة طويلة "
" إذا كان الأمر يتعلق بلويز فعليك أن تبحثه مع أمى "
" لويز جميلة جدا ،لكنها غير مناسبة لخططى "
" مهما كانت هذه الخطط ، فلست أنوى الاستماع إليها "
" حتى إذا كنت ستتعرضين لشئ رهيب جدا ؟ "
" نحن فى بيتى ، والناس يحيطون بنا من كل جانب "
تلفتت حولها وكأنها تريد تأكيد كلامها . لكنها لاحظت أنهما بعيدان عن البيت ، ولا شئ يمنعه من القيام بأى تصرف طائش .فهذا الرجل معروف بأنه لا يتردد فى عمل كل ما يلزم لتحقيق اغراضه ..... ومع ذلك ستقاومه بكل ما أوتيت من قوة .
قطع عليها حبل أفكارها قائلا :
" اسمحى لى أن أرافقك إلى المقعد الرخامى . صحيح أنه غير مريح ، لكن من الأفضل مناقشة الشؤون العملية جالسين "
أجلسها فى المقعد وكأنها طفلة صغيرة ،ثم جلس إلى جانبها بكل أدب .
قالت بروك بلهفة فى محاولة للخروج من هذه الورطة :
" ما هو الموضوع الذى تريد التحدث فيه ؟ "
" هل أنت خائفة منى ؟ "
ردت بصوت مرتجف :
" لست خائفة "
انتظر لحظات قبل أن يقول :
" لست أعلن سرا إذ قلت ان عددا من الناس يتوقعون أن أتزوج أختك "
وافقت بجفاء :
" هذا ليس سرا "
" وهل تفكرين مثل هؤلاء الناس أيضا ؟ "
أجابته بحدة :
" على عكس معظم الناس ،فأنا لست من المعجبين بك يا سيد كوريللى . "
" الأمر غير مهم وغير ضرورى . ولعلك تعتقدين أن تصرفاتك هذه ستفقدنى أعصابى ؟ "
" قلت لك من قبل ان المشاعر متبادلة "
" أعتقد أننى أفهم موقفك , لكننى مؤدب أكثر منك " .
" من المؤسف ان لغتي الايطالية لم تعد كما كانت " .
" انك بحاجة الى مترجم يا آنسة " .
" اننى اعرف بعض الكلمات القليلة " .
قال ضاحكا :
" انها لا تكفى للتعبير عما فى نفسك " .
" معك حق .. " ثم وقفت استعدادا للرحيل , لكن يده القوية اعادتها الى مكانها بلطف .. لكن بحزم .
" دعينا ندخل فى الموضوع . انا على استعداد للحديث فى الشئ الوحيد الذي يهمك .. مستقبل البيت " .
انفجرت وقد عيل صبرها :
" ولماذا تريد اثارة هذا الموضوع ؟ "
" لو تسكتين قليلا لاخبرتك بالمزيد . من المؤسف انك غير قادرة على ضبط لسانك "
" من الطبيعى والضرورى ان نطرح الاسئلة "
أجابها بجفاء :
" ليس فى كل الاوقات . انت وانا نعرف ان امك على استعداد للمغامرة بكل شئ فى سبيل تزويج واحدة من ابنتيها الى رجل ثري يتولى الاهتمام بالبيت "
قالت باشمئزاز :
" انك تثير استيائى يا سيد كوريللى "
" دعك من هذه الكلمات يا آنسة , فانت تعرفين اننى ايطالى . من المعروف ان الزواج مسألة هامة جدا . وعلى المرء ان يفكر جيدا . لعلي اعطيت انطباعا للناس بأننى اريد الزواج من اختك الجميلة ... لكننى فى الواقع اريد ان اطلب يدك انت "
انعقد لسان بروك خوفا ودهشة . وصرخت :
" سيغمى على فورا "
أمسك رأسها بقوة واحناها الى الاماما قائلا :
" لن يغمى عليك . تنفسى ... تنفسى ... وسوف يزول الشعور سريعا "
ومن الغريب ان لمسة يده استطاعت ان تعيد اليها هدوءها . وبعد لحظات قال :
" ليس ما قلت عرضا عاطفيا يا آنسة , فقط عقد عمل بيننا ... واؤكد لك انه لن يكون سيئا الى هذا الحد "
" ارجوك تمهل قليلا يا سيد كوريللى "
قال بهدوء :
" اننى بالانتظار "
أجابت بأنفاس متقطعة :
" قد تحدث مثل هذه الامور فى ايطاليا , لكننا هنا اكثر تقدما ووعيا "
" تقصدين ان نسة الطلاق عندكم أكبر ؟ على عكس ما يعتقد الناس . نحن لسنا شعبا عاطفيا . المال بالنسبة لنا شئ مهم , ومن الافضل الزواج بمن يملك وليس بمن لا يملك . أنت أيضا مسؤولة عن عائلتك , فأمك وأختك رائعتان , لكنهما غير فاعلتين , وليس من المناسب رؤيتهما وهما تصارعان المستحيل . لويز لا تعرف كيف تتدبر أمورها , انها جميلة مثل ميدالية ذهبية يعلقها المرء فى عنقه ... فقط , اى انها للحفظ فى الخزائن المذهبة "
لم تستطع بروك الرد ., لأن الحقيقة كانت واضحة ولا يمكن تجاهلها . ولعل وجودها هو المنقذ للعائلة بأسرها . قالت :
" وكيف اختلف انا عنهما ؟"
لاحظت بروك لمعانا خاطفا فى عينيه عندما اجاب قائلا :
" أولا , انت تملكين الشجاعة والقوة .. ومن المحتمل العقل ايضا "
" شكرا لك على هذا الاطراء , اننى اؤكد ان لويز تملك عقلا مماثلا "
" لا شك فى ذلك , لكننى لم ار الكثير منه . انا اقدر دفاعك عن اختك .. بالنسبة لى الأمر مقرر سلفا "
كان يبدو واثقا من كل كلمة يقولها , وكأنه اعتاد أن يأمر فيطاع ابدا .
هبت بروك واقفة وصرخت بحدة :
" لا اريد ان اسمع المزيد . ولا استطيع ان آخذ كلامك على محمل الجد "
سألها بدون ان يبالى بتصرفاتها :
" ولماذا لا ؟ "
هدأت قليلا وأجابت :
" لعل اقتراحك يحمل حلا بالنسبة للآخرين , أما بالنسبة لى يا سيد كوريللى فأنا قادرة على العمل "
قال بلطف :
" لا شك فى ذلك . لكن اياك ان تنسى ان امك تبحث عن عريس لابنتها "
" امى ستصاب بصدمة كبيرة اذا عرفت العرض الذى قدمته لى . بل ماذا سيحدث للويز ؟ المسكينة , لماذا اعطيتها املا كاذبا منذ البداية ؟ "
رد عليها بحدة وقد بدأ صبره ينفد :
" اسئلة .. اسئلة , قد تفاجأين اذا قلت لك اننى لم اشجع اختك ابدا . فهى مجرد طفل بحاجة لمن يهدهده "
جاهدت بروك لابقاء صوتها خفيضا :
" انك رجل مستحيل . لاجلك فقط اقامت امى هذه الحفلة الغريبة "
" ايتها المسكينة , انك تحملين حبا كبيرا بين ضلوعك "
" أنا متأسفة لم افهم ما قصدت "
" انت تؤذين امك واختك ... وتؤذين نفسك ايضا . تزوجينى وستعود كل الأمور الى طبيعتها "
اغلقت عينيها والألم يعتصرها :
" قد توافق لويز فورا على هذا العرض المغرى . اما جوابى انا فهو الرفض الكامل "
وقف امامها واضعا يديه على كتفيها وهى جالسة , وقال :
" يؤسفنى اننى لا اقبل جوابا بالرفض . وانا متأكد انك ستفكرين فى الموضوع اكثر , وتوازنين الامور بعقلك الراجح . وعلى أساس اتفاقيتنا , سأعيد وينتر سويت إلى سابق عهده . فأنا أعرف التحف التى بيعت منه , واعرف اين هى الآن , لا اعدك بأن اقبل امك واختك معنا , بل سأفعل ما بوسعى لأمن لهما حياة لائقة , بحيث لاتضطر لويز لان تعرض نفسها مجددا أمام الاثرياء الطامعين بالزواج . أعرف ان امك تثور لاتفه الأسباب فى احيان كثيرة , لكننى سأكون حازما وسريعا فى الدفاع عن زوجتى "
قالت بصعوبة :
" حقا انك مثل النمر . لا اصدق انك كنت تلاحقنى طيلة هذه الفترة "
" لم يكن من الضرورى ان اخيفك باكرا ... فقد كنت اساسا ترتجفين مثل ورقة شجر فى مهب الريح "
نهضت واقفة فى مواجهته :
" ابدا لم اكن خائفة . هل تقصد انك تحبنى ؟ "
" طبعا لا ايتها الآنسة . انا لست مغفلا , والحب بالنسبة لى صعب . اننى اريد امرأة تحب البيت , وتقبل عندما يحين الوقت ان تنجب لى ابنا .. فأنا لا اريد ان اكون نهاية عائلتى "
ردت بروك فى محاولة لايذائه :
" هذا الحلم المستحيل "
ضغط كوريللى بأصابعه على كتفيها قائلا :
" لقد حصلت على ما فيه الكفاية من الثراء والدلال بحيث تشوهت شخصيتك . لعلك تقصدين اننى اعرف من أنا ... واننى لست الا ذلك الولد الفقير الذى كنته فى الماضى "
وجدت بروك نفسها تعتذر قائلة :
" انا آسفة . لم اقصد ان اكون قاسية الى هذا الحد , لكنك بادرت فى القسوة . حتى وان كانت امى تريد ان تزوج احدانا من اجل انقاذ وينترسويت , فمن الواضح اننى لايمكن ان اتزوج بدون حب ؟ اى نوع من الحب "
أجابها بجفاء :
" سوف تشعرين بالحب . فمن خلال الطريقة التى ترتجفين فيها بين يدى , استطيع القول انك تحسين شيئا نحوى . اعرف أنه من الصعب عليك الاعتراف بالحقيقة , لذلك تقفين بصمت تحدقين بى . ألست تنتظرين حدوث شئ لك ؟ ماذا تريدين من الحياة ؟ "
قالت بشراسة :
" لا أريدك انت "
" دعينى أنهى كلامى .. لاشك عندى القدرة على إيقاعك بحبى اذا اردت . بل واستطيع جعلك ترتجفين من الفرح مثل اختك تماما "
صاحت بصوت أقرب الى الزعيق :
" لا استطيع ابدا "
تابع قائلا :
" المهم . انت مجرد مخلوقة عنيدة . فتاة فى سن الحادية والعشرين كما اعتقد ؟ رفع ذقنها الى الاعلى ومضى يقول : " سوف نجرب هذا الزواج . وبالتالى يعود لك بيتك العزيز كما اردت , وتستطيع اختك وامك السفر الى حيث ما تريدان . واعتقد ان ايا منهما , مهما كان حبها لوينتر سويت , لا ترغب في البقاء بالبيت "
رفعت بروك رأسها نحو السماء :
" آه .. ساعدنى يا الهى . لا استطيع تحمل المزيد "
تقلصت عضلات وجهه وهو يقول :
" انت تتصرفين بسخافة . هل يخيفك التفكير بالزواج الى هذا الحد ؟"
ردت بعنف مماثل :
" ببساطة . انت لا تفهم هذه الامور . واعتقد يا سيد كوريللى انك انسان غريب وغير طبيعى "
أجابها بحدة :
" اسمى بول . فانت لاتعرفين مدى الصعوبة التى أواجهها عند محاولة النطق باسمك . أليس عندك اسم آخر غيره ؟ اسم اجمل واسهل على اللسان ؟ "
خرجت الكلمات من فمها نارية الوقع :
" أنا متأسفة , وطالما اننا لن نتزوج , فالمسألة غير مهمة اطلاقا "
ترددت للحظات قبل ان تتابع فى محاولة للهرب منه :
" يجب ان نعود الى الحفلة الآن . اعتقد ان الجميع لاحظوا غيابنا الطويل "
وافق بجفاء :
" صحيح تماما . اعطنى جوابك وسنعود فورا "
ردت بحزم :
" انا متأسفة يا سيد كوريللى . اننى اريد علاقة حب جارفة , وليس زواج منفعة يقرر بهدوء وتؤدة "
هذا يمكن ان يحدث . فأنت جذابة وجميلة ايضا "
خفف كوريللى ضغط أصابعه عن كتفيها , لكن نظراتهما ظلت معلقة ببعضهما عدة لحظات ... الى ان ابعدت بروك عينيها عنه هربا من اللمعان الغريب الذى يشع من عينيه .
عاد كوريللى الى الحديث بهدوء :
" من مصلحتك الزواج . فكل واحد منا يملك شيئا يريده الآخر . انت تشعرين بالتوتر والخوف الآن . وهذا سيزول بعد قليل . الزواج سيبقى البيت القديم فى العائلة , ولعله يصبح يوما ما ملكا لابنك "
قالت بصوت ضعيف :
" ابنى ... لكن ليس منك "
" عواطفك ستتغير حكما , واتعهد لك اننى لن اجبرك على شئ . وعلى كل , ليس من الضرورى ان تنجى لى وريثا قبل سنة أو سنتين على الاقل "
انفجرت بوجهه صارخة :
" اوقف هذا الكلام فورا , فأنا اسمع طنينا مرعبا فى اذنى . اننى اردك ان الزواج سيحل عددا من المشاكل , لكن الفكرة مجنونة من أساسها . بل لن يكون الزواج الا بالاسم فقط "
سألها بجفاء :
" وهل يناسبك ذلك اكثر ؟ "
" طبعا . طالما اننى اشترى واباع "
قال بنعومة :
" اقتراحى عليك لا يعتبر مهينا يا آنسة , ومن الغباء ان ترفضى . وبعيدا عن عواطف غضبك وعادتك فى الثرثرة , فانك قد تركت أثرا جيدا على . انا لا امانع فى ان تتزوجينى من أجل ثروتى , لكننى رجل أحصل على ما اريد دائما , وعندما تكونين جاهزة , ستصبحين زوجتى وشريكة حياتى , ومهما كان , فأنا أعتقد انك امرأة عاطفية ., او ستكونين كذلك عندما اعلمك الحب "
سألته بقسوة وسخرية :
" وهل انت متأكد من معرفتك للحب ؟ "
حدق فيها مطولا وقال :
" انك تمزحين بلا شك ؟ هل تريدينى ان ابدا الآن ؟ "
قالت بتهكم وهى تبتعد عنه :
" اعتقد انك قادر على كل شئ . جوابى هو الرفض يا سيد كوريللى , ولن اغير موقفى . والافضل لك ان تشترى لويز , فهى قابلة للانقياد اكثر منى "
ضحك بهدوء وكأنه يستمتع بلعبته معها , وقال :
" فكرى فى الاقتراح ايتها الطفلة المدللة . فأنا أكره ان اخسرك "
" ارجوك دعنا نعود الى البيت ؟ "
" اعتقد انك امك واختك لن ترحبا بقرار الرفض الذى اعطيتنى اياه "
همست بسرعة :
" اولا , يجب ان تتجاوزا الصدمة . فكل خطط امى كانت مركزة على لويز "
قال بقسوة :
" يؤسفنى ان لويز لا تثير اهتمامى فى هذا المجال , فأنا ابحث عن عروس , لا اكثر ولا اقل . ليس عندى رغبة بالخوض فى متاهات الحب , لكننى أكون كاذبا اذا قلت اننى غير منجذب إليك , تبدين اجمل بكثير من لويز . كما وانك تملكين العاطفة الصادقة والقدرة على الاحساس بالأخرين . ويجب ان اخبرك الآن عن شئ آخر اطلبه منك اذا وافقت على الزواج منى "
خفق قلب بروك بشدة توقعا للمفاجأة الجديدة , لكنها استدارت نحوه بهدوء قائلة :
" اى شئ آخر لن يكون اغرب من طلبك الاول "
" ربما ! " ثم حدق فى عينيها بشدة وقال : عندى ابنة اريد منك شخصيا ان تدخليها الى دوائر المجتمع الرقى "
صعقت بروك , وصرخت :
" ابنة ؟ اذن انت متزوج من قبل ؟ "
ظل كورديللى هادئا وهو يقول :
" لم اقل اننى متزوج . ابنتى هى نتيجة علاقة عابرة عرفتها فى الماضى البعيد , وهى تعيش الآن مع شقيقتى فى كينيا . ولكن ما ان نتزوج . سيصبح من الطبيعى ان احضرها الى هنا . لقد تحملت الكثير بعيدا عنى , وكنت مضطرا لذلك بسبب أعمالى الكثيرة . اما الآن , فأنا قادر على الزواج من شابة اجتماعية جميلة , وهكذا ستنضم لوسيا الينا ... وبوسعك مساعدتها كثيرا "
ادركت بروك الدور الذى يريدها ان تلعبه , فسألت :
" كم يبلغ عمر هذه الطفلة ؟ "
اجابها بدون ان يرفع عينيه عنها :
" ست عشرة سنة "
حدقت بروك فى وجهه وكأنها لا تصدق ان الشخص الذى يقف أمامها يمكن ان تكون لديه ابنة تبلغ السادسة عشرة من العمر ... وصاحت :
" غير معقول . لا اصدق ذلك ! لاشك انك كنت فتيا فى ذلك الوقت "
صحح كلامها مبتسما :
" كنت شابا .. ولم تكن تلك اول مغامرة لى مع الأسف "
اخذت بروك نفسا عميقا , متظاهرة بأنها تفكر بكلامه ثم قالت :
" لا غرابة فى انك تفكر فى الزواج وكأنه شأن عملى فقط . ولا شك بأنك لا تحمل اى اعتبار للرباط المقدس "
ضحك بخفة وقال :
" ربما افعل . فهناك نوع من النساء يستحق ان يضحى الرجل بالغالى والنفيس من اجلهن "
" واين هى هذه المرأة ؟ وهل التقيت بها من قبل ؟ "
" اتمنى صادقا لوفعلت , والأرجح ان مثل هذه المرأة غير موجودة "
" اذن اقترح عليك ان تنتظر بعد . لعلك تستطيع ان تجد من هى أفضل منى "
" على العكس . لقد سئمت من البطاقات البريدية كوسيلة اتصال وحيدة مع ابنتى . اريدها معى , تحت اشرافى المباشر . واريد ان اؤمن لها افضل حياة ممكنة "
استطاعت بروك ان تتكلم بصراحة :
" اظنك تدرك اننى لست فى السن المناسبة التى تؤهلنى للعب دور الأم , المربية "
" لكنك ستنجبين لى ابنا . فأنا لم اجاهد طيلة حياتى عبثا . لقد بلغت الخامسة والثلاثين . واريد ان استقر فى بيت وعائلة . والحقيقة ان هذه الفكرة تطاردنى بالحاح "
قالت بهدوء ولطف هذه المرة :
" اننى اقدر موقفك يا سيد كوريللى , لكن لاتطلب منى ان اشاركك فيه .
ان انوى ان افكر مليا فى ما اذا كنت راغبة فى الزواج ام لا "
اجابها بهدوء مماثل :
"تلفتى حولك ! بيتكم سيتحول الى خرائب اذا لم يتقدم منكم رجل ثرى ... وبأسرع ما يمكن . لكن تكون هناك عروض سخية دائما . ربما جاءت بعض شركات المقاولات وهدمت البيت من اساسه , لبناء شقق حديثة مكانه , ولن تكون الحياة بعد ذلك طبيعية لامك , حتى لو تزوجت اختك رجلا مناسبا لها "
قالت بروك والغضب المكتوم يعتمل فى نفسها :
" ... وهذا ما ستفعله فعلا "
" أشك فى ان يقبل عريس أختك المقبل , بقاء أمك معه "
رفعت رأسها وقد ازعجها أسلوبه التهكمى الساخر فى تناول شؤونهما العائلية الخاصة , وقالت :
" الا تخطط أنت أيضا لاجلائها عن اليت ؟ "
" لقد اخبرتك تماما ما انوى ان افعله .. فقط استمعى ولو لمرة واحدة . ستكون امك حرة فى قضاء حياتها كيفما ارادت واينما ارادت . وحرة فى زيارة بيتها القديم بين الحين و الآخر .. وأنت أيضا حرة فى اختيار الوقت المناسب الذى تريدين ان تصبحى فيه زوجتى "
" هذا الوقت لن يكون أبدا "
" حان وقت العودة الى البيت "
ودون أن يتنظر جوابها ، أخذها من ذراعها وقادها باتجاه البيت حيث الموسيقى الصاخبة تصدح ، والأضواء تنير الغرف وتلقى ظلالها على الحدائق المترامية . وكان من الواضح لبروك ان كوريللى مصمم على تنفيذ الامور كما يريد ، وانه قام فعلا على ذلك . وتذكرت كيف كان الأمر وهى بين ذراعيه تستمع إلى خططه وافكاره لمستقبلهما معا ، فشعرت بمزيج متضارب من الاثارة والتوتر واللهفة والغضب . ليس بول كوريللى الرجل المناسب لتتورط عاطفيا معه ، الم تقل هى نفسها انه من طراز الرجال الذين يجعلون المرأة تقاسى وتتألم ؟ ان مشاعره نارية مدمرة ، وان كانت اعصابه باردة وعقله عمليا " هادئا " . وبالاضافة الى ذلك هناك ابنة . والظاهر ان احدا لا يعرف هذه القصة ، حتى ولا لويز نفسها . لا شك انه من النوع المغامر ، وهو يحاول الآن ان يجرفها فى تياره العميق . وعندما وصلا إلى الشرفة ، ظهرت ليليان صدفة . فاسرعت الأم عندما رأتهما إلى أخذ ذراع كوريللى وقادته إلى الداخل بسرعة ، وهى توجه نظرات تحمل العديد من المعانى نحو ابنتها الصغرى . وكالعادة ، تركت بروك امها تتكلم كما يحلو لها بعد ان تركت ضيفها العزيز فى الداخل وخرجت إليها مجددا . فليليان تشعر بالانزعاج لان ابنتها الصغرى حاولت الاستئثار باهتمام كوريللى معظم السهرة . ولكنها تنتظر اللحظة المناسبة لتفجير غضبها .... وعندها ستجد بروك نفسها مضطرة لسرد القصة من اولها لاخرها . فكيف ستستقبل الأم قرار كوريللى بالزواج من بروك وليس لويز ؟ لا شك انها ستجد صعوبة بالغة .... ولكن هل تلوم بروك على ذلك ؟ هل تستطيع ان تفهم اسلوب الايطالى القاسى فى الحصول على ما يريد ؟
عبر القاعة الغاصة بالراقصين ، لمحت بروك وجه شقيقتها لويز . كان بول كوريللى إلى جانبها ، وهى تنظر إليه باعجاب ممزوج بالخوف . انها لا يمكن حتى ان تتخيل ان الرجل الواقف الى جانبها قد طلب يد شقيقتها قبل دقائق قليلة فقط . كل شئ من أجل لويز : الحفلات ، الورود ، والملابس الزاهية . ودائما الأم تتولى الاهتمام بشؤون الأخت الكبرى وشجونها . وبدلا من ان تقبلها بارتياح ، ها هى ترميها نحو بول كوريللى الجذاب والقاسى فى ان واحد . قد تكون بروك مضطربة وضعيفة الآن ، لكنها ستجاهد كى لا ينفرد بكوريللى مرة أخرى هذه الليلة .
فجأة أحست بيد تمسك ذراعها ، فالتفتت لتجد نيجل بجانبها وهو يقول :
" السماء وحدها انقذتك من أمك يا عزيزتى . اختارى أى شاب تريدين .... لكن اياك وكوريللى "
ابتسمت ملء شفتيها وعيناها تلتمعان ببريق غريب :
" لعله هو الذى اختارنى "
" انها الحقيقة . دائما كنت اقول ان امك واختك لم تقدراك حق قدرك . هل تهتمين بالمسكينة لويز الآن ؟ يبدو انها بحاجة لمن يقف إلى جانبها فى هذه المحنة ، فهى تنظر إليه بشكل يدعو إلى الرثاء . والآن ، حدثينى ايتها العزيزة عما دار بينك وبينه "
هزت بروك رأسها بنفاذ صبر :
" أحاديث مختلفة . ارجوك ، لا اريد ان اسمع اسم كوريللى مجددا ، فلقد سمعت ما فيه الكفاية "
قال نيجل فى محاولة لتلميع صورته :
" انه لا يستحق كل هذا الاهتمام . الم يحن موعد العشاء بعد ..... اننى جائع جدا ؟ "
وضع نيجل ذراعه حول كتفى بروك واتجه معها إلى مائدة المرطبات ، حيث قدم لها شرابا منعشا وتناول آخر لنفسه . وكم كانت دهشته كبيرة عندما شربت كأسها دفعة واحدة . فهذه هى المرة الأولى التى يراها تفعل ذلك .... والظاهر أنها بدأت تتغير بدون أن تدرى ، وفى أكثر من مجال .
لن أتزوجك !
اقتحمت ليليان غرفة بروك وبرفقتها لويز التى ظهرت على وجنتيها آثار الدموع على خلفية من الماكياج المنوع .
واجهتها بروك بالاعتراض قائلة :
" انها الساعة الواحدة بعد منتصف الليل تقريبا "
قالت لويز بتردد :
" أمى "
قاطعتها ليليان بحدة :
" اتركى الأمر لى . لن يوقفنى شئ الآن عن قول ما جئت لأقوله "
سألتها بروك باقتضاب :
" هل جئت لتقولى اننى أسات إلى سمعتى فى الحفلة ؟ "
وفجأة انفجرت لويز باكية ، فاستدارت ليليان نحوها تواسيها واجلستها فى اقرب مقعد وهى تلامس شعرها بحنو ولطف .
قالت لويز :
" ارجوك ، لا تغضبى منى يا أمى "
" لا يمكن أن أغضب منك أبدا يا حبيبتى "
تدخلت بروك قائلة دون أن تغادر سريرها :
" استمعا إلى . اننى منهكة القوى .... فهيا قولا ما تريدان قوله ما الذى جعل لويز حزينة إلى هذا الحد ؟ "
استدارت ليليان تجاه ابنتها الصغرى :
" لقد تركت انطباعا مميزا هذه الليلة يا آنسة . فالفستان كان مناسبا تماما للخطط التى وضعتها .... هذا الى جانب الاموال التى صرفتها عليه "
قالت بروك بلهجة ساخرة اعتادت على مواجهة غضب أمها بها :
" اطرقى الموضوع مباشرة يا أمى "
ردت ليليان وانفاسها تكاد تتقطع :
" الموضوع انك لا تبالين ابدا بشقيقتك . بل لا تريدينها ان تتزوج "
" ما هذا الكلام السخيف . انها سعيدة كما هى الآن "
نظرت لويز إلى شقيقتها شذرا ، فبدت وكأنها صورة مصغرة عن أمها ، وقالت :
" لماذا غادرت الحفلة انت وبول ؟ "
تنهدت بروك وكأن خنجرا طعنها فى القلب :
" الحقيقة اننى لم اذهب معه يا عزيزتى . بل هو الذى ذهب معى "
صرخت ليليان بحدة :
" وهل تريديننا ان نصدق هذا الادعاء السخيف ؟ "
جاهدت بروك كى تحافظ على اعصابها :
" انه رجل غريب للغاية . لن اشغل فكرك حوله كثيرا .... فهو قد ازعجنى جدا "
اجابتها لويز :
" دعينى اقرر ذلك بنفسى . المسألة كلها أنك تغارين منى "
قالت بروك بلا مبالاة :
" يجب ان تلام امك على ذلك يا عزيزتى ، فهى التى وضعت هذه الافكار فى راسك . ومن ناحية اخرى ، الم تلاحظى نظرات الرجال الى هذه الليلة ؟ لقد كنت جذابة ومثيرة أكثر من أى امرأة أخرى "
ردت لويز بألم :
" من الواضح ان نيجل تصرف معك على هذا الاساس "
انتفضت ليليان وهى تقول :
" لسنا هنا للحديث عن نيجل ، ولست مستعدة لاهدار وقتى واعصابى فى النقاش حوله . لقد احب لويز طوال حياته .... ومع ذلك ، هل لاحظت كيف كانت تصرفاته الليلة ؟"
" لكن بروك هى التى اثرت فيه يا أمى "
وضعت بروك يدها على فمها بعد ان داهمها التثاؤب وقالت :
" كم أتمنى لو أن السنة الجديدة تحمل لكما بعض الاحساس . لماذا لا نؤجل الحديث إلى الغد ، فكلنا متعبات الآن ؟ "
" كان من الممكن أن تكون هذه الليلة رائعة ، لكنك دمرت كل شئ سعيت إليه . لن أسامحك أبدا يا بروك "
حدقت بروك فى شقيقتها بتمعن وقالت :
" فى بعض المرات أحس وأنا معك كأننى أتعامل مع طفلة صغيرة من تلميذات المدرسة "
منتديات ليلاس
احتقن وجه لويز بالغضب وراحت يداها تهتزان بعصبية وهى تقول :
" دعونا بول خصيصا هذه الليلة . ومع ذلك هربت به بعيدا فور وصوله إلى البيت "
" لم أسر كثيرا معه أيتها العزيزة . ومهما كان ، فقد اعتقلته طيلة البقية الباقية من السهرة "
قالت ليليان بحدة :
" ما هذا الكلام ؟ تقولين اعتقلته ؟ يا لهذا العقل السخيف ! لم أرك فى حياتى على هذه الشاكلة . أنت التى سعيت خلفه .... لكنه لن يهتم بك أبدا . أنه يريد لويز ، وان كان لا يظهر اهتمامه العلنى بها "
ردت بروك وهى تأخذ مقعدا مجاورا لشقيقتها :
" إذن ، الآن عرفت لماذا طلب يدى للزواج . من الصعب تصديق ذلك ، أليس كذلك ؟ اننى اعدكما بحفظ السر عن كل الناس "
خيم صمت مطبق على كل الغرفة ... ثم أطلقت لويز صرخة ألم مكتومة ،رافقتها صرخة تساؤل من ليليان :
" ماذا تقولين ؟ "
رددت بروك كلامها بهدوء :
" لقد طلبنى للزواج "
صرخت لويز بصوت عال ،ثم غرقت فى نوبة من البكاء والنحيب .
عادت ليليان تسأل ابنتها الصغرى وعيناها تلتمعان بشكل غريب :
" ما الذى فعلته أيتها الصغيرة ؟ "
تركت بروك العنان لغضبها المكتوم قائلة :
" انتبهى لكلامك يا أمى . فأنا لا أسمح لأحد بمخاطبتى بهذا الشكل "
تحول كلام ليليان إلى ما يشبه الزعيق وهى تقول :
" لا ..... لم أعد أحتمل ! " ثم هدأت قليلا بعد أن أحست أن ابنتها تروى الحقيقة تماما ، وانها وصلت إلى نقطة اللارجوع فى توترها وغضبها . وقالت :
" أى نوع من الرجال هو ؟ "
مسحت لويز دموعها بكفها وقالت :
" إنه كابوس يا أمى "
وفجأة قالت ليليان ما لم يتوقعه أحد :
" الأفضل أن تذهبى إلى الفراش يا حبيبتى "
صرخت لويز بعصبية :
" لست فى وارد النوم الآن . يمكنه أن يطلبها للزواج ويتزوجها ساعة يشاء ..... لكنى أريد أن أعرف كيف سرقته منى ؟ "
قالت بروك بجفاء :
" صدقينى ، إننى لم أسع خلفه أبدا "
" أنت كاذبة ...... كاذبة "
رفعت بروك يدها فى وجه شقيقتها قائلة :
" راقبى كلامك أرجوك "
صرخت ليليان :
" اضبطى اعصابك يا لويز "
جمدت لويز فى كرسيها ، وقالت من بين الدموع التى لم تتوقف عن الانهمار :
" اجبريها على الاعتراف بالحقيقة يا أمى "
استدارت الأم نحو بروك وسألتها بهدوء :
" وماذا قلت له ؟"
أجابت بروك وقد نفد صبرها :
" قلت له من الأفضل أن يبحث فى مكان آخر . ولعلك تفعلين خيرا إذا قلت لابنتك الغبية هذه ان لا تجرب دموعها معى . إنه يحترمها ويقدرها وغير راغب فى الزواج منها . دعيها تنسى الموضوع برمته ،فهو رجل قاس جدا "
راحت ليليان تقطع الغرفة جيئة وذهابا ،ثم قالت :
" حسنا ...... حسنا . هل أنت متأكدة من كلامك هذا "
ردت بروك بجفاء :
" تمام التأكيد ..... تمام التأكيد "
ألحت لويز فى إثارة الموضوع مجددا :
" وما هو دورك فى هذا التغيير ؟"
قالت بروك :
" فوجئت بالعرض مثلما فوجئتما به . الحقيقة أن طلبه للزواج جزء من صفقة تجارية إذا صح التعبير "
حولت ليلان عينيها إلى النافذة وهى تقول :
" تماما مثلما توقعت . صفقة تجارية ، زواج مصلحة . نحن نمتلك البيت والاسم وهو يملك المال .ولا شك أن هذا ما يريده فى الدرجة الأولى "
قالت بروك :
" من لمعقول "
عاودت لويز نوبة النحيب والبكاء ، فاستدارت ليليان نحوها بلطف :
" من الأفضل أن تذهبى إلى النوم الآن يا عزيزتى ،فآثار التعب ستظهر عليك بوضوح فى الصباح "
ردت لويز على أمها بحدة :
" لست أفهم موقفك يا أمى . من الأكيد أنك لن تعطى بركتك لهذه الخائنة "
سارت ليليان نحو ابنتها الكبرى ووضعت ذراعها على كتفيها قائلة :
" اصمتى الآن يا عزيزتى . كان من الأفضل لو أنه طلبك للزواج لأنك أجمل عروس على وجه الأرض ..... لكنه طلب بروك بدلا منك ، وعلينا أن ننظر إلى المسألة بمنطق .وأعتقد أنك ستفهمين الموقف عندما تفكرين فيه بهدوء "
اعترضت لويز بتوتر :
" أبدا . أنت تتخلين عنى لصالح بروك "
لم تنف ليليان هذه الحقيقة :
" لقد فعلت ذلك الآن . اذهبى إلى الفراش يا حبيبتى ، وسأخبرك بكافة التفاصيل صباحا "
قاطعتها بروك :
" لا فائدة من مناقشة الموضوع مجددا . فأنا لا أريد الزواج من السيد كوريللى ،وقد أبلغته قرارى هذا . وأنت يا لويز تزوجى باتريك ..... فهو الشخص المناسب ، اللهم إلا إذا أردت البدء فى العمل "
التمعت عينا ليليان بالغضب الممزوج بالراحة :
" لن أوافق على ترتيبات وعروض السيد كوريللى إلا إذا كان ينوى العناية بأمك وأختك "
أجابتها بروك والغضب يغلى فى صدرها :
" إذا سمحت له بذلك . فلا شك أنك إنتهازية جدا يا أمى "
هزت ليليان رأسها موافقة :
" على أن أكون كذلك . هل قال أنه مستعد لإعادة إحياء وينترسويت ؟"
اعترضت بروك بضعف :
" لا فائدة حتى من ذكر المسألة . لقد صدمت بعرضه المفاجئ الغريب . على فكرة ،هل تعرفان أن عنده ابنة فى السادسة عشرة من العمر ؟ "
صرخت لويز بصوت عال دون أن تتكلم ، فى حين قالت ليليان :
" ماذا ؟ "
" جزء أخر من أموره وتصرفاته التى لا نعرف عنها شيئا "
احتقن وجه ليليان وهى تقول :
" إذن ، فهو متزوج من قبل "
تابعت بروك الكلام بدون أن تهتم بتعليق أمها :
" ...... وهو متعلق بها إلى حد الجنون "
سألت ليليان بإصرار :
" أين هى هذه الفتاة ؟ أقصد أن أحدا منا لم يرها من قبل "
" إنها تعيش فى كينيا مع شقيقته المتزوجة هناك . وفور تجهيز البيت سيحضرها للإقامة معه . ولا أعتقد لويز كانت ستستطيع الاهتمام بفتاة فى سن المراهقة "
تنهدت لويز بعمق بدون أن تجرؤ على الكلام ، وبيديها المرتجفتين جمعت أطراف ردائها ثم دفنت وجهها بين راحتيها .... فقد أصبحت الأمور أكبر من قدرتها على الاحتمال .
أما ليليان فكانت منهمكة فى تقليب المسألة على عدة وجوه :
" فى كل حال . ليس هناك ما يدعو للقلق من فتاة مراهقة . والارجح أنها فتاة خجولة بحاجة للحماية الدائمة . كما وان هناك مدارس وجامعات فى الخارج ، بل أعتقد أننا قادرات على أخذها بيننا "
نهضت بروك بنفاد صبر :
" أمى ، لقد أعطيت جوابى وانتهى الأمر "
قالت ليليان بحزم :
" سوف تتجاوزين هذا الجواب السخيف بأسرع مما تتصورين "
صرخت بروك فى وجه أمها :
" غير ممكن . حتى من أجل انقاذ البيت ، لن أربط نفسى بكوريللى هذا . وأقول لك بوضوح أنه يخيفنى "
وبدأت لهجة ليليان تميل نحو اللطف :
" شعورك بالخوف طبيعى ،فهو قد فاجأك بعرضه . ألم أقل دائما أن واحدة منكما ستنقذنا ؟ من الطبيعى أن نضع التفاصيل كلها فى وثائق يعدها المجامى . وقد ادخل ابنته الصغيرة الجديدة إلى المجتمع الأوروبى الراقى ، ولعلى أزوجها من نبيل ثرى . بحق السماء يا ابنتى ، قد نستطيع أن نقوم برحلة إلى إنجلترا ..... بل ونحتفظ بالبيت للعائلة أيضا "
تنهدت بروك بتعب :
" الاحظ أنك لم تستمعى إلى المنطق العاقل . هل تسمحين فى بالنوم الآن ، فلم أعد قادرة على إبقاء عينى مفتوحتين ؟ "
قالت ليليان بلهجة الأم الحنون :
" آسفة يا عزيزتى . هيا بنا يا لويز ،سوف أؤمن لك مستقبلا أفضل يا حبيبتى لا تقلقى ، أمك ستتولى كل شئ .لقد تذكرت الآن كل ارتباطتنا العائلية ، وربما عدنا إلى الوطن فى أول فرصة ممكنة "
ردت لويز بكسل :
" لا أريد أن أذهب "
" يجب أن تذهبى يا عزيزتى .... يجب أن تذهبى "
شدت ليليان ابنتها نحوها وكأنها تدفع طفلا صغيرا ،ثم سارت باتجاه الباب . وقبل أن تغادر الغرفة التفتت إلى بروك قائلة :
" تصبحين على خير يا حبيبتى .أنت تعرفين أنه رجل طيب جدا .أنا متأكدة من أنه سيجعلك سعيدة للغاية "
همهمت بروك وهى ترتب سريرها :
" أنت تخرفين يا أمى "
تابعت ليليان تقول :
" أبدا أبدا .أنا فخورة بك يا ابنتى .لن نضطر إلى مغادرة البيت ، ولن نضطر إلى بيع المزيد من ثرواته . أما وقد وجدت نصيبك ،فسأركز جهودى الآن على لويز . لا شك أن الايطاليين ممتازون ،لكن الرجل الإنجليزى لا ينافس "
صرخت بروك بنفاد صبر :
" هلا أطفأت الأنوار يا أمى "
ردت ليليان :
" طيعا يا عزيزتى . تذكرى أننا نقف إلى جانبك "
كانت الأم تفكر فى الزواج كمجرد عملية حسابية معقدة .عليها فقط أن تعرض السلبيات ثم الايجابيات ،وعندما تطغى الايجابيات يصبح الأمر مبتوتا به . والزواج من بول كوريللى ليس سيئا ، خاصة وأنه ينوى العناية بعائلة زوجته . سحبت بروك الغطاء حتى شعرها الأحمر ، ولجأت إلى النوم لينقذها من التفكير بمسألة الزواج من بول كوريللى .
مضى أسبوع كامل قبل أن تلتقى بروك مجددا بكوريللى .كانت فترة صعبة للغاية فى مواجهة أمها التى لجأت إلى القسوة والاهانة بعد أن فشلت فى أسلوبها العاطفى اللين . فأية أبنة مؤدبة ومطيعة يجب أن تفعل ما تأمرها أمها ... وحتى لويز كانت توافق على هذا الموقف ،وباتت مقتنعة بأن الزواج من ارستقراطى انكليزى أفضل من الزواج بايطالى غير معروف أصله وفصله .
كان يوم الاثنين هو موعد اللقاء الدورى للجهاز التعليمى بالمدرسة .وعندما خرجت بروك من القاعة بوجود سيارة لامبورغينى فخمة بموقف السيارات أمام المدرسة .
هتفت زميلتها كاى موراى وقد علتها الدهشة مثل بروك تماما :
" يا إلهى .. من هو الثرى الذى يملك هذه السيارة ؟ "
وسرعان ما ظهر صاحب السيارة مرتدية سترة بيضاء على قميص حريرى ناعم . وما ان شاهدته بروك حتى تمسكت بذراع صديقتها قائلة :
" ابقى معى ارجوك "
" طبعا يا عزيزتى ..... طبعا "
انضم إليهما باقى الأساتذة الذين وقفوا أيضا يتأملون السيارة ،فى حين خطى كوريللى المسافة الباقية القليلة نحو بروك وكاى . قال لهما :
" نهاركما سعيد "
ردت بروك باختصار :
" كيف حالك يا سيد كوريللى "
تدخلت كاى قائلة :
" اننى سعيدة جدا بلقائك يا سيد ... "
قاطعتها بروك معرفة :
" كاى ، أقدم لك السيد كوريللى ، إنه صديق ...... خاص "
ابتسم كوريللى بسخرية خفيفة عندما لاحظ تردد بروك أمام عبارة " صديق خاص " ما كاى لم تخف اعجابها الشديد بهذا الرجل المميز ، فى حين تساءلت بروك عن الأسباب التى تدفعه إلى محاولة لفت الانظار إليه ؟
قال بهدوء :
" لقد اخبرتنى أمك أنك ستتأخرين فى المدرسة ،لذلك قررت الحضور بنفسى "
قالت كاى :
" اعذرنى للتدخل : لكنك سعيد الحظ فعلا ،أننى أحب سيارتك يا سيد كوريللى ، ولا أعتقد أننى رأيت مثلها فى حياتى "
رد بنعومة :
" ما زالت الطريق فى بدايتها "
" لا شك أنك ثرى جدا . هناك تقف سيارتى الصغيرة .. "
ثم التفتت نحو بروك قائلة :
" لا أطنك سترافقيننى اليوم ؟ " وعادت تحدث كوريللى قائلة : " نحن نستعمل سيارتينا دوريا .أنا أحضر سيارتى يومى الاثنين والجمعه من كل أسبوع ، وبروك تحضر سيارتها باقى الأيام "
ابتسم وهو يجيب :
" انه اجراء اقتصادى جدا "
ولاحظت بروك على الفور تأثير ابتسامته الساحرة على صديقتها ، التى سرعان ما تخلت عن حرجها وخجلها . قالت كاى وهى تترك ذراع بروك :
" سأراك فيما بعد يا عزيزتى .... وداعا يا سيد كوريللى "
رد عليها بلطف :
" إلى اللقاء "
قالت كاى وهى تتوجه إلى سيارتها :
" إذا كان ذلك يعنى أن أراك مرة أخرى فلا مانع أبدا "
لوح كوريللى لها مودعا ،لكن بروك عادت إلى الموضوع الأساسى فورا :
" هل تكلمت مع أمى فعلا ؟ "
قال لها :
" ان صديقتك تلوح مودعة "
انتبهت بروك لنفسها ، فالتفتت تلوح لصديقتها التى عبرت بسيارتها الصغيرة الساحة الأمامية متوجهة نحو الطريق العام .... تاركة اياهما لوحدهما . واخيرا سألته :
" لماذا أنت هنا ؟ "
أخذ ذراعها بحزم وقادها باتجاه سيارته الفخمة :
" انك ترحيبن بى ولا شك "
قالت :
" بسببك عشت أسبوعا مرعبا "
نقل عينيه على وجهها وشعرها ثم قال :
" يبدو عليك بعض الشحوب فعلا . ارجوك اخبرينى عن التفاصيل ؟ "
ردت عليه بحزم :
" انك تتكلم الانجليزيه بطلاقة يا سيد كوريللى ،لكننى متأكدة أنك تفكر على الطريقة الايطالية "
علق بلطف ساحر :
" أريد ان اساعدك فقط "
فتح لها باب السيارة ، ثم أغلقه خلها واستدار ليأخذ مقعد القيادة .
وعندما استقر بهما المقام قال :
" إذا لم يكن عندك مانع ،سنعيد طرح المسألة من أولها ؟ "
" لن تحصل أية فائدة من النقاش مجددا "
ورغما عنها راحت تتأمل السيارة من الداخل ،بل تركت أصابعها تتحسس الازرار والمعدات التى لم تر مثلها من قبل . وفجأة التقط يدها قائلا :
" يجب أن تخبرينى بكل التفاصيل ، فانا رجل عاطفى فعلا "
ردت قائلة :
" اترك يدى . فرئيسة المدرسة لا تحب الايطاليين ابدا ، وقد تظهر علينا فى اية لحظة "
" لا سمح الله بذلك ؟ "
ثم اسرع بادارة محرك السيارة وانطلق بها باتجاه الطريق الرئيسى :
" انت تحبين التدريس أيتها العزيزة بروك . أليس كذلك ؟ "
" أولا ، لست العزيزة بروك . ثانيا ، انا أحب التدريس فعلا "
" قيل لى أن التدريس يفقد بهجته عندما يعتاد المرء عليه ، أى بعد عشر أو عشرين سنة "
ردت قائلة :
" الا تعتقد انه من الافضل انهاء هذا الادعاء الكاذب ؟ "
التفت اليها للحظات ثم قال :
" يجب الا تتحدثى هكذا . لقد حذرتنى امك من انك فى حالة عصبية متوترة "
" امى لا تهتم ابدا بما اعتبره انا اعتبارات اخلاقية ضرورية . انا لا استطيع الزواج من رجل لا أحبه ،وأنا متأكدة من أنك أنت نفسك لا تحبنى "
ابتسم بتهكم وهو يقول :
" تتكلمين بأسلوب مؤسف يا عزيزتى . إذا كنت تعتقدين ان عدم حبى لك غير مقبول . فيجب أن تحاولى جعل نفسك محبوبة ومقبولة "
التفتت إليه بحدة فرأت الابتسامة الساخرة على وجهه :
" الا يمكن ان تكون جديا ولو لفترة قصيرة ؟ "
" انا جاد جدا بالنسبة لك . اننى اريد الحصول عليك ، وعليك بالتالى ان تثقى بى "
القت رأسها بتعب على المسند الخلفى للمقعد وقالت :
" يا الهى .... المسألة كلها مجرد كابوس مزعج "
" ارجوك لا تقولى هذا . ليس من اللطف اطلاق الكلام القاسى "
سألته :
" هل كنت هكذا طيلة حياتك ؟ "
اجابها بلطف ، لكن بحزم أيضا :
" علمتنى تجاربى ان على الانسان السعى الدائم من اجل الحصول على ما يريد "
" ولماذا أنا ؟ "
كانت هذه الصرخة محاولة للفرار من التوتر الداخلى المتزايد . فقد ترقرقت الدموع فى عينيها الخضراوين وباتت على وشك الانهيار بفعل الضغوطات المستمرة التى تعرضت لها طيلة الاسبوع الماضى ..... لكنها لا تريد ان تدعه يعتقد بأنه يخيفها أو يؤثر عليها .
قال بصوت عميق هادئ يحمل الكثير من النعومة والرقة :
" سأقول لك لماذا؟ كل رجل يحمل تصورات معينة عن المرأة التى يمكن ان يحبها ويعيش حياته كلها معها ، عن المرأة التى يعود اليها بعد عناء النهار ، عن المرأة التى تقف إلى جانبه وتنجب له أطفاله وترعى شؤون الاسرة . ولا أظن اننى اسئ اليك إذا قلت انك المرأةالأقرب إلى هذا المثال . فانت جميلة وغنية .... ولكنك ذكية أيضا . وانت تضحكين وتسخرين ، كما لاحظت فى مناسبات عديدة . عيناك تشرقان بالتحدى والارادة . اننى انوى الاحتفاظ بك ولن اؤذيك ابدا . ويجب ان تصدقى كل كلمة قلتها"
قاطعته بغضب :
" هذا لطف بالغ منك ، ومع ذلك فأنا لست بحاجة إليك يا سيد كوريللى "
تخلى كوريللى عن لهجته اللطيفة ، وعاد إلى الصوت الآمر المتسلط :
" انت تعرفين تماما ان هذا غير صحيح ، وتعرفين انك غير قادرة على الاستمرار لوحدك ، وتعرفين ان عليك مسؤوليات كبيرة تجاه أمك وأختك ، وانك لا تريدين ان يخرج البيت من اطار العائلة "
تنهدت بأسى :
" لا فائدة من هذا الكلام .كل ما تقوله صحيح ، لكننى ارفض ان اباع واشترى . اعرف انك مشهور بالقسوة والحزم، ولكنك لن تغلبنى . وعندما اقرر الزواج سيكون ذلك من الرجل الذى أحبه ويحبنى . وما عدا ذلك مرفوض تماما "
" اذا كان الامر يريحك ويغير رأيك ، فسأجعلك تحبيننى .... وبعمق "
كان يتكلم وكأن ايقاعها فى حبه امر هو رهن قراره الخاص . نظرت بروك الى جانب وجهه ، فتأكد لها مرة أخرى انها مع رجل مكابر عنيد وقادر فعلا الحصول على ما يريد مهما كلف الأمر .
قالت وهى تغالب دموعها :
" ارجوك ، خذنى إلى البيت "
وعلى حين غرة وضع يده على خدها بنعومة قائلا :
" كان اسبوعا موجعا ، أليس كذلك ؟ "
" كلنا نندم فى بعض المرات على اشياؤ قلناها وما كان يجب ان نفعل . انا شخصيا غير راضية عن تصرفاتى ، لكننى لن اتزوج مهما رافق العرض من تهديد ووعيد "
اغلقت عينيها للحظات قبل ان تتابع :
" اننى لا اعرفك . لا اعرف عنك الا انك غنى جدا ..... "
قاطعها ساخرا :
" غنى جدا ؟ من السهل ان يبنى الانسان الثروة على اساس المال الكثير الذى يملكه . اولا شركة المقاولات ، ثم صفقة الأراضى .... وهكذا . لم يعد يهمنى شئ الآن ، فقد بنيت ثروتى وشهرتى .ينقصنى فقط تكوين العائلة والحصول على بيت رائع كبيتكم . لا ترتجفى على هذا الشكل ، ليس هناك ما يثير فى كلامى . اننى اريدك للاسباب التى ذكرتها من قبل ..... فمنذ اللحظة الأولى التى شاهدتك فيها ، أصبحت جزءا متمما لكل مخططاتى "
ردت عليه بهدوء :
" تتكلم وكأننى لا استطيع تغيير شئ فى هذه المخططات ؟ "
تحولت لهجته إلى الشدة وهو يقول :
" عملية استيلاء كما تعتقدين ! اعرف انك امرأة معاصرة وذات تفكير متفتح ..... ومتحررة لكنك فى الاساس امرأة لها احاسيس النساء القديمات . الا تؤمنين بالقدر ؟ "
" اعرف ان هناك اناسا قادرون على تغيير حياة الناس الآخرين ، لكننى لن اسمح لك بتغيير مجرى حياتى يا سيد كوريللى . لن تنومنى مغناطيسيا طالما اننى اصارعك ، وانا الصخرة التى ستتحطم عليها كل المحاولات . من المؤسف ان احاسيسك لم تأخذك إلى امرأة غيرى . مثلا كاثرين بينتون من عائلة عريقة ومحترمة ، وقد اشارت الشائعات إلى أنك مهتم بها ؟ "
قال بلهجة استنكار :
" حقا . لقد دعوتها إلى العشاء عدة مرات ، فهل يعنى هذا اننا بتنا مخطوبين ؟ "
فى هذه الأثناء لاحظت بروك انه انعطف بسيارته إلى الجهة اليسرى فاستنفرت فى مقعدها قائلة :
" انك تذهب إلى الجهة المعاكسة "
" وماذا فى ذلك ؟ "
اقلقها جوابه الساخر فقالت :
" لا أعتقد انك بصدد اختطافى ؟ "
اجابها بصوت عادى جدا :
" اريدك أن ترى المكان الذى اعيش فيه "
قالت بحدة :
" اعرف اين تسكن .... هناك فى كولومنز "
" طبعا البناء من تصميمى ...... والبناء قامت به شركتى "
اجابته :
" مكان رائع للسكن ، فلماذا تريد التغيير ؟ "
قال بدون أن يلتفت إليها :
" سبق وأجبتك على هذا السؤال ..... لا تتوترى ، لقد أبلغت أمك اننى سأدعوك إلى العشاء الليلة "
قبل أن تجيب ، القت بروك نظرة خاطفة على ملابسها التى ، وان كانت جميلة ومرتبة ، الا انها غير مناسبة لدعوة عشاء . ثم قالت :
" اننى متعبة من جراء العمل ، وليس فى ملابس مناسبة للعشاء "
اجابها بمرح :
" غير مهم . سوف نعد حفلةخاصة بنا على الشرفة "
سألته بجفاء :
" وكم ترتفع الشرفة عن الأرض ؟ "
نظر اليها وعيناه تلتمعان بشرر غريب :
" المسكن فى الطابق العلوى . واقترح عليك الا تحاولى الهرب منى بالطيران كالعصافير "
" لم تخطر لى هذه الفكرة ابدا . سوف ازور شقتك يا سيد كوريللى لازالة الحاحك فقط ، ولكننى لن ابقى للعشاء معك "
" يؤسفنى اننى لم ابلغك اننا لسنا وحدنا . هناك الخادم الأمين ، وهو صديق حميم اثق به . انه ليس شابا، لكنه محل للثقة .... ويمكنك ان تثقى به كلية يا عزيزتى "
من الواضح انه لم يقصد الاستفراد بها فى شقته ، بل هوينفذ سياسة الخطوة خطوة للوصول إلى أغراضه . ومع انها مصممة على مواجهته بشدة ، الا أنه يشعرها بالعجز الكامل. وحتى اشمئزازها منه بدأ يضمحل ، فقد اختار الليلة المناسبة لخوض معركة هى ليست على استعداد لها .
ألقت بروك رأسها على المسند الخلفى للمقعد وتنهدت بعمق .... اما بول فنظر إليها خلسة وابتسم بهدوء وخبث .
فى صبيحة اليوم التالى ، استرجعت بروك احداث سهرة الأمس ، فاكتشفت ان كوريللى لم يفعل شيئا يزعجها ... بل كان لطيفا وساحرا وجذابا . وعكس ما توقعت ، فقد أعجبتها السهرة واستمتعت بها إلى أقصى الحدود ، رغم ان اعصابها ظلت مشدودة طيلة الوقت . اما الشقة فكانت قمة فى الروعة والأناقة وحسن الترتيب ، وقد تمازجت فيها المفروشات الحديثة بالتحف القديمة فى ظل اضاءة عرف صاحبها كيف يبرز بواسطتها كل مكامن الجمال . واكتشفت ايضا ان بول كوريللى ، رجل صعب لتركيب ، ولهذا فعليها ان تكون شديدة الحذر معه لئلا تجد نفسها واقعة فى حبائله من حيث لا تدرى .
كان الخادم العجوز جيانى يروح ويجئ فى صمت وأدب ، وقد أعد لهما عشاءا ممتازا. ولاحظت بروك ان العلاقة بين الاثنين اشبه ما تكون بعلاقة اصدقاء وليس علاقة خادم بمخدومه . وكم تمنت لو انها تعرف اللغة الايطالية كى تعرف ما كان يدور من احاديث بين كوريللى وجيانى .
ظلت بروك تسترجع تفاصيل سهرة العشاء مما اضطر احدى التلميذات إلى القول بأن المعلمة سارحة فى أحلام اليقظة .
وعندها راحت تجاهد كى تركز انتباهها على ما يدور فى قاعة الصف .... لكن صورة بول كوريللى ظلت تلح عليها . وكالعادة عندما تريد نصيحة ما ، اتصلت هاتفيا بماجى واتفقتا على اللقاء فى ظهيرة اليوم التالى .
قالت ماجى وهى تأخذ مقعدها إلى جوار بروك :
" ان مود هى التى ستتولى ادارة شؤون المحل فى غيابى ، وقد باعت اليوم مجموعة كبيرة من العقود والاساور الذهبية " . وراحت تنقل عينيها على وجه صديقتها الصغيرة ، ثم قالت :
" قبل ان ينضم الينا أحد ، أخبرينى ما المسألة ؟ "
" اخبرتك قبل قليل ، لكنك كنت مشغولة بالمزاد "
اقتربت ماجى من بروك وقالت باهتمام:
" هيا خبرينى مجددا "
" لقد طلبنى بول كوريللى للزواج "
علت علامات التعجب والدهشة وجه ماجى التى صاحت :
" يا إلهى ! اعرف انه قوة لا تقاوم ، لكنكما لم تعرفا بعضكما الا منذ فترة "
قالت بروك بصوت بارد :
" انا لا اعرفه على الاطلاق . انه مجنون قوة ، أو على الاقل يعتقد بأنه يستطيع اختيار المرأة المناسبة ..... ثم ينتهى الأمر "
سألتها ماجى بجفاء :
" وكيف تقبلت أمك الموضوع ؟ "
الاسبوع الماضى كان مرعبا . اما بعد ان تناولت العشاء معه هذا الاسبوع , فهى لم تثر اى متاعب "
" وماذا عن لويز ؟"
ابتسمت بروك برقة :
" الحسد تحول الى ارتياح . فقد اكتشفت انها لا تستطيع التعامل معه "
" وهل تريدين التعامل معه ؟ "
هزت بروك رأسها بعنف ورمت ماجى بنظرة حادة :
" كلا . انه جذاب جدا عندما يريد . لكنى لا ارغب فى الزواج برجل لمجرد انه غنى وجذاب "
" من الطبيعى ! لست ادرى لماذا يلقى الحظ رحاله دائما عند الفتيات الصغيرات "
" كونى جادة يا ماجى رجاء "
انحنت ماجى نحو صديقتها وربتت على يدها بلطف :
" آسفة يا عزيزتى . ماذا سنأكل الآن ؟ يخيل الى انك خسرت بعض وزنك "
همهمت بروك وهى تقرأ لائحة الطعام :
" الجو كان مناسبا لتخفيض الوزن . لست مضطرة للعودة بسرعة إلى المدرسة فلتميذاتى يذهبن الى الرياضة بعد ظهر اليوم "
ردت ماجى وهى تقرأ اللائحة بدورها :
" اننى اعرف ذلك . كم اتمنى لو اننى مثلك لا اهتم برشاقتى . واعتقد ان على العلماء تركيز جهودهم لاكتشاف وسائل تحفظ الرشاقة بدلا من اهدار نشاطهم فى محاولات لاكتشاف الفضاء " . ثم رفعت نظرها الى بروك وتابعت :
" هل تعرفين يا عزيزتى ان البعض يعتبرك المخلوقة الاكثر حظا فى العالم ؟ انه فعلا لقطة لا تفوت "
ردت بروك :
" لاشك فى ذلك , لكننى لا امانع ابدا فى التبرع بهذا الحظ العظيم . فأنا لا اعرف شيئا عنه سوى انه رجل صعب وغريب .. وربما كان فى الواقع بربريا مرعبا "
قطع الخادم حديثهما عندما اقترب منهما لاخذ طلباتهما . وعندما ابتعد , تابعت ماجى حديثها قائلة :
" لايمكننى السماح لك بهذا الكلام ,. فهو لم يفعل ما يسئ اليك , أليس كذلك ؟ "
" ليس اكثر من طلب يدي للزواج . ولا اعتقد يا ماجى انه يعرف كيف يتقبل الجواب بالنفى . هناك شئ آخر , انه اب لفتاة "
خيم الصمت قليلا , حين كانت ماجى تنظر الى يديها , ثم قالت بعد تفكير عميق :
" العائلة تعنى أشياء كثيرة للايطاليين . اين هى الفتاة الآن ؟ "
" انها ليست فتاة , بل هى مراهقة فى السادسة عشرة , وتعيش حاليا مع عمتها فى كينيا "
تساءلت ماجى :
" يبدو انه كان صغيرا جدا عندما تزوج . اعتقد انه فى أوائل الثلاثين من العمر . أليس كذلك ؟ "
اعترفت بروك :
" فى الخامسة والثلاثين " . ثم نظرت الى صديقتها التى كانت ما تزال تحت تأثير الصدمة , واضافت تقول : " لم يخبرنى الكثير عنها , باستثناء انه لم يكن متزوجا "
علقت ماجى ببطء :
" غريب . على الأقل لم يكذب عليك . لست ادعى اننى لم أفاجأ , لكن هذه الامور ممكنة الحدوث . من الواضح انه وصى على الفتاة , او سيأخذ الوصاية قريبا , اذا كنت غير راغبة بالزواج منه فلا داعى للاهتمام بالموضوع "
" لكن امى ستغضب وتثور "
قالت ماجى :
" لا استطيع فهم امك . وعليك انت ان تواجهى الموقف معها . فى البدء كانت لويز هى صاحبة الحظ , اما وقد اختارك انت , فلا ترى امك سوى ان تتزوجيه . يا له من موقف غريب "